الواجب على الكفاية صوره وأحكامه
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
الأحكام التكليفية الخمسة -الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح- جاءت لتسطر منهجاً متكاملاً يجب على المكلف أن يسلكه وعلى الراشد أن يتبعه؛ ليفوز بالدنيا والآخرة، وليسعد بهما، وما يهمنا في هذه المقال من هذه الأحكام الخمسة هو الواجب، والواجب عموماً في الشريعة الإسلامية: "ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه"([1]). وهذا النوع من الأحكام التكليفية –الواجب- له تقسيماته وصوره كغيره من الأحكام التكليفية، قال الرازي: "فاعلم أنه بحسب المأمور به ينقسم إلى معين وإلى مخير، وبحسب وقت المأمور به إلى مضيق وموسع، وبحسب المأمور إلى واجب على التعيين وواجب على الكفاية"([2]).
وما سنورده في هذا المقال هو الواجب على الكفاية وهو: "ما يعم عدداً من المتعبدين ويسقط بفعل الواحد منهم"([3])، وهذا الأمر لا يمتنع عقلاً أن يعم الخطاب جميع المكلفين ويسقط بفعل بعضهم.
فالواجب على الكفاية أو فرض الكفاية عند الحنفية هو: "واجب على الجميع ويسقط بفعل البعض"([4])، فلو قام الجميع بالفعل نالوا ثواب الفرض، ولو امتنعوا عن الفعل أثموا جميعاً، وسمي بفرض الكفاية؛ "لأن البعض يكفي فيه، وسمي الآخر فرص الأعيان لتعلقه بكل عين، ولا يكفي البعض"([5])، فالواجب على الكفاية؛ واجب على الجميع يسقط بفعل طائفة تنوب عن غيرها.
فالواجب الكفائي منزلة بين منزلتين؛ فرض العين، والسنة المندوبة، فهو يشبه فرض العين من جهة وجوبه، والسنة من جهة جواز تركه، والواجب الكفائي يحقق مصلحةً لطرفين: من قام بالفعل، ومن ترك القيام بالفعل؛ فمن قام بالفعل يحصل على الأجر والثواب، ومن ترك القيام بالفعل برفع المشقة والإثم عنه.
وعليه: فإنّ فرض الكفاية أو الواجب الكفائي ما وجب على الجميع، وسقط بفعل البعض، فإذا قام به الجميع أُثيبوا على ذلك، وإنّ تركوا القيام بالفعل أثموا جميعاً.
صور الواجب على الكفاية:
لما بيّنا أنواع الواجب عموماً ووقفنا على دلالة معناه، كان لا بد من أن نبين أنوع الواجب على الكفاية وصوره، وفيما يلي بيان لهذه الصور:
الصورة الأولى: لا يمكن تكرره لحصول تمام المقصود منه بالفعل الأول؛ كإنقاذ الغريق، فلا يمكن إنقاذ من أُنقذ([6])، أو أخذ لقطة، وهذا النوع هو الذي يسقط بفعل البعض.
الصورة الثانية: لا يقع التكرار فيه لعدم حصول تمامه، ويطلب من كل واحد، قال السبكي: "لأن الذي يحصله هذا غير الذي يحصله هذا، والذي يحصله أولًا غير الذي يحصله الثاني"([7])، ويتعين هذا الواجب على من شرع فيه، نحو الجهاد فلا تكرار فيه؛ لأن عمل كل شخص مختلف عما يقوم به غيره.
الصورة الثالثة: يقع فيه التكرار وتتجدد مصلحته بتكرار الفاعلين له، "كالاشتغال بالعلم، وحفظ القرآن، وصلاة الجنازة؛ لأن مقصودها الشفاعة، فهذه الأمثلة ونحوها كل أحد مخاطب بها، وإذا وقع يقع فرضاً تقدمه غيره أم لم يتقدمه، ولا يجوز له تركه إلا بشرط قيام غيره به، فإذا قام غيره به جاز الترك وارتفع الحرج"([8])، فهذه الصورة يمكن تكررها وتتجدد بتكرر المصلحة.
