أضيف بتاريخ : 06-04-2014


المقادير الشرعية وضبطها بالعلامات الطبيعية (*)

الدكتور علي محمد العمري/ كلية الشريعة، جامعة اليرموك.

ملخص

المقادير الشرعية متعلقة بالعبادات والمعاملات والنفقات والأسفار وغيرها، وهي في الكيل والوزن والذرع، وقد وردت في الكتاب والسنة والآثار؛ مثل: الصاع والمدّ والدينار والأوقية والذراع والميل.

وهذا البحث يتعرض لأهم المقادير الواردة، ومحاولة ضبطها بالعلامات الطبيعية التي لا تختلف من قطر لآخر.

المقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن المقادير الشرعية في الكيل، أو الوزن، أو الذرع يختلف ما يعادلها بالمقادير العرفيّة في البلدان المختلفة، فنجد ذكر الرطل البغدادي، والمصري، والشامي، وكذا في المعايير الأخرى.    

وأردت في هذا البحث أن أضبط المقدرات الشرعية بالعلامات التي لا تختلف-إجمالا-بين حين، وآخر أو بين بلد وآخر، ولم أشأ أن أكثر من المصادر في المذهب الواحد؛ لأن الكتب المتعددة في المذهب يكاد يكون القول واحدا فيها، وأردت أن تكون الدراسة حديثيه فقهيّة، وأن تكون بعيدة عن التفصيلات، والخلافات؛ لأن مقصود البحث وضع علامات يتفق عليـها، ويعرفـها العالم والعامي.

كما أني أردت أن أتعرض لأهم المقادير الشرعية. وأرجو من الله التوفيق والسداد. وقد جعلت هذا البحث في مقدمة وثلاثة مباحث وخاتمة.

المبحث الأول: المكاييل.

المبحث الثاني: الموازين

المبحث الثالث: المذاريع.

المبحث الأول

المكاييل

والمكاييل جمع مكيال، والمكيال ما يكال به من كال الشيء أي حدد مقداره بوساطة آلة معدة لذلك، وكال الشيء بالشيء قاسه به، وكال الدراهم، والدنانير:وزنها([1]).

وأهم المكاييل: الصاع، والمد، والوسق.

ولذا فإنّ المبحث يقع في ثلاثة مطالب على النحو الآتي:    

المطلب الأول: الصاع.

المطلب الثاني: المد.

المطلب الثالث: الوسق.

المطلب الأول: الصاع.

تعريف الصاع:

الصاع لغة:ما يكال به، وهو لفظ مفرد ويسمى الصاع، والصُّواع، والصَّوع، وجمعه أصوع، وأصؤع، وأصواع، وصوع، وصيعان([2]).

الصاع فقها:مكيال يكال به في البيع، والشراء وتقدر به كثير من الأحكام كصدقة الفطر، وقيل: هو إناء للشرب([3]).

الصاع في الكتاب والسنة.

ورد ذكر الصاع في القرآن الكريم بلفظ صواع، وقد جاء ذلك في قوله تعالى في سورة يوسف عليه السلام:(قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) يوسف/ 72.

وقد ورد ذكر الصاع في أحاديث عدة في السنة النبوية منها:

ما رواه ابن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:("فرض زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على كل حر، أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين)البخاري، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على العبد وغيره، حديث رقم (1433)، مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، حديث رقم (984).

وما رواه أبو سعيد الخدري قال:( كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر أو مملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر فأخذ الناس بذلك قال أبو سعيد فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبدا ما عشت) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، حديث رقم (985).

وعن عبدالله بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة) البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم ومده، حديث رقم (2022).

مقدار الصاع:

اتفق الفقهاء على أن المد من أجزاء الصاع وان الصاع يساوي أربعة أمداد، إلا أنهم اختلفوا في المد كم رطلا يساوي وعليه اختلفوا في مقدار الصاع كم يساوي؟

فذهب جمهور الفقهاء من المالكية([4])، والشافعية([5])، والحنابلة([6]) إلى أن الصاع يساوي خمسة أرطال وثلث الرطل بالرطل العراقي حيث قالوا:إن المد يساوي رطل وثلث.

وذهب أبو حنيفة([7]) إلى أن الصاع يساوي ثمانية أرطال بالرطل العراقي أي أن المد يساوي رطلان، والأول يسمى: صاع أهل المدينة، والثاني:صاع أهل العراق.

والذي يخرج من الخلاف ويوضح الأمر أن الصاع كما ورد يساوي أربعة أمداد، والمد يساوي ملء كفى الرجل المعتدل- ليس بالصغير ولا بالكبير- من الطعام البرُ، والشعير.

المطلب الثاني:المد.

المد لغة:ضرب من المكاييل وهو ربع صاع والجمع أمداد ومدد ومداد كثيرة، ومددة، وأصله   مقدر بأن يمد الرجل يديه فيملأ كفيه طعاما([8]).

المد فقها:هو مكيال يساوي ربع الصاع([9]).

المد في الكتاب والسنة.

لم يذكر المد في القرآن الكريم إلا أنه ذكر في السنة النبوية في عدة أحاديث منها:

عن السائب بن يزيد قال:(كان الصاع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم، فزيد فيه في زمن عمر بن عبدالعزيز) البخاري، صحيح البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته، حديث رقم (6334).

عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اللهم بارك لهم في مكيالهم وصاعهم ومدهم)البخاري، صحيح البخاري، كتاب كفارات الأيمان، باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته، حديث رقم (6361).

عن سفينة قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسله الصاع من الماء من الجنابة ويوضئه المد) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحيض، باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة وغسل...، حديث رقم (326).

وفي هذا إشارة إلى أمره صلى الله عليه وسلم بالاقتصاد في الماء.

مقدار المد:

اختلف الفقهاء في تقدير المد فذهب جمهور الفقهاء من المالكية([10])، والشافعية([11])، والحنابلة([12])، إلى أن المد رطل وثلث، وذهب أبو حنيفة إلى أن المد رطلان.

والذي يزيل الخلاف من قطر لقطر هو العلامة الطبيعية وهو ملء كفى الرجل المعتدل من قمح ونحوه.

المطلب الثالث: الوسق.

تعريف الوسق.

الوسق لغة:مكيلة معلومة وقيل:هو حمل بعير وأصل الوسق:الحمل وكل شيء وسقته، فقد حملته وقيل:الوسق العدل، وقيل:العدلان، وقيل:هو الحمل عامة والجمع أوسق ووسوق([13]).

الوسق فقها:مكيال هو حمل بعير ويساوي ستين صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم([14]).

الوسق في الكتاب والسنة.

ورد لفظ الوسق في قوله تعالى في سورة الانشقاق:(وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ)الانشقاق/17، وورد الوسق في أحاديث نبوية عدة منها:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة، حديث رقم (1390)، مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، (حديث رقم 979).

عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة وقال:(في جاذ كل عشرة أوسق قنو يوضع للمساكين في المسجد) الحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب الزكاة، (حديث رقم 1523).

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"(ليس على الرجل المسلم زكاة في كرمه، ولا في زرعه إذا كان أقل من خمسة أوسق) ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة، كتاب الزكاة، باب إيجاب الصدقة في الزبيب إذا بلغ خمسة أوسق، (حديث رقم 2304).

عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه، وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم) مسلم، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبيصلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2281).

مقدار الوسق

اتفق الفقهاء فيما بينهم على أن الوسق يساوي ستين صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم([15])، إلا أنهم اختلفوا في تقديره كماً تبعاً لاختلافهم في مقدار الصاع. 

فجمهور الفقهاء القائلين بأن الصاع يساوي خمسة أرطال وثلث الرطل العراقي يرون أن الوسق يساوي ثلاثمئة وعشرين رطلا.

أما الحنفية القائلين بأن الصاع يساوي ثمانية أرطال([16])، يرون أن الوسق يساوي أربعمئة وثمانين رطلا.

والصواب أن يقدر بالعلامة الطبيعية وهو أن الوسق ستون صاعاً مضروبة في أربعة أمداد  مضروبة في ملء كفى الرجل المعتدل.

60 ´4´1= 240 مداً. ولا بأس أن يثبت أهل كل بلدة بجانب المعيار الشرعي المنضبط ما يقابله من المكاييل في بلادهم، أما المعيار الشرعي فينبغي أن يحافظ على استعماله.

المبحث الثاني

الموازين

الموازين جمع وَزْن، الوزن ثقل شيء بشيء مثله كأوزان الدراهم ويقال:وَزْن فلان أي قدره، وَزَن الشيء إذا كاله ووزنه إذا قدره، وما يوزن به يسمى ميزان، والجمع موازين، قال تعالى:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ) 47/الأنبياء، وقال تعالى:(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المؤمنون/102 ([17]).

ومن هذه الأوزان: الدرهم، الدينار، النواة، النش، الأوقية.

هذا المبحث يقع في خمسة مطالب هي:

المطلب الأول: الدرهم.

المطلب الثاني: الدينار.

المطلب الثالث: النواة.

المطلب الرابع: النش.

المطلب الخامس: الأوقية.

المطلب الأول: الدرهم.

تعريف الدرهم.

الدرهم لغة: لفظ فارسي معرب ويقال درهم ودرهِم وحكى بعضهم درهام وجمعه دراهم وجاء في تكسيره الدراهيم([18]).

الدرهم فقها: الفضة المضروبة أي المطبوعة المتعامل بها([19])، وهي وحدة وزن كانت معروفة قبل الإسلام وبعده وتتعلق بها الكثير من الأحكام الشرعية([20]).

الدرهم في الكتاب والسنة

ورد لفظ الدرهم بصيغة الجمع دراهم في قوله تعالى:(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) يوسف/20

أما في السنة النبوية فقد ورد لفظ الدرهم في عدة أحاديث منها:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض" البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، حديث رقم (6435)، وكتاب الجهاد والسير، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، حديث رقم (2887).

عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:(كنا نرزق تمر الجمع وهو الخِلطُ من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع فقال النبيصلى الله عليه وسلم:لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم) البخاري، صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب الخلط من التمر حديث رقم (2080).

عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه) مسلم، صحيح مسلم- كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب، حديث رقم (2896).

وسيتم الحديث عن مقدار الدرهم لاحقاً.

المطلب الثاني: الدينار.

تعريف الدينار

الدينار لغة: دنر الدينار فارسي معرب وأصله دنار بالتشديد بدليل قولهم دنانير ودنينير فقلبت إحدى النونين ياء لئلا يلتبس بالمصادر التي تجيء على فعال، ويجمع على دنانير وقال أبو منصور دينار وقيراط وديباج أصلها أعجمية غير أن العرب تكلمت بها قديما فصارت عربية ورجل مدنر كثير الدنانير، ودينار مدنر مضروب([21]).

الدينار فقها:وحدة وزن عرفت قبل الإسلام وبعده ويتعلق به كثير من الأحكام الشرعية([22]).

الدينار في الكتاب والسنة.

ورد لفظ الدينار في قوله تعالى:(وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً) آل عمران/ 75.

وأما في السنة فقد ورد لفظ الدينار بعدة أحاديث صحيحة منها ما ورد سابقا في الاستدلال على الدرهم ومنها أيضا:

عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قال لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين)مسلم، صحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب الربا، حديث رقم (1585).

عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخي جويرية بنت الحارث قال:(ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا، حديث رقم (2739).

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل بأن يسلفه ألف دينار فدفعها إليه فخرج في البحر فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار فرمى بها في البحر فخرج الرجل الذي كان أسلفه فإذا بالخشبة فأخذها لأهله حطبا فذكر الحديث فلما نشرها وجد المال)البخاري، صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب ما يستخرج من البحر، حديث رقم (1427).

مقدار الدرهم والدينار الشرعيين.

يساوي الدرهم سبعة أعشار الدينار حيث الدرهم نصف مثقال وخمسه([23])، والدينار أي المثقال يساوي درهم وثلاثة أسباع الدرهم([24]).

وقد اختلف الفقهاء في مقدرا كل من الدرهم والدينار على النحو التالي مقدرا بالحبوب:

ذهب الحنفية([25]) إلى أن الدينار يساوي عشرين  قيراطاً، والدرهم أربعة عشر قيراطاً، والقيراط خمس شعيرات، فعليه الدرهم يزن سبعين شعيرة، والدينار مئة شعيرة.

أما جمهور الفقهاء من المالكية([26])، والشافعية([27])، والحنابلة([28]) فقد ذهبوا إلى أن الدرهم يساوي خمس وخمسون شعيرة، أما الدينار والمثقال فيساوي اثنتان وسبعون شعيرة، والحديث هنا عن الدراهم الشرعية التي يقدر بها نصاب الزكاة، ومقدرا الجزية، ويعادل 2,52غم، والدينار 3,60 غم بالأوزان المعاصرة([29])، والتقدير بحبات الشعير يبقى الدرهم والدينار مقصودين وزنا، فلا بد من استعمال هذين اللفظين وإن وضع بجانبها الأوزان المتغيرة المختلفة.

المطلب الثالث: النواة.

النواة لغة:هي مفرد وجمعها نوى، وهي عجمة التمر، والزبيب، وغيرهما، ويقال: أكلت التمر ونويت النوى و أنويته رميته([30]).

النواة فقها:هي اسم لوزن خمسة دراهم([31]).

النواة في الكتاب والسنة.

لم يرد لفظ النواة بهذا الرسم، وعلى هذا المعنى في القرآن الكريم، وإنما وردت لفظة النوى في قوله تعالى:(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى)الأنعام/95

وفي السنة النبوية فقد ورد لفظ النواة في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبه أثر صفرة فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار قال: كم سقت إليها قال زنة نواة من ذهب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولم ولو بشاة "البخاري، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الصفرة للمتزوج- حديث رقم (4858)، مسلم، صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك من قليل وكثير واستحباب كونه خمسمائة درهم لمن لا يجحف به، حديث رقم (1427).

مقدار النواة.

اختلف الفقهاء في تقدير النواة تبعا لاختلافهم في تفسير النواة في حديث أنس وعند أكثرهم هي وزن خمسة دراهم([32]) وبه قال إسحاق([33]) وقيل تزن عشرة دراهم([34])وقيل كانت ربع دينار([35])، وقال أحمد بن حنبل: تزن ثلاثة دراهم وثلث([36])".

والدرهم خمس وخمسون حبة شعير وعلى هذا فالنواة تساوي:

(10/3) ´ 55 = (50 / 3) = 150حبة شعير وزنا.

المطلب الرابع: النش

تعريف النش:

النش لغة: والنش وزن نواة من ذهب وقيل هو وزن عشرين درهما وقيل: وزن خمسة دراهم، وقيل هو ربع أوقية، ونش الشيء نصفه فالنش إذا النصف من كل شيء([37]).

