أضيف بتاريخ : 12-11-2015


الغلو في المفهوم الإسلامي الدقيق (*)

المفتي "محمد علي" يوسف يونس الهواملة

 

مقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله؛ فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم عليه كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكرك الغافلون. وبعد ؛

 فلا يخفى على كل ذي لب حصيف ما جاءت به الشريعة الإسلامية الغراء من وسطية واعتدال ونبذ للغلو في الأفعال والأقوال، فأسست ميزانا واضحا تقاس به تصرفات المكلفين وعباداتهم؛ فأمرت بالسير وسطا على ما جاءت به النصوص الصحيحة، ونهت عن الاحتكام إلى الهوى والقبلية القبيحة.

 ففي مجال العبادة، جاء الإسلام بعبادات مخصوصة ؛ فأمر بأدائها على الوجه الذي أراد، محرما الابتداع بأن يزيد فيها أو ينقص منها، فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"([1]).

وفي شؤون الحياة المختلفة، نجد أن الإسلام قد شرع من الأحكام ما يكفل الحياة السعيدة للناس أجمعين؛ فحرم ما ينغص حياتهم من ظلم وتجاوز وطغيان وتطرف.. وأمر بالعدل بينهم والإحسان إليهم و ذهب بعيدا في هذا حتى كفل الحياة للبهائم والنباتات، فلا ضرر ولا ضرار، فيا لرحمة الإسلام!

ومن المسائل ذات العلاقة المباشرة بهذا الموضوع،"الغلو"وقد جاء هذا البحث لمعالجته تحت عنوان "الغلو في المفهوم الإسلامي الدقيق"؛ لتحقيق المفهوم الصحيح له مع بيان أهم الأسباب المؤدية إليه، فأسأل الله تعالى التيسير والقبول، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

أسباب اختيار الموضوع

1- أهمية هذا الموضوع بسبب انتشاره كثيراً بين الناس.

2- تحقيق المعنى الصحيح لمفهوم الغلو.

3- معالجة الموضوع بصورة تتسم مع وسطية الإسلام.

منهجية البحث

ترتكز منهجية البحث على النقاط الآتية:

1- المنهج الاستقرائي: ويتمثل في تتبع الآراء في المسألة مع إيراد الأدلة الشرعية.

2- المنهج التحليلي: من خلال النظر في جزئيات المسألة، وتحليل النصوص الشرعية، وصولاً للرأي الصحيح.

خطة البحث

بعد جمع المادة العلمية ؛ اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن تكون أربعة مطالب وفق الترتيب الآتي:

المطلب الأول: مفهوم الغلو

المطلب الثاني: تكييف الغلو

المطلب الثالث: أنواع الغلو

المطلب الرابع: أسباب الغلو

وفي نهاية البحث ذكرت النتائج التي توصلت إليها.. ثم قائمة للمراجع التي رجعت إليها أثناء البحث.

الملخص

 يهدف هذا البحث إلى بيان معنى الغلو في المفهوم الإسلامي الدقيق، وكان من الأسباب الباعثة على البحث: أهمية هذا الموضوع بسبب انتشاره كثيرا بين الناس، والرغبة في معالجته الموضوع بصورة تتسم مع وسطية الإسلام.

وقد سلكت الدراسة المنهج الاستقرائي والمنهج التحليل ؛ فعمدت إلى تتبع الآراء، مع إيراد الأدلة الشرعية و النظر في الجزئيات الواردة مع تحليل النصوص الشرعية وصولا للرأي الصحيح، وذلك في أربعة مطالب: الأول: مفهوم الغلو، والثاني: تكييف الغلو، والثالث: أنواع الغلو، والرابع: أسباب الغلو. وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج منها:

1- معنى الغلو: هو سلوك مذموم يتجاوز به صاحبه معيار الشرع.

2- يكيف الغلو على أنه: الحد الأعلى المنهي عنه للمعيار الشرعي المحدد لقبول العبادة وغيرها من السلوكيات التي تصدر عن الإنسان، ويقابل الغلوَ التفريطُ وهو الحد الأدنى المنهي عنه للمعيار الشرعي، فالغلو فعل والتفريط ترك.

3- معيار الشرع هو: أن المقبول من العبادة والسلوكيات هو ما وافق الشرع من غير تفريط ولا إفراط. ويمكن تمثيل المعيار بأنه حد فاصل بين طرفين، الطرف الأعلى هو الغلو، والطرف الأسفل هو التفريط، فتجاوز الحد أو الهبوط عنه متناقضان منهي عنهما.

4- الغلو نوعان: مذموم محرم، ومحمود مباح، فالمحرم ما خالف معيار الشرع، والمباح ما وافقه.

5- الأسباب الباعثة على الغلو مختلفة ومتعددة تبعا للحالة التي يقوم بها الإنسان، فمنها العام ومنها الخاص.

المطلب الأول

 مفهوم الغلو

تعريف الغلو في اللغة:

يرد الغلو في اللغة على عدة معاني، منها:

1- الارتفاع:

 يقال: غَلا بالسَّهْمِ يَغْلُو غَلْواً وغُلُوًّا وغالَى به غِلاءً: رَفَع يدَه، يريد به أَقْصَى الغاية([2]).

2- مجاوزة القدر في كل شيء والإفراط فيه([3]).

قال ابن فارس: "(غلو/ي) الغين واللام والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ في الأمر، يدلُّ على ارتفاع ومجاوَزةِ قَدْر، يقال: غَلاَ الرَّجلُ في الأمر غُلُوّاً، إذا جاوَزَ حدَّه"([4]).

3- نقيض الرخص:

(غلا) الغَلاءُ: نَقيضُ الرُّخْصِ، وأَغْلاهُ الله: جَعَلَه غالِياً، وغالى بالشيءِ: اشْتَراهُ بثَمنٍ غالٍ.

قال الشاعر:

نُغالي اللَّحمَ للأَضْيافِ نِيئاً              ونُرْخِصُهُ إِذا نَضِجَ القَديرُ

معنى نُغالي اللحمَ: نَشتَريه غالياً ثم نَبْذُلُه ونُطْعِمُه إِذا نَضِجَ في قُدُورِنا([6])

ويقال: غالَيتُ صَداق المرأَة أَي أَغْلَيته. ومنه قول عمر رضي الله عنه: "لا تُغالوا صُدُقات النساء وفي رواية لا تُغالوا صُدُقَ النساء"([7]) أَي لا تُبالِغُوا في كثرة الصَّداقِ([8]).

