إسعاف المتصدرين بضبط أحاديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عند أهل الفقه المتبصرين
مختصر كتاب "إصلاح غلط المحدثين" للإمام أبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم البستي المعروف بالخطابي (المتوفى 388هـ)
المقدمة
الحمد لله الكبير المتعال، المُنـزّه عن كل نقص والمُتفرد بصفات الكمال، العالي سبحانه عما لا يليق والمترفع عن الشبه والمثال.
والصلاة والسلام على من جاءنا بالمحجة البيضاء، ليس فيها عيب ولا اختلال، سيدنا محمد الهادي إلى طريق الحق بالحكمة والدال إليها برسوخ وامتثال، وعلى آله وصحبه المتبعين سنته الآخذين بها باعتدال، وبعد:
فإن الإمام الخطابي إمام محقق، ومحدث مدقق، فقيه، لغوي، أديب، له جهوده المعتبرة في خدمة كتاب الله تعالى، وخدمة عدد من كتب الحديث النبوي الشريف، إلى جانب إسهاماته اللغوية المميزة؛ التي تُنبئ عن باع طويل في علوم اللغة والحديث والفقه، ومن بعض نتاجه رحمه الله كتابه الذي نحن بصدده (إصلاح غلط المحدثين) الذي يعد مرجعاً للمحققين من العلماء.
وقد ذكر فيه الإمام الخطابي -كما صرح في مقدمته-:
-عدداً من ألفاظ الحديث التي يرويها أكثر الرواة والمحدثين ملحونة ومحرّفة أخبر بصوابها.
- وألفاظاً أخرى تحتمل وجوهاً، فرجح بينها واختار أبينها وأوضحها.
ولمّا كان لهذا الكتاب هذه الأهمية في ضبط الأحاديث النبوية الشريفة، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، ولمساس بعض تلك الروايات بمسائل الفقه؛ فقد رأيت أنه من المستحسن عمل مختصر للكتاب أخدم به إخواني المتصدرين للمنابر الإعلامية في دائرة الإفتاء وغيرها، وكذا ساداتنا العلماء الأجلاء والمشايخ الفضلاء المهتمين بتدريس كتب الفقه، كي تعم الفائدة بين طلبة العلم، وتنتشر المعلومة الأدق والرواية الأوثق.
أما عن المنهجية التي اتبعتها في اختصار كتاب الإمام الخطابي رحمه الله، فكانت على النحو الآتي:
أولاً: قمت باختصار الكتاب بانتقاء الروايات الواردة فيه -على حسب ترتيب سياقها فيه-، والاقتصار على الأحاديث والأقوال المأثورة المتعلقة بالأحكام الشرعية، أو التي يطرقها الوعاظ والخطباء في مواعظهم. فكانت تمثل بمجموعها نحواً من ربع الكتاب تقريباً.
ثانياً: عمدت إلى استثناء ما اطلعت عليه من أحاديث موضوعة في الكتاب، وأما الأحاديث الضعيفة فقد أشرت إليها -قبل ذكر الحديث- بإيراده على سبيل الأثر أو بصيغة التضعيف (يروى). واجتهدت في تخريج الأحاديث والأقوال وعزوها إلى مصادرها بوضعها بين معقوفتين [ ]، ونبهت على اختلاف اللفظ في الرواية إن وقع.
ثالثاً: حافظت -في اختصار الكتاب- على التزام منهجية الإمام الخطابي بإثبات الرواية المصحَّحَة -كما هي-، ثم ذكر السبب في ضبطها دونما إضافة عليه أو تغيير، ليبقى الكتاب في إطاره العام مُتّسقاً مع أصله في العموم الأغلب.
رابعاً: لم أقم بأي جهد إضافي في الكتاب فيما يتعلق بالتحقيق وضبط النص، غير أني شكّلت الألفاظ المُشكِلة بوضوح، وأبرزتها باختيار نوع من الخطوط يظهر ذلك، وميزتها عن بقية كلمات النص بوضع علامة خط (___) تحتها.
وختاماً، أسأل الله تعالى القبول والسداد.
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم
أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن يزيد ابن إدريس القُرشيّ قراءةً مني عليه بالمدرسة الناصرية، المنشأة على تربة الإمام الشافعيّ رضي الله عنه.
وعرضنا بأصلِ سماعِهِ فأقرَّ به، قالَ: حدّثني الشيخُ الإمام الصالحُ المتقنُ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن خليل القيسيّ القرطبيّ قراءةً عليه في داره بمراكش، سنة ثمان وستين وخمسمائة، قالَ: ثنا الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتّاب قالَ: ثنا أبو عمرو عثمان بن أبي بكر الصَّدَفيّ السفاقسيّ قالَ: ثنا محمد بن علي بن عبد الملك الفقيه قالَ: قالَ أبو سليمان الخطابيّ رحمه الله: هذه أَلفاظٌ من الحديث يرويها أكثرُ الرُّواةِ والمُحَدِّثينَ ملحونةً ومُحرَّفَةَ، أَصلحناها لهم وأَخبرنا بصوابها، وفيها حروفٌ تحتملُ وجوهاً اخترنا منها أَبْينَهَا وأَوْضَحَها، واللهُ الموفقُ للصوابِ لا شريك له.
قالَ: أبو سُليمان:
*قوله صلّى الله عليه وسلّم -في البحر-: (هو الطّهُورُ ماؤهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ) [أخرجه الإمام أبي دواد]
مَيْتَتُهُ -مفتوحة الميم-: يريدون حيوان البحر إذا ماتَ فيه.
وسمعتُ أبا عُمَر يقولُ: سمعتُ المُبَرّدَ يقولُ ـ في هذا ـ: المِيتةُ: الموتُ، وهو أمرٌ من اللهِ عزَّ وجَلَّ يقعُ في البَرِّ والبحرِ، لا يُقالُ فيه حلالٌ ولا حرامٌ.
أما مِيتَتُهُ -بكسر الميم- كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ خرجَ من الطاعة فماتَ فميِتَتُهُ جاهِلِيّةٌ)، فهي بمعنى الحال والهيئة، يُقالُ: ماتَ فُلانٌ مِيتَةً حَسَنَةً وماتَ مِيتَةً سيِّئةً. كما قالوا: فُلانٌ حَسَنُ القِعْدَةِ والجِلْسَةِ والرِّكبْةِ والمِشْيَةِ والسيِرةِ.. كما في قولهُ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا ذَبَحْتُم فأَحْسِنوا الذِّبْحَةَ، وإذا قَتَلْتُم فأحسِنوا القِتْلَةَ).
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها: (ليسَتْ حِيضَتُكِ في يَدِكِ) [أخرجه الإمام مسلم]
حِيضتك -مكسورةُ الحاءِ- والحِيضَةُ: الاسمُ أو الحالُ، يريد: ليستْ نجاسةُ المَحيضْ وأَذاهُ في يدِكِ.
وأمَّا الحَيْضَةُ: فالمَرَّةُ الواحِدةُ من الحَيْضِ أو الدُّفعةُ من الدَّمِ.
*الحديث الذي يرويه سلمان رضي الله عنه -في الاستنجاء-: أَنَّ رجلاً من المشركين قالَ له: لقد عَلّمكُم صاحِبُكم كلًّ شيءٍ حتى الخِراءَةَ [أخرجه الإمام مسلم]
الخِراءَةُ -مكسورة الخاءِ ممدودة الألفِ-: الجِلْسَةَ للتخلي والتنظفِ منه والأدب فيه.
*قَولُهُ صلّى اللهُ عليه وسلّم -عند دخولِ الخلاءِ-: (اللهُمّ إنّي أعوذُ بكَ من الخُبُثُ والخبائِثِ) [متفق عليه]
الخُبُثُ -مضمومُ الباءِ-: جَمْعُ خبَيثٍ.
أمَّا الخبائِثُ فهو جمعُ خبيثةٍ، استعاذَ بالله من مَرَدَةِ الجِنِّ ذكورِهم وإناثهم.
*ما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم -في الاستنجاء-: (وأَعِدُّوا النُّبَلَ) [رواه أبو عبيد وابن أبي حاتم وغيرهما]
يُروَى بضَمِّ النونِ وفَتْحِها، وأجودُهُما الضمّةُ، واحدُها نُبْلَة، يُقالُ: انتبَلْتُ حَجَراً من الأرضِ، إذا أخذتَهُ، وأنبلْتُ غيري حجراً، ونَبّلْتُهُ: إذا أنتَ أعطيتَهُ إيّاه. واسمُ الشيء الذي تتناوَلُهُ: النُّبْلةُ. كما تقولُ: اغترَفْتُ بيدي ماءً، واسمُ ما في كَفِّكَ: غُرْفَةٌ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم -لأَمِّ سَلَمَةَ حينَ حاضَتْ-: (أَنَفِسْتِ؟) [أخرجه الإمام مسلم]
بفتحِ النـونِ وكسرِ الفاء، معنــاه: حِضْتِ. يُقـالُ: نَفِسَتِ المرأةُ إذا حــاضَتْ، ونُفِسَتْ -مضمومةُ النونِ-: من النِّفاسِ.
*حديثُهُ صلّى الله عليه وسلم -الذي يرويه عليٌّ رضي الله عنه-، قالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم عنِ المَذْي [متفق عليه]
المَذْيُ -ساكنةُ الذّالِ-: وهو ما يخرجُ من قُبُلِ الإنسانِ عندَ نشاطٍ، أو مُلاعبةِ أَهْلٍ أو نحوهما.
*قولُ عائشةَ رضي اللهُ عنها: كانَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَمْلَكَكُم لأَرَبِهِ [متفق عليه]
والإرْبُ: العُضْو.
وإنّما هو لأرَبَه -مفتوحة الألف والراء-: وهو الوَطَرُ وحاجةُ النّفْسِ.
وقد يكونُ الإرْبُ: الحاجة أيضاً، والأًوَّلُ أَبْيَنُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (مِنْ تَوَضَّأَ للجُمعةِ فبِها ونِعْمَتْ) [أخرجه الإمام أبي داود]
مكسورة النونِ ساكنة العينِ والتاء، أي: نِعْمت الخلّة.
وقال بعضهُم: نَعِمْتَ، أي: نَعَمَكَ اللهُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسَلّم -في الجُمعةِ-: (مَنْ غَسَلَ واغْتَسَلَ) [أخرجه الإمام أبي داود]
يرويه بعضهُم: غَسّلَ ـ بتشديدِ السينِ ـ وليس بجيّد، وإنّما هو غَسَلَ بالتخفيف.
غَسَلَ –بالتخفيف-: ويُتأوَّلُ على وجهين:
أحدهما: أَنْ يكونَ أرادَ بهِ اتباع اللفظِ، والمعنى واحدٌ. كما قالَ في هذا الحديث: (استمعَ وأَنصت، ومَشَى ولم يركبْ).
والوَجْهُ الآخر: أنْ يكون قَوْلُهُ: غَسَلَ، إنَّما أرادَ غَسْلَ الرأسِ، وخَصَّ الرأسَ بالغَسْلِ لما على رؤوسِهم من الشعر، ولحاجَتهِم إلى معالجتِهِ وتنظيفِهِ. وأمَّا الاغتِسالُ فإنَّهُ عامٌّ للبَدَنِ كُلِّه.
*حديثُ زَيدٍ بنِ ثابت رضي الله عنه: قالَ: رأيتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يقرأُ في المَغْرب بطُولَى الطُّولَيَيْن. يعني سورةَ الأعراف [أخرجه الإمام البخاري]
طُولَى: تأنيث أَطْول.
والطُّولَيَيْن: تثنيةُ الطُّولَى. يريدُ أنَّهُ كانَ يقرأُ فيها بأَطْوَلِ السُّورَتَيْنِ، يريدُ الأَنعامَ والأعرافَ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّما أُنَسّى لأَسُنَّ) [أخرجه الإمام مالك في الموطأ]
أُنَسّى: أي أُدْفَع إلى النسيان.
وما يرويه عَوامُّ الرواةِ: أُنْسَى، خفيفة السين، على وزن أُدْعَى، فليسَ بجيِّدٍ.
*نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِلَقِ لِلْحَدِيثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ [أخرجه الإمام ابن أبي شيبة]
الحِلَقُ -مكسورة الحاءِ مفتوحة اللامِ-: جمعُ حَلْقَة. يَقالُ: حَلْقةٌ وحِلَق مِثْلُ بَدْرَة وبِدَر وقَصْعَة وقِصَع.
نهاهُم عن التّحَلُّقِ والاجتماعِ على المُذاكرة والعِلْمِ قبلَ الصلاةِ، واستحبَّ لهم ذلكَ بعدَ الصلاةِ.
ويرويه كثيرٌ من المحدِّثين: عن الحَلْقِ قبلَ الصلاةِ. ويتأوّلونَهُ على حِلاقِ الشّعرِ. حتى قال بعضهم: لم أَحْلِقْ رأسي قبلَ الصلاةِ نحواً من أربعينَ سنةً بعدما سمعتُ هذا الحديثَ.
*الحديث الذي يَرْويِهِ ذو اليَدَيْنِ قال: (فخرجَ سَرَعَانُ الناسِ) [متفق عليه]
يرويه العامَّةُ: سِرْعان الناسِ -مكسورة السينِ ساكنة الراءِ- وهو غَلَطٌ.
والصوابُ: سَرَعَانُ الناس -بنصبِ السينِ وفتح الراء- هكذا يقول الكِسائيّ.
وقالَ غيرُهُ: سَرْعان -ساكنة الراء- والأوّلُ أَجْوَدُ.
فأمَّا قولهُمُ: سرعانَ ما فَعَلْت، ففيه ثلاثُ لُغاتٍ: يُقالُ: سَرْعَانَ وسِرْعان وسُرْعان، والراء فيها ساكنة والنون نصب أبدًا.
*قَولُ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (العارِيَّةُ مؤدَّاةٌ) [أخرجه الإمام الترمذي]
مشدَّدة الياء، ويُجمعُ على العوارِيّ، مشدَّدة كذلك. وهي اللغةُ العاليةُ.
وقد يُقالُ أيضاً: هذه عارية وعَارَة.
*وفي الحديث: لمّا جاء نَعِيُّ جَعْفَرٍ قالَ رسول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: (اصنعوا لآلِ جَعْفَرٍ طعاماً) [أخرجه الإمام أبي داود]
النّعِيُّ -بتشديدِ الياءِ-: الاسمُ.
أمَّا النّعْيُ: فمصدرُ نَعَيْتُ الميِّتَ أنَعاهُ.
*قَولُهُ صلّى اللهُ عليه وسلّم -في حديثِ الذَّكاةِ-: (امْرِ الدَّمَ بما شِئْتَ) [أخرجه الإمام أحمد]
من قولك: مراهُ يَمْريه مَرْياً، إذا أسالَهُ. ومَرَيْتُ عيني في البكاء، ومَرَيْتُ الناقةَ إذا حلبتَها، وناقةٌ مَرَّيةٌ.
وأصحابُ الحديثِ يقولون: أَمِرَّ الدَّمَ -مشَدَّدة الراء- يجعلونه من الإمرارِ، وهو غَلَطٌ، والصوابُ ما قلتُهُ لكَ.
*وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه، قال: لما طُعن عمر رضي الله عنه أَعْوَلَتْ عَليْهِ حَفْصَةُ، فقال عمر: أما سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: (المُعْوَلُ عليه يُعَذَّبُ ببكاء أهلِهِ) [أخرجه الإمام مسلم]
ساكنة العين خفيفة الواو، من أَعْوَلَ يُعْوِلُ: إذا رفعَ صوتَهُ بالبكاءِ.
والعامَّةُ تَرْويه: المُعَوَّلُ عليه -بالتشديدِ على الواو- وليسَ بالجَيِّدِ.