المسائل التي تتعلق بالواجب على الكفاية:
عند دراسة الواجب على الكفاية، يبرز لنا عدة مسائل تتعلق بهذا المبحث تناولها علماء الأصول، ووقفوا عليه، نطرقها بهذا المقال على عُجالة واختصار وهي:
المسألة الأولى: أيهما أفضل الواجب العيني أم الواجب الكفائي؟
اختلف الفقهاء في بيان أيهما أفضل: الواجب العيني، أم الواجب الكفائي على أقوال: 
القول الأول: ذهب الشافعية إلى أنّ فرض العين أفضل من فرض الكفاية، وعللوا ذلك بتقديم المؤكد على المخير، قال الزركشي الشافعي: "يقدم آكدهما، فيقدم فرض العين على فرض الكفاية، ولهذا قال الرافعي في الكلام على الطواف: قطع الطواف المفروض، لصلاة الجنازة مكروه، إذ لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، وقال في باب الكسوف: لو اجتمع جنازة وجمعة وضاق الوقت، قدمت الجمعة على المذهب"([9])، فلا يحسن ترك الجمعة لصلاة الجنازة؛ لأن الأول واجب عين، والثاني واجب كفاية.
القول الثاني: إنّ الواجب الكفائي أفضل من الواجب العيني، "لأنّ فاعل الكفاية ساع في صيانة الأمة كلها عن المأثم، أما فرض العين فإنه يصان به الإثم عن الفاعل فقط، ولا شك أن ما يتعلق بالأمة كلها أهم، وأولى مما يتعلق بالبعض"([10])، وإلى هذا القول ذهب كل من الأستاذ أبو إسحاق وإمام الحرمين وأبوه وغيرهم؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة([11])، ولأنّ نفعه أعم، إذ يسقط الفرض عن نفسه وعن غيره. وهو ما اختاره الإسنوي([12]).
القول الثالث: فيما ذهب الفريق الثالث إلى الجمع بين القولين، "بأن كلا منهما أفضل من وجه"([13]). وهذا قول وجيه وفيه بُعد نظر، وعليه ففي المسألة تفصيل؛ فبعض المسائل، فرض العين أفضل من الواجب على الكفاية، نحو: صلاة حاضرة يخشى فواتها إذا أديت صلاة الجنازة، فيكون الاشتغال بالمفروضة أولى وأفضل، أو ترك طواف الافاضة للاشتغال بصلاة الجنازة، فالاشتغال بالمتعين أولى وأفضل.
وقد يكون الاشتغال بالكفاية أفضل من الاشتغال بالمفروضة، نحو إنقاذ غريق وفوات مكتوبة، فيقدم إنقاذ الغريق على المكتوبة؛ لأن حفظ النفس من الضروريات الخمس التي تقدم على غيرها، وكذلك الجهاد عند احتلال بلاد المسلمين.
المسألة الثانية: هل يشترط في المكلف أن يعلم تحقق القيام بالفعل بفرض الكفاية، أم يكتفي بحصول الظن بوقوع الفعل؟
لا يشترط في الواجب على الكفاية تحقق القيام بالفعل من بعض المكلفين؛ وذلك لوقوع المشقة في التحقق، والشريعة مبنية على التيسير، "فإذا غلب على ظن هذه الطائفة أن تلك فعلت سقط عن هذه، وإذا غلب على ظن تلك الطائفة أن هذه فعلت سقط عنها، وإذا غلب على ظن الطائفتين فعل كل واحدة منهما سقط عنهما"([14])، فلا يشترط ممن لم يقم بأداء الواجب الكفائي تيقنه تمام الفعل، بل يكفي غلبة الظن، وأنّ هذا الفعل قد قام به غيره، فيكفي في سقوط المأمور به على الكفاية ظن الفعل لا وقوعه تحقيقاً، والله تعالى أعلم.
