فتاوى بحثية

الموضوع : يحرم على المسلم بُغض أحد من الصحابة أو انتقاصهم
رقم الفتوى: 3988
التاريخ : 21-07-2025
التصنيف: الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
نوع الفتوى: بحثية
المفتي : لجنة الإفتاء



السؤال:

ما حكم مَن يثير الخلافات السياسية بين الصحابة للطعن في بعضهم، أو انتقاصهم؟


الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

اصطفى الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلم خيرة من الخلق، وخصَّهم بصحبته والتلقي عنه والجلوس بين يديه، وأثنى الله تعالى على الصحابة في عدة آيات في كتابه، فقال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، وشأن المسلم أن يدعو لمن قبله من الذين سبقت لهم الحسنى، وأن يزيل من قلبه البغضاء والحقد، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].

فالصحابة رضي الله عنهم عدول، وذلك بتعديل الله عز وجل لهم، ويحرم الطعن والانتقاص من أحد منهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلاَ نَصِيفَهُ) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ) رواه الترمذي، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظر في قلوب العباد؛ فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئاً فهو عند الله سيئ" رواه أحمد.

وإنَّ ما وقع بين الصحابة من خلافات ناشئ عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين، يقول الإمام ابن رسلان الشافعي رحمه الله في منظومة صفوة الزبد: 

وما جَرَى بين الصِّحَـابِ نَسْـكُـتُ              عنـه وأجـرَ الاجتِهَـادِ نُـثْـبِـتُ

فالسعيد مَن تولى جملتهم، ولم يفرق بين أحد منهم، واهتدى بهديهم، وتمسك بحبلهم، والشقي مَن تعرَّض للخوض فيما شجر بينهم، واقتحم خطر التفريق بينهم، وأتبع نفسه هواها في سبِّ أحد منهم، قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق، والقرآن الكريم حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا؛ ليبطلوا الكتاب والسنة، فالجرح بهم أولى" [الكفاية في علم الرواية/ ص49].

ويحرم على العاميّ غير المؤهل أن يخوض في مضائق الخلافات بينهم، وما جرى من فتن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك يجرّ غالباً إلى محظور شرعي؛ كأن يبغض أحداً منهم عن جهل وقلة علم، قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله: "واعلم أنّ كتاب الله مشتمل على الثناء على المهاجرين والأنصار، وتواترت الأخبار بتزكية النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بألفاظ مختلفة، كقوله: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وكقوله: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم)، وما من واحد إلا وورد عليه ثناء خاص في حقه يطول نقله، فينبغي أن تستصحب هذا الاعتقاد في حقهم، ولا تسيء الظن بهم كما يحكى عن أحوال تخالف مقتضى حسن الظن، فأكثر ما ينقل مخترع بالتعصب في حقهم ولا أصل له، وما ثبت نقله فالتأويل متطرق إليه، ولم يجز ما لا يتسع العقل لتجويز الخطأ والسهو فيه، وحمل أفعالهم على قصد الخير وإن لم يصيبوه" [الاقتصاد في الاعتقاد/ ص131].

وعليه؛ فيحرم على المسلم أن يبغض أحداً من الصحابة أو أن ينتقصهم؛ لتوارد النصوص في مدحهم، وللخصوصية الثابتة لهم بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، ومعاينة أنواره الشريفة، ومخالطة أخلاقه المنيفة، والاقتباس من علومه ومعارفه، والأخذ بحكمه وأحكامه مباشرة بدون وسائط، فانظر أيها أحسن حالاً لك عند الله عز وجل أن تلقاه وأنت سليم الصدر من صحابة رسول الله وحسن الظن بهم وتعظيمهم وتوقيرهم، أم أن تلقاه وأنت تسبهم وتبغضهم وتطعن فيهم، قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "محبة الصحابة شرعية، فينبغي أن تكون على وجه يأذن الشرع فيه، ومن ضروراتها إتباع المحبوب" [كشف المشكل 1/ 308]. والله تعالى أعلم.



للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)

حسب التصنيف السابق | التالي
رقم الفتوى السابق



التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا