حكم استخدام المواد المحرمة أو النجسة في الصناعات الغذائية والدوائية(*)
أ.د. عبد الناصر موسى أبو البصل/ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة اليرموك.
المقدمـــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه
أما بعد،
فهـذه الورقة البحثية تتعلق بأثر استخدام بعض المواد المحرمة، أو النجسة، في صناعة المواد الغذائية، أو الدوائية، أو التجميلية، على حل أو حرمة تناولها او استعمالها.
أهمية البحث
لا يخفى على أحد أهمية تناول هذه المسألة بالبحث في أحكامها الشرعية خاصة في هذا العصر، فهذه المسألة تعد من النوازل المعاصرة، التي تهم كل مسلم بوجه عام، من حيث عدم الاستغناء عن الطعام والدواء مما يعدّ من ضروريات الحياة، حيث كثر الاعتماد اليوم على الصناعات المتنوعة والمبتكرة، المستوردة منها أو المحلية.
والصناعــة في أيامنا –كما هو معلوم– تعد من أهم مصادر الإنتاج والدخل، حتى أصبح مقياس تقدم الدولة ونموها يعرف من خلال تقدم الصناعة فيها.
ونظـراً للتقدم والتطور العلمي في مجال الصناعة، اتجهت سياسات التصنيع إلى الاستفادة من هذا التقدم في تحقيق أعلى قدر من الأرباح والإنتاج، نتيجة استعمال بعض مخلفات الحيوانات والنباتات، بل والإنسان – أيضاً – مما كان يترك عادة ولا يدخل في مجال التصنيع، أصبح ذلك كله وغيره يدخل في بعض المواد الغذائية والدوائية وغيرها.
فعلـى سبيل المثال كانت الحيوانات تذبح لأجل لحومها وجلودها، وهناك بعض الاستخدامات للشحوم، لكنها اليوم تذبح ولا يلقى منها شيء، في الغالب، فلكل جزء فائدته وأهميته، فاللحم يؤكل، والعظام والشحوم والجلد والأعصاب والأوتار والأحشاء وغيرها لها استخداماتها وفوائدها التي تجعل منها مادة أولية مهمة، فتدخل في عدد من الصناعات أوردنا أهم هذه الصناعات في ثنايا البحث.
مشكلة البحث
تكمن مشكلة البحث في الإجابة على السؤال الرئيس الآتي، وهو: ما تأثير استخدام مواد محرمة أو نجسة في الغذاء أو الدواء أو مواد التجميل على الحكم الشرعي المتعلق بها؟ وهل يعدّ دخولها واختلاطها بموادّ أخرى مغيراً لحكمها؟
الدراسات السابقة
تناول عدد من الباحثين بعض جوانب الموضوع في مؤتمر عقد في جامعة الزرقاء بعنوان (المستجدات الفقهية استحالة النجاسات وأثرها في حلّ الأشياء وطهارتها) 2-3 ربيع الثاني، 1419هـ، 25- 26 تموز، 1998م، كما تناول الموضوع أيضاً ندوة: رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية، عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سنة 1997م، وكانت بالتعاون مع مجمه الفقه الإسلامي تمهيداً لإصدار المجمع قراره قرار رقم: 198 (21/4) بشأن الاستحالة والاستهلاك والمواد الإضافية في الغذاء والدواء في دورته الحادية والعشرين بمدينة الرياض (المملكة العربية السعودية) من: 15 إلى 19 محرم 1435هـ، الموافق 18-22 تشرين الثاني (نوفمبر)، 2013م.
منهجية البحث
نظراً لطبيعة البحث الفقهي المتعلق بنازلة مستجدة اقتضى الأمر أن اتبع المنهج الاستقرائي في جمع المادة العلمية المتعلقة بالنازلة محلّ البحث، وكذلك استخدام منهج البحث في الفقه المقارن في بيان الحكم الشرعي والترجيح بين الآراء المتعلقة بمسائل البحث.
خطة البحث
تطرقت في هذا البحث إلى ثلاثة موضوعات مما يتعلق بالنجاسات والمحرمات، أولها في مجال صناعة الغذاء، وثانيهما في مجال صناعة الدواء، وثالثها في مجال صناعة بعض مواد التجميل، فكانت خطة البحث منطلقة من هذه الموضوعات على النحو الآتي:
تمهيد: في بيان معنى النجاسة، وحكم الخنزير من حيث النجاسة والطهارة وحكم التداوي بالنجاسات والمحرمات.
المطلب الأول: استعمال النجاسات والمواد المحرمة في الصناعات الغذائية
أولاً: الجيلاتين واستخداماته.
ثانياً: استعمال الدهون في الغذاء.
ثالثاً: المنفحة المستخرجة من الميتة أو الخنزير واستعمالها في صناعة الجبن.
المطلب الثاني: استعمال النجاسات أو المحرمات في صناعة الأدوية
الفرع الأول: صناعة الأدوية:
- الجيلاتين.
- الأنسولين المستخرج من الخنزير، أو من الحيوات الميتة.
- الكحول.
الفرع الثاني: استعمال النجاسات في صناعة مواد التجميل.
وقــد ركزت خلال بحثي للحكم الشرعي لهذه المسائل بعض التركيز على مسألة الاستحالة[1]، ومدى إمكان تطبيقها لاستنباط الحكم على وفق آراء الفقهاء ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، خاصة وأن بعض علمائنا يرون أن الاستحالة من وسائل الطهارة؛ ومن هنا وجد بعضهم في تطبيقها حلاً لكثير من المشكلات التي تنتج عن القول ببقاء النجاسة.
غــير أنني قبل أن أختم هذه المقدمة أحب أن أنبه إلى الأمور الآتية:
1. أنني في هذا البحث الموجز لم أتطرق إلى ما يدخل في أحكام الاضطرار ونظرية الضرورة الشرعية بوجه عام، وإنما بحثت المسائل على فرض عدم وجود حالة اضطرار، إلا ما يتعلق بمسألة الدواء أشرت فيها إشارة موجزة لمسألة الضرورة دون تفصيل.
2. إن الحديث عن استخدام بعض أجزاء الخنزير حديث يقع خارج حدود البلاد الإسلامية عموماً، لعدم جواز تملك المسلم (للخنزير من الحيوانات)، بل إنه لا يعدّ مالاً بالنسبة للمسلم – كما هو معلوم- ومن هنا تكون المشكلة فقط في استيراد مواد دخل فيها جزء من الخنزير، بخلاف الميتة التي يمكن وجودها في بلاد المسلمين.
3. فكرة الميتة فكرة اعتبارية، حيث يعد –في الشرع– من الميتة كل ما لم تتم ذكاته، وهذا يعني أن الحيوان الذي لم يذبح بطريق التذكية ميتة، وهو ما يتعامل به في الغرب من طرق لذبح الحيوان بطريق الصعق، أو الضرب، أو الخنق، وغيرها من الطرق التي يلجؤون إليها للسرعة، ولعدم وجود تشريع أو وازع ديني يمنع من استخدام تلك الطرق.
4. يدخل دهن الخنزير في كثير من الصناعات – في الغرب – نظراً لتوافره بكثرة، وسهولة استعماله، ورخص ثمنه، فاستعمال دهن الخنزير وفضلاته مسألة اقتصادية بالدرجة الأولى.
5. إن امتناع المسلم عن تناول مادة، دخل في صناعتها دهن خنزير أو صدرت الفتوى بأنها محرمة، مسألة دينية شرعية، يظهر فيها التزام المسلم بدينه، وهي ليست غريبة ولا مستهجنة في معظم بقاع العالم، حيث إن لكل مذهب أو ملة قواعد للحلال والحرام تحكم الحياة أو جزءً منها، بل إن بعض الناس قد التزم عادات معينة، لا علاقة لها بدين، كمن لا يأكل إلا الخضراوات، أو لا يأكل اللحوم، ومع ذلك تحترم إرادته، ويوفر له ما يأكل منه، كما أن هناك بعض الملل والنحل يعلنون أنهم لا يأكلون حيواناً ما، أو طعاماً ما، فلا يجرؤ أحد على إجبارهم على أكل ما هو محرم عندهم، وإنما يوفر لهم ما لا يخالف اعتقادهم.
6. إن ما يصدر من ترجيح، أو ميل لرأي دون آخر –في هذا البحث– إنما هو رأي اجتهادي يقبل الصواب والخطأ، ولا يلزم به أحد ما لم يعتقد صحته، خاصة في المسائل التي تتجاذبها وجهات النظر، ولكل وجهة هو موليها.
7. إن الاحتياط مبدأ مهم ينبغي على المسلم عدم إغفاله، خاصة في زمان اختلطت فيه الأمور، ولكن الاحتياط شيء، والحكم الفاصل في النزاع شيء آخر، والسلامة لا يعدلها شيء كما يقال، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ولنشرع في بيان المقصد من هذا البحث، والله ولي التوفيق.
تمهيد في بيان بعض مفردات البحث
أولاً: التعريف بالنجاسة وحكمها:
النجاســة في اللغة كل شيء يستقذر[2]، وفي الاصطلاح: "كل عين حرم تناولها على الإطلاق، مع إمكانية تناولها، لا لحرمتها أو استقذارها أو ضرها في بدن أو عقل"[3]، وقال الفيومي: "النجاسة في عرف الشرع قذر مخصوص، وهو ما يمنع جنسه الصلاة كالبول والدم والخمر"[4].
ثانياً: حكم الخنزير من حيث النجاسة والطهارة:
ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة[5] إلى أن الخنزير نجسٌ عيناً، وعمدة أدلتهم قوله سبحانه وتعالى: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام:145]. ووجه الدلالة واضح من قوله سبحانه عن الخنزير إنه رجس أي أنه نجس، واستدلوا أيضا بحديث أبي ثعلبة الخشني في أواني أهل الكتاب، والذي جاء فيه الأمر بغسل آنية أهل الكتاب[6]، والعلة في هذا الحكم أنهم يطبخون في هذه الأواني لحم الخنزير، فوجب غسلها حتى لا يبقى أثر للنجاسة.
وذهــب ابن حزم الظاهري والشوكاني إلى أن الخنزير ليس بنجس مع القول بتحريم أكله، وذلك لأن النصوص الواردة في الخنزير إنما جاءت لتفيد حرمة أكله لا نجاسته، ولا تلازم بين كون الشيء حراماً أو نجساً، فقد يكون الشيء حراماً وهو طاهر في قوله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ﴾ [النساء: 23]، وقد رد الشوكاني على استدلال الجمهور بالآية في قوله سبحانه: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: 145] بأن المراد بالرجس هنا الحرام كما يفيده سياق الآية، أما استدلال الجمهور بحديث أبي ثعلبة فقد أجاب عنه الشوكاني بأن إيجاب الغسل لإزالة ما يحرم أكله وشربه لا لكونه نجساً، فإن ذلك حكم آخر غير مقصود للشارع[7].
ويظهـر أن قول جمهور الفقهاء أولى بالقبول من قول الشوكاني وابن حزم رحمهم الله جميعاً، وذلك لقوة استدلال الجمهور وضعف رد الشوكاني، فالآية تقرر بأن الخنزير رجس والرجس والنجس بمعنى واحد في هذا الاستعمال[8]. وإن كان يشعر بأن في الرجس معنى زائداً عن النجس؛ لأن اختلاف المبنى يدل على اختلاف المعنى.
أمـا قوله بأنه لا تلازم بالتحريم والنجاسة فصحيح، ولكن المثال الذي أورده لا يسعفه حيث لا مشابهة بين تحريم الأم وتحريم المطعومات المحرمة، لأن المقصود من تحريم الأم والأخت والبنت... الخ، تحريم الزواج بهن لا أكلهن، أما تحريم الميتة والدم... الخ، فالمقصود تحريم تناولها وأكلها، والنزاع بين العلماء في نجاسة بعض المحرمات كالخمر وغيرها معروف وسنعرض إليه بإيجاز.
ثالثاً: حكم التداوي بالنجاسات والمحرمات:
اختلـف القول في حكم هذه المسألة عند الفقهاء ما بين مضيق وموسع ومفصل ومجمل، مع ملاحظة أن أكثر كلام الفقهاء منصب على مسألة التداوي بالخمر، وبيان آرائهم على النحو الآتي:
القول الأول: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية في وجه إلى حرمة استعمال الخمر الصرفة في التداوي وأضيف إليها سائر النجاسات حتى لو كان ذلك طلاء من خارج الجسد، وإذا شربه إنسان على أنه دواء مع علمه بأنه مسكر ضرب الحد، ويستثنى المالكية والشافعية والحنابلة من هذا الحكم ما لو غص بلقمة وخشي التلف فيجوز له إساغتها بالخمر شريطة أن لا يوجد أمامه غيرها، مع تقديم النجاسات الأخرى عليها –على الخمر– لشدة حرمتها[9].
وقد استدل أصحاب هذا المذهب بأدلة كثيرة أهمها:
1. قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ)[10].
2. قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر: (إنه ليس بدواء ولكنه داء)، قال ذلك لمن يدعي أنه يصنعها للدواء[11].
القول الثاني: ذهب الحنفية في القول الآخر والشافعية في القول الصحيح (المقابل للأصح وهو المنع) إلى جواز استعمال الخمر للتداوي بشروط أهمها: الاقتصار على القدر الذي لا يسكر، بمعنى الاقتصار على قدر الضرورة فإن الضرورة بقدرها، وأن تقدم النجاسات الأخرى على الخمر[12].
القول الثالث: ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز استعمال الدواء الذي احتوى على حالة نجسة كالخمر شريطة استهلاكها في المادة الجديدة، وبشرط فقدان ما يقوم مقامها مما يحصل به التداوي من الطاهرات[13].
تعقيب:
أ. ظاهر من هذا القول (الأخير) أنه يشترط حدوث الاستحالة بإحدى صورها، وهي الاستهلاك، وإذا حدث الاستهلاك وفقدت المادة المحرمة أو النجسة مقوماتها الأصلية فالخطب يسير حينئذٍ، ولا يقال بأن مستعمل للخمر أو المادة المحرمة لعدم انطباق الوصف عليها.
ب. وهذا القول يقترب ويفسر اتجاه أصحاب القول الأول الذي يحرم استخدام الخمر الصرفة ومعها سائر النجاسات، بمعنى إمكان القول بالجواز إذا لم تكن صرفة بأن تخلط بغيرها، غير أن القول الثالث يشترط الاستحالة، وهو ما يشترطه أصحاب القول الأول.
ج. وأما القول الثاني الذي يجيز استعمال الخمر وسائر المحرمات على وفق قاعدة الضرورة بشروطها المقررة، والضرورات تبيح المحظورات، فهو أكثر التزاماً بالقواعد الفقهية.
المطلب الأول
استعمال النجاسات (والمواد المحرمة) في الصناعات الغذائية
تقـوم بعض المصانع في الشرق والغرب باستخدام بعض المواد المحرمة أو النجسة في صناعة عدد من المنتجات الغذائية.
ونظـراً لكثرة المواد الغذائية وتنوعها وتنويع مصادر إنتاجها، فقد آثرت اختيار بعض المواد النجسة أو المحرمة التي تدخل في بعض أنواع الأغذية على سبيل المثال لا الحصر، لأن دراسة أحكام بعض المصنوعات يفيد في الحكم على المصنوعات الأخرى، إذا وجد التشابه بينها في العلة، على وفق ما قرره علماء أصول الفقه في مبحث القياس ودلالة النص.
المواد المحرمة أو النجسة المستعملة في الصناعات الغذائية:
1 .الجيلاتين إذا استخرج من الميتة أو من الخنزير.
2. دهن الخنزيز ودهن الميتة.
3. المنفحة (البيسين) إذا استخرجت من الميتة أو من الخنزير واستخدمت في صناعة الجبن.
أولاً: الجيلاتين واستخداماته في صناعة الغذاء:
يعــرف الجيلاتين (Gelatin) بأنه مادة بروتينية تفرز عند غلي (الكولاجين) الموجود في أنسجة الحيوانات.
ويستخرج الجيلاتين من جلود وأعصاب وأوتار عضلات الحيوانات وعظامها، ومن الأنف والبقايا المقطعة[14].
ويعد الخنزير المصدر الرئيس للجيلاتين في أمريكا، وذلك لكثرة توافره ورخص ثمنه، وسهولة التعامل معه عند التصنيع[15]، أما في أوروبا فيكثر استخراج الجيلاتين من الأبقار والأغنام، ثم من الخنزير، واستخراج الجيلاتين من الخنزير أو من الحيوانات الأخرى يمرّ بعدة مراحل يستخدم فيه الماء والحرارة وبعض المحاليل[16].
استعمالات الجيلاتين في الصناعات الغذائية:
يســتعمل الجيلاتين في صناعة العديد من الأغذية أهمها[17]:
1. في صناعة الحلويات، (الجلي jelly)، الكيك، المربيات، العلكة والكراميل.
2 .في منتجات اللحوم، لإضفاء الهلام، وفي المعلبات.
3 .في اللحوم السمكية، ولحوم الدواجن.
4. الفطائر المحتوية على اللحوم.
5. الحساء (الشوربة).
6. في الخبز.
حكم استعمال الجيلاتين في صناعة الأغذية:
عرفنـا فيما سبق أن مصدر الجيلاتين إما جلد الخنزير أو عظامه، أو جلود الأنعام الأخرى، وبعض محتوياتها.
وعرفنـا أن الجيلاتين ناتج عن (الكولاجين) وأن استخراج الجيلاتين يمر بمراحل متعددة، فهل يعد تصنيع الجيلاتين تحولاً للمادة الخنزيرية أو الميتة بحيث تتغير الخصائص (الكيماوية والفيزيائية) للمادة الأصلية عن المادة المستحدثة؟ أم أنها عينها[18] ولكن نقيت من الشوائب؟
فإذا كانت المادة المحرمة بعينها وخصائصها فيكون تناولها حينئذ تناولاً للخنزير، وهو محرم كقاعدة عامة للأدلة المستفيضة في هذا المقام.
قال الإمام ابن حزم: "لا يحل أكل شيء من الخنزير لا لحمه ولا عظمه ولا رأسه ولا أطرافه ولا لبنه ولا شعره، الذكر والأنثى والصغير والكبير سواء، ولا يحل الانتفاع بشعره لا في خرز ولا في غيره...."[19].
وانظر في مؤيدات منع استعمال المواد الخنزيرية كتاب الدكتور محمد علي البار حول الأسرار الطبية والأحكام الفقهية في تحريم الخنزير[20].
أما إذا كانت المادة مستخرجة من غير الخنزير، وذبحت بغير الطريق الشرعي، عند من يشترط ذلك في ذبائح أهل الكتاب، فلا يحل استخدامه؛ لأنه أكل لبعض أجزاء الميتة، وهو محرم لقوله سبحانه: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...﴾ [المائدة:3].
وأما إذا قلنا باستحالة (جلد الخنزير أو الميتة) وانقلابه إلى حقيقة أخرى للفقهاء فيه تفصيل:
أولاً: ذهب أبو حنيفة ومحمد وبعض الحنابلة والظاهرية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن استحالة النجس إلى حقيقة أخرى يصيره طاهراً، ومن نصوصهم في هذا:
* قال في الفتاوى الهندية: "الحمار والخنزير إذا وقع في المملحة فصار ملحاً... يطهر عندهما خلافاً لأبي يوسف..." [21].
* وقال في البحر الرائق: "والسابع انقلاب العين: فإن كان في الخمر خلاف فلا خلاف في الطهارة، وإن كان في غيره كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحاً يؤكل، والسرقين والعذرة تحترق فتصير رماداً تطهر عند محمد خلافاً لأبي يوسف، وضم إلى محمد أبا حنيفة في المحيط، وكثير من المشايخ اختاروا قول محمد، وفي الخلاصة وعليه الفتوى وفي فتح القدير أنه المختار؛ لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها فكيف بالكل، فإن الملح عير العظم واللحم، فإذا صار ملحاً ترتب حكم الملح، ونظيره في الشرع النطفة نجسة، وتصير علقة وهي نجسة وتصير مضغة فتطهر، والعصير طاهر فيصير خمراً فينجس، ويصير خلاً فتطهر، فعرفنا أن استحالة العين تستتبع زوال الوصف المرتب عليها"[22].
* وقال ابن تيمية: "وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحاً في الملاحة، أو صارت رماداً، أو صارت الميتة والدم والصديد تراباً، كتراب المقبرة، فهذا فيه قولان في مذهب مالك وأحمد:
أحدهما: أن ذلك طاهر، كمذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر.
والثاني: أنه نجس، كمذهب الشافعي.
والصواب: أن ذلك كله طاهر (إذا)[23] لم يبق شيء من أثر النجاسة، لا طعمها، ولا لونها، ولا ريحها، لأن الله تعالى أباح الطيبات، وحرم الخبائث، وذلك يتبع صفات الأعيان وحقائقها، فإذا كانت العين ملحاً، أو خلاً، دخلت في الطيبات التي أباحها الله تعالى، ولم تدخل في الخبائث التي حرمها الله، وكذلك الرماد والتراب وغير ذلك، لا يدخل في نصوص التحريم، وإذا لم تتناولها أدلة التحريم لا لفظاً، ولا معنى، لم يجز القول بتحريمها، ولا تنجيسها، فتكون طاهرة، وإذا كان هذا في غير التراب، فالتراب أولى بذلك"[24].
وإذا كان هؤلاء الفقهاء يقولون بطهارة ما استخرج من الخنزير واستحال إلى حقيقة أخرى، فمن باب أولى إجازتهم لما استخرج من غير الخنزير.
ثانياً: ذهب الشافعية[25] والإمام أبو يوسف من الحنفية في رواية عنه[26] والحنابلة في ظاهر المذهب[27] ومقتضى مذهب المالكية إلى عدم طهارة ما استخرج من الخنزير بالاستحالة، مع التنبيه إلى أن المالكية والشافعية أيضا يفرقون في النجاسة بين نوعين:
1. نجس لمعنى فيه كجلد الميتة، وهذا يطهر بالدباغ.
2. ونجس لذاته وهذا لا يطهر بالدباغ ولا بغيره ويبقى نجساً.
والخنزير من النوع الثاني النجس لذاته، ومن هنا يتخرج القول بالجواز فيما إذا استخرج من غير الخنزير، وعدم الجواز إذا استخرج من الخنزير، لأن الدباغة لا تحلّه، قال ابن رشد: "إن الشيء النجس على ضربين: أحدهما: نجس لذاته، والثاني: نجس لمعنى طرأ عليه، فأما الذي نجس لذاته فلا توجد أبداً إلا نجسة. وأما الذي نجس لمعنى طرأ عليه فينجس بوجود ذلك المعنى فيه ويطهر بعدمه منه"[28].
قال ابن الملقن[29]: "وَلاَ يَطْهُرُ نَجِسُ الْعَيْنِ، أي إلاَّ بالغسل؛ لأنه شُرِعَ لإزالة ما طرأ على العين، ولا بالاستحالة؛ لأن العين باقية وإنما تغيرت صفتها، إِلاَّ خَمْرٌ تخَلَّلَتْ، أي بنفسها ولم يقع عين فيها بالإجماع"، وقال الشيرازي: "وإن أحرق العذرة أو السرجين حتى صار رماداً لم يطهر، لأن نجاستهما لعينهما، وتخالف الخمر فإن نجاستهما لمعنى معقول وقد زال ذلك"[30].
أما نصوص المانعين للطهارة بالاستحالة فمنها:
قال ابن قدامة[31]: "ظاهر المذهب أنه لا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها خلاً، وما عداه لا يطهر كالنجاسات إذا احترقت فصارت رماداً والخنزير إذا وقع في الملاحة وصار ملحاً... وقد نهى إمامنا رحمه الله عن الخبز في تنور شوي فيه خنزير....".
وقال في نهاية المحتاج[32]: "ولا يطهر نجس العين بالغسل مطلقاً، ولا بالاستحالة، كميتة وقعت في ملاحة فصارت ملحاً أو أحرقت فصارت رماداً إلا شيئان أحدهما: خمر... تخللت بنفسها... وثانيهما جلد نجس بالموت....".
الترجيح:
بعد هذا العرض الموجز لآراء الفقهاء ووجهة نظرهم أرى أن نكتة المسألة تتركز في الإجابة عن السؤال الآتي:
هل الجيلاتين المستخرج من الخنزير يحمل من الصفات (الكيميائية والفيزيائية) المركبة فيه ما يعادل أو يماثل أصله، الذي أخذ منه؟ أم لا؟
فإن اختلف التركيب الكيميائي كلياً، بحيث يصبح شيئاً آخر أمكن تطبيق مسألة الاستحالة، وبالنتيجة القول بجواز الاستخدام، أما إذا كان التغيير بسيطاً أو لا يخرج المادة عن أنها جزء من الخنزير، فلا يجوز الاستعمال ولا تدخل المسألة في باب الاستحالة.
والذي يظهر من خلال ما نشره الأساتذة المتخصصون في الطب والكيمياء ممن لهم اهتمام بالأغذية والطب أن مادة الجيلاتين مادة خنزيرية كاللحم والشحم وغيره، ومن هنا يرى عدد من العلماء حرمة استخدام الجيلاتين في الأغذية وصناعتها[33].
والذي أراه راجحاً من هذه الأقوال هو القول الثاني القاضي بتحريم استخدام الجيلاتين أو أي مادة مشتقة من الخنزير بالذات[34]؛ لإمكان الاستفادة من المادة المستخرجة من غير الخنزير.
أما ما اشتق من غير الخنزير، ففي الأمر سعة إذا خرجنا المسألة على وفق مبدأ الاستحالة، وأن المادة المستخرجة هي غير المادة الأصلية، وكذلك عند الذين يرون أن ذبائح أهل الكتاب حلال مهما كانت طريقة ذبحها.
وقد يقال إن نسبة مادة الجيلاتين (سواء قلنا إنها نجسة أو غير نجسة بحسب الأصل) نسبة ضئيلة في كثير من الاستعمالات، فبعضها جزء من 1% أو أقل من 25% أو أقل، وبعضها 10% أو 2% أو 6% وهكذا، ونسبة 10% تعد نسبة قليلة والقليل لا حكم له.
نقول جواباً على هذا الاعتراض بأن المادة الخنزيرية هذه إذا لم تكن قد تحولت حقيقة إلى مادة أخرى بخصائصها ومميزاتها، فحكمها باقٍ قليلة كانت أو كثيرة، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وعلة الحكم هنا وجود المادة الخنزيرية المحرمة في أجزاء الطعام، ومن هنا يكون متناولها متناولاً للخنزير.
ثانياً: استعمال الدهون الحيوانية في صناعة الغذاء:
الدهون التي تستخدم في الأغذية إما أن تكون دهوناً لحيوانات مأكولة وذبحت بطريق شرعية، وإما أن تكون دهوناً لحيوانات غير مأكولة كالخنزير، أو لحيوانات مأكولة لكنها لم تتم تذكيتها التذكية الشرعية، وبالنسبة للصنف الأول فلا إشكال في إباحة استعماله، أما الصنفان الثاني والثالث ففيهما تكمن المشكلة.
وعلى الرغم من امتياز الزيوت والدهون المستخرجة من غير الخنزير على الدهون الخنزيرية، إلا أن دهن الخنزير يستعمل بكميات كبيرة في الصناعات الغذائية في الغرب، وذلك لكثرة توافره ورخص ثمنه[35].
وتدخل الدهون الحيوانية (شحوم الخنزير، وشحوم الأنعام المذبوحة) في الصناعات الغذائية، وأهمها ما يأتي:
1. في صناعة (المرغرين) الزبدة الاصطناعية، وذلك بمزج شحم الخنزير مع نسبة من الدهون النباتية، فينتج أحد أصناف الزبدة الاصطناعية، وتمتاز هذه الزبدة برخص ثمنها في مقابل الزبدة المصنوعة من اللبن فقط، ولهذا يقبل عليها المستهلك[36].
2. في صناعة بعض أنواع الكعك والبسكويت والشكولاتة والخبز والفطائر الرقيقة، وتتراوح نسبة الدهون والشحوم فيها من 1% كالخبز البيض إلى 32.4% كالفطائر الرقيقة[37].
3. دهن للطبخ بإضافة الهيدورجين إليه ليتماسك.
4. صناعة الآيس كريم.
5. صناعة المعلبات.
6. صناعة الشوربة[38].
وبما أن تعداد الصناعات والأطعمة التي يدخل في تركيبها الدهن الحيواني أمر عسير، حرص كثير من المهتمين بهذه النازلة على توزيع نشرات تتضمن دليلاً لبعض الكلمات والعبارات التي تكتب على أغلفة المصنوعات الغذائية التي تدخل فيها شحوم الخنزير أو الدهون الحيوانية عموماً، ومن ذلك ما فعله د. أحد حسين صقر[39].
الحكم الشرعي لهذه النازلة:
إن استخلاص المواد الدهنية الحيوانية وتحويلها من شكل إلى آخر لا يغير من صفتها كدهن، ومن هنا لا توصف عملية استخلاص الدهون وتنقيتها بالاستحالة.
ولكن خلط هذه المادة الدهنية بالمواد الأخرى، هل يوصف بالاستحالة التي تمنع ثبوت الحكم الأصلي للمادة الدهنية؟
فعلى سبيل المثال الخبز الأبيض يتركب من: 57% دقيق، 36% ماء، 1.6% سكر، 1.6% دهن/ شحوم دهنية، 1% مسحوق اللبن، 1% ملح، 0.8% خميرة، 0.8% شعير، 0.22% أملاح معدنية.
والفطائر الرقيقة تتكون من: 47.5% دقيق، 1% ملح، 3.3% مسحوق لبن غير دهني، 2% سليلوز، 32.4% شحوم دهنية، 13.8% ماء[40].
في مثل هذه الحالات لا يمكن القول بالاستحالة، وذلك لأن المادة الدهنية النجسة قد انتشرت في جميع أجزاء الطعام فنجسته، والنجس حرام بيعه، ولا يجوز تناوله، وإذا كان الدهن من الخنزير فلا خلاف في حرمة أكله واستعماله في الطعام.
ومن نصوص الفقهاء في مثل هذه المسألة:
* قال ابن قدامة[41]: "سئل أحمد عن خباز خبز خبزاً فباع منه ثم نظر في الماء الذي عجن منه فإذا فيه فأرة، فقال: لا يبيع الخبز من أحد، وإن باعه استرده... ويطعمه من الدواب ما لا يؤكل لحمه، ولا يطعم ما يؤكل لحمه إلا أن يكون إذا أطعمه لم يذبح حتى يكون له ثلاثة أيام على معنى الجلالة".
وقد يعترض بعض الناس على تحريم شحم الخنزير بأن النص القرآني المحرم لم ينص على الشحم وإنما على اللحم، وللرد على هذا الرأي نقول:
ورد تحريم الخنزير في القرآن الكريم في قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ...﴾ [النحل: 115].
وفي قوله سبحانه: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ...﴾ [الأنعام: 145].
والمفسرون يرون أن معنى اللحم يدخل فيه الشحم واللحم، وأن اللحم خص بالذكر لأهميته ولأنه معظمه، وتكون باقي أجزاء الخنزير تابعة اللحم[42].
أما إذا كان الدهون مأخوذة من الأنعام الأخرى، كالبقر والغنم، ولكنها ذبحت بغير الطرق الشرعية، فحكمها حكم ذبائح أهل الكتاب –إن كان مصدرها أهل الكتاب– على وفق خلاف الفقهاء فيها، والذي يتلخص بأن الفقهاء منقسمون إلى فريقين:
* فريق يرى أن ذبائح أهل الكتاب حلال دون البحث في طريقة ذبحها عملاً بعموم قوله سبحانه: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة:5]، وأن هذه الآية مخصصة للآيات الأخرى، كقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121][43].
ويعدّ مذهب المالكية من أوسع المذاهب في هذا الباب، حيث يرون أن الله أباح طعام أهل الكتاب
مطلقاً، فمن خنق دجاجة أو حطم رأسها لتموت فيأكلها فيجوز أكلها، لأنها طعامه وطعام أحباره
ورهبانه وإن لم تكن ذكاة عندنا، وبهذا أخذ الأستاذ الإمام محمد عبده في فتوى له بتاريخ 1321ه[44].
* أما الفريق الآخر؛ فيرون عدم جواز استخدام هذه الدهون المستخرجة من الميتة، لأنها في حكمها، إذ إن طعام أهل الكتاب حلال لنا إذا كان يذكى التذكية الشرعية، أما إذا كان يذبح بالخنق أو الصعق أو غيره، فلا شك في التحريم، وهذا الرأي هو الذي تبناه مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة 1997 (قرار رقم (101/3د 10)[45].
والذي أراه راجحاً –والله أعلم– هو الرأي الثاني، وذلك للأدلة القوية التي توجب الذكاة الشرعية في الذبائح، ولأن المحرم علينا كالخنزير والميتة والموقوذة وغيرها، يبقى محرماً سواء ورد إلينا من المسلم أو من الكتابي، ولا يحتجّ علينا بعموم قوله سبحانه: ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ [المائدة:5]، لأنّ النصّ وإن كان ظاهره العموم، غير أنه مقيد بالنصوص القاطعة في تحريم أنواع من الحيوان كالخنزير والمنخنقة والموقوذة، وما إليها، لأن نصوص القرآن الكريم يقيد بعضها بعضاً، ويفسر بعضها بعضاً، إذ إرادة المشرع واحدة في تشريعه كله، دون تناقض، وليس من المعقول أن يحرم الله تعالى نوعاً من الحيوان لعلّة، أو سبب يوجب التحريم، بحيث لا تؤثر في حلة الذكاة، ثم لحله إذا قدمه لنا غيرنا، لأنّ مثل هذا "تناقض" لا يقع في الشرع[46]. وكذلك يقال فيما لم يذكّ والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، و"ليس لاختلاف مالك الحيوان من أثر على التحريم لرفعه ما دام المعنى الذي من أجله حرم متحققاً فيه"[47].
ثالثاً: استعمال المنفحة والمواد المستخرجة من بطون الميتة أو الخنزير في صناعة الجبن[48]:
نظــراً لأهمية الجبنة واعتماد الناس عليها في طعامهم، لما لها من قيمة غذائية بما أودع الله فيها من فوائد ومنافع، كان تطرقنا إلى بحث ما يدخل في صناعتها من مواد مستخرجة من بعض الحيوانات ضرورياً: نظراً لكثرة أنواع الأجبان، واستيراد كميات ليست بالقليلة منها من بلاد الغرب.
ومعلوم أن صناعة الجبن تتم بإضافة مادة مخثرة إلى الحليب لتتم عملية (التجبن)، وللحصول على أنواع معينة من الأجبان يضاف إلى الحليب أيضاً الأملاح وبعض الأعشاب والخضروات والمواد المثبتة لإضفاء طعم أو مذاق معين[49].
وتستخرج المواد المخثرة من ثلاثة مصادر: حيواني ونباتي ومن كائنات حية كالبكتيريا، إلا أن المصدرين الأخيرين (النبات والبكتيريا) لم يصلا إلى مرتبة المصدر الحيواني من حيث الجودة وغزارة الإنتاج ونوعيته.
والذي يهمنا في بحثنا هذا دراسة ما يتعلق بالمصدر الحيواني للمواد المخثرة، وبيان ذلك على النحو الآتي:
* هناك ثلاثة أنواع من الإنزيمات التي تستخرج من الحيوانات هي أهم أنواع الإنزيمات المخثرة للحليب، والتي تحوله إلى جبن، وهذه الإنزيمات هي:
01 الرنين Ranni 02 البيبسين Pepsin 03 التربسين Trupsin
أما الرنين فيستخلص من المعدة الرابعة للعجول والحملان الرضيعة، بعد تقطيع تلك المعدة إلى قطع صغيرة وتجفيفها ومعالجتها بالأحماض وغيرها، إلى أن تحضر بشكل سائل أو مسحوق لاستعمالها كمنفحة[50].
أما أنزيم البيبسين Pepsin، فيستخرج من الخنازير أو الأبقار أو الماعز والأغنام أو الدواجن، غير أن أكثر مصادره الأبقار Bouvine Pepsin والخنازير Porcine Pepsin، حيث تفرز معدة الحيوانات المجترة هذا الإنزيم، وله مواصفات مرغوبة، بخلاف ما ينتج من الدواجن مثلاً، حيث يؤدي إلى تكوين قوام رديء ونكهة غير مرغوب بها[51].
وبغض النظر عن تسمية المادة التي تستخدم في صناعة الجبن هل هي الرنين أو الببسين أو التربسين، فإننا سنتعامل معها تحت مسمى "المنفحة".
الحكم الشرعي لهذه المسألة:
لا خلاف بين الفقهاء في حلّ أكل الجبن الذي استخدم في صناعته منفحة مستخرجة من حيوان مأكول ومذكى، أو مستخرجة من النبات سواء صنعت في ديار الإسلام أو في ديار أهل الكتاب.
أما إذا استخدمت المنفحة المستخرجة من حيوان غير مذكى (ميتة) أو من حيوان غير مأكول كالخنزير تحديداً، فللفقهاء في هذه النازلة أقوال وآراء نبينها فيما يأتي:
القول الأول: الجمهور الفقهاء[52] من المالكية والشافعية والحنابلة في الراجح عندهم، ويرون أن الجبن المصنوع بأنفحة الميتة حرام، وذلك لأن المنفحة في هذه الحالة نجسة، والجبن الذي صنعت بواسطته نجس أيضاً بسببها.
القول الثاني: للإمام أبي يوسف والإمام محمد من الحنفية[53]، وعندهما تكون الإنفحة نجسة إذا كانت مائعة، فإن كانت جامدة فلا بأس بها.
القول الثالث: وهو ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله، وهو الراجح في المذهب الحنفي وقال به الإمام داود الظاهري، ورواية عن الإمام أحمد رجحها ابن تيمية[54]، أن الأنفحة المستخرجة من الميتة طاهرة كالمذكاة تماماً، سواء أكانت مائعة أم جامدة، ومن هنا يكون الجبن المنعقد بواسطتها طاهراً يحلّ أكله.
القول الرابع: حل أكل الجبن المجلوب من ديار أهل الكتاب نظراً لحل أكل طعامهم بغض النظر عن طريقة الذبح، ما لم تكن الإنفحة مستخرجة من خنزير، وهذا القول عند من يقول بحل طعام أهل الكتاب جملة باستثناء الخنزير، ومن هنا يحرم عند هؤلاء الجبن الذي صنعه المجوس، لأن طعامهم حرام، أما أهل الكتاب فحلال[55].
القول الخامس: إن الجبن المصنوع بأنفحة الميتة حلال، وذلك لأن نسبة (الروبة والببسين) قليلة لا تؤثر، وما كان كذلك لا حكم له، ونسب هذا القول للشيخ محمد الصالح بن عثيمين.[56]
مناقشــة:
معلوم أن وجهة نظر القول الأول وهم الجمهور في تحريم الجبن المصنوع بأنفحة مستخرجة من ميتة أو من حيوان غير مأكول، تستند إلى تحريم الميتة نفسها، وأن الأنفحة جزء منها، والله سبحانه يقول: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة:3] يضاف إلى هذا أن الأنفحة قد تنجست بوجودها في وعاء نجس، واستعمال النجس في الطعام حرام، لأنه من الخبائث.
أما القول الثاني فظاهر من تفريقه بين المانع والجامد من الأنفحة اتجاهه إلى أن النجاسة تطهر بالجفاف، لأن الأنفحة المائعة تنجس بنجاسة المحل، قال أبو يوسف: أكره الأنفحة واللبن إذا كانا في ضرع شاة ميتة من قبل الوعاء الذي هو فيه إلا أن تكون الأنفحة جامدة فتكون كالبيضة من الميتة لا بأس بها[57].
وأما القول الثالث الذي يذهب إلى طهارة الإنفحة المستخرجة من الميتة وحل أكل الجبن المصنوع بواسطتها فتتلخص حجة القائلين به فيما يأتي:
1. أن الصحابة الكرام لما فتحوا بلاد العراق أكلوا جبن المجوس، وكان هذا ظاهراً شائعاً بينهم[58].
ويؤيد هذه الحج ما ورد من آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد حل أكل الجبن الذي صنعه أهل الكتاب والفرس أيضاً، ولكن هذه الآثار والأحاديث لم تسلم من النقد الحديثي، فمن هذه الآثار على سبيل المثال ما رواه البيهقي عن ابن عمر قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجبنة في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع[59].
ومنها ما رواه ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف بجبنة فجعلوا يقرعونها بالعصا فقال: أين يصنع هذا؟ فقالوا: بأرض فارس، فقال: اذكروا اسم الله عليه وكلوا[60]، وقال الجصاص رحمه الله تعقيباً على هذه الأثر: "ومعلوم أن ذبائح المجوس ميتة، وقد أباح عليه السلام أكلها مع العلم بأنها من صنعة أهل فارس، وأنهم كانوا إذ ذاك مجوساً، ولا ينعقد الجبن إلا بإنفحة، فثبت بذلك أن أنفحة الميتة طاهرة"[61].
وقد ورد حل أكل الجبن الذي صنع بإنفحة الميتة عن عدد من الصحابة رضي الله عنه: كعلي وعمر وسلمان وعائشة وابن عمر وطلحة وأم سلمة والحسن بن علي[62].
2. إن الأنفحة واللبن لا يلحقهما حكم الموت، فالأنفحة لا تحيا بحياة الشاة ولا تموت بموتها كاللبن[63].
ولا يعترض على هذا بأن وجود الإنفحة في الوعاء النجس ينجسها، وذلك لقوله تعالى: ﴿نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ [النحل: 66] حيث أخبر سبحانه بأن اللبن يخرج من بين الدم والفرث، وهما نجسان مع الحكم بطهارته، وهذا لا يوجب تنجيسه[64].
وأما القول الرابع فحجته أن الله سبحانه أطلق الحكم في حل طعام أهل الكتاب في قوله سبحانه ﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ...﴾ [المائدة: 5]، وقد روي هذا القول عن العلامة محمد بيرم الثاني ومحمد بيرم الرابع من كبار علماء الحنفية في تونس[65].
وأما القول الخامس والذي يرى أن نسبة الإنفحة قليلة فلا تؤثر في حكم الجبن، فوجهته كما يظهر مبنية على وفق مبدأ "النادر لا حكم له، والقليل معفو عنه".
وعدم التأثير معناه أن نجاسة هذه المنفحة تلاشت ولم تصل إلى حد تنجيس الحليب الذي وضعت فيه، وكأنني ألمح من هذا الاتجاه القول باستحالة النجاسة وتغيرها في هذه العملية (التجبن)، أو القول بالاستهلاك وهو ما ذهبت إليه الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الدار البيضاء (8-11، 1418هـ/1997م)، حيث تناولت الندوة المذكورة مسألة المواد المضافة إلى الغذاء والدواء، وقررت أن هذه المواد المضافة التي لها أصل نجس أو محرم تنقلب إلى مواد مباحة بإحدى طريقتين:
الأولى: الاستحالة، وهي عبارة عن "تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات".
الثانية: الاستهلاك "ويكون بامتزاج مادة محرمة أو نجسة بمادة أخرى طاهرة حلال غالبة، مما يذهب عنها صفة النجاسة والحرمة شرعاً إذا زالت صفات ذل المخالط المغلوب، من الطعم واللون والرائحة، حيث يصير المغلوب مستهلكاً بالغالب ويكون الحكم للغالب، وقد مثلوا لهذا الاستهلاك بعدة أمثلة منها الإنزيمات الخنزيرية المنشأ كالبيسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء والدواء الغالب[66].
وتدخل عملية الاستهلاك ضمن أنواع الاستحالة عند كثير من الفقهاء، وذلك أن الماء النجس يطهر بالمكاثرة مع زوال آثار النجاسة عند المالكية والشافعية والحنابلة[67].
