الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي
إن للمصطلحات القضائية -مثل الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي وأوجه الجمع والفرق بينهما- أهميةً بالغةً في فهم مسائل الفقه؛ فكل جمع وفرق بين مسألتين مؤثِّر في فقه المسألة، ولعل هذا من الأسباب التي دفعت العلماء الى التأليف في (الفروق)، وهو وجود المسائل المتشابهة المتحدة في الصورة، والمختلفة في الحُكم والعلة[1].
وقبل بيان الفرق بين هذين المصطلحين، لا بد من تعريفهما وبيان وجوه الاتفاق بينهما.
أما ما يتعلق بالتعريف: فقد عرَّف بعضُ العلماء الدُّخولَ الحقيقيَّ بأنه "الوطء أو الاتصال الجنسي. وعُرِّفت الخَلْوة الصَّحيحة بأن يجتمع الزوجان بعد العقد الصحيح في مكان يتمكنان فيه من التمتع الكامل؛ بحيث يأمنان دخول أحد عليهما، وليس بأحدهما مانعٌ طبيعي أو حِسِّي أو شرعي يمنع من الاستمتاع"[2].
والخَلْوة الصَّحيحة تُشارك الدُّخول الحقيقيَّ في أمور، هي:
1. ثبوت كامل المهر الواجب المُسمَّى بمجرَّد العقد الصَّحيح.
2. وجوب العِدَّة الشَّرعيَّة على المرأة بعد الفُرقة.
3. وجوب نفقة العِدَّة على الزَّوج بعد التفريق.
4. ثبوت نسَب الولد من الزَّوج، إن حملت من فراشه، وتحقَّقت فيه شروط ثبوت النّسب.
5. حُرمَة الجمع بين الزَّوجة وبين أختها، ومَن في حكمها من المحارم إلى أن تنقضي عِدَّتُها[3].
وهذا كله في مذهب السادة الحنفية ومقتضى عمل قانون الأحوال الشخصية الأردني.
وتختلف الخَلْوة الصَّحيحة عن الدُّخول الحقيقي في أمور، منها:
أولًا: الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي من حيث الإحصان:
الإحصان: هو الزَّواج مع الدُّخول الحقيقي. وتختلف الخَلْوة الصَّحيحة عن الدُّخول الحقيقي في أنَّ الزّوج أو الزّوجة إذا زنيا -وكانا محصنين- كان الحدُّ هو الرَّجم. والخَلْوة لا تقوم مقام الدُّخول الحقيقي في هذا، ولا تحصِّنهما؛ فمن زنا منهما يُجلَد مئة جلدة[4].
ثانيًا: الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي من حيث حُرمة البنات:
إنَّ الدُّخول الحقيقي بالأم يُحرِّم بنت الزّوجة (الربيبة)على الزَّوج، وأما الخَلْوة الصّحيحة بالأم بعد العقد عليها، ثم طلاقها قبل الدُّخول؛ فلا تُحرَّم البنت على من عقد على أمها، قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء:23].
ثّالثًا: الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي من حيث حِلُّ النِّكاح:
والمقصود هنا: حِلُّ المطلقة ثلاثًا لمُطَلِّقها؛ فإن تزوَّجت من رجل آخر، وتمَّ الدُّخول الحقيقي، وبعدها طلقها الزّوج الثّاني، وانقضت عدَّتها بالطلاق أو الموت؛ فيَحِلُّ لزوجها الأول المطلِّق أن يتزوَّج منها. أما مجرَّد الخَلْوة الصَّحيحة؛ فلا تُحِلُّ المطلقةَ ثلاثًا لزوجها المُطلِّق[5].
نصَّت المادة (28 - ز) من قانون الأحوال الشّخصية الأردني على أنه يُحَرَّم بصورة مؤقتة تزوَّجُ الرّجل امرأةً طُلِّقت منه طلاقًا بائنًا بينونة كبرى إلا بعد انقضاء عدَّتها من زوج آخر دخل بها دخولًا حقيقيًّا في زواج صحيح.
