دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 18-12-2025


الاتساق المعجمي وأثره في إبراز المناسبة بين الآيات القرآنية من خلال ظاهرة التكرار(*)

الدكتور عبد الله حسين مقدادي/ دائرة الإفتاء العام

ملخص البحث

يسهم الاتساق المعجمي بمفهومه العامّ -وظاهرة التكرار بصفة خاصة- في بيان التماسك والترابط بين أجزاء النصّ عموماً، وإبراز التناسب والمناسبة بين الآيات القرآنية خصوصاً، وذلك لما يحتويه –التكرار- من مطالب متعددة ومباحث متشعبة، فليس التكرار مجرد ظاهرة بلاغية، أو صورة بيانية أو قواعد نحوية فحسب، بل يتعدّاها ليكون دعامة أساسية في بيان اتساق النصّ وترابط أجزائه، وتنظيم العلاقة الدلالية بين المعنى اللغوي والدلالة اللفظية، كما أنّ التكرار عامل مهم للتذكير بأغراض السورة القرآنية وبيان مقاصدها وأغراضها ومحاورها.

وقد عمد الباحث من خلال هذا البحث إلى الوقوف على معنى الاتساق المعجمي، بمفهوميه اللغويّ والاصطلاحيّ، وبيان أقسامه، ثمّ الوقوف على التكرار، وذلك ببيان معناه، وأقسامه وأنواعه، وأثره في إبراز الترابط والتناسب بين الآيات، بما يتوافق مع قواعد التفسير وأصوله، ثمّ تم تسجيل أبرز النتائج التي تم التوصل إليها.

الكلمات المفتاحية: الاتساق، المعجمي، التكرار، المناسبة.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

عُني الباحثون في اللسانيات الحديثة بالبنية النصية بوجه عام، وبيان أطر الاتساق بين أجزائه بشكل خاص، فبينوا الطرق التي تحقق هذا التماسك، ووقفوا على العلاقة التي تحقق هذا الترابط أولاً بين المفردات بعضها مع بعض، ثمّ الجمل فيما بينها، ثمّ على مستوى النص بوجه عام، والاتساق المعجمي واحد من هذه المعايير المهمة لبيان الترابط والتناسق بين أجزاء النص.

رغم حداثة هذا العلم –اللسانيات- إلاّ أنّ الباحثين في هذا الميدان وجدوا في القرآن الكريم متسعاً رحباً لإبراز ما جاءت به هذه الدراسات الحديثة من قواعد ونظريات، وذلك لما يحتويه القرآن الكريم من اتساق معنوي وتناسب دلالي وانسجام لفظي، فهو نص متكامل توافرت فيه جميع القواعد التي وضعها علماء اللسانيات ليحمل بذلك وجهاً جديداً من أوجه الإعجاز.

وقد جاءت هذه الدراسة لتبيّن كيف تم توظيف هذه الظاهرة –التكرار- في إبراز تناسب آيات القرآن الكريم من خلال الجمع بين أقوال المفسرين وعلماء اللسانيات الحديثة.

مشكلة الدراسة

علم المناسبة أحد علوم القرآن الكريم المهمة التي من خلالها يكشف عن أوجه الترابط والتناسب بين الآيات. فما المسالك التي تندرج تحت الاتساق المعجمي؟ كيف تعامل المفسرون مع ظاهرة التكرار التي برزت في كتاب الله تعالى بشكل لافت للنظر؟ وهل تصلح أن تكون وجهاً من أوجه المناسبة؟ وكيف جاءت، وكيف ابتنيت؟ وقد جاءت هذه الدراسة لتجيب عن الأسئلة الأتية:

1. ما المقصود بالاتساق المعجمي والتكرار، وما الجمل التي تندرج تحت هذا العنوان؟

2. ما القواعد التي ابتني عليها الاتساق المعجمي؟

3. ما مدى التوافق بين الاتساق المعجمي وبين قواعد التفسير وأقوال المفسرين الذين قالوا بالمناسبة؟

4. ما المسالك المعتمدة في تجلية التناسب بين آي القرآن الكريم من خلال ظاهرة التكرار؟

أهداف الدراسة ومسوغاتها

تهدف هذه الدراسة إلى:

1- بيان معنى الاتساق المعجمي وما يندرج تحتها من أقسام.

2- بيان القواعد التي ابتني عليها الاتساق المعجمي، ومدى صلاحيتها لتكون وجهاً من أوجه التناسب بين الآيات القرآنية.

3- بيان التوافق بين الاتساق المعجمي والتكرار وبين علم المناسبة عند المفسرين.

4- بيان المسالك التي ابتنيت من خلال ظاهرة التكرار.

أهمية الدراسة

عُنيت الدراسات القرآنية بمثل هذا النحو من البحث والدارسة، وما بني عليها من تطبيقات، غير أنّ من ناقش ودرس مفهوم التكرار قديماً إنّما بحثه من جانب نحوي أو بلاغي، وأمّا من عُني باللسانيات فقد اقتصرت دراسته على الجانب النظري متمشياً مع ما قال به علماء اللسانيات، لا مع ما قاله علماء التفسير وكلام المفسرين، وأمّا قواعد التفسير وما كان من أسس ومسالك لهؤلاء المفسرين فإنّها لم تلق البحث والدرس. ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة، إذ تكشف عن تلك القواعد والأطر التي ابتنيت من خلال الربط بين كلام المفسرين ومن تكلم باللسانيات. 

الدراسات السابقة:

تنوعت الدراسات التي تبحث في تكرار الآيات القرآنية والهدف من هذا التكرار على وجه العموم، إلا أنها لم تشر إلى أثرها في إبراز المناسبة بين الآيات القرآنية، ومن هذه الدراسات المعاصرة:

1. أثر الرّبط المعجمي في اتساق الخطاب القرآني سورة الشعراء "أنموذجاً"، إعداد الطالبة: أمينة بنت عبد الله، رسالة علمية لنيل شهادة ماجستير في اللغة العربية، جامعة وهران، كلية الأدب، الجزائر، 2018م.

وقد تناولت هذه الدراسة الاتساق المعجمي بوجه عام، بما يتمشى وعلم اللسانيات والمنهج الغربي في البحث، دون الوقوف على أثرها في إبراز المناسبة كما قال بها علماء التفسير.

2. الترابط النصي في ضوء التحليل اللساني للخطاب، إعداد خليل البطاشي، وهي رسالة ماجستير في جامعة اليرموك، كلية الآداب، وتم طباعتها في دار جرير، عمان، الأردن، 2009م.

وقد تحدثت الدراسة عن علم اللسانيات بشكل عام، وجاءت منصبة على سورة الأنعام بشكل خاص، وقد أخذ الجانب التحليلي الحيز الأكبر منها، دون التركيز على التناسب وعلم المناسبة، منصباً تركيز هذه الدراسة على المصطلحات الغربية.

3. التكرار في القرآن الكريم وأسراره البلاغية في ضوء كتابات علماء العرب وكتابات علماء شبه القارة الهندية، وهي رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراة، للطالب يارزمان جنت كل، الجامعة الإسلامية العالمية، إسلام آباد، كلية اللغة العربية، 2011م.

حيث تحدث الباحث عن معنى التكرار وأهميته وأهدافه وأغراضه البلاغية، وقارن بين جهد العلماء عند العرب وعند شبه القارة الهندية، ومع هذا الجهد الكبير إلا أن الباحث لم يتطرق لأثر التكرار في إبراز المناسبة والتناسب بين الآيات، واقتصر على الأسرار البلاغية التي هي مضمون رسالته.

وقد أفاد الباحث من هذه البحوث على وجه العموم، وتميز هذا البحث عنها بأن وقف على جانب الاتساق المعجمي دون غيره من اللسانيات، كما أنه تناول أثر التكرار في إبراز المناسبة بين الآيات الكريمة، وبما يتمشى مع منهج التفسير وقواعد المفسرين بعيداً عن المصطلحات الغربية والمنهج الغربي، وهو ما لم تتطرق إليه الدراسات السابقة.

محددات الدراسة:

اقتصرت هذه الدراسة على ظاهرة التكرار دون غيرها من أنواع الاتساق المعجمي، كما اقتصرت على التناسب بين الآيات دون التطرق للتكرار الموضوعي نحو القصة القرآنية، أو التكرار الناقص نحو الجناس، أو التكرار الإسنادي نحو الإحالة وغيره، لأن المقام لا يتسع لكل ذلك.

منهج البحث:

كان الهدف من هذه الدراسة هو إبراز المناسبة من خلال الاتساق المعجمي وظاهرة التكرار، ولتحقيق هذا الهدف استخدم الباحث هذه المناهج: 

1- المنهج الاستقرائي: حيث تم استقراء مفهومي الاتساق المعجمي والتكرار، وبيان أنواع كل منهما، ثمّ الوقوف على أقوال المفسرين الذين قالوا بالمناسبة.

2- المنهج التحليلي: بعد استقراء مفهومي الاتساق المعجمي والتكرار وبيان أنواع كل منهما، قام الباحث بمناقشة هذه الأقوال وتحليلها، وبيان ما يصلح لأن يكون ضمن الدراسة.

3- المنهج الاستنباطي: بعد تحليل المسائل، تم تقسيمه حسب متطلبات الدراسة، ومن ثمّ تسجيل النتائج التي تم التوصل إليه.

خطة البحث:

التمهيد: تعريف مصطلحات البحث

المبحث الأول: مفهوم التكرار، أهميته وأقسامه

المبحث الثاني: أثر التكرار في إبراز المناسبة بين الآيات القرآنية

المبحث التمهيدي

توضيح مفاهيم الدراسة

المطلب الأول: التعريف بمصطلحات البحث

أولاً: تعريف الاتساق المعجمي

التناسق المعجمي في اللغة: وهو مصطلح مركب من مفردتين وهما: "الاتساق" و"المعجمي"، ولبيان مفهوم هذا المصطلح لا بدّ من تعريف الاتساق أولاً.

الاتساق في اللغة من "اتَّسَقَ، أي: اجْتَمعَ. واتَّسَقَ الأمرُ، أي: تَمَّ وتَكامَلَ"(([1]، وَقَوله: {وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}: "اتِّسَاقُه: امتلاؤُه واجتماعُه"(([2]، فالاتساق هو: التكامل والتلاحم والاجتماع، فنقول تناسق النص إذا اجتمعت المفردات، وتلازمت العبارات، واكتمل المعنى، وانتظم المبنى، وارتبطت دلالة أجزاء النص.

المفردة الثانية: المعجمي: يقول الهروي: "الأعجم والأعجمي الَّذِي لَا يُفصِح وَإِن كانَ عربيَّ النَّسب. والعَجَميّ: الَّذِي نسبته إِلَى الْعَجم وَإِن كَانَ يفصح"(([3]، فالعجمي يطلق على من لا يحسن اللغة ولا يعرفها، ومن ثم أصبح يطلق على غير العربي.

ومن ذلك المعجم، يقول ابن فارس: "كِتَابٌ مُعَجَّمٌ، وَتَعْجِيمُهُ: تَنْقِيطُهُ كَيْ تَسْتَبِينَ عُجْمَتُهُ وَيَضِحَ"(([4]، فأخذت كلمة معناها من هذا اللفظ، ويعلل ابن فارس على ما ذكره عن الخليل بن  أحمد في عدم بيان دلالة التراكيب منفردة للكلمة المعجمة بقوله: "وَأَظُنُّ أَنَّ الْخَلِيلَ أَرَادَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ أَنَّهَا مَا دَامَتْ مُقَطَّعَةً غَيْرَ مُؤَلَّفَةٍ تَأْلِيفَ الْكَلَامِ الْمَفْهُومِ، فَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ"(([5]، فمصطلح المعجمي أخذ هذا المعنى من خلال كلمة المعجم، وذلك لكثرة ألفاظه وتعدد معانيها، مع عدم قدرتها إعطاء المعنى لذاتها إلا بعد انضمام غيرها من مفردات إليها. 

الاتساق المعجمي في الاصطلاح:

الاتساق المعجمي اصطلاحاً هو: الربط الذي يتحقق من خلاله اختيار المفردات من طريق إحالة عنصر إلى آخر، أي هو الربط الإحالي الذي يقوم على مستوى المعجم فيحدث الربط بواسطة استمرارية المعنى بما يعطي النص صفة النصية"(([6].

فالاتساق المعجمي: هو انضمام الكلمات والمفردات التي تنقدح في الفكر؛ ليخرج من خلالها بنص متماسك متناسق متلائم يعطي المعنى التام والمفهوم للمتلقي، ويعطي دلالةً منضبطةً للفكرة التي جاء النص يعالجها.

ثانياً: تعريف المناسبة

المناسبة في اللغة كما ذكر ابن فارس: "النون والسين والباء (نسب) كلمة واحدة قياسها اتصال شيء بشيء، منه النسب، سمي لاتصاله والاتصال به"(([7]، وعرّفه الراغب الأصفهاني بأنه: "اشتراك من جهة أحد الأبوين، وذلك ضربان: نَسَبٌ بالطُّول كالاشتراك من الآباء والأبناء، ونَسَبٌ بالعَرْض كالنِّسْبة بين بني الإِخْوة"(([8]، ومنها أيضاً المشاكلة تقول: "ليس بينهما مناسبة، أي: مشاكلة"(([9].

فالمناسبة في اللغة تحمل معنى الاتصال، وهو يتفق مع المعنى اللغوي، فلا بد من رابط يربط بين الجمل والمفردات في التراكيب البلاغية، وإلاّ لكان الكلام ركيكاً.

تعريف المناسبة في الاصطلاح:

عرف ابن العربي المناسبة بأنها: "ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني"(([10]، فالمناسبة عند ابن العربي مقتصرة على التناسب بين الآيات دون غيرها من أنواع التناسب.

 فيما عرف البقاعي المناسبة بشمولية أكثر بأنّه: "علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن"(([11]، ويقصد بالعلل: جمع علة، وهي السبب الذي يقبله العقل لربط الجمل والآيات بعضها ببعض. ويقصد بأجزاء القرآن؛ المناسبة بين الجمل في الآية الواحدة، والمناسبة بين الآيات، والمناسبة بين السور، وهذا تعريف جامع شمل كل ألوان التناسب وأنواعه.

ثالثاً: تعريف التكرار:

التكرار في اللغة من: "الكَرُّ: وهو الرجوعُ على الشَّيْء، وَمِنْه التَّكرار"(([12]، وقال ابن فارس: "الْكَافُ وَالرَّاءُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى جَمْعٍ وَتَرْدِيدٍ. مِنْ ذَلِكَ كَرَرْتُ، وَذَلِكَ رُجُوعُكَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَرَّةِ الْأُولَى، فَهُوَ التَّرْدِيدُ"(([13]، فالتكرار هو الرجوع والتردد، فتقول: رجعت إلى النص وترددت عليه.

التكرار في الاصطلاح:

 عرف الزركشي التكرار بأنه: "إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى خشية تناسي الأول لطول العهد به"(([14]، فمصطلح التكرار يقوم على إعادة المفردة أو رديفها وذلك لنكتة بلاغية، أو لمسة بيانية، أو لغاية في نفس المتكلم.

المطلب الثاني: المفهوم العامّ للاتساق المعجمي

الاتساق المعجميّ من المصطلحات الغربية التي عُني بها علماء اللسانيات، وكان ظهورها الأول في الغرب في القرن الماضي، لبيان التناسق والترابط بين أجزاء النص، ومن هنا فإن القواعد التي ننطلق منها مبنية على ما قال به علماء اللسانيات بما يتناسب وقواعد التفسير وأصوله بعيداً عما لا يتناسب ولا يتلاءم مع أقوال المفسرين وقواعدهم.

جاء مصطلح الاتساق المعجمي من المعجم ويراد به: "تلك الأدوات اللغوية التي قام بتخزينها المبدع أو الشاعر أو الكاتب... في ذاكرته اللغوية، ويستخدمها عند الضرورة ويوظفها وفقاً لقواعد النظام اللغوي العام"(([15]، فالمعجم هو المخزون الفكري للكاتب أو الشاعر أو الأديب، وقدرته على توظيف هذه المفردات بما يحقق تماسكاً للنص وتلاؤماً للمعنى وللدلالة، وهو ما يعرف بنتاج عمله وابداعه.

وينطلق الاتساق المعجمي من كونه يقوم على علاقة مبتناة على وحدة الفكرة والموضوع، بعيداً عن تشعب الأفكار والموضوعات، "فهو ينطلق من وحدة لغوية علاقاتها الداخلية متماسكة مترابطة منتقاة وفق مخطط تنظيمي نابع من أسس منطقية محددة"(([16]  ليحقق هذا الاتساق من خلال هذه المفردات المنتقاة تماسكاً وترابطاً بين أجزائه، ومن ثمّ "يحدث بوسطة استمرارية المعنى ما يعطي للنص صفة النصية، حيث تتحرك العناصر المعجمية على نحو منتظم في اتجاه بناء الفكرة الأساسية للنص وتكوينه، كما تقوم على نحو متكرر معلومات تتصل بتفسير العناصر المعجمية الأخرى المرتبطة بها، مما يسهم في الفهم الموصل للنصّ عند سماعه أو قراءته"(([17].

فالأصل الذي يقوم عليه الاتساق المعجمي وما يبرزه من تماسك وترابط بين مفرداته مصدرها المعجم –المخزون الفكري للمفردات لدى الكاتب- وما يقوم بين وحداته من علاقات، "فكلما ازدادت الوحدتان المعجميتان قرباً في النص ازداد الاتساق الذي يحققانه قوةً ومتانةً"(([18].

وأوّل ما يلمح في علاقات الاتساقية المعجمية ذاتها، ثم في تكوين الصيّاغة الجملية بعد ذلك، أن الوحدة المعجمية هي: "بؤرة الكلام، ولذا فإنّ دورها الاتساقي رئيسي بحكم أنّ المعاني تظل مدينة لشعاع الألفاظ بما تحمله من شحنات دلالية تتشابك وتتقاطع على ما بينها من اختلاف في الدرجات أو التضاد أو علاقات أخرى"(([19]، فالعلاقة بين المفردات المعجمية مبنية على قواعد لغوية من تضاد أو شبه تضاد أو تماثل أو تكرار أو نحو ذلك من القواعد.

ويأخذ الاتساق المعجميّ أهميته من خلال أمرين متلازمين تلازماً عقلياً "الأول: المركبات (السلسلة الكلامية) حيث تستمد كل لفظة قيمتها من تعارضها مع سابقتها ولاحقتها، أمّا النشاط التحليلي الذي ينطبق على هذا المركب فهو التقاطع. والصعيد الثاني: تداعي الألفاظ وتجمعها خارج الخطاب"(([20]، وهذا يكون بالمعنى الدلالي الذي تحمله دلالة الألفاظ من دلالات لفظية يفهمها المتلقي ويعيها.

فهذه المعايير والأسس-السابقة- فيما يتعلق بعمل الكاتب أو الشاعر أو الأديب، وأمّا فيما يتعلق بالقرآن الكريم فلا يخضع لهذه المعايير، بل هذه المعايير والأسس فيما ينقدح في فكر المفسر، وعقل المتلقي للقرآن؛ لتكون هذه المعايير محط دراسته لبيان الترابط والتناسب بين الآيات.

المطلب الثالث: أقسام الاتساق المعجمي

يتألف النص عموماً من مجموعة من الكلمات، يرتبط بعضها ببعض بنسق لغوي ودلالة لفظية تحمل كل لفظة منها معنى لغوياً ترتبط مع بعضها داخل النص، تجمعها علاقة معينة من تطابق أو تلازم أو تجانس؛ لتحدث في نهاية المطاف وحدة موضوعية للنص الذي تشكله هذه المفردات، والاتساق المعجمي واحد من هذه العلاقات التي تربط النص وتبين أثر ترابطه.

ينقسم الاتساق المعجمي إلى قسمين:

1. التضام: "هو توارد زوج من الكلمات بالفعل أو القوة نظراً لارتباطهما بحكم هذه العلاقة أو تلك"(([21]، فالأساس الذي يقوم عليه التضام هو: اجتماع ألفاظ في الذاكرة بينهما علاقة تربطها ببعضها وهي: "العلاقة النسقية التي تحكم هذه الأزواج في الخطاب هي علاقة تعارض... وهناك علاقات أخرى مثل الكل والجزء... أو عناصر من نفس القسم العام: كرسي وطاولة (وهما عنصران من اسم عام وهو التجهيز)"(([22].

فالتضام يقع بين زوج من الكلام في المفردات نحو الطباق والمقابلة، ويقع بين الجمل نحو السبب والمسبب والعلة والمعلول وإلحاق النظير بالنظير وغيرها، وسمي اللفظ تضام: "لأنه اجتماع لفظ بلفظ أو أكثر للدلالة على معنى من تضامهما"(([23].

فذكر أحد الألفاظ المتضادة يستدعي ذكر ضده في الفكر والمخيلة، فذكر الليل يستدعي ذكر النهار لما بينهما من التلازم وتضاد، وذكر الإيمان يذكر بالكفر، وكذلك الموت يذكر بالحياة، والغنى بالفقر.

"ويعد التضام أحد القرائن اللفظية التركيبية التي تلتمس العلاقات الرابطة بين الألفاظ أو التراكيب، ومعرفة كثير من القدرات الكامنة في الحروف أو الأسماء أو الأفعال كالتنافر بين لفظتين، أو التبادل بين عنصرين لغويين، أو الاستغناء حين يستغني عنصر لغوي عن صفة معينة أو التقارب بين عنصر لغوي وعنصر لغوي آخر، أو النيابة التي تكون بين لفظين"(([24].

وقد عرف التضام عند القدماء بمصطلحات نحو الطباق والمقابلة والتضاد وشبه التضاد والعلة والمعلول والسبب والمسبب وعلاقة الكل بالجزء، وهذه النوع من الاتساق المعجمي خارج الدراسة، وقد أشرنا إليه ليكون عند المطلع على هذا البحث مزيد معرفة.

2. التكرار وعليه يقع مدار هذا البحث وهو ما سنقف معه في المباحث القادمة.

المبحث الأول

مفهوم التكرار، أهميته وأقسامه

من الأمور التي اعتنى به علماء النحو والبلاغة والتفسير واللسانيات ظاهرة التكرار، حيث جاء الحديث عن هذه الظاهرة مبثوثاً في ثنايا كتبهم، فبينوا مفهومه وأقسامه وعرضوا صوراً ومشاهد عليه من آيات قرآنية وأبيات شعرية وجمل نصية، وقد تباينت آراؤهم حول هذه الظاهرة، وذلك لتباين اتجاهاتهم وفهمهم لها.

المطلب الأول: مفهوم التكرار

أولاً: التكرار عند أهل اللغة والبلاغة هو: "إعادة الكلمة أو اللفظ أكثر من مرة في سياق واحد، وذلك إمّا للتوكيد أو لزيادة التنبيه والتهويل أو للتعظيم"(([25].

فالتكرار يقوم على إعادة اللفظة أو الجملة بعينها أكثر من مرة في السياق نفسه؛ وذلك لغاية في نفس المتكلم؛ من نكتة بلاغية، أو لمسة بيانية حملت صاحبها على الإفصاح بها وتكرارها. وقد جعلها البعض على ضربين، "بأن يعيد اللفظ أو أن يعيد المعنى، وإعادة اللفظ هو التكرار اللفظي أو المشاكلة، وإعادة المعنى وهو التكرار المعنوي"(([26].

فيما جعله الخولي على وجهين مختلفين عن سابقه: موصول ومفصول: أمّا الموصول فقد جاء على أوجه؛ منها تكرار الكلمة في الآية الواحدة نحو قوله تعالى: (‌هَيۡهَاتَ ‌هَيۡهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ) [المؤمنون: 36]، وقد يكون في آخر الآية وأول الآية الأخرى نحو قوله تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيۡهِم بِـَٔانِيَةٖ مِّن فِضَّةٖ وَأَكۡوَابٖ كَانَتۡ قَوَارِيرَا۠* قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٖ قَدَّرُوهَا تَقۡدِيرٗا) [الإنسان: 15-16]، وقد يكون بتكرار الآية نفسها نحو قوله تعالى: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) [الشرح: 6]، وأمّا المفصول فهو على ضربين إمّا تكرار في السورة نفسها نحو قوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ) [الشعراء: 68]، فقد وردت في سورة الشعراء ثماني مرات، والنوع الثاني من التكرار المفصول التكرار في القرآن كله وهذا اللون هو التكرار في القصة القرآنية والتكرار في آيات الخلق والتكوين والعقيدة، وهذا يعرف بالتكرار المعنوي؛ فهو يقع في المعنى دون اللفظ(([27]، وهذا التقسيم مُبتنى من خلال وروده في القرآن الكريم.

ثانياً: مفهوم التكرار عند من عُني باللسانيات: "هو إعادة عنصر معجمي، أو ورود مرادف له، أو شبه مرادف، أو عنصر مطلق، أو اسم عام"(([28].

إذاً التكرار عند من عني باللسانيات هو إعادة اللفظ نفسه، أو إعادة مرادف للفظ يحمل الدلالة نفسها نحو: (رأيت أسداً، ومررت بليث، وشاهدت غضنفراً) فجميعها تدل على مسمى واحد أنه رأى أسداً ومر به، أو إعادة أحد اشتقاقات اللفظ، نحو ظلم، يظلم، ظالم، مظلوم...، فإعادة هذه الألفاظ بأي نوع من هذه الصيغ في النص الواحد يعد نوع من التكرار عند من عني باللسانيات.

وعليه يقسم التكرار عند علماء اللسانيات إلى ثلاثة أقسام تكرار جزئي؛ وهو ما يقع في تكرار الكلمة ومشتقاتها أو الجملة أو المقطع، وتكرار موضوعي، كتكرار القصة القرآنية(([29]، وشبه التكرار، أو التكرار الناقص(([30]، وشبه التكرار ويعرف بالتكرار الناقص، "وهو ما يعرف بالجناس سواء التام منه أو الناقص"(([31].

والهدف من التكرار في الاتساق المعجمي "يقوم على توظيف لفظتين معناهما واحد، تحيل اللفظة الثانية إلى الأولى فيحدث ترابط بينهما"(([32]، وذلك للدلالة على أنّ بؤرة الكلام ترتكز على الكلمة المكررة فتكون هي مقصد النص وغايته، "فبعد إحالة اللفظة أو الجملة أو الفقرة الأولى إلى الثانية باللفظ نفسه، أو بالترادف تحقق العلاقات المتبادلة بين عناصر النص، والترابط الذي يدعم التماسك النصي"(([33]، وبهذا يعمل التكرار بوصفه أسلوباً مميزاً في ربط أجزاء النص واتساقه؛ لأن منشئ النص حين يكرر اللفظة فأنه يعيد معها المعنى لذلك النص مما يحدث من توافق وترابط بين أجزائه.

المطلب الثاني: أهمية التكرار في اتساق النصّ

أولاً: أهمية التكرار عند أهل اللغة والبلاغة

للتكرار أهمية كبرى في إبراز الترابط والتناسق بين أجزاء النص، وقد أشار إلى هذا الأمر أهل اللغة والنحو والبلاغة. يقول ابن هشام: "وروابط الجمل بما هي مخبرة عنه ومن بينها إعادة المبتدأ بلفظه وأكثر ذلك في مقام التهويل والتفخيم نحو قوله تعالى: (ٱلۡحَآقَّةُ* مَا ٱلۡحَآقَّةُ) [الحاقة: 1-2]، وإعادة اللفظ بمعناه نحو: زيد جاءني أبو عبد الله"(([34]، فابن هشام ينظر إلى التكرار على أنّه أحد أوجه الترابط والتناسب بين الجمل، وذلك بإعادة المبتدأ، أو بعطف البيان، والهدف من هذا كله التوضيح وإزالة الغموض والإشكال عن المفردة أو الجملة، وهذا يحدث اتساقاً لا يخفى على العارف بين أجزاء النص، فجعلها ابن هشام على ضربين تكرار لفظي وتكرار معنوي.

فيما جعل السكاكي التكرار من الأمور التي تألفها النفس ويستطيبها الفؤاد، وذلك لسهولة ورودها على اللسان، يقول السكاكي: "إن التوفيق بين حكم الإلف وبين حكم التكرير أحوج شيء على التأمل فليفعل؛ لأن الإلف مع الشيء لا يتحصل إلا بتكرره على النفس، ولو كان التكرار يورث الكراهة لكان المألوف أكره شيء عند النفس، وامتنع إذ ذاك نزعها على مألوف، والوجدان يكذب ذلك"(([35]، فالكلام السهل المنساب المألوف على القلب واللسان غالباً ما يكون متناسقاً متناسباً؛ لأن الكلام المقعر المتنافر البعيد عن الاتساق لا يكون سهلاً ولا سلساً منساباً.

كما يعدّ التكرار باباً من أبواب البلاغة، ووجهاً من أوجه الفصاحة، وقد أنكر الزركشي على من انتقص من قيمة التكرار وعدها من المعيبات التي لا ترجى منها فائدة، يقول الزركشي: "وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة ظناً أنه لا فائدة له، وليس كذلك، بل هو من محاسنها، لا سيما إذا تعلق بعضه ببعض، وذلك أن عادة العرب في خطاباتها، إذ أبهمت بشيء إرادة لتحقيقه وقرب وقوعه أو قصدت الدعاء عليه كررته توكيداً وكأنها تقيم تكراره مقام المقسم عليه أو الاجتهاد في الدعاء عليه حيث تقصد الدعاء"(([36].

ويؤخذ من كلام الزركشي فائدتان: الأولى الترابط والاتساق بين أجزاء النص، هذه الفائدة تؤخذ من قوله: "بل هو من محاسنها لا سيما إذا تعلق بعضه ببعض"، وتعلق الكلام بعضه ببعض هو التناسب والترابط والاتساق، وهو الشرط الأساسي لتحقق الفائدة الثانية للتكرار وهي الفائدة البلاغية المتمثلة بالتوكيد الذي هو أحد أغراض التكرار، فلا تتحقق أغراض التكرار إلاّ من خلال اتساق الكلام وترابطه.

ولم ينكر الزركشي على من يسأل عن الحكمة من التكرار إذا خالف الأصل، وإنما أنكر على من يسأل عن الحكمة إذا وافق الأصل، لأنه حينها لا يُسأل عنه، فالأصل في الكلام أن يكون متسق المعنى منتظم المبنى، فقال: "وإنما يحسن سؤال الحكمة عن التكرار إذا خرج عن الأصل، أما إذا وافق الأصل فلا، ولهذا لا يتجه سؤالهم لم كرر "إياك" في قوله: (إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ) [الفاتحة: 5]"(([37].

ثانياً: أهمية التكرار عند من عني باللسانيات

وأمّا أهمية التكرار عند من عني بهذا العلم –اللسانيات- فيقول صبحي الفقي: "إنّ التكرار يؤدي إلى تحقيق التماسك النصي، وذلك عن طريق امتداد عنصر ما من بداية النص حتى آخره، ويتمثل هذا العنصر في كلمات أو عبارات أو جمل وغيرها إلى جانب مساعدة عوامل التماسك الأخرى"(([38].

كما يبرز دور التكرار في أنه وسيلة للتذكير بما سبق وإنعاش الذاكرة "إن تكرار اللفظ فيما يبدو هو الأصل في الترابط، من حيث كان التكرار خير وسيلة للتذكير بما سبق، وأنه إذا عدل عنه فإنما يعدل لأحد سببين كراهية الرّتابة والإملال... والثاني استعمال مبدأ الاختصار وهو فرع على القاعدة العامة طلب الخفة"(([39].

المطلب الثالث: فوائد التكرار

للتكرار فوائد جمة سواء في الجانب البلاغي، أو في الجانب الدلالي، أو في بيان ترابط النص واتساقه، وقد اقتصر جل علماء البلاغة على الجانب البلاغي دون التعرض لأثر التكرار في إبراز الترابط والتناسق النصي، فنجد ابن أبي الأصبع يذكر فوائد التكرار مقتصراً على الجانب البلاغي بقوله: "والتكرار هو أن يكرر المتكلم اللفظة الواحدة لتأكيد الوصف أو المدح أو الذم أو التهويل أو الوعيد"(([40]، فاقتصر بذكر أهداف التكرار دون ذكر جانب الترابط والتناسق.

فيما نجد الزركشي كان متوسعاً أكثر في عرض فوائد التكرار، فذكر الأوجه البلاغية مع ذكر شيء من التلميح دون التصريح في أثرها في إبراز المناسبة، وذلك بذكر الأمثلة على كل فائدة من كتاب الله تعالى، فعند ذكر فوائد التكرار يشير إلى أكثر من لمسة مهمة في بيان أثر التكرار في اتساق النص، ومن ذلك: "إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيا تطرية له وتجديدا لعهده"(([41]، وهذا يحمل على التذكير الذي هو مقصد مهم في اتساق النص وترابطه في ذهن المتلقي. "فالقصد الأساسي للتكرار هو التذكير والترسيخ، فيشد التفات السامع بالإلحاح والتأكيد على جانب مهم من اللفظ والمعنى، وهو بهذا ذو وظيفة تداولية إعلامية تعمل على إثارة التوقع لدى السامع للموقف الجديد"(([42]، وهذ أحد أهداف الاتساق المعجمي وترابط أجزاء النص.

ومن الفوائد التي أشار إليها الزركشي أيضاً التعدد كما في قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) "فإنها وإن تعددت فكل واحد منها متعلق بما قبله... فكلما ذكر فصلا من فصول النعم طلب إقرارهم واقتضاهم الشكر عليه"(([43]، وهذا اللون من التكرار يربطك بموضوع السورة والغرض الذي جاءت تعالجه، كما يعطي سمة التماسك والترابط بين الآيات بعضها ببعض، وترابطاً بين الآيات ومضمون السورة وغرضها.

