مقالات

الأحكام المتعلقة بصوت المرأة في الفقه الشافعي

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

أضيف بتاريخ : 03-07-2025


الأحكام المتعلقة بصوت المرأة في الفقه الشافعي

هل صوت المرأة عورة؟

صوت المرأة ليس بعورة على الأصح؛ فلا تبطل صلاة المرأة به لو جهرت، ويحِلّ سماعه ما لم تُخش فتنة أو يلتذَّ به السامع، فإن خيفت الفتنة، أو التذَّ به السامع -وإن لم يخفْ الفتنة- حرم الإصغاء إليه، ولو بنحو القرآن، فجميع المباحث التي سنتكلم فيها، والتي أجازت للأجنبي سماع صوت المرأة، يحرم سماعه لشيء من ذلك مع الشهوة أو خوف الفتنة.

ما معنى قولهم "خوف الفتنة"؟

المقصود بخوف الفتنة: الداعي إلى جماع أو خلوة، أو أنه لو اختلى الرجل بالمرأة لوقع بينهما محرم.

ما حكم أذان المرأة؟

ذكر الفقهاء أن من شروط صحة الأذان "ذكورة المؤذّن"، فهو من وظائف الذكور.

ومن ثَمَّ يحرم على المرأة رفع صوتها بالأذان مطلقاً، ولا تثاب عليه؛ لأن الأذان غير مطلوب منها شرعاً، ولأنّ فيه تشبّهاً بالرجال، وإن لم تقصد التشبُّه بهم لوجود التشبه؛ فإنه مختصٌّ بالذكور، ولأنه مع رفع الصوت به يخشى من الافتتان، فتمكينها منه فيه حمل الناس على مُؤدٍّ لفتنة؛ لأنه يُسنُّ الإصغاء للمؤذن والنظر إليه، وكلٌّ منهما إليها مُوقِع في الفتنة، فلو جُوِّز الأذان للمرأة لأدى إلى أن يؤمر الأجنبي بالاستماع والنظر إلى ما يخشى منه الفتنة، وهو ممتنع.

وإن أذَّنت المرأة ولم ترفع صوتها به، لكنها قصدت التشبه بالرجال، حرم أذانها.

فيشترط لوجود الحرمة أحد علتين: رفع الصوت، أو قصد التشبه بالرجال، ورجَّح الإمام البجيرمي أنّ العلة المعتمدة هي قصد التشبُّه بالرجال.

فلو أذَّنت المرأة للرجال لمْ يصحَّ أذانها، ولم يعتدَّ به؛ لأنه لا تصحُّ إمامتها للرجال، فلا يصح تأذينها لهم، وكانت آثمة، ولا فرق في الرجال بين المحارم وغيرهم على المعتمد.

ولا يجب على سامع أذان المرأة من الرجال سدُّ أذنيه؛ لأنه لا يحرم سماعها إلا عند خوف الفتنة.

وحيث حرم عليها الأذان فهل تثاب أم لا؟ رجح بعضهم أنها تثاب، قياساً على الصلاة في المكان المغصوب؛ لأن العقاب قد يكون من غير حرمان الثواب، ورجح الإمام الشبراملسي أنها لا تثاب، وقال: إنه الأقرب، وذلك لأن الصلاة مطلوبة منها شرعاً، وتُعاقَبُ على تركها، فأثيبت على فعلها في المكان المغصوب، بخلاف الأذان، فإنها منهية عنه فلا تثاب عليه.

ولو أذَّنت المرأة للنساء بقدر ما يسمعن، بلا رفعٍ لصوتها، ودون قصد الأذان، ودون قصد التعبد من حيث إنه أذان، وقصدت به ذكر الله تعالى؛ فلا يَحرم عندها ولا يُكره، ويكون جائزاً غير مستحبٍّ؛ لأنه لا يندب لهنَّ الأذان وإن فقد الرجال، ويعتبر ذِكرًا لله تعالى، وصورةَ أذان، وليس أذاناً شرعيّاً، فإن تخلَّف قيد من هذه القيود حرم أذانها، وإن لم يكن ثَمَّ أجنبي.

حكم إقامة الصلاة للمرأة:

تندب إقامة الصلاة لجماعة النساء، بأن تفعلها إحداهنّ؛ لأن الإقامة لاستنهاض الحاضرين أصالة، فلا رفع للصوت فيها يخشى منه محذور، ويندب لمن صلت منفردة وحدها أن تقيم لنفسها.

ولا يصحُّ أن تقيم المرأة لرجل، وهل تأثم بذلك لتلبُّسها بعبادة فاسدة، قياساً على الأذان قبل الوقت؟ هذا احتمال، لكن الإمام الشبراملسي جعل الاحتمال الأقرب خلافه، وتبعه الإمام الشرواني في ذلك.

حكم رفع صوت المرأة بالقرآن في الصلاة وخارجها:

يجوز للمرأة رفع صوتها بقراءة القرآن الكريم في الصلاة وخارجها، وإن كان الإصغاء للقراءة مندوباً، ويُكره جهرها بالقراءة في الصلاة بحضرة أجنبي؛ خوف الفتنة.

وخالف الإمام الشربيني الحكم السابق، معلِّلا أنه ينبغي أن تكون قراءتها كالأذان؛ لأنه يُسنُّ الاستماع إلى القرآن الكريم، فشابهت الأذان.

والفرق بين القراءة والأذان: أنَّ القراءة مشروعة للمرأة ابتداء، وإنما جاءت الكراهة لعارض، وهو خوف الفتنة، بخلاف الأذان الذي لا يشرع للمرأة؛ لأنه من وظائف الذكور، ثم إنه لا يسنُّ النظر إلى القارئ بخلاف المؤذن، فلا يسلم قياس قراءة القرآن الكريم على الأذان. وعلى كلِّ حال يحرم سماع الأجنبيِّ لقراءتها مع الشهوة أو خوف الفتنة.

رفع صوت المرأة بالتلبية في الحج:

يُستحبُّ للرجل رفع صوته بالتَّلبية بحيث لا يضرُّ بنفسه، ويُندب للمرأة أن تخفض صوتها بالتلبية بحيث تُسمع نفسها؛ لأنه يُخاف من الافتتان بها؛ لأن صوت المرأة ربما كان سبباً في فتنة سامعه، وربما كان صوتها أفتن من النظر إليها.

فإن رفعت صوتها بالتلبية، فحكمها حكم من رفعت صوتها بالقرآن في الصلاة:

فيُكره لها أن ترفع صوتها بالتلبية بحضرة الرجال الأجانب، ولا يحرم -ولو رفعت صوتها فوق ما يسمع صواحبها-؛ لأن صوتها ليس بعورة، ولأنه لا يندب الإصغاء إليها حال تلبيتها، ولأن كلَّ أحد مشغول بتلبيته عن سماع تلبية غيره.

فإن كانت المرأة خالية -وحدها-، أو بحضرة نساء أو زوج أو محارم، فتجهر بالتلبية بلا كراهة، كما تجهر بقراءة القرآن في صلاتها الجهرية عند عدم وجود الأجنبي.

رقم المقال [ السابق ]

اقرأ للكاتب




التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha