أضيف بتاريخ : 10-12-2013


الترخص في الفتوى: دراسة تأصيلية تطبيقية

فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية أنموذجا (*)

المفتي الدكتور صفوان "محمدرضا" علي عضيبات/ رئيس قسم الرقابة الشرعية في دائرة الإفتاء العام الأردنية

الملخص

مسألة الترخص في الفتوى لها أهمية كبيرة كونها أصبحت منهجا تتبناه بعض اتجاهات الإفتاء المعاصرة، وفي هذه الدراسة سيقوم الباحث ـ إن شاء الله ـ ببيان مفهوم الترخص في الفتوى، وتأصيل المسألة من الناحية الأصولية، كما سيوضح الباحث حكم الترخص في الفتوى من خلال آراء الفقهاء والأصوليين، وستكون الناحية التطبيقية من الدراسة بعرض ما يمكن عرضه من فتاوى دائرة الإفتاء العام في الأردن، مع توضيح وجه الترخص في هذه الفتاوى، ثم سيختم الباحث دراسته بالخاتمة والتوصيات.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فموضوع الترخّص في الفتوى بمعنى الأخذ بالأيسر من أقوال الفقهاء، من المواضيع المهمّة التي تحتاج إلى دراسة تأصيليّة وتطبيقيّة.

ونحن في زمن قد كثرت فيه الفتاوى، وزاد عدد المتصدّرين لها، وصرنا أمام فريقين: فريق ديدنه الإفتاء بالأيسر، وأينما وجد رأياً مدوّناً في كتب الفقه أخذ به من غير تحرٍّ ولا دقّة، وجعل الاختلاف في المسألة حجّة، مستدلاً بأنّه لا إنكار في مسائل الاختلاف.

والفريق الآخر على عكس الأوّل، تراه يتمسّك برأيٍ ويتعصّب له، ولا يعبأ ببقيّة الآراء وإن كانت معتبرة، وبعض هؤلاء يتجرّأ على تبديع المخالف وتفسيقه، لمجرّد مخالفته لرأيه في المسألة، مع أنّ المخالف يأخذ برأيٍ معتبر، وله دليله على رأيه.

ومن هنا تبدوا أهميّة البحث في بيان الحكم الشرعي في موضوع الترخّص في الفتوى، وتأصيل هذا الموضوع في أصول الفقه، مع دراسة تطبيقية لفتاوى منتقاة من فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية.

مشكلة الدراسة والأسئلة التي تجيب عنها:

تتمثل مشكلة الدراسة في أنّها تحاول الإجابة عن الأسئلة التالية:

  1. ما علاقة فكرة تصويب المجتهدين بموضوع الترخص في الفتوى ؟
  2. ما علاقة موضوع الأخذ بالقول المرجوح عند الحاجة أو الضرورة بالترخص في الفتوى ؟
  3. ما التأصيل الأصولي لمسألة الترخص في الفتوى من خلال الانتقال إلى مذهب الغير؟
  4. ما التأصيل الأصولي لمسألة الترخص في الفتوى من خلال تقليد المفضول مع وجود الأفضل ؟
  5. ما علاقة الترخص في الفتوى بمسألة التلفيق؟
  6. وما مذاهب العلماء في مسألة الترخص في الفتوى مع تحرير محل النزاع ؟
  7. وهل هناك تطبيقات معاصرة في موضوع الدراسة من خلال فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية كمثال؟

أهداف الدراسة ومبرراتها

تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأمور الآتية:

  1. توضيح مفهوم الترخّص الفتوى في الفقه الإسلامي.
  2. بيان الحكم الشرعي في الترخص في الفتوى مع عرض آراء العلماء فيه.
  3. توضيح أثر الاجتهاد في الترخص في الفتوى في أصول الفقه.
  4. توضيح أثر التقليد في الترخص في الفتوى في أصول الفقه.
  5. بيان أثر التلفيق في الترخص في الفتوى في أصول الفقه.
  6. المساهمة في ضبط الفتوى بين المتساهلين والمتشدّدين.
  7. توضيح أوجه ترخص دائرة الإفتاء العام الأردنية في فتاويها.

الدراسات السابقة

من أهم الدراسات السابقة لموضوع البحث:

" الترخص في مسائل الاختلاف في الفقه الإسلامي : دراسة تأصيلية تطبيقية ـ مسائل المعاملات في قرارات مجمع الفقه الإسلامي في جدة أنموذجاً ـ "، رسالة دكتوراة في أصول الفقه في جامعة العلوم الإسلامية العالمية،إشراف الدكتور محمود العواطلي الرفاعي، نوقشت في عام 2012م، وهي من إعدادي حيث اعتمدت عليها في تأصيل مسألة الترخص في الفتوى، والإضافة التي قدمتها في هذا البحث هي الجانب التطبيقي في فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية.
بحث (الترخص بمسائل الخلاف: ضوابطه وأقوال العلماء فيه) للدكتور خالد العروسي - الأستاذ المساعد بقسم الشريعة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة أم القرى.

بحث فقهي نشر في مجلة جامعة أم القرى لعلوم الشريعة واللغة العربية وآدابها في مكة المكرمة، المجلد 14، العدد 23، السنة 2001م.

حاول الكاتب في بحثه تتبع مذاهب الأئمة في هذه المسألة،  مستدلاً ببعض تفريعاتهم وفتاويهم، وقد تكلم الكاتب عن الخلاف وأسبابه، وفضل معرفته، ثم أصَّل المسألة، وبين أقوال العلماء فيها، وذكر ضوابط العمل بمسائل الاختلاف.

والبحث مفيد إلا أنه مختصر، وموضوع البحث ـ بنظري ـ يحتاج إلى دراسة وافية وتوسع في تأصيل موضوع البحث، كما أن بحث العروسي خلا من الجانب التطبيقي والذي لم أغفله في بحثي.

منهجية البحث:

اعتمدت في الدراسة على المنهجيّة الآتية:

المنهج الاستقرائي: قمت باستقصاء وتتبّع آراء الفقهاء والأصوليين في المسألة.
المنهج التحليلي: قمت بعرض أقوال الفقهاء، ومحاولة بيان أوجه الاتفاق والاختلاف، والجمع بين ما يمكن الجمع فيه، وربط هذه الأقوال بالأساس الذي تعتمد عليه.

خطة البحث:

قسم الباحث الدراسة إلى تمهيد وثلاثة مباحث :

ففي التمهيد تم توضيح مفهوم الترخص في الفتوى من خلال معرفة معنى الترخص ومعنى الفتوى.

وفي المبحث الأول تم بيان تأصيل مسألة الترخص في الفتوى في أصول الفقه من خلال ثلاثة مطالب :

المطلب الأول: مسألة التصويب والتخطئة.

المطلب الثاني: الأخذ بالقول المرجوح عند الضرورة.

المطلب الثالث: تقليد المفضول مع وجود الأفضل.

المطلب الرابع: الانتقال من مذهب إلى مذهب.

وفي المبحث الثاني بين الباحث آراء العلماء في الترخص في الفتوى من خلال عرض أقوالهم وتحليلها.

وجعل الباحث الناحية التطبيقية من الدراسة في المبحث الثالث، فأوضح فيه ترخص دائرة الإفتاء العام الأردنية في فتاويها من خلال مطلبين:

المطلب الأول: الفتاوى التي ترخصت بها دائرة الإفتاء العام الأردنية.

المطلب الثاني: توضيح وجه الترخص في بعض الفتاوى.

وفي نهاية الدراسة الخاتمة والتوصيات.

تمهيد

مفهوم الترخّص في الفتوى

 لبيان مفهوم الترخّص في الفتوى ؛ لا بدّ من معرفة معنى الترخّص والفتوى، وذلك في ثلاثة فروع:

الفرع الأوّل: معنى الترخّص لغةً واصطلاحا.

الفرع الثاني: معنى الفتوى لغة واصطلاحا.

الفرع الثالث: معنى الترخص في الفتوى.

 

الفرع الأوّل: معنى الترخّص لغةً واصطلاحا.

أولا: الترخص لغة.

الترخّص يأتي بمعنى: الأخذ بالرّخصة([1])، والرُّخْصَةُ من الرُّخْص، والرُّخْص: ضدّ الغلاء([2])، وتأتي الرُّخْصَة بمعنى التسهيل في الأمر، خلاف التشديد فيه([3]).

ورَخَّصْتُ لفلان: أي أذنت له بعد نهيي إيّاه عنه([4]).

والرُّخْصَة: ترخيص الله للعبد في أشياء خفّفها عنه([5]).

مما سبق نلاحظ أنَّ معنى الرُّخْصَة لغة ً يدور حول اليسر والسهولة والنعومة، فالترخّص لغةً: الأخذ بالأيسر والأسهل.

ثانيا: الترخص اصطلاحا.

الترخّص اصطلاحا يأتي بمعنى الأخذ بالرخصة، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الرخصة المقصودة في هذا البحث ليست الرخصة الشرعيّة([6]) التي تقابل العزيمة، والتي بحثها  الأصوليون في باب مستقل، وغالبا ً ما يُعَنْوِنون له بباب الرخصة والعزيمة، كما بحثها الفقهاء في كتبهم عند تعرّضهم للرخص الشرعيّة وأحكامها، كأكل الميْتة للمضطر وغيرها من الأحكام، بل الذي نعنيه بالرخصة عند الحديث عن الترخّص في الفتوى هو: ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحا ً لأمر، في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره. وهو ما نصّ عليه مجمع الفقه الإسلامي، حيث فرّق بين الرخصة الشرعية والرّخص الفقهيّة، فجاء في قراراته:

1.  الرّخصة الشرعيّة: هي ما شُرع من الأحكام لعذر، تخفيفا ً عن المكلفين، مع قيام السبب الموجب للحكم الأصلي...

2.  المراد بالرّخص الفقهيّة: ما جاء من الاجتهادات المذهبيّة، مبيحا ً لأمر ٍ في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره.

والأخذ برخص الفقهاء، بمعنى: اتّباع ما هو أخفّ من أقوالهم... "([7])

فأكثر الرّخص الشرعيّة متّفق عليها بين المذاهب الفقهيّة، في حين أنّ الرّخص الفقهيّة لا تكون إلا في المسائل التي اختلف فيها الفقهاء.

الفرع الثاني: معنى الفتوى لغة واصطلاحا.

أولا: الفتوى لغة.