ومن فوائد التكرار أيضاً:

1. إنّ التكرار يهدف إلى تدعيم التماسك النصي، وتوظيفه من أجل تحقيق العلاقة المتبادلة بين العناصر المكونة للنص(([44].

فعند الوقوف على سورة الكافرون، نجد شيخ المفسرين الطبري يؤول هذه السورة بما يستسيغه العقل ويرتضيه، وبما يتناسب والسياق القرآني، يقول ابن جرير معقباً على سبب نزولها: كان المشركون عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سنة، على أن يعبد النبيّ صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة، فأنزل:(قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡكَٰفِرُونَ* لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ* وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ) [الكافرون: 1-3] إلى آخر السورة ثمّ يقول ابن جرير معقباً على الآيات ومفسراً لها: قُل يا محمد لهؤلاء المشركين (لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُون) من الآلهة والأوثان الآن، (وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ) الآن، (وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ) [الكافرون: 4] فيما أستقبل، (مَّا عَبَدتُّمۡ) فيما مضى، (وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ) فيما تستقبلون أبدا، (مَآ أَعۡبُدُ) [الكافرون: 5] أنا الآن، وفيما أستقبل (([45]، فتكون الآيات قد نفت عن الحبيب صلى الله عليه وسلم وقوع العبادة منه لغير الله تعالى في الماضي والحاضر والمستقبل -وحاشاه ذلك-، كما نفت الآيات أن يقع الإيمان ممن سبق حكم الله فيهم بعدم الإيمان من المشركين في الماضي والحاضر والمستقبل، فجاء السياق بصورة تبادلية لبيان حال كل فريق منهم، فبيّن حال النبي صلى الله عليه وسلم في الحاضر وجاء بأسلوب تبادلي لبيان حال المشركين في الحاضر، ثمّ بيّن حاله صلى الله عليه وسلم في المستقبل، وعطف عليه حال المشركين وما هم صائرون إليه في المستقبل.

فوظف هذا الأسلوب التبادلي العناصر المكونة للنص من أجل تحقيق علاقة متبادلة بين أجزائه؛ ليبرز لنا التكرار صورة من صور الترابط والتناسق بين أجزاء النص القرآني ما كنّا لنجدها في غيره من أساليب البلاغة العربية في توظيف المفردات بهذا الصورة المنضبطة في نفي جميع أوجه التشابه بين الفريقين.

2. يحمل التكرار طاقة وظيفية متميزة تتمثل في الدعم الدلالي لمفردات محددة في النص، والإبقاء عليها في بؤرة التعبير(([46].

ومن الأمثلة على ذلك سورة القدر والتي جاء محور آياتها يتحدث عن ليلة القدر، حيث تكرر هذا التعبير المركب من المضاف والمضاف إليه (ليلة القدر) ثلاث مرات في السورة، فكانت هي بؤرة التعبير ومضمون سورة وغاية التنزيل، فسياق الآيات برمته تحدث عن ليلة القدر ومكانتها، وعظيم فضلها، فكانت كل آية من آيات السورة تخدم السياق من جزئية معينة، فالآية الأولى ذكر الحق –سبحانه- نزول القرآن فيها، ثمّ جاءت الآية الثانية تبين فضلها ومكانتها بأسلوب الاستفهام، "على جهة التفخيم لشأن تلك الليلة"([47])، وفي الآية الثالثة بيان فضل العمل فيها، فذكر أولاً خيريتها مع الترغيب فيها، "فإن العمل الصالح في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"([48])، ثمّ بينت الآية التي تليها فضلاً آخر لها، وهو نزول الملائكة فيها، وبما ينزل فيها من مقادير العباد لتلك السنة، حيث "يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من قابل"([49])، وختمت الآية الأخيرة في بيان وقتها وامتدادها، وهو من أول الليل إلى طلوع الفجر، فسار السياق بما يخدم محور السورة وموضوعها، وتوافقت الآيات على هذا النحو.

فالكلمة المكررة –ليلة القدر- هي الكلمة المفتاحية، وهي أيضاً بؤرة التعبير، وعليها مدار الحديث في جميع أجزاء السورة، ومن هنا تكمن أهمية التكرار بلفت الانتباه للكلمة المكررة، وذلك بإظهار دورها في إبراز ترابط النظم القرآني للسورة أولاً، وترابط مفرداتها فيما بينها ثانياً، فكانت الدلالة اللفظية والمعاني اللغوية متوافقة مع أغراض السورة ومضمونها.

المبحث الثاني

أثر التكرار في إبراز المناسبة بين الآيات

للتكرار علاقة مهمة في إبراز الترابط بين أجزاء النص وبيان أوجه التناسق، وتظهر هذه الظاهرة بصور متعددة، وذلك من خلال تكرار الحرف والكلمات، وتكرار الجمل والعبارات، كما تبرز ظاهرة التكرار من خلال الموضوعات القرآنية، فجاء التكرار في كتاب الله تعالى بصور متعددة، وأشكال متنوعة، وأنماط شتى، وقد عمد الباحث من خلال هذه الدراسة إلى تتبع هذه الأنماط معتمداً على التناسب بين الآيات القرآنية، وبما يتمشى وقواعد التفسير التي قال بها المفسرون مبتعدين عن الأسلوب الغربي في تحليل النص، وعن المصطلحات الغربية التي يستعملونها والتي لا تتوافق مع القرآن الكريم وقواعد التفسير وأصوله.

المطلب الأول: تكرار المفردة وأثرها في إبراز المناسبة

تحدث الكثير من البلاغيين والمفسرين عن أغراض التكرار وأهميته في ثنايا كتبهم حيث فصلوا أغراضه، وبينوا أسراره، ومثلوا عليه بأمثلة من كتاب الله تعالى، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن كلام العرب وأشعارهم، وعرضوا أغراضه في التأكيد أو التعظيم أو التهديد أو التوبيخ، ولكن ما يهمنا في هذا البحث أثر التكرار في إبراز المناسبة، مع عدم إغفال الجانب البلاغي؛ لأنه يعين في استنباط المناسبات، وبيان الترابط بين السور والآيات.

 ويعرض الباحث في هذا المطلب أثر تكرار المفردة في الآيات المتتابعة، وفيما يلي أمثلة توضيحية لذلك:

أولاّ: قوله تعالى: (قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ* مَلِكِ ٱلنَّاسِ* إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ* مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ* ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ* مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ) [الناس: 1-6].

تكررت كلمة الناس في هذه السورة في ستة مواضع بتكرار تام أي: باللفظة نفسها، كما تكررت كلمة رب وإله وملك بأسلوب الترادف، فهي دالة على ذات الله تعالى، وهذا هو التكرار الجزئي، وهو تكرار مترادفات اللفظ الواحد، وتكررت كلمة (الوسواس، يوسوس) وهذا من التكرار الجزئي، حيث كرر مشتقات الكلمة، ومن خلال هذه الصور المكررة نعرف بؤرة السورة، والهدف الذي سيقت من أجله، والقضية التي جاءت تعالجها، وهنا يبرز أثر التكرار وأهميته في بيان اتساق النص، وبيان تناسب آياته وترابطها.

فمحور السورة يحمل أسلوباً تربوياً للناس كافة بان يلجؤوا إلى الله تعالى إذا نابهم وسواس، وأن يستغيثوا به إذا حل بهم خناس، فجاء التناسب بين الآيات بأسلوب الترقي، حيث جعل الطيبي الترقي من وجهين، الأول من حيث الملك والسلطان "راعى فيه الترقّي في الإغاثة؛ فإن الدّفع من جهة التولية أقوى من جهة الخدمة، ثم من جهة السيادة أضعف من جهة الخدمة، كذلك معنى القَهّاريةِ في الألوهيةِ أعلى منه من معنى المالكيّة، ثم من جهةِ الرّبيّة"(([50]، فالألوهية هي أعلى المرتب لما فيها من صفة القهر، في حين تطلق كلمة الرب على الله تعالى كما تطلق على البشر، فنقول رب البيت ورب الدابة أي صاحبهما، وهي أدنى من درجة الملك؛ لأن مالك الشيء صاحبه المتصرف فيه.

وأما الوجه الثاني: فهو الاستدلال العقلي بالترقي في معرفة المنعم الموجد وهو الرب سبحانه، ثمّ المَالك والمتصرف في المُلك، ثمّ المستحق للعبودية، وعلّل الاستعاذة بأوصافٍ مناسبةٍ للترقي: "فوصفه عز وجلّ أولًا بأنه الرّب، لأن أول ما يَعرف العبد من ربّه كونه منعِمًا عليه ظاهره وباطنه، ثم ينتقل منه إلى المعرفة بأنه متصرف فيه ومالكه، ثم ينتقل إلى المعرفة بأنه هو المعبود على الإطلاق، وأن لا مصير إلا إليه"(([51].

وقد أشار ابن باديس إلى وجه آخر من التناسب مبني على أطوار خلق الإنسان بقوله: "وبلاغة الترتيب، إنما تظهر جلية عند استعراض أطوار الوجود الإنساني. فالأول: طور التربية والإعداد وهما من مظاهر الربوبية. والثاني: طور القوة والتدبير وهما من مظاهر الملك. والثالث: طور الكمال والقيام بوظائف العبودية، وهو من مظاهر الألوهية"(([52]، ثمّ بين الأمر المستعاذ منه وهو شر وسواس الشيطان، ثمّ مكان وقوع هذه الوسوسة وهي الصدور، ثمّ ممن تقع هذه الوسوسة سواء من الجن أو من الإنس.

وجاء هذا التكرار يحمل لمسة بلاغية ونكتة بيانية كما ذكر الخفاجي في حاشيته:" فإنّ الإظهار أنسب بالإيضاح المسوق له عطف البيان، وأدل على شرف الإنسان، فإن الإظهار في مقام الإضمار يدل على التعظيم والتفخيم، وإن لم يكن في لفظ المظهر إشعار بذلك"(([53].

وقد ذهب فريق من المفسرين إلى نفي وقوع التكرار وحمل المعنى في كلمة الناس على التخصيص، فخصص كل لفظ بفئة معينة من الناس. يقول الخفاجي: "ولا تكرار هنا، فإنه يجوز أن يراد بالعام بعض أفراده، فالناس الأوّل بمعنى الأجنة والأطفال المحتاجين للتربية، والثاني الكهول والشبان؛ لأنهم المحتاجون لمن يسوسهم، والثالث الشيوخ؛ لأنهم المتعبدون المتوجهون لله"(([54]، وهذا ما قال به الإسكافي حيث حمل كلمة الناس على التخصيص "فصار الناس الذين أضيف لهم رب كأنهم غير الناس الذين أضيف إليهم ملك، والذين أضيف ملك غير الذين أضيف إليهم إله، وإذا أريد بالثاني غير الأول لم يكن تكراراً"(([55].

