أضيف بتاريخ : 27-02-2014


دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء (*)

محمد حمد عبد الحميد/ كلية الشريعة، جامعة آل البيت

ملخص

تناول هذا البحث مسألة مهمة من مسائل الأمر وهي دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه وتكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يبحث في المجال الزمني للأمر الذي يخرج المكلف من عهده التكليف.

ولقد ساهمت هذه المسألة في اختلاف الفقهاء ولم يقتصر هذا الخلاف بين أصحاب هذه المذاهب المختلفة بل كان بين أصحاب المذاهب الواحد، فالذين قالوا إن الأمر يفيد مطلق الطلب اختلفوا في دلالته حسب القرينة التي قد تبين المراد.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فإن علم أصول الفقه من أشرف علوم الشريعة منزلة وأعظمها أثرا وأكثرها فائدة وأدقها مسلكا. ويعد مبحث الأمر والنهي من أهم مباحث علم الأصول، فهما اللذان تثبت بهما الأحكام وبهما يتميز الحلال من الحرام.

وقد اهتم الأصوليون بمبحث الأمر اهتماما عظيما؛ فقد بحثوا دلالة الأمر على الوجوب أو غيره، وبحثوا دلالته على الوحدة أو الكثرة، وعنوا أيضا بتحديد المجال الزمني الذي يخرج المكلف من عهدة الامتثال في الإتيان بما أمر به.

ويأتي هذا البحث في مسألة مهمة من مسائل الأمر وهي دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه.

مشكلة البحث:

الذي دعاني إلى الكتابة في هذه المسألة أمران: 

أولهما: أهميتها الأصولية حيث تحدد المجال الزمني الذي يخرج المكلف من عهدة الامتثال.

ثانيهما: أثرها الفقهي الواسع على كثير من المسائل الفقهية ؛ فلقد ساهمت هذه المسألة في الخلاف حتى بين أصحاب المذهب الواحد.

وعليه فأردت من خلال هذا البحث أن أحقق هذه المسألة، فقمت بتحقيق المذاهب فيها وتحقيق نسبة هذه المذاهب لأصحابها، ثم بينت أثر هذه المسألة في اختلاف الفقهاء.

منهج البحث:

وقد اتبعت في هذا البحث المنهج العلمي التحليلي المقارن القائم على الاستقراء وفق النقاط التالية:

1) قمت باستقراء الآراء والأقوال من كتب الأصول المعتمدة، ثم تحليل هذه الآراء. ووضعها على شكل مذاهب ثم ترتيب هذه المذاهب مع أدلتها على شكل دراسة مقارنة.

2) الترجيح بين هذه المذاهب بعد مناقشة الأدلة.

3) بينت الأثر المترتب على الخلاف في هذه المسألة عند الفقهاء وذلك من كتبهم المعتمدة.

خطة البحث:

قمت بتقسيم البحث إلى مبحثين وخاتمة:

المبحث الأول: دلالة الأمر من حيث الفورية وعدمها.

المطلب الأول: تعريف الأمر لغة واصطلاحا.

المطلب الثاني: تحرير محل النزاع في دلالة الأمر.

المطلب الثالث: بيان المقصود بالفور والتراخي.

المطلب الرابع: سبب الخلاف في هذه المسألة.

المطلب الخامس: مذاهب الأصوليين في دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه.

المطلب السادس: أدلة هذه المذاهب ومناقشتها.

المطلب السابع: الترجيح.

المبحث الثاني: أثر الاختلاف في دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه في اختلاف الفقهاء

المطلب الأول: إخراج الزكاة بين الفورية وعدمها.

المطلب الثاني: قضاء صيام رمضان بين الفورية وعدمها.

المطلب الثالث: أداء الحج بين الفورية وعدمها.

المطلب الرابع: تخيير الزوج لزوجته في الطلاق.

المطلب الخامس: التوكيل بالبيع.

الخاتمة: وقد ضمنتها أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث.

المبحث الأول

دلالة الأمر من حيث الفورية وعدمها

المطلب الأول: تعريف الأمر لغة واصطلاحا

تعريف الأمر لغة:

الأمر في اللغة: ضد النهي وهو الطلب، يقال أمر أمرا: طلب منه فعل شيء أو إنشاءه فهو آمر وذاك مأمور([1]).

تعريف الأمر اصطلاحا:

عرف الآمدي الأمر بقوله : طلب الفعل على جهة الاستعلاء([2]).

فقوله (طلب الفعل) احترازاً عن النهي وغيره من أقسام الكلام حيث في النهي يكون طلب الكف عن الفعل.

وقوله (على جهة الاستعلاء): الاستعلاء صفة في الكلام وهو اعتبار الآمر نفسه في مرتبة أعلى من مرتبة المأمور وإن لم يكن ذلك حاصلاً باعتبار الواقع ونفس الأمر([3]) وبهذا القيد احتراز عن الطلب بجهة الدعاء والالتماس([4]).

المطلب الثاني: تحرير محل النزاع في دلالة الأمر على الفور أو عدمه

من المعلوم أن أي أمر يقتضي إيجاد فعل معين لا بد له من زمن يقع فيه ذلك الفعل، وأوامر الشرع الحنيف تنقسم من حيث تعلقها بالزمن والوقت إلى قسمين:

الأول: ما حدد له زمن معين، ويسمى الأمر المقيد بوقت، والواجب الحاصل به واجب مؤقت.

الثاني: ما لم يحدد له زمن معين، ويسمى الأمر المطلق عن الوقت، والواجب المتعلق به واجب مطلق غير مؤقت.

والأمر المقيد بوقت لا يخلو من أمرين: إما أن يكون مستغرقا لجميع الوقت. وهذا النوع يجب أداؤه على الفور من دخول الوقت إلى نهايته باتفاق العلماء. كالصيام يجب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ويسمى الواجب المتعلق به واجبا مضيقا.

وإما أن يكون غير مستغرق للوقت، إلا أن الوقت له بداية ونهاية، وهذا النوع يجزئ أداؤه في أي وقت من أوقاته، وإن كان هناك خلاف بين العلماء في الوجوب هل يتعلق بأول الوقت أو آخره أو في جميع الأوقات كالصلوات الخمس، ويسمى الواجب المتعلق به واجبا موسعا([5]).

ومع أن الواجب الموسع مقيد والمطلق ليس كذلك إلا أن هناك وجه شبه بينهما حيث إن الواجب الموسع يكون الوقت فيه محددا بداية ونهاية والواجب المطلق يكون الوقت فيه كل العمر من بداية التكليف حتى الموت، لذلك بنى الزركشي الكلام في مسألة الأمر المطلق على ثبوت الواجب الموسع حيث يقول: "إن الكلام في هذه المسألة مبني على ثبوت الواجب الموسع وهو الصحيح ومن لا يعترف به فلا كلام معه، قاله الطبري"([6]).

والأمر المطلق غير المقيد بوقت يقع فيه الفعل فلا يخلو من أحد أمرين:

الأول: إما أن تكون هناك قرينة تدل على إرادته على سبيل الفور سواء أكانت لفظية أم غير لفظية، ففي هذه الحالة يجب أداؤه فورا اتفاقا مثل أن يقول الأب لابنه وكان عطشان جدا: اسقني ماء، وهذه قرينة غير لفظية. ومثال اللفظية أن يقول له اسقني في أقرب وقت ممكن.

أو أن تكون القرينة دالة على عدم الفور لفظية كانت أم غير ذلك فلا يجب فورا اتفاقا. كأن يقول: اسقني متى شئت، أو كان حاله لا يدل على الاستعجال([7]).

الثاني: وإما أن تنعدم القرينة فلا يوجد ما يدل على إرادة الفور أو عدمه، فهل يجب أداؤه فورا ولا يسع فيه التأخير؟ أو لا يجب الفور فيجوز فعله فوراً ويجوز فعله على التراخي ؟ فهذا هو موضوع البحث.

وقد يكون الأمر مقيدا بشرط أيضا، فيجب أداؤه عند تحقق الشرط.

فموضوع بحثنا إذن ينحصر في الأمر المطلق غير المقيد بوقت ولا شرط إذا لم تكن هناك قرينة دالة على إرادة الأمر فورا أو عدم إرادته فوراً.

وأرى أن موضوع البحث ينحصر في الأمر الواجب لأن تصوير المسألة أن الأمر هل يجب أداؤه فورا أو لا يجب ذلك؟ فلو كان الأمر المطلق للفور لعصى المكلف بمجرد التأخير وهذا لا يشمل الأمر المندوب لأنه لو لم يقم المكلف به مطلقا لا يأثم.

المطلب الثالث: بيان المقصود بالفور والتراخي المقصود بالفور أنه يجب تعجيل الفعل في أول أوقات الإمكان، فلو أخر عصى بالتأخير([8]).

والمقصود بالتراخي: أنه لا يجب فوراً ويجوز تأخير الفعل عن أول أوقات الإمكان، وليس معناه أنه يجب تأخيره عن أول أوقات الإمكان حتى لو أتي به فيه لا يعتد به ولا يخرج من عهدة التكليف، لأن هذا ليس مذهبا لأحد([9]).

ولقد تكلم كثير من الأصوليين عن هذه المسألة تحت عنوان (هل الأمر على الفور أو على التراخي)([10]).

وأرى أن التعبير عن هذه المسألة بهذا العنوان غير دقيق لأنه يشعر بوجوب التأخير فيه حينما نقول يجب على التراخي، فيفهم من العبارة عدم جوازه في الحال، ولكن هذا غير مراد ولم يقل به أحد إلا على رأي بعض الواقفية الذين لا يجزمون بالامتثال في الحال([11]).

ومن هنا فقد ارتضيت أن يكون عنوان البحث (دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه) لما تقدم، وليشمل أيضا الأقوال الأخرى في هذه المسألة ؛ لأن الأقوال لا تقتصر على الفور والتراخي فقط.

المطلب الرابع: سبب الخلاف في هذه المسألة

منشأ الخلاف في هذه المسألة هو ورود الأمر مستعملا في الفور كالأمر بالإيمان، وتارة مستعملا في التراخي كالأمر بالحج عند من يقول بأنه على التراخي فقال بعضهم هو حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو طلب الفعل، ومنهم من قال: حقيقة في الفور مجاز في التراخي، ومنهم من قال: هو مشترك لفظي بين الفور والتراخي([12]).

المطلب الخامس: مذاهب الأصوليين في دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه

اختلف الأصوليون في دلالة الأمر المطلـق عن الوقت والشرط ونحوهما، هل يجب أداؤه على الفور أو لا يجب؟ وذلك عند تجرده عن القرائن الدالة على فوريته أو عدمها، وقد اختلفوا في ذلك إلى مذاهب:

المذهب الأول: الأمر المطلق لا يدل على الفور ولا على التراخي وإنما يفيد مطلق الطلب وهو القدر المشترك بينهما، فصيغة الأمر تفيد طلب الفعل فقط، وأيهما حصل كان مجزيا فيجوز التأخير على وجه لا يفوت المأمور به، وأما الفور أو التراخي فيستفاد من قرائن خارجة عن صيغة الأمر.

وهو مذهب جمهور الأصوليين، فهو المختار والصحيح عند الحنفية، وبه قال جمهورهم، منهم السرخسي والبزدوي والبخاري وصدر الشريعة([13]).

وقد اختلف التعبير عن المذهب عند الحنفية فعبر بعضهم بالتراخي بمعنى عدم التقييد بالحال، مثل السرخسي والبزدوي، وقد عبر بعضهم بالتراخي وأرادوا به ما هو أعم من الفور وغيره، لذلك قالوا هو لمجرد الطلب، وقد حقق التفتازاني هذه المسألة تحقيقا شافيا أذكره كما هو حيث يقول: "والصحيح من مذهب علماء الحنفية أنه للتراخي، إلا أن مرادهم بالتراخي عدم التقييد بالحال، واصطلح المصنف صدر الشريعة على أن المراد بالتراخي عدم التقييد بالحال والتقييد بالاستقبال، فالتراخي عنده أعم من الفور وغيره ذلك لأنه لما استدل على كون الأمر للتراخي بأن الأمر جاء للفور وجاء للتراخي فلا يثبت الفور إلا بالقرينة فعند الإطلاق وعدم القرينة يثبت التراخي لضرورة عدم قرينة الفور لا بدلالة الأمر كان لمعارض أن يقول جاء للفور والتراخي فلا يثبت التراخي إلا بقرينة فعند عدمها يثبت الفور فدفعها المصنف رحمه الله بأن الفور أمر زائد ثبوتي فيحتاج إلى القرينة بخلاف التراخي فإنه عدم أصلي فصار ما ذكره هو المختار من أن مطلق الأمر ليس على الفور فلا دلالة للأمر على أحدهما بل كل منهما بالقرينة"([14]).

وقد نسب هذا المذهـب إلى المالكيـة المغاربـة واختاره الباجي([15]) وهو الصحيح من مذهب القاضي أبي بكر الباقلاني([16]) وهو مذهب القرافي([17]) وابن الحاجب([18]).

وقد نُسِبَ هذا المذهب للإمام الشافعي بناء على أن فروعه تدل على ذلك وإن لم يصرح به في الأصول([19]).

وهو مذهب معظم الشافعية فقد نقل عن أبي علي ابن خيران وأبي هريرة وأبي بكر القفال وأبي علي الطبري صاحب الإفصاح وأبي بكر محمد بن الطيب([20]).

وهو مذهب الشيرازي والغزالي والرازي والآمدي والبيضاوي والإسنوي وابن السبكي([21])، ومذهب جمهور المعتزلة منهم أبو علي وأبو هاشم والقاضي عبد الجبار وأبو الحسين البصري([22])، ومذهب جمهور الإباضية منهم الإمام السالمي والشيخ خلفان السيابي([23]). ومذهب ابن المرتضى من الزيدية([24])، وهو المذهب المعتمد عند المتأخرين من الشيعة([25]).

المذهب الثاني: الأمر المطلق يقتضي الفور ولا يسع معه التأخير.

وهذا المذهب من لوازم القول بالتكرار، فالذين قالوا إن الأمر يفيد التكرار قالوا: بأنه يفيد الفور ضرورة؛ لأن التكرار يعني تعلق التكليف بجميع الأوقات، وعليه فلا بد من استغراق الأوقات لفعل المأمور به مرة بعد أخرى، وعليه فلا بد من المبادرة([26]). والقائلون بالتكرار هم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني من الشافعية والقاضي أبو يعلى من الحنابلة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين([27]).

وقد عزي هذا المذهب لأبي حنيفة بناء على أن فروعه تدل على ذلك وإن لم يصرح به في الأصول. يقول ابن برهان في الوجيز: "لم ينقل عن الشافعي ولا أبي حنيفة نقل في المسألة وإنما فروعها تدل على ما نقل عنهما"، ثم قال : "وهذا خطأ في نقل المـذاهب إذ الفروع تبنى على الأصول لا العكس"([28]).

وقد نسب معظم الشافعية كالرازي والآمدي والبيضاوي وغيرهم هذا المذهب للحنفية([29])، والحق أنه مذهب بعض الحنفية وليس جميعهم كأبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الكرخي والجصاص([30]).

وأرى أن الإطلاق في نسبة القول بالفور للحنفية قد جاء من أمرين:

الأمر الأول: إن هذا المذهب هو مذهب بعض الحنفية.

الأمر الثاني: الفروع الفقهية التي دار فيها خلاف بين الحنفية والشافعية ولاسيما مسألة الحج هل هو على الفور أو التراخي؟ فلعل بعض الشافعية قد اطمأن في تعميم نسبة هذا المذهب للحنفية بناء على فروعهم.

وأرى أن بناء الأصول على الفروع بحاجة لاستقراء جميع الفروع وبحاجة أيضا للنظر في الأسباب التي جعلتهم يقولون بهذا القول أو بغيره، فقول الحنفية بأن الحج للفور لم يكن لأن صيغة الأمر تدل على ذلك وإنما كان ذلك من أدلة وقرائن خارجية كما سنرى ذلك لاحقا.

وقد نسب الباجي هذا المذهب للمالكية البغداديين([31]) وهو مذهب بعض الشافعية كأبي حامد المروزي وأبي بكر الصيرفي والدقاق([32]). وهو مذهب الحنابلة([33]) وابن حزم الظاهري([34]) وابن بركة من الإباضية([35]) وأبي طالب من الزيدية([36]) وبعض الشيعة كناصر مكارم الشيرازي([37]).

المذهب الثالث: الأمر المطلق يفيد التراخي.

هذا المذهب أطلقه جماعة من الأصوليين منهم الرازي والبيضاوي والقرافي وعدوه مذهبا في المسألة([38]). والمقصود بالتراخي أنه يسع التأخير في الفعل ولا يجب فعله على الفور.

وبهذا المعنى فهذا المذهب هو المذهب الأول نفسه, وليس مذهبا مخالفا له أو مستقلا عنه، ولهذا رأينا بعض الأصوليين يذكرون هذا المذهب ويستدلون له بما يستدل له بأن الأمر يفيد مطلق الطلب مثل ابن السمعاني والآمدي وعلاء الدين البخاري([39]).

يقول ابن السمعاني: "واعلم أن قولنا: إنه على التراخي ليس معناه على أنه يؤخر عن أول أوقات الفعل، ولكن معناه أنه ليس على التعجيل، والجملة: أن قوله افعل ليس فيه عندنا دليل إلا على طلب الفعل فحسب من غير أن يكون له تعرض للوقت بحال"([40]).

وأرى أن التعبير بأن الأمر لمطلق الطلب أفضل من التعبير بأن الأمر للتراخي لأن التعبير بأن الأمر يفيد التراخي فيه إيهام بأن الأمر يفيد وجوب تأخير الفعل وهذا ليس مذهبا لأحد.

المذهب الرابع: الأمر المطلق يدل على وجوب إيقاع الفعل في الحال أو العزم على الفعل في ثاني الحال.وقد نقل هذا المذهب عن أبي علي، وأبي هاشم، والقاضي عبد الجبار من المعتزلة([41]). وقد نسب أيضا للقاضي أبي بكر الباقلاني([42]).

وقد تقدم فيما سبق أن أصحاب هذا المذهب يقولون بأن الأمر المطلق يفيد مطلق الطلب وهو المذهب الأول.

ولعل هـذا القول لم يصرح به أصحاب هذا المذهب، وإنما قد ألزموا هذا المذهب بناء على رأيهم في الواجب الموسع، حيث ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني وجماعة من متكلمي الأشاعرة والمعتزلة إلى أن الإيجاب في الواجب الموسع يقتضي إيقاع الفعل في أي جزء من أجزاء الوقت، ولكن المكلف إذا لم يفعل في أي جزء من الأجزاء يجب عليه أن يعزم على الفعل في الجزء الذي لم يفعل فيه حتى يأتي الجزء الأخير من الوقت فيتعين عليه الفعل فيه([43]).

المذهب الخامس: التوقف.

ذهب بعض العلماء إلى التوقف في  دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه، وانقسمت الواقفية إلى قسمين:

الأول: يرى أن المبادر ممتثل قطعاً ، أما المؤخر فلا يعلم هل هو ممتثل أو لا؟ وممن ذهب إلى هذا إمام الحرمين([44]).

الثاني: يرى أنه لا يعلم هل المبادر ممتثل أو لا؟! كما لا يعلم امتثال المتأخر أيضا ؛ إذ قد تكون إرادة الشارع التقديم وقد تكون التأخير،وهذا قول الغلاة منهم،إلا أنه مخالف لإجماع الأمة على امتثال المبادر إلى الفعل([45]).

المذهب السادس: الاشتراك بين الفور والتراخي.

ذكر هذا القول البيضاوي([46]) والقرافي([47]) وغيرهما، والظاهر أن هذا المذهب راجع إلى القول بالتوقف، ولذا قال الرازي: "وقالت الواقفية: إنه مشترك بين الفور والتراخي"([48]).

وقال ابن السبكي: "والرابع الوقف إما لعدم العلم بمدلوله، أو لأنه مشترك فيهما وهو الذي عبر عنه المصنف بقوله: وقيل مشترك، وكان الأحسن أن يقول: وقيل بالوقف ليشمل هذين الاحتمالين على أن صفي الدين الهندي نقل أن منهم من توقف فيه توقف الاشتراك"([49]).

وبعد هذا العرض لمذاهب الأصوليين في دلالـة الأمر المطلق على الفور أو عدمه؛ أستطيع القول إن هذه المذاهب في مجملها ترجع إلى أربعة مذاهب:

المذهب الأول: الأمر المطلق يفيد مطلق الطلب ولا يدل على الفور ولا على التراخي.

المذهب الثاني: الأمر المطلق يقتضي الفور ولا يسع معه التأخير.

المذهب الثالث: الأمر المطلق يدل على وجوب إيقاع الفعل في الحال أو العزم عليه في ثاني الحال.

المذهب الرابع: التوقف في دلالة الأمر المطلق.

المطلب السادس: أدلة هذه المذاهب ومناقشتها

رأينا في المطلب السابق مذاهب الأصوليين في دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه وسأتناول في هذا  المطلب الأدلة التي استدل بهـا أصحاب هـذه المذاهب وأناقشها:

أولا: أدلة القائلين بأن الأمر المطلق يفيد طلب الفعل:

من الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا المذهب القائلون بأن الأمر المطلق يفيد الطلب ولا يدل على الفور أو التراخي إلا بقرينة فيجوز التأخير فيه ما يلي:

الدليل الأول:

دلالة الأمر على طلب الفعل مجمع عليه، والأصل عدم دلالته على أمر خارج عن مادته، فالزمان وإن كان لا بد منه لوقوع الفعل فيه ضرورة لا يلزم أن يكون داخلا في مدلول الأمر، فإن اللازم في الشيء أعم من الداخل في معناه، ولا يكون تحديده متعينا كما لا تتعين آلة الضرب ولا الشخص المضروب، وإن كانت الآلة والمضروب من ضرورات امتثال الأمر بالضرب.

ومن هنا فالزمان خارج عن ماهية الأمر وإن كان من مستلزماته، على أن جميع الأوقات متساوية في هذه القضية فيبطل المصير إلى تعيين الوقت فمتى أدى معجلا أو مؤخرا كان ممتثلا([50]).

وقد نوقش هذا الدليل بأننا لو سلمنا أن الزمان خارج عن ماهية الأمر إلا أننا لا نسلم أن جميع الأوقات متساوية في هذه القضية ؛ لأن الأمر المطلق لو احتمل الفور أو التراخي لكان الأخذ بالثقة واستعمال الحزم في المبادرة أولى من التأخير فكان القول بالفورية أولى وأحوط([51]).

وقد رد على هذا بأن الدليل الذي اقتضى كونه ممتثلا أول الوقت هو الذي اقتضى كونه ممتثلا آخر الوقت، ثم إن الاحتياط ليس من مقتضيات الوضع ولا من مقتضيات الوجوب بل هو من الأصلح([52]).

الدليل الثاني:

لو قال قائل والله لأصلين فإنه يبر بفعل الصلاة في أي زمان فعل فيه، ولا يقف البر في اليمين على فعل الصلاة على الفور، فكذلك الطاعة في الأمر وجب ألا يقف فيها الامتثال على الفور([53]).

وقد نوقش هذا الدليل بأنه لم قلت أنه مؤد للواجب ولا دلالة فيه على جواز التأخير لأن تقديره افعله في الوقت الأول ولا تؤخره، فإن أخرته إلى الوقت الثاني فافعله ولا تؤخره. فلا يدل ذلك على جواز التأخير([54]).

ويرد على هذا بأن المؤخر ممتثل سواء فعله في الوقت الأول أو الثاني فدل ذلك على جواز التأخير.

الدليل الثالث:

إذا بدر الأمر المطلق حسن من المأمور الاستفصال في التأخير والاستعجال، فبطل تعيين الفور([55]).

الدليل الرابع:

إن من أخر الأداء يحسن منه أن يقول: امتثلت كما يحسن ذلك ممن عجل ، فلما حسن أن يخبر عـن نفسه بالامتثال وجب أن يكون ممتثلا([56]).

الدليل الخامس:

لو كان الأداء متعينا في أول الوقت لم يكن ممتثلا بالأداء بعده، وفي اتفاق الكل على امتثال مؤدي الواجب متى أداه فبطل التعيين أول الوقت([57]).

الدليل السادس:

إن الأوامر الشرعية استعملت تارة للفور وتارة لجواز التراخي، فيجعل حقيقة في القدر المشترك وهو طلب الإتيان دفعا للاشتراك والمجاز([58]).

الدليل السابع:

اللغات لا تثبت إلا نقلا، واللغة لم تنص على اقتضاء الأمر المطلق للفورية، فثبت عدم الفورية، فإن قيل: فكما لم ينقل الفور لم ينقل عنهم جواز التراخي، فيجاب عليه: نعم لم ينقل عنهم التراخي على التعيين، إلا أن المفهوم من اللفظ الامتثال المجرد في أي وقت كان وهذا ما يقصده القائلون بالتراخي([59]).

الدليل الثامن:

إذا قال السيد  لعبده افعـل كذا السـاعة وجـب الائتمار به على الفور؛ لأنه أمر مقيد، وقوله افعل مطلق، وبين المطلق والمقيد مغايرة على سبيل المنافاة، فلا يجوز أن يحكم للمطلق بما يحكم للمقيد؛ لأن في ذلك إلغاء لصفة الإطلاق، وإثبات التقييد من غير دليل؛ فإنه ليس في الصيغة ما يدل على التقييد، فإثبات القيد زيادة، فلا يصح إثباتها إلا بدليل([60]).

الدليل التاسع:

إن الأمر يصح أن يقيد بالفور أو التراخي من غير تكرار ولا نقض، أي إذا قيل افعل فورا، فلو كان الأمر للفور لكان ذكر الفور تكرارا ولو كان للتراخي لكان مناقضا، وإذا قيل افعل متراخيا، فلو كان للفور لكان مناقضا ولو كان للتراخي لكان تكرارا، لكن إن قيل إن الأمر لمطلق الطلب لم تكن العبارتان نقضا ولا تكراراً([61]).

ثانيا: أدلة القائلين بأن الأمر المطلق يفيد الفور ومناقشتها، استدل أصحاب هذا المذهب بعدة أدلة أهمها:

الدليل الأول:

استدلوا بقوله تعالى: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) الأعراف/12.

ووجه الدلالة في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى ذم إبليس وعاقبه على ترك السجود لآدم في الحال، ولو لم يكن الأمر للفور لما حسن توبيخه، ولكان ذلك عذرا لإبليس في تأخير السجود ولقال له إبليس سأسجد في المستقبل ما دام الأمر على التراخي([62]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

إن الأمر بالسجود لم يكن مطلقا، بل هو مقترن بقرينة لفظية موجبة لحمله على الفور في قوله تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ص/72. فرتب السجود على هذه الأوصاف بالفاء الدالة على التعقيب وهي مقتضية حصول السجود مباشرة من غير مهلة بعد التسوية ونفخ الروح فيه([63]).

إن الله سبحانه وتعالى جعل الأمر بالسجود جزاء لشرط التسوية والنفخ، والجزاء يحصل عقيب الشرط، فالشرط هنا (النفخ والتسوية) سبب لحصول الجواب (السجود) ووقوع الشيء حاصل بوقوع أسبابه مباشرة فدل ذلك على الفور، وهذا الجواب عند من يرى الفور في وقوع الجواب المترتب على الشرط([64]).

إن قوله (قعوا) عامل في إذا الظرفية،فكان التقدير(فقعوا له ساجدين وقت تسويتي إياه ونفخ الروح فيه) وهذا الجواب يتأتى عند من يقول: بأن (إذا) متعلقة بالجواب لا بالشرط([65]).

إن إبليس قد استحق التوبيخ والعقاب لإبائه واستكباره ويدل على ذلك قوله تعالى: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ) البقرة/34. ولتخيير نفسه على آدم عليه السلام بقوله: (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) الأعراف/12.([66])

حضور آدم عليه السلام الذي أراد الله تعظيمه بإسجاد الملائكة له سبب يقتضي أن يترتب مسببه على الفور([67]).

سجود جميع الملائكة دليل وقرينة حالية على أنه أريد بالسجود الفور في تلك الحالة([68]).

الدليل الثاني:

استدلوا بالآيات الدالة على الاستعجال في فعل الخيرات منها: قوله تعالى:(فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) البقرة/148. وقوله تعالى:(وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) آل عمران/133 وقوله تعالى:(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) الحديد/21.

ووجه الدلالة من هذه الآيات: أن في فعل الطاعة مغفرة، فتجب المسارعة والمسابقة فيها، والمسارعة تقتضي إيقاع الفعل بعد صدور الأمر مباشرة وذلك يعني التعجيل والفور([69]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

الأمر بالمسارعة لم يؤخذ من صيغة الأمر نفسه، وإنما من مفهوم كلمة (وسارعوا) وكلمة (سابقوا)([70]).

إن الأمر بالمسارعة في هذه الآيات إنما يحمل على الاستحباب والأفضلية للأدلة الدالة على عدم اقتضاء الأمر الفور([71]).

إن المسارعة إنما هي في التوبة من المعاصي، وهي واجبة على الفور([72]).

الآيات دالة على المسارعة إلى المغفرة والخيرات، وذلك يكون بالمسارعة إلى الأسباب الموصلة إلى ذلك، ودلالتها على السبب من جهة الاقتضاء، والاقتضاء لا عموم له، فلا دلالة لهما على المسارعة إلى كل أسباب الخيرات والمغفرة فيختص ذلك بما اتفق على وجوب تعجيله من الأفعال المأمور بها على الفور ولا يعم كل فعل مأمور([73]).

هذه الأدلة هي عليكم وليست لكم؛ لأن لفظ المسارعة يعني مباشرة الفعل في وقت مع جواز الإتيان به في غيره، فلو كان الأمر للفور لما ندبنا الشارع للمسارعة والمسابقة ولكان ذلك واجبا علينا([74]).

الدليل الثالث:

إذا قال السيد لعبده: اسقني ماء فإنه يفهم منه تعجيل السقي، فلو تأخر في الامتثال لحسن لوم العبد وذمه على التأخير، فلو لم يكن التعجيل من مقتضيات الأمر لما حسن ذمه، فدل ذلك على أن الأمر يفيد الفور([75]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي: إن التعجيل يفهم من الظن الحاصل بحاجة السيد إليه في الحال؛ لأن الأصل أن السيد لا يطلب الماء دون حاجة ملحة إليه (وهي كونه عطشا)، فالقرينة الحالية هي الدالة على الوجوب الفوري لا مجرد الطلب، وكلامنا في الأمر المجرد عن القرائن([76]).

الدليل الرابع:

النهي يدل على الفور بمجرد النهي، ولا يصح تأخير النهي فكذلك الأمر([77]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

هذا قياس في اللغة، وهو غير جائز([78]).

لا نسلم بأن النهي يدل بصيغته على الفور لأن الامتثال بترك المنهي عنه هو المطلوب بالنهي وترك المنهي عنه لا يتحقق إلا بأن يكون الترك في كل الأوقات، لا أن النهي يفيد الفور، فالفور ضروري في الامتثال للنهي وليس هو المدلول للنهي([79]).

النهي يقتضي الفور بناء على أنه يقتضي التكرار أي استغراق النهي لجميع الأوقات حتى يحصل الامتثال؛ إذ لو خالف المكلف مرة أدى ذلك إلى عدم الامتثال، بخلاف الأمر فإنه لا يدل على التكرار على الرأي الراجح؛ لأنه إن فعل مرة فقد امتثل، وهذا لا يستلزم الفور، فظهر الفرق بين النهي والأمر([80]).

على أن هذا الاستدلال عند من يقول بدلالة الأمر على التكرار وهي مسألة مختلف فيها فلا يصح الاستدلال بها إلا بعد إثباتها، وليس هذا موضع بيانها والرد عليها، أما من يقول بأن الأمر لا يدل على التكرار ويدل على الفور فلا يستقيم له هذا الاستدلال.

الدليل الخامس:

الأمر بالشيء نهي عن جميع أضداده، والنهي عن أضداد المأمور به يقتضي الفور، وذلك متوقف على فعل المأمور به، فلزم فعله على الفور حتى يثبت النهي عن أضداده على الفور([81]).

فمثلا إن قال قائل لآخر: صم فهو نهي عن الإفطار، والنهي يقتضي الفور، ولا يمكن امتثال النهي إلا بإلزام الصيام على الفور، فيثبت المطلوب.

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

لا نسلم أن الأمر بالشيء نهي عن أضداده، وإن كان الأمر به يستلزم الكف ضرورة عن ضده، وفرق بين الكف وطلب الكف (النهي)([82]).

إن النهي يقتضي التكرار اتفاقا بخلاف الأمر فإنه تجوز فيه المرة كما سبق.

 إن النهي عن الضد من جهة المعنى في الوقت الذي يؤدى فيه الفعل،أي ترك الإفطار مثلا في ذلك اليوم الذي أدى فيه الصيام([83]).

الدليل السادس:

امتثال الأمـر متعلق باعتقاد الوجوب, والاعتقاد واجب بمطلق الأمر على الفور فكذلك الامتثال([84])، على أن الاعتقاد ليس من مقتضيات الأمر وامتثال الفعل من مقتضياته فكان أولى([85]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

 إن اعتقاد الوجوب إنما يتحقق بالعلم به. والعلم مستغرق لجميع الأوقات، فلزم على الفور ولا يمكن أن يلغي الإنسان اعتقاده؛ لأنه يلزم منه عدم التصديق، بخلاف الفعل فإنه لا يستغرق جميع الأوقات فلا يلزم منه الفور، فظهر الفرق([86]).

الاعتقاد غير مأخوذ من اللفظ، بل بدلالة أخرى وهي أن الله تعالى خاطب عباده بالامتثال، والامتثال لا يتأتى إلا بعد العلم بما كلفهم به، فلا يتصور خلو المكلف من العلم به([87]).

لو قال الشارع للمكلف: افعل متى شئت، وجب الاعتقاد فوراً ولم يجب الفعل فوراً، فظهر الفرق([88]).

لا يجب الفعل فورا في الفعل المؤقت الموسع، مع أنه يجب الاعتقاد فوراً، فظهر الفرق، وبالتالي لا يصح قياس الامتثال فوراً على الاعتقاد فوراً([89]).

الدليل السابع:

استدلوا أن الله سبحانه وتعالى رتب كثيرا من الأمور على الفور كوقوع الطلاق والعتق وترتيب الآثار على البيع والهبة ونحوهما، فلو قال قائل: أنت طالق أو أنت حر أو (بعتك هذا الكتاب) وقال الآخر (قبلت) ونحوها نجد أن آثارها تتـرتب عليهـا فـوراً فكذلك الأمر يجب امتثاله على الفور([90]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

لا نسلم أن وقوع آثار هذه الأمور بوضع اللغة، بل بسبب جعل الشارع له علامة على ذلك الحكم، ولا يلزم من ذلك أن يكون الأمر موضوعا للفور([91]).

القياس أي قياس الأمـر على هذه الأمور لايثبت في اللغة؛ لأن قول القائل: أنت حر أو أنت طالق ونحوهما إخبار، والأمر إنشاء وطلب، ولا يصح قياس الخبر على الإنشاء أو العكس، ولو اشتركا في الوجوب([92]).

العقود تعتبر أسبابا توجب مسبباتها فالطلاق سبب لانتهاء الزوجية والعتق سبب الحرية والبيع سبب لانتقال الملك، وهذه الأمور تختلف عن الأمر الذي يدل على مجرد الطلب فقط([93]).

الدليل الثامن:

استدل أصحاب هذا المذهب أن أول أوقات الأداء مراد بالاتفاق حيث لو أداه فيه كان ممتثلا، فلا يثبت ما بعده مرادا إلا بدليل، فكان القول بالفورية أولى وأحوط([94]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

إن الدليل الذي اقتضى كونه ممتثلا أول الوقت هو الذي اقتضى كونه ممتثلا آخر الوقت([95]).

إن دعوى الاحتياط تعتبر لو كان التعجيل أرجح أو مساويا، ونحن نقول: إن دلالة الأمر على التوسعة هي الراجحة، فلا يتوجه الاحتياط([96]).

إن الاحتياط ليس من مقتضيات الوضع ولا من مقتضيات الوجوب بل هو من الأصلح([97]).

الدليل التاسع:

استدلوا أن تأخير المأمور به إما أن يكون مع بدل أو بدون بدل، فإن كان مع بدل وهو العزم على الفعل فباطل لأن البدل يقوم مقام المبدل منه من كل الوجوه، فإذا أتى بالبدل سقط المبدل منه، والاتفاق حاصل أن العزم لا يقوم مقام المأمور به، وإن كان إلى غير بدل فلا يكون المأمور به واجبا، لأنه لا يفهم من قولنا لا يكون الشيء واجبا إلا أنه يجوز تركه من غير بدل([98]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

ليس المقصود من كون العزم بدلا أن يقوم مقامه من كل الوجوه، وبالتالي يسقط المأمور به بمجرد العزم، وإنما كونه بدلا عن بعض أحواله وهو التعجيل، أي أن العزم بدل عن التعجيل لا عن ذات الفعل المأمور به([99]).

إن جواز التأخير بغير بدل يندفع بوجود قرينة تحتم وجوب الفعل كمرض ونحوه، بمعنى أنه إن أحس المكلف بمثل هذه الأمور وجب عليه الأداء، وهذا لا ينفي أصل الوجوب عن الفعل([100]).

جواز التأخير بغير بدل لا ينفي أصل الوجوب بقول القائل:(افعل الشيء الفلاني متى شئت)، فالتراخي مقصود، ولا يعني ذلك انتفاء الوجوب([101]).

الدليل العاشر:

استدلوا بأن تأخير المأمور به إمّا أن يكون إلى أمد بحيث لا يسع المكلف تأخيره عنه حينئذ أو لا يكون هناك أمد، فإن كان إلى أمد كان مجهولا، وهو تكليف بما لا يطاق أو يقال إن الأمد هو ظن المكلف أنه إن لم يشتغل بأدائه فإنه يفوته بسبب مرض وكبر سن ونحو ذلك، وهذا باطل لأن كثيرا من الناس يموتون فجأة، وإن كان بغير أمد فباطل قطعاً لأنه يستلزم الترك([102]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

دعوى التكليف بما لا يطاق مردوده؛ لأن المكلف يمكنه إتيان الفعل أول الأوقات مع جواز التأخير، والتكليف بما لا يطاق يَرِدُ لو أوجب عليه التأخير إلى ذلك الأمد المجهول([103]).

إن موت الفجأة نادر والنادر لا يلتفت إليه؛ إذ أن الأحكام تبنى على الغالب لا على النادر([104]).

دعوى عدم وجود الأمد يقتضي الترك باطلة بقول القائل:(افعل متى شئت) لأن القائل لم يحدد الأمد وهذا لا يقتضي الترك أصلا([105]).

الدليل الحادي عشر:

واستدلوا بأن المكلف لو أخر الفعل حتى مات، فلا يخلو إما أن يقال: إنه آثم أو يقال إنه غير آثم، فإن قيل أنه غير آثم ترتب على ذلك إلحاق الفرض بالنفل لأن النفل لا يترتب على تركه الإثم والعقاب، وإن قيل أنه آثم فإما أن يكون الإثم متعلقا بالموت وإما أن يكون بمجرد التأخير، فإن قيل إنه متعلق بالموت فباطل لأن الموت من فعل الله تعالى وغير معلوم لدى المكلف فتعين أن يكون التأثيم بسبب التأخير وهذا يعني وجوب الفور حتى لا يقع في الإثم([106]).

وقد نوقش هذا الدليل بما يلي:

إن الفرض يختلف عن النفل بما يأتي:

أن الفرض يجب فيه اعتقاد الوجوب بخلاف النفل([107]).

أن الفرض يجب فيه العزم على الفعل بخلاف النفل([108]).

أن المكلف ليس له أن يؤخر الفعل إن ظن في نفسه الفوات وذلك بأن ظهرت له أمارات الضعف والعجز والمرض والكبر، أما إن جاء الموت فجأة فلا إثم عليه لعدم قصد ترك الامتثال([109]).

ثالثا: أدلة القائلين بأن الأمر يفيد الفور أو العزم على الفعل في ثاني الحال ومناقشتها.

استدل أصحاب هذا المذهب على الفور بما استدل به أصحاب المذهب الثاني، وأما دليلهم على وجوب العزم فهو أنه لو لم يكن العزم واجبا عند عدم الإتيان بالفعل للزم ترك الواجب بلا بدل، وترك الواجب بلا بدل باطل؛ لأنه يجعل الواجب غير واجب لضرورة أن الواجب هو ما لا يجوز تركه بلا بدل وغير الواجب ما جاز تركه بلا بدل([110]).

وقد استدل القاضي أبو بكر الباقلاني لهذا المذهب بأنه ثبت في خصال الكفارة بأنه لو أتى بإحداها أجزأ ولو أخل بها عصى، وأن العزم يقوم مقام الفعل فلا يكون عاصيا إلا بتركهما([111]). ومعنى هذا أن المكلف مخير بين الفعل فورا أو العزم على الفعل وقد تعلق الوجوب بأحدهما مثل الكفارة.

أما أدلتهم التي استدلوا بها على الفور فقد تمت مناقشتها فيما سبق.

وأما دليلهم على وجوب العزم فيُردّ عليه بأن العزم لا يصلح أن يكون بدلا عن الفعل لأن من شأن البدل أن يقوم مقام المبدل منه، والعزم على الفعل عند عدم الإتيان بالفعل لا يقوم مقام الفعل، فإنه لو قام مقامه لما طولب المكلف بالفعل إذا ما أتى بالعزم عليه، والإجماع قائم على أن المكلف لا يسقط عنه التكليف إلا بالإتيان بالفعل([112]).

رابعا: أدلة القائلين بالوقف:

استدل القائلون بالوقف بأن ألفاظ الشارع منها ما أريد به الفور ومنها ما أريد به التراخي، فكان حقيقة فيهما على سبيل الاشتراك، وعند انعدام القرائن يتوقف عن التعيين([113]).

ويرد على هذا بما يلي:

1. إن الأمر لم يتعرض للزمان، فلا يلتفت إليه. فيدل على مجرد الطلب([114]).

2. إن القول بالقدر المشترك، وهو طلب الفعل أولى من الاشتراك، لأن الاشتراك خلاف الأصل([115]).

3. ويرد على الذين توقفوا في المبادر هل هو ممتثل أو لا ؟ بأنهم خالفوا إجماع الأمة قبلهم، فالأمة متفقة على أن المسارع والمبادر ممتثل وقد خرج من عهدة الأمر([116]).

المطلب السابع: الترجيح

بعد هذا العرض والمناقشة للأدلة في مسألة دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه، أستطيع القول بأن المذهب الأول وهو مذهب الجمهور الذي ذهب أصحابه إلى أن الأمر المطلق يدل على طلب الفعل فيجوز فيه التأخير هو الرأي الراجح في نظري والله أعلم؛ وذلك لقوة أدلتهم وسلامتها عن الاعتراض، ولما يلي أيضا:

إن أوامر الشرع منها ما هو مقيد ومنها ما هو مطلق، والمعلوم أنه يجب العمل بالمطلق على إطلاقه والمقيد على تقييده، والقول بفورية الأمر المطلق تقييد له بدون دليل، وحينئذ لا فائدة من الإطلاق والتقييد إذ لا فرق بينهما.

دلالة الأمر على طلب الفعل مجمع عليه والأصل عدم دلالته على أمر خارج عن مادته كالزمان إلا بدليل.

إن القول بالقدر المشترك وهو طلب الفعل أولى من الاشتراك والمجاز لأنهما خلاف الأصل.

وهذا الترجيح لا يعني أنه لا يستحب المسارعة في أداء الأوامر فالأولى والأفضل في حق المكلف المسارعة إلى الامتثال والمبادرة إلى الفعل بمجرد التمكن من ذلك.

المبحث الثاني

أثر الاختلاف في دلالة الأمر المطلق على الفور أو عدمه في اختلاف الفقهاء

لقد كان لهذه المسألة الأصولية أثر واضح في اختلاف الفقهاء في بعض المسائل الفقهية، لذلك رأينا اختلاف الفقهاء في الأوامر المطلقة، فالذين قالوا بالفور تمسكوا به في هذه المسائل.

وأما الذين قالوا بأن الأمر المطلق يفيد طلب الفعل فقط ولا يدل على فور أو تراخ إلا بقرينة فقد بحثوا عن القرينة، فإذا وجدوا ما يفيد الفـور حملـوه على ذلك وإلا فقد قالوا بتراخيه.

وعلى هذا فالخـلاف الفقهـي لم يقتصـر على أصحاب المذاهب في هذه المسألة وإنما كان ذلك أيضا بين أصحاب المذهب الواحد كما سنرى ذلك واضحا.

وأما القول بأن الأمر يفيد الفور أو العزم على الفعل في ثاني الحال فلم أر له أي أثر في الفروع الفقهية.

وكذلك الحال بالنسبة للتوقف، فإذا توقفنا فإلى متى؟ وما هو المطلوب من المكلف في هذه الحالة؟

والفروع الفقهية التي تندرج تحت هذه المسألة الأصولية كثيرة جدا منها الوفاء بالنذر، والكفارات وغيرها.

ولكني سأقتصر في هذا البحث على خمس مسائل؛ وهي حكم أداء الزكاة وإخراجها، وقضاء الصيام، وأداء الحج، تخيير الزوج زوجته في الطلاق، والتوكيل بالبيع، وسأبحث ذلك في مطالب خمسة.

المطلب الأول: إخراج الزكاة بين الفورية وعدمها

اختلف الفقهاء في حكم إخراج الزكاة إن استكملت شرائطها، وزالت موانعها هل يلزم إخراجها على الفور أو يصح تأخيرها على مذهبين:

المذهب الأول: إن إخراجها واجب على الفور، وإليه ذهب أبو الحسن الكرخي ومحمد بن الحسن من الحنفية بناء على القول بفورية الأمر المطلق عند الكرخي([117])، وإليه ذهب مالك في أصل المذهب([118])، وهو مذهب الشافعية([119]) لا لأن الأمر يقتضي الفور، وإنما لأن حاجة المستحقين إليها ناجزة([120])، ثم إنه حق لآدمي توجهت المطالبة بالدفع إليه.

وهو مذهب الحنابلة وابن حزم من الظاهرية بناء على القول بفورية الأمر([121]).

وممن قال بإخراجها على الفور من غير أهل السنة محمد بن بركة والإمام السالمي من الإباضية([122]) والهادي وابن المرتضى من الزيدية([123]) وأغلب الشيعة([124]).

وقد استدل أصحاب هذا المذهب بما يلي([125]):

إن الأمر المطلق يفيد الفورية.

هناك قرينة تدل على الفور، وهي أن الزكاة وجبت لحاجة الفقراء وهي ناجزة فيجب أن يكون الوجوب ناجزًا ولو أخرها المكلف فمات أو عجز عن الأداء فسيتضرر الفقراء.

لأنها عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصوم والصلاة.

المذهب الثاني: إن إخراجها لا يجب على الفور، وإليه ذهب جمهور الحنفية([126]) وجمهور الإباضية([127]) وبعض الزيدية؛ فقد ذكر الحسن بن جلال الزيدي أن القول بوجوب إخراجها بدون تأخير مبني على أن الواجبات على الفور ثم قال: "والمحققون على أن الفور والتراخي ونحوهما ليس من مقتضى الطلب، وإنما يثبتان بالقرائن"([128]).

والمذهب المختار:

أرى أن المذهب الأول هو المذهب الراجح فيجب إخراج الزكاة فورا وذلك للحاجة الماسة إليها ولأن في تأخيرها مضرة تلحق الفقراء وسائر المستحقين لها، وهذا مما يتنافى مع المقصد الأسمى من تشريع الزكاة ولأنها عبادة تتكرر فلم يجز تأخيرها إلى وقت وجوب مثلها كالصلاة.

المطلب الثاني: قضاء صيام رمضان بين الفورية وعدمها

اختلف الفقهاء في وجوب قضاء ما أفطره الإنسان في رمضان عند الإمكان هل يجب على الفور أو يجوز فيه التراخي على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: أنه يجب قضاؤه على الفور، وهذا الذي يفهم من كلام بعض الحنابلة، فقد جاء في الإنصاف: "وذكره القاضي في الخلاف في الزكاة تجب على الفور إن قلنا إن قضاء رمضان على الفور"([129]).

وهو مذهب بعض الإباضية كسليمان بن عثمان([130]) وابن بركة لأن الأمر يقتضي الفور([131]).

وإليه ذهب ابن حزم الظاهري بناء على دلالـة الأمر على الفور([132])، وأبو الصلاح الشيعي([133]).

المذهب الثاني: أنه يصح تأخير قضاء الصوم إلى رمضان الذي بعده، فيتعين القضاء قبل دخول رمضان، وإليه ذهب الكرخي([134]) والمالكية([135]) والشافعية([136]) وجمهور الحنابلة([137]) وجمهور الإباضية منهم السالمي([138]) والزيدية على خلاف بينهم([139])، وهو المعتمد عند الشيعة([140]).

وقد استدل أصحاب هذا المذهب بما يلي:

قول عائشة رضي الله عنها: (كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان) (رواه البخاري في كتاب الصوم باب متى يقضى قضاء رمضان حديث رقم 1950، انظر: صحيح البخاري بشرح فتح الباري، دار أبي حيان، القاهرة، ج5، ص704) ، فدل ذلك على أن كل من عليه قضاء أيام من رمضان فإن له أن يقضيها قبل نهاية رمضان القادم ولا يجوز له تأخيرها لما بعد رمضان التالي وإلا لأخرته عائشة رضي الله عنها.

لأن الصوم عبادة تتكرر فلا يجوز تأخيرها إلى وقت الأخرى كالصلوات الخمس المفروضة([141]).

المذهب الثالث: أنه يصح تأخيره مطلقا ولو إلى سنين، وبه قال جمهور الحنفية لأن الأمر بالفور مطلق فلا يصح تقييده برمضان المقبل([142]).

الرأي المختار: أرى أن المذهب الثاني هو المذهب الراجح لقوة الأدلة التي استدلوا بها.

المطلب الثالث: أداء الحج بين الفورية وعدمها

اختلف الفقهاء في وجوب أداء الحج هل يلزم على الفور أو يجوز فيه التراخي على مذهبين:

المذهب الأول: يجب الحج على الفور وهو رواية عن أبي حنيفة وبه قال أبو يوسف([143]) وأبو منصور الماتريدي([144]) وهو الذي رجحه السرخسي([145]) وابن الهمام([146])، وجمهور الحنابلة([147]) وبعض المالكية([148]) والشيعة([149]) وبعض الإباضية([150]) وابن حزم الظاهري([151]).

وقد استدل أصحاب هذا المذهب بعدة أدلة منها:

1. أن وقت الحج في العام واحد فإن فوته لا يدري أيدركه في العام القابل أم لا؟ بخلاف قضاء رمضان ونحوه إن لم يقض اليوم قضاه في اليوم الذي بعده، فمجيء الموت في اليوم نادر بخلاف العام، والأحكام تبنى على الغالب لا على النادر([152]).

2. عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا". (رواه الترمذي في كتاب الحج باب 3 (ما جاء في التغليظ في ترك الحج) برقم812، ج3، ص167 بلفظ (ولم يحج)، وقال عنه الترمذي، ج3، ص168: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وفي إسناده مقال، وهلال بن عبد الله مجهول، والحارث يضعف في الحديث. انظر: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، الجامع الصحيح، دار الحديث، القاهرة، بدون طبعة، ج3، ص168. أقول: إن كانت الفاء المقصودة في (فلم يحج) فلا يسلم الاستدلال لأن الرواية في الترمذي بالواو، وإن كانت المقصودة في (فلا عليه) ففيها كلام على نحو ما قيل في آية ذم إبليس، انظر ص19). فالفاء دالة على التعقيب فكانت قرينة على إرادة الفور([153]). وهذا الحديث لم يروه الترمذي بلفظ: فلم يحج، وإنما ولم يحج، وعليه فلا حجة لهم في هذا الحديث.

3. غلّط السرخسي من بنى الخلاف في فورية الأمر بالحج على الخلاف في مسألة الأمر المطلق حيث قال: "ومن أصحابنا من جعل هذا الفصل على الخلاف المشهور بين أصحابنا في الحج أنه على الفور أم على التراخي؟ قال أي السرخسي: وعندي أن هذا غلط من قائله، فالأمر بأداء الحج ليس بمطلق بل هو مؤقت بأشهر الحج.."([154]).

لا نسلم للسرخسي فيما ذهب إليه؛ فالحج واجب مؤقت من جهة وواجب مطلق من جهة أخرى، فهو مؤقت لأنه لا يصح أن يقع إلا في الأشهر المعلومة، وأما أداؤه بعد الاستطاعة في أي عام فهذا مطلق لم يرد به تحديد.

المذهب الثاني:

أداء الحج لا يقتضي الفور، ويصح تأخيره مع الاستطاعة عليه، وممن قال بهذا محمد بن الحسن، ورواية عن أبي حنيفة، بناء على أن الأمر لا يقتضي الفور ويجوز معه التراخي([155]).

وإليه ذهب جمهور المالكية، فقد ذهب إليه الباجي وابن رشد والتلمساني، لأن الأمر عندهم لا يدل على الفور([156]).

وهو مذهب الشافعية وجمهور الإباضية([157])، ومذهب القاسم وأبي طالب من الزيدية([158]).

وقد استدل هؤلاء بعدة أدلة منها([159]):

دلالة الأمر ليست على الفور، والفور يستفاد من القرينة ولا توجد قرينة على فورية الحج.

فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة، فلو كان الحج واجبا على الفور لما أخره الرسول صلى الله عليه وسلم.

كثير من الصحابة ولا سيما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لم يحجوا بعد فرض الحج مباشرة، ولو كان الحج واجبا على الفور لما أقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

الرأي المختار:

أرى أن المذهب الثاني هو المذهب الراجح للأدلة التي استدلوا بها ولو كان الحج واجبا على الفور لما اتسعت أماكن الحج لملايين المسلمين الذين يجب عليهم الحج، فرفعا للحرج والمشقة عن المسلمين نقول بوجوب الحج على التراخي.

المطلب الرابع: تخيير الزوج زوجته في الطلاق

من المسائل التي أنبنت على هذه المسألة مسألة تخيير الزوج لزوجته في الطلاق إذا كان مطلقا بأن قال اختاريني أو اختاري  نفسك قاصداً بذلك الطـلاق

فهل يجب ذلك على الفور أم التراخي، اختلف العلماء أو الفقهاء في ذلك على مذهبين:

المذهب الأول: إن التخيير على الفور فيشترط لوقوع الطلاق به أن يقع فورا في مجلس التخيير، فإن قامت منه وتفرقا أو أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها، وهو رأي جمهور الفقهاء الحنفية ومالك في إحدى الروايتين عنه والشافعي في الجديد والحنابلة ([160])، واحتجوا بما يلي([161]):

إن هذا الرأي روي عن الصحابة ولم يعرف له مخالف وكان ذلك إجماعا.

إن التخيير تمليك والتمليك يقتضي جوابا في المجلس فيجب قبوله فورا.

المذهب الثاني: إن التخيير على التراخي فلها الاختيار في المجلس وبعده، وهو رأي الزهري وقتادة وأبي عبيد وابن المنذر ومالك فيما رجع إليه والشافعي في القديم([162])، واحتجوا بما يلي([163]):

قول النبي لعائشة لما خيرها: (إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن تعجلي حتى تستأمري أبويك) ( رواه الإمام البخاري، كتاب الطلاق، باب من خير أزواجه، رقم (5262)، ج12، ص36). فالتخيير لعائشة لم يكن على الفور بل كان على التراخي.

التخيير توكيل والتوكيل يعم الزمان فكان على التراخي.

الرأي المختار:

أرى أن المذهب الأول هو الراجح لأن التخيير تمليك والتمليك على الفور في المجلس ويرد على الحديث بأن النبيصلى الله عليه وسلم جعل التخيير على التراخي وحديثا عن التخيير المطلق.

المطلب الخامس: التوكيل بالبيع

ذكر الإسنوي في التمهيد من فروع هذه المسألة مسألة التوكيل بالبيع، فلو قال الموكل للوكيل: بع هذه السلعة فقبضها الوكيل وأخر بيعها مع  القـدرة عليـه فتلفت السلعة فهل يضمنها الوكيل؟

فإن قلنا إن الأمر للفور ضمن الوكيل لتقصيره لأن الواجب عليه حينئذ البيع فورا، وإن قلنا إن الأمر المطلق يدل على الطلب فقط فلا ضمان عليه.لأنه لم يقصر حيث لم يكن واجبا عليه البيع فورا([164]).

وبناء عليه فقد كان هناك وجهان في هذه المسألة عند الشافعية([165]).

وأرى أنه لا ضمان على الوكيل لقرينة أن التوكيل بعم الزمان فيكون على التراخي.

الخاتمة

توصلت في نهاية هذا البحث إلى نتائج من أهمها:

1. إن الأوامر الشرعية منها ما هو مؤقت بوقت معين، وهذه لا إشكال فيها، ومنها غير المؤقت، فإن قامت قرينة تبين أداء الأمر على الفور تعين ذلك، وإن قامت على عدم وجوب الفور جاز فيه التراخي.

2. وإن لمن تقم قرينة تحدد الأمر المطلق، فقد اختلف الأصوليون في دلالته على الفور أو عدمه هل يلزم فعله مباشرة في أول أوقات الإمكان أو يجوز تأخيره؟

3. سبب الخلاف في هذه المسألة أن الأمر ورد تارة للفور وورد تارة للتراخي، فمن الأصوليين من قال بأنه حقيقة في القدر المشترك بينهما وهو الطلب، ومنهم من قال هو حقيقة في الفور مجاز في التراخي، ومنهم من قال بأنه يفيد الفور أو العزم على الفعل، ومنهم من توقف فقال هو مشترك لفظي بين الفور والتراخي.

4. القول بأن الأمر يفيد التراخي هو نفس القول بأن الأمر يفيد مطلق الطلب وهو الرأي الراجح.

5. كان لهذه المسألة أثر واضح في اختلاف الفقهاء في الأوامر المطلقة، ولم يقتصر الخلاف على أصحاب المذاهب في المسألة بل كان بين أصحاب المذهب الواحد وذلك بحسب القرينة التي تبين الفور أو التراخي.

6. نسب معظم الشافعية القول بالفور للحنفية مع أن المختار والصحيح من مذهبهم أنه لمطلق الطلب , لذلك فليس من الصواب إذا كان هناك اختلاف بين الشافعية والحنفية مثلا في بعض الفروع أن لا نرده إلى اختلافهم في الفور والتراخي، وإنما إلى تقديم القرينة التي صرفت الأمر المطلق عن مجرد الطلب.

7. لا يجوز بناء الأصول على الفروع إلا بعد الاستقراء لهذه الفروع ثم معرفة السبب الذي جعل أصحاب هذه الفروع يأخذون بها.

وبعد فهذا جهد المقل فإن أصبت فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، نسأل الله العظيم أن يجنبنا الزلل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

(*) منشور في "المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية"، المجلد الأول، العدد (1)، 1426ه‍/ 2005م.

 

الهوامش:

 

([1]) محمد بن مكرم بن منظور (ت 711ﻫ) لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون طبعة وتاريخ، ج4، ص26. ومحمد بن يعقوب الفيروزابادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة ط1، 1986م، ص439.

([2]) علي بن أبي علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون طبعة وتاريخ، ج2، ص365.

([3]) وقد اختلف العلماء في اشتراط العلو أو الاستعلاء في تعريف الأمر فمنهم من لم يشترط ذلك ومنهم من اشترط العلو ومنهم من شرط الاستعلاء ويظهر الفرق بين العلو والاستعلاء في كيفية النطق باللفظ فإن الاستعلاء يكون بصوت مرتفع مع الغلظة والشدة والعلو يرجع إلى الشخص نفسه بأن يكون أعلى رتبة من المطلوب منه. انظر محمد ابن بهادر بن عبد الله الشافعي الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميـة، الكويـت، ط2، 1992، ج2، ص346.

([4]) الآمدي؛ الإحكام، ج2، ص365.

([5]) إبراهيم بن علي الشيرازي، (ت 476ﻫ) اللمع في أصول الفقه، مجلد واحد، المكتبة التوفيقية، القاهرة، بدون طبعة وتاريخ، ص51. ومحمد بن علي بن محمد الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق أبي مصعب محمد سعيد البدري، دار الفكر، بيروت، ط أولى، 1992، ص178. ومحمد أبو النور زهير، أصول الفقه، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، بدون طبعة وتاريخ، ج2، ص136.

([6]) الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص399.

([7]) الزركشي، البحر المحيط، ج2 ص396، وعبد القادر ابن أحمد بن مصطفى بدران، نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر، دار الحبيب، الرياض، ط أولى، 1422ﻫ، ج2، ص86. وعبد الكريم بن علي بن محمد النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن، مكتبة الرشد، الرياض، ط أولى، 1999م، ج3، ص1384.

([8]) علاء الدين عبد العزيز احمد البخاري (ت 730ﻫ)، كشف الأسرار عن أصول البزدوي، 4 مجلدات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 1997م، ج1 ص373. الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص396. ابن بدران، نزهة الخاطر، ج2، ص86.

([9]) منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (489ﻫ)، قواطع الأدلة في الأصول، تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 1997، ج1، ص78. البخاري، كشف الأسرار، ج1، ص373. الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص399.

([10]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج1، ص75. أبو النور زهير، أصول الفقه، ج2، ص136.

([11]) عبد الملك بن عبد الله الجويني (إمام الحرمين)، التلخيص في أصول الفقه، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط أولى، 1996م. ج1، ص323. والبرهان في أصول الفقه، طبع على نفقه الشيخ خليفة بن حمد أمير قطر، ط. أولى، 1399ﻫ، ج1، ص233.

([12]) أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 2000م، ج2، ص184. أبو النور زهير، أصول الفقه، ج2، ص137.

([13]) محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، أصول السرخسي، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1973م، ج1، ص26. والبخاري، كشف الأسرار، ج1، ص373. عبدالله ابن مسعود المحبوبي البخاري (صدر الشريعة) التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، المطبوع مع التلويح على التوضيح لمسعود بن عمر التفتازاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط أولى، 1996م ج1، ص378. ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه لكمال بن الهمام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 1999م، ج1، ص376.

([14]) التفتازاني، التلويح على التوضيح، ج1، ص379.

([15]) سليمان بن خلف الباجي، إحكام الفصول في أحكام الأصول، تحقيق: عبدالمجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط ثانية، 1995، ج1، ص218.

([16]) الباجي، أحكام الفصول، ج1، ص218. الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص397.

([17]) القرافي، نفائس الأصول في شرح المحصول، ج2، ص183. أحمد بن إدريس القرافي، وشرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة ط 2، 1993م، ص128.

([18]) عثمان بن عمر (ابن الحاجب)، مختصر المنتهى الأصولي مطبوع مع حاشية التفتازاني والجرجاني على شرح القاضي عضد الملة والدين عليه، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1983م، ج2، ص8182.

([19]) عبد الوهاب بن علي السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، دار الكتب العلمية، ط. أولى، 1984م، ج2، ص58.

([20]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة. والزركشي، البحر المحيط، ج2، ص398.

([21]) الشيرازي، اللمع، ص51. محمد بن محمد الغزالي (ت 505 ﻫ)، المستصفى في علم الأصول، مجلد واحد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط أولى، 1993م، ص215. محمد بن عمر بن الحسين الرازي (ت 544ﻫ)، المحصول في علم أصول الفقه, 6 مجلدات، دراسة وتحقيق طه جابر العلواني، مؤسسة الرسالة، ط ثالثة، 1997، ج2 ص113. الآمدي، الإحكام، ج2، ص388. عبدالرحيم الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الأصول المطبوع مع شرح البدخشي (مناهج العقول) لمحمد بن الحسن البدخشي، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر، مصر، بدون طبعة، ج2، ص47.

([22]) محمد بن علي بن الطيب المعتزلي البصري (أبو الحسن)، المعتمد في أصول الفقه، مكتبة دار المنار، مكة المكرمة ودار الكتب العلمية في بيروت، بدون طبعة، ج1، ص111. وأحمد بن يحيى بن المرتضى، منهاج الوصول إلى معيار العقول، تحقيق أحمد بن علي بن مطهر المآخذي، دار الحكمة اليمانية، صنعاء، ط1، 1992 ص276، والزركشي، البحر المحيط، ج2، ص398. والآمدي، الإحكام، ج2، ص387.

([23]) عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي، كتاب الجامع، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، بدون طبعة، ج1، ص88. وعبد الله بن حميد السالمي، طلعة الشمس على الألفية، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، ط 1981م، ج1، ص 46. خلفان ابن جميل السيابي، فصول الأصول، تحقيق: سليم بن سالم آل ثاني، رسالة ماجستير مقدمة في جامعة آل البيت عام 1998م، ص168.

([24]) ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص276.

([25]) محمد تقي البروجودي النجفي، نهاية الأفكار من أبحاث ضياء الدين العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، إيران، ط 140ﻫ، ج1، ص218. وحسين الطبطبائي، كفاية الأصول، مؤسسة انصاريان، قم، إيران، ط1، 1412ﻫ، ج1، ص211. ومحمد سعيد الطبطبائي، المحكم في أصول الفقه، مؤسسة المنـار،

قم، إيران، ط1 1414ﻫ/ 1994م، ج1، ص310.

([26]) الشيرازي، اللمع، ص51. ومحمد أديب الصالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط. 4، 1993، ج2، ص345.

([27]) الشيرازي، اللمع، ص52. محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي (أبو يعلى)، العدة في أصول الفقه، تحقيق: أحمد بن علي سير المباركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1980م، ج1/ ص279. وعبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، روضة الناظر وجنة المناظر، مطبوع مع نزهة الخاطر، طار الحبيب، الرياض ط أولى، 1422ﻫ، ج2، ص86.

([28]) الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص397. وابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص58.

([29]) الرازي، المحصول، ج2، ص113. الآمدي، الإحكام، ج2، ص387. ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص58.

([30]) الجصاص، الفصول في الأصول، تحقيق: عجيل النشمي، مكتبة الإرشاد، ط. 2، 1994، ج2، ص105. البخاري، كشف الأسرار، ج1، ص373. ومحمد بن ولي ابن رسول القمرشهري الأزميري، حاشية مرآة الأصول (حاشية الأزميري)، معارف نظارت جليلة، الحاج محرم أفندي، طبع أولنمشدر، بدون طبعة، ج1، ص195. النملة، المهذب في علم أصول الفقه المقارن، ج3، ص1385.

([31]) الباجي، أحكام الفصول، ج2، ص218. سليمان بن خلف الباجي، الإشارة في معرفة الأصول والوجازة، تحقيق محمد علي فركوس، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط1، 1996م، ص170.

([32]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة ج1، ص75. ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص59.

([33]) أبو يعلى، العدة، ج1، ص281. ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص92. وسليمان بن عبد القوي الطوفي، شرح مختصر الروضة، تحقيق: عبد الله عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1990م، ج2، ص386.

([34]) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، الإحكـام في أصول الأحكام، دار الحديث، القاهرة، بدون طبعة، ج1، ص307.

([35]) ابن بركة، كتاب الجامع، ج1، ص88.

([36]) ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص276.

([37]) أحمد القدسي، أنوار الأصول من أبحاث ناصر مكارم الشيرازي، مدرسة الإمام أمير المؤمنين، انتشارات نسل جوان، قم، إيران، ط. 2، 1416ﻫ، ج1، ص314.

([38]) الرازي، المحصول، ج2، ص113. أبو السبكي، الإبهاج، ج2، ص58. القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص183.

([39]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص387. البخاري، كشف الأسرار، ج1، ص373.

([40]) ابن السمعاني، قواطع الأدلة، ج1، ص78.

([41]) الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص397.

([42]) الزركشي، البحر المحيط، ج2، ص397.

([43]) أبو النور زهير، أصول الفقه، ج1، ص88.

([44]) الجويني، البرهان، ج1، ص232.

([45]) الجويني، البرهان، ج1، ص232. والتلخيص، ج1، ص324. والغزالي، المستصفى في أصول الفقه، ص215. والآمدي، الإحكام، ج2، ص388.

([46]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص58. والإسنوي، نهاية السؤل، ج2، ص47.

([47]) القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص179.

([48]) الرازي، المحصول، ج2، ص113.

([49]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص59.

([50]) الجويني، التلخيص، ج1، ص329-330. وإبراهيم ابن علي الشيرازي، شرح اللمع، تحقيق: عبد المجيد التركي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط أولى، 1988م ج1، ص235. الآمدي، الإحكام، ج2، ص389. والقرافي، شرح تنقيح الفصول، ص212. والشوكاني، إرشاد الفحول، ص179.

([51]) الجصاص، الفصول في الأصول، ج2، ص109.

([52]) الباجي، إحكام الفصول، ج1، ص219.

([53]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص237.

([54]) الجصاص، الفصول في الأصول، ج2، ص107.

([55]) الجويني، التلخيص، ج1، ص331.

([56]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص235.

([57]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص27-28.

([58]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص 388. وابن السبـكي، الإبهاج، ج2، ص59. والإسنوي، نهاية السول، ج1، ص472.

([59]) الجويني، التلخيص، ج1، ص330-331. والغزالي، المستصفى، ص215.

([60]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص27.

([61]) الرازي، المحصول، ج2، ص115. وابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص59. والأسنوي، نهاية السول، ج2، ص47، والشوكاني، إرشاد الفحول، ص180.

([62]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص59. والآمدي، الإحكام، ج2، ص389. والقرافي، شرح تنقيح الفصول، ص130. وابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277.

([63]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص392. القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص185. الأسنوي، نهاية السول، ج2، ص48. ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277.

([64]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص60-61.

([65]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص60. الأسنوي، نهاية السول، ج2، ص48.

([66]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص391.

([67]) القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص185.

([68]) المرجع السابق.

([69]) ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص91، ابن بركة،  الجامع، ج1، ص88. ابن حزم، الإحكام، ج1، ص307. والطبطبائي، كفاية الأصول، ج1، ص212. النملة، المهذب، ج3، ص1385.

([70]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص61.

([71]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص238. الطبطبائي، كفاية الأصول، ج1، ص212.

([72]) المراجع السابقة.

([73]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص390. الإسنـوي، نهايـة

السول، ج2، ص48.

([74]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص62. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص180.

([75]) أبو يعلى، العمدة، ج1، ص285. الآمدي، الإحكام، ج2، ص390. ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص88. وأبو الحسين، المعتمد، ج1، ص112،. ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277. وأحمد القدسي، أنوار الأصول، ج1، ص314.

([76]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص242. الآمدي، الإحكام، ج1، ص391. أبو الحسين البصري، المعتمد ج1، ص112. السالمي، شرح طلعة الشمس، ج1، ص47. ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277.

([77]) أبو يعلى، العدة، ج1، ص388. الجويني، البرهان، ج1، ص241. الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص238. السالمي، طلعة الشمس، ج1، ص47. الإسنوي، نهاية السول، ج2، ص49.

([78]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص391.

([79]) محمد أديب الصالح، تفسير النصوص، ج2، ص355.

([80]) الجويني، البرهان، ج1، ص241. الآمدي، الإحكام، ج2، ص392. السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص27.

([81]) الجويني، البرهان، ج1، ص241. والشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص238. والآمدي، الإحكام، ج2، ص388.السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص27، الإسنوي، نهاية السول، ج2 ص49.

([82]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص239.

([83]) المرجع السابق.

([84]) أبو يعلى، العدة، ج1، ص285. السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص27. الجويني، التلخيص، ج1، ص337. الباجي، إحكام الفصول، ج2، ص219.

([85]) الآمدي، الإحكام، ج1، ص389.

([86]) الجويني، التلخيص، ج1، ص337. البرهان، ج1، ص242. الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص241.

([87]) الجويني ، التلخيـص، ج 1، ص 337. والغـزالي،

المستصفى، ص215.

([88]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص241. الباجي، إحكام الفصول، ج1، ص220.

([89]) الباجي، إحكام الفصول، ج1، ص219.

([90]) أبو يعلي، العدة، ج1، ص287. أبوالحسين، المعتمد، ج1، ص113. الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص243. الآمدي، الإحكام، ج2، ص389.

([91]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص391.

([92]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص391. أبو الحسين البصري، المعتمد، ج1، ص113. ابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص181.

([93]) القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص191. وأبو الحسين البصري، المعتمد، ج1، ص114.

([94]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص241. السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص26. الآمدي، الإحكام، ج2، ص389. ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص63.

([95]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص241. والباجي، إحكام الفصول، ج1، ص219.

([96]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2 ص64.

([97]) القرافي، نفائس الأصول، ج3، ص191. ابن السبكي، الإبهاج، ج2 ص64.

([98]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص62. الإسنوي، نهاية السول، ج2، ص48-49.

([99]) القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص186.

([100]) المرجع السابق.

([101]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص63. وابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص89.

([102]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص62. الإسنوي، نهاية السول، ج2، ص49. ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص89.

([103]) القرافي، نفائس الأصول، ج2، ص187-188. الآمدي، الإحكام، ج2، ص390. الشوكاني، إرشاد الفحول، ص180.

([104]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1 ص28.

([105]) ابن السبكي، الإبهاج، ج2 ص64. والإسنوي، نهاية السول، ج2، ص49.

([106]) أبو يعلى، العدة، ج1، ص283. ابن قدامة، روضة الناظر، ج2، ص90. الجويني، البرهان، ج1، ص334. الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص243.

([107]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص243.

([108]) المرجع السابق.

([109]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص243، وابن المرتضى، منهاج الوصول، ص277.

([110]) أبو النور زهير، أصول الفقه، ج1، ص90.

([111]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص180.

([112]) الشوكاني، إرشاد الفحول، ص181. وأبو النور زهير، أصول الفقه، ج1، ص90.

([113]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص245.

([114]) الشيرازي، شرح اللمع، ج1، ص245.

([115]) الآمدي، الإحكام، ج2، ص390. ابن السبكي، الإبهاج، ج2، ص59.

([116]) الغزالي، المستصفى، ص215.

([117]) أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، بدون طبعة، ج2، ص3. ومحمد بن عبد الواحد السيواسي (ابن الهمام)، فتح القدير على الهداية، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 1415ﻫ/ 1995م، ج2 ص165.

([118]) سيدي أحمد بن محمد العدوي (الدردير)، الشرح الكبير على مختصر سيدي خليل، المطبوع مع محمد ابن أحمد الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، ج2، ص13.

([119]) إبراهيم بن علي الشيرازي، المهذب في فقه الإمام الشافعي، دار القلم، دمشق والدار الشامية، بيروت ، ط 1، 1412ﻫ/1992م، ج1 ص59. ومحمد الخطيب الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، دار الفكر، بيروت لبنان، بدون طبعة، ج1، ص413.

([120]) الشربينـي، معـني المحتـاج، ج 1، ص 413. الشيرازي، المهذب، ج1، ص59.

([121]) ابن اللحام، القواعد والفوائد، ص181. وعبد الله ابن أحمد بن قدامة، المغني، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة مصر، ط2، 1412هـ/1992م، ج4، ص146. وعلي بن سليمان المرداوي، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، دار الكتب العلمية؛ بيروت لبنان، ط1، 1418هـ/ 1997م، ج3، ص169. ومنصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الفكر، بيروت لبنان، ط. 1402هـ/1982م، ج2، ص255. ابن حزم، المحلى، ج4، ص211.

([122]) عبدالله بن حميد السالمي، معارج الآمال على مدارج الكمال، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، 1404هـ/1984م، ج14 ص31.

([123]) الحسن بن أحمد الجلال، ضوء النهار المشرق على صفحات الأزهار، مجلس القضاء الأعلى، مكتبة غمضان لإحياء التراث اليمني، اليمن، ط1، 1405هـ/ 1985م، ج2، ص270. أحمد بن يحيى ابن المرتضى، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار، دار الحكمة اليمانية، صنعاء اليمن، ط1، 1366هـ/1947م، تصوير 1409هـ/1988م، ج2، ص143.

([124]) الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، مختلف الشيعة، مؤسسة النشر الإسلامي، قم إيران، ط1، 1413هـ، ج3، ص236.

([125]) المغني، ج2، ص429.

([126]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص26. والكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص3. وابن الهمام،  فتح القدير، ج2، ص165-166.

([127]) السالمي، معارج الكمال، ج14، ص31.

([128]) الجلال، ضور النهار، ج2، ص270.

([129]) المرداوي، الإنصاف، ج3، ص300.

([130]) السالمي، معارج الآمال، ج18 ص191.

([131]) ابن بركة، الجامع، ج2، ص11. والسالمي، معارج الآمال، ج18، ص191.

([132]) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، المحلى، دار الجيل، بيروت، لبنان، بدون طبعة، ج6، ص26. وله أيضا: الإحكام، ج1، ص308.

([133]) الأسدي، مختلف الشيعة، ج3، ص572.

([134]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج2 ص104.

([135]) محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان ط 1417هـ/1996م، ج2، ص140.

([136]) الشيرازي، المهذب، ج2، ص623. والشربيني، مغني المحتاج، ج1، ص441.

([137]) ابن قدامة، المغني، ج4، ص400. والبهوتي، كشاف القناع، ج2، ص333.

([138]) السالمي، معارج الآمال، ج18، ص192.

([139]) الجلال، ضوء النهار، ج2، ص454. وابن المرتضى، البحر الزخار، ج2، ص256.

([140]) النجفي، جواهر الكلام، ج6، ص223. والأسدي، مختلف الشيعة، ج2، ص104.

([141]) ابن قدامة، المغني، ج3، ص103.

([142]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص26. والكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص104.

([143]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص26. والكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص119. وابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص417.

([144]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص119.

([145]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص29-30.

([146]) ابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص419.

([147]) ابن اللحام، القواعد، ص182. وابن قدامة، المغني، ج5، ص36. والمرداوي، الإنصاف، ج3 ص 365. والبهوتي، كشاف القناع، ج2، ص377.

([148]) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص200.

([149]) النجفي، جواهر الكلام، ج6، ص337.

([150]) ابن بركة، الجامع، ج2، ص64-65.

([151]) ابن حزم، الإحكام، م1، ص308.

([152]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص29-30. وابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص419.

([153]) ابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص419. والكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص119.

([154]) السرخسي، أصول السرخسي، ج1، ص28-29.

([155]) الكاساني، بدائع الصنائع، ج2، ص119. وابن الهمام، فتح القدير، ج2، ص419.

([156]) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص200. ومحمد ابن محمد بن عبد الرحمن المغربي (الحطاب)، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط1، 1416هـ/1995م، ج3، ص24. والشربيني، مغني المحتاج، ج1، ص460.

([157]) ابن بركة، الجامع، ج2، ص65.

([158]) الجلال، ضوء النهار، ج2، ص498.

([159]) الشيرازي، المهذب ج2، ص673. الشربيني، مغني المحتاج، ج1، ص460.

([160]) الكاساني، بدائع الصنائع ج3، ص115. الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص412. النووي، روضة الطالبين، ج6، ص45. ابن قدامة، المغني، ج7، ص100.

([161]) ابن قدامة، المغني، ج7، ص100.

([162]) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ج2، ص412. النووي، روضة الطالبين، ج6، ص45. ابن قدامة، المغني، ج7، ص100.

([163]) المراجع السابقة.

([164]) جمال الدين الإسنوي، التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1987م، ص288.

([165]) الحصني، كفاية الأخيار، ص233.