إنّما المُعَوَّلُ من التّعْويل، بمعنى الاعتمادِ. يُقالُ: ما على فُلانٍ مُعَوَّل، أي مَحْمل. وقالَ بعضهُم: عوَّلَ بمعنى أَعْوَلَ.
*وقولُ عُمَر رضي الله عنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَنْكِحِ الرَّجُلُ لُمَتَهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَلْتَنْكِحِ الْمَرْأَةُ لُمَتَهَا مِنَ الرِّجَالِ) [أخرجه الإمام سعيد بن منصور]
أي: مثله ومثلها في السِّنِّ. فاللُمَة خفيفة.
ومن الرواةِ مَنْ يُثَقِّله، وهو خَطأٌ.
فأمَّا لِمَةُ الشّعَرِ، فمكسورةُ اللام مُثَقّلُة الميمِ.
وأمَّا قولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ للمَلَكِ لَمّةً وللشيّطانِ لَمّة). فإنَّها مفتوحةُ اللامِ مُثَقّلُة الميمِ.
ومما يُثَقِّلونَه من الأسماءِ، وهي خفيفةٌ: سَنَةُ الحُدَيْبِيَة، وعُمْرَةُ الجِعْرانَةِ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (اخْتَتَنَ إبراهيمُ عليه السلامُ بالقَدُومِ) [متفق عليه]
مُخَفّفٌ. ويُقالُ: إنَّهُ اسمُ مَوْضعٍ.
وكذلك القَدُومُ الذي يُعْتَمَلُ به، مُخَفّفٌ أيضاً.
*رواية الإمام الدارقطني لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا صِيامَ لمَنْ لم يَبُتَّ الصيامَ من الليلِ) [أخرجه الإمام النسائي وغيره بلفظ: يبيت، وتفرد الإمام الدارقطني بروايته من طريق آخر، وقال عن رجاله: كلهم ثقات]
ورواهُ العامَّةُ: يُبِتّ، مضمومة الياءِ.
واللغةُ العالِية: يَبُتّ، من بَتّ يَبُتّ: إذا قطعَ.
ومَنْ رواهُ: يَبِتّ، فقد وهمَ، إنَّما يَبِتّ من باتَ يَبِيتُ.
وقد رُوي أيضاً: لمَنْ لم يُبَيِّت الصيامَ من الليلِ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (لَخُلُوفُ فَمِ الصائمِ أَطْيَبُ عندَ اللهِ مِنِ ريحِ المِسْكِ) [متفق عليه]
أصحابُ الحديثِ يقولون: خَلُوف -بفتحِ الخاءِ-، وإنَّما هو خُلُوف -مضمومة الخاءِ-، مصدر خَلَفَ فَمُهُ يخلُفُ خُلُوفاً: إذا تَغَيّرَ.
وأَمَّا الخَلُوفُ فهو الذي يَعِدُ ثُمَّ يُخْلِفُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (المؤمنُ يأكلُ في مِعىً واحدٍ) [متفق عليه]
مكسورُ الميمِ مقصورٌ؛ لا يُمَدُّ المِعَى. والمعنى أَنَّهُ يتناولُ دُونَ شبعِهِ ويؤثرُ على نفسِهِ ويُبقي من زادِهِ لِغيرِهِ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (خَمْسٌ لا جُناحَ على مَنْ قَتَلَهُنَّ في الحِلِّ والحَرَمِ، فذكرَ الحِدَأَةَ) [متفق عليه، واللفظ لغيرهما]
يرويه بعضُ الرواةِ: الحَدَاة -مفتوحة الحاءِ، ساكنة الألَفِ-.
وإنّما هي الحِدَأَةُ -مكسورة الحاءِ، غير ممدودةٍ مهموزةٌ-.
*قَولُ عائِشة رضي الله عنها: طَيَّبْتُ رسولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لحُرْمِهِ حينَ أَحْرَمَ [أخرجه الإمام مسلم]
مضمومة الحاءِ، والحُرْمُ: الإحرامُ.