وهذ القول بعيد من عدة أوجه؛ أولاً: لا دليل لهذا التخصيص، ثمّ لا يمكن عقلاً أن تكون كل أية مخصصة لفئة من الناس؛ لأن الخطاب للناس جميعاّ صغيرهم وكبيرهم، ثمّ إن هذا التقسيم في الخطاب لا يتوافق مع العقل السليم؛ فإن الأجنة والأطفال لا يمكنهم فهم النص الشرعي ولا التكليف الخطابي، ولا معرفة وساوس الشيطان وكيده، ولا معرفة كيف يستعاذ منهم، وهو قول مرجوح إذ لا يعقل نفي التكرار –الناس- في هذه الآيات؛ ومدار السورة مسماها تتحدث عن الناس.

وأمّا عن الجانب النحوي في إبراز المناسبة، حيث أضيف اسم إلى اسم ولم يضف الضمير إلى الاسم، فلم يقل ملكهم، إلههم؛ "لأن التبعية في ملك الناس على عطف البيان ولا تحسن فيه الإضافة إلى الضمير؛ لأن ذلك يؤدي إلى تعرف الاسمين بضمير الأول الذي عليه حملهما، فكأن يكون الأول في حكم الأعراف من اللفظ التابع له، وذلك عكس ما عليه عطف البيان، أما إذا أضيف التابع لما أضيف إليه متبوعه فإنه إذ ذاك لا يكون مساوياً له، وذلك هو الجاري المطرد في هذا الضرب من التوابع- أعني أن يكون في الأغلب الكثير مساوياً للأول أو أعرف- فلهذا جاء مضافاً إلى الظاهر هنا والله أعلم"(([56].

فجعل الغرناطي إضافة الاسم إلى الاسم أبلغ؛ وذلك أنه يعطي المعنى الأول وزيادة، وهذا لا يتحقق إلا بهذا الأسلوب –عطف بيان- عكس ما لو أضيف الضمير إلى اسم، فيكون تعريف الاسم بالضمير في الآية الثانية والثالثة، وعندها لا يكون مساوياً للآية الأولى في التعريف وفي الدلالة، فعطف البيان يعطي مزيد تعريفٍ وبيانٍ لما قبله، وهذه أهمية أخرى للتكرار في إبراز المناسبة.

إنّ مثل هذا اللون من التكرار لا غنى عنه في إبراز وحدة النص القرآني وبيان ترابطه وتناسبه، فلو حذفت الكلمات المكررة أو تم استبدالها بضمير فعندها لن يستقم المعنى ولن ينتظم المبنى، ومن هنا تبرز أهمية التكرار في بيان الوحدة الموضوعية للسورة وبيان التناسب بين آياتها.

ومن الأمثلة على المفردة المكررة أيضاً قوله تعالى: (ٱلۡحَآقَّةُ* مَا ٱلۡحَآقَّةُ* وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ) [الحاقة: 1-3].

تكررت كلمة الحاقة في هذه السورة ثلاث مرات، وجاء هذا التكرار ليعطي أهمية بلاغية كما يعطي وحدة موضوعية للسورة، فقد جاء محور السورة لبيان دلالة هذه الكلمة المكررة، وجاءت آياتها لتجيب عن مضمونها وما يتعلق بها من معانٍ ودلالات، فذكر الطيبي في هذه التسمية أكثر من سبب فقيل: لأنها ثابتة الوقوع واجبة المجيء، وقيل: لأن فيها الأمور الحواق من الحساب والثواب والعقاب. والقول الثالث، سميت حاقة، بمعنى عارفة للأمور على المجاز؛ لأن الخلائق فيها تعرف الأمور، فجعل الفعل للقيامة وهو لأهلها(([57]، ولا تناف بين هذه الأقوال، فسميت القيامة بالحاقة؛ لأنها ثابتة الوقوع، كما أن فيها أمور حواق الوقوع، وفيها تعرف الأمور وتفضح.

وأمّا الترابط من الجانب النحوي لهذه الكلمة المكررة؛ فالحاقة "مرفوعة بالابتداء وخبرها (ما الحاقة)"(([58]، فالآية الأولى مبتدأ أول، والآية الثانية مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية خبر للمبتدأ الأول، فالترابط وقع من جانب نحوي بين المبتدأ والخبر، ومن جانب بلاغي بين المسند والمسند إليه.

وأما الدلالة البلاغية لهذا التكرار "فهو تفخيم لشأن الحاقة وتعظيم لهولها، فوضع الظاهر موضع المضمر؛ لأنه أهول لها، {ومَا أَدْرَاكَ} وأي شيء أعلمك ما الحاقة؟ يعني: أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، على أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا همه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك... {الْحَاقَّةُ}، زيادة في وصف شدتها؛ ولما ذكرها وفخمها"(([59].

فوقع الترابط بين هذه الآيات بذكر الحاقة أولاً بأسلوب مبهم، فهذا المصطلحات لا يعلمها المتلقي –العرب زمن التنزيل-؛ لأنه لا علم لهم بالشرائع السابقة ولا دراية عندهم بالكتب المنزلة قبل القرآن الكريم، فلا بد من تفسيرها وتبيينها للمتلقي، فجاء التبيين والتوضيح بأسلوب الاستفهام الذي يحمل التفخيم والتهويل والتعظيم، وجاء التكرار الثالث للحاقة يحمل زيادة في التهويل والتفخيم، "ثمّ أتبع ذلك بذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم"(([60]، فجاءت آيات الحاقة تصور الأحداث، وترسم اللحظات، وتجيب عن حقيقة المشهد، فكان مدار السورة على هذا التكرار لبيان معناه ورسم حقيقته.

لقد اختار الله تبارك وتعالى لفظ الحاقة ليكون اسماً للسورة وعنواناً لها، فهو المحور الأهم في تشكيل ألفاظها وبناء موضوعها، وهو اللبنة الأولى في بناء هذه السورة، وأول ما يقع حدسك وبصرك عليه "فهو الرمز الأول الذي يعطي انطباعاً عاماً عن موضوع هذا المسمى، فيوجد تناسباً كبيراً بين المضمون والاسم الذي عنون به"(([61]، ويكشف عن تناسب شديد يربط مفرداته، فتكرار هذا العنوان في أول ثلاث آيات منها؛ أعطى بعداً دلالياً، وعمقاً معنوياً، وتشويقاً للمتلقي، وتعظيماً لهول الموقف، وتجسيداً لصورة المشهد، ومن هنا تتضح الأبعاد الدلالية لهذا التكرار.

ومن صور التكرار في المفردة أيضاً قوله تعالى: (ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ بَعۡضُهُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمُنكَرِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَقۡبِضُونَ أَيۡدِيَهُمۡۚ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمۡۚ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ* وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ) [التوبة: 67-68]

ومن صور تكرار المفردة أيضاً التكرار الجزئي؛ والذي يعد التكرار الاشتقاقي أحد أقسامه، وذلك بأن تتكرر اشتقاقات المفردة في الآية الواحدة، حيث تكررت كلمة النفاق في هاتين الآيتين خمس مرات، ومن خلال هذا الكم من التكرار نعلم أن مدار الموضوع في هذه الآيات يتحدث عن هذه الظاهرة، وعرّض بذكر المنافقين والمنافقات في الآيتين مع أن ذكر المنافقين بصيغة الجمع تدخل المنافقات وتشملهن "للإيذان بكمال عراقتِهم في الكفر والنفاق"(([62].

فبينت الآية الأولى صفات المنافقين وأفعالهم، فيما بينت الآية الثانية مآلهم ومصيرهم وما هم ملاقوه يوم القيامة، فذكر في الآية الأولى بعض صفاتهم وهي أن بعضهم من بعض، ثم أنهم يأمرون بالمنكر، ثم الصفة الثالثة ينهون عن المعروف، ثم أنهم يقبضون أيديهم عن الإنفاق في سبيل الله، والصفة الأخيرة أنهم نسوا الله وغفلوا عن طاعته وذكره، ولما ذكر صفاتهم أتبعها بذكر العقوبة المترتبة على هذه الصفات، فهي خمس صفات بخمس عقوبات، أولاً: نار جهنم، ثمّ توعدهم بالخلود فيها، ثمّ قال: (هِي حَسْبُهُمْ) "عقاباً وجزاءً، وفيه دليلٌ على عظم عقابِها وعذابِها"(([63]، ثم توعدهم باللعن والطرد من رحمته، ثمّ توعدهم بالعذاب المقيم "أي نوعٌ من العذاب غيرَ عذابِ النار دائمٌ لا ينقطع أبداً"(([64].

فجاء الجزاء موافقاً للعمل، فذكرت الآيات خمسة أنواع من أفعال المنافقين، وذكر في المقابل خمسة أصناف من العذاب المدخر لهم في الآخرة؛ ليكون العقاب من جنس العمل.

لقد حقق تكرار المفردة من خلال الأمثلة السابقة جواً من التوازن اللفظي والانسجام الفكري، فكان التكرار هو البؤرة الموضوعية للآيات ومضمون العبارات ومدار السورة ومحورها، فحقق الغاية التي جاء يعالجها ووضح العبرة التي جاء يبينها، دون إخلال بالمعنى، أو إنقاص في مبنى المفردة أو دلالتها، ليحقق ذروة الدلالات المطلوبة سواءً على سبيل تعزيز غرض بلاغي، أو معناً بياني، أو إثارة أحاسيس ومشاعر للفت الأذهان إلى مبتغى الكلام، وهو تحقيق الحكمة الجامعة لمقتضى التنزيل.

المطلب الثاني: تكرار الجمل المتعاقبة وأثرها في ابراز المناسبة بين الآيات

تتعدد الأساليب البلاغية وتتنوع الفنون الأدبية في نظم القرآن الكريم؛ لتتضافر جميعها في تحقيق ما يرمي إليه الخطاب الرباني، فيكون مفاد الخطاب الرباني: كل مقام مقاله، بأدق الألفاظ والعبارات، وأقل التراكيب والمفردات، بمعانٍ تتفجر حكمةً وبلاغةً.

ومن أمثلة تكرار الجمل المتعاقبة قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا* إِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرٗا) [الشرح: ٥ – ٦].

هاتان الآيتان من الآيات التي جاءت بأسلوب التكرار المتتالي، تعالج قضية العسر واليسر وتطييب النفوس وشحذ الهمم، فحمل هذا التكرار مواساةً لمن أثقلته المصائب، وأخذه ضنك الحياة، فجاء التكرار ليعطي معانٍ غير سابقة، ومبالغةً وتوكيداً للمتلقي، "إنّ هذه السورة تضمنت ذكر إنعامه سبحانه على نبيه صلي الله عليه وسلم، ثم اتبعت تلك المنح الجليلة بما تشركه فيه أمته من التأنيس بتيسير ما عرض فيه عسر للمؤمن في أمر دينه ودنياه، فقال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ ٱلۡعُسۡرِ يُسۡرًا)، فبشر عباده بأن العسر يتبعه اليسر، وتأكد ذلك بأن المؤكدة للخبر، وزيد تأكيداً بالتكرير وتوسيع التأنيس بالإشعار الحاصل من تنكير اليسر وتعريف العسر"(([65].

وقد جاء التكرار اللفظي في الآية السابقة زيادة في التوكيد ومبالغة فيه، جاء في الأثر ما يفسر هذه الآية ويبين معناها، قال الحاكم: "وقد صحت الرواية عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب: (لن يغلب عسر يسرين)، وقد روي بإسناد مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم "خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً وهو يضحك، وهو يقول: (لن يغلب عسر يسرين)([66])، فهذه الروايات تبين المعنى وتفسره، وتظهر الترابط بين الآيات وتؤكده، فالنكرة في مقام التكرار تفيد أنّ الأولى غير الثانية، فكل له معناه ودلالته، فيما المعرفة إذا كررت تفيد أنّ الثانية تأكيد للأولى بلفظه ومعناه، فحملت الآيات عسر واحد ويسران، لأن العسر معرفة واليسر نكرة، "وإنما كان العسر معرفاً واليسر منكراً، لأن الاسم إذا تكرر منكراً فالثاني غير الأول"(([67].