وبعد هذه المناقشة الموجزة لآراء الفقهاء في أثر استعمال المنفحة (الببسين) المستخرجة من الميتة أو الحيوان غير المذكى عموماً يتجه القول بحل أكل الجبن المصنوع من هذه المنفحة، وذلك لما يأتي:
1. ورود آثار تدل على حل أكل جبن المجوس وأهل الكتاب.
2. أن المنفحة تختلف عن اللحم والدهن، فإلحاقها باللبن أكثر انسجاماً مع القياس.
3. أن التعليل بحرمة استعمالها لكونها نجسة غير مسلم.
4. أن قاعدة الاستحالة والاستهلاك تنطبق عليها.
ومع ذلك كله ننبه إلى ضرورة قيام صناعات غذائية في البلاد الإسلامية تغني الناس عن الصناعات المستوردة.
ثانياً: المنفحة المستخرجة من الخنزير:
وأما المنفحة المستخرجة من الخنزير ففي رأي جمهور الفقهاء الذين يحرمون منفحة الميتة والجبن المصنوع منها، تكون حرامًا من باب أولى: لأن تحريم الخنزير أشد لقوله تعالى: ﴿أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ [الأنعام: 145].
وأما القائلون بطهارة المنفحة المستخرجة من الميتة، فلا يقولون بجواز استعمال منفحة مستخرجة من الخنزير، لكون الخنزير نجس العين ولا تحله الذكاة بخلاف الحيوان الذي يؤكل لحمه.
ومن هنا كان الراجح هو رأي الجمهور العام إن لم نقل اتفاق العلماء على حرمة الجبن المصنوع من أنفحة الخنزير[68]، وتحريم استعمال المنفحة المستخرج من الخنزير هو رأي كثير من العلماء المعاصرين[69].
غير أن الندوة الطبية التي مرّ ذكرها قبل قليل قد ذهبت في هذا الموضوع مذهباً آخر، حيث رأت تطبيق قاعدة الاستهلاك التي تتم بواسطة عملية التجبن، حيث تغلب صفات المادة الطاهرة – الحليب – على صفة المادة النجسة المستخرجة من الخنزير، فجاء في توصيات تلك الندوة ص4 التمثيل على قاعة الاستهلاك ما نصه: "3– الإنزيمات الخنزيرة المنشأ كالببسين وسائر الخمائر الهاضمة ونحوها المستخدمة بكميات زهيدة مستهلكة في الغذاء الدواء الغالب".
وضمن هذا التوجه أعني عدم تأثير المنفحة لقلتها في تنجيس وتحريم الجبن، نفهم فتوى فضيلة الشيخ العثيمين الذي وجه إليه سؤال ملخصه أن نسبة الروبة أو الببسين التي تدخل في صناعة الجبن من 2 إلى 2 بالمائة تكون نسبة 1% مؤدية إلى حرمة الجبن المصنوع بواسطتها[70]، فأجاب: "الأجبان حسب الوصف الذي ذكر حلال: لأن نسبة الروبة والببسين فيها لا تؤثر، وما لا يؤثر لا حكم له......"[71].
وقد سبق أن ذكرت رأي الجمهور العام بتحريم استعمال لحم الخنزير وشحمه وعصبه ولبنه، وهو الذي نطمئن إليه إن شاء الله، لما ورد في الخنزير من أدلة خاصة، وما أورده علماء الأحياء والطب من أضرار ومفاسد تترتب على تناوله أو تناول بعض أجزائه، مما يدل على الإعجاز التشريعي في تحريم هذا الحيوان[72].
المطلب الثاني
استخدام (النجاسات) في صناعة الأدوية ومواد التجميل
الفرع الأول: صناعة الأدوية:
تدخل المواد المحرمة والنجسة في صناعة الأدوية بطرق عديدة أهمها:
1. الجيلاتين مثلاً إذا استخرج من الخنزير أو الميتة، يستخدم:
* في صناعة غلاف الدواء (الكبسولات).
* في علاج الورم الناتج عن نقص المواد البروتينية في الغذاء.
* في علاج الحروق والإصابات، وعلاج الأظافر السريعة التقصف.
* في علاج نزيف الجروح[73].
2. الأنسولين المستخرج من الخنزير أو من الحيوانات المذبوحة بغير الذكاة الشرعية يستعمل لخفض نسبة السكر في الدم، وهو ما يعرف بالإنسولين الحيواني.
3. الخمر تدخل في بعض المصنوعات الدوائية المحتوية على الكحول:
وبالنسبة لحكم استعمال هذه المواد المحرمة نقول:
1. بالنسبة لحكم الجيلاتين نذكر ابتداءً بخلاف الفقهاء في مسألة الاستحالة التي ذكرناها في المطلب السابق، فعلى القول بالاستحالة تكون طاهرة يجوز استعمالها، وعلى القول الثاني الذي رجحناه نقول ببقائها نجسة فلا يجوز استعمالها في حالة الاختيار بالنسبة للخنزير على وجه الخصوص، ومن هنا يتجه القول بجواز استعمالها في حالة الاضطرار بشروطها المعروفة عند الفقهاء، وأهمها أن لا يوجد بديل عنها من الحيوانات أو المواد الطاهرة. والبديل موجود بلا شك فالحكم إذن باقٍ على أصله وهو التحريم.
2. بالنسبة للإنسولين وسائر المواد النجسة، فيمكن أخذ حكمها بالنظر إلى آراء الفقهاء في حكم التداوي بالنجس وهو على قولين: الأول يمنع التداوي بالمحرم والنجس، والآخر يبيحه بشروط[74].
ومن المعاصرين أفتى الشيخ محمود شلتوت بجواز تناول الإنسولين بوصفه دواءً إذا وصفه طبيب حاذق أمين، ولم يوجد غيره مما يقوم مقامه....[75].
وفي عصرنا الحاضر وجد البديل عن هذا الدواء –ولله الحمد– عن طريق الهندسة الوراثية باستخدام البكتيريا، أو عن طريق الحيوانات المذكاة، فالمشكلة لم تعد قائمة.
3. أما الخمر؛ فللفقهاء فيها قولان: الأول منهما يقضي بحرمة التداوي بالخمر، وهو قول جمهور الفقهاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لطارق بن سويد حينما قال أصنعها للدواء: (إنها ليست بدواء ولكنها داء)[76].
والثاني: جواز التداوي إذا لم يوجد دواء مباح بدلاً منها وأن يصفه طبيب حاذق أمين... وهذا القول لبعض الحنفية وبعض الشافعية.
وإذا نظرنا إلى دخول الكحول في الدواء، فإننا نجد –كما يقول د. محمد علي البار– إنه على ضربين:
الأول: مواد قلوية أو دهنية تفتقر إلى (الكحول) (الغول) في إذابتها.
الثاني: مواد يضاف إليها شيء يسير من (الكحول) لا لضرورة وإنما لاعتبارات أخرى، كإعطاء الشراب مذاقاً خاصاً، أو ما شابه ذلك[77].
والنوع الثاني لا ضرورة له فلا يجوز استعماله، أما النوع الأول فتطبق عليه أحكام الضرورة، وأهمها: أن لا يوجد بديل، ولا يظن عدم وجود البديل في ظل التقدم العلمي في مجال الصناعات الدوائية.
وقد يقال أيضاً: إن (الكحول) الغول قد استحالت وتفرقت في أجزاء الدواء فلم يعد لها حكم الخمر الأصلية.
وللجواب على هذا الاعتراض نقول بأن الكحول قد دخلت في هذا الدواء بنسبة قد تصل إلى 35% أو 40%، فهي إذاً موجودة بخصائصها الأصلية، فعند القائلين بنجاسة الكحول يكون الدواء نجساً أيضاً.
أما عند القائلين بطهارته؛ فإن الحرمة تنسحب عليه من خلال حكم تناول المحرم، مع ضرورة التنبيه إلى الحديث الذي يعدّ قاعدة عامة "ما أسكر كثيره فقليله حرام"[78].
أما إذا تأكد لدينا بأنّ كمية (الخمر) قد استحالت فعلاً ولم يعد لها أثر ولا خصائص الخمر الأصلية على وفق الضوابط الشرعية للاستحالة، فيحكم حينئذٍ بجواز استعمالها، ويتحدد هذا بالنظر إلى نسبتها للمادة الطاهرة ومدى تفاعلها لتصبح مادة أخرى تغاير الخمر بصفاتها وخصائصها، والقول لأصحاب الاختصاص حينئذ.
وملخص أقوال الفقهاء في استحالة الخمر على النحو الآتي: يفرق علماء الإسلام في طهارة الخمر التي تحولت إلى خل بين حالتين:
الأولى: إذا تخللت الخمر بنفسها دون تدخل من صاحبها، فهذه طاهرة بالإجماع[79].
الثانية: إذا خللت الخمر بفعل ما، بأن عولجت حتى أصبحت خلاً، فهذه اختلف الفقهاء فيها[80].