النش فقها: من الأوزان القديمة ولا يخرج معناه الفقهي عن المعنى اللغوي.

النش في الكتاب والسنة:

لم يرد لفظ النش في القرآن الكريم وإنما ورد في السنة النبوية فعن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال سألت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت: أتدري ما النش قال: قلت لا قالت: نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه"مسلم، صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم القرآن وخاتم حديد، حديث رقم (1426)، ابن ماجه- سنن ابن ماجه، كتاب النكاح، باب صداق النساء حديث رقم (1876).

مقدار النش.

فيما اطلعت عليه فإن مقدار النش يساوي عشرين درهماً وهو نصف الأوقية([38])، ولم أجد غير هذا إلا ما ذكر في لسان العرب من أقوال فيه هي خمسة دراهم، أو ربع أوقية أي عشرة دراهم([39]).

فيكون النش 10 دراهم كما في حديث المهر ويساوي 10 ´ 55 = 550 حبة شعير وزنا.

المطلب الخامس: الأوقية.

تعريف الأوقية

الأوقية لغة:على وزن أفعولة كالأعجوبة والأحدوثة وهي مفردة والجمع أواقيّ بالتشديد والتخفيف (أواقٍ) وهي من الأوق أي الثقل وهي وزن سبعة مثاقيل وقيل زنة أربعين درهما([40]).

الأوقية فقها: هي وزن مقداره أربعون درهما([41]).

الأوقية في الكتاب والسنة.

لم يرد لفظ الأوقية في القرآن الكريم وإنما ورد في السنة المطهرة في حديث عبد الرحمن عن عائشة الذي سبق ذكره وورد في ما رواه جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة)مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، حديث رقم (980). والأواق جمع أوقية.

-مقدار الأوقية.

الأوقية متفق عليها بين الفقهاء أنها تزن أربعين درهما([42])، وعليه فهي تعادل ألفان وثمانمئة حبة شعير عند الحنفية على اعتبار أن الدرهم يساوي سبعين شعيرة كما سبق توضيحه، وتعادل ألفان ومئتان شعيرة عند جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة على اعتبار أن الدرهم عندهم خمسة وخمسين شعيرة كما سبق توضيحه.

فتكون الأوقية 40 درهما والدرهم 55 حبة شعير= 40´55=2200حبة شعير وزنا.

المبحث الثالث

المذاريع

الذرع وهي مقاييس المسافات.

والقياس: التقدير فقست الشيء بغيره وعلى غيره أقيس قيساً وقياساً فانقاس إذا قدرته على مثاله، ووجه آخر قسته أقوسه قوساً وقياساً والمقدار مقياس([43]).

والمسافة: من استاف بمعنى شم، وهو أن الدليل كان إذا ضل في فلاة أخذ التراب فشمه وكثر استعمال هذه الكلمة حتى سمي البعد مسافة([44]).

وقد استعمل العرب والمسلمون مقاييس عدة لتقدير المسافات تتناول بعضا منها: الذراع، الميل، الفرسخ، الشبر، القدم، والمرحلة.

وعليه فهذا المبحث يقع في خمسة مطالب:

المطلب الأول: الذراع.

المطلب الثاني: الميل.

المطلب الثالث: الفرسخ.

المطلب الرابع: الشبر.

المطلب الخامس: القدم.

المطلب السادس: المرحلة.

المطلب الأول: الذراع.

تعريف الذراع.

الذراع لغة:الذراع من ذَرَع مفرد والجمع أذرع، وهو ما يذرع به، ذرع الثوب وغيره يذرعه ذرعا: قدره بالذراع، فهو ذراع وهو مذروع، وذرع كل شيء قدره، والتذرع تقدير الشيء بذراع اليد([45]).

الذراع فقها: مقياس للطول ذات أنواع مختلفة ذكر الماوردي لها سبعة أنواع في الأحكام السلطانية هي تصاعديا: القاضية، ثم اليوسفية، ثم السوداء، ثم الهاشمية الصغرى (البلالية)، ثم الهاشمية الكبرى (الزيادية)، ثم العمرية، ثم الميزانية([46]).

الذراع في الكتاب والسنة.

ورد لفظ الذراع وما في معناه في القرآن الكريم وذلك في قوله تعالى:(وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ) 77/هود. وقوله تعالى:(ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ) الحاقة/32، وقوله تعالى:(وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) الكهف/18

وفي السنة المطهر ورد ذكر الذراع في أكثر من حديث صحيح منها:

عن أم سلمة قالت:( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تجر المرأة من ذيلها؟ قال: شبرا. قلت: إذاً ينكشف عنها. قال: ذراع لا تزيد عليه) ابن حبان، صحيح ابن حبان، كتاب اللباس، باب لبس السراويل، حديث رقم (3580) واللفظ له.

ومنها أيضا ما رواه عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال:" إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربعة برزقه وأجله وشقي أو سعيد فوالله إن أحدكم أو الرجل يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها غير باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها قال آدم إلا ذراع" البخاري، صحيح البخاري، كتاب القدر، حديث رقم (6221) واللفظ له، مسلم، صحيح مسلم- كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته- حديث رقم (2643).