فجاء العسر معرفاً؛ والتعريف إما إن يكون للعهد، وإمّا للجنس كما يقول الطيبي في شرحه على الكشاف، فإذا حمل على العهد، فهو العسر الذي كانوا فيه، وإما أن يكون للجنس فيكون العسر الذي يعلمه كل أحد(([68] من ضنك الحياة ومتاعب الدنيا.

وأمّا في تنكير اليسر؛ فإمّا أن يحمل إعادة اللفظ على التكرار، وإمّا على الاستئناف، ففي التكرار يحمل المعنى على التبعيض والتفخيم الذي يفيد اللزوم والكناية "فإن التفخيم في {يُسْرًا}، اقتضى أن يتناهي فيه"(([69]، وهذا الذي رجحه الطيبي، أو يكون على الاستئناف الذي يفيد تعدد اليسر فهما يسران، فيكون اليسر الأول غير الثاني، وهذا الذي رجحه الخفاجي في حاشيته، "على كونه استئنافاً؛ لأنه لو كان تأكيداً كان عين الأوّل"(([70]، وحمل المعنى على الوجهين أولى؛ لأنه يعطي سعة في الأفق وجمالاً في التأويل والتفسير.

وأما المعنى المترتب على هذه الدلالة، فيكون المعنى بالاستئناف أن يقال: لما كان ورود الآية في حق الصحابة الكرام، ووعداً لهم بالفرج بعد الشدة، أوجب أن يُحمل على يسر الدارين: أما في الدنيا، فبالغنى بعد الفقر، والقوة بعد الضعف، وبالعز بعد الذل، وفي الآخرة الفوز بالجنان والعتق والغفران، وإمّا حمل المعنى على التفخيم، كأنه قيل: إن مع العسر يسرًا عظيمًا وأي يسر، كأنه قصد باليسرين: (يُسْراً) من معنى التفخيم، فتأوله بيسر الدارين، وذلك يسران في الحقيقة(([71]، فهما يسران عظيمان، وهذا من باب الجمع بين الدلالتين في المعنى.

إنّ الترابط بين الآيات القرآنية بأسلوب التكرار يدعونا للوقوف معها، ومن ثمّ التفكر والتأمل ملياً بدقة اللفظة، وجمال المعنى، والغاية التي سيقت من أجلها هذه الآية، وما تحمله من الدلالات البلاغية تثري المعنى، وتكسبه سعة في أفق المفسر وفكره، مما يضفي مزيداً من أوجه التناسب والتناسق بين الآيات القرآنية بلفظها ومعناها.

ومن الأمثلة على التكرار بالجمل المتعاقبة أيضاً قوله تعالى: (وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ* ثُمَّ مَآ أَدۡرَىٰكَ مَا يَوۡمُ ٱلدِّينِ) [الانفطار: ١٧– ١٨].

راعى الخطاب القرآني في هاتين الآيتين حال المتلقي، حين ربط بين الآيات بحرف العطف (ثمّ)، والذي يفيد الترتيب مع التراخي ليبرز التناسب بين الآيات ويظهر الترابط بين العبارات، كما يعطي الدقة المتناهية باستعمال الألفاظ القرآنية، حيث جاء هذا التكرير في معرض الحديث عن أهوال القيامة وما يصاحبه من أهوال عظام وأحداث جسام تذهل العقول والألباب، "والإظهار في موضع الإضمار تأكيد لهول يوم الدين وفخامته"([72])؛ وذلك لما سيعاينه أهل المحشر ويشاهدونه.

وأمّا توجيه الخطاب في الآيات السابقة، فقيل: إنه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل للمشركين، كما صرح الآلوسي(([73]، فإذا كان الخطاب في الآيات السابقة لسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيكون للمؤمنين من بعده أيضاً، فهذا باب تعظيم لذلك اليوم وتهويله، وتحذير للمؤمنين، وإن كان الخطاب للمشركين فهو من باب التهويل والتخويف للوعظ والزجر، وحمل الخطاب للعموم أولى، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وللمشركين على سواء، حيث تحدثت الآيات عن الإنسان عموما، ثمّ قسمتهم إلى أبرار وفجّار، وهذا التقسيم يعم الجميع وهو الراجح.

فجاء التكرار يؤذن بالزيادة كما يقول ابن عاشور: "تجاوزه حد الوصف والتعبير، فهو من التوكيد اللفظي، وقرن هذا بحرف (ثمّ) الذي شأنه إذا عطف جملة على أخرى أن يفيد التراخي الرتبي، أي تباعد الرتبة في الغرض المسوق له الكلام، وهي في هذا المقام رتبة العظمة والتهويل، فالتراخي فيها هو الزيادة في التهويل"([74]).

فجاء الترابط بطريق العطف، وجاء التكرار تفخيماً لشأن ذلك اليوم، وتعظيماً لأمره، تحذيراً للعاصي وتنبيهاً للطائع، فكان التهديد والوعيد في الآية الأولى، وعطف عليه في الثانية زيادة في التهديد وتحقيقاً لوقوعه، وأنكم صائرون إلى أمر عظيم وخطب جسيم، "فالعرب متى تهمت بشيء أرادته لتحققه وقرب وقوعه، أو قصدت الدعاء عليه كررته توكيداً، وكأنها تقيم تكرارها مكان القسم عليه والاجتهاد في الدعاء عليه حيث يقصد الدعاء"(([75]، فحمل هذا الأسلوب الوعد والوعيد، كما حمل الترغيب والترهيب.

إنّ التكرار اللفظي للآية أعطى من التوكيد ما لا يعطيه غيره من معاني التوكيد، وربط الآيات بما قبلها بمشاهد القيامة بأسلوب يتناسب وحال المشركين المنكرين للبعث والقيامة، وللمقرين به المعتقدين بوقوعه، فيبعث في نفسه الخوف والرهبة التي تدفعه للتوبة والإنابة.

فقد أسهم هذا الإيجاز المتمثل بالتكرار في توفير حيز من التوازن الفكري، والتلاؤم الذهني في نفس المتلقي ووجدانه، مما يعطي حافزاً للاستقامة، وتناسقاً وترابطاً للعبارة، ووضوحاً للمعنى والدلالة، فحمل التكرار من الدلالات البلاغية الشيء الكثير، أضف إلى ذلك ارتباط الألفاظ بعضها ببعض لما بين المؤكد والمؤكد به من تلازم وترابط، ما منح المفسر للآيات القرآنية قيمة أوسع أثرت تفسيره، ووسعت أفق تفكيره، فكان حري به أن يقف مع كل لفظة، وأن يتمعن في كل جملة.

المطلب الثالث: تكرار الآيات المتباعدة في السورة الواحدة وأثرها في إبراز المناسبة

تكرار الآيات في السورة القرآنية من الموضوعات التي أشغلت المفسرين وتكلموا فيها وخاضوا في دلالتها، فمنهم من قال بالتكرار، ومنهم من نفى عنها ظاهرة التكرار، بحجة أن القرآن لا تكرار فيه، مع أنّ ظاهرة التكرار جلية واضحة فيها، ولكن ما حملهم على ذلك أنهم نظروا إلى ظاهرة التكرار أنها قدح في البلاغة والفصاحة، مع العلم أن ظاهرة التكرار في القرآن الكريم لها غايتها ورسالتها البلاغية والبيانية مع ما تحققه من اتساق في النص والدلالة.

وفيما يلي أمثلة على تكرار الآية الواحدة في السورة القرآنية، وبيان علاقتها في اتساق النص وإبراز المناسبة:

أولاً: قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ) [الشعراء:8-9].

محور هذه السورة وموضوعها الرئيس هو إبراز الجانب العقدي وبيان صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر أحول الأمم المكذبة بالمنهج الرباني، وقد اشتملت السورة على ثماني قصص متلاحمة متماثلة، ختمت كل قصة منها بالآيتين السابقتين، "ذلك أن السورة تواجه تكذيب مشركي قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزاءهم بالنذر، وإعراضهم عن آيات الله، واستعجالهم بالعذاب الذي يوعدهم به، مع التقول على الوحي والقرآن، والادعاء بأنه سحر أو شعر تتنزل به الشياطين"(([76].

فحملت كل قصة من هذا النسيج رسالة لكل من عاند وكفر وطغى وتجبر، أنّ ما حل بأسلافهم ليس ببعيد عنهم، فقرن بين صفة الرحمة وصفة العزة ليكون العبد راغباً راهباً، بين الخوف والرجاء، فلا يطغى جانب على جانب، فحملت من الوعد والوعيد والترغيب والترهيب الشيء الكثير.

وحول ظاهرة التكرار البارزة في هذه السورة والملفتة للنظر، نجد الزمخشري يعرض لها كعادته في مثل هذه المسائل بطرح سؤال وبالإجابة عنه بقوله: كيف كرّر في هذه السورة في أوّل كل قصة وآخرها ما كرّر؟ ثمّ يجيب على ذلك بقوله: كل قصة منها كتنزيل برأسه، وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها، فكانت كل واحدة منها تدلى بحق في أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها، وأن تختتم بما اختتمت به، ثمّ يعلل بعد ذلك لبيان أغراض التكرار وفوائده بقوله: ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس، وتثبيتاً لها في الصدور(([77].

فجو السورة بوجه عام تمثله كل قصة ساقتها سورة الشعراء على حدة، بمقدمتها وتفاصيلها وخاتمتها، فبدأت بمقدمة وهو ما يعرف بحسن الابتداء، ثمّ عرضت السورة لمضمون كل قصة وهو ما يعرف بحسن العرض، ثمّ ختم كل قصة بأسلوب الترهيب؛ وهو ما يعرف بحسن الخاتمة، ليكون الانتقال من قصة إلى قصة أخرى بأحسن الطرق؛ وهو ما يعرف بحسن التخلص وبراعة الانتقال.

لقد شكل هذا التكرار جسراً متواصلاً أفضى إلى ترابط كل قصة منها مع القصة التي بعدها حتى آخر السورة رغم اختصاص كل قصة بعبرة وعظة وأحداث متنوعة، كما أضفى تكرار هذه الآيات في كل القصة إلى عنصر التشويق والترقب لمعرفة الحكم الواقع على الأمم الغابرة والشعوب البائدة، حيث تمكن ذلك من النفس لتوافقه مع الواقع الذي يستحقونه، مما جعل التكرار يتلاءم مع سياق كل قصة منه، وتتناسب مع جو السورة التي ورد فيها، وهو دليل على وحدة الهدف التي سيقت من أجله هذه السورة، والمضمون الذي جاءت تعالجه.

 فجميع القصص في هذه السورة -سورة الشعراء- بمختلف تفاصيلها تحوم حول محور واحد، وإبراز قضية واحدة، ألا وهي الجانب العقدي، وصدق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فيما جاء به.