ولما كان مبنى الواجب الكفائي قائم على الظن لا على اليقين في تحقق فعله، كان الثواب والعقاب مبني على ذلك الظن كما يقول الإسنوي: "أن التكليف بفرض الكفاية دائر مع الظن، فإن ظن كل طائفة أن غيره فعل سقط الوجوب عن الجميع، وإن ظن كل طائفة أن غيره لم يفعله وجب عليهم الإتيان به ويأثمون بتركه، وإن ظنت طائفة قيام غيرها به وظنت أخرى عكسه، سقط عن الأولى ووجب على الثانية"([15])، ومن ظن وقوع الفعل وتمامه سقط التكليف عنه بلا إثم، وإن ظن عدم القيام بالفعل وجب في حقه ويأثم إن لم يقم به.
وعليه: فالعلم بتحقق القيام بالفعل في الواجب الكفائي مداره على الظن لا على اليقين؛ فيكفي تحقق غلبة الظن بقيام الفعل لا اليقين، وأمّا إذا غلب على الظن أنّ غيره لم يقم بالفعل فقد وجب عليه القيام به.
المسألة الثالثة: هل يتعين فرض الكفاية على من شرع به، ويجب عليه إتمامه أم لا؟
هذه من المسائل التي يجب الوقوف عندها والنظر فيها وعدم التعجل في الجواب عنها؛ وذلك لما لها من صور وحالات مختلفة، يختلف الحكم معها تبعاً لاختلاف المعطيات والصور، فإذا قلنا بالتعيين، فهل يجب تمام الفعل أو لا يجب؟ وإذا قلنا بعدم التعيين، فهل يلزم من ذلك عدم الاستمرار بالفعل؟ للإجابة على ذلك لا بد من الوقوف على هذه الحيثية بتمعن والوقوف على صور هذه المسألة، وفيما يلي أبرز هذه الصور:
الصورة الأولى: أن يتعين القيام بالفعل مع وجوب إتمامه إن شرع به، فيصبح في حق من شرع به فرض عين، ويجب عليه أن يتم ما قام به، يقول العطار في حاشيته: "ويتعين فرض الكفاية بالشروع فيه، أي يصير بذلك فرض عين يعني مثله في وجوب الإتمام بجامع الفرض، كما يجب الاستمرار في صف القتال جزماً؛ لما في الانصراف عنه من كسر قلوب الجند"([16])، فالاشتغال بالجهاد فرض كفاية، لكنه تعيّن على المجاهدين حال الشروع به، ويجب إتمامه ويحرم عليهم الانسحاب بقصد الفرار؛ لأن الفرار من الموبقات التي حذر منها نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم.
كما يصبح الواجب الكفائي واجباً عينيّاً ويجب الاستمرار به "إذا انحصر الفعل المطلوب في شخص معين أو فئة معينة، كالجهاد، فإنه يصبح فرض عين على كل قادر عليه، إذا لم يحصل بعدد محدد"([17])، كما يتحول الواجب على الكفاية واجباً عينياً إذا انحصر الفعل في شخص معين، كأصحاب الحرف والمهن، فتصبح واجبة على التعيين ويجب إتمامها، نحو الطبيب الذي يكون في قرية نائية ولا يوجد من يقوم بالعمل سواه، وكذلك الأمر في التعليم إذا انحصر في أشخاص معينين، وغيرها في سائر الحرف والمهن.
الصورة الثانية: ألاّ يتعين الفعل بالشروع به ويجب إتمامه، "والقصد به حصوله في الجملة فلا يتعين حصوله ممن شرع فيه، فيجب إتمام صلاة الجنازة على الأصح"([18]). فصلاة الجنازة لا تتعين عند وجود من يقوم بهذا العمل، ولكن لا يصح الخروج من الصلاة لمن شرع بها لما فيها من هتك لحرمة الميت، وهو الحال نفسه مع تغسيل الميت وتكفينه لمن شرع في الفعل؛ لما فيها من الازدراء للميت وللأحياء من أقاربه.