ومنها ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن الله جل وعلا قال:(الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في واحدة منهما قذفته في النار ومن اقترب إلي شبرا اقتربت منه ذراعا، ومن اقترب مني ذراعا اقتربت منه باعا ومن جاءني يمشي جئته أهرول، ومن جاءني يهرول، جئته أسعى، ومن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ أكثر منهم وأطيب" ابن حبان، صحيح ابن حبان، كتاب البر والإحسان، باب ذكر الإخبار بأن من تقرب إلى الله قدر شبر أو ذراع بالطاعة كانت الوسائل والمغفرة أقرب منه بباع، حديث رقم (328).

مقدار الذراع.

اختلف الفقهاء في الذراع التي تقدر بها المقدرات الشرعية على النحو التالي:

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ([47]) والشافعية ([48]) والحنابلة([49]) إلى أن الذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضات، وكل إصبع ست حبات شعير بطون بعضها إلى بعض عرض كل شعيرة ست شعرات برذون، ويطلق عليها الحنفية ذراع الكرباس أو المكسرة وهي سبع قبضات، وعليه فإن الذراع يعادل مئة وأربعا وأربعين شعيرة، وتعادل بالمعاصر ثمانية وأربعين سنتيمتراً([50]).

وذهب المالكية([51]) إلى أن الذراع ستة وثلاثون إصبعاً، كل إصبع ست شعيرات كل شعيرة ست شعرات وعليه فإن الذراع عند المالكية يعادل مئتان وست عشرة شعيرة.

وهذا الخلاف لعله لاختلاف حبات الشعير بين قطر وآخر، أو لاختلاف أذرع الناس. ولعل تقدير الحنفية أقرب وأدق.

المطلب الثاني: الميل.

تعريف الميل.

الميل لغة:الميل من الأرض قدر منتهى مد البصر، وهي مفرد والجمع أميال، وميول، وأميل، وقيل:مسافة من الأرض لا حد لها([52]).

الميل فقها:لا يخرج عن معناه اللغوي وهو وحدة طول استخدمه الفقهاء في تحديد مسافة السفر المبيح للترخص([53]).

الميل في الكتاب والسنة.

لم يرد لفظ الميل بمعناه المراد هنا في القرآن الكريم، وإنما ورد في السنة النبوية المطهرة ومنه:

ما رواه ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:(سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل التي قد أضمرت، فأرسلها من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع فقلت لموسى: فكم كان بين ذلك. قال: ستة أميال، أو سبعة وسابق بين الخيل التي لم تضمر، فأرسلها من ثنية الوداع، وكان أمدها مسجد بني زريق قلت: فكم بين ذلك قال: ميل أو نحوه، وكان ابن عمر ممن سابق فيها) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب السبق للخيل المضمرة-حديث رقم (2715)، ابن حبان، صحيح ابن حبان، كتاب السير، باب السبق، حديث رقم (4687).

ومنها ما روي عن نافع قال: تيمم ابن عمر على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى العصر فقدم والشمس مرتفعة ولم يعد الصلاة" الحاكم، مستدرك الحاكم، كتاب الطهارة- حديث رقم (640).

مقدار الميل.

اختلف الفقهاء في مقدرا الميل على أقوال هي:

ذهب الحنفية إلى أن الميل أربعة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرين إصبعا كل إصبع ست شعيرات فعليه الميل يساوي خمسمئة وستة وسبعين ألف شعيرة([54]).

(4000 X 24 X 6=576000)

وذهب الشافعية([55])، والحنابلة([56]) إلى أن الميل أربعة آلاف خطوة، ويساوي كذلك اثني عشر ألف قدم، ويساوي ستة آلاف ذراع كل ذراع أربعة وعشرون إصبعاً وكل إصبع ست شعيرات معترضات وعليه فإن الميل يساوي ثمان مئة وأربع ستين ألف شعيرة.

أما المالكية([57]) فعندهم قولان الأول: الميل ألف ذراع، والثاني: صححه ابن عبد البر وهو أن الميل ثلاثة آلاف ذراع وخمسمائة ذراع، كل ذراع ستة وثلاثون إصبعا، كل إصبع ست شعيرات، وعليه فالميل يساوي على أحد القولين مائتين وستة عشر ألف شعيرة، وعلى قول ابن عبد البر يساوي سبعمئة وستة وخمسين ألف شعيرة.

وهذا التقدير بحبة الشعير بجانب أختها يمكن ضبطه ووضع وحدات لذلك من الذراع والباع، ويبقى المحور مهما اختلفت المقاييس والاصطلاحات.

المطلب الثالث: الفرسخ.

الفرسخ لغة: الفرسخ من المسافة المعلومة في الأرض والفرسخ ثلاثة أميال أو ستة سمي بذلك لأن صاحبه إذا مشى قعد واستراح من ذلك كأنه سكن وهو مفرد الفراسخ، فارسي معرب، وانتظرتك فرسخا من الليل أو من النهار، أي طويلا وكأن الفرسخ أخذ من هذا([58]).