4- حركة الروي الساكن بعد تمام الوزن في القافية ([9]) والغالي نونٌ زائدة بعد تلك الحركة، مثل قول الشاعر: وقاتِم الأَعْماقِ خاوي المُخْتَرَقِنْ([10]).

 فحركة القاف في كلمة"المُخْتَرَقِنْ"هي الغلو، والنون التي بعدها هي الغالي، وانما اشتُقَّ من الغلو الذي هو التجاوز لقدر ما يحب([11]) وأصل الكلمة"المخترق"فزاد التنوين وكسر الحرف الذي قبله لالتقاء الساكنين([12]).

تعريف الغلو في الاصطلاح:

من خلال النظر في تعريفات الفقهاء يتبين أنهم لم يخرجوا المعنى الاصطلاحي للغلو عن المعنى اللغوي، ومن هذه التعريفات ما يأتي:

1- الغلو في الدين: هو مجاوزة حد الحق فيه([13]).

2- وقيل: هو مجاوزة الحد في كل شيء([14]).

3- وقيل: هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد([15]).

4- وقيل: المبالغة في الشيء ومجاوزة الحدّ به والخروج حدّ الاعتدال فيه.. سواء كان ذلك في الدين أو في غيره([16]).

5- وقيل:هو مجاوزة الحد، بأن يزاد الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك([17]).

ملاحظة على التعريفات:

عند التحقيق يتبين أن هذه التعريفات لا تزيد الغلو إلا غموضا ؛ فهي بمجموعها قائمة على تعريف الغلو بأنه"مجاوزة الحد"، وهذا التعريف استخدمه الفقهاء كثيرا، وجعلوه تعريفا لمفردات كثيرة، وإليك نماذج منها:

1- الإسراف: مجاوزة الحد([18]).

2- الإطراء: مجاوزة الحد في المدح([19]).

3- الاعتداء: مجاوزة الحد([20]).

4- التطاول على الرقيق: الترفع عليهم، والمراد مجاوزة الحد([21]).

5-التطفيف: مجاوزة الحد([22]).

6- التعدي: يرجع إلى الزيادة ؛ لأنه مجاوزة الحد([23]).

7- الشطط: مجاوزة الحد([24]).

8- الطغيان: مجاوزة الحد في المعصية([25]).

9- الظلم: مجاوزة الحد ([26]).

10- العدوان: هو مجاوزة الحد([27]).

11- الفحش: فهو القبيح من القول والفعل، وقيل: الفحش مجاوزة الحد([28]).

12- الفِرط: مجاوزة الحد([29]).

وبهذا يتبين أن تعريف"مجاوزة الحد"لا يعد تعريفا جامعا ولا مانعا للغلو؛ لأنه يدخل معه مفردات كثيرة، تشترك فيما بينها بأنها "مجاوزة الحد" وهذا يورث إشكالاً في تحقيق المعنى الاصطلاحي لهذه المفردات؛ لذا ستعمد الدراسة إلى حصر النصوص التي وردت فيها كلمة"الغلو"صراحة، مع بيان المعنى الذي أورده العلماء لها؛ من أجل تحقيق المعنى الاصطلاحي للغلو.

مفهوم الغلو من خلال النصوص الشرعية:

بعد حصر النصوص الشرعية التي وردت فيها كلمة"الغلو"يتبين أنها وردت في ستة مواضع كما يأتي:

الأول: قال الله تعالى:(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) النساء/ آية 171.

قال القرطبي: "قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) يعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في عيسى حتى قذفوا مريم، وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربا، فالإفراط والتقصير كله سيئة وكفر، ولذلك قال مطرف بن عبد الله: الحسنة بين سيئتين"([31]).

الثاني: قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) المائدة/ آية 77.

قال القرطبي: "أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى، غلو اليهود قولهم في عيسى: ليس ولد رشدة، وغلو النصارى قولهم: إنه إله"([32])

وجاء في الإبانة الكبرى: "(لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ): لا تبتدعوا، ولا تجالسوا مبتدع" ([33]).

ويروى عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في تفسير هذه الآية: "الغلو: فراق الحق، وكان مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولدا سبحانه وتعالى" ([34]).

 وقال الشوكاني: "لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة؛ نهاهم عن الغلو في دينهم وهو المجاوزة للحد، كإثبات الإلهية لعيسى كما يقوله النصارى، أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود، فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب ([35]).

وفي المرقاة: قوله (لَا تَغْلُوا) من الغلو، وهو الإفراط ومجاوزة الحد ومنه غلا السعر، وغلو النصارى قول بعضهم في عيسى: هو الله وهم اليعقوبية أو ابن الله وهم النسطورية أو ثالث ثلاثة وهم المرقوسية، وغلو اليهود فيه قولهم: إنه ليس برشيد، وفي نهاية الأمر يتبين أن اليهود بالغوا في قدح المسيح، والنصارى في مدحه"([36]).

وقيل في تفسيرها: "لا تتشددوا في دينكم فتفتروا عليّ بالكذب([37]).

الثالث: عن أبي راشد الحبراني قال: قال عبد الرحمن بن شبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به"([38]).

قوله: "لا تغلوا" أي لا تتعدوا حدوده من حيث لفظه أو معناه، ولا تبذلوا جهدكم في قراءته وتتركوا غيره من العبادات فالجفاء عنه التقصير والغلو التعمق فيه([39]).

وقيل: "لا تبالغوا في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا؛ ولهذا قابله بقوله: "ولا تجفوا عنه" أي: لا تتركوا تلاوته([40]).

الرابع: عن أبي العجفاء السلمي، قال: خطبنا عمر فقال: "ألا لا تغالوا بصدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية" ([41]).

قوله (لا تغالوا) أي لا تبالغوا في كثرة الصّداق ([42]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: السنة تخفيف الصداق وأن لا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته... ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقا كثيرا فلا بأس بذلك كما قال تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) النساء، آية 20، أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه أو يعجز عن وفائه، فهذا مكروه كما تقدم، وكذلك من جعل في ذمته صداقا كثيرا من غير وفاء له، فهذا ليس بمسنون والله أعلم([43]).

