الهجرة النبوية ... رحلة بناء الدولة الراسخة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
في هذه الأيام المباركة نتنسَّمُ عبيرَ تلك الرحلة المباركة المليئة بالرسائل والعِبر... ذكرى الهجرة النبوية الشريفة.
الهجرة النبوية الشريفة هي رحلة بناء الدولة القوية بمؤسساتها بمسجدها وجيشها واقتصادها، القوية بالعقيدة الراسخة لأفرادها، الدولة التي ستحمي الدين، وستحمي أفرادَها الذين يدافعون عن دينهم وهويتهم وأرضهم وعِرضهم ومقدراتهم.
هذه البداية وهذه القوة وهذا التمكين هو الذي يفسر لنا سرَّ ذلك العداء، سرَّ انتقال كفار مكة من مرحلة التضييق والأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام إلى مرحلة الإجماع على قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن علموا نيَّتَه على الهجرة والتوجه إلى تأسيس الدولة.
فالدولة القوية ذات الهوية الراسخة التي تدافع عن عقيدتها وأفرادها ومقدراتها كانت وما زالت تغيظ أعداءنا عبر الزمان والمكان، لذلك تحول مسار الأعداء من التضييق والحرب الاقتصادية والإعلامية الى إرادة القتل.
واتفقوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم: {وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثۡبِتُوكَ أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ يُخۡرِجُوكَ وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱلله وَٱلله خَيۡرُ الماكرين} [الأنفال:30].
واستخدام اللفظ (يمكرون) دلالة على أن الكفار يستمرون في مكرهم، ويستمرون في عدائهم... ولا زال مكر الكفار بهذا الدين، ولا زال مكرهم بمقدساتنا، ولا زال مكرهم بقضايانا الكبرى وعقيدتنا، ولا زال مكرهم في هذه الأمة ومبادئها وهويتها مستمراً إلى الآن: عسكرياً كما نراه نازلاً في أهلنا في فلسطين، وفكرياً كما نرى الموجات التي يقومون بها من الإلحاد والتشكيك في مصادر الأحكام وطعونهم في القرآن والسنة والعلماء، وخلقياً كما نرى موجات مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية في الدعوة إلى الشذوذ في العلاقات ... كل ذلك من مكرهم، لكن الآية تبين لنا أن مكر أعداء الله لا قيمة له ولا وزن.
ونحن اليوم وقد أنعم الله علينا بهذا البلد المبارك، وبنعمة الأمن والإيمان... فيجب علينا أن نحافظ على هذه النعم، وأن نعلم أن محافظتنا عليها قهر لعدونا، ونعلم أن القرآن والسنة والأحكام الشرعية ضمان لقوة بلادنا ووحدة صفنا... حمى الله الأردن وأدام عزه في ظل الراية الهاشمية المباركة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم.
نسأل الله سبحانه أن ينصرنا وأن يمكن لنا ديننا الذي ارتضى لنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والحمد لله رب العالمين.