فأَمَّا الحِرْم -بكسر الحاءِ-: الحرامِ. يُقالُ: حِرْمٌ وحَرامٌ، كما قيِلَ: حِلُّ وحَلالٌ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (... لبّيْكَ إنّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ) [متفق عليه]
إنَّ -مكسورة الألفِ- أَحْسَنُ.
وروايةُ العامةِ: أَنَّ الحَمْدَ -مفتوحة الألفِ-. أخبرني أبو عُمَر عن أبي العباس ثَعْلَب قالَ: مَنْ قالَ: أنَّ -بفتحِ الألفِ- خَصَّ، ومَنْ قالَ: إنّ –بكسرِها- عَمَّ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا أُتْبِعَ أَحدُكُم على مَلِئٍ فَلْيَتْبَعْ) [أخرجه الإمام مسلم]
عَوامُّ الرواةِ يقولونَ: إذا اتُّبِعَ -بتشديد التاء-، على وزنِ افْتُعِلَ.
وإنّما هو: أُتْبِعَ -ساكنة التاء- على وزنِ أُفْعِلَ، من الإتباعِ. ومعناهُ: إذا أُحِيلَ على مَلِئٍ فَلْيحتَلْ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا يُكلِّمُهُم اللهُ يومَ القيامةِ: فذكرَ المُنَفِّقَ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الفاجِرَةِ) [أخرجه الإمام مسلم بغير هذا اللفظ]
المُنَفِّق -مُشَدَّدَة الفاء- أَجودُ، يريدُ: المُرَوِّج لها من النَفاقِ.
فأمَّا المُنْفِقُ -ساكنة النون- فإنَّهُ يُوهمُ مَعْنى الإنفاقِ.
*وفي حديث عثمان رضي الله عنه: لا تُكَلِّفوا الأَمَةَ غير الصَّنَاعِ كَسْباً فإنَّها تكسِبَ بفَرْجِها [أخرجه ابن الأعرابي في معجمه]
الصَّنَاع -خفيفة النون-: التي تصنعُ بيدِها، ضِدّ الخَرْقاء التي لا تصنعُ. يُقالُ: رجلٌ صَنَعٌ وامرأةٌ صَنَاعٌ.
وروايةُ العامَّةِ: غير الصنّاع -مُثَقَّلَة النون- لا وَجْهَ لهُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ قَتَلَ نَفْساً مُعاهِدَةً لَم يَرَحْ رائحةَ الجَنّةِ) [أخرجه الإمام البخاري، واللفظ لغيره]
رواهُ بعضهُم: لم يَرِحْ -مكسورة الراءِ-.
ورواهُ بعضهُم: لم يُرِحْ. وأجودُها: لم يَرَحْ -مفتوحة الراء- من رِحْتُ أَرَاحُ: إذا وَجَدْتَ الريحَ.
*حديثُ يزيد بن طارق: أَنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قالَ: (ما مِن أَحدٍ إلاَّ وله شَيْطانٌ، قِيلَ: ولكَ يا رسولَ اللهِ؟ قال: ولِي، إلاَّ أنَّ الله تعالى أعانني عليه فأَسْلَمُ) [أخرجه الإمام البخاري بغير هذا اللفظ]
عامَّة الرواةِ يقولونَ: فأَسْلَمَ -على مذهبِ الفِعْلِ الماضي-، يريدونَ: أنّ الشيطان قد أَسْلَمَ إلاّ سُفيانَ بنَ عُيَيْنة فإنَّهُ يقولُ: فأَسْلَمُ، أي: أَسْلَمُ من شَرِّهِ، وكانَ يقولُ: الشيطانُ لا يُسْلِمُ.
*وفي قصّة موتِ أبي طالب أَنَّهُ قالَ: (لولا أنْ تُعَيِّرني قُرَيْشٌ فتقول: أَدْرَكَهُ الجَزَعَ لأَقرَرْتُ بها عَيْنَكَ) [أخرجه الإمام مسلم]
كانَ أبو العباس ثعلبٌ يقولُ: إنَّما هو الخَرَعُ، يعني: الضَّعْفَ والخَوَرَ.