رابعًا: الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي من حيث الرَّجعة:
الطّلاق بعد الخَلْوة الصّحيحة يكون بائنًا دائمًا؛ فلا يستطيع الزّوج مراجعة زوجته. والطلاق بعد الدُّخول يكون رجعيًّا ويكون بائنًا، ويستطيع الزّوج مراجعة زوجته في حالة الطّلاق الرّجعي[6].
خامسًا: الفرق بين الخَلْوة الصَّحيحة والدُّخول الحقيقي من حيث الميراث:
إذا حدث الدُّخول الحقيقي بين الزّوجين، ثم طلَّق الزّوج زوجته طلاقًا رجعيًّا، ومات عنها أثناء العدَّة فإنها ترثه، أما لو طُلِّقت بعد الخَلْوة الصَّحيحة، ومات الزّوج وهي في العدَّة فلا ترثه؛ لأنَّ طلاقها يُعدُّ بائنًا، والمعتدَّة من طلاق بائن لا ترث.
نصَّت المادة (91) من قانون الأحوال الشّخصية الأردني: كلُّ طلاق يقع رجعيًّا إلا المكمِّل للثلاث، والطلاق قبل الدُّخول، ولو بعد الخَلْوة، والطلاق على مال، والطلاق الذي نصَّ على أنَّه بائن في هذا القانون.
ولم يُشرْ القانون صراحةً لذلك، ولكن فُهِم من المواد الآتية بمفهوم المخالفة:
المادة (32): إذا وقع العقد صحيحًا ترتَّبت عليه آثاره منذ انعقاده.
المادة (33): إذا وقع العقد باطلًا سواء أتمَّ به دخول، أم لم يتم لا يفيد حكمًا أصلًا، ولا يرتِّب أثرًا من نفقة، أو نسَب، أو عدَّة، أو إرث.
المادة (34): إذا وقع العقد فاسدًا، ولم يتم به دخول؛ لا يفيد حكمًا أصلًا ولا يرتِّب أثرًا، أما إذا تمَّ به دخول؛ فيلزم به المهر والعِدَّة، ويثبت به النّسب وحُرمة المصاهرة، ولا تلزم به بقية الأحكام؛ كالإرث والنفقة.
[1] الندوي، علي أحمد، (2007)، القواعد الفقهية، ط7، دار القلم، دمشق، ص82.
[2] الزحيلي، وهبي، الفقه الإسلامي وأدلته، ط4، دار الفكر، دمشق، 9/ 6800.
ومن الأمثلة على الموانع الطبيعية: المرض، صغر السن، الرتق أو القرن في المرأة، المجبوب في الزوج، أما العنين والخصي فخلوتهما صحيحة.
ومثال الموانع الحسية: وجود شخص ثالث عاقل.
أما الموانع الشرعية، فمن الأمثلة عليها: الحيض، النفاس، صيام رمضان، الإحرام بالحج أو العمرة، الاعتكاف، أما صوم القضاء والنذر والكفارات والتطوع فلا يمنع صحة الخَلْوة.
انظر: ابن عابدين، الدر المختار (3/ 114) والموصلي، الاختيار لتعليل المختار، 3/ 103.
[3] القضاة، محمد أحمد، الوافي في شرح قانون الأحوال الشّخصية الأردني، ص171.
[4] القضاة، الوافي في شرح قانون الأحوال الشّخصية الأردني، ص171.
[5] القضاة، الوافي في شرح قانون الأحوال الشّخصية الأردني، ص171. والسرطاوي، شرح قانون الأحوال الشّخصية (رقم 15 - لسنة 2019)، ص151.
[6] السّرطاوي، شرح قانون الأحوال الشّخصية (رقم 15 - لسنة 2019)، ص151. والقضاة، الوافي في شرح قانون الأحوال الشّخصية الأردني، ص171.