1. عند الحنفية والمالكية وابن حزم وغيرهم، تكون طاهرة، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم الإدام الخل)[81]، وهذا يعم كل خل، ولم يخصص ما تخلل بنفسه من غيره.
2. عند الشافعية والحنابلة لا تكون طاهرة، والدليل لهم حديث أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمراً، قال: أهرقهما، قال: أفلا أجعلها خلاً، قال: لا[82].
3. والنص واضح الدلالة على المراد: فالنبي صلى الله عليه وسلم منع من تحويل الخمر إلى حل، ولو كان جائزاً لسمح له في هذه المسألة.
والحقيقة أن الحديثين صحيحان، والتعارض الظاهري واضح بينهما، وإن كن الأول يدل بعمومه، والثاني خاص بالمسألة.
وقد حمل الطحاوي –من الحنفية– الحديث الثاني على التغليظ، كما في مسألة كسر دنان الخمر، وهذا في بداية أمر الإسلام[83]، ورد عليه بأن هذا الأمر لم يأت ما ينسخه.
أما ابن تيمية فيرى أن اقتناء الخمر محرم، والفعل المحرم لا يكون سبباً للحل، والمعصية لا تكون سببا للنعمة والرحمة، كما أن المسلم لا يقتني الخمر لا للتخليل ولا لغيره، والخمر ليست مالاً في حق المسلم، وهو مأمور باجتنابها فكيف تكون في حوزته[84].
الفرع الثاني: استعمال النجاسات في صناعة مواد التجميل (والصناعات الأخرى):
تستعمل بعض المواد النجسة المستخرجة من الخنزير أو الميتة في بعض الصناعات العادية، وفي مواد التجميل ومن ذلك[85]:
1. تستخدم الدهون الحيوانية وشحوم الخنزير في صناعة الصابون، وقد ورد في البيان الصادر عن المؤتمر الإسلامي – نيويورك – قائمة ببعض المنتجات التي تحتوي على شحم خنزير، ومن ذلك صابون: Coast, Palmolive, Lux, Zest, Ivory, Camy, Lava, and Safegaud
2. معجون الأسنان، ومن ذلك: Colgatepowdar, Crest, Ugtra Brite
3. مستحضرات التجميل:
أ – Vaseline intensive Lotion (دهون للجسم).
ب- بعض الكريمات، وسائر المستحضرات التي يدخل في صناعتها وتركيبها الدهون والبروتين، وهي كثيرة.
1. صناعة الأصواف، يستخدم شحم الخنزير كمادة لامعة.
2. بعض الصناعات المكتبية كالورق والطباعة والتجليد وغيرها.
الحكم الشرعي لهذه المسائل:
للفقهاء قولان في نجاسة الخنزير: فالجمهور يرون أنه نجس العين وأنه أسوأ حالًا من الكلب، بينما يرى المالكية، في قول عندهم أنه طاهر، وليس بنجس، وأن كلمة رجس الموصوف بها لحم الخنزير يقصد بها النجاسة المعنوية، وليس المادة[86].
وبناءً على هذا فرع بعض المعاصرين حكم استعمال الصابون وغيره المستخرج من دهن الخنزير، بحيث يكون حراماً على مذهب الجمهور، وحلالاً على وفق مذهب المالكية[87].
والذي أراه أن المالكية يقولون بطهارة الخنزير حياً وليس ميتاً، وأن إلحاق الخنزير بالكلب غير صحيح[88].
قال ابن قدامة: "فأما شحوم الميتة وشحم الخنزير فلا يجوز الانتفاع به باستصباح ولا غيره ولا أن تطلى به السفن ولا الجلود..."[89]، وقال أيضاً: "كل انتفاع يفضي إلى تنجيس إنسان لا يجوز"[90].
ومعلوم بأن الدهون لها خاصية الانتشار، والجلد يتشربها فإذا كانت هذه المواد تحتوي على نسبة من شحم الميتة أو الخنزير إن دخولها إلى الجسم عن طريق الجلد وارد، كما أن تنجيسها للجسم وارد أيضاً على وفق رأي الجمهور القائلين بالنجاسة[91].
وهناك بعض الأدوية –حالياً– تعطى عن طريق الجلد بلصق قطعة من المادة اللاصقة وتحتها قطعة الدواء، تتسرب شيئاً فشيئاً إلى الجسم عن طريق امتصاص الجلد لها.
الخاتمـــة
ظهر لنا من خلال البحث أهمية طرق هذا الموضوع لما له من مساس بحياتنا اليومية من خلال ما نتناوله من طعام ودواء، وما نستعمله من مواد التجميل والتنظيف وغيرها.
والحقيقة التي ينبغي أن نسلم بها تتلخص بأن الصناعات الغذائية والدوائية والتجميلية في البلاد غير الإسلامية عموماً، وفي أوروبا وأمريكا والدول الصناعية خصوصاً تستخدم بعض المواد المحرمة والنجسة في صناعتها كثيراً بدافع اقتصادي غالباً، حيث يتوافر الخنزير ومخلفات الحيوانات المذبوحة بشكل كبير في تلك البلاد، ومن هنا لا بد من التنبه لما نستورده أو نتناوله من أطعمة إذا كنا في تلك البلاد[92].
وقد ظهر من خلال البحث أن فريقاً من الفقهاء يرون أن استخدام المواد النجسة أو المحرمة في صناع الغذاء والدواء ومواد التجميل والتنظيف بواسطة عمليات كيميائية، تجعل المادة التي تنتج عن العملية مغايرة للمادة الأولى النجسة أو المحرمة في صفاتها وخصائصها، بحيث يصدق عليها وصف "الاستحالة"، حينئذٍ يرى هذا الفريق من الفقهاء جواز استخدام وتناول هذه المواد وانتقالها من التحريم إلى الحل؛ نظراً للتغيير الحاصل للمادة النجسة.
كما يرى بعض الفقهاء أن استعمال كمية قليلة جداً من المادة النجسة قياساً بالمادة الطاهرة التي تخلط بها، بحيث تستهلك المادة القليلة في الكثيرة يجعل المادة المصنوعة بعد هذه العملية حلالاً في نظر هذا الفريق، ويصدق على هذه الحالة وصف "الاستهلاك".
ترجح لدينا عدم جواز استخدام المستخرج من الخنزير سواءً أكان شحماً أو "جيلاتيناً" في الأحوال العادية، لإمكان الاستغناء عنه بالمستخرج من الحيوانات مأكولة اللحم.
كما ترجح جواز استخدام المستخرج من الميتة واستحال إلى مادة أخرى بالتصنيع، أو كان مستهلكاً في المادة الطاهرة كالمنفحة المستخرجة من الميتة (الحيوان غير المذكى تذكية شرعية).
(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الثاني، العدد السادس، 1444هـ/ 2022م.
الهوامش
[1] الاستحالة من الحول، واستحال الشيئ تغير عن طبعه ووصفه. ينظر: الفيومي، 1/157.
وفي الاصطلاح تعرف بأنها "انقلاب الشيء عن حقيقته" ينظر: ابن عابدين 1/327، ومن أجمع تعريفات الاستحالة ما جاء ي توصيات الندوة الفقهية الطبية التاسعة المنعقدة في الدار البيضاء 1997م، ص/3 حيث عرفت الاستحالة بأنها: "تغير حقيقة المادة النجسة أو المحرم تناولها وانقلاب عينها إلى مادة مباينة لها في الاسم والخصائص والصفات" فهي عبارة عن تفاعل كيميائي يحول المادة إلى مركب آخر. الندوة المذكورة، ص/3.
ومن الأمثلة على الاستحالة إحراق المادة وتحولها إلى رماد، وكالقمح المتنجس إذا زرع ونبت من جديد والماء النجس يسقى به الزرع، والدهن يصير صابونا وغير ذلك.
وقد اختلف الفقهاء في أثر الاستحالة وهل تؤدي إلى تطهير النجاسة إلى أقوال متعددة تختلف باختلاف المادة ووسيلة الاستحالة.
[2] - الفيومي، النسفي، طلبة الطلبة، 317.
[3] - النووي، التحرير، 460، الشربيني، 1/77.
[4] - المصباح المنير، 594.
[5] - ابن نجيم، 1/105، الخرشي 1/83، الشربيني، 1/78، ابن قدامة، 1/41، وما بعدها.
[6] - وتمام الحديث عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل الكتاب، نأكل في آنيتهم، وأرض صيد أصيد بقوسي، وأصيد بكلبي المعلم والذي ليس معلما، فأخبرني: ما الذي يحل لنا من ذلك؟ فقال: " أما ما ذكرت أنك بأرض قوم أهل الكتاب تأكل في آنيتهم: فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها، وأما ما ذكرت أنك بأرض صيد: فما صدت بقوسك فاذكر اسم الله، ثم كل، وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل، وما صدت بكلبك الذي ليس معلما فأدركت ذكاته فكل" رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في التصيد، حديث رقم 5488.
[7] - الشوكاني، السيل الجرار، 1/28.
[8] - الفيومي، المصباح، ص 219، الرازي، ص 234.