الخامس: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لا تغال لي في كفن، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغالوا في الكفن، فإنه يسلبه سلبا سريعا"([44]).

جاء في عون المعبود: "وفيه دلالة على المنع من المغالاة في الكفن وهي زيادة الثّمن"([45]).

 وقوله: "فإنه يسلبه سلبا" أي: فإن الشأن يسلب الميت الكفن والمعنى: يبلى عليه ويقطع ولا يبقى ولا ينتفع به الميت؛ فلا يحتاج إلى المغالاة فيه، ولا يعارض هذا قوله عليه الصلاة السلام: "إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه"؛ لأن إحسان الكفن يحصل بدون المغالاة([46]).

السادس: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته: "هات، القط لي "فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده، قال: "بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"([47]).

قال العيني: "وإياكم والغلو في الدين" وهو مثل البحث في الربوبية حتى يحصل نزغة من نزغات الشيطان فيؤدي إلى الخروج عن الحق، والذين غلوا في الفكرة آل بهم الأمر إلى أن جعلوا آلهة ثلاثة، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا" ([48]).

وبناء على هذا، يتبين أن كلمة "الغلو" تدل على معاني كثيرة مختلفة وهي كما يأتي:

أولا: في الآيتين ( الموضع الأول والثاني):

1- الإفراط: كما أفرطت النصارى في عيسى عليه الصلاة والسلام، ونعتوه بأنه إله، وقد بالغوا في مدحه.

2- التفريط: كما أفرطت اليهود في عيسى عليه الصلاة والسلام، فقد نعتوه بأنه ليس رشيدا، وحطوه عن رتبته العلية، وقد بالغوا في قدحه.

3- الابتداع ومجالسة المبتدعين.

4- فراق الحق، بأن دعوا لله صاحبة وولدا سبحانه وتعالى.

5- التشدد في الدين الذي يسوق إلى الكذب على الله تعالى.

ثانيا: في الحديث الأول: ( الموضع الثالث):

6- تعدي حدود القرآن من حيث لفظه، كأن يُقرأ على غير وجه صحيح، أو من حيث معناه، بأن لا يعمل بما جاء فيه.

7- عدم الاقتصار على قراءته وترك ما سواه من العبادات.

8- المبالغة في تلاوته بسرعة في أقصر مدة، فإن ذلك ينافي التدبر غالبا؛ ولهذا قابله بقوله: "ولا تجفوا عنه"أي: لا تتركوا تلاوته.

ثالثا: في الحديث الثاني: ( الموضع الرابع):

9- المغالاة هنا بمعنى الزيادة في المهر.

رابعا: في الحديث الثالث: ( الموضع الخامس):

10- الغلو بمعنى زيادة الثمن.

خامسا: في الحديث الرابع: ( الموضع السادس):

11- الغلو: هو البحث عن أمور منهي عن البحث بها، ولعلها من التكلف الذي يخرج صاحبه من الدين.

وبهذا يتبين: أن"مجاوزة الحد"لا يعد تعريفا جامعا مانعا للغلو؛ بل هو لفظ عام يرد لتعريف كثير من المفردات، وقد مثلت الدراسة لبعضها، والتي منها الغلو.

المطلب الثاني

 تكييف الغلو

يتبين للدراسة أن الغلو أصل كبير ولفظ عام، يدخل فيه جميع ما ذُكر من الإسراف والإطراء والاعتداء والتطاول والتطفيف والتعدي والشطط والطغيان والظلم والعدوان والفحش والفِرط، ويدخل تحت الغلو أيضا: المعاني التي وردت في المواضع الستة السابقة.

وتقرير ذلك: أن الإسلام دين وسط، جاء بشريعة خاصة وعبادات معينة تؤدى بكيفية محددة، فالزيادة عليها غلو وإفراط، والإنقاص منها تقصير وتفريط، والمطلوب هو التوسط، وهذا هو معيار الشرع العام، ولكل عبادة (معيار) مستقل خاص بها، لكنها تشترك فيما بينها بالمعيار العام، وقد دل عليه قول الله تعالى:(لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الملك/2.

قال الفضيل بن عياض في تفسير هذه الآية: هي"أخلصه وأصوبه". قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة" ([49]).

وقال الكاساني: - عند حديثه عن آداب الوضوء –"ومنها: أن لا يسرف في الوضوء ولا يقتر، والأدب فيما بين الإسراف والتقتير، إذ الحق ببن الغلو والتقصير، قال النبي صلى الله عليه وسلم [خير الأمور أوسطها] ([50]).

ولعل من نافلة القول: أن هناك عبادات محددة لا تقبل الزيادة بلا خلاف حتى عند عوام المسلمين، فما من عاقل يصلي الظهر خمس ركعات، أو يؤدي الحج في غير وقته! ولكن في المقابل هناك عبادات ندب الإسلام إلى التطوع بها والإكثار منها، كالتطوع في الصيام والصدقة وغيرها، وهذه لا تدخل ضمن الغلو المذموم أبدا، بل هو أمر مستحب، وله معياره في الشرع، وهذا كله داخل في قول الله تعالى:(إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل/ 90.

قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: "اختلف أهل العلم في تفسير العدل والإحسان؛ فقيل: العدل لا إله إلاّ الله، والإحسان: أداء الفرائض. وقيل: العدل الفرض، والإحسان: النافلة. وقيل: العدل استواء العلانية والسريرة، والإحسان:أن تكون السريرة أفضل من العلانية. وقيل: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضل. والأولى: تفسير العدل بالمعنى اللغوي، وهو التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط. فمعنى أمره سبحانه بالعدل: أن يكون عباده في الدين على حالة متوسطة، ليست بمائلة إلى جانب الإفراط، وهو الغلوّ المذموم في الدين، ولا إلى جانب التفريط، وهو الإخلال بشيء مما هو من الدين. وأما الإحسان فمعناه اللغوي يرشد إلى أنه التفضل بما لم يجب، كصدقة التطوّع، ومن الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد مما لم يوجبه الله عليه في العبادات وغيرها"([51]).

