دراسات وبحوث

أضيف بتاريخ : 29-02-2024
هذا البحث يعبر عن رأي كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن رأي دائرة الإفتاء العام


دور نظام الزكاة في تغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي(*)

الدكتور حمزة عدنان يلدار مشوقة، باحث شرعي/ دائرة الإفتاء العام الأردنية

الملخص

تمثل قضية الفقر إحدى أهم المشكلات الاقتصادية التي واجهت العالم وما زالت تواجهه، وقد تباينت الآراء والدراسات حول أسباب الفقر وترتب على ذلك اضطراب في السياسات المتعلقة بالقضاء على الفقر، وهدفت الدراسة إلى بيان ارتباط مشكلة الفقر بنمط سلوك الفقراء الاستهلاكي، وبيان الدور الذي يمكن أن يقدمه نظام الزكاة لتغيير النمط الاستهلاكي عند الفقراء، وتوصلت الدراسة إلى أن مشكلة الفقر ترتبط ارتباطا وثيقاً بسلوك الفقراء غير العقلاني، وأن فلسفة الزكاة في القضاء على الفقر لا تقتصر على إشباع الحاجات المادية للفقراء بل تشمل تنمية الصفات الإيجابية عند الفقراء والأغنياء والتطهير من الصفات السلبية عندهما، بالإضافة إلى تحفيز الفقراء لاستثمار الأموال وتنميتها، وفيما يتعلق بالآليات والبرامج التي يمكن أن تقدمها نظام الزكاة فقد ركزت الدراسة على أبرز مسارين يمكنهما تغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي وهما: إيجاد مصادر دخل دائمة للفقراء، ودعم تعليم وتدريب الفقراء.

الكلمات المفتاحية: نظام الزكاة، مشكلة الفقر، النمط الاستهلاكي، التنمية الاقتصادية، الضمان الاجتماعي، مصارف الزكاة.

المقدمة

تمثل قضية الفقر إحدى أهم المشكلات الاقتصادية التي واجهت العالم وما زالت تواجهه، وقد أدرك حجم هذه المشكلة كثير من الاقتصاديين وصناع السياسة وطالبوا بزيادة الجهود المكثفة اتجاه إزالة أو تقليل الفقر المطلق والبطالة وعدم المساواة في توزيع الدخل، ولذلك قد أصبح الاهتمام بمشاكل الفقر والبطالة وعدم المساواة الموضوع الأساسي للتنمية الاقتصادية منذ السبعينيات.

وقد تباينت الآراء والدراسات حول أسباب الفقر فبعضها يعزو المشكلة إلى عدم المساواة في التوزيع، والبعض الآخر يعزو ذلك إلى نقص الموارد في بعض البلاد أو الأقاليم، وذهب آخرون إلى أن سبب المشكلة يكمن في سلوك الفقراء غير العقلاني، وترتب على ذلك اضطراب وفشل لكثير من السياسات المحاربة للفقر؛ بسبب عدم التوصيف الدقيق للأسباب الحقيقية لمشكلة الفقر.

وقد أصبح منوطاً بالمؤسسات المجتمعية أن تعي الأسباب الحقيقية لمشكلة الفقر وتحاول علاج الأمر من جذوره ولا تكتفي بمحاولة ترقيع هذه المشكلة، ولما كانت مؤسسة الزكاة أكبر مؤسسة في النظام الاقتصادي الإسلامي؛ باعتبارها عبادة مالية مفروضة على كل غني، ولأنها تؤسس شبكة أمان اجتماعي كبيرة، فقد أصبح الضوء مسلطاً على دور نظام الزكاة ومؤسساته.

مشكلة الدراسة:

تتمثل مشكلة الدراسة في الإجابة على الأسئلة الآتية:

أولا: ما مدى ارتباط مشكلة الفقر بالنمط الاستهلاكي للفقراء؟ 

ثانيا: ما هي الفلسفة التي يقوم عليها نظام الزكاة في تغيير سلوك الفقراء؟

ثالثا: ما الدور الذي تقدمه الزكاة لتغيير النمط الاستهلاكي عند الفقراء؟

أهداف الدراسة:

تهدف الدراسة إلى بيان الآتي:

1. بيان ارتباط مشكلة الفقر بالنمط الاستهلاكي عند الفقراء.

2. بيان الأسس التي يرتكز عليها نظام الزكاة في تغيير سلوك الفقراء.

3. بيان الآليات التي يقدمها نظام الزكاة لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي.

4. بيان البرامج التي تقدمها مؤسسات الزكاة المعاصرة لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي.

أهمية الدراسة:

تتمثل أهمية الدراسة على المستوى النظري والعملي فيما يأتي:

1. إثراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بالاقتصاد الإسلامي بموضوع قد أصبح مطروقاً على مستوى دراسات التنمية الاقتصادية والاقتصاد السلوكي، وهو موضوع نمط سلوك الفقراء، وإبراز دور مؤسسات النظام الاقتصادي الإسلامي في معالجة سلوك الفقراء غير العقلاني.

2. تزويد مؤسسات الزكاة المعاصرة بمجموعة من البرامج المطبقة لعلاج نمط سلوك الفقراء غير العقلاني.

الدراسات السابقة:

1. خليل، إيمان أحمد، كيف نقضي على الفقر بالزكاة، الجزائر، جامعة حسيبة بن بو علي الشلف، مجلة الأندلس، مج1 ع1، 2017م.تناولت الدراسة مشكلة الفقر في الفقه الإسلامي وأبرز الآليات التي ترتكز عليها الزكاة في معالجة الفقر، وتطرقت الدراسة إلى مدى فاعلية نظام الزكاة في معالجة الفقر من خلال استعراض نماذج من العصر النبوي والعصر الراشدي وعصرنا الحاضر،  وانتهت الدراسة إلى مجموعة من الآليات التي ترتكز عليها الزكاة في معالجة الفقر وهي (فرض الزكاة في المال النامي، والزكاة معالجة دائمة للفقر تتخطى حدود الزمان والمكان، والزكاة تنمية بشرية تعمل على إشباع الحاجات الأساسية، والزكاة أكبر محفز لإطلاق الخير، والقيم التي تنميها الزكاة في المجتمع).

2. خنفوسي، عبد العزيز، المؤسسات الزكوية كآلية لمعالجة الفقر وفق برنامج التنمية الاقتصادية: مؤسسة الزكاة بولاية سلانجور بماليزيا أنموذجاً، المجلة العربية للدراسات الشرعية والقانونية، العدد الأول، معهد الملك سلمان للدراسات والخدمات الإنسانية، السعودية، 2014م.تناولت الدراسة التعريف مؤسسة الزكاة بولاية سلانجور وأهدافها وأبرز البرامج التي تطبقها مؤسسة الزكاة، كما تناولت المشاريع الاستثمارية التي تمارسها المؤسسة وأهم آليات الاستثمار في المؤسسة.

3. درويش، أحمد فؤاد ومحمود صديق الزين، أثر الزكاة على دالة الاستهلاك الكلي في اقتصاد إسلامي، المملكة العربية السعودية، جدة، جامعة الملك عبد العزيز، مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي، م2 ع1، 1984م.تناولت الدراسة مقولة أن الزكاة تزيد الاستهلاك وأن زيادة الميول الحدية والمتوسطة للاستهلاك هي نتيجة حتمية لتطبيق نظام الزكاة، وتو صلت الدراسة إلى أنه ليس من الضروري أن تزيد الزكاة من الاستهلاك أو حتى من الميل الحدي والميل المتوسط للاستهلاك.

4. الحوامدة، سهيل، أثر الزكاة على الاستهلاك، تركيا، اسطنبول، جامعة صباح الدين الزعيم، مجلة الاقتصاد والتمويل الإسلامي التابعة للمركز الدولي لدراسات الاقتصاد والتمويل الإسلامي، م6 ع3، 2016م.هدفت الدراسة إلى إبراز الوظائف الحقيقية لنظام الزكاة، وبينت الآثار الإيجابية للزكاة على التنمية الاقتصادية عن طريق دورها في زيادة الطلب الاستهلاكي، وأثره في تحفيز الاستثمار، وانتهت الدراسة إلى أن للزكاة آثار مباشرة على الفعالية الاقتصادية من خلال رفعها لمستوى الطلب الاستهلاكي الفعال.

5. مراد، جبارة، انعكاس إعادة توزيع الدخل عن طريق الزكاة على دالة الاستهلال الكلية مع الإشارة إلى حالة الجزائر، الجزائر، جامعة حسيبة بن بو علي الشلف، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، 2009.

استعرضت الدراسة النظريات الاقتصادية للاستهلاك وبينت أن دالة الاستهلاك الكينزي هي الأقرب لتفسير الاستهلاك الكلي لمجتمع الزكاة، كما توصلت الدراسة إلى أن الزكاة تؤدي إلى زيادة الاستهلاك الكلي؛ نظراً لارتفاع الميل الحدي للفقراء.

الإضافة العلمية للدراسة:

تناولت أغلب الدراسات السابقة تحليل العلاقة الاقتصادية بين الزكاة وبين الاستهلاك باستثناء دراسة إيمان خليل التي تناولت آليات الزكاة في القضاء على مشكلة الفقر بشكل عام، وستركز هذه الدراسة على آليات نظام الزكاة في تغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي.

منهج الدراسة:

ستقوم الدراسة على المنهج الوصفي من خلال دراسة أسباب مشكلة الفقر وآليات نظام الزكاة اتجاه تقويم ذلك السلوك وتغييره إلى الأفضل واستعراض أبرز البرامج التي تقدمها مؤسسات الزكاة المعاصرة.

مخطط الدراسة:

سيقوم الباحث بتقسيم الدراسة إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مشكلة الفقر وعلاقته بالنمط الاستهلاكي عند الفقراء.

المبحث الثاني: فلسفة الزكاة في تغيير سلوك الفقراء.

المبحث الثالث: الآليات والبرامج التي يقدمها نظام لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي.

المبحث الأول

مشكلة الفقر وعلاقته بالنمط الاستهلاكي عند الفقراء

سيتناول الباحث في هذا المبحث التعريف بمشكلة الفقر، وأسباب الفقر، وأنماط السلوك الاستهلاكي عند الفقراء.

المطلب الأول: التعريف بمشكلة الفقر:

أولا: التعريف اللغوي للفقر:

أصل فقر في اللغة يأتي بمعنى انفراج في الشيء، ومن ذلك الفقار للظهر، وواحده فقارة، والفقير المكسور فقار الظهر؛ قال العلامة ابن فارس: " منه اشتق اسم الفقير، وكأنه مكسور فقار الظهر، من ذلته ومسكنته"[1].

وقال الراغب الأصفهاني: " أصل الفقير: هو المكسور الفقار، يقال: فقرته فاقرة، أي داهية تكسر الفقار"[2].

ثانيا: تعريف الفقر في اصطلاح الفقهاء:

فرقت الشريعة الإسلامية بين مفهومي الفقير والمسكين؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[3]، واختلف الفقهاء في تحديد مفهوم الفقير ومفهوم المسكين:

1. ذهب فقهاء الحنفية إلى أن الفقير من لا يملك نصاباً نامياً، وأما المسكين فهو من لا يملك شيئاً[4]، فالحنفية نظروا إلى أن المراتب ثلاثة: أدناها المسكين، ثم الفقير، ثم الغني.

2. ذهب المالكية إلى أن الفقير من يملك شيئاً ولكن لا يكفيه عامه، والمسكين من لا يملك شيئاً.[5]

3. مذهب الشافعية على النقيض من ذلك فجعلوا الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعاً من حاجته، والمراد بحاجته ما يكفيه مطعما وملبسا ومسكنا وغيرهما مما لا بد له منه على ما يليق بحاله وحال من في نفقته من غير إسراف ولا تقتير، والذي لا يقع موقعا من حاجته أن يحتاج إلى عشرة ويجد منهما درهمين، وأما المسكين فهو من قدر على مال أو كسب لائق به يقع موقعا من كفايته لمطعمه ومشربه وملبسه وغيرها مما يحتاج إليه لنفسه ولمن تلزمه نفقته، ولا يكفيه ذلك المال أو الكسب كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا سبعة أو ثمانية.[6]

وقد نص فقهاء الشافعية على بعض هذه الحاجات المأكل والملبس والمسكن والتطبيب وطلب العلم، ثم قرروا أن الضابط كل ما يليق بالحال بغير إسراف ولا تقتير[7].

4. مذهب الحنابلة أن الفقير من لا يجد شيئاً أو يجد شيئاً يسيرا من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعا من كفايته كدرهمين من عشرة، وأما المسكين فهو من يجد معظم الكفاية أو نصفها من كسب أو غيره[8].

ويتبين من هذا العرض أن الفرق بين الفقير والمسكين في باب الزكاة يعتبر شكلياً، فكل منهما يعتبر مستحقاً للزكاة.

وعلى ذلك فتكون دائرة الفقر والمسكنة عند الفقهاء متعلقة بتمام كفاية حاجات للفرد، فالجامع المشترك هو فقر الحاجة، ويمكن تعريفه بأنه حرمان الفرد عن الحاجات التي تحقق تمام كفايته مما يليق بحاله، ولا يخفى أن عبارة مما يليق بحاله تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال، فمفهوم عدم الكفاية يتعلق بنقص حاجات الفرد حسب المستوى الاجتماعي الذي يعيش فيه الفرد.

ثالثا: تعريف الفقر في اصطلاح النظريات الاقتصادية الوضعية:

ركزت كثير من الأدبيات الاقتصادية التقليدية في تعريف الفقر على تلك الظاهرة العامة في المجتمع، ويسمى هذا المصطلح بالفقر المطلق وهو عدد الأفراد غير القادرين على الاستحواذ على الموارد الكافية لإشباع حاجتهم الأساسية، وبعبارة أوضح هم الأفراد الذين يعيشون تحت المستوى الأدنى للدخل الحقيقي[9].

ويُلاحظ أن هذا التعريف يركز على نقص الموارد الأساسية بدرجة أقل من المستوى الاجتماعي، وهذا يرتبط بمجموعة من الجوانب الاقتصادية مثل عدم الملكية، وعدم كفاية الدخل، وعجز الموارد المالية عن الوفاء بالحاجات الاقتصادية، وعدم المساواة في توزيع موارد المجتمع[10].

وقد عرف البنك الدولي للإنشاء والتعمير الفقر بتعريف أعم من السابق وهو الحرمان الشديد من الحياة الرضية، ومفهوم الحرمان الشديد لا يقتصر على الحرمان المادي فحسب بل يشمل التحصيل المنخفض في التعليم والصحة كما يشمل جميع أنواع التعرض للمعاناة والمخاطر، وهذا المفهوم مقتبس من المفكر الاقتصادي الهندي "أمارتيا صن" الذي كان يرى أن التنمية هي عملية توسيع للحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس، ووفقا لهذا المفهوم فإن التنمية لا تقتصر على زيادة الدخول أو تملك الأصول فحسب، بل تشمل زيادة قدرة الناس على التمتع بحياة أفضل ذات معنى من وجهة نظرهم، وقد أصبح هذا المصطلح يسمى بالفقر متعدد الأبعاد، ويرى الباحث أن هذا المفهوم يرسم صورة أدق لمشكلة الفقر والحاجات الأساسية التي يلزم توفرها لكل فرد[11].

فمفهوم الفقر متعدد الأبعاد الذي توصل إليه الفكر الوضعي حديثاً، هو نفس مفهوم فقر الحاجة الذي أتى به التشريع الإسلامي قبل ألف سنة.

المطلب الثاني: أسباب الفقر:

أولا: أسباب الفقر من منظور إسلامي:

يقرر الإسلام أن الفقر يرجع إلى مجموعتين من الأسباب[12]:

1. أسباب خَلقية: فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يتفاوت البشر فيما بينهم في القدرات والمواهب والميول؛ من أجل يتعاونوا ويتكاملوا مع بعضهم، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}[13].

ومن الأسباب الخَلقية أيضاً: الابتلاء الذي قد يصاب بها الأفراد؛ قال تعالى: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}[14] [الفجر: 16].

2. أسباب سلوكية ترجع إلى ظلم الإنسان وطغيانه أو عجزه وكسله؛ قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[15]، ويلاحظ أن الآية ذكرت أن القرية كفرت بأنعم الله، وكفر النعمة ترك أداء شكرها، وشكر النعمة يكون بالإقرار بالمُنعم والعمل بمنهجه واستخدام هذه النعمة واستغلالها الاستغلال الأمثل، وأما كفر النعمة فيتضمن جحود المُنعم بها والإعراض عن منهجه وعدم استخدامها في وظيفتها التي خلقها الله من أجلها.

وقد انصب اهتمام المذهب الاقتصادي الإسلامي على علاج الأسباب السلوكية وإيجاد مؤسسات إعادة توزيع الدخول والثروات، من خلال حث الإنسان على العمل والإحسان فيه، وضبط سلوك الإنسان اتجاه أخيه بما يمنع أكل الناس حقوق بعضهم، وأخيراً فقد جعل للفقراء حقاً في مال الأغنياء من خلال آليات إعادة توزيع الدخول والثروات، وسيأتي تفصيل ذلك في المبحث الثاني.

ثانيا: أسباب الفقر من منظور النظريات الاقتصادية الوضعية:

تتباين الحجج بين الاقتصاديين حول أسباب الفقر، ويرجع كثير من هذه الأسباب إلى قناعات أيدلوجية أكثر من كونها مبنية على دراسات علمية، وهذا ما يجعل وجود تخبط في كيفية معالجة مشكلة الفقر.

يرى بعض الاقتصاديين أن السبب الرئيس يرجع إلى البيئة والمناخ والظروف الاجتماعية والاقتصادية؛ أي إن الدول الفقيرة إنما هي فقيرة؛ لأنها ذات مناخ حار ولا تتوفر بها التربة الخصبة وتتفشى فيها الأمراض وسوء التغذية والافتقار إلى فرص عمل، وليس للفقراء سيطرة على هذه العوامل، مما يجعل على الحكومات أن تتحمل مسؤولية القضاء على مشكلة الفقر، ولما كان من العسير على الحكومات الفقيرة أن تصبح دولاً منتجة دون أن يصلها استثمارات أولية ضخمة تساعدها على تجاوز هذه المشكلات، فليس هنالك ما يُمكن تقديمه لهذه الحكومات سوى المساعدات الخارجية، والتي يمكنها أن تساعد على هذه الدول على الاستثمار في المجالات الأكثر أهمية وجعلها أكثر إنتاجية [16].

بينما يرى البعض الآخر من الاقتصاديين أن مشكلة الفقر ترجع إلى سوء تكيف في سلوك الفقير، وبما أن سلوك الفرد من مسؤوليته نفسه ولا يعالج بشكل مناسب إلا على يد الفرد نفسه، فقد تبنى هؤلاء الاقتصاديون وجهة نظر متطرفة بخصوص التدخل الحكومي أو المساعدات الخارجية؛ إذ إن ضرر البرامج الحكومية والمساعدات الخارجية أكثر من نفعهما، فهي تمنع الأشخاص عن البحث بأنفسهم عن حلول لمشكلاتهم، وبالتالي فإن الأفضل للحكومات أن تعمل على أن تكون الأسواق حرة والمحفزات سليمة، وبالتالي فيصبح بوسع الناس العثور على وسائل لحل ما يواجههم من مشكلات، ولا يحتاجون بعد ذلك إلى معونات من الخارج ولا حتى من حكومات بلدهم[17].

ومن يتأمل في وجهتي النظر المذكورتين سيجد أن كل واحدة منهما بنى رأيه على بعض النماذج الواقعية، ولكن المشكلة أن كلا منهما قد عمم النتيجة التي توصل إليها دون أن يمحص ويحقق في الأسباب والدوافع والظروف الخاصة بكل نموذج، وهذا ما بينه "بانجري" و"دفلو" مؤلفا كتاب اقتصاد الفقراء اللذان بينا أن أفضل الطرق في البحث عن هذه القضايا هو محاكاة التجارب العشوائية، وقد توصلا من خلال أبحاثهما وباستعانتهما بأبحاث أخرى أن المشكلة تبدأ بالكيفية التي يتخذ الفقراء من خلالها قراراتهم، وهذا يمكن أن يفسر بمدى توافر الموارد المادية عند الفقير، أو كيفية إدارة موارده المالية، أو مدى توافر المعلومات عند الفقير حول الفوائد التي ستعود عليه من اتخاذ قراره، أو الاستغراق التام في مشكلات الحاضر إلى درجة عدم القلق بشأن المستقبل، أو غير ذلك من الأسباب التي ترجع إلى الفقير الخاصة أو الحياة التي يعيشها الفقراء[18].

ويرى الباحث أن أسباب الفقر كثيرة ولا يمكن حصرها فبعضها يرجع إلى حالة الحروب أو الاستعمار التي تعيشها بعض الدول، وبعضها يمكن عزوه إلى البنية التحتية للمؤسسات الاجتماعية، وبعضها يرجع إلى الهيكل السياسي وهيمنة أصحاب المصالح والنفوذ، وهذا يترتب عليه سوء توزيع للثروات والدخول بين أفراد المجتمع، واحتكار فئة قليلة من أصحاب النفوذ السياسي أو الشركات متعددة الجنسيات أو الدول الاستعمارية للمقدرات الوطنية، وسوء استغلال للموارد المحلية في إشباع الحاجات الاجتماعية.

ولا يخفى أن جميع هذه الأسباب المذكورة صحيحة ومسؤولة بشكل كبير عن مشكلة الفقر، وإصلاحها يحتاج لتظافر جهود الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين في خطة استراتيجية متكاملة، ولكن بعض هذه الأسباب قد يكون أقوى تأثيراً في حجم هذه المشكلة من البعض الآخر.

فعلاج جميع هذه الأسباب قد لا يعمل على القضاء على مشكلة الفقر؛ لأن مشكلة الفقر تصاحبها عادات سلوكية معينة وقلة خبرة معرفية عند الفقراء تمنعهم من التخلص من مشكلاتهم إلا بتطوير سلوكياتهم ومهاراتهم وتزويدهم بسلاح المعرفة، ومن هنا كان الاقتصادي الهندي (أمارتيا صن) يرى أنه لابد من إعادة النظر إلى مفهوم الفقر بحيث يؤخذ في الاعتبار قدرة الأفراد على التحكم في مواردهم وتعبئتها للتبادل، واعتبر صن أن أسباب الفقر ترجع إلى: نقص الموارد، وغياب القدرات في التحكم في الموارد الخاصة، وخلل في حق الوصول إلى الأسواق، وبناء على ذلك فالفقر من وجهة نظره ليس مجرد تدني في الدخل، وإنما هو حرمان من القدرات الأساسية للإنسان، ومن هنا فقد أولى (صن) الاهتمام بتوسيع مقدرة الفقراء على أن يحيوا الحياة التي يرغبوها، أو الحياة التي لديهم من الأسباب ما يدعو إلى تثمينها[19].

ويرى الباحث أن الجامع المشترك بين المذهب الاقتصادي الإسلامي وبين أحدث النظريات الغربية هو النظر إلى سلوك الفقير، ولذلك فإن الاهتمام بآليات إعادة التوزيع وتغيير سلوك الفقراء هو جوهر ما يجب أن تنصب عليه برامج وسياسات القضاء على مشكلة الفقر.

المطلب الثالث: أنماط السلوك الاستهلاكي عند الفقراء:

أولا: أنماط الاستهلاك في المذهب الاقتصادي الإسلامي:

أنماط السلوك الاستهلاكي هي "عبارة عن طرق وأساليب إنفاق الفرد لدخله في الوجوه المختلفة لمواجهة حاجات بيولوجية واجتماعية في فترة زمنية معينة"[20].

ويعرض المذهب الاقتصادي الإسلامي مجموعة من المبادئ التي تضبط نمط سلوك الفرد الاستهلاكي، وهي:

1. استعباد الخبائث من سلة استهلاك الفرد، فالمذهب الاقتصادي الإسلامي يعرف للمسلم الطيبات ويبيحها له، ويعرف له الخبائث وينهاه عنها؛ فقد حرم الإسلام كل ما يخل بطاقة الإنسان الجسدية والعقلية والروحية[21]؛ قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[22].

2. الاعتدال في الإنفاق الاستهلاكي: فالإنسان مأمور بالاستهلاك إلى الحد الذي يشبع طاقته العقلية والجسدية، ومنهي عن الإسراف وتجاوز الحد الذي يلزمه؛ قال الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[23].

3. مراعاة الأولويات في الإنفاق: فالإنفاق يجب أن يراعي سلم أولويات الحاجات الحقيقية، وقد قسم علماء المسلمين الحاجات إلى ثلاثة مراتب: المرتبة الضرورية (وهي ما لا بد منها لاستقامة حياة الإنسان ويؤدي فقدها إلى فقد حياته أو فسادها) والمرتبة الحاجية (وهي ما لا بد منها للتوسعة ورفع الحرج والضيق) والمرتبة التحسينية ( وهي الأخذ بما يليق بالفرد حسب عادة الناس).

فمراعاة سلم الأولويات في إشباع الحاجات يبدأ به بالضروريات، ولا ينتقل إلى الإنفاق على الحاجيات والتحسينيات قبل قضاء حاجاته الضرورية، فإن بقي من الدخل شيء فينفق على الحاجيات، ولا ينتقل إلى التحسينيات قبل قضاء حاجاته الحاجية، فإن بقي من الدخل شيء أنفق على حاجاته التحسينية[24].

4. البعد الإيثاري في الإنفاق الاستهلاكي: فالمذهب الاقتصادي الإسلامي يجعل المسلم يشتق منفعته الذاتية ليس من استهلاكه فقط، وإنما من إيثاره الآخرين أيضاً، وهذا يفسر منطق الصدقة والإنفاق في سبيل الله؛ فالدينار الذي تضعه في يد الفقير يعكس قناعة مفادها أنك ستكسب منفعة أكثر مما لو أنفقته على طعامك وشرابك وإلا لما فعلت[25]؛ قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[26].

5. ادخار ما يفضل عن حاجة الفرد وحاجة من يعول: وهذا يعتبر من باب حسن التدبير؛ لأن استمرار إنفاق المال على أوجه الحاجات المختلفة عبر الزمن يتطلب ادخار جزء فاضل عن الحاجة واستثمار ذلك الجزء.

إن المذهب الاقتصادي الإسلامي يرشد السلوك الاستهلاكي ويحاصر أنماط الطلب الشاذة كالمسايرة والمجاراة وأثر التعالي وأثر المباهاة والسلوك المظهري بمبادئه واحكامه، فيتحقق مفهوم الرشد الاقتصادي ليكون الاستهلاك نشاطا هادفا لاستمرار الوجود الإنساني ومحققاً لقوام لطاقات الإنسان الروحية والعقلية والجسدية.

ثانيا: أنماط الاستهلاك في النظريات الاقتصادية الوضعية:

وقد حاولت النظرية الاقتصادية التقليدية أن تقيم نظرية المنفعة – النمط العقلاني في الاستهلاك – كنظرية عامة لتفسير السلوك الإنساني، وقد كانت هذه النظرية تقرر أن كل فرد يبحث عن المنفعة أو اللذة ويسعى لتجنب الألم، فابتكروا صورة الإنسان الاقتصادي الرشيد الذي يحاول تعظيم المنفعة التي يحصل عليها، وتقليل الألم الذي يضطر إلى تحمله[27].

وانتقدت مقولة الإنسان الاقتصادي من قبل المدرسة المؤسسية؛ لأن الفرد قد لا يتأثر في سلوكه الاقتصادي بالرغبة في إشباع حاجاته الذاتية بقدر تأثره بالعادات الاستهلاكية للأفراد الآخرين في المجتمع الذي يعيش في كنفه[28].

وقد ميز الاقتصادي الأمريكي "هارفي لبنشتاين" بين ثلاثة أنماط للسلوك الاقتصادي تعكس أثرها على الطلب وهي:

الأول: أثر المسايرة وتعني أن الفرد يزيد طلبه على السلعة مسايرة للآخرين الذين يطلبونها.

الثاني: أثر الانفرادية وتعني أن الفرد يحب أن يتميز بامتلاك سلعة غير عادية أو باهظة الثمن أو فريدة من نوعها.

الثالث: أثر المظهرية وتعني أن الفرد يزيد من طلبه على سلعة بسبب أنها صارت تباع بسعر مرتفع فهو استهلاك مظهري تفاخري[29].

ويضاف إلى هذه الأنماط المؤثرات الخارجية التي تصنع الحاجات والرغبات بالإعلان والدعاية، وبدلا من أن يجري الإنتاج وراء الاستهلاك، صار الاستهلاك يجري وراء الإنتاج[30].

ويرى الباحث أن المغالاة في تقدير صورة الإنسان الاقتصادي الرشيد لا يقلل من أهمية تعظيم المنفعة، ولذلك فإننا نجد أن المذهب الاقتصادي الإسلامي لم يلغِ فكرة تعظيم المنفعة بالكلية كهدف للمستهلك الرشيد، بل أعاد تعريفها لتشمل البعد الدنيوي والأخروي وقومها بما يحقق النفع الحقيقي للإنسان، وضبط السلوك الاقتصادي في استجلاب المنفعة الخاصة بمعايير قِيَمية؛ قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}[31]، وقال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}[32]، فقد أشار الله تعالى إلى أن السلوك القويم يتبع الأفضل والأحسن، والأفضلية تشمل الجانب الأخروي والدنيوي، فالإنسان مُطالب أن يتبع الأفضل، فمعيار تعظيم المصلحة الحقيقية الأخرونية والدنيوية هو مطلب شرعي وفطري، ويشير إلى هذا المعنى الإمام العز بن عبدالسلام فيقول: "لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة، ودرء المفاسد المحضة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن، واتفق الحكماء على ذلك، وكذلك الشرائع على تحريم الدماء والأبضاع والأموال والأعراض، وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال" [33]، وبذلك يتبين أن تعظيم المنفعة بموجهاتها وقيودها مطلب شرعي.

ثالثا: علاقة النمط الاستهلاكي للفقراء بمشكلة الفقر:

إن سبب مشكلة الفقر لا يقتصر على انخفاض دخول الفقراء أو مواردهم فحسب، بل يعتبر إساءة استخدام هذه الموارد أو الدخول القليلة لا يقل أهمية عن السبب الأول؛ لأن الفقر يصاحبه عادة عادات سلوكية خاطئة وقلة معرفة – وهذا ما بينه الباحث في المطلب السابق – تجعل من شريحة الفقراء يلاحقون أنماطاً استهلاكية غير رشيدة تحول دون إشباع حاجاتهم الحقيقية وتمنع من القضاء على مشكلة الفقر من جذورها.

وقد رصد مؤلفا كتاب (اقتصاد الفقراء) من خلال الأبحاث التي قاما بها في عدد من دول العالم على عينات مختلفة من الفقراء عددا من الأنماط الاستهلاكية غير الرشيدة عند الفقراء[34]، وقد توصلا إلى مجموعة من من الأسباب، وهي:

1. الجهل والأفكار الخاطئة: يفتقر الفقراء غالباً إلى معلومات ذات أهمية بالغة بالنسبة لهم ويؤمنون بأفكار خاطئة، وكثيراً ما نجد أفكاراً خاطئة أو معتقدات خرافية قد زادت من معاناة الأسر الفقيرة مثل عدم الثقة في فوائد تطعيم الأطفال، أو إخراج الأبناء من المدراس في مراحل مبكرة؛ لاعتقادهم أن ما يكتسبه الأطفال خلال السنوات الأولى من تعليمهم هي أشياء ضئيلة القيمة[35].

2. عدم ضبط القرارات المتعلقة بالاستهلاك: يميل الفقراء غالباً إلى الاستسلام لإغواء السلع الكمالية وترك التركيز على السلع الضرورية؛ فبدلا من أن يتم التخلي عن الكماليات والتركيز على الضروريات فكثيرا ما يتم التخلي عن الضروريات والاتجاه للكماليات، وهذا ما يجعل الفقير أيضا يستسلم للإغواء في الحاضر وعدم التفكير في ادخار أي مبلغ للمستقبل[36].

3. مسايرة العادات والمظاهر الاجتماعية: يميل كثير من الفقراء إلى مسايرة عادة مجتمعاتهم حفظا لماء وجوههم، وهذا ما يجعل كثيراً منهم ينفقون أموالا طائلة على حفلات الزفاف ومهور الزواج ونفقات الجنائز في بعض المجتمعات.

4. عدم التفكير في المستقبل: كثيرا ما ينفر الفقراء من التفكير في المستقبل ويحجمون عن الادخار؛ بسبب عدم الشعور بالحاجة إلى التضحية بالحياة الحاضرة، وبسبب المخاطر الكثيرة التي يتعرض لها الفقراء في الحاضر[37].

ويمكن إجمال هذه الأسباب المؤثرة في أمرين: الأول: نقص المعرفة، ويندرج فيه الجهل والإيمان بالخرافات وعدم الوعي بكيفية إنفاق الدخل، والثاني: عدم الانضباط في القرارات المتعلقة في المستقبل، ويندرج فيه إنفاق جميع الدخل على الحاضر والاستسلام لإغواء السلع الكمالية.

فهذه الأسباب تؤثر في أنماط سلوك الفقراء الاستهلاكية، وتجعل من قراراتهم غير رشيدة، وهذا يعني أن السياسات الهادفة للقضاء على الفقر – على مستوى الدول أو المؤسسات المجتمعية – يجب أن تأخذ بعين الاعتبار علاج هذه المسببات لمشكلة الفقر، ولا تكتفي ببرامج التحويلات النقدية والعينية.

المبحث الثاني

فلسفة الزكاة في تغيير سلوك الفقراء الاستهلاكي

سيتناول الباحث في هذا المبحث فلسفة المذهب الاقتصادي الإسلامي في علاج أسباب الفقر، وفلسفة الزكاة في تغيير سلوك الفقراء.

المطلب الأول: فلسفة المذهب الاقتصادي الإسلامي في علاج أسباب الفقر:

اعتبر الإسلام أن أصل التفاوت بين الأغنياء وبين الفقراء يعتبر أمراً كونياً ثابتاً؛ قال الله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[38]، فالإسلام إذا يقر بالتفاوت بين الأغنياء والفقراء فإنه اعتبر ذلك من التسخير والابتلاء.

فالمراد بالتسخير أن الناس يختلفون بين بعضهم في المواهب والإمكانيات والقدرات، فإذا كان لبعض الناس القدرة المالية، فإن للبعض الآخر القدرة الجسدية أو الفكرية، وهذا يحقق التكامل والتعاون بين الناس.

وأما الابتلاء والاختبار فالمراد به أن لكل من الغني والفقير وظيفة مُطالب بها عند الله تعالى؛ فالغني مُطالب بالشكر بالتصرف في ماله على الوجه المطلوب وبإخراج حق الفقراء، والفقير مُطالب بالصبر بضبط نفسه والسعي في تحصيل رزقه.

وإذا كان الإسلام قد أقر بالسبب الخَلقي في التفاوت بين الأغنياء والفقراء، فإنه قد عمل على محاربة الفقر، وسعى إلى حل مشكلة الفقر من جذورها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ)[39]، قال العلامة المُناوي معلقًا على الحديث: (قرن الفقر بالكفر لأنه قد يجر إليه)[40]. فإنه شرع عدد فإنه حارب المشكلات السلوكية التي يتسبب بها الإنسان في طغيانه أو حين يتقاعس عن وظيفته المطلوبة؛ قال الله تعالى: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}[41]، ومن طغيان الإنسان أن يمنع حق الفقراء في ماله، ومن تقاعس الإنسان عن وظيفته عدم إنفاق ماله على الوجه المطلوب؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}[42].

وقد شرع الإسلام جملة من الأحكام التشريعية والأطر المؤسسية التي تعالج مشكلة الفقر من جذورها، ومن أهمها:

1. وجوب العمل على القادر: كل إنسان في المجتمع مطالب بالعمل وكسب الرزق؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ}[43]، وقد عد الإسلام العمل من أجل الأعمال التي يثاب عليها المسلم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ، خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) [44]، ولا شك أن إيجاب العمل على كل مكلف فيه من الناحية الشرعية يرفع قيمة العمل ويجعله في مقام العبادة ويحفز الناس على التوكل على الله والسير في الأرض وعدم الاتكال على الغير.

2. تحريم التسول للقادر على العمل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ)[45]، وفي تحريم التسول من الحِكَم ما يغلق باب البطالة الاختيارية ويعالج المعوقات العملية التي تثبط الناس عن العمل والسعي في الأرض.

3. نظام النفقات الواجبة: وهو نظام فطري للتكافل عبر الأسرة؛ فالرجل محفوز فطرة ومكلف شرعاً بالنفقة على زوجته وأولاده، والأولاد مكلفين شرعاً بالنفقة على والديهم الفقراء؛ قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[46]، وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا}[47]، ونظام النفقة الواجبة يحفز الأفراد للعمل ويحارب التعطل والبطالة الاختيارية.

4. العمل الخيري: يسهم النشاط التطوعي في رصد جيوب الفقر والانكشاف في الأمن الاجتماعي ويبادر إلى معالجتها عن طريق تأمين الكفاية للمحتاجين[48]؛ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[49]، ولا يقتصر العمل الخيري على الإعانات النقدية فحسب بل يشمل كل أبواب الخير.

5. نظام الزكاة: وهو نظام التكافل الأعمق أثرا والأوسع مدى في المجتمع الإسلامي؛ قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[50].

6. نظام الوقف: وهو أكبر نظام للتكافل الاجتماعي بعد نظام الزكاة، ولا يقتصر دوره في التأمين الاجتماعي فحسب بل يسهم نظام الوقف في الاستثمار في رأس المال البشري وتمويل رأس المال الاجتماعي؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب أصاب أرضا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إني أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: (إن شئت حبست أصلها، وتصدقت بها) قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء، وفي القربى وفي الرقاب، وفي سبيل الله، وابن السبيل، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، ويطعم غير متمول[51].

7. الدولة وبيت المال: يعتبر بيت المال الملجأ الأخير لتأمين الكفاية للمواطنين، فحين تعجز الموارد الذاتية للأفراد وتستنفد الأطر التكافلية في المجتمع فاعليتها يبدأ دور بيت المال في ضمان المواطنين وتأمين كفايتهم[52].

ولا يقتصر دور الدولة على بيت المال بل يشمل توفير قطاع التعليم والتدريب والتي تهتم فيها بإعداد الكفاية العلمية والمهارات الفنية التي تؤهل الفقراء للعمل؛ وقد روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله أن أجروا على طلبة العلم الرزق وفرغوهم للطلب[53].

ومن الوسائل التي أعطاها الإسلام للدولة لتحمل الأفراد على ممارسة العمل: حرمان المتعطل من العمل بإرادته من أي دخل مالي من الدولة[54]؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي)[55]، ومعنى المِرة القوي، ومعنى السوي سليم الأعضاء.

وتبين من هذه الأحكام التشريعية والأطر المؤسسية التي جاء بها المذهب الاقتصادي الإسلامي وجود تنوع كبير فيها، ولعل مرد ذلك إلى أن القضاء على الفقر في المنظور الإسلامي يتطلب منظومة متكاملة تعالج أسباب الفقر من جذوره، وبعض هذه الأسباب يرجع إلى عادات سلوكية سلبية عند الفقراء، وبعضها يرجع إلى نقص في الموارد.

المطلب الثاني: نظرة نظام الزكاة إلى سلوك الفقراء:

شرع الله تعالى فريضة الزكاة لتحقق مقاصد وأهداف عظيمة تنمي الإنسان والمجتمع، ومن أبرز أهداف نظام الزكاة المتعلقة بتغيير سلوك الفقراء:

أولا: تطهير نفوس الفقراء من الصفات السلبية:

والمراد بالتطهير التطهير من الصفات المذمومة؛ فالزكاة تطهر نفس المعطي من الشح والبخل، والمراد بالتزكية تنمية الصفات الإيجابية؛ فالزكاة تنمي في نفس المعطي فعل الخير[56]؛ قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[57]، قال الطاهر ابن عاشور في تفسير هذه الآية: "فقوله: (تطهرهم) إشارة إلى مقام التخلية عن السيئات، وقوله: (تزكيهم) إشارة إلى مقام التحلية بالفضائل والحسنات"[58].

قال الراغب الأصفهاني: "وتسميته – أي الزكاة – بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النفس، أي: تنميتها بالخيرات والبركات، أو لهما جميعا، فإن الخيرين موجودان فيها... وبزكاء النفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحق في الدنيا الأوصاف المحمودة، وفي الآخرة الأجر والمثوبة. وهو أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره"[59].

فنظام الزكاة يهدف إلى معالجة النظام الأخلاقي للمجتمعات ويقوّم سلوك الأغنياء بتشجيعهم على البذل والعطاء ويحارب ظاهرة البخل والشح، ولا شك أن هذه التقويم يمتد أثره إلى الفقراء فيطهر نفوسهم من الحقد والحسد وينمي فيهم روح الأخوة الدينية والانتماء للمجتمع الذين يعيشون فيه، فنظام الزكاة يهدف إلى سيادة القيم الإيجابية في المجتمع من خلال تنمية الشعور بالواجب وأداء حقوق الغير في نفوس أفراد المجتمع[60].

ثانياً: تحفيز الفقراء إلى تشغيل أموالهم وتنميتها:

يعتبر إغناء الفقير مقصداً شرعياً؛ قال سيدنا عمر بن الخطاب: "إِذَا أَعْطَيْتُمْ فَأَغْنُوا"[61]، فالزكاة لا تهدف إلى إشباع الحاجات الاستهلاكية للفقراء فقط بل هدفت إلى إخراج الفقراء من حالهم إلى حال الغنى، وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أرشد أحد الفقراء إلى كيفية علاج مشكلته ووجهه إلى العمل المناسب له وهيأ له آلة العمل المناسبة؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: (أما في بيتك شيء؟) قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: (ائتني بهما)، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: (من يشتري هذين؟) قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: (من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثا)، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به) ، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: (اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما)، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا، وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة). [62]

وقد وجدنا في مفردات الفقه الإسلامي أن فقهاء الشافعية نصوا على أن الفقراء والمساكين يُعطون كفاية العمر كله [63]، ولا يقتصر الأمر على إعطاء الفقير كفاية عمره دفعة واحدة؛ فإن الهدف هو تحفيز الفقراء على تنمية أمواله، ولذلك فقد نص االشافعية على أن الفقير الذي يُحسن الكسب يُحفز على إيجاد مصدر دخل دائم له، ومن ذلك أن الفقير الذي له دراية في حرفة يُعطى من الزكاة ما يجهز به حرفته، وإن كان له دراية بالتجارة يُعطى رأس مال لتجارته [64]، وهذا يعني أن نظام الزكاة يهدف إلى تحفيز الفقراء ليحققوا الغنى بأنفسهم ودعمهم لتنمية أموالهم واستثمارها، وهذا يتضمن أن نظام الزكاة يعمل على تغيير كثير من الصفات السلبية التي تنتشر في شريحة الفقراء كالكسل والبطالة الاختيارية والتواكل والاعتماد على الآخرين.

وبذلك يتبين أن فلسفة الزكاة في القضاء على مشكلة الفقر لا تقتصر على إشباع حاجاتهم المادية فحسب، بل تشمل الأمور الآتية:

أولا: تطهير وتزكية نفوسهم من الحقد والحسد والكراهية، ولا شك أن هذه المظاهر السلبية لا تُزال بالمواعظ العاطفية المجردة بل بالمواقف الإيجابية، وبذلك يؤسس نظام الزكاة لنظام تكافل اجتماعي.

ثالث: دعم الفقراء وتحفيزهم لاستثمار أموالهم وتنميتها، وبذلك يعمل نظام الزكاة على أسس باعثة للتنمية الاقتصادية.

المبحث الثالث

الآليات والبرامج التي يقدمها نظام الزكاة لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي

سيتناول الباحث في هذا المبحث أبرز الآليات التي يقدمها نظام الزكاة لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي، وأبرز البرامج التي تقدمها مؤسسات الزكاة المعاصرة.

المطلب الأول: الآليات التي يقدمها نظام الزكاة لتغيير نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي:

أولا: إيجاد مصادر دخل دائمة للفقراء:

إذا اعتبرنا أن من أهم الأسباب المؤثرة في مشكلة الفقر هو عدم ضبط القرارات المتعلقة بالاستهلاك وعدم التفكير في المستقبل، فإن نظام الزكاة قد تجاوز هذين المُسببين وأوجد مصادر دخل دائمة للفقير.

إن مقصد إغناء الفقير يعتبر من أبرز مقاصد نظام الزكاة، ومن المعلوم أن إغناء الفقير لا يتحقق بإشباع حاجاته الحاضرة فحسب، بل بتوجيه الفقير للتفكير نحو المستقبل والعمل على إيجاد مصدر دخل دائم له، ولذلك فقد نص فقهاء الشافعية وبعض الحنابلة أن الفقير يُعطى ما يكفيه مدة حياته؛ قال الإمام النووي: " في قدر المصروف إلى الفقير والمسكين: قال أصحابنا العراقيون وكثيرون من الخراسانيين يعطيان ما يخرجهما من الحاجة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية علي الدوام وهذا هو نص للشافعي رحمه الله"[65] ، ولا يعني هذا أن يُعطى مبلغاً نقدياً كبيراً دفعة واحدة، بل يُشترى للفقير ما يكون مصدر دخل دائم له بالتفصيل الآتي المنقول في الكتب الفقهية [66]:  

1. إذا كان الفقير يحسن حرفة أو صنعة فيُشترى له أدوات وآلات الحرفة أو الصناعة التي يشتغل بها بالقدر الذي يحصل له من الربح ما يفي بكفايته.

2. إذا كان الفقير يُحسن التجارة فُيعطى رأس مال يتاجر به في المجال التي يتقنه وبالقدر الذي يحصل له من الربح ما يفي بكفايته.

3. إذا كان الفقير من أهل الضياع – والضيعة الأرض المغلة - ويُحسن استغلال الأراضي فيُعطى ما يشتري به أرضاً أو حصة في أرض.

4. إذا كان الفقير ممن يُحسن الرعي أو استغلال المواشي فيُعطى ما يشتري به ماشية ليستغلها وينتفع من دخلها

5. إذا كان لا يُحسن تجارة ولا صنعة فيُشترى له عقار ليستغلها وينتفع من دخلها.

ثانيا: دعم التعليم والتدريب للفقراء:

يعتبر الجهل أحد الأسباب المؤثرة في نمط سلوك الفقراء الاستهلاكي غير العقلاني، وإن الاهتمام بزيادة العلم والمعرفة عند شريحة الفقراء يترك بصمة على سلوكهم الاستهلاكي، ولذلك وجدنا أن المذهب الاقتصادي الإسلامي يهتم بالرشد في ضبط نمط السلوك الاستهلاكي، ووجدنا أن النظرية الكلاسيكية اهتمت بالنمط العقلاني في الاستهلاك، وهذا يتطلب توفير سلاح العلم والمعرفة للفقير.

وقد اهتم المذهب الاقتصادي الإسلامي بالعلم والمعرفة أيما اهتمام وجعل من طلب العلم في مصاف الحاجات الأساسية التي يطلبها الإنسان؛ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[67]، وجاء نظام الزكاة ليعتبر أن التعليم أحد أبرز الحاجات الأساسية التي يحتاجها الفقير؛ فقد نص جمهور الفقهاء على جواز صرف الزكاة في طلب العلم بشرط التفرغ لطلب العلم[68]، واشترط فقهاء الشافعية النجابة في طلب العلم[69]،

وقد قيد جمهور الفقهاء طالب العلم المستحق من الزكاة بكونه طالب علم شرعي[70]، ولكن الذي يفهم من نصوص متأخري الشافعية أنهم ألحقوا بالعلم الشرعي علوم الآلة كالنحو الصرف واللغة، وعللوا ذلك بعموم نفعها وكونها من فروض الكفاية[71]، ونص الإمام الأردبيلي في كتاب الأنوار: "ولو قدر على الكسب بالوراقة أو غيرها وهو مشتغل بتعلم القرآن أو العلم الذي هو فرض كفاية أو تعليمه والاشتغال بالكسب يقطعه عن التعلم والتعليم حلت له الزكاة"[72]، فقد أطلق علوم فرض الكفاية ولم يقيدها بكونها شرعية، وعلى ذلك فيجوز إعطاء الزكاة لطالب العلم الديني والدنيوي إذا كان فروض كفاية.

وأجاز فقهاء الحنابلة أخذ ما يُحتاج إليه لشراء كتب العلم التي تنفعه في دينه ودنياه، واعتبروا ذلك من النفقة التي يحتاجها طالب العلم؛ جاء في كتاب "كشاف القناع للبهوتي": "سئل الشيخ – يعني ابن تيمية – عمن ليس معه ما يشتري به كتبا للعلم يشتغل فيها؟ فقال: يجوز أخذه منها ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه منها"[73].

إن تأهيل شريحة الفقراء وتعليمهم العلم النافع الذي يعينهم على الاعتماد على أنفسهم يعتبر من فروض الكفاية؛ لأن فرض الكفاية يتعلق بتحصيل المصالح العامة، وتعليم الفقراء وتأهيلهم من المصالح العامة، يقول الإمام العز بن عبد السلام: "ويتعلق فرض الكفاية بالأمور الكلية من مصالح الدنيا والآخرة كالعلم والجهاد وما يصلح به المعاش كالحرث"[74]

ويقدم نظام الزكاة مورداً تمويلياً يعين الفقراء العاطلين ويمنحهم فرصة للتعلم والتدرب على اكتساب الحرف والصناعات والتخلص من عادة التسول، فينمو بذلك مؤهلهم العلمي ويؤهلهم للدخول إل سوق العمل والقدرة على أن يكتسبوا دخولهم بعمل أيديهم.

المطلب الثاني: البرامج التي تقدمها مؤسسات الزكاة المعاصرة لتغيير النمط الاستهلاكي:

أولا: برامج التنمية الاقتصادية لمؤسسة الزكاة بولاية سلانجور:

من التجارب الرائدة في مجال عمل المؤسسات الزكوية المعاصرة: تجربة مؤسسة الزكاة في ولاية سلانجور بماليزيا التي أُنشأت سنة 1994م، وكان اسم المؤسسة (مركز تحصيل الزكاة وجبايتها)، وبدأت المؤسسة بالعمل في 1995م، وكان الموظفون يستخدمون جهاز الحاسوب وفاتورة الزكاة الحاسوبية، وبعد نجاح المؤسسة في 1996م تم تغيير اسم المؤسسة إلى (مركز الزكاة بسلانجور)، وتم تأسيس (قسم صرف الزكاة) في 1998م، وفي 2006 تغير اسم المؤسسة ليصبح (مؤسسة الزكاة بولاية سلانجور) [75].

وقد هدفت المؤسسة إلى رفع مستوى إدارة أموال الزكاة وتطويرها وبلوغ أقصى حد ممكن في جباية الزكاة، إضافة إلى معالجة الفقر ورفع المستوى الاقتصادي للمجتمع، وتهيئة خدمات ذات جودة عالية لأصحاب الأموال الزكوية، وصرف الزكاة بشكل فعال ومؤثر[76].

تقوم المؤسسة بتمويل مشاريع استثمارية للفقراء والمساكين وتهيئتهم من أجل إدارتها وفق الآلية الآتية:

1. تقوم المؤسسة بإعداد دراسة عن كل مستحق وميوله، وعادة ما تكون الاختبارات صعبة؛ لأن المؤسسة لا تعطي أموال الزكاة إلا لمن وجدته أهلا لذلك، والمراد بالأهلية الشخص الذي يتمتع بمهارات في التجارة ولديه القابلية للتعلم، وتقوم بإعطاء المستحقين دورات تدريبية قبل بداية التجارة وأثنائها، وتمدهم برؤوس أموال إضافية بعد نجاح مشاريعهم.

2. يتم إعطاء ورشة أو دورة في أساسيات التجارة قبل البدء بالتجارة، وتتضمن الورشة كيفية الإدارة المالية، والتدريب على مهارات التجارة، والمهارات التي يحتاجها المستحقين لتنمية أنفسهم، ومراقبة ذلك أثناء القيام بالتجارة

3. يتم تحديد رأس المال المُعطى للمستحقين للاستثمار بعد تحديد نوع التجارة، وتقوم المؤسسة بتزويدهم بالآلات والبضائع الرئيسية للتجارة وأجرة الدكاكين[77].

وقد أنشأت المؤسسة عدة مشاريع في هذا المجال، ومن أبرزها:

1. مشروع المغسلة (محل لغسل الملابس).

2. مشروع المتاجرة في المأكولات الخفيفة.

3. مشروع المتاجرة في البهارات.

4. مشروع الدكان المتحرك.

5. ومشروع شركة تسويق المنتجات.

6. مشروع شركة منتجات الحِرَف اليدوية[78].

ثانيا: برامج المشاريع التأهيلية لصندوق الزكاة الأردني:

صدر قانون الزكاة في الأردن سنة 1978، وفي سنة 1988م أعطى القانون لصندوق الزكاة الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإدارة وحق التملك والتعاقد.

ويهدف الصندوق إلى زيادة استقطاب أموال الزكاة والمساعدات والهبات، والمساهمة في زيادة فرص تشغيل الأُسر الفقيرة، والمساهمة في تقديم الخدمات الصحية للفقراء، وزيادة عدد المشمولين بمساعدات نقدية متكررة.[79]

ومن أبرز المشاريع التي يقوم بها الصندوق المشاريع التأهيلية، فيقوم باستقبال الدراسات الاجتماعية وتدقيقها واتخاذ القرار المناسب، وتستهدف المشاريع التأهيلية فئات الأرامل الفقراء، والمسنين الفقراء، وأُسر السجناء الفقراء، وطلاب العلم الفقراء، والمرضى الفقراء.

وتقوم آلية دعم المشاريع التأهيلية كما يأتي:

1. يتم إجراء دراسة اجتماعية أولية لطالب المشروع.

2. القيام بإجراء زيارة ميدانية لأسرة طالب المشروع، والتأكد من وجود البيئة المناسبة، والقدرة على إقامة المشروع.

3. يتم تحويل المعاملة إلى مديرية المشاريع للتدقيق والموافقة.

4. يقدم طالب المشروع تعهد خطي بضمان استمرارية المشروع التأهيلي، وفي حال مخالفة ذلك يُطالب بدفع قيمة المشروع.

5. توقع اتفاقية عقد تأهيل بين الصندوق ومتلقي الخدمة بالشروط والضمانات اللازمة لاستمرارية المشروع.

6. تُسلم مستلزمات المشروع للأسرة المستفيدة من المشروع التأهيلي.[80]

ومن أبرز المشاريع التأهيلية التي دعمها صندوق الزكاة:

1. مشاريع الزراعة والإنتاج الحيواني: وقد ركز الصندوق على المشاريع التي لا تتطلب معدات أو آلات إنتاجية، وإنما تحتاج للتدريب والصيانة خلال فترة المشروع، ومن هذه المشروعات:

- مشروع تربية الأبقار الحلوب.

- مشروع تربية الماعز الشامي.

- مشروع تصنيع مشتقات الحليب.

- مشروع تربية النحل.

2. المشروعات الصناعية والحِرَف اليدوية: وقد ركز الصندوق على المشاريع التي تتطلب آلات ومعدات قليلة، ومن أبرز هذه المشاريع:

- مشروع حياكة الملبوسات.

- مشروع التريكو والتطريز.

- مشروع الرسم على الرمل والزجاج.

- مشروع البُسط والسجاد.

- مشروع التنجيد العربي للفُرش.[81]

ثالثاً: برامج مقترحة: من البرامج التي يمكن أن تقدمها مؤسسة الزكاة المعاصرة:

1. برنامج التعليم والتدريب التقني والمهني للفقراء: ويتضمن جميع المهارات والعلوم والتكنولوجيا المتصلة بالممارسة المهنية في شتى القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل أهمية التعليم والتدريب المتقني والمهني في تنمية قدرات الأفراد وتأهيلهم للحصول على عمل فضلا عن أهميته في مواجهة تحديات البطالة وتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية [82]

ويُقترح أن تدعم مؤسسة الزكاة تمويل برنامج التعليم والتدريب التقني والمهني لشريحة الفقراء بإحدى الآليات الآتية:

- تمويل دراسة الطلبة الفقراء الجادّين في معاهد التعليم والتدريب التقني والمهني مما يعينهم على اكتساب الحرف والصناعات.

- توجيه الفقراء العاطلين عن العمل للدراسة في معاهد التعليم والتدريب التقني والمهني في مجالات يختارها الفقراء بأنفسهم.

- ينبغي وجود تعاون بين مؤسسات الزكاة وبين معاهد التدريب لتوجيه الطلبة الفقراء إلى المجالات الأكثر طلباً في سوق العمل.

- يفضل وجود تعاون بين مؤسسات الزكاة وبين مؤسسات الحكومة والقطاع الخاص تهدف إلى تشغيل هؤلاء الطلاب إذا أنهوا تدريبهم.

2. برنامج ترشيد الوعي الاستهلاكي وإدارة ميزانية الأسرة: ويُعنى بالوعي الاستهلاكي إحاطة المستهلك بالمعلومات والإرشادات المتعلقة بمختلف أوجه الاستهلاك، والمراد بالمعلومات والإرشادات الحقائق الصحية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فالوعي الاستهلاكي يساعد على اتخاذ قرارات رشيدة تتعلق بالحاجة الحقيقية فتتحقق بذلك المنفعة الحقيقية في الحفاظ على المال والصحة والمجتمع[83].

ويقصد بميزانية الأسرة مقابلة إيرادات الأسرة ونفقاتها خلال فترة معينة لمعرفة الفائض أو العجز، ودراسة البدائل المتاحة لاستثمار الفائض وتغطية العجز[84].

ويُقترح أن تقدم مؤسسة الزكاة برنامج ترشيد الوعي الاستهلاكي وإدارة ميزانية الأسرة بالآلية الآتية:

- يتم تنظيم بعض المحاضرات والورشات وتنسيق كتيبات إرشادية متعلقة بترشيد الوعي الاستهلاكي وإدارة ميزانية الأسرة.

- تشتمل المحاضرات والورشات المنظمة على أبرز المعلومات الصحية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بكيفية إنفاق الفرد للدخل واستهلاك السلع والخدمات.

- تشتمل المحاضرات على وسائل عملية في كيفية إدارة ميزانية الأسرة.

- تشتمل الكتيبات الإرشادية على وسائل وحلول عملية تساعد الفقير في حياته العملية.

- يتم توزيع الكتيبات الإرشادية على الفقراء المستفيدين عند توزيع مال الزكاة.

- يتم الاشتراط على كل مستفيد حضور محاضرة أو ورشة تثقيفية متعلقة بترشيد الوعي الاستهلاكي وإدارة ميزانية الأسرة.

الخاتمة

توصل الباحث بعد هذا العرض البحثي إلى مجموعة من النتائج والتوصيات وهي:

- ترتبط مشكلة الفقر بمجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، ولكن السبب الأهم يرجع إلى العادات السلوكية ونقص الخبرة المعرفية عند الفقراء.

- يتأثر النمط الاستهلاكي عند الفقراء بعدد من العوامل المؤثرة، ويمكن إجمالها في أمرين: الجهل ونقص المعرفة، وعدم ضبط القرارات المتعلقة بالمستقبل.

- جاء المذهب الاقتصادي الإسلامي بمنظومة متكاملة تعالج أسباب الفقر من جذوره، وتضم هذه المنظومة أحكام تشريعية وأطر مؤسسية، ولم تقتصر هذه التشريعات والأطر المؤسسية على تمويل نقص الموارد عند الفقراء بل سعت إلى معالجة العادات السلوكية السلبية عند الفقراء.

- يتبين من خلال استعراض أهداف نظام الزكاة أن فلسفة الزكاة في القضاء على أسباب الفقر تشتمل على تطهير وتزكية نفوسهم من الحقد والحسد والكراهية والصفات السلبية، ودعم الفقراء وتحفيزهم لاستثمار أموالهم وتنميتها.

- فيما يتعلق بالآليات التي يقدمها نظام الزكاة تبين أن نظام الزكاة قد عمل على مسارين: الأول: إيجاد مصادر دخل دائمة للفقراء، والثاني: دعم التعليم والتدريب للفقراء.

- استعرض الباحث بعض البرامج المطبقة في مؤسسات الزكاة المعاصرة، ومنها برامج التنمية الاقتصادية لمؤسسة الزكاة في ولاية سلانجور بماليزيا، وبرامج المشاريع التأهيلية لصندوق الزكاة الأردني، وقدم الباحث مقترحين فيما يتعلق بدعم التعليم والتدريب المهني، وتنظيم دورات متعلقة بترشيد الوعي الاستهلاكي وإدارة ميزانية الأسرة.

- يوصي الباحث بأهمية تبني مؤسسات الزكاة المعاصرة البرامج والمشاريع التي تركز على إيجاد مصادر دخل دائمة للفقراء ودعم التعليم والتدريب لهذه الشريحة.

- يوصي الباحث بأهمية وجود دراسات تقيس أثر تطبيق برامج الزكاة على سلوك الفقراء وعاداتهم الاستهلاكية.

- يوصي الباحث بأهمية وجود دراسات تبحث في موضوع تطبيق سياسات الوكز السلوكي في مؤسسة الزكاة المعاصرة.

 

(*) بحث منشور في مجلة بيت المشورة، العدد (18)، أكتوبر 2022م، دولة قطر.

 


[1] ابن فارس، أبو الحسين القزويني، معجم مقاييس اللغة، بتحقيق عبدالسلام هارون، بيروت، دار الفكر، 1991م، ج4 ص444.

[2] ا الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، دمشق، دار القلم، 1412هـ، ص642.

[3]  سورة التوبة: 60

[4] ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، رد المحتار على الدر المختار، بيروت، دار الفكر، 1992م، ج2 ص339.

[5] الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، بيروت، دار الفكر، د.ت، ج1 ص492.

[6] الخطيب الشربيني، شمس الدين محمد بن أحمد، مغني المحتاج إلى حل ألفاظ المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، 1994م، ج4 ص173.

[7] الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى حل ألفاظ المنهاج، ج4 ص176.

[8] البهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت، ج2 ص272.

[9] تودارو، ميشيل، التنمية الاقتصادية، تعريب ومراجعة د. محمود حسني ود. محمود عبدالرزاق، الرياض، السعودية، دار المريخ، 2006م، ص214، وسامويلسون، بول ووليام نورد هاوس، الاقتصاد، ترجمة هشام عبدالله، عمان، الأردن، الدار الأهلية، 2006م، ص396.

[10] الوكي، الطيب، الآليات المؤسسية لعلاج ظاهرة الفقر في الاقتصاد الاسلامي والنتائج المتوقعة لتطبيقها في الاقتصاد الجزائري، الجزائر، رسالة ماجستير مقدمة كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية، جامعة الحاج لخضر (باتنة)، 2011م، ص14.

[11] البنك الدولي للإنشاء والتعمير، تقرير عن التنمية في العالم 2000/ 2001م، القاهرة، مصر، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 2001م، ص15، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، التقرير العربي حول الفقر متعدد الأبعاد، مطبوعات الأمم المتحدة، 2017م، ص3- 4.

[12] حطاب، كمال، دور الاقتصاد الإسلامي في مكافحة الفقر، الأردن، مجلة أبحاث اليرموك: سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، م4، 2002، ص1308.

[13] سورة النحل: 71.

[14] سورة الفجر: 16.

[15] سورة النحل: 112.

[16] بانرجي، أبهيجت واستر دوفلو، اقتصاد الفقراء، ترجمة أنور الشامي، الدوحة، قطر، دار جامعة حمد بن خليفة، 2016، ص18 – 19.

[17] سامويلسون، الاقتصاد، ص406.

[18] بانرجي، اقتصاد الفقراء، ص22- 40.

[19] صن، أمارتيا، التنمية كحرية، ترجمة شوقي جلال، القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2010م، ص137، وبوشوشة، مريم، مقاربة نظرية حول تطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمراتيا صن، الجزائر، جامعة الإخوة منتوري، مجلة العلوم الإنسانية، ع46 ديسمبر 2016، ص18.

[20] شومان، إيمان جابر، تغيير الأنماط الاستهلاكية وعلاقتها بالمكانة الاجتماعية، مصر، مجلة كلية الآداب، جامعة طنطا، ع28، يناير2005م، ص201.

[21] السبهاني، عبد الجبار حمد، مدخل إسلامي إلى النظرية الاقتصادية الجزئية، اربد، الأردن، مطبعة حلاوة، 2018م، ص91.

[22]  سورة الأنعام: 145.

[23]  سورة الأعراف: 31.

[24] أبو الفتوح، نجاح عبد العليم، الاقتصاد الإسلامي: النظام والنظرية، اربد، الأردن، عالم الكتب الحديث، 2011، ص63.

[25] السبهاني، مدخل إسلامي إلى النظرية الاقتصادية الجزئية، ص90.

[26] سورة البقرة: 261.

[27] ببلاوي، حازم، دليل الرجل العادي إلى تاريخ الفكر الاقتصادي، مصر، دار الشروق، 1994م، ص107 – 110.

[28] المرجع نفسه، ص163.

[29] السبهاني، عبدالجبار حمد، الأسعار وتخصيص الموارد في الإسلام، دبي، الإمارات، دار البحوث للدراسات الإسلامية، 2006م، ص107.

[30] المرجع نفسه، ص108، وببلاوي، دليل الرجل العادي، ص164.

[31] سورة الزمر: 18.

[32] سورة البقرة: 61.

[33] العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في إصلاح الأنام، بتحقيق نزيه حماد وعثمان ضميرية، دمشق، سورية، دار القلم، 2015م، ج1 ص8-9.

[34] يمكن الاطلاع على هذه الأبحاث والدراسات على موقع http://pooreconomics.com/.

[35] بانرجي، اقتصاد الفقراء، ص462.

[36] المرجع نفسه، ص79، 350.

[37] المرجع نفسه، ص351- 353.

[38] سورة الزخرف: 32.

[39] أخرجه النسائي، أحمد بن شعيب، سنن النسائي، حلب، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1986م، كتاب السهو باب التعوذ في الصلاة، ج3 ص73 حديث رقم (1347).

[40] المُناوي، زين الدين عبدالرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1356هـ، ج2 ص135.

[41] سورة العلق: 6- 7.

[42] سورة يس: 47.

[43] سورة المُلك: 15.

[44] البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع الصحيح، دار طوق النجاة، 1422هـ، كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمل يده ج3 ص57 حديث رقم (2072).

[45] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الزكاة باب من سأل الناس تكثرا، ج2 ص123 حديث رقم (1474).

[46] سورة البقرة: 215.

[47] سورة القرة: 233.

[48] السبهاني، عبدالجبار حمد، شبكات الأمان والضمان الاجتماعي، المملكة العربية السعودية، جلة الملك عبد العزيز، م23 ع1، ص10.

[49] سورة المائدة: 2.

[50] سورة التوبة: 203.

[51] البخاري، الجامع الصحيح، باب الشروط في الوقف، ج3 ص198 حديث رقم (2737).

[52] السبهاني، شبكات الأمان والضمان الاجتماعي، ص12.

[53] ابن عبد البر، أبو عمر القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، السعودية، دار ابن الجوزي، 1994م، ج1 ص647.

[54] دنيا، شوقي أحمد، الإسلام والتنمية الاقتصادية، د.م، دار الفكر العربي، 1979م، ص132.

[55] أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، بيروت، المكتبة العصرية، باب من يعطي الصدقة، ج2 ص118 حديث رقم (1634).

[56] الزرقا، محمد أنس، دور الزكاة في الاقتصاد العام والسياسة المالية، كتاب اقتصاديات الزكاة، تحرير منذر قحف، جدة، البنك الإسلامي للتنمية، 1997م، ص469.

[57] سورة التوبة: 103.

[58] ابن عاشور، محمد الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، تونس، الدار التونسية للنشر، 1984م، ج11 ص22.

[59] الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص381.

[60] بن أحمد، رشيد السمغولي، المقاصد الشرعية لنظام الزكاة، مجلة جامعة القدس المفتوحة للبحوث الإنسانية والاجتماعية، العدد السادس والأربعون، أيلول 2018م، ص30.

[61] ابن أبي الشيبة، أبو بكر العبسي، المصنف في الأحاديث والآثار، الرياض، مكتبة الرشد، 1409هـ، ج2 ص403، كتاب الزكاة باب (ما قالوا في الزكاة قدر ما يعطى منها).

[62] أبو داود، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، بيروت، المكتبة العصرية، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، حديث رقم (1641).

[63] الشربيني، شمس الدين الخطيب، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، بيروت، دار الكتب العلمية، 1994م، ج4 ص185.

[64] الشربيني، مغني المحتاج، ج4 ص186.

[65] النووي، يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، د.م، دار الفكر، 2016، ج6 ص193، وانظر: المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ج3 ص239.

[66] النووي، المجموع شرح المهذب، ج6 ص194، والشربيني، مغني المحتاج، ج4 ص186.

[67] سورة العلق: 1.

[68] ابن عابدين، حاشية ابن عابدين على الدر المختار، ج2 ص340، والبهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت، ج2 ص273

[69] الشرواني، عبد الحميد، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج، مصر، المكتبة التجارية الكبرى، 1983م، ج7 ص152.

[70] ابن عابدين، حاشية ابن عابدين على الدر المختار، ج2 ص340، والشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، ج4 ص175، والبهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت، ج2 ص273.

[71] الهيتمي، أحمد بن علي، المنهاج القويم، بيروت، دار الكتب العلمية، 2000م، ص237.

[72] الأردبيلي، يوسف بن ابراهيم، الأنوار لأعمال الأبرار، الكويت، دار الضياء، 2006م، ص291.

[73] ابن عابدين، حاشية ابن عابدين على الدر المختار، ج2 ص340، والبهوتي، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2 ص273

[74] العز بن عبد السلام، الغاية في اختصار النهاية، بتحقيق إياد الطباع، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2016م، ج7 ص157.

[75] خنفوسي، عبد العزيز، المؤسسات الزكوية كآلية لمعالجة الفقر وفق برنامج التنمية الاقتصادية: مؤسسة الزكاة بولاية سلانجور بماليزيا أنموذجاً، المجلة العربية للدراسات الشرعية والقانونية، العدد الأول، معهد الملك سلمان للدراسات والخدمات الإنسانية، السعودية، 2014م، ص145.

[76] المرجع نفسه، ص146.

[77] المرجع نفسه، ص155.

[78] المرجع نفسه، ص156.

[79] صندوق الزكاة الأردني، التقرير السنوي لسنة 2017م، موقع صندوق الزكاة، http://www.zakatfund.org/Default.aspx?Lng=1&P=H، شوهد بتاريخ 4- 1- 2022م.

[80] صندوق الزكاة، دليل الإجراءات لصندوق الزكاة، موقع صندوق الزكاة، http://www.zakatfund.org/Default.aspx?Lng=1&P=H، شوهد بتاريخ 4- 1- 2022م.

[81]  صندوق الزكاة الأردني، التقرير السنوي لسنة 2017م، موقع صندوق الزكاة، http://www.zakatfund.org/Default.aspx?Lng=1&P=H، شوهد بتاريخ 4- 1- 2022م.

[82] تقرير المقرر الخاص المعني بالحق في التعليم، الجمعية العامة للأمم المتحدة، 15-8-2012م، ص4.

[83] ياليشاني، وهيبة ومحمد فرحي، دور الوعي الاستهلاكي في ترشيد سلوك المستهلك، مجلة دراسات العدد الاقتصادي، المجلد 7 العدد 1، ص4.

[84] الرماني، زيد بن محمد، اقتصاديات الأسرة، الرياض، دار طويق للنشر والتوزيع، 2004م، ص191.

رقم البحث [ السابق | التالي ]

اقرأ للكاتب

اقرأ للكاتب

أضيف بتاريخ: 21-10-2018

تمويل الخدمات التعليمية

أضيف بتاريخ: 21-10-2018

النقود الرقمية




التعليقات


Captcha


تنبيه: هذه النافذة غير مخصصة للأسئلة الشرعية، وإنما للتعليق على الموضوع المنشور لتكون محل استفادة واهتمام إدارة الموقع إن شاء الله، وليست للنشر. وأما الأسئلة الشرعية فيسرنا استقبالها في قسم " أرسل سؤالك "، ولذلك نرجو المعذرة من الإخوة الزوار إذا لم يُجَب على أي سؤال شرعي يدخل من نافذة " التعليقات " وذلك لغرض تنظيم العمل. وشكرا