مقالات

اسم الله الأعظم

الكاتب : المفتي الدكتور فادي الربابعة

أضيف بتاريخ : 24-11-2025


اسم الله الأعظم

لا تزال قلوب المؤمنين تتشوق للوصول إلى معرفة اسم الله الأعظم؛ لأنه مفتاح وسبب استجابة الدعاء، فإنَّ للهِ تعالى الأسماء الحسنى التي أمر بدعائه بها كما جاء ذلك في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف:180]، وبين هذه الأسماء اسمًا أعْظمَ لله تعالى، وأنَّه إذا دُعي به أجابَ، وقد دلّ على ذلك الأحاديث النبوية الشريفة، منها:

أولاً: حديث بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: سمعَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ رجلًا يدعو وَهوَ يقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنِّي أشهدُ أنَّكَ أنتَ اللَّهُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ الأحدُ الصَّمدُ، الَّذي لم يلِدْ ولم يولَدْ ولم يَكُن لَهُ كفوًا أحدٌ، قالَ: فقالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نَفسي بيدِهِ لقد سألَ اللَّهَ باسمِهِ الأعظمِ الَّذي إذا دُعِيَ بِهِ أجابَ، وإذا سُئِلَ بِهِ أعطى)([1]).

ثانياً: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مَرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأبي عَيَّاشٍ زَيدِ بنِ صامِتٍ الزُّرَقيِّ وهو يُصَلِّي، وهو يقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بأنَّ لك الحمدَ، لا إلهَ إلَّا أنت، يا مَنَّانُ، يا بَديعَ السمواتِ والأرضِ، يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لقد دَعا اللهَ باسمِه الأعظَمِ، الذي إذا دُعيَ به أَجابَ، وإذا سُئل به أَعْطى)([2]).

 ثالثاً: في رواية عن أنس رضي الله عنه زاد فيها اسم الحنان، قال: مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأبي عيَّاشٍ زيدِ بنِ الصَّامتِ الزُّرْقيِّ وهو يُصلِّي وهو يقولُ: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك بأنَّ لك الحمدَ، لا إلهَ إلَّا اللهُ أنت، يا حنَّانُ يا منَّانُ يا بديعَ السَّماواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لقد سألتَ اللهَ باسمِه الأعظمِ الَّذي إذا دُعي به أجاب وإذا سُئل به أعطَى)([3]).

وأورده ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل بلفظ (اللهمَّ إني أسألُك بأن لك الحمدَ لا إله إلا أنتَ، الحنانُ المنانُ بديعُ السماواتِ والأرضِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ يا حيُّ يا قيومٌ)([4]).

رابعاً: حديث أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه قال: (اسمُ اللهِ الأعظمُ الَّذي إذا دُعِي به أجاب في سورٍ ثلاثٍ: البقرةُ وآلُ عمرانَ وطه)([5]).

وقد الْتمَسها بعضُ العلماءِ في هذه السُّوَرِ فوَجَدَها في البقَرةِ: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وفاتحةِ آلِ عِمْرانَ: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 2]، وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111].

وعن أسماءَ بنتِ يَزيدَ مرفوعًا: "اسمُ اللهِ الأعظمُ في هاتَينِ الآيتَينِ: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 163]، وفاتحةِ سورةِ آلِ عِمرانَ: {الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [آل عمران: 1- 2] ([6]).

وقد تعددت اجتهادات العلماء في تَحديدِ أي اسم من أسماء الله تعالى الحسنى هو اسم اللهِ الأعظم على أقوال هي:

القول الأول: الاسم الأعظم لله تعالى ليس بمعيّن أو معلوم، بل كل اسم من أسماء الله تعالى يدعو العبد به ربه مستغرقاً بحيث لا يكون في فكره وعقله حال دعائه غير الله تعالى فذلك الاسم هو الاسم الأعظم، وأشار الإمام ابن حجر الى أن هذا المعنى منقول عن جعفر الصادق وعن الجنيد وغيرهما([7]).

القول الثاني: إن الاسم الأعظم اسم معيّن، ولكن الخلاف في العلم به، فمنهم من قال بأنه غير معلوم للخلق، ومنهم من قال بأنه معلوم للخلق، وأصحاب هذا القول الأخير اختلفوا في تعيينه، فذكروا أقوالاً؛ فقد ذكر الإمام ابن حجر في الفتح أربعة عشر قولاً، وتابعه الإمام السيوطي وأضاف إليها ثلاثة أقوال أخرى، وذكر الإمام الرازي ستة من هذه الاقوال. وهذه الأسماء التي اجتهد أصحاب القول الثاني في تحديدها منها ما وردت بها النصوص ومنها ما هو اجتهاد، وهي:

1. لفظ الجلالة الله.