وقال ابن القيم: "التعظيم: معرفة العظمة مع التذلل لها. وهو على ثلاث درجات الأولى: تعظيم الأمر والنهي، وهو أن لا يعارضا بترخص جاف، ولا يعرضا لتشدد غال، ولا يحملا على علة توهن الانقياد. ههنا ثلاثة أشياء تنافي تعظيم الأمر والنهي: أحدها: الترخص الذي يجفو بصاحبه عن كمال الامتثال، والثاني: الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنهي فالأول: تفريط، والثاني إفراط، وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد"([52]).

هذا في مجال العبادة، أما في مجال المعاملات مع الناس عامة، فهي محكومة بنصوص عامة وقصص خالدة حدثت مع النبي صلى الله عليه وسلم، تبين الوسط الحق في هذا كله، فلا ظلم ولا عدوان ولا شطط ولا طغيان، حيث أرسى الإسلام قواعد ثابتة للتعامل، وأمر بالسير عليها بلا تفريط ولا إفراط، فحرم الغلو ابتداء، ويدخل في معناه: (الظلم، والقتل، والإرهاب، والعنف، والتطفيف، وغير ذلك من السلوكيات التي تأباها العقول السليمة فضلا عن الشريعة القويمة).

أما في مجال المعاملة على الصعيد الفردي (الدائن والمدين)، فقد أمر المدين بالمسارعة في أداء التزامه، وأمر الدائن بالإحسان، فإذا استفحل الأمر بينهما وصار إلى الشجار أقرب ؛ كان هذا غلوا مذموما، والسبيل إلى إزالته هو القضاء، فالوسط في هذا كله: أن تقيس السلوكيات بمعيار الشرع، فما وافقه افعله، وما نهى عنه اتركه، وإن شئت جمعت لك هذا كله بنصيحة هي: "أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك ( والخطاب هنا لأصحاب العقول السلمية) وعلى هذا فقس أبدا.

يتبين مما سبق أن الغلو يكيف على أنه الحد الأعلى المنهي عنه للمعيار الشرعي المحدد لقبول العبادة وغيرها من السلوكيات التي تصدر عن الإنسان، ويقابل الغلو التفريط وهو الحد الأدنى المنهي عنه للمعيار الشرعي، فالغلو فعل، والتفريط ترك.

ويكون الغلو بأن يفعل الإنسان سلوكيات محرمة ابتداء، أو يؤدي عبادة على غير الوجه الذي يريده الشارع بأن يزيد فيها أو يغير صورتها.

والغلو بهذا التكييف يدخل فيه جميع السلوكيات (الأعمال والأقوال والاعتقادات) التي نهى عنها الشارع، سواء كانت في مجال العبادة أم في غيرها.

فيدخل في الغلو: الإرهاب والتعسف والظلم والقتل وإشاعة المنكرات والتحريض على المحرمات والأمر بالتهاون في أداء الواجبات والتقصير في الابتعاد عن المحرمات واكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك مما نهى عنه الشارع.

مسألة: معيار الشرع ودلالة الوسطية في الإسلام

قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة/ آية 143.

قال ابن فارس: "الواو والسين والطاء بناء صحيح يدل على العدل والنصف، وأعدل الشيء: أوسطه ووسطه([53]).

وقال النسفي في تفسير هذه الآية: خياراً، وقيل: للخيار وسط؛ لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية. أي كما جعلت قبلتكم خير القبل جعلتكم خير الأمم أو عدولاً؛ لأن الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض. أي كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق والمغرب جعلناكم أمة وسطاً بين الغلو والتقصير"([54]).

وقال النيسابوري: "والحاصل أنه سبحانه وعدهم سعادة الدارين بشرط الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقدم السعادة الأخروية بقسميها وهما دفع العذاب وإيصال الثواب لشرفها، ثم فصل حالهم فقال:(مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ) ([55]) طائفة متوسطة في الغلو والتقصير، وذلك أن من عرف مقصوده فإنه يكون قاصداً له على الطريق المستقيم من غير انحراف ولا اضطراب، بخلاف من لا مقصد له فإنه يذهب متحيراً يميناً وشمالاً، فجعل الاقتصاد عبارة عن العمل المؤدي إلى الغرض"([56]).

وقال الخازن: "أهل دين وسط بين الغلو والتقصير، لأنهما مذمومان في أمر الدين لا كغلو النصارى في عيسى، ولا كتقصير اليهود في الدين وهو تحريفهم وتبديلهم"([57]).

يتبين من هذا أن الوسطية تدل على معنيين:

الأول: الخيرية والأفضلية.

الثاني: المنتصف بين طرفين.

إن هذين المعنيين يشكلان معيارا عاما للعبادة والسلوكيات التي تصدر عن الإنسان، وهو أن المقبول من العبادة والسلوكيات: ما وافق الشرع من غير تفريط ولا إفراط، ويمكن تمثيل المعيار بأنه حد (وسط) فاصل بين طرفين، الطرف الأعلى هو الغلو، والطرف الأسفل هو التفريط، فتجاوز الحد أو الهبوط عنه متناقضان منهي عنهما.

ومن المقطوع به ولا يقبل الشك هو أن أوامر الشرع كلها تتسم بالوسطية، وهي الأفضل مطلقاً، فينبغي أن تتساوى السلوكيات الصادرة عن الإنسان مع أوامر الشرع في الأفضلية حتى تكون مقبولة ويثاب عليها، فيؤدي الإنسان عبادته ويختار سلوكه اختيارا دقيقا موافقا للشرع بلا غلو( تجاوز للوسط)، ولا تفريط ( نزول عن الوسط).

المطلب الثالث

 أنواع الغلو

الغلو نوعان: نوع مذموم محرم، ونوع محمود مباح.

النوع الأول: مذموم محرم.

هذا النوع ظاهر، وهو ما خالف معيار الشرع، وقد جاءت النصوص الشرعية بالنهي عنه، وهو مدار البحث، وهذا النوع من الغلو يتردد بين الكراهة والتحريم، فمثال الكراهة المغالاة في المهور، ومثال التحريم الابتداع في الدين كما تقدم.

