الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
بعد الاطلاع على تفاصيل البرنامج المذكور؛ تبيَّن أن عمل الشركة يتضمن مجالين، أحدهما يتعلق بتصفح الإعلانات وإبداء الإعجابات، وثانيهما العمل من خلال التسويق الشبكي.
وأما الأول: فتقوم فكرة مواقع "تصفح الإعلانات استطلاعات الرأي" على توفير خدمة التسويق ونشر الإعلانات للشركات التجارية، أو إتمام استطلاعات الرأي لمراكز الأبحاث والجهات المعنية، عن طريق موقع إلكتروني إعلاني، أو شريط إخباري، ولضمان مشاهدة هذه الإعلانات من قبل أكبر عدد ممكن من الناس؛ فإن إدارة هذه المواقع تدفع للمتصفحين والمشتركين معها مبالغ نقدية مقابل مشاهدتهم الإعلانات، ومشاركتهم في الاستطلاع، ومقابل مشاهدة أي عضو آخر جاء عن طريق المشترك الأول.
ولا يخفى أن التكييف الفقهي لهذا العقد بين الوكالة الإعلانية وبين المشتركين في تصفح موقعها هو عقد جعالة، تجعل الشركة أجراً مقدراً مقابل كل إعلان واستطلاع ينجزه "العامل"، ومقابل كل متصفح يأتي به، وهذا -من حيث الأصل- جائز إذا لم يخالف الشروط الآتية:
أولاً: أن يكون الاشتراك مجانياً؛ بحيث لا يدفع مقابل السماح له بتصفح الإعلانات والدخول في الاستطلاع، ولا يدفع مقابل الحصول على سلعة معينة تكون ستاراً لدفع الاشتراك.
ثانياً: أن تكون الجعالة (الأجرة) معلومة محددة، أما إذا كانت غير مضمونة التسليم، كأن يقال له: اشترك في استطلاع الرأي وابذل جهدك في تعبئته، ولكننا لا نضمن لك الجعالة، بل تدخل على سحب على جائزة معينة، ففي هذا غرر يقلب المعاملة إلى التحريم.
ثالثاً: أن يَحذَر المشترك من تقديم أي مبلغ لغرض زيادة نسبة عمولته، أو تحسين خصائص عضويته، سواء عن طريق الخصم من عمولته أو عن طريق الحوالة البنكية الخاصة، وهذان الشرطان لضمان عدم الوقوع في الميسر والمقامرة أو شبهة الربا، فالتحايل للتوصل إلى نقد مقابل نقد متفاضل كثيراً ما يكون عن طريق إضافة خدمة أو سلعة معينة غير مقصودة.
رابعاً: أن يتجنب تصفح الإعلانات أو الاستطلاعات المتعلقة بالمنتجات المحرمة، كالدخان، والخمور ونحوها، أو النظر إلى الصور والمشاهد المحرمة.
خامسًا: أن يحذر من الوقوع في غش الآخرين وخداعهم من خلال عمل إعجابات ومشاهدات وهمية لمنشور معين؛ لغرض التكثير من النقرات بما يخالف الواقع والمطلوب.
وأما الثاني: المتضمن للتسويق الشبكي فمحرَّم، فأسلوب التسويق الشبكي أو الهرمي وأخذ العمولات عليه ليس من السمسرة الشرعية في كثير من صوره المنتشرة اليوم، بل هو من باب الميسر والمقامرة المحرمة؛ لأن المشتركين عادة لا يشتركون إلا بغرض تحصيل المكافآت على إحضار زبائن آخرين، فإذا جلب المشترك عدداً من الزبائن، وحقق شروط الشركة؛ أخذ عمولته التي قد تزيد أو قد تنقص عن المبلغ الذي دفعه ابتداءً، وإذا فشل خسر المبلغ كله، وهذا الاحتمال يُدخِلُ المعاملة في شبهة الغرر والميسر.
فمناط التحريم هو اضطرار المشترك إلى دفع مال مسبقاً، سواء على سبيل الاشتراك أو على سبيل شراء بضاعة غير مقصودة، وسواء كان ذلك في التسويق الشبكي أو الهرمي، فإدخال البضاعة لا يقلب المعاملة إلى الحِل؛ لأن الغرض منها هو التوصل إلى المال، وليست مقصودة لذاتها، بدليل أن المساهم في هذه الشركة إنما يطمع في المبالغ المتحصلة من عمولات الزبائن التي قد تفوق قيمة تلك البضاعة، في حين أن السمسرة المشروعة يسوق فيها السمسار السلعة لمن يريدها حقيقة، بينما في الشبكي أو الهرمي فالمشترك يسوق لمن يسوِّق، والثاني يسوِّق لمن يسوِّق، وهكذا.
وحتى لو قصد أحد الأفراد تحصيل البضاعة المباعة لذاتها، فإن الوضع العام للشركة لا يقوم على أساس المتاجرة بها، بل على أساس تجميع أكبر قدر من المشتركين، وإطماع الطبقة العليا من الشبكة الهرمية بالمكافآت، على حساب الطبقة الدنيا التي هي الأكثرية من الناس الذين لا يحصلون على شيء، وهذا يعني وجود قلة غانمة من الناس على حساب أكثرية غارمة، وكفى بهذا فساداً وإفساداً.
وقد سبق لكثير من اللجان الشرعية والباحثين المتخصصين دراسة هذا النوع من المعاملات الحادثة، وبيان وجود الكثير من المخاطر والمحاذير الشرعية.
وننبه هنا إلى أن شركات التسويق الشبكي والهرمي تنوعت طرقها، واختلفت أساليبها، ونظراً لاشتمالها على المحاذير السابقة فإن حكمها هو التحريم.
وعليه؛ فيحرم الاشتراك في التطبيقات أو المواقع التي يشتمل العمل معها على واحد من المحذورات السابقة. والله تعالى أعلم.