2. لفظ (هو).

3. الله الرحمن الرحيم.

4. الرحمن الرحيم الحي القيوم.

5. الحي القيوم.

6. الحنان المنان بديع السماوات والأرض.

7. بديع السماوات والأرض ذو الجلال والإكرام.

8. ذو الجلال والإكرام.

9. رب رب.

10. كلمة التوحيد.

11. مالك الملك.

12. اللهم.

13. لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

14. الله الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم.

15. الله لا إله إلا هو الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد.

16. قيل إنه مخفي في الأسماء الحسنى.

17. وقيل إنه مذكور في الحروف المذكورة في أوائل السور مثل: كهيعص، وحم، عسق([8]).

 أما اسم الله (الله)؛ فهو الاسمُ الوحيدُ الذي يُوجَدُ في كلِّ النُّصوصِ التي جاءَ أنَّ اسمَ اللهِ الأعظمِ ورَدَ فيها، وهو الاسمُ الجامعُ لِلهِ عزَّ وجلَّ الذي يَدلُّ على جَميعِ أسمائِه وصِفاتِه. قال العلامة ابن عابدين رحمه الله: "روى هشام عن محمد عن أبي حنيفة أنه [أي الله] اسم الله الأعظم، وبه قال الطحاوي، وكثير من العلماء وأكثر العارفين حتى إنه لا ذكر عندهم لصاحب مقام فوق الذكر به، كما في شرح التحرير لابن أمير حاج"([9]).

وأما لفظ (هو) قال عنه الإمام الغزالي رحمه الله: "لا إله إلا الله" توحيد العوام، "ولا إله إلا هو" توحيد الخواص، ولقد استحسنت هذا الكلام وقررته بالقرآن والبرهان: أما القرآن فإنه تعالى قال: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، ثم قال بعده: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] معناه إلا هو، فذكر قوله "إلا هو" بعد قوله "لا إله" فدلَّ ذلك على أن غاية التوحيد هي هذه الكلمة"([10]).

والأدعية الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة التي جمعناها فيها دلالة صريحة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن فيها اسم الله الأعظم، فينبغي أن يحرص المسلم عند دعائه أن يفتتح أو يختتم بها دعاءه أو يذكرها في دعائه رجاء موافقة اسم الله الأعظم الذي يجاب فيه الدعاء، فالموفق من وفقه الله تعالى لاستغراق ما توصل إليه العلماء من هذه الأسماء الواردة في صيغ الأدعية. والحمد لله رب العالمين.

 

 


[1] أخرجه أبو داود (1493)، والترمذي (3475)، والنسائي في السنن الكبرى (7666)، وابن ماجه (3857).

[2] أخرجه أبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (1300)، وابن ماجه (3858)، وأحمد (13798) واللفظ له. وهو حديث صحيح.

[3] أخرجه أبو داود (1495)، والنسائي (1300)، وابن ماجه (3858)، وأحمد (13798)، والمنذري في [الترغيب والترهيب (2/ 393)] وإسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.

[4] ابن القيم، شفاء العليل (2/ 759). وهو صحيح.

[5] أخرجه ابن ماجه (3856)، والطبراني (8/ 282) (7925)، والبيهقي في الأسماء والصفات (27) عن عبد الله بن العلاء عن القاسم موقوفاً. وهو حديث حسن.

[6] أخرَجه أبو داودَ والتِّرمذيُّ وابنُ ماجَهْ.

[7] لوامع البيانات، الرازي، ص92، فتح الباري، ابن حجر، ج11، ص 224، الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم القران والحديث والأصول والعقائد والتصوف والنحو وغيرها، للحافظ جلال الدين السيوطي، ج2، ص138.

[8] لوامع البيانات، الرازي، ص94-101، فتح الباري، ابن حجر، ج11، ص 224، الحاوي للفتاوي في الفقه وعلوم القران والحديث والأصول والعقائد والتصوف والنحو وغيرها، للحافظ جلال الدين السيوطي، ج2، ص135-139

[9] رد المحتار 1/ 5.

[10] مفاتيح الغيب 1 /139-140.

رقم المقال [ السابق ]

اقرأ للكاتب




التعليقات



تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا


Captcha