 وقد أشار ابن القيم إلى هذا بقوله: "و الغلو نوعان: نوع يخرجه عن كونه مطيعا، كمن زاد في الصلاة ركعة، أو صام الدهر مع أيام النهي، أو رمي الجمرات بالصخرات الكبار التي يرمى بها في المنجنيق، أو سعى بين الصفا والمروة عشرا أو نحو ذلك عمدا.

وغلو يخاف منه الانقطاع والاستحسار، كقيام الليل كله وسرد الصيام الدهر أجمع بدون صوم أيام النهي، والجور على النفوس في العبادات والأوراد الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ؛ فسددوا وقاربوا ويسروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة "يعني استعينوا على طاعة الله بالأعمال في هذه الأوقات الثلاثة، فإن المسافر يستعين على قطع مسافة السفر بالسير فيها([58]).

النوع الثاني: محمود مباح.

 الغلو المباح هو ما وافق معيار الشرع، وقد دلت النصوص الشرعية على أن الغلو أحيانا يكون مطلوبا وقربة، فليست المبالغة ومجاوزة الحد فعلا مذموما دائما، ولا صفة قبيحة مطردة، بل هناك من العبادات تحصل بأقل ما يكون من الفعل، أما كمالها فلا يحصل إلا بالمبالغة ومجاوزة الحد فيه، وتكون المبالغة عبادة إضافية مأجورا عليها، ولهذا شواهد فيما يأتي بعضها:

1- قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) المائدة/ آية 77.

وجه الدلالة:

جاءت كلمة "غَيْرَ" منصوبة، وعلامة النصب ظاهرة، فالمنطوق هو: لا تغلوا غير الحق، أما المفهوم، فيدل على جواز الغلو الحق.

قال الشوكاني: "غيرَ، منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف: أي غلوا غير غلو الحق، وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم([59]).

2- قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج/ آية 32.

قال ابن عبد البر: "وأما استسمان الهدايا والضحايا، الغلو في ثمنها واختيارها، فداخل تحت عموم قوله عز و جل(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ([60]).

قال الشَّافِعِي: والعقل مضطر إلى أن يعلم أن كل ما تقُرِّبَ به إلى الله عز وجل إذا كان نفيساً، كلما عظمت رزيَّتُه على المتقرب به إلى اللَّه تبارك وتعالى، كان أعظم لأجره"([61]).

3- عَنْ أبِيْ ذَرٍّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَغْلَاهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ؟ قَالَ: تُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ تَصَّدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ ([62]).

والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "أَغْلَاهَا ثَمَنًا"ولا يخفى دلالة الحديث، فلو أعتق أقل ما يطلق عليه الرقبة لأجزأه، أما الكمال فلا بد له من المغالاة ومجاوزة الحد، ولا يدخل هذا في باب الإسراف المحرم، وإن كان يشبهه من وجه.

قال ابن عبد البر: "لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن أفضل الرقاب: أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. كان ذلك ندباً إلى اختيار ما يهدى إلى الله عز وجل ويبتغى به مرضاته"([63]).

وقال الباجي: "وأما زيادة الثمن لزيادة قيمتها فيعتبر به على كل حال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن أفضل الرقاب أغلاها ثمنا، وقد قال ابن القاسم فيمن أوصى أن يعتق خيار رقيقه: ابدأ بأغلاهم ثمنا، وهذا إذا كانت الرقبتان متساويتين في الإسلام والصلاح، فإن كانت إحداهما مسلمة والثانية نصرانية وهي أكثرهما ثمنا ؛ فقد روى ابن حبيب عن زياد عن مالك إن عتق الكثيرة الثمن أفضل وإن كانت نصرانية"([64]).

4- عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الوُضُوءِ؟ قَالَ: "أَسْبِغِ الوُضُوءَ وَخَلِّلْ بَيْنَ الأَصَابِعِ، وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا"([65]).

الحديث واضح الدلالة على أن المبالغة أمر مطلوب إلا في الصيام.

مسألة: مراعاة حال المكلف عند القيام بالفعل المخالف:

هناك حالات استثنائية قد يرافقها القيام ببعض السلوكيات التي يبدو عليها أنها غلو، مع أن الواقع غير ذلك، فأكل الميتة فعل لم يأذن به الشرع، ولا شك في أنه مخالفة ذميمة لشرع الله تعالى، ومن فعله فقد تجاوز معيار الشرع الحنيف، لكن الحال يختلف في حال الضرورة والاضطرار، فلا غلو عندها ولا تقصير، فيكون فعله موافقا لمعيار الشرع في حال الضرورة.

قال الله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) البقرة/ أية 173.

قال الطبري: "يعني تعالى ذكره بقوله: (فَمَنِ اضْطُرَّ) فمن حَلَّت به ضَرورة مجاعة إلى ما حرَّمت عليكم من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله - وهو بالصفة التي وصفنا- فلا إثم عليه في أكله إن أكله"([66]).

التعريف المختار للغلو:

هو: سلوك مذموم يتجاوز به صاحبه معيار الشرع.

شرح التعريف:

سلوك: هو كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال أو أقوال أو أفكار (عقائد)([67])، وهذا القيد "سلوك" يخرج التفريط ؛ لان التفريط ترك وإخلال، أما الغلو فهو فعل وإقدام، فترك السلوك المطلوب تفريط، وفعل السلوك المذموم غلو. ويلاحظ أن كلمة"سلوك" جاءت نكرة ؛ للدلالة على العموم.

مذموم: صفة للسلوك، ووجه الذم أنه منهي عنه لمخالفته أمر أو نهي، وهو قيد مهم وعليه يقوم التعريف؛ لأنه يخرج الغلو المحمود، ويخرج حالة الاضطرار، كما يخرج السلوكيات المذمومة التي تأتي مع النسيان أو عدم العلم أو الخطأ. ويتحقق الذم حين يقوم بالسلوكيات المخالفة وهو قاصداً لها مريداً إليها، ويعلم من نفسه أنه يأتي أمراً معيناً منهيا عنه.

يتجاوز به صاحبه: في هذا القيد مراعاة لعرف اللغة في بعض تعريفاتها للغلو في كونه مجاوزة، وهو بيان لحقيقته في أنه تعد وارتفاع عن الوسط المطلوب.

 معيار الشرع: هو ضابط قبول الأعمال والسلوكيات، وقد تقدم.

فالسلوك الذي ينطبق عليه التعريف، يعتبر سلوكا محرما، وجب النهي عنه والتصدي لفاعله، فمن أراد النجاة عليه أن يقيس الأمر بمعيار الشرع، فإن وافقه فعله، وإن خالفه تركه.

المطلب الرابع

 أسباب الغلو

قبل الحديث عن الأسباب المؤدية للغلو يحسن الإشارة إلى ضرورة اعتبار واقع العموم والخصوص في هذه الأسباب، حيث أن الأسباب الباعثة على الغلو مختلفة ومتعددة تبعا للحالة التي يقوم بها الإنسان، فمنها الأسباب العامة ومنها الخاصة.

فالسلوك الذي ارتفع عن الوسط يكون تجاوزا وغلوا مطلقا، لكنه ينظر في أثره هل هو خاص، بمعنى أنه يصدر عن شخص ويوجه لآخر، أو يكون عاما موجها لفئة غير محصورة، فالغلو الخاص ذو معيار خاص ووسط خاص وأسبابه خاصة، وهي نسبية مختلفة بين الأفراد، والغلو العام ذو معيار عام ووسط عام وأسبابه عامة مشتركة، فكل من الغلو العام والغلو الخاص محكوم بمعيار ووسط معين وكل بحسبه العموم: (معيار عام، وسط عام، أسبا عامة مشتركة = غلو عام).

الخصوص: ( معيار خاص، وسط خاص، أسباب خاصة محصورة = غلو خاص).

وعند الحديث عن المعايير الشرعية الخاصة التي يُحكم بها على السلوكيات من حيث القبول والرد يطول الأمر كثيرا ! لكن يمكن القول على سبيل الإجمال أن هناك معيارا عاما يضبط السلوكيات كما تقدم وهو الوسطية في السلوك، وهذا المعيار المبارك هو أصل كبير يجب العمل به في كافة النواحي، فعلى الإنسان (المكلف) أن ينظر في سلوكه ؛ فيترك المخالف ويأتي الموافق.

فالاعتداء على الناس مثلا، سلوك خارج عن الوسط، إذ الوسط هو الرحمة والرأفة، وأما الاعتداء فهو ضرر بفئة غير محصورة من الناس؛ لذا كان غلوا عاما محرما، وإن كان السلوك عزمات وبدع، فهو غلو عام محرم ؛ لأنه تجاوز للوسط الذي هو الاقتصار على أصل العبادة المشروعة ؛ ولأنه يضر بدين عام للناس جميعا، وعلى هذا فقس أبدا. فما كان ضرره عام ؛ كان غلو عاما.

والغلو الخاص فرع عن الغلو العام ؛ فالعدل في التعامل وسط عام، يدخل في المعيار العام، وينقسم العدل - كمعيار عام- إلى (معايير) خاصة عديدة، فهناك معيار خاص للعدل مع الوالدين، ومعيار خاص للعدل بين الأبناء، ومعيار خاص للعدل بين الزوجات، ومعيار خاص للعدل عند التعامل مع غير المسلمين.. وهكذا فهو يختلف باختلاف الحال.

فالعدل بين الزوجات محكوم بمعيار خاص يتمثل في المساواة في المأكل والمشرب والمسكن والمبيت([68]) و ظلم الزوج غلو خاص، له أسبابه الخاصة تبعا لتعدد الحالات التي وقع فيها الظلم وقد لا تتشابه مع بعضها، وجميع الحالات الخاصة التي هي من هذا القبيل ظلم الزوجة (المرأة) تكون بمجموعها ظاهرة عامة تعد من قبيل الغلو العام المحرم، لكن إن اقتصر الأمر على حالات فردية ؛ فهو غلو خاص له أسبابه الخاصة، وهذا التقسيم يفيد كثيرا في حصر أسباب الغلو وتصنيفها وطرق معالجتها. وفيما يأتي تمثيلا لأسباب الغلو، فإن حصلت بإعداد قليلة تكون من الغلو الخاص، فإن كثرت وغلبت فهي من الغلو العام:

1- الشعور بالتقصير في العبادة والبحث عن طرق جديد لها.

عن حُمَيد بن أبي حُمَيد الطّويل أنه سمِع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: جاء ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوت أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أُخبروا كأنهم تَـقَالّوها، فقالوا وأين نحن من النبيّ صلى الله عليه وسلم قد غُـفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم، أمّا أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي".([69]).

2- عدم التثبت والتمحيص من العبادة المشروعة وغيرها.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد"([70]).

3- الأحاديث المكذوبة والموضوعة.

عن سلمة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"([71]) ولا يخفى خطر هذه الأحاديث المكذوبة والموضوعة، والتي تأتي بأمور مخالفة للعقل فضلا عن النصوص الصحيحة.

4- الإنزال الخاطئ للنصوص على الواقع. مثل تنزيل نصوص الفتن والملاحم وأشرط الساعة على الوقائع والحوادث المعاصرة ؛ مما له الأثر في الغلو وحصول الحوادث وإشاعة الفوضى.

5- تغليب جانب الرجاء والمغفرة، وعدم التمحيص لشروط صفة المغفرة.

يردد كثير من الناس عبارة"إن الله غفور رحيم"فيحتجون على معاصيهم ومخالفاتهم بسعة عفو الله تعالى ومغفرته، مع بقائهم وإصرارهم على المغالاة والتجافي عن الحق، وهذا شبيه بقول اليهود والنصارى -كما قال الله تعالى-(وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) المائدة/18، وقول الله تعالى:(وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً) البقرة/ 80 ؛ فلو أنهم فقهوا شروط التوبة والمغفرة لما توسعوا في الغلو والمخالفات.

6- التقليد وله أسباب كثيرة، ولعل أبرزها ما يبث من خلال وسائل الإعلام المختلفة.

قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَآ أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) البقرة/ 170.

وقد مدح الله تعالى الذين يتبعون الحق ويبتعدون عن التقليد الأعمى والغلو، قال الله تعالى(فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) الزمر/17-18.

7- قلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا"([72]).

8- الشهرة وحب الظهور.

عن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"([73]).

9- ترك التقوى ومراقبة الله تعالى.

قال الله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام/ 153.

10- إتباع الشهوات.

قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) مريم،/ 59

وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون) الروم/ 41.

11- تفضيل الأبناء الذكور على الإناث.

قال الله تعالى:  (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) النحل/ 58، وهذا التفضيل يؤدي إلى غلو في جانب الذكور، وتفريط في جانب الإناث.

12- كثرة الديون.

عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا: وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: الدين"([74]) .

وعن عائشة رضي الله عنها قالت"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا، وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم"فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: "إن الرجل إذا غرم، حدث فكذب، ووعد فأخلف"([75]).

13- البخل والشح.

عن عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا"([76]).

وهناك أسباب أخرى لها صلة مباشرة بالغلو، وهي كما يأتي:

1- التسرع والعجلة.

2- الشعور بالنقص ومحاولة ملئ الفراغ.

3- تحميل النفس ما لا تحتمل.

4- إنعكاسات طبيعية لظروف اجتماعية.

5- قلة الحافز والثناء على السلوك القويم.

6- أسباب فسيولوجية.

7- اليأس والقنوط.

8- المجاملة وثقافة العيب.

9- إشباع غرائز النفس والرغبة في التحرر من عادات معينة.

10- إتباع الهوى وتغليب جانب الرجاء على الخوف.

11- الغفلة مع طول الأمل والتسويف.

12- العمل العدوان المحض.

13- ثقافات موروثة خاطئة.

14- التعصب الأعمى للقبلية والحزبية والفئوية.

15- اللعب والتسلية غير المنضبط.

16- التنشئة الخاطئة وسوء التربية.

17- ضغوط نفسية واجتماعية.

18- الرشوة.

19- تسلط الأعداء.

20- الغيرة غير المنضبطة.

21- ضعف العقاب وعدم تناسبه مع الجرم.

22- الحروب والنكبات.

23- فقد القدوة الحسنة (الاقتداء الخاطئ).

24- الجهل وعدم العلم بحدود المباح.

الخاتمة

انتهت الدراسة إلى النتائج الآتية:

1- معنى الغلو: هو سلوك مذموم يتجاوز به صاحبه معيار الشرع.

2- يدخل تحت"الغلو"جميع الأعمال والأقوال والاعتقادات المخالفة لمعيار الشرع، ويقابل الغلو التفريط: وهو ترك الأعمال والأقوال المطلوبة شرعا.

3- يكيف الغلو على أنه: الحد الأعلى المنهي عنه للمعيار الشرعي المحدد لقبول العبادة وغيرها من السلوكيات التي تصدر عن الإنسان، ويقابل الغلوَ التفريطُ وهو الحد الأدنى المنهي عنه للمعيار الشرعي، فالغلو فعل، والتفريط ترك.

4- معيار الشرع هو: أن المقبول من العبادة والسلوكيات ما وافق الشرع من غير تفريط ولا إفراط. ويمكن تمثيل المعيار بأنه حد فاصل بين طرفين، الطرف الأعلى هو الغلو، والطرف الأسفل هو التفريط، فتجاوز الحد أو الهبوط عنه متناقضان منهي عنهما.

5- الغلو نوعان: مذموم محرم، ومحمود مباح، فالمحرم ما خالف معيار الشرع، والمباح ما وافقه.

6- الأسباب الباعثة على الغلو مختلفة ومتعددة تبعا للحالة التي يقوم بها الإنسان، فمنها العام ومنها الخاص.

 

(*) بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي الثاني عشر بعنوان ( الغلو وأسبابه وتداعياته في ميزان الإسلام)

 / جامعة جرش / 1436هـ - 2015م.

 


 ([1]) أبو داود، سنن أبي داود، باب في لزوم السنة، رقم الحديث: 4606، والحديث صحيح.

([2]) ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 131 / ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 387

([3]) ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 131

([4]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 387

([5]) ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 131

([6]) ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 131

([7]) سوف يأتي تخريجه لاحقا إن شاء الله.

([8]) ابن منظور، لسان العرب، ج 15 ص 131

([9]) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج6، ص 58 / الزبيدي، تاج العروس، ج39، ص 183

([10]) تمام البيت: وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي المُخْتَرَقْنْ... مُشْتَبِهِ الأَعْلاَمِ لَمَّاعِ الخَفَقْنْ

 وهو لقائله: رُؤْبَة بن العجّاج التّميميّ السّعديّ، يكنى بأبي الجحّاف، راجز من الفصحاء المشهورين، من مخضرمي الدّولتين الأمويّة والعبّاسيّة، كان أكثر مقامه في البصرة، وكانوا يحتجّون بشعره؛ توفّي سنة (145هـ).

 والبيت المذكور من الرّجز. و(القُتْمَة): الغبرة إلى الحمرة. و(الأعماق): جمع عمق- بفتح العين وضمّها- وهو: ما بَعُدَ من أطراف المفاوِز. و(الخاوي): الخالي. و(المخترقن): مكان الاختراق، وهو هُنا: قطع المفاوز واجتيابها. و(الأعلام): جمع عَلَم وهي: الجبال الّتي يُهتدى بها، واشتباهها: أنّ بعضها يشبه بعضًا فلا يتبيّن السّائر طريقه فتشتبه عليه الهداية. و(الخفق): اضطّراب السّراب، وهو الّذي تراه بالنّهار وكأنّه ماء.

 والمعنى: كثيرٌ من الأمكنة الّتي لا يهتدي أحد إلى السّير فيها؛ لشدّة التباسها، وخفائها، قد سرت فيها وأعملت ناقتي ولم أخف؛ يريد أنّه شجاع عظيم الخبرة.

والشّاهد فيه: (المُخْتَرَقْنْ) و (الخَفَقْنْ)، فقد لحق التّنوين القاف، وهو رويّ قافية مقيّدة، وهو ما يسمّى بالتّنوين الغالي. انظر: ابن الصائغ، اللمحة في شرح الملحة، ج1، ص161

([11]) ابن سيده، المحكم والمحيط الأعظم، ج6، ص 58 /

([12]) المرادي، توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، ج1، ص280

([13]) الجصاص، أحكام القرآن، ج3، ص 282

([14]) السندي، حاشية السندي على سنن النسائي (مطبوع مع السنن)، ج6، ج 117

([15]) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج13، ص 278

([16]) الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، ج3، ص 1016

([17]) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج1، ص 328

([18]) ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج1، ص 207/ النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج17، ص 40

([19]) النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج 18، ص127

([20]) المباركفورى، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ج3، ص247

([21]) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج5، ص178

([22]) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج6، ص72

([23]) الزيلعي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج1، ص 5

([24]) العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج16، ص 9

([25])ابن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، ج1، ص490

([26]) النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج7،ص 73

([27]) ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج1، ص154

([28]) النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج14، ص 147

([29])ابن الرومي، العناية شرح الهداية، ج1، ص 366، وأصل النص: ( وله أن فرط الشبق حامل) على الوقاع فتقع الفتنة، والفرط بسكون الراء: مجاوزة الحد..

([30]) هذا الحصر حسب ما توفر لي من مراجع ووقت، لكن مع غالب الظن أنه لا يوجد غيرها، والله أعلم.

([31]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج6، ص21

([32]) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن،ج6، ص252

([33]) العكبري، الإبانة الكبرى لابن بطة، ج2، ص440

([34]) ابن أبي حاتم، تفسير القرآن العظيم، ج4، ص 1122

([35]) الشوكاني، فتح القدير، ج2، 75

([36]) العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج16، ص 27 / الهروي، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج7، ص 3071

([37]) الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسير القرآن، ج3، ص 418

([38]) الشيباني، مسند احمد، ج24، ص 288

([39]) المناوي، التيسير بشرح الجامع الصغير، ج1، ص193

([40]) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص83

([41]) أبو داود، سنن أبي داود، باب الصداق، رقم الحديث 2106، والحديث صححه الألباني، وروى أبو يعلى في مسنده الكبير: "أنه لما نهى عن إكثار المهر بالوجه المذكور؛ اعترضته امرأة من قريش فقالت: له يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا النساء صدقاتهن على أربعمائة درهم ؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: ﴿وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا﴾ [النساء: 20] قال: فقال اللهم غفرا كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: إني نهيت أن تزيدوا في المهر على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، أو فمن طابت نفسه فليفعل". سنده جيد. انظر: السندي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ج 1،ص 583

وقال الشوكاني: "وقد وقع الإجماع على أن المهر لا حد لأكثره بحيث تصير الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية. وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري: هو ملء مسك ثور ذهبا. وقال معاذ: ألف ومائتا أوقية ذهبا. وقيل: سبعون ألف مثقال. وقيل: مائة رطل ذهبا"انظر: الشوكاني، نيل الأوطار، ج6، ص201

([42]) السندي، حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ج 4، ص 141

([43]) ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، ج 3، ص 193

([44]) أبو داود، سنن أبي داود، باب كراهية المغالاة في الكفن، رقم الحديث 3154، والحديث ضعفه الألباني.

([45]) آبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ومعه حاشية ابن القيم، ج8، ص 299

([46]) العيني، شرح سنن أبي داود، ج6،ص 83، وقال ابن حجر: "ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن، أخرجه مسلم ؛ فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن، وقيل التحسين حق الميت، فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق، ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك به لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو لكونه كان جاهد فيه أو تعبد فيه، ويؤيده ما رواه بن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: قال أبو بكر: كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهم ا"انظر: ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج3، ص253

([47]) النسائي، السنن الصغرى، باب التقاط الحصى، رقم الحديث 3057، والحديث صححه الألباني.

([48]) العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ج25، ص 37

([49]) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ج2، ص373

([50]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج 1، ص 117

([51]) الشوكاني، فتح القدير، ج3، ص 224

([52]) ابن القيم، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ج 2 ص 496

([53]) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج6، ص108

([54]) النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، ج1، ص137

([55]) سورة المائدة، آية 66

([56]) النيسابوري، غرائب القرآن ورغائب الفرقان،ج2، ص616

([57]) الخازن، لباب التأويل في معاني التنزيل،ج1، ص87

([58]) ابن القيم، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، ج 2 ص 497

([59]) الشوكاني، فتح القدير، ج2، ص75

([60]) ابن عبد البر، الاستذكار، ج 4، ص240

([61]) الشافعي، تفسير الإمام الشافعي، ج3، ص1087

([62]) الشيباني، مسند احمد، رقم الحديث 21331، ج35 ص 260، والحديث إسناده صحيح على شرط الشيخين.

([63]) ابن عبد البر، الاستذكار، ج4، ص251

([64]) الباجي، المنتقى شرح الموطإ، ج6، ص 278

([65]) الترمذي، سنن الترمذي، باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم، رقم الحديث 788، والحديث صحيح.

([66]) الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج3 ص 321

([67]) السلوك هو: نشاط أو لغة أو حركة تصدر عن الإنسان، سواء كان سلوك مرغوب فيه أو غير مرغوب فيه. وقيل أيضاً: هو مجموعة من الحركات المنسقة التي تعود إلى وظيفة ما فتمكن صاحبها من الوصول إلى غاية أو غرض مادي أو معنوي. انظر: الحسن، سماح، تعديل السلوك وكيفية التعامل الجيد مع ذوي الاحتياجات الخاصة،، http://www.b-dss.org/Down/main/Workshop/?id=198، بتاريخ 25/6/2015م

([68]) الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج2 ص 332

([69]) البخاري، صحيح البخاري، باب الترغيب في النكاح، رقم الحديث: 5063

([70]) البخاري، صحيح البخاري، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم الحديث: 2697

([71])البخاري، صحيح البخاري، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 109

([72]) البخاري، صحيح البخاري، باب: هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، رقم الحديث: 2493

([73]) الترمذي، سنن الترمذي، رقم الحديث 2376، والحديث صححه الألباني.

([74]) الشيباني، مسند أحمد، رقم الحديث: 17320، ج 28، ص558، والحديث حسن.

([75]) البخاري، صحيح البخاري، باب الدعاء قبل السلام، رقم الحديث: 832

([76]) أبو داود، سنن أبي داود، باب في الشح، رقم الحديث: 1698