الصورة الثالثة: ألاّ يتعين الواجب الكفائي ولا يجب الاستمرار به، ومن ذلك الحرف المهنية والعلوم الشرعية والدنيوية، "وإنما لم يجب الاستمرار في تعلم العلم لمن آنس الرشد فيه من نفسه على الأصح؛ لأن كل مسألة مطلوبة برأسها منقطعة عن غيرها بخلاف صلاة الجنازة"([19]). فأصحاب الحرف والمهن إذا وُجد من يقوم بهذه الحرف دونهم فلا تتعين على من تلبس بها، ولا يجب عليه الاستمرار بهذه الحرفة أو المهنة.
وخلاصة المسألة أن فرض الكفاية لا يتعين ولا يجب إتمامه إلاّ في أمور محددة نحو: الجهاد وإنقاذ غريق، كما أنه قد لا يتعين ويجب إتمامه في بعض المسائل: نحو؛ صلاة الجنازة وتغسيل ميت وتكفينه، وقد يبقى على الكفاية كما في أغلب المسائل؛ لأنّ كل مسألة مستقلة بذاتها عن غيرها، فلا يحكم على جميع المساِئل بصورة واحدة، فلو ترك إنسان عمله كطبيب أو معلم فلا يطلب منه الاستمرار بها، ولا تتعين عليه، ولا أثم يلحقه ما دام غيره يقوم بهذا العمل.
المسألة الرابعة: هل الخطاب في الواجب على الكفاية موجه إلى جميع المكلفين ويسقط بفعل البعض، أم أنّه موجه إلى جماعة غير معينة؟
الخلاف يكمن في هذه المسألة لمن وجه الخطاب ابتداءً؟ هل وجه لجميع المكلفين، أم أنه وجه لطائفة غير محددة؟ وفيما يلي بيان للمسألة:
الرأي الأول: ذهب جمهور الأصوليين إلى أنّ الخطاب متعلق بجميع المكلفين، "بمعنى أن القادر على الفعل عليه أن يقوم بنفسه، وغير القادر يحث غيره على القيام به"([20]). فيكون الأجر والثوب للجميع إن فعلوا الواجب، وإن امتنعوا عن الفعل عمّ الإثم الجميع.
وجعل صاحب الفروق الوجوب في فروض الكفايات متعلقاً بالكل ابتداء على سبيل الجمع، وعلل ذلك "لئلا يتعلق الخطاب بغير معين مجهول فيؤدي ذلك إلى تعذر الامتثال، فإذا وجب على الكل ابتداء انبعثت داعية كل واحد للفعل ليخلص عن العقاب"([21])، ولأن تعلق الخطاب بغير معين ممتنع عقلاً، فلا بد أن يكون الخطاب موجهاً لمعين، وإلا كيف يكون خطاباً إذا كان موجهاً لغير معين بالخطاب؟!.
الرأي الثاني: ذهبت المعتزلة إلى "أن فرض الكفاية يتعلق بطائفة غير معينة، لأنه لو تعلق بالكل لما سقط إلا بفعل الكل"([22])، فهذا الفريق نظر إلى سقوط الطلب بفعل البعض، وهو ما استدل به لما ذهبوا إليه.
ويجاب على ذلك "أنّ الإيجاب على واحد لا بعينه فمحال؛ لأنّ المكلف ينبغي أن يعلم أنه مكلف، وإذا أبهم الوجوب تعذر الامتثال"([23])، فكما يقول الغزالي إذا كان الخطاب لطائفة غير محددة، فإنه يتعذر الامتثال ويسقط الوزر، فكيف يأثم من لم يطلب بالفعل ابتداءً.
ويعلل ابن قدامة ثمرة الخلاف بين الجمهور والمعتزلة كما يقول: "من علم بشيء من فروض الكفايات، كتغسيل ميت وتكفينه، والصلاة عليه، وشك هل هناك من قام بهذا الواجب أو لا؟ فعلى رأي الجمهور يجب عليه السعي ليتبين حقيقة الأمر، لأن الأمر متعلق به على سبيل الوجوب المحقق، ولا يسقط بالشك. أما على الرأي الثاني فلا يلزمه ذلك، لأن الخطاب لم يتوجه إليه"([24])، وهذا التعليل فيه نظر من وجهين:
الأول: إنّ الواجب على الكفاية مبني على الظن لا على اليقين أو الشك، فإذا ظن أنّ الفعل لم يقم به أحد، أو غلب على ظنه ذلك، فعندها يطلب منه على الوجوب ولا يسقط عنه، لا كما يقول ابن قدامة رحمه الله في تعليله أن الفعل مبني على الوجوب المحقق في حال الشك.
الثاني: أنّ تعليل ابن قدامة يحدث فتوراً عن العبادة وتقاعساً عن الطاعة، ثمّ من أين للمخاطب أن يعلم أنّ الخطاب ليس موجهاً إليه؟، وكيف يمكن الجزم أنه ليس من الطائفة التي وجه لها الخطاب؟ فلو قلنا بذلك لما قام أحد بالعمل، ثمّ لم يأثموا لترك الفعل وهذا لم يقل به أحد.
فهذه المسألة نظرية أكثر من كونها عملية، فمن نظر إلى المسألة من ناحية الوجوب فإنّه يحمل الخطاب على أنّه موجه لجميع المكلفين، ومن نظر من حيث القيام بالفعل وأنّ الفعل يسقط بفعل البعض، حمل الخطاب على أنه موجه لطائفة غبر معينة، والجميع متفق على أنّ الإثم يسقط بفعل البعض، كما أن الإثم يلحق جميع المكلفين أن تركوا العمل.
وعليه فما ذهب إليه الجمهور هو القول الأوجه والصواب الذي يستقيم معه العقل، وهو أكثر دقة وحفظاً لكرامة المسلم ومكانته، والله تعالى أعلم.
المسألة الخامسة: هل تقع الكفاية في السنن والمندوبات كما وقعت في الواجبات؟
فكما أنّ فرض الكفاية يقع في الواجبات، فإنه يتصور في المندوبات المسنونة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب فيها، كالأضحية والتسليم والتشميت العاطس، والتسمية على الطعام، فهذه من المندوبات التي يطلب من الفرد أو الجماعة فعلها، فإذا فعلها شخص من تلك الجماعة أسقط الطلب عن باقي الجماعة.
يقول السبكي: "وقد زعم فخر الإسلام الشاشي أنه ليس لنا سنة على الكفاية إلا الابتداء بالسلام وليس كذلك، فمن سنن الكفاية تشميت العاطس، والتسمية على الأكل. والأذان والإقامة، وما يفعل بالميت، وما ندب إليه، والشاة الواحدة إذا ضحى بها واحد من أهل البيت"([25])، فللمندوب على الكفاية صور كثيرة في الفقه الإسلامي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغب بفعلها وحث عليها وجعلها من المؤكدات، وأسقطها عن الجماعة إذا قام به أحد أفرادها.
وعليه فإنّ الكفاية كما وقعت في الفروض والواجبات، فإنها تقع في السنن المندوبات.   
الخلاصة 
1. الواجب على الكفاية واجب على الجميع، ويسقط بفعل بعض المكلفين.
2. الواجب على الكفاية قد يتحول إلى فرض عين على من شرع به، ولكن فرض العين لا يتحول إلى كفاية.
3. لا يشترط التحقق من فعْل الواجب على الكفاية حتى يسقط الإثم عن الجميع، بل يكفي غلبة الظن في ذلك.