إن هذه الظاهرة –التكرار- وما أضفته من تناسق وتناسب بين القصص على طول السورة مع تنوع القصة وتعددها؛ لهي دلالة توحي بنظم إعجازه، وبديع آياته، وتلاؤم مفرداته، والدقة في اختيار التراكيب وأداء المعنى المطلوب على أحسن وجه وأكمل صورة.

 ومن صور تكرار الآيات المتباعدة في السورة الواحدة قوله تعالى: (فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) [الرحمن: 16].

افتتح سبحانه سورة الرحمن بذكر صفة الرحمة وختمها بصفة الكرم، وجاءت الآيات التي بين هاتين الصفتين تذكر المؤمنين بضروب من النعم التي يعجزون عن الإحاطة بآلاء الله وحسانه بها، وتوبخ المشرك بكفره وعصيانه، حيث تكررت الآية السابقة إحدى وثلاثين مرة، وكل مرة وردت في سياق مختلف عن سابقه تذكر بنعمة جديدة، "فعدد سبحانه في هذه السورة نعماءه، وذكّر خلقه آلاءه، ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها"(([78]، فكان هذا التكرار فاصلاً بين كل نعمة ونعمة للتقرير والتأكيد.

ولما كانت أغراض التكرر كثيرةً ومقاصده متنوعة، فقد حملت هذه الآيات التأكيد والمبالغة في التقرير للمؤمن، كما حملت التقريع والتوبيخ لغير المؤمن، وذلك بإقامة الحجة عليهم، فكان التكرار كما يقول ابن عاشور: "التعريض بالمشركين وتوبيخهم على أن أشركوا في العبادة مع المنعم غير المنعم، والشهادة عليهم بتوحيد المؤمنين، والتكذيب مستعمل في الجحود والإنكار"(([79].

كما حمل هذا التكرار وظيفة تداولية "وهي لفت أسماع المتلقين إلى أهمية هذا الكلام أهمية لا يمكن إغفالها"(([80]، فكان هذا التكرار "تأكيداً في التذكير بها على عادة العرب في الإبلاغ والإشباع"(([81] وهو لفت الانتباه؛ كي لا ينسى المنعم إليه والمتفضل عليه، كما حمل هذا التكرار "أسلوب إقناعي للمتلقي وتأثيراً في استمالته وذلك بشدة القرع على اللفظ والمعنى"(([82]، فكان التكرار بهذا الكم طارداً للغفلة عن الأذهان، ومؤكداً بقيام الحجة على الأنام، وداعياً للشكر من كلا الثقلين.

لقد أدى هذا الأسلوب من التكرار إلى تآخي أجزاء السورة وترابط آياتها مع الغرض الذي تتمحور حوله وهو الآلاء والإنعام، فذكّرهم بالنِعم الدنيوية والأخروية بشي من الإسهاب والتفصيل، وجاء على كل نعمة بالاستفهام عليها والتذكير بها لتحقيق أثرٍ دلالي في نفس المتلقي قائم على الترتيب والتلاؤم والانسجام دون إخلال بالسياق أو المعنى، مما يظهر حقيقة ما اشترطه البلاغيون في صحة هذا الفن –التكرار- من إفادته المعاني دون إخلال في أغراضه، واستيعاب جميع أقسام المعنى وجميع أحواله، بعيداً عن تجاوز أي شيء منها من تقرير وتأكيد وتعجب وتعداد نِعم، وتناسق صوتي بين الآيات ناشئ من توازن المعاني المؤتلفة والمختلفة.

 كما أدى هذا التكرار إلى إحداث التناسب وتحقيق التلاؤم بانتشار هذه القضية –الآلاء والإنعام- في جميع آياتها وتغلغله في جميع أجزائها؛ ليحدث هذا الترابط والتناسب الواضح داخل آيات السورة رسالةً مفادها تثبيت المعنى وتمكينه في النفوس ليحيط بها من جميع الجوانب، فلا يبقى أمام العقل إلا التسليم بما عرض عليه، وتفرغ الفكر لفهمه واستيعاب معانيه.

ثالثاً: قوله تعالى: (وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ) [المرسلات: 15].

وقع تكرار هذه الآية في سورة المرسلات عشر مرات حيث جاءت كما يصفها سيد قطب بقوله: "هذه السورة حادة الملامح، عنيفة المشاهد، شديدة الإيقاع، كأنها سياط لاذعة من نار، وهي تُقف القلب وقفة المحاكمة الرهيبة... وعقب كل معرض ومشهد تلفح القلب المذنب لفحة كأنها من نار: (وَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ)، ويتكرر هذا التعقيب عشر مرات في السورة، وهو لازمة الإيقاع فيها، وهو أنسب تعقيب لملامحها الحادة، ومشاهدها العنيفة، وإيقاعها الشديد"(([83].

وجاء التكرار في هذه السورة بعد ما عرضت السورة جولات عدة، فكانت الآية المكررة في نهاية كل جولة تحمل التقريع والتوبيخ مناسبة لجو السورة، "وذلك أنه لما ذكر سبحانه أهوال ذلك اليوم أعقب تعالى بتوبيخ المكذبين على غفلتهم عن التذكر بأخذ من تقدم من مكذبي الأمم وإهلاكهم بجزائهم فقال تعالى: (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ) [المرسلات: 16]... فحصل التذكير بضروب ثلاثة وهي: إهلاك الأمم السالفة بتكذيبهم، وخلق الإنسان، وخلق الأرض وما جعل فيها، ثم أعقب بما يقال لهم في الآخرة وما يشاهدونه مما يحل بهم جزاء على تكذيبهم وتعاميهم عن الاعتبار"(([84].

وجاء التكرار متعلقاً بموضوعات السورة ومقاصدها، فكان التكرار بحسب تكذيبهم وقدره، فحكم كل آية من آيات التكرار متعلقة بحكم ما قبلها من والوعد والوعيد. يقول القرطبي: "وكرره في هذه السورة عند كل آية لمن كذب، لأنه قسمه بينهم على قدر تكذيبهم، فإن لكل مكذب بشيء عذاباً سوى تكذيبه بشيء آخر، ورب شيء كذب به هو أعظم جرماً من تكذيبه بغيره، لأنه أقبح في تكذيبه، وأعظم في الرد على الله، فإنما يقسم له من الويل على قدر ذلك"(([85].

فيما جعل ابن عاشور آيات التكرار محمولة على الاستئناف "لقصد تهديد المشركين الذين يسمعون القرآن، وتهويل يوم الفصل في نفوسهم ليحذروه، وهو متصل في المعنى بجملة (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَٰقِع) اتصال أجزاء النظم، فموقع جملة ويل يومئذ للمكذبين ابتداء الكلام، وموقع جملة (فَإِذَا ٱلنُّجُومُ طُمِسَت) التأخر، وإنما قدمت لتؤذن بمعنى الشرط. وقد حصل من تغيير النظم على هذا الوجه أن صارت جملة ويل يومئذ للمكذبين بمنزلة التذييل"(([86].

فجعل ابن عاشور التناسب بالتكرار مبنياً على التذييل، وما بعدها استئناف جديد، والتذييل هو: "أن يؤتى بجملة عقب جملة، والثانية تشتمل على المعنى الأول لتأكيد منطوقه أو مفهومه؛ ليظهر المعنى لمن لم يفهمه، ويتقرر عند من فهمه"(([87]، فحمل التكرار على التذييل هو عين البيان لمن لم يعقله، وتقرير للحكم عند من يعقله ويفهمه، فكان كل تكرار بمثابة فاصلة قرآنية للانتقال إلى غرض آخر ومحور آخر من محاور السورة كلها.

إن التكرار بما يحمله من أبعاد حسية ومعنوية لدى المتلقي كان له الدور المهم في استمرار الخطاب وامتداده، وجذب المتلقي وشد انتباهه، وملامسة عواطفه لما يمثله هذا الأسلوب وما يحمله من ترهيب وترهيب ووعد ووعيد، امتد إلى أعماق النفس فتجاذبته دلالة الأفكار على عظم الأمر المكرر فضلا عن تأثيرها على نفس المتلقي من حيث توجيه الإنسان إلى الالتزام بالمنهج القويم، وذلك عبر تهيئة النفس في المرة الأولى، والتأكيد عليها في المرة الأخرى، لشد الانتباه بإلحاح على هذا الجانب المهم من الخطاب، فضلاً عن إثبات هذا العنصر المكرر في الذاكرة مما جعل الهدف من الخطاب أكثر وضوحاً.

الخاتمة

بعد هذا الاستعراض لدراسة الاتساق المعجمي والوقوف على ظاهرة التكرار في القرآن الكريم والوقوف على مفهومه ودلالته وآثاره، فقد تم التوصل إلى أبرز النتائج الآتية:

1. إنّ مصطلح الاتساق المعجمي، وإن كان من المصطلحات الغربية المعاصرة إلّا أن دلالته اللغوية متفقة مع معناه الاصطلاحي الذي قال به علماء اللسانيات وأهل اللغة، وهو متفق أيضاً في مضمونه ودلالته مع المناسبة والتناسب.

2. إنّ مصطلح الاتساق المعجمي وإن كان مصطلحاً معاصراً، إلّا أن التراث العربي قد احتواه بمفهومه وأقسامه، وقد أشار لهذه الأقسام علماء البلاغة والبديع، ووقفوا مع كل قسم منها من تكرار وتضاد وشبه تضاد وتضام وعلة ومعلول وسبب ومسبب.

3. تختلف زاوية تناول مفهوم التناسب عند المفسرين وعلماء اللسانيات، فالنظرة لدى المفسر أوسع وأعمق؛ فهي لا تقف عند الجملة واتساق النص فحسب كما هي عند علماء اللسانيات، بل تتعداها إلى جميع أجزاء القرآن الكريم، وذلك بالوقوف على جميع الجزئيات من بلاغة وفصاحة وبيان وتناسب.

4. يعد الاتساق المعجمي –التكرار- عاملاً أساسياً ومهماً في إبراز موضوع السورة القرآنية وبيان مضمونها وأغراضها.

5. يعد التكرار بأقسامه المختلفة، سواء تكرار اللفظة المفردة، أو تكرار الآية بصورة متتالية، أو تكرار الآية بأسلوب متباعد في السورة الواحدة، عاملاً مهماً في إبراز الاتساق النص القرآني وبيان تناسبه وترابطه.

6. إنّ ظاهرة التكرار لا تعد مجرد شكل بلاغي أو ظاهرة بلاغية فحسب، بل تتعداها لتكون داعمة في اتساق النص وبيان التناسب بين الآيات القرآنية، وتنظيم العلاقة الدلالية بين المعنى اللغوي والدلالة اللفظية.

7. يعد التكرار عاملاً مهماً للتذكير بأغراض السورة القرآنية، ومن ثَمّ العودة به إلى مقصدها ومضمونها، وهذا بحد ذاته عامل أساسي لاتساق النص وتناسبه ذهنياً ولغوياً ولفظياً.

8. ينحو التعبير القرآني بأسلوب التكرار منحى السورة القرآنية بمراعاة جوها العام من حيث موضوعاتها ومضمونها بألفاظ عنيفة وقوية في مقام التهديد والوعيد، وألفاظ جزلة عذبة في مقام التبشير والترغيب، يتناسب والغرض الذي عالجته الآيات وناقشته السور.