[9] - الخمر، الفتاوي الهندية، 5/254-255، ابن نجيم، الأشباه والنظائر، ص 75، الحصني، القواعد، 1/314، الغزالي، الوسيط، 1/156.
[10] - رواه ابن حبان في صحيحه، 4\233 برقم 1391.
[11] - رواه الإمام مسلم في صحيحه، 3\1573 برقم 1984.
[12] - الفتاوى الهندية، 5/54، الشربيني، مغني المحتاج، 4/188، النووي، الروضة، 10/171، ابن نجيم، البحر الرائق، 8/122.
[13] - الشربيني، 4/188، البهوتي، 2/387.
[14] -نيكرسون ورونسفالي، أسس علوم الأغذية، ص 198.
[15] - صقر، الدهون في الأطعمة، ص 138، مقال في مجلة المسلم المعاصر عدد 299، ص 138، وانظر نيكرسون ورونسفالي، أسس علوم الأغذية، ص 206.
[16] راجع الورقة المقدمة من الصيدلاني إياد قنيبي إلى مؤتمر المستجدات الفقهية الأول ص6، 7.
[17] - المصدر السابق، وانظر: الباز: الأسرار الطبية والأحكام الفقهية لتحريم الخنزير، ص 35، وانظر: أسس علوم الأغذية.
[18] - الطريفي: أحكام الذبائح، ص312/313.
[19] - المحلى، 7/388.
[20] طبع الدار السعودية. وهذا الكتاب حري بكل مسلم أن يقرأه ويطلع على أسرار الإعجاز القرآني في تحريم الخنزير.
[21] الفتاوى الهندية، 1/45.
[22] البحر الرائق، 1/239.
[23] هكذا في الأصل ولعلها إذ.
[24] - المسائل الماردينية، ص 26.
[25] - الإمام الشافعي، الأم، 1\22، فتح العزيز.
[26] - السرخسي، المبسوط، 1\202.
[27] - البهوتي، كشاف القناع، 1\186.
[28] - مسائل أبي الوليد بن رشد، 1\364-365.
[29] - عجالة المحتاج، 1\126.
[30] - المهذب في فقه الإمام الشافعي، 1\94.
[31] - ابن قدامة، المغني، 1/60.
[32] - 1/230-232.
[33] الدكتور البار والدكتور أحمد حسين صقر.
[34] وممن قال بتحريم استعمال الجيلاتين المستخرج من الخنزير في صناعة الأغذية الدكتور عبدالله الطريقي في كتابه أحكام الذبائح واللحوم المستوردة، ص 316.
[35] - صقر، الدهون في الأطعمة، 1982، ص 134-137.
[36] - الجلاصي، ص38 بتصرف يسير، نيكرسون رونسفالي، ص 385.
[37] - نيكرسون ورونسفالي، ص316، 320، 321.
[38] - البار، ص 34-35.
[39] مدير جامعة المشرق والمغرب في شيكاغو ورئيس قسم دائرة التغذية والكيمياء بكلية الطب بجامعة شيكاغو سابقاً: انظر: مجلة المسلم المعاصر، عدد 29، ص 133، وأحكام الذبائح للطريقي 31.
[40] - نيكرسون ورونسفالي، المرجع السابق.
[41] - في المغني 11/89، 1/36.
[42] - القرطبي 2/222، ابن قدامة 11/87.
[43] - راجع: بيرم الخامس: 3/160-162.
[44] - محمد عبده، نشرت في كتابه الفتاوى، ص 20-21.
[45] انظر أبحاث هيئة كبار العلماء، ج2/542-547.
[46] - الدريني، 1988، 2/749-750.
[47] - الدريني، ص 751، وراجع في هذا المقام ما أورده الشيخ محمود شلتوت في التفسير، ص 293-294.
[48] في الجبن ثلاث لغات أجودها سكون الباء وضم الجيم، راجع المصباح، 1/90.
[49] - الدهان، 1983، ص 83.
[50] - الدهان، المرجع السابق بتصرف، ص100، الشريف، 1983، ص 124.
[51] - الدهان، ص 108-111.
[52] - الكشناوي، د.ت. أسهل المسالك، 1/61-62، الرافعي، العزيز 1/39، ابن قدامة، 1972، المغني، 1/61، ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 21/103.
[53] - الجصاص (1335هـ)، أحكام القرآن، 1/119-120، ابن عابدين، 1979م، رد المحتار، 1/206، ابن المنذر، الأوسط، 2/289.
[54] - ابن عابدين 1/206، الجصاص، 1/119، السنوسي، 1976، الرحلة الحجازية، 1/173-174، ابن المنذر، 2/289، ابن قدامة، 1/61، ابن تيمية، 21/102-103.
[55] - عليش، 1/572.
[56] - الجلاصي، 1990، ص 59.
[57] -السرخسي، 24/27، ابن المنذر، 2/289.
[58] - ابن قدامة، 1/61، ابن تيمية، 21/103.
[59] - البيهقي، السنن الكبرى.
[60] - أبو داود، السنن، 3/359، حديث رقم 3819، كتاب الأطعمة، باب في أكل الجبن.
[61] - الجصاص، 1/120.
[62] - البيهقي، 10/6، الجصاص، 1/120.
[63] - الطحاوي، 1995م، 4/358، ابن تيمية، 21/104.
[64] - الجصاص، 1/120، ابن تيمية، 21/104.
[65] - راجع السنوسي، 1/171-172، محمد بيرم الخامس، 3/158 وما بعدها.
[66] - ص4.
[67] - راجع: المقدسي، الشرح الكبير، 1/20، القفال 1980م، الحلية، 1/76، الخرشي، شرح المختصر، 1/80.
[68] - راجع: الأقفهسي، دفع الألباس، ص 90، 91، الشريف، الأطعمة المستوردة، ص 126.
[69] منهم أستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي، والأستاذ محمد حميد الله، والشيخ جاد الحق رحمه الله، والأستاذ الشريف في رسالته عن الأطعمة ونقل الاتفاق على هذا الرأي، وغيرهم، راجع: الجلاصي: الحلال والحرام، ص 58-62، الشريف، الأطعمة، 126.
[70] - الجلاصي، ص 42.
[71] - الجلاصي ص 59.
[72] - راجع: البار، الأسرار الطبية والأحكام الفقهية في تحريم الخنزير.
[73] - راجع في هذه الاستعمالات: الطريقي، ص311، قنيبي، ص7.
[74] - راجع في هذا: نظرية الضرورة الشرعية للأستاذ الدكتور وهبه الزحيلي.
[75] - شلتوت، الفتاوى، ص 381.
[76] الحديث رواه مسلم 2/125. وانظر المسألة: أبو رخية: الأشربة، ص 72، البهوتي، الإقناع، 2/230.
[77] - البار، الخمر بين الطب والفقه، ص 25.
[78] - الترمذي، 4/292، كتاب الأشربة باب ما جاء ما أسكر كثيره....
[79] - ابن قدامة 1/60.
[80] - المرغيناني، 4/113، ابن قدامة، 1/60، الخرشي، 1/88، الشربيني، الإقناع، 1/81.
[81] - مسلم 3/1621، كتاب الأشربة، باب فضيلة الخل، حديث رقم 2051.
[82] - أبو داود: سنن أبي داود، 3/326، كتاب الأشربة، باب ما جاء في الخمر تخلل.
[83] - الطحاوي.
[84] - مجموع الفتاوى، 21/485-486.
[85] - صقر، ص135، البار، الأسرار الطبية، 33، 48.
[86] - الدردير 1/43، ابن عبدالبر، ص 18.
[87] - الطريفي، ص321.
[88] الكافي لابن عبدالبر، ص18، حيث يقول: وقد قيل إن الخنزير ليس بنجس حياً. وراجع: شرح الألمام لابن دقيق العيد، 1/244-245.
[89] - في كتابه المغني، 1/87.
[90] - 1/87.
[91] - الطريقي، ص 320-321.
[92] نشرت بعض المراكز الإسلامية في الغرب، وبعض الباحثين المسلمين نشرات إعلامية تهدف إلى التوعية من تناول مشتقات الخنزير، وذكر في هذه النشرات بعض أسماء منتجات تحتوي على أجزاء من الخنزير، والذي يهمنا في هذا المقام ذكر بعض المصطلحات التي يستدل بواسطتها على أن المنتج يحتوي على دهن أ لحم خنزير أو لا، ومن هذه المصطلحات:
الذي يحتوي خنزير: Pork, Ham, Bacon.
دهون حيوانية وأغلبها خنزير: Shortening, Lard, Animal Fat.
Gelatin إذا كان حيوانيا.
ومن المصطلحات التي يطمئن إليها وتدل على أن الطعام لا يحتوي على دهون حيوانية:
Pureve getable Shprtening زيت نباتي صافٍ.
All Vegetable Shortening راجع في هذا المقام: د. أحمد حسين صقر في مجلة المسلم المعاصر، عدد29، ص133.