4. الواجب على الكفاية له صور ثلاث، منها: ما يتكرر بتكرار الفاعلين نحو الاشتغال بالعلم، ومنها ما لا يتكرر لحصول تمام الفعل، كإنقاذ الغريق، ومنها ما لا يتكرر لعدم تمامه نحو الجهاد.
5. الخطاب في الواجب على الكفاية موجه لجميع المكلفين ويسقط بفعل البعض.
6. الكفاية كما تقع في الفروض تقع في السنن والمندوبات.
7. التفاضل نسبي بين فرض الكفاية وفرض العين، فقد يكون فرض العين أفضل من فرض الكفاية في بعض الأحوال، وقد يكون فرض الكفاية ومقدم على فرض العين أيضاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 
 ([1])علاء الدين عبد العزيز بن أحمد بن محمد الحنفي (المتوفى: 730هـ)، كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، دار الكتاب الإسلامي، د.ط، د. تاريخ، ج1، ص 119.
 ([2])الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن (المتوفى: 606هـ)، المحصول، ت طه جابر فياض، مؤسسة الرسالة، الثالثة، 1997 م، ج2، ص162.
 ([3])الآمدي، أبو الحسن سيد الدين علي بن أبي علي (المتوفى: 631هـ)، الإحكام في أصول الأحكام ، عبد الرزاق عفيفي، المكتب الإسلامي، لبنان، ج1، ص104.
([4])ابن قدامة المقدسي، أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد (المتوفى: 620هـ)، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، مؤسسة الريّان، الثانية 2002م، ج1، ص123 .
([5])القرافي شهاب الدين أحمد بن إدريس (ت: 684هـ)، شرح تنقيح الفصول، ت طه عبد الرؤوف، شركة المتحدة، الأولى، 1973م، ص155.
 ([6])ينظر: السبكي؛ تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (المتوفى: 771هـ)،الأشباه والنظائر، دار الكتب، الأولى،1991م، ج2، ص89.
([7])السبكي، الأشباه والنظائر، ج2، ص89.
 ([8])الزركشي أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (المتوفى: 794هـ)، البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتبي، الأولى، 1994م، ج1، ص335.
([9]) الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (المتوفى: 794هـ)، المنثور في القواعد الفقهية، وزارة الأوقاف الكويتية، الثانية، 1405هـ - 1985م،ج2، ص420.
([10])ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه ، ج1، ص123.
 ([11])ينظر، الزركشي؛ المنثور في القواعد الفقهية، ج2، ص420.
 ([12])ينظر، الإسنوي الشافعيّ، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، ص75.
([13]) الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص411.
([14]) القرافي، شرح تنقيح الفصول، ص155.
 ([15])الإسنوي، أبو محمد جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الشافعيّ (المتوفى: 772هـ)، نهاية السول شرح منهاج الوصول، دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، الأولى 1420هـ- 1999م، ص44.
([16]) العطار، احسن بن محمد بن محمود لشافعي (المتوفى: 1250هـ)، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، دار الكتب العلمية، بدون طبعة وبدون تاريخ، ج1، ص240.
([17]) الطوفي، شرح مختصر الروضة، ج2، ص411،ج2، ص407.
([18]) العطار، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، ج1، ص240.
([19])العطار، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، ج1، ص240.
([20]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، ج1، ص586.
([21])القرافي، الفروق، ج2، ص17.
([22]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، ج1، ص586.
 ([23])الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الطوسي (المتوفى: 505هـ)، المستصفى، محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، الأولى، 1413هـ - 1993م، ص217.
([24]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، ج1، ص586.
([25]) السبكي تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين (المتوفى: 771هـ)، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، ت علي محمد معوض، عالم الكتب - لبنان / بيروت، الأولى، 1999م - 1419هـ، ج1، ص504.