الفرسخ فقها: لا يخرج المعنى الفقهي للفرسخ عن معناه اللغوي، فهو وحدة قياس المسافات.

الفرسخ في الكتاب والسنة.

لم يرد ذكر الفرسخ في الكتاب وإنما ورد في السنة المطهرة ومن ذلك:

ما روته أسماء بنت أبي بكر-رضي الله عنها- قالت:(تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح، وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء وأخرز غربة وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي وهي مني على ثلثي فرسخ فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار...)البخاري، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب الغيرة، حديث رقم (4926)، واللفظ له، مسلم، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، حديث رقم (2182).

عن أبي المخارق عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الكافر ليستحب لسانه الفرسخ والفرسخين يتوطؤه الناس)الترمذي، سنن الترمذي، كتاب صفة جهنم عن رسول الله، باب ما جاء في صفة شراب أهل النار حديث رقم (2580) – وقال:حديث غريب.

عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ شعبة الشاك صلى ركعتين" مسلم، صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم (691)، ابن حبان، صحيح ابن حبان، ذكر الخبر الدال على أن الناوي سفرا يكون نهاية  قصره ما وصفناه له

قصر الصلاة إذا...حديث رقم (2745).

مقدار الفرسخ.

اتفق جمهور الفقهاء على أن الفرسخ يساوي ثلاثة أميال([59]).

المطلب الرابع: الشبر.

تعريف الشبر.

الشبر لغة: ما بين أعلى الإبهام وأعلى الخنصر، مذكر مفرد والجمع أشبار والمصدر الشَبر، وشبر الثوب وغيره يشبره، ويُشبره شبراً كاله بشبره وهذا أشبر من ذاك أي أوسع شبراً إذا قدر([60]).

الشبر فقها: وحدة قياس المسافة فلا يخرج عن معناه اللغوي.

الشبر في الكتاب والسنة.

لم يرد لفظ الشبر في القرآن الكريم وإنما ورد في السنة النبوية ومنها ما ورد سابقا من حديثي أم سلمة وأبو هريرة تحت بند الذراع فيرجع إليه.

مقدار الشبر.

ذكر الحنابلة صراحة أن الشبر ثلاث قبضات([61]) والقبضة أربعة أصابع والإصبع ست شعيرات بطون بعضها إلى بعض.

وأشار كل من المالكية([62])، والشافعية([63]) إلى أن الذراع شبران، أي أربعة وعشرون إصبعا، فعليه فإن الشبر نصف ذراع أي اثنا عشر إصبعا كل إصبع ست شعيرات وبالتالي فإن الشبر يعادل اثنتين وسبعين شعيرة.

وهذه علاقة طبيعية لا تختلف باختلاف الزمان والمكان، وإن قُدِّر ما يقابلها بحسب مقاييس البلدان.

المطلب الخامس:القدم.

تعريف القدم.

القدم لغة:الرِجل، مؤنث مفرد والجمع أقدام، وتصغيرها قُديمة وهي من لدن الرسغ ما يطأ عليه الإنسان([64]).

القدم فقها:لا يخرج معنى القدم الفقهي عن المعنى اللغوي وتستعمل كوحدة قياس للمسافات([65]).

القدم في الكتاب والسنة.

ورد لفظ القدم في آيات عدة من القرآن الكريم وهي:

1- قوله تعالى:(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ)يونس/2

2- قوله تعالى:(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا)النحل/94

3- قوله تعالى:(وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) الأنفال/11

4- قوله تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ)الرحمن/41

5- قوله تعالى:(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7

6-قوله تعالى:(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) البقرة/ 250

7-قوله تعالى:(أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) فصلت/29

وأما من السنة فقد ورد لفظ القدم في عدة أحاديث منها:

ما روي عن الزبير بن العوام قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نبتدر الفيء فما يكون إلا موضع القدم أو القدمين)ابن خزيمة، صحيح ابن خزيمة- كتاب

الصلاة، باب استحباب التبكير بالجمعة، حديث رقم (1840).

عن الأسود بن يزيد أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقدام، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام)الحاكم، مستدرك الحاكم، كتاب الصلاة، باب من أبواب الأذان والإقامة، حديث رقم (716).

مقدار القدم.

ذكر الشافعية أن القدمين ذراع([66]) وصُرح بـأن القدم نصف ذراع([67]) وعليه فالقدم اثنا عشر إصبعاً أي ما يعادل اثنتين وسبعين شعيرة. وهذه علامة طبيعية منضبطة في كل عصر، ومصر.

كما ذكر الحنابلة([68]) أن الميل اثنا عشر ألف قدم ويساوي ستة آلاف ذراع وبالتالي فالقدم تعادل نصف ذراع. وهذه مسافات منضبطة بالعلامة الطبيعية.

المطلب السادس:المرحلة.

تعريف المرحلة.

المرحلة لغة: واحدة المراحل يقال بيني وبين كذا مرحلة أو مرحلتان، ويقال رحل الرجل إذا سار، ورحل عن المكان انتقل([69]).

المرحلة فقها: لا يخرج معناها الفقهي عن معناها اللغوي وتستعمل كوحدة قياس مسافات وتترتب عليها بعض الأحكام الشرعية كتحديد مسافة قصر الصلاة في السفر([70]).

المرحلة في الكتاب والسنة.

لم يرد لفظ المرحلة في القرآن الكريم، وإنما وجد في السنة في نصوص حديثية ورد فيها لفظ المرحلة مثل:

ما رواه ابن أبي شيبة مصنفه عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: لما جاء قتل عثمان قال حذيفة: اليوم نزل الناس حافة الإسلام فكم من مرحلة قد ارتحلوا عنه" ابن شيبة، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الفتن، ما ذكر في عثمان، حديث رقم (37668).

ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن قتادة قال:(صلى عمر بالناس صلاة العشاء، فلم أسمع قراءته فيها فقال له أبو موسى الأشعري، مالك لم تقرأ يا أمير المؤمنين قال:أكذلك يا عبد الرحمن بن عوف؟ قال نعم. قال: أو فعلت قالوا:نعم، قال:صدقتم قال: إني جهزت عيرا من المدينة حتى وردت الشام، فكنت أرحلها مرحلة مرحلة قال:فأعاد لهم الصلاة)عبدالرزاق، مصنف عبد الرزاق، كتاب الصلاة ، باب من نسي القراءة، حديث رقم (2755).

وهذا من اهتمام الخليفة رضي الله عنه بشؤون الأمة والغزاة في سبيل الله.

مقدار المرحلة:

ورد للفقهاء عدة أقوال في تحديد وتقدير المرحلة ومن ذلك ما ذكره ابن حجر في فتح الباري من أن المرحلتين ثلاثون ميلا([71]) وكذلك في تحفة الأحوذي([72])، وقيل المرحلتان ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية([73]).

وفي الإقناع ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية ذهابا وهما يومان معتدلان بسير الأثقال وهي ستة عشر فرسخا([74]).

وجاء أن المرحلتين اثنان وأربعون ميلا([75])، وقيل المرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في يوم([76]).

ولعل أعدل الأقوال أنها ثلاثون ميلا؛ لأن سير الإبل السير المعتدل لا يتجاوزها في يوم وليلة.

 

(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الثالث، العدد (1)، 1428ه‍/ 2007م.

 

الهوامش:

 

 


([1]) ابن منظور: العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي (ت 711ﻫ/1131م)، لسان العرب، بيروت، دار صادر، (ط3)، (1417ﻫ)، ج11، ص604.

([2]) ابن منظور، لسان العرب، ج8، ص215.

([3]) النووي: أبو زكريا محيي الدين بن شرف (ت676ﻫ)، المجموع، مطبعة التضامن الأخوي، مصر، (1344ﻫ) ج2، ص217.

([4]) ابن رشد: محمد بن أحمد بن محمد القرطبي (ت 595ﻫ)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، مطبعة مصطفى الحلبي-القاهرة (1379)، ج2، ج265.

([5]) النووي، المجموع، ج2، ص217.

([6]) ابن قدامة: عبدالله بن أحمد (ت620ﻫ)، المغني، (ط1)، دار الفكر، بيروت، (1405ﻫ)، ج1، ص141.

([7]) ابن الهمام: كمال الدين محمد بن عبد الواحد الحنفي (ت 861ﻫ)، شرح فتح القدير، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة مصطفى محمد، مصر، ج6، ص26.

([8]) ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص398.

([9]) ابن رشد، بداية المجتهد، ج1، ص265.

([10]) ابن رشد، بداية المجتهد ج1، ص265.

([11]) النووي، المجموع، ج2، ص218.

([12]) ابن قدامة، المغني، ج1، ص141.

([13]) ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص379.

([14]) الدردير: سيد أحمد أبو البركات، الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش، (ط) دار الفكر، بيروت، ج1، ص447، ابن قدامة، المغني، ج2، ص298.

([15]) ابن مفلح: عبدالله محمد بن مفلح، الفروع، تحقيق: حازم القاضي، (ط1)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1418ﻫ، ج2، ص315، ابن قدامة، المغني، ج2، ص298، الدردير، الشرح الكبير، ج1، ص447، المرغناني، الهداية، ج1، ص109.

([16]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج6، ص26.

([17]) ابن منظور، لسان العرب، ج13، ص446.

([18]) ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص199.

([19]) المناوي: محمد عبد الرؤوف، التعاريف، تحقيق: محمد الداية، دار الفكر المعاصر، بيروت، (1410ﻫ)، ج1، ص337.

([20]) أبو عبيد: القاسم بن سلام الهروي، الأموال، تحقيق: محمد خليل، (ط1)، دار الفكر، القاهرة، (1981م)، ص522.

([21]) ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص292.

([22]) ابن جزي: محمد بن أحمد، القوانين الفقهية، ج1، ص68.

([23]) ابن مفلح: إبراهيم بن محمد بن عبد الله، المبدع، (ط) المكتب الإسلامي، بيروت، (1400ﻫ)، ج2، ص364.

([24]) ابن عابدين: محمد أمين (ت 1250ﻫ)، رد المحتار على الدر المختار، (ط) دار الفكر، بيروت، (1386ﻫ) ج2، ص296.

([25]) ابن عابدين، رد المحتار، ج2، ص296.

([26]) ابن جزي، القوانين الفقهية، ج1، ص68.

([27]) المليباري: زين الدين بن عبد العزيز، فتح المعين، (ط) دار الفكر، بيروت، ج2، ص151.

([28]) البهوتي: منصور بن يونس، فرغ من تأليفه (1046ﻫ)، كشاف القناع، (ط) دار عالم الكتب، بيروت، ج2، ص229.

([29]) ابن ضويان: إبراهيم سالم، منار السبيل، تحقيق: عصام العجمي، (ط) المعارف، الرياض، (1405ﻫ)، ج1، ص435.

([30]) ابن منظور، لسان العرب، ج15، ص349.

([31]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص64.

([32]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص64.

([33]) ابن عبد البر: يوسف بن عبد الله النمري، (ت 463ﻫ)، التمهيد، تحقيق: مصطفى العلوي، (ط) وزارة الأوقاف، المغرب، 1387ﻫ، ج2، ص186.

([34]) الجصاص: أحمد بن علي الرازي، (ت 370ﻫ)، أحكام القرآن، الناشر مصطفى الباز، المكتبة التجارية، مكة المكرمة، 1413ﻫ، ج3، ص86.

([35]) ابن مفلح، المبدع، ج4، ص328.

([36]) الأحوذي: محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري (ت 1353ﻫ)، تحفة الأحوذي، دار الكتب العلمية، بيروت، ج4، ص185.

([37]) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص353.

([38]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج2، ص208، ابن قدامة، المغني، ج7، ص162.

([39]) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص353.

([40]) ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص12.

([41]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج2، ص208.

([42]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج2، ص208.

([43]) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص186.

([44]) ابن منظور، لسان العرب، ج9، ص165.

([45]) ابن منظور، لسان العرب، ج8، ص94.

([46]) الموسوعة الفقهية، ج38، ص94.

([47]) ابن عابدين، رد المحتار، ج1، ص233.

([48]) الشربيني: محمد الخطيب، الإقناع، تحقيق: مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر، بيروت، (1415ﻫ) ج1، ص171

([49]) البهوتي، كشاف القناع، ج1، ص504.

([50]) الضويان، منار السبيل، ج1، ص435.

([51]) الأزهري: صالح بن عبد السميع، الثمر الداني، (ط) المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا، ج1، ص221.

([52]) ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص636.

([53]) الموسوعة الفقهية، ج38، ص325.

([54]) ابن عابدين، رد المحتار، ج1، ص233.

([55]) الشربيني، الإقناع، ج1، ص171، النووي، المجموع، ج4، ص274.

([56]) البهوتي، كشاف القناع، ج1، ص504.

([57]) الأزهري، الثمر الداني، ج1، ص223.

([58]) ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص44.

([59]) ابن الهمام، شرح فتح القدير، ج1، ص123، الدردير، الشرح الكبير، ج1، ص358، النووي، المجموع، ج4، ص274، ابن مفلح، الفروع، ج2، ص47.

([60]) ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص291.

([61]) البهوتي، كشاف القناع، ج1، ص44.

([62]) العدوي: علي الصعيدي المالكي، حاشية العدوي، تحقيق: يوسف البقاعي، (ط) دار الفكر، بيروت، 1412ﻫ، ج2، ص591.

([63]) البجيرمي: سليمان بن عمر بن محمد، حاشية البجيرمي، المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا، ج1، ص325.

([64]) ابن منظور، لسان العرب، ج12، ص470.

([65]) الموسوعة الفقهية، ج38، ص322.

([66]) الشربيني، الإقناع، ج1، ص171.

([67]) البجيرمي، حاشية البجيرمي، ج1، ص358.

([68]) ابن مفلح، الفروع، ج2، ص47.

([69]) ابن منظور، لسان العرب، ج11، ص277-280.

([70]) الموسوعة الفقهية، ج38، ص323.

([71]) العسقلاني: أحمد بن حجر (ت 852ﻫ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: محمد الدين الخطيب، (1409ﻫ)، ج3، ص386.

([72]) الأحوذي، تحفة الأحوذي، ج3، ص481.

([73]) النووي، محيي الدين بن شرف (ت 676ﻫ)، شرح النووي على صحيح مسلم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392ﻫ، (ط2)، ج5، ص195.

([74]) الشربيني، الإقناع، ج1، ص171، الدردير، الشرح الكبير، ج1، ص359.

([75]) ابن حجر، فتح الباري، ج3، ص389.

([76]) العدوي، حاشية العدوي، ج1، ص654.