9. أظهرت الدراسة أن أسلوب التكرار أحد أهم أساليب البلاغة العربية، فهي تكشف عن مضمون السورة ودقة بنائها وفقاً لأدوات لفظية وصيغ تركيبية لها تداعياتها الدلالية على مضمون النص؛ ليخرج الخطاب عن شكله المعتاد إلى صورة متمازجة تمزج بين المفاهيم المتقاربة والمتشابهة.

 

(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الثاني، العدد السادس، 1444هـ/ 2022م.

الهوامش


 ([1])الفارابي، أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم (ت 350هـ)، معجم ديوان الأدب، ت أحمد مختار، القاهرة، مؤسسة دار الشعب، 2003 م، د.ط، ج3، ص280.

  ([2])الهروي، أبو منصور محمد بن أحمد (ت 370هـ)، تهذيب اللغة، ت محمد عوض، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2001م، ط1، ج9، ص185.

  ([3])الهروي، تهذيب اللغة، ج1، ص249.

  ([4])ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن زكريا (ت 395هـ)، مقاييس اللغة، ت عبد السلام هارون، بيروت، دار الفكر، 1979م، دط، ج4، ص239-240.

  ([5])ابن فارس، مقاييس اللغة، ج4، ص240-241.

  ([6])عزة شبيلي، علم لغة النص (النظرية والتطبيق)، القاهرة، مكتبة الأدب، 2009م، ط2، ص ز.

  ([7])ابن فارس، مقاييس اللغة،ج5، ص423.

  ([8])الراغب الأصفهاني أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502هـ)، المفردات في غريب القرآن، ت صفوان الداودي، دمشق، دار القلم، 1412هـ، (ط1)، ص801.

  ([9])ابن منظور، أبو الفضل محمد بن مكرم الأنصاري (ت 711 هـ)، لسان العرب، ت عبد الله علي، وآخرون، القاهرة، دار المعارف، د.ت، (د.ط)، ج6، ص4405.

  ([10])السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت 911هـ)، الإتقان في علوم القرآن، ت محمد أبو الفضل، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974م، (د.ط)، ج3، ص369.

  ([11])البقاعي، إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط (ت 885هـ)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، القاهرة، دار الكتاب الإسلامي، د.ت، (ط1)، ج1، ص6.

  ([12])الهروي، تهذيب اللغة، ج9، ص327.

  ([13])ابن فارس، مقاييس اللغة، ج5، ص126.

  ([14])الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد (ت 794هـ)، البرهان في علوم القرآن، ت محمد أبو الفضل، بيروت، دار إحياء الكتب العربية، 1957م، ط1، ج3، ص9.

  ([15])يحيى عبابنه، آمنة الزعبي، عناصر الاتساق والانسجام النصي (قراءة نصية تحليلية)، مجلة دمشق مج10، 2003م، العدد1، ص530.

  ([16])محمد خطابي، لسانيات النص، بيروت، المركز الثقافي، 1991م، ط1، ص24.

  ([17])عزة شبيلي، علم لغة النص، ص105.

  ([18])أبو زيد، عثمان، نحو النص، بيروت، علم الكتاب، 2010م، ط1، ص39.

  ([19])أبو زيد، نحو النص، ص153.

  ([20])الغانمي، إبراهيم، مدخل إلى النقد الحديث، بيروت، المركز الثقافي، العربي، 1990م، ط1، ص102-103.

  ([21])خطابي، لسانيات النص، ص25.

  ([22])المصدر السابق، ص25.

  ([23])عكاشة، محمود، دراسة الترابط النصية في ضوء علم اللغة النصي، د.م، مكتبة الرشيد، 2014م، ط1، ص352.

  ([24])بوراس، سليمان، القرائن العلائقية وأثرها في الاتساق (سورة الأنعام إنموذجاً)، رسالة ماجستير، كلية الأدب، جامعة الحاج لخضر باتنة، الجزائر، 2008، ص34.

  ([25])الزركشي، البرهان، ج1، ص221.

  ([26])سجلماسي، أنو القاسم (ت 704) المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ت علال الغازي، الرباط، مكتبة المعارف، ط1، 1980م، ص477.

  ([27])ينظر: الخولي، إبراهيم محمد، التكرار بلاغة، القاهرة، الشركة العربية، د.ت،ص6.

  ([28])الخطابي، لسانيات النص، ص24.

  ([29])عبد الله، مراد، من أنواع تماسك النص (التكرار، الضمير، العطف)، مجلة جامعة ذات قار، العدد الخاص، المجلد 5،  2010م، ص54.

  ([30])حاقة، عبد الكريم، بلاغة الخطاب القرآني من منظور لسانيات النص، رسالة دكتوراه، اشراف محمد خان، جامعة محمد خضر، كلية الأدب، سكرة، 2016م، ص296.

  ([31])مصلوح، سعد، نحو آجرمية للنص العربي،  مجلة فصول، المجلد العاشر، العدد 2، 1991م، ص158.

  ([32])عبد المجيد، جميل، البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية، الهيأة المصرية للكتاب، القاهرة، 1998م، (ط1)، ص79.

  ([33])عبد الله، مراد، من أنواع تماسك النصي، ص54.

  ([34])ينظر: ابن هشام، أبو عبد الله، مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ت محمد عبد الحميد، صيدا، المكتبة العصرية، دط، دت، ج2، ص575.

  ([35])السكاكي، يوسف بن محمد بن علي (ت 626هـ) مفتاح العلوم، ت نعيم زرزور، دار الكتب العلمية، بيروت، الثانية، 1987م، ص350-351.

  ([36])الزركشي، البرهان، ج3، ص9.

  ([37])الزركشي، البرهان، ج3، ص11.

  ([38])الفقى، صبحي، علم اللغة النصي، ج2، ص22.

  ([39])أبو عفرة، محمد سالم، السبك في العربية المعاصرة، مكتبة الأدب، ط1، 1993م، ص109.

  ([40])ابن أبي الأصبع، تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، ت حنفي شرف، المجلس الأعلى لشؤون الإسلامية، الجمهورية العربية المتحدة، د.ط، د.ت، ص375.

  ([41])الزركشي، البرهان، ج3،ص13.

  ([42])ينظر: نزار، ميلود، الإحالة التكرارية وأثرها في تماسك النص بين القدماء والمحدثين، مجلة علوم إنسانية، السنة السابعة، العدد 44، 2010م، ص12.

  ([43])الزركشي، البرهان، ج3،ص18.

  ([44])عزة شبيلي، علم اللغة والنص، ص21.

  ([45]) الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج24، ص661.

  ([46])ينظر: الداودي، زاهر، الترابط النصي بين الشعر والنثر، ص114.

([47] ) القشيري: عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك (ت 465هـ)، لطائف الإشارات للقشيري، ت إبراهيم البسيوني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، الثالثة، ج3، ص750.

 [48])) البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود (ت 510هـ)، معالم التنزيل في تفسير القرآن، ت محمد عبد الله النمر، دار طيبة للنشر، الرابعة،  1997 م، ج8، ص 491.

 [49] )) العز بن عبد السلام: أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن الدمشقي (ت660هـ)، تفسير القرآن، ت عبد الله الوهبي، دار ابن حزم، بيروت، الأولى،  1996م، ج3،ص 473.

  ([50])الطيبي، شرف الدين الحسين بن عبد الله (ت ٧٤٣ه)، فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف)، ت إياد الغوج، جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، الأولى، ٢٠١٣م، ج16، ص653.

  ([51])الطيبي، فتوح الغيب، ج16، ص653.

  ([52])ابن باديس، عبد الحميد محمد (ت ١٣٥٩هـ)، في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ت أحمد شمس الدين.، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى، ١٩٩٥م، ص381.

  ([53])الخفاجي، شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر (ت ١٠٦٩هـ)، عناية القَاضِى وكِفَاية الرَّاضِى عَلَى تفْسيرِ البَيضَاوي، دار صادر، بيروت،١٤٣١ه، ج8، ص417.

  ([54])الخفاجي، عناية القاضي، ج 8، ص417.

  ([55])الإسكافي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 420هـ)، درة التنزيل وغرة التأويل، ت محمد آيدين، معهد البحوث العلمية مكة المكرمة، الأولى، 2001م، ص1373.

  ([56])الغرناطي، أحمد بن إبراهيم بن الزبير (ت ٧٠٨هـ)، ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل، ت عبد الغني الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص519

  ([57])ينظر: الطيبي، فتوح الغيب، ج15، ص607.

  ([58])الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن (ت 606هـ)، مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3، 1420ه، ج30، ص620.

  ([59])الطيبي، فتوح الغيب، ج15، ص607.

  ([60])أبو حيان، محمد بن يوسف الأندلسي (ت 745هـ)، البحر المحيط، ت صدقي جميل، دار الفكر، بيروت، 1420ه، ج10، ص254.

  ([61])حيال، أحمد حسين، السبك النصي في القرآن الكريم (دراسة تطبيقية في سورة الأنعام)، رسالة ماجستير، جامعة المستنصرية، كلية الأدب، 2011م، ص146.

  ([62])أبو السعود، العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (ت 982هـ)، إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج4، ص81.

  ([63])أبو السعود، إرشاد العقل السليم،ج4، ص81.

  ([64])أبو السعود، ارشاد العقل  السليم، ج4، ص81.

  ([65])الغرناطي، ملاك التأويل، ج2، ص508.

 ([66]) الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه (ت 405هـ)، المستدرك على الصحيحين، مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1990م، (ط1)، كتاب التفسير، باب تفسير سورة ألم نشرح، رقم الحديث 3950، ج2، ص575.

  ([67])الطيبي، فتوح الغيب،ج16، ص500-501.

  ([68])ينظر: المصدر السابق، ج16، ص499.

  ([69])الطيبي، فتوح الغيب، ج16، ص499.

  ([70])الخفاجي، عناية القاضي، ج8، ص374.

  ([71])ينظر: الطيبي، فتوح الغيب، ج16، ص499.

) [72]) الألوسي، روح المعاني، ج15، ص 271.

  ([73])المصدر السابق، ج15، ص 271.

 [74])) ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1393هـ)، «تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد»، تونس، الدار التونسية للنشر، 1984م، (ط1)، ج30، ص184.

  ([75])الغرناطي، ملاك التأويل، ج2، ص500.

  ([76])قطب، سيد إبراهيم حسين (ت 1385هـ)، في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، ط17، 1412 هـ، ج5، ص2583.

  ([77])ينظر: الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو (ت 538هـ)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1407ه، ج3، ص334.

  ([78]) القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت 671هـ)، الجامع لأحكام القرآن، ت أحمد البردوني، دار الكتب المصرية، القاهرة، ط3، 1964م، ج17، ص159.

  ([79]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج27، ص243.

  ([80]) خطابي، لسانيات النص، ص179.

  ([81]) البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت 510هـ)، معالم التنزيل في تفسير القرآن، ت عبد الرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الأولى، 1420ه، ج4، ص332.

  ([82]) الحلو، نوال، أثر التكرار في التماسك النصي، ص75.

  ([83]) قطب، في ظلال القرآن، ج6، ص3789.

  ([84]) الغرناطي، ملاك التنزيل، ج2، ص299.

  ([85]) القرطبي، أحكام القرآن، ح19، ص158.

  ([86]) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج29، ص427.

  ([87]) السيوطي، الإتقان، ج3، ص250.

رقم البحث [ السابق ]

اقرأ للكاتب




التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا