14 شوال 1445  ,  23 نيسان 2024

الفتاوى

رقم الفتوى : 180994


السؤال :

متى تنفخ الروح في الجنين؟


الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.

مسألة وقت نفح الروح من المسائل الاجتهادية التي اختلف العلماء فيها، لاختلافهم في فهم النصوص الشرعية الواردة فيها، والتي ظاهرها التعارض، فالأصل أن المجتهد عند تعارض ظاهر الروايات الحديثية أن يلجأ بداية إلى التوفيق والجمع بينها؛ لأن إعمال النصين أولى من إهمال أحدهما، وكانت لهم أوجه عدة في كيفية الجمع بين الروايات، فذهب بعض العلماء إلى حمل حديث حذيفة والروايات التي تشابهه على حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فيكون النفخ بعد أربعة أشهر وهو رأي جمهور العلماء، ومنهم من حمل حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على حديث حذيفة رضي الله عنه فيكون النفخ في الأربعين الأولى.

جاء في كتاب "فتح الباري" (11/484): "قال القاضي عياض وحمل هذا على ظاهره لا يصح؛ لأن التصوير بأثر النطفة وأول العلقة في أول الأربعين الثانية غير موجود ولا معهود، وإنما يقع التصوير في آخر الأربعين الثالثة، كما قال تعالى: (ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما) الآية، قال: فيكون معنى قوله: فصورها إلخ أي كتب ذلك، ثم يفعله بعد ذلك، بدليل قوله: بعد أذكر أو أنثى، قال: وخلقه جميع الأعضاء والذكورية والأنوثية يقع في وقت متفق وهو مشاهد فيما يوجد من أجنة الحيوان، وهو الذي تقتضيه الخلقة واستواء الصورة، ثم يكون للملك فيه تصور آخر، وهو وقت نفخ الروح فيه حين يكمل له أربعة أشهر، كما اتفق عليه العلماء أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة اشهر" انتهى ملخصاً، وقد بسطه بن الصلاح في فتاويه فقال ما ملخصه أعرض البخاري عن حديث حذيفة ابن أسيد إما لكونه من رواية أبي الطفيل عنه، وإما لكونه لم يره ملتئما مع حديث ابن مسعود وحديث ابن مسعود لا شك في صحته، وأما مسلم فأخرجهما معاً فاحتجنا إلى وجه الجمع بينهما بأن يحمل إرسال الملك على التعدد فمرة في ابتداء الأربعين الثانية وأخرى في انتهاء الأربعين الثالثة لنفخ الروح، وأما قوله في حديث حذيفة في ابتداء الأربعين الثانية فصورها فان ظاهر حديث بن مسعود أن التصوير إنما يقع بعد أن تصير مضغة، فيحمل الأول على أن المراد أنه يصورها لفظاً وكتباً لا فعلاً، أي يذكر كيفية تصويرها ويكتبها، بدليل أن جعلها ذكراً أو أنثى إنما يكون عند المضغة، قلت: وقد نوزع في أن التصوير حقيقة إنما يقع في الأربعين الثالثة بأنه شوهد في كثير من الأجنة التصوير في الأربعين الثانية، وتمييز الذكر على الأنثى، فعلى هذا فيحتمل أن يقال أول ما يبتدئ به الملك تصوير ذلك لفظاً وكتباً، ثم يشرع فيه فعلاً عند استكمال العلقة، ففي بعض الأجنة يتقدم ذلك وفي بعضها يتأخر، ولكن بقي في حديث حذيفة بن أسيد أنه ذكر العظم واللحم وذلك لا يكون إلا بعد أربعين العلقة فيقوى ما قال عياض ومن تبعه، قلت: وقال بعضهم يحتمل أن يكون الملك عند انتهاء الأربعين الأولى يقسم النطفة إذا صارت علقة إلى أجزاء بحسب الأعضاء، أو يقسم بعضها إلى جلد وبعضها إلى لحم وبعضها إلى عظم، فيقدر ذلك كله قبل وجوده ثم يتهيأ ذلك في آخر الأربعين الثانية، ويتكامل في الأربعين الثالثة، وقال بعضهم: معنى حديث ابن مسعود أن النطفة يغلب عليها وصف المني في الأربعين الأولى، ووصف العلقة في الأربعين الثانية، ووصف المضغة في الأربعين الثالثة، ولا ينافي ذلك أن يتقدم تصويره، والراجح أن التصوير إنما يقع في الأربعين الثالثة".

وللمزيد يمكن الرجوع إلى كتاب "جامع العلوم والحكم" لابن رجب الحنبلي، وإلى كتاب "شرح النووي على مسلم" وغيرها من كتب شروح الحديث. والله تعالى أعلم.





* هذا الجواب ليس لأغراض النشر والإعلام

للاطلاع على منهج الفتوى في دار الإفتاء يرجى زيارة (هذه الصفحة)