*حديث النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ من عبادِ اللهِ ناساً ما هُم بأنبياء ولا شُهداء يَغْبِطُهُم الأَنبياءُ والشهداءُ، قالوا: ومَنْ هُم يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: قومٌ تحابُّوا برُوحِ الله) [أخرجه الإمام أبي داود]
الراءُ -من الروح- مضمومة، يريدُ القُرآنَ. ومنه قولُهُ تعالى: ]وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا[ [سورة الشورى، الآية:52].
*حديث النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: (فينبِتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبّةُ في حَمِيلِ السّيْلِ) [متفق عليه]
الحِبّةُ -بكَسْرِ الحاءِ-: بُزورُ البَقْلِ والنبات.
أمَّا الحِنْطَةُ ونَحْوُها: فهو الحَبُّ لا غير.
*قولُ ابنِ عبّاس رضي الله عنهما: حُرِّمَتِ الخَمْرُ بعَيْنِها والسَّكَرُ مِن كُلِّ شَرابٍ [أخرجه الإمام النسائي]
يرويه عامَّةُ المُحَدِّثين: والسُّكْر من كُلِّ شرابٍ -مضمومة السين- فيُبِيحونَ به قليلَ المُسْكِر.
والصوابُ أنْ يُقالَ: السّكَر -مفتوحة السين والكاف- ومعناهُ: المُسْكِر من كلِّ شرابٍ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (أنا سيِّدُ وَلدِ آدمَ ولا فَخْر) [أخرجه الإمام الترمذي بغير هذا اللفظ]
ساكنة الخاءِ؛ يريدُ أَنَّهُ يذكرُ ذلك على مذهب الشكرِ والتحدُّثِ بنعمة اللهِ دونَ مذهبِ الفَخْرِ والكِبْرِ.
وسمعتُ قوماً من العامَّة يقولونَ: ولا فَخَر -مفتوحة الخاءِ-، وهو خَطَأٌ ينقلبُ به المعنى ويستحيلُ إلى ضِدِّ معنى الأَوّلِ.
أَخبرني أبو عُمَر، أَخبرنا ثعلب، عن ابن الأعرابيّ قالَ: يُقالُ: فَخَرَ الرجلُ بآبائِهِ يَفْخَرُ فَخْراً.
فإذا قُلتَ: فَخِرَ -بكسر الخاءِ- فَخَراً –مفتوحتها- كانَ معناهُ: أَنِفَ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِهِ لنبيٍّ يتغنّى بالقرآنِ) [متفق عليه واللفظ للإمام مسلم]
الألفُ والذّالُ –مفتوحتان-، مصدرُ أَذِنْتُ للشيء أًذَناً: إذا استمعتَ إليه.
ومَنْ قالَ: كإذنِهِ، فقدْ وَهِمَ.
*وقيلَ لخبّاب: أكانَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في الظُّهْرِ والعَصْرِ؟ قالَ: نَعَمْ. قِيلَ له: بِمَ كُنتم تعرفون ذلكَ؟ قالَ: باضطرابِ لِحْيَتِهِ.
وقيل: لَحْيَيْهِ [أخرجه الإمام ابن أبي شيبة، وأصل الحديث ـ دون روايته الثانية ـ في البخاري وغيره]
وكلاهُما قريبٌ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (لا ينبغي لامرأةٍ أَنْ تُحِدَّ على مَيِّتٍ فوقَ ثلاثةِ أَيّامٍ إلاّ على زَوْجٍ) [متفق عليه بغير هذا اللفظ]
ويُروى: تَحُدّ، وتَحِدّ. بالضَّمِّ: أجودُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (لا تُضارُونَ في رُؤيتِهِ) [أخرجه الإمام دواد]
يُروَى بالتخفيف، أي: لا يصيبكم ضَيْرٌ.
وتُضارُّون –مشدَّد- من الضِّرارِ، أي: لا يُضارّ بعضُكم بعضاً بأنْ تتنازعوا فتختلفوا فيه فيقع بينكم الضِّرارُ.
*ومثلُهُ حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: (.. لا تُضَامُونَ في رُؤْيتِهِ) و (تُضامُّونَ) [متفق عليه]
الأُولى: خفيفة، من الضَّيْمِ.
والأخرى: مشدّدة، مِن التّضامِّ والتداخُلِ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ تَرَكَ مالاً فلأَهلِهِ، ومَنْ تَرَكَ ضَياعاً فإليَّ) [أخرجه الأئمة الستة واللفظ للترمذي]
ضيَاعاً -بفتحِ الضّادِ- مصدرُ ضاعَ الشيءُ يضيعُ ضياعاً، أي: ما هو برَصَدِ أنْ يضيَعَ من عيالٍ وذُرِّيَّةٍ.
ومَنْ كسرَ الضادَ أرادَ جمعَ ضائعٍ. يُقالُ: ضائع وضيِاع كما يُقالُ: جائع وجِياع. والمحفوظُ هو الأَوَّلُ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (عَجِبَ ربُّكم مَن أَلِّكُم وقُنُوطِكُم) [أخرجه الإمام البغوي]
يرويه المحدَّثون: من إلّكُم -بكسرِ الألفِ-.
والصواب: أَلِّكُم –بفتحِها- يُريدُ رَفْع الصوتِ بالدُّعاءِ.
*وفي حديث عُبَادَة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: (البُرُّ بالبُرِّ، مُدْيٌ بمُدْيٍ) [أخرجه الإمام أبي داود]
المُدْيُ غير المُدِّ. المُدْيُ: مِكْيالٌ ضَخْمٌ لأهلِ الشامِ، والمُدَّ: رُبع الصَّاعِ.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (الحَرْبُ خَدْعَةٌ) [متفق عليه]
اللغةُ العاليةُ: خَدْعَة -مفتوحة الخاء-. قالَ أبو العباس: وبَلَغَنا أَنَّها لغةُ النبي صلّى الله عليه وسلّم.
والعامَّةُ ترويه: خُدْعَة. قالَ الكسائيّ وأبو زيدٍ: يُقالٌ أيضاً: خُدَعَة -مضمومة الخاء مفتوحة الدال-.
*قَولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: (ما زالَتْ أُكْلَةُ خَيْبَر تُعادُّني) [أخرجه الإمام البزار]
قالَ أبو العباس ثعلب: لم يأكلْ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم من تلكَ الشاةِ إلاّ لُقمَةٌ واحدةٌ، فلا يجوزُ أَنْ يُروَى: أَكْلَة -مفتوحة الألف- كما رواهُ بعضُ أصحاب الحديثِ. إنّما الأكْلَةُ؛ بمعنى المَرَّة الواحدة من الأكلِ.
والأُكْلَةُ –بالضَّمِّ-: اللقُمَةُ.
*في حديثِ سؤالِ القَبْرِ: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (لا دَرَيْتَ ولا تَلَيْتَ) [أخرجه الإمام البخاري]
هكذا يقولُ المحدِّثون.
والصوابُ: ولا ائْتَلَيْتَ، تقديرُه: افْتَعَلْتَ، أي لا اسْتَطَعْتَ. من قولِكَ: ما أَلَوْتُ هذا الأمر وما استطعتُهُ.
وفيه وجهٌ آخر: وهو أنْ يُقالُ: ولا أَتْلَيْتَ. يدعو عليه بأَنْ لا تُتْلِي إبلُهُ، أي: لا يكون لها أولادٌ تتلوها، أي: تَتْبَعُها.
*الأثر الذي أخرجه أبو نعيم: (أَصْلُ كُلِّ داءٍ البَرَدَةُ) [أخرجه أبو نعيم]
البَرَدَةُ -مفتوحة الراء-: التُّخمةُ.
والقول بأنه: البَرْدُ، فهو غَلَطٌ.
تَمَّ والحمدُ للهِ وَحْدَهُ وصلَواتُهُ على سيِّدنا محمدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ وسلّمَّ تَسليماً