الفتوى لغة: اسم مصدر بمعنى الإفتاء، والجمع: الفتاوى والفتاوي، وأفتيته في مسألة: إذا أجبته عنها، أفتاه في المسألة، يفتيه إذا أجابه([8]).

والفتيا: تبيين المشكل من الأحكام، أصله من الفتى: وهو الشاب الحدث ([9]).

والفُتيا، والفُتْوى، والفَتْوى: ما أفتى به الفقيه([10]).

وعليه، فالفتوى لغة: تبين الحكم، والإجابة عن المسألة.

ثانيا: الفتوى اصطلاحا.

لا يبعد المعنى الاصطلاحي للفتوى كثيرا عن المعنى اللغوي.

عرفها بعضهم بأنها: خبر عن حكم شرعي([11]).

وفي مواهب الجليل([12]) أن الفتوى: إخبار بحكم شرعي من غير إلزام، وقيد التعريف بعدم الإلزام ليميز الفتوى عن الحكم القضائي الملزم.

وفي شرح المنتهى([13]): تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سأل عنه، ولكن العلماء لم يشترطوا في الفتوى ذكر الدليل للعامي، وإنما استحبوا ذلك، فالفتوى ولو بغير دليل تسمى فتوى.

ولعل المناسب في تعريف الفتوى أنها: إخبار عن حكم شرعي من غير إلزام.

الفرع الثالث: معنى الترخص في الفتوى.

مما جاء في معنى الترخص في الفتوى ما أشار إليه السبكي في قوله: " وأمّا نحن، فإنّه يجوز التقليد للجاهل،والأخذ بالرّخصة من أقوال العلماء في بعض الأوقات، عند مسيس الحاجة، من غير تتبّع الرخص، ومن هذا الوجه يصحّ أن يقال: الاختلاف رحمة، إذ الرّخص رحمة"([14]).

ففرق بين الترخص بأقوال العلماء في بعض الأوقات عند مسيس الحاجة، وتتبع الرخص والذي حذر منه الفقهاء، حتى عدّوا فاعل ذلك فاسقا ً، يقول الشاطبي: " فإنّ ذلك يفضي إلى تتبّع رخص المذاهب من غير استناد ٍ إلى دليل شرعيّ، وقد حكى ابن حزم الإجماع على أنّ ذلك فسقٌ لا يحلّ "([15]).

بل عدّ العلماء ذلك انحلالا ً من رِبقة التكليف، يقول النووي: " لو جاز اتّباع أي مذهبٍ شاء، لأفضى إلى أن يلتقط رُخص المذاهب متّبعا ًهواه، ويتخيّر بين التحليل والتحريم،

 والوجوب والجواز، وذلك يؤدّي إلى انحلال رِبقة التكليف "([16]).

وما يمكن التوصّل إليه في معنى الترخّص في الفتوى ً أنه:

" اتّباع ما هو أخف من أقوال الفقهاء، في بعض المسائل الفقهيّة، وفق ضوابط محدّدة".

قلت: في بعض المسائل الفقهيّة، لأنّه ليس في كلِّ المسائل الفقهيّة، وإلا صار من باب تتبّع الرخص الذي نهى عنه الفقهاء.

وقلت: وفق ضوابط محدّدة، لبيان أنّ هناك ضوابط لا بدّ من توافرها، مثل الحاجة، وعدم اتّباع الهوى، وسأشير إلى هذه الضوابط في مبحث ٍ مستقلٍّ لاحقاً.

المبحث الأول

تأصيل مسألة الترخص في الفتوى

بعد البحث عن مسألة الترخص في الفتوى في كتب الأصول نجد أن أهم المباحث المرتبطة بها خمس:

1. التصويب والتخطئة.
2. الأخذ بالقول المرجوح عند الضرورة.
3. تقليد المفضول مع وجود الأفضل.
4. الانتقال من مذهب إلى مذهب.
5. التلفيق.

وسنحاول توضيح ارتباط مسألة الترخص في الفتوى بهذه المباحث من غير توسع في الأحكام وأوجه الاستدلال لعدم اتساع المقام لذلك.

المطلب الأول: مسألة التصويب والتخطئة

مسألة التصويب والتخطئة من مسائل الاجتهاد التي بحثها الأصوليون، تحت حكم الاجتهاد([17])، وقد توسّعوا في بحثها، واستطردوا في التفريع عليها، وذكر الأدلة، والردّ على المخالفين، فكلّ يثبت رأيه في المسألة، ويدافع عنه، لذلك قال عنها الإمام السبكي: " المسألة عظيمة الخطب"([18]).

وقد انبنى على التصويب والتخطئة مسائل عديدة، من أهمّها موضوع البحث: ( الترخص في الفتوى ) ([19]).

والتصويب والتخطئة عند الأصوليين، مرتبطان بمبحث: هل كلّ مجتهد مصيب.

فالتصويب: اعتبار اجتهاد كلّ المجتهدين في مسألة اجتهادية صوابا ً، والقائلون بذلك سمّوا بالمصوّبة([20]).

والتخطئة: اعتبار اجتهاد أحد المجتهدين صوابا ً، دون معرفة عينه، واجتهاد بقيّة المجتهدين خطأً دون اعتبارهم آثمين، والقائلون بذلك سمّوا بالمخطّئة([21]).

وفكرة تصويب المجتهدين هي التي دفعت بعض العلماء إلى التوسّع في الأخذ برخص الفقهاء، والتخيّر بين أقوالهم، فاعتقادهم أنّ كلّ مجتهد مصيب، وأنّ الحقّ يتعدّد بتعدّد المجتهدين في المسألة، جعلهم يترخصون بمذاهب العلماء ويتخيرون بين أقوالهم.

وفي المقابل فاعتقاد الآخرين أنّ المصيب واحد، وأنّ الباقين مخطئون، جعلهم ينظرون إلى أنّ الحق من أقوال المجتهدين عند الله واحد، ففهموا من ذلك أنّ الواجب عليهم تحرّي الأدلّة الأقوى، فالأقوى، للوصول إلى ذلك الحق الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وبالتالي ضيّقوا فرجة التخيير بين أقوال الفقهاء.

لذلك نجد بعضهم([22]) يقول: " أيّ مانع يمنع من تتبّع الرخص، ونحن نقول: كلّ مجتهد مصيب، وإنّ المصيب واحد غير معين، والكلّ دين الله، والعلماء أجمعون دعاة إلى الله "([23]).

ونرى بعض المصوّبة عند ورود  دليلين متعارضين على المجتهد وعجزه عن الترجيح بينهما، يقولون: له أن يتخير، فليس أحد الدليلين بأولى من الآخر، ويحتجّون بأنّ التخيير بين حكمين ممّا ورد به الشرع كالتخيير بين خصال الكفارة، أمّا المخطّئة فقالوا: إمّا التوقّف أو الأخذ بالاحتياط  أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح، لأنّ التعارض لا يكون بين الأدلّة، وإنّما يظهر بعجز المجتهد([24]).

والمخطّئة اعتبروا القول بتعدّد الحقّ فتحا ً لباب الهوى، وإبطال الحدود، فقالوا: " لو كان الحقّ متعدّدا ً لجاز للذي يعمل باتّباع العلماء، أن يختار من كلّ مذهبٍ ما تهواه نفسه، كما أنّ الله تعالى لما أثبت الكفّارات في باب اليمين أنواعا ً، كان للعبد الخيار بينهما على ما يهواه بلا دليل، ومن أباح هذا فقد أبطل الحدود، وشرع طريق الإباحة، وبنى الدين على الهوى... "([25]).

بل نجد الإمام السيوطي في كتابه ( جزيل المواهب في اختلاف المذاهب )([26])، بنى هذا الكتاب على القول بتصويب المجتهدين، وتعدّد الحق، وبالتالي تخيير المكلّف بأيّ المذاهب شاء، وجواز انتقال المقلّد من مذهب إلى مذهب، لكن لا على أساس الهوى والتشهي، حتى لا يتحلّل من التكاليف الشرعيّة.

ونرى الإمام الشعراني ـ رحمه الله تعالى ـ بنى كتابه (الميزان) في الفقه، على القول بتصويب المجتهدين أيضا ً، فعقد فصلا ً في أوّل كتابه لتقرير قول من قال: إنّ كلّ مجتهد مصيب، وأسّس نظريّة الميزان ؛ على أنّ الشريعة كالشجرة العظيمة، وأقوال العلماء كالفروع والأغصان، فلا يوجد فرع من غير أصل، وكلّ من أخرج قولا ً من أقوال علماء الشريعة عن أصوله، فإنّما ذلك لقصوره عن درجة العرفان، فالشريعة من حيث الأمر والنهي على مرتبتي تخفيف وتشديد، وجميع المكلّفين لا يخرجون عن قسمين: قوي، وضعيف، من حيث إيمانه، أو جسمه، في كلّ عصر وزمان، " فمن قَوِي منهم ؛ خوطب بالتشديد والأخذ بالعزائم، ومن ضعف منهم ؛ خوطب بالتخفيف، والأخذ بالرخص "([27]).

وفي نفس الوقت نرى ابن حجر الهيتمي لا يُفرّق بين قول المصوّبة وقول المخطئة، من حيث الأثر على الترخص في الفتوى، لأنّه يميل إلى الذي رجّحناه سابقا ً من المقاربة بين القولين والجمع بينهما، لذلك يقول تعقيبا ً على أنّ الصلاة خلف المخالف في المذهب، وإن كانت باطلة حسب عقيدة المقتدي، إلا أنّها ليست باطلة من كلّ الوجوه، يقول: " ولا قائل بهذا، لأنّا إن قلنا: كلّ مجتهد مصيب، فواضح أنّهم كلّهم على هدى من ربّهم، وإن قلنا: إنّ المصيب للحق الذي عند الله تعالى، وفي نفس الأمر، واحد، فهم كذلك، لأنّهم لم يكلّفوا إصابة ذلك إلا بحسب ظنونهم فحسب، وكلّ منهم مصيب بحسب ظنّه، فهو على هدىً من هذه الحيثيّة "([28]).

ومن ناحية أخرى فقد كان لقاعدة التصويب والتخطئة، أثر كبير في مسألة التقليد، والتي لها علاقة بموضوع الترخص في الفتوى، في جزئيّة من التزم مذهبا ً، فهل له أن يخالف إمامه في بعض المسائل، ويأخذ بقول غيره، فرأي المخطّئة يعتبر إلزاما ً غير مباشر بالحكم الذي يَتوصّل إليه المجتهد، لأنّه حكم الله تعالى المعيَّن الذي لا يصحّ مخالفته، وفي ذلك فتح لباب التقليد على مصراعيه، ورأي المصوّبة فيه أنّ الحكم الاجتهاديّ الذي يتوصّل إليه المجتهد باجتهاده، ليس حكما ً من الله تعالى لا يصحّ مخالفته، بل يصحّ لغيره أن يتوصّل إلى حكم مغاير لحكمه، وكلٌّ ملزم بالحقّ الذي يترجّح لديه، وفي بيان ذلك قالوا: " لو كان الحقّ متعدّدا ً، لجاز للذي يعمل باتّباع العلماء، أن يختار من كلّ مذهب ما تهواه نفسه... ومن قال الحقّ في واحد، ألزم العاميّ أن يتّبع إماما ً واحدا ً وقع عنده بدليل النظر أنّه أعلم، ولا يخالفه في شيءٍ بهوى نفسه "([29]).

المطلب الثاني: الأخذ بالقول المرجوح عند الضرورة.

سبق القول بأنّ معنى الترخص في الفتوىً: " اتّباع ماهو أخفّ من أقوال الفقهاء، في بعض المسائل الفقهيّة، وفق ضوابط محدّدة ".

والأخفّ من أقوال الفقهاء هو الأيسر منها، ولو كان الأيسر من أقوال الفقهاء هو الراجح بحسب الأدلّة، لما كان في المسألة خلاف، فالفقهاء مُتّفقون على وجوب الأخذ بالراجح من الأقوال، والمجتهد ما سُمّي مجتهدا ً إلا لأنّه يبذل جهده، ويستفرغ وسعه، وهو يبحث في الأدلّة، ليرجّح حكما ً شرعيا ً يغلب على ظنّه أنّه الحق الذي يجب عليه أن يعمل به، وحتى القائلون بأنّ كلّ مجتهد مصيب، مُتّفقون على وجوب عمل المجتهد بما أدّاه إليه اجتهاده، يقول الشاطبي: " وإن قيل: الكلّ مصيبون، فليس على الإطلاق، بل بالنسبة إلى كلّ مجتهد أو من قلّده، لاتّفاقهم على أنّ كلّ مجتهد لا يجوز له الرجوع عمّا أداه إليه اجتهاده، ولا الفتوى إلا به، لأنّ الإصابة عندهم إضافيّة، لا حقيقيّة "([30]).

ويقول ابن عابدين: " وكلام القرافي دالٌّ على أنّ المجتهد والمقلّد، لا يحلّ لهما الحكم والإفتاء بغير الراجح، لأنّه اتّباع للهوى، وهو حرام إجماعا ً "([31]).

أمّا إن كان الأيسر من أقوال الفقهاء في مسائل معيّنة ؛ هو القول المرجوح، واقتضت الحاجة أو الضرورة الأخذ بهذا القول، فقد اختلف العلماء في هذه المسألة، والتي تعتبر تأصيلا ً دقيقا ً لمسألة الترخص في الفتوى.

يرى بعض العلماء جواز الأخذ بالقول المرجوح، ففي مذهب الحنفيّة يقول ابن عابدين في منظومة عقود رسم المفتي:

ولا يجوز بالضعيف العمل           ولا به يجاب من جا به يسأل

إلا لعامل له ضرورة                  أو من له معرفة مشهورة

ثم يقول مقرّرا ً مبدأ العمل بالقول الضعيف للضرورة: " والحاصل أنّه إذا اتّفق أبو حنيفة وصاحباه على جواب، لم يجز العدول عنه إلا لضرورة، وكذا إذا وافقه أحدهما..."([32]).

ومثَّل على العمل بالقول الضعيف أو المرجوح للضرورة بأمثلة منها:

الإفتاء بصحة الاستئجار لتعليم القرآن للضرورة، وذلك لاحتياج المعلّمين للاكتساب لو لم نفتهم بذلك، وفيه ضياع القرآن والدين([33]).
أجازوا للمسافر والضيف الذي خاف الريبة  أن يأخذ بقول أبي يوسف، بعدم وجوب الغسل على المحتلم، الذي أمسك ذكره عندما أحسّ بالاحتلام إلى أن فترت شهوته، ثمّ

أرسله للضرورة، مع أنّ هذا القول خلاف الراجح في المذهب([34]).

لو خرج قليل من الدم، ومسحه بخرقة، حتى لو ترك يسيل، لا ينتقض وضوؤه، وهذا خلاف المشهور في المذهب([35]).

ثمّ يقول ابن عابدين بعد ذكر هذه الأمثلة: " وبه عُلِمَ أنّ المضطرّ، له العمل بذلك لنفسه كما قلنا، وأنّ المفتي له الإفتاء به للمضطر "([36]).

وفي مذهب الشافعيّة يقول صاحب كتاب بغية المسترشدين: " وكذا بالمرجوح الذي رجّح المتأخرون القضاء به للضرورة، كولاية الفاسق، وكون الرشد صلاح الدنيا فقط... فلا ينقض قضاؤه بشرطه، ويرتفع فيها الخلاف أيضا ً "([37]).

وفي المذهب المالكيّ يقول صاحب حاشية إدرار الشروق: " قلت: وقد ترتّب الآن على إخراج الهدي من مكة إلى الحلّ، وذبحه بمكة، وعلى الإتيان به من عرفة إلى منى، وذبحه بمنى، إمّا إتلاف مال، وإمّا عدم انتفاع الفقراء بالهدي... فالأسهل إمّا العمل بمقابل المشهور، بناءً على ما ذكره الحطّاب عن ابن عمر من جواز العمل بالشاذ في خاصة النفس، وأنّه يُقَدَّم على العمل بمذهب الغير، لأنّه قول في المذهب، وهو اختيار المغاربة "([38]).

فنلاحظ هنا أنّه ربط العمل بالقول الشاذ المخالف للمشهور من المذهب، بالحاجة الشديدة.

أمّا في مذهب الحنابلة، فيقول الإمام الرحيباني بعد أن ميّز بين الأقوال الشاذة والنادرة التي ليس لها دليل من كتاب أو سنّة، عن الأقوال التي يحتملها ظاهر آية، أو قال بها بعض العلماء، أو تبنّاها جمع من الصحابة والتابعين، كمسألة ابن تيمية في الطلاق الثلاث دفعة واحدة يقع واحدة، وغير ذلك من المسائل ـ يقول: " فمن وقف على هذه الأقوال، وثبت عنده صحّة نسبتها لهؤلاء الرجال، يجوز له العمل بمقتضاها عند الاحتياج إليه، خصوصا ً إذا دعته الضرورة إليه وهو مُتَّجَه "([39]).

وهذه العبارة تنصبّ على موضوع البحث ( الترخص في الفتوى )، فنحن مع تغيّر الأماكن والأزمان، قد نضطرّ إلى الأخذ بقول ما، أو بآخر، بما يتوافق مع الحاجة أو الضرورة، فإذا وقفنا على صحّة هذا القول وصحّة نسبته لقائله، ولم يكن شاذّا ً فالمتّجه الإفتاء به.

كذلك أجاز ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ تمديد مدّة المسح على الخفين للضرورة، كما في حالة أرض فيها الثلوج، أو كان في رفقةٍ متى خلع وغسل لم ينتظروه، وجعل لبس الخف هنا، كلبس الجبيرة من بعض الوجوه([40]).

وعلَّلَ أصحاب هذا القول ما ذهبوا إليه بالضرورة والحاجة، وأنّ المكلّف وافق دليلا ً في الجملة.

فإذا كانت المحظورات تباح بالضرورات، أفلا يباح الانتقال من القول الراجح إلى المرجوح عند الضرورة، والحاجة تنزّل منزلة الضرورة عامةً كانت أو خاصة([41])، فإذا وقع الحرج على المسلمين في مسألة ما، وشعروا بالضيق عند أخذهم بالقول الراجح، وكان هناك قولٌ مرجوح ٌٌ، لكن له وجه ما من الاستدلال، ولا يخالف صريح الكتاب والسنّة والإجماع، وليس بقول شاذّ أو منكر، وتحقّقت نسبته لقائله، كما تحقّقت فيه الضرورة أو الحاجة، فلا مانع شرعا ً أو عقلا ً من الأخذ بهذا القول المرجوح، لأنّه أصبح راجحا ً من جهة أخرى.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن محلّ ما ذكر هو الفتوى، ومسؤولية ذلك تقع على عاتق لجان الفتوى في الدرجة الأولى، وعلى أفراد المفتين المؤهلين من أصحاب التخصصات الشرعية في الدرجة الثانية، فهؤلاء يستطيعون تحديد معيار الضرورة أو الحاجة التي تجيز لنا العمل بالقول المرجوح.

المطلب الثالث: الانتقال من مذهب إلى مذهب ً.

ففي روضة الطالبين من كتب الشافعية : "والذي يقتضيه الدليل أنّه ـ أي العامي ـ لا يلزمه التمذهب بمذهب، بل يستفتي من يشاء، أو من اتّفق، لكن من غير تلقّط للرخص "([42]).

وفي مطالب أولي النهى من كتب الحنابلة: " ولزوم التمذهب بمذهب، وامتناع الانتقال إلى غيره، الأشهر عدمه "([43]).

وقد فرّق الإمام السيوطي بين العامي والفقيه في حكم الانتقال من مذهب إلى آخر، فالعامي المقلد وهو غير الفقيه إذا أراد الانتقال إلى مذهب غير إمامه لسبب دنيوي جاز له ذلك، لأنه يريد أن يستأنف مذهباً جديداً، وإن أراد الانتقال لسبب ديني كسهولة فهم المذهب الآخر وجب ذلك.

أما العالم الفقيه فإن أراد الانتقال إلى مذهب غير إمامه لسبب دنيوي فذلك تلاعب في الأحكام الشرعية وحكمه التحريم، وإن أراد الانتقال لسبب ديني كقوة الدليل ورجحان المذهب فالحكم الوجوب أو الجواز([44]).

وهذا القول يساير روح الشريعة التي من قواعدها اليسر ورفع المشقّة عن العباد، قال الله تعالى:  (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة/ 185.

وهذا لا يعني دعوة الناس إلى اللامذهبيّة، بل يعني التزام الناس بمذهب إمامٍ من أئمّة الفقه، فإذا رأوا ما يوجب الانتقال إلى مذهب آخر في مسألة فرعيّة، لقوّة دليل، أو لضرورة، أو حاجة، أو عذر شرعي، انتقلوا إلى ذلك القول من غير حرج، وهو ما أشار إليه الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في قوله: " من التزم مذهبا ً معيّنا ً ثم فعل خلافه، من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذرٍ شرعي يبيح له فعله، فإنّه يكون متّبعا ً لهواه، وعاملا ً بغير اجتهادٍ ولا تقليدٍ، فاعلا ً للتحريم بغير عذرٍ شرعيٍ، وهذا منكر "([45]).

ولذلك لم يجعل القائلون بجواز الانتقال إلى مذهبٍ آخر - انتقالاً كليّا ً أو جزئيّا ً- لم يجعلوا ذلك من باب التشهّي والغرض، وإنما قيّدوه بشروط منها:

  1. أن لا يجمع بين المذهبين على صفة تخالف الإجماع، كمن تزوّج بغير صداق، ولا ولي، ولا شهود، فإنّ هذه الصورة لم يقل بها أحد([46]).
  2. أن لا يتتبّع الرخص([47]).
  3. أن يعتقد رجحان مذهب الغير في هذه المسألة، فيجوز اتّباعا ً للراجح في ظنّه([48]).
  4. كما ذكر العلماء حالات يجوز فيها الانتقال إلى مذهب الغير، منها:

أ- أن يقصد بتقليده الرخصة فيما دعت حاجته إليه، فيجوز إلا إذا كان يعتقد رجحان مذهب إمامه، وأنّه يجب تقليد الأعلم([49]).

ب- إذا كان مذهب الغير أحوط لدينه([50]).

ج- الأولى لمن ابتلي بالوسواس الأخذ بالأخف وبالرخص، لئلا يزداد وسوسة فيخرج عن الشرع، ولضدّه الأخذ بالأثقل، لئلا يخرج عن الإباحة([51]).

المطلب الرابع: حكم تقليد المفضول مع وجود الأفضل

اختلف العلماء في حكم تقليد المفضول مع وجود الأفضل فقال بعضهم:  يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل، ويخيّر العامي في استفتاء وتقليد من شاء من العلماء، سواء تساووا أو تفاضلوا.

جاء في الإحكام للآمدي في مسألة تخيير المقلّد عند اختلاف المفتين: " وذهب القاضي أبو بكر، وجماعة من الأصوليّين والفقهاء، إلى التخيير والسؤال لمن شاء من العلماء، وسواء تساووا أو تفاضلوا، وهو المختار "([52]).

وفي نهاية السول: " ورجّح ابن الحاجب جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل "([53]).

وفي فتاوى ابن حجر الهيتمي: " والأصحّ أنّه مخيّر في تقليد من شاء، ولو مفضولاً عنده مع وجود الأفضل، ما لم يتتبّع الرخص، بل وإن تتبّعها على ما قاله بعض أصحابنا "([54]).

وفي الفقيه والمتفقه، يقول الخطيب البغدادي: " وقيل: يأخذ بقول من شاء من المفتين، وهو القول الصحيح "([55]).

وقال آخرون: لا يجوز تقليد المفضول مع وجود الأفضل، ولا يتخيّر بين أقوال المجتهدين، بل الواجب على العامي في هذه الحالة، أن يجتهد لمعرفة الأعلم والأدين، ليقلّد الأفضل.

ففي التقرير والتحرير: " وقال الحنفية، والمالكية، وأكثر الشافعية، وأحمد في رواية، (وطائفة كثيرة من الفقهاء ) كابن سريج، والقفّال، والمروزي، وابن السمعاني (على المنع)"([56]).

وفي الأحكام، يقول الآمدي في مسألة تخيير المقلّد، أو عدم تخييره، عند اختلاف المفتين: "... اختلف الأصوليّون ؛ فمنهم من قال: لا يتخيّر بينهم حتى يأخذ بقول من شاء منهم، بل يلزمه الاجتهاد في أعيان المفتين من الأورع، والأدين، والأعلم، وهو مذهب أحمد بن حنبل، وابن سريج، والقفّال من أصحاب الشافعي، وجماعة من الفقهاء والأصوليّين "([57]).

ويلاحظ ارتباط هذه المسألة بموضوع تصويب المجتهدين، فمن قال بالتخيير بناه على أنّ كلّ مجتهد مصيب، ومن أوجب تقليد الأعلم قال المصيب واحد([58]).

ثمّ من قال بالتخيير، توسّع في الترخص في الفتوى، ومن أوجب تقليد الأعلم مال إلى التضييق.

ففي فتاوى الشيخ عليش: " أمّا التقليد في الرخصة، من غير تتبّع ٍ، بل عند الحاجة إليها في بعض الأحوال، خوف فتنة ونحوها، فله ذلك "([59]).

وقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل أنّ رجلا ً استفتاه في مسألة طلاق، فقال له الإمام أحمد رحمه الله: " إن فعل حنث، وقال: إن أفتاك مدني لا تحنث فافعل "، فقد سوّغ له الأخذ بقول المدني بالإباحة، ولم يلزمه الأخذ بالحضر، وهذا يدلّ على جواز التخيير عند الحاجة([60]).

ثمّ هذا التخيير مشروط بعدم تتبّع الرخص، يقول ابن تيمية: " إذا جُوِّز للعامي أن يقلّد من شاء فالذي يدلّ عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنّه لا يجوز له أن يتتبّع الرخص مطلقا ً، فإنّ أحمد أثر مثل ذلك عن السلف وأخبر به "([61]).

المطلب الخامس: التلفيق.

تعريف الترخص في الفتوى قد يتضمّن الانتقال من مذهب إلى مذهب، وقد يتضمّن تركيبا ً لمسألة فقهيّة من مذهبين، بقصد التيسير، والتخفيف على المكلّف، فمن صور الترخص في الفتوى ؛ التلفيق بين أمذاهب الفقهاء، للخروج بحكم شرعيّ، يتضمّن معنى التيسير والتخفيف على المكلف.

إلا أنّ التلفيق كمصطلح أصوليّ لم ينشأ بقصد الترخص، واتّباع الأيسر من أقوال الفقهاء، إنّما يقصد به تركيب صورة مجموعة من مذاهب الفقهاء، لا يقول بها أحد من أصحاب هذه المذاهب حال تركيبها، فأطلق العلماء على هذه الصورة اسم التلفيق.

كذلك نرى العلماء فرّقوا بين التلفيق وتتبّع الرخص، وبعضهم جعل من شروط جواز التلفيق عدم تتبّع الرخص، ومن أمثلة ذلك ما جاء في حاشية إعانة الطالبين: " وله ـ التقليد ـ شروط ستة:... الرابع: أن لا يتتبّع الرخص...، السادس: أن لا يلفّق بين قولين تتولّد منهما حقيقة واحدة مركّبة لا يقول كلّ من الإمامين بها "([62])، فلو كان التلفيق بمعنى تتبّع الرخص لما غاير بينهما، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك التقاء بين تتبّع الرخص، والتلفيق، فبينهما عموم وخصوص، فتتبّع الرخص أعمّ من التلفيق، لأنّ تتبّع الرخص قد يكون تلفيقا ً، وقد لا يكون، بينما التلفيق لا يقصد به دائما ً تتبّع الرخص، بل شرط بعض العلماء لجواز التلفيق: أن لا يقصد به تتبّع الرخص، ففي مطالب أولي النهى من كتب الحنابلة: " والذي أذهب إليه وأختاره: القول بجواز التقليد في التلفيق، لا بقصد تتبّع ذلك، لأنّ من تتبّع الرخص فسق، بل حيث وقع ذلك اتّفاقا ً "([63]).

وفي قرارات مجمع الفقه الإسلامي أنّ التلفيق يكون ممنوعاً في أحوال منها: إذا أدّى إلى الأخذ بالرخص لمجرّد الهوى، أو الإخلال بأحد الضوابط المبيّنة في مسألة الأخذ بالرخص([64]).

وعليه قد ينفرد التلفيق بين المذاهب عن تتبّع الرخص، والترخص في الفتوى، إذا لم يكن التلفيق بقصد اتّباع الهوى، والتسهيل المخالف للأدلّة المعتبرة، كما أنّه قد ينفرد تتبّع الرخص، والترخص في الفتوى، إذا لم يكن فيهما تركيب بين قولين فأكثر في مسألة واحدة.

وقد يجتمع تتبّع الرخص مع التلفيق، إذا كان فيهما تركيب بين قولين فأكثر في مسألة واحدة، بقصد اتّباع الهوى، والتسهيل المخالف للأدلة المعتبرة.

وإذا كان التلفيق بقصد التسهيل الموافق للأدلة المعتبرة، والضوابط الشرعيّة، فإنّه يجتمع مع الترخص في الفتوى.

المبحث الثاني

حكم الترخص في الفتوى

الترخص في الفتوى ليس اتباعاً للأيسر من أقوال الفقهاء بإطلاق، بل يكون في بعض المسائل الفقهية وفق ضوابط تحكمها الحاجة والضرورة، سداً لذريعة انتهاك حرمة الشريعة بالخروج من ربقة التكليف، وقد ورد على ألسنة العلماء – فقهاء وأصوليين – مصطلح "تتبع الرخص"، وأكثرهم أورده على سبيل الذم، فاشترطوا لجواز الانتقال من مذهب إلى آخر ولجواز التلفيق عدم تتبع الرخص، بل رأينا من العلماء من ذكر الإجماع على عدم جواز تتبع الرخص، منهم ابن عبد البر، الذي قال بعد ما ذكر قول الإمام سليمان التيمي: 

 " لو أخذتَ برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله... هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً"([65])، وقال ابن حزم: " واتفقوا على أنه لا يحل لمفتٍ ولا لقاضٍ أن يحكم بما يشتهي مما ذكرنا في قصة، وبما اشتهى مما يخالف ذلك الحكم في أخرى مثلها، وإن كان كلا القولين مما قال به جماعة من العلماء، ما لم يكن ذلك الرجوع عن خط لاح له إلى صواب بان له"([66]).

فالترخص في الفتوى يختلف عن تتبع الرخص من جانبين:

الأول: أنه اتباع لما هو أخف من أقوال الفقهاء في بعض المسائل الفقهية لا في كلها كما في تتبع الرخص.

والثاني: أنَّ له ضوابط يجب مراعاتها، وإلا لم يختلف عن تتبع الرخص.

ثم مصطلح (تتبع الرخص) مقرون غالباً باتباع الهوى، لأنّ الذي يتتبع الأسهل من أقوال العلماء، لغير ما حاجة، أو ضرورة، أو عذر، لا يفعل ذلك إلا عن هوى وتشهي، لذلك نهى العلماء عن تتبع الرخص، واتباع الهوى منهي عنه في القرآن الكريم، يقول الله تعالى : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) سورة ص/ 26.

وما ورد من أقوال للعلماء في جواز تتبع الرخص , محمول على جواز الترخص في الفتوى بقيود , أما ما ورد من أقوال للعلماء في المنع من تتبع الرخص , فهو محمول على حقيقة تتبع الرخص , المقرون بالهوى , والذي يؤدي إلى الخروج من ربقة التكليف , ولذلك لا نستطيع أن نستخلص أقوال العلماء في الترخص في الفتوى , إلا من خلال آرائهم في تتبع الرخص , فالموضوع متشابك , يحتاج إلى بيان وتفصيل.

وسيبين الباحث في هذا المبحث آراء العلماء في مسألة الترخص في الفتوى من خلال إيراد بعض أقوالهم في تتبع الرخص :

فمما ورد عن العلماء([67]) في جواز تتبع الرخص :

أكثر ما يُنْسب القول بالجواز للإمام الحنفي الكمال ابن الهمام، حيث يقول: "والغالب أن مثل هذه إلزامات منهم لكفِّ الناس عن تتبع الرخص، وإلا أخذ العامي في كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه، وأنا لا أدري ما يمنع هذا من النقل أو العقل، وكون الإنسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد، ما علمت من الشرع ذمه عليه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبُّ ما خفَّف عن أمته، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب"([68])، فهذا القول من الإمام الكمال بن الهمام مقيد بأمور منها:

حَصَرَ التتبع بالأخف بقول المجتهد المسوغ اجتهاده.
وفي موضع آخر يقول الكمال بن الهمام: "جواز اتباع رخص المذاهب، ولا يمنع منه مانع شرعي، إذ للإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان له إليه سبيل، بأن لم يكن عمل بآخر فيه"([69])، فقيَّد اتباع رخص المذاهب بأن لم يكن عمل بقول آخر مخالف لذلك الأخف فيه، أي في ذلك المحل المختلف فيه([70]).
قول ابن همام يفيد إباحة تتبع الرخص لكن لا على إطلاق، فهو لم ينف أخذه بالقيود الأخرى التي وضعها العلماء لجواز تتبع الرخص.

 وفي الانتقال من مذهب إلى مذهب، يقول العز بن عبد السلام الشافعي: " فإن كان المأخذان متقاربين، جاز التقليد والانتقال، لأن الناس لم يزالوا من زمن الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب الأربعة يقلدون من اتفق من العلماء، من غير نكير من أحد يعتبر إنكاره... وكذلك لا يجب تقليد الأفضل وإن كان هو الأولى "([71]).

 فقد فهم البعض من هذا الكلام جواز تتبع الرخص بإطلاق، والإمام ابن عبد السلام يناقش مسألة الانتقال من مذهب إلى مذهب فيقول: " فليس له الانتقال إلى حكم يجب نقضه فإنه لم يجب نقضه إلا لبطلانه، فإن كان المأخذان متقاربين جاز التقليد والانتقال... ".

فعبارته لا يفهم منها جواز تتبع الرخص، وإنما جواز الانتقال إلى مذهب آخر، بشرط أن لا يكون إلى حكم يجب نقضه، وأن يكون المأخذان متقاربين، وذلك يكون في مسألة أو مسألتين، عند الحاجة أو الضرورة لا على إطلاق.

ويقول الإمام العطار في حاشيته: " وأما الشافعية، فقد قال العز بن عبد السلام في فتاويه: لا يتعيَّن على العامي إذا قلد إماماً في مسألة، أن يُقلِّده في سائر مسائل الخلاف سواءٌ اتبع الرخص في ذلك أو العزائم "([72]).

وقد فهم الإمام العطار من ذلك جواز تتبع الرخص لا على إطلاق، حيث قال بعد ذلك: " فيؤخذ من مجموع ما ذكرناه جواز التقليد وجواز تتبع الرخص لا على إطلاق "([73]).

كما أنّ ابن حجر الهيتمي يفسر عبارة العز بن عبد السلام فيقول: " وقول ابن عبد السلام: للعامل أن يعمل برخص المذاهب، وإنكاره جهل، ولا ينافي حرمة التتبع ولا الفسق به خلافاً لمن وَهَمَ فيه، لأنه لم يعبِّر بالتتبع، وليس العمل برخص المذاهب مقتضياً له، لصدق الأخذ بها بالعزائم أيضاً، وليس الكلام في هذا، لأن من عمل بالعزائم والرخص لا يقال فيه أنه متتبع للرخص، لا سيما مع النظر لضبطهم التتبع بما مرّ فتأمله "([74]).

ففرّق ابن حجر بين من يقول باتباع رخص المذاهب، ومن يقول بتتبع رخص المذاهب، فالمتتبع لا يعمل بالعزائم أبداً، أما الأوَّل فيعمل بالعزائم وبالرخص، وهذا يدل على أن عمله بالرخص لسبب، أو عذر، أو حاجة، أو ضرورة.

وحكى ابن المنير - وهو مالكي - عن بعض مشايخ الشافعية أنه فاوضه في ذلك وقال – أي الشيخ -: " أي مانع يمنع من تتبع الرخص ونحن نقول: كل مجتهد مصيب، وأن المصيب واحد غير معين، والكل دين الله، والعلماء أجمعون دعاة إلى الله، قال: حتى كان هذا الشيخ ـ رحمه الله ـ من غلبة شفقته على العامي إذا جاء يستفتيه – مثلاً – في حنثٍ , ينظر في واقعته، فإن كان يحنث على مذهب الشافعي , ولا يحنث على مذهب مالك، قال لي: أفته أنت، يقصد بذلك التسهيل على المستفتي ورعا ً"([75]).

وهذا تصريح بجواز تتبع الترخص عند بعض مشايخ الشافعية، لكن بالتدقيق في عبارة ابن المنير الأخيرة (يقصد بذلك التسهيل على المستفتي ورعاً) ؛ يلاحظ أن القول بجواز تتبع الرخص عند هذا الشيخ الشافعي ليس على إطلاقه أيضاً، ويزيد الأمر وضوحاً قول ابن المنير بعد ذلك: " كان ينظر أيضاً في فساد الزمان، وأن الغالب عدم التقيد، فيرى أنه إن شدد على العامي ربما لا يقبل منه في الباطن فيوسّع على نفسه، فلا مستدرك ولا تقليد، بل جرأة على الله تعالى واجتراء على المحرم "([76])

وقد علّق الزركشي على ذلك بقوله: " فلا ينبغي حينئذ إطلاق القول بالجواز مطلقاً لكل احد، بل يرجع النظر إلى حال المستفتي وقصده"([77]).

كذلك يروى تتبع الرخص عن الإمام أحمد في رواية عنه، أن رجلاً سأله عن مسألة في الطلاق، فقال: إن فعل حنث، فقال له: يا أبا عبد الله، إن أفتاني إنسان يعني لا يحنث، فقال: تعرف حلقة المدنيين ـ حلقة بالرصافة ـ، فقال: إن أفتوني به حل، قال: نعم. ([78])

وهذا لا يدل على أن الإمام أحمد يقول بجواز تتبع الرخص، وإنما يدل على الترخص في الفتوى عند الحاجة، فأراد الإمام أحمد أن لا يضيّق على المستفتي، فأرشده إلى حلقة المدنيين ليستفتيهم، وذلك في مسألة يسوغ فيها الخلاف، ولا يدل ذلك على تتبع الرخص بإطلاق، ولذلك قال ابن قدامة بعد نقل هذه الحكاية: " وهذا يدلّ على التخيير بعد الفتيا والله أعلم "([79]).

ومما ورد عن العلماء ([80])في المنع من تتبع الرخص:

الإمام الشاطبي وما نقله عن الباجي والخطابي والمازري.

يعتبر الإمام الشاطبي من أكثر المتبنين لفكرة المنع من تتبع الرخص، لذلك نجده توسع في الحديث عنها، وخصها بصفحات من كتابه (الموافقات)، فبدأ بفكرة تخيير العامي في اتباع أحد المفتين وبين خطأها([81])، ثم يبيّن أنّ تخيير المقلّد في الفتوى مناقض لمقصد وضع الشريعة ([82]).

ثم يذكر الشاطبي مفاسد التخيير في الفتوى فيقول: " وأيضاً فإن ذلك يفضي إلى تتبع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي..."([83]).

ويبين الشاطبي أن من مساوئ التخيير في الفتوى وتتبع الرخص، أن صار الاعتماد في جواز الفعل، على كونه مختلفاً فيه بين أهل العلم، لا بمعنى مراعاة الخلاف، وينقل عن الخطابي إنكاره على ذلك. ([84])

ويردّ الشاطبي بعد ذلك على من استجاز تتبع الرخص بداعي الضرورة أو الحاجة، ويبين أن الحاصل من ذلك موافقة الهوى، لأن محال الضرورات معلومة من الشريعة، ويقول: " فإن كانت هذه المسألة منها، فصاحب المذهب قد تكفل ببيانها، أخذاً عن صاحب الشرع، فلا حاجة إلى الانتقال عنها، وإن لم تكن فيها، فزعم الزاعم أنها منها، خطأ فاحش ودعوى غير مقبولة"([85]).

وينقل عن الإمام المازري الذي سُئِل عما يضطرّ إليه الناس من معاملة فقراء أهل البدو في سني الجدب، إذ يحتاجون الطعام فيشترونه بالدين إلى الحصاد، فإذا حل الأجل قالوا لغرمائهم ما عندنا إلا الطعام، فيضطر أصحاب الديون إلى أخذه منهم بأكل أو بغيره، فأجاب المازري بالمنع، وقال: " ولست ممن يحمل الناس على غير المعروف المشهور من مذهب مالك وأصحابه، لأن الورع قلَّ بل كاد يعدم... وكثرت الشهوات، وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه، فلو فتح لهم باب في مخالفة المذهب، لاتسع الخرق على الراقع، وهتكوا حجاب هيبة المذهب " ([86]).

ويختم الشاطبي بذكر مفاسد اتباع رخص المذاهب والتي منها: الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، والاستهانة بالدين، وترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم، وانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، وتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم... ([87]).

الإمام ابن القيم.

 بين الإمام ابن القيم أن المفتي لا يجوز له أن يعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه، من غير نظر في الترجيح، ثم قال: " وبالجملة فلا يجوز العمل والإفتاء في دين الله بالتشهي والتخيير وموافقة الغرض، فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به، ويفتي به، ويحكم به، ويحكم على عدوه ويفتيه بضده، وهذا من أفسق الفسوق، وأكبر الكبائر، والله المستعان " ([88]).

الإمام عليش المالكي.

يقول الإمام عليش في فتاويه: " والأصح أنه يمتنع تتبع الرخص في المذاهب، بأن يأخذ منها ما هو الأهون فيما يقع من المسائل، وقيل لا يمتنع، وصرح بعضهم بتفسيق متتبع الرخص، أما التقليد في الرخصة من غير تتبع، بل عند الحاجة إليها في بعض الأحوال، خوف فتنة ونحوها فله ذلك "([89]) فمنع الإمام عليش تتبع الرخص ولكنه أجاز الترخص في بعض الأحوال للحاجة.

الإمام النووي.

يقول الإمام النووي: " لو جاز اتباع أي مذهب شاء، لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعاً لهواه، ويتغير بين التحليل والتحريم، والوجوب والجواز، وذلك يؤدي إلى الانحلال من ربقة التكليف "  ([90]).

وفي فتاوى الإمام النووي: " مسألة: هل يجوز لمن تمذهب بمذهب، أن يقلد مذهباً آخر فيما

يكون به النفع، ويتتبع الرخص ؟ أجاب رضي الله عنه: لا يجوز تتبع الرخص والله اعلم "([91]).

الإمام الغزالي.

يقول الإمام الغزالي في المستصفى: " فليس له أن يأخذ بمذهب مخالفه بالتشهي، وليس للعامي أن ينتقي من المذاهب في كل مسألة أطيبها عنده فيتوسع، بل هذا الترجيح عنده كترجيح الدليلين المتعارضين عند المفتي، فإنه يتبع ظنه في الترجيح، فكذلك هنا وإن صوّبنا كل مجتهد" ([92]).

ويلاحظ هنا أن الإمام الغزالي ـ رحمه الله تعالى ـ، ورغم أنه يقول بتصويب المجتهدين، إلا أنه يحرِّم على المقلد تتبع الرخص، ويلزمه باتباع الأرجح.

الإمام ابن النجار الفتوحي الحنبلي ([93]).

يقول الإمام ابن النجار الفتوحي في شرحه على الكوكب المنير: " (ويحرم عليه) أي: على العامي (تتبع الرخص) وهو أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها، ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب، (ويفسق به) أي: بتتبع الرخص، لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين، فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب، لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره، قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً "([94]).

والذي يتمعَّن في كلام الإمام ابن النجار، يرى أن التحريم منصب على تتبع الرخص، لا على الترخص أحياناً لعذر أو حاجة أو ضرورة، ويدلّ على ذلك قوله: " فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب، لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره "([95]).

المرداوي.

يقول الإمام علاء الدين المرداوي في الإنصاف: " ولا يجوز للعامي تتبع الرخص، ذكره ابن عبد البر إجماعاً، ويفسق عند الإمام أحمد رحمه الله وغيره، وحمله القاضي على متأوّل

أو مقلد، وقال ابن مفلح في أصوله: وفيه نظر "([96]).

فبعد تدقيق النظر في أقوال المانعين، يظهر لنا بأنهم قصدوا تحريم تتبع الرخص لمجرد الهوى والغرض، وذلك بأخذ الأهون من أقوال الفقهاء في كل المسائل، وترك العزيمة كلياً، وهذا أمر لا يظن الباحث فقيهاً يخالف في تحريمه، إلا أنه أفرد هذا الفرع بذكر أقوال المانعين، لأن نصوصهم صريحة في تحريم تتبع الرخص.

ومن العلماء من قال بالتفصيل في حكم الترخص في الفتوى:

الإمام السيوطي.

يقول الإمام السيوطي - رحمه الله - جواباً على سؤال حول جواز الانتقال من مذهب إلى آخر: "... الأصح جواز الانتقال مطلقاً، فيما عمل به وفيما لم يعمل به، كذا صححه الرافعي، وهو المنقول في السؤال عن الدميري، لكن بشرط عدم تتبع الرخص..." ([97]).

ثم يقرر قائلاً: " إذا تقرر هذا، فمقلد الشافعي إذا غسل نجاسة الكلب على مذهبه، وأراد بعد ذلك أن ينتقل ويقلد غيره فيها، فله ذلك لكن بشرط مراعاة ذلك المذهب، في جميع شروط الطهارة والصلاة، من مسح كل الرأس أو الربع، والدّلك، ومراعاة الترتيب في قضاء الصلوات، فإن أخلَّ بشيءٍ من ذلك، كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين "([98]).

فالإمام السيوطي يحرِّم تتبع الرخص، ولكنه يجيز تقليد مذهب الغير والانتقال له، لا بقصد تتبع الرخص، وذلك يكون في بعض المسائل، لحاجة، أو عذر، أو ضرورة، وبشرط أن لا يخرج بصورة لا يقول بها مجتهد.

وما ذكره الإمام السيوطي في كتابه (جزيل المواهب في اختلاف المذاهب)، من القول بتخيير المكلف في الأخذ بأي المذاهب شاء من غير تعيين لأحدها، ([99]) لا يحمل على تتبع الرخص بإطلاق، لأنه بيَّن حرمة ذلك في نفس الكتاب، ([100]) عندما تكلَّم عن حكم الانتقال من مذهب إلى مذهب، حيث ذكر أن من انتقل إلى مذهب آخر لأمر دنيوي، فهو متلاعب بالأحكام الشرعية بمجرد غرض الدنيا، أما من انتقل إلى مذهب آخر لغرض ديني، كأن يترجح عنده المذهب الآخر، أو أنه يستطيع تحصيل الفقه بصورة أفضل في المذهب الآخر، فهذا يجوز له الانتقال، بل يجب عليه، كما في الصورة الثانية ؛ إذا كان أصلاً عارياً من الفقه، ولم يحصِّل من المذهب الأول شيئاً. ([101])

الإمام القرافي وما نقله عن الزناتي.

نقل الإمام القرافي عن الزناتي أنه يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقال من مذهب إلى مذهب، بثلاثة شروط:

  1. أن لا يجمع بين المذهبين على صفة تخالف الإجماع.
  2. أن يعتقد فيمن يريد الانتقال إلى مذهبه الفضل، ولا يبقى على تقليد الأول على عماء، وبغير تبصر.
  3.  أن لا يتبع رخص المذاهب. ([102])

فالقرافي يقر الزناتي على هذه الشروط، ويقول: " إن أراد الزناتي بالرخص هذه، فهو حسن"([103]).

فهو يحرم تتبع الرخص، إلا أنه يجيز الانتقال إلى مذهب الغير بالشروط السابقة، وهذا يتضمن جواز الترخص في الفتوى وفق ضوابط معينة.

 الإمام ابن تيمية.

يقول ابن تيمية: "... من التزم مذهباً معيناً ثم فعل خلافه، من غير تقليد لعالم آخر أفتاه، ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك، ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله، فإنه يكون متِّبعاً لهواه، وعاملاً بغير اجتهاد ولا تقليد، فاعلاً للمحرم بغيرعذر شرعي، فهذا منكر " ([104]). 

فابن تيمية ـ رحمه الله ـ، يجيز الأخذ بمذهب الغير لعذر شرعي، أو لقوة الدليل، أو من باب التقليد، لا من باب الهوى والتشهي.

ويقول موضحاً حرمة تتبع الرخص لمجرد الهوى: " وقد نصَّ الإمام أحمد وغيره ؛ على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجباً، أو حراماً، ثم يعتقده غير واجب، ولا حرام، بمجرد هواه"([105]). 

ومثل لذلك بأن يكون طالباً للشفعة، فيعتقد أنها حقٌ له،  ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار، اعتقد أنها ليست ثابتة. ([106])

الإمام ابن عابدين الحنفي.

ينقل ابن عابدين -رحمه الله- في أول كتابه (رسالة شرح منظومة عقود رسم المفتي)،  أن الحكم والفتيا بما هو مرجوح خلاف الإجماع، وأن من يكتفي بأن يكون فتواه أو عمله موافقاً لقول، أو وجه في المسألة، ويعمل بما يشاء من الأقوال والوجوه من غير نظر في ترجيح، فذلك خرق أيضاً للإجماع ([107])، ثم يقرِّر معنى ذلك بقوله: " إن الإجماع على منع إطلاق التخيير، أي بأن يختار ويتشهى مهما أراد من الأقوال في أي وقت أراد، أما لو عمل بالضعيف في بعض الأوقات، لضرورة اقتضت ذلك، فلا يمنع منه "([108]).

بل ويقرِّر أيضاً أن الإمام أبا حنيفة وصاحبيه، إذا اتفقا على جواب، لم يجز العدول عنه إلا لضرورة، وكذا إذا وافقه أحدهما([109]).

ثم يذكر أمثله على العمل بقول شاذ، أو ضعيف، للضرورة أو الحاجة، منها([110]):

أجازوا للمسافر أو الضيف، الذي خاف الريبة، أن يأخذ بقول أبي يوسف، بعدم وجوب الغسل على المحتلم الذي أمسك ذكره، عندما أحسَّ بالاحتلام إلى أن فترت شهوته، ثم أرسله، مع أن قوله مرجوح، وذلك من باب الضرورة.
لو خرج قليل من الدم، حتى لو ترك يسيل، ومسحه بخرقه، لا ينتقض وضوؤه  خلافاً للمشهور من المذهب، وقد اعتبر ابن عابدين هذا القول شاذاً، إلا أنه يعمل به للضرورة، ودفع الحرج والمشقة.

ج- الإفتاء بصحة الاستئجار لتعليم القران للضرورة، وذلك لاحتياج المعلمين للاكتساب لو لم نُفْتِهم بذلك.

ثم يقول ابن عابدين بعد ذكر هذه الأمثلة: " وبه علم أن المضطر له العمل بذلك لنفسه كما قلنا، وأن المفتي له الإفتاء به للمضطر"([111]).

ويقول أيضاً: " وقد ذكر صاحب البحر([112]) في الحيض في بحث ألوان الدماء، أقولاً ضعيفة ثم قال: وفي المعراج([113])... لو أفتى مفتٍ بشيء من هذه الأقوال في مواضع الضرورة، طلباً للتيسير، كان حسناً "([114]).

الإمام الرحيباني الحنبلي.

يقول في شرحه على غاية المنتهى: " والذي أذهب إليه وأختاره: القول بجواز التقليد في التلفيق، لا بقصد تتبع ذلك، لأن من تتبع الرخص فسق، بل من حيث وقع ذلك اتفاقاً، خصوصاً من العوام الذين لا يسعهم غير ذلك "([115]). ويضرب مثالاً على ذلك بشخص توضأ ومسح جزءاً من رأسه مقلداً للشافعي، ولمس فرجه، وذلك غير ناقض عند أبي حنيفة، فهما قضيتان منفصلتان، فوضوؤه وصلاته صحيحتان([116]).

القدوري الحنفي.

فقد ذكر مسألة الانتقال من مذهب إلى مذهب، وقرَّر أنه: إن غلب على ظن من أراد الانتقال،  أن مذهب غير إمامه في تلك المسألة أقوى من مذهبه، جاز له، وإلا لم يجز([117]).

وبعد هذا العرض لأقوال العلماء في تتبع الرخص للباحث الملاحظات الآتية:

هناك فرق واضح بين تتبع الرخص والترخص في الفتوى، فتتبع الرخص سيرٌ مع الأهواء، وركض وراء رخص كلِّ مذهب، وترك للعزائم، وقد نقل بعض العلماء الإجماع على حرمة تتبع الرخص بهذا المعنى كابن عبد البر وابن حزم، وكلام المانعين وما استدلوا به من أدلّة منصبٌّ على تتبع الرخص لمجرد الهوى والغرض وبغير قيود ولا شروط.

 أما الترخص في الفتوى فهو أخذٌ بالرّخصة عند الحاجة، أو الضرورة، أو العذر، أخذاً بمبدأ اليسر ورفع الحرج، والذي دعت إليه الشريعة الغرّاء، وذلك ليس على إطلاقه، بل بضوابط وشروط وضعها العلماء، وكلام المجيزين لتتبع الرّخص منصبٌّ على هذا المعنى، واستدلالهم منصرف إلى الترخُّص في الفتوى بضوابط وشروط، بل وكلام من نُسِبَ إليه الجواز بإطلاق، لا يخرج عن هذا الحدّ الذي ذكرناه.

صرّح الإمام الشاطبي بمنع تتبّع الرّخص حتى عند الضرورة، ولكنه يقرِّر في موضع آخر أن مَن واقَعَ منهياً عنه، يُترك وما واقَع في بعض الحالات، لأنّ ذلك أولى من الأخذ بمقتضى النهي، لما يترتب على ذلك من الضرر، أو نجيز ما وقع من الفساد على وجه يليق بالعدل، لأن المكلّف فيما واقع، وافق دليلاً على الجملة، وقد مثَّل على الحالة الأولى بحديث البائل في المسجد، حيث تُرِك وما فعل، لأنه لو قطع عليه بوله لتنجس المكان والثياب، وعلى الحالة الثانية مثَّل بأن النكاح بغير ولي باطل، إلا أنَّه إن دخل بها، ترتَّب على العقد آثاره،من مهر، ونسب، وميراث، فهذا تصحيح للمنهيّ عنه من وجه، ودليل على الحكم بصحته على الجملة، وإلا كان في حكم الزاني، وكلّ ذلك من باب الأخذ بقول مرجوح، لما اقترن به تبعاً  من أمور اقتضت الترجيح([118]).

وهو مماثل للانتقال إلى مذهب آخر، أو الأخذ بقول مرجوح، أو ضعيف، للضرورة أو الحاجة، فإذا فعلنا ذلك بضوابط وشروط، متجرِّدين عن الهوى والغرض، تخلصنا من مفاسد تتبّع الرخص التي ذكرها الشاطبي سابقاً، ولعلَّ في ذلك تقريبٌ بين وجهة نظر الإمام الشاطبي ووجهات نظر بقية الأئمة، وحرص الإمام الشاطبي الشديد على منع تتبّع الرخص للهوى والغرض، يزيدنا حرصاً على أن نقيِّد ذلك ونضبطه، من غير توسّع لا تُحمَد عقباه.

الذي يتبيّن للباحث أنّ القول بالتفصيل هو الذي يتوافق مع دعوة الشريعة إلى اليسر ورفع الحرج، وهو جواز الترخص في الفتوى، وفق ضوابط وشروطٍ، وهذا القول لا يتصادم مع مواكبة الشريعة للمستجدات الفقهية، التي تستلزم أحياناً الخروج على المذهب والأخذ بقول مذهبٍ آخر، وذلك ليس بدعاً من القول، بل هو ما ذهب إليه أكثر علماء الشريعة.
لقد قرّر مجمع الفقه الإسلامي أن الأخذ برخص الفقهاء بمعنى اتباع ما هو أخف من أقوالهم جائز شرعاً، ولا يجوز الأخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى، لأن ذلك يؤدي إلى التحلّل من التكليف، وإنما يجوز بضوابط يجب مراعاتها، والضوابط التي ذكرها مجمع الفقه الإسلامي تجميع لما ذكره الفقهاء السابقون في كتبهم، وهي التي نقول بها عند قولنا بجواز تتبع الرخص، وهي([119]):

  1. أن تكون أقوال الفقهاء التي يُترخَّص بها معتبرة شرعاً، ولم تُوصَف بأنها من شواذّ الأقوال.
  2. أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخصة  دفعاً للمشقة، سواء كانت حاجة عامة للجميع، أم خاصة، أم فردية.
  3. أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهلٌ لذلك.
  4.   ألّا يترتب على الأخذ بالرخص الوقوع في التلفيق الممنوع، والذي سبق الإشارة إليه.
  5.  ألّا يكون الأخذ بذلك القول، ذريعةً للوصول إلى غرض غير مشروع.
  6.  أن تطمئنّ نفس المترخّص للأخذ بالرخصة.
  7.  أن لا يكون لمجرد الهوى،وبقصد تتبع الرخص.

فرّق بعض العلماء([120]) بين أن يكون الأخذ برخص المذاهب، أو التلفيق بين فتاويها، في نطاق عمل المجامع الفقهية ولجان الفتوى، فإن الظاهر جوازه، بل قال بوجوبه في عصرنا لأمن الفتنة من التخيير بالأهواء والتشهي، ولتوفر ضمانة الموضوعية، والحياد المجرد، من فساد الغرض وسوء القصد.

 وبين أن يكون ذلك من آحاد الناس، سواء كان فتوى للغير، أو أن يعمل بها بنفسه، فالأصحّ عندئذٍ القول بالمنع.

     ومع أن هذا التفريق أقرب لضبط الفتوى، والبعد عن الهوى، إلا أن ما ذكر من أقوال الفقهاء يدلّ على جواز ذلك من المفتي ولو كان فرداً، وشَرْط الآخذ بالرخص أن يكون ذا قدرة على الاختيار، أو أن يعتمد على من هو أهلٌ لذلك، وهذا يتضمّن أن يكون الأخذ بالرخصة من فقيهٍ، عالمٍ، معتبرٍ، لا يُحَكِّم هواه في الفتوى.

    إضافة إلى ذلك فإن ثقة الناس بفتوى اللجان الفقهية والمجامع العلمية أقوى، وهذا يبرز دور هذه اللجان والمجامع في دراسة الفتاوى الصادرة من آحاد العلماء، وتبيّن موافقتها للحق أو مجانبتها له، وإصدار الفتاوى التي لا تخرج عن الضوابط التي ذكرناها.

المبحث الثالث

الترخص في الفتوى في فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية

اختارت دائرة الإفتاء العام في الأردن مذهب الإمام الشافعي مرتكزا للفتوى في مسائل الفقه المختلفة، وذلك لسببين :

الأول: لأنه المذهب الأكثر انتشارا في بلادنا عبر التاريخ.

الثاني: لأنه مذهب وسطي جمع بين أصول مدرستي الحديث والرأي، لذلك رأينا كبار المحدثين كأصحاب الكتب الستة يتبنون هذا المذهب.

وكان ذلك من دائرة الإفتاء خطوة رائدة، من أجل استقرار الفتوى، وانضباطها، وتقليل الخلاف ما أمكن، وتيسير الفقه ليكون سهل النوال للجميع.

إلا أن هذا المنهج لا يعني التقليد الكامل، وعدم الخروج عن المذهب لأي ظرف كان، فدائرة الإفتاء العام الأردنية تعتمد قانون الأحوال الشخصية الأردني، والذي استقى أغلب نصوصه من الفقه الحنفي، كما أن دائرة الإفتاء تنتقل إلى مذهب آخر إذا كان رأي الشافعية فيه عسر في مسألة ما، لغاية التيسير على الناس في الفتوى، على أن يكون هذا الرأي الجديد رأيا معتبرا له أدلته وليس رأياً شاذاً فلا يؤخذ به، وهذا هو عين الترخص في الفتوى موضوع البحث.

وبعد استقراء فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية المنشورة على الموقع الإلكتروني www.aliftaa.jo ، والبالغ عددها 1017 فتوى، وجدت أن عدد الفتاوى التي ترخصت فيها دائرة الإفتاء العام بآراء المذاهب الأخرى بلغ 37 فتوى، ولعدم اتساع المقام لدراسة جميع هذه الفتاوى، سأقتصر على ذكرها أولا، ثم التعليق على بعضها بما يتناسب مع حجم البحث وذلك في مطلبين :

المطلب الأول : الفتاوى التي ترخصت بها دائرة الإفتاء العام الأردنية.

المطلب الثاني :  توضيح وجه الترخص في بعض الفتاوى.

المطلب الأول: الفتاوى التي ترخصت فيها دائرة الإفتاء العام الأردنية[121].

1. فتوى رقم 1905 تاريخ 7/8/2011م الترخص برأي المالكية بالإعراض عن الشك والوسواس، وعدم العمل به حالة الوسواس المستحكم.

2. فتوى رقم 913 تاريخ 19/8/2010م الترخص برأي الحنفية في أن القنوت مشروع في صلاة الوتر في كل السنة.

3.فتوى رقم 1957 تاريخ 29/11/2011م الترخص برأي الحنفية في أن الخطبة الثانية من الجمعة سنة، وتركها لا يبطل الصلاة.

4. فتوى رقم 1872 تاريخ 21/6/2011م الترخص برأي المالكية في عدم نقض الوضوء من الحدث في حالة السلس الشديد عند الحاجة.

5. فتوى 1874رقم  تاريخ 23/6/2011م الترخص برأي المالكية في وجوب القضاء في الوقت لا خارجه في حالة وضع المريض لكيس البول.

6. فتوى رقم 2024 تاريخ 6/5/2012م الترخص برأي المالكية في أن من نزل عليه من نواقض الوضوء بغير إرادة بشكل متكرر، فإنه مما تعفو عن مثله الشريعة.

7. فتوى رقم 1999 تاريخ 7/2/2012م الترخص برأي الحنابلة في المسح على الجوارب غير الشفافة.

8. فتوى رقم 869 تاريخ 25/7/2010م الترخص بمذهب الحنفية في جواز كتابة اسم المدفون على شاهد القبر لتمييزه عن غيره خلافا للجمهور.

9. فتوى رقم 2752 تاريخ 5/2/2012م الترخص بمذهب المالكية في زكاة ثمن الأرض عند بيعها لسنة واحدة فقط.

10. فتوى رقم 2023 تاريخ 6/5/2012م الترخص برأي المالكية ووجه عند الشافعية في دفع الزكاة الواجبة للفقراء والمحتاجين من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، إذا مُنعوا حقهم من خمس الخمس.

11. فتوى رقم 947 تاريخ 3/11/2010م الترخص بمذهب الحنابلة في جواز الفطر في رمضان لمن سافر أثناء النهار سفرا طويلا يباح فيه قصر الصلاة بعد مغادرة العمران.

12.فتوى رقم 940 تاريخ 3/11/2010م الترخص برأي الحنفية والمالكية بعدم الفطر عند ابتلاع النخامة وإن وصلت إلى اللسان إذا شقّ لفظها.

13. فتوى رقم 1976 تاريخ 28/12/2011م الترخص بقول من قال بسنية طواف الوداع لا وجوبه.

14. فتوى رقم 2017 تاريخ 3/5/2012م الترخص برأي الحنفية في دفع القيمة في إخراج الزكوات والنذور والكفارات.

15. فتوى رقم 1306 تاريخ 22/5/2011م وفتوى رقم 1944 تاريخ 22/11/2011م الترخص برأي الحنابلة لمن شقّ عليه الوفاء بالنذر أن يُخرج كفارة يمين.

16. فتوى رقم 1974 تاريخ 27/12/2011م وفتوى رقم 866 تاريخ 25/7/2010م الترخص برأي الحنابلة في جواز التورق، مع أنه مكروه عند الشافعية.

17. فتوى رقم 2688 تاريخ 17/9/2012م الترخص برأي المالكية في الوعد الملزم في بيع المرابحة.

18. فتوى رقم 2756 تاريخ 16/12/2012م وفتوى رقم 939 تاريخ 3/11/2010م الترخص برأي الحنفية في جواز حلول الأقساط عند عدم الوفاء، إذا اشترط الدائن ذلك عند إنشاء العقد.

19. فتوى رقم 330 تاريخ 24/8/2009م الترخص برأي البهوتي الحنبلي بجواز تقاضي أحد الشركاء راتبا مقطوعا معلوما مقابل عمله في الشركة.

20. فتوى رقم 588 تاريخ 8/4/2010م الترخص بمذهب الحنابلة في جواز اشتراط رهن المبيع لضمان ثمنه.

21. فتوى رقم 879 تاريخ 25/7/2010م الترخص برأي المالكية الذين نصوا على عدم اشتراط أن يكون العمل في السمسرة مما فيه كلفة، وبرأي الحنابلة الذين أجازوا الجعالة مع جهالة العوض.

22. فتوى رقم 2660 تاريخ 26/8/2012م وفتوى رقم 2058 تاريخ 11/6/2012م الترخص برأي الحنفية ورواية عند الحنابلة في جواز وقف المال النقدي.

23. فتوى رقم 669 تاريخ 27/4/2010م وفتوى رقم 2701 تاريخ 26/9/2012م الترخص برأي من أجاز بدل الخلو.

24. فتوى رقم 853 تاريخ 22/7/2010م الترخص برأي الحنابلة فيمن دفع دابته إلى من يعمل بها بجزء من الأجرة : جاز.

25. فتوى رقم 1984 تاريخ 12/1/2012م الترخص برأي المالكية في توريث القاتل خطأ مِن تركة المقتول.

26. فتوى رقم 845 تاريخ 15/7/2010م وفتوى رقم 505 تاريخ 14/2/2010م الترخص ببعض اجتهادات أهل العلم المعاصرين في جواز الوصية الواجبة.

27. فتوى رقم 982 تاريخ 16/3/2011م الترخص برأي من أجاز من الفقهاء الخضاب بالسواد، وبرأي من قال بالكراهة.

28. فتوى رقم533 تاريخ 14/3/2010م وفتوى رقم 1940 تاريخ 21/11/2011م الترخص برأي الحنفية والمالكية في أن قليل الرضاع وكثيره سواء، فيثبت التحريم ولو برضعة واحدة.

29.فتوى رقم 825 تاريخ 14/7/2010م الترخص برأي أبي حنيفة في هدم زواج الرجل الثاني ما سبق من طلقات الزوج الأول.

30. فتوى رقم 932 تاريخ 26/9/2010م الترخص في معاملة الإجارة المنتهية بالتمليك والقول بإجازتها بما يتوافق مع اجتهادات الفقهاء المعتبرة.

المطلب الثاني: توضيح وجه الترخص في بعض الفتاوى.

المسألة الأولى: الترخص بقول من قال بسنية طواف الوداع.

رقم الفتوى: 1976

التاريخ: 28/12/2011

التصنيف: صفة الحج والعمرة/ عبادات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " أما بالنسبة لحكم طواف الوداع، فقد اختلف فيه العلماء بين الوجوب والندب، فيمكننا الأخذ بالندب تيسيرا على المستفتي، فلا يجب عليك ذبح شاة لتركك سنة طواف الوداع ".

فمسألة طواف الوداع مسألة اجتهادية اختلف فيها الفقهاء على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية والشافعية في الأصح والحنابلة إلى أن طواف الوداع واجب من واجبات الحج يجبر بالدم [122].

واستشهدوا بحديث ابن عباس : " أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض "[123].

القول الثاني: ذهب المالكية والشافعية في الوجه الثاني إلى أن طواف الوداع سنة وليس بواجب، فمن تركه فليس عليه شيء[124].

واستشهدوا على قولهم بأن طواف الوداع يسقط عن الحائض، فلم يكن واجبا كطواف القدوم، ولأنه كتحية البيت فأشبه طواف القدوم[125].

فعلى الرغم من أن الأصح عند الشافعية وجوب طواف القدوم، وهو رأي الجمهور، إلا أن الفتوى أخذت بالندب تيسيرا على المستفتي، وهذا هو عين الترخص في الفتوى.

المسألة الثانية: الترخص برأي الحنابلة في جواز المسح على الجوارب غير الشفافة.

رقم الفتوى: 1999

التاريخ: 7/2/2012م

التصنيف: مسح الخف / عبادات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " والخلاصة: أن الجوارب غير الشفافة، التي يلبسها الناس اليوم، يجوز المسح عليها في مذهب الحنابلة، وفي قول عند الشافعية يقابل الأصح ".

ففقهاء الحنفية اشترطوا في الجوربين حتى يجوز المسح عليهما أن يكونا مجلدين أو منعلين، فإن كانا رقيقين يشفان الماء لم يجز المسح عليهما[126].

واشترط المالكية في الجورب أن يكون جُلِّد ظاهره وباطنه[127].

واشترط الشافعية في الجورب إمكان متابعة المشي عليه، بأن يكون ساترا لمحل الفرض، صفيقا، ويكون له نعل فيجوز المسح عليه[128]، واشترطوا كذلك أن يمنع نفاذ الماء [129].

أما الحنابلة فأجازوا المسح على الجورب الصفيق ـ الذي لا يبدوا منه شيء من القدم ـ، والذي لا يسقط إذا مشى فيه، ولم يشترطوا فيها أن تكون منعلة أو مجلدة، أو تمنع نفاذ الماء[130]، ولعل هذه القيود تنطبق على الجوارب غير الشفافة الثخينة الموجودة حاليا، وهذا ما دفع دائرة الإفتاء الأردنية إلى الأخذ بهذا الرأي ترخصا وتيسيرا على الناس.

واحتج الحنابلة بما روى المغيرة بن شعبة " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين "[131]، وهذا يدل على أن النعلين لم يكونا عليهما، لأنهما لو كانا كذلك لم يذكر النعلين[132].

أما الضوابط التي ذكرها بقية الفقهاء فهي اجتهادات لأجل إلحاق الجورب بالخف.

المسألة الثالثة: الترخص برأي الحنفية والمالكية في أن قليل الرضاع وكثيره سواء، فيثبت التحريم ولو برضعة واحدة.

رقم الفتوى: 1940

التاريخ: 12/11/2011م

التصنيف: ما يحرم من النكاح / فقه الأسرة.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " وجمهور الفقهاء على أن قليل الرضاع وكثيره سواء، فيثبت التحريم ولو برضعة واحدة، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، مستدلين بإطلاق الرضاع الوارد في قوله تعالى : (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم ) النساء/23، وبقوله صلى الله عليه وسلم :( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) [133]رواه البخاري، فمن احتاط وأخذ بقول الجمهور فقد استبرأ لنفسه، ومن أخذ بقول الشافعية فقد أخذ بالرخصة، والأخذ برأي الجمهور قبل العقد أولى وأبرأ، وبعد الدخول رأي الشافعية أوفق، لأن فيه حفاظا على الأسرة".

فالمسألة اجتهادية خلافية بين الشافعية والحنابلة في ظاهر مذهبهم من جهة حيث قالوا بأن الذي يتعلق بالتحريم في الرضاع خمس رضعات فصاعدا [134].

واستشهدوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: " كان فيما أنزل الله تعالى في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن"[135].

ومن الجهة الأخرى قال الحنفية والمالكية والحنابلة في القول الثاني : قليل الرضاع وكثيره سواء، فيثبت التحريم ولو برضعة واحدة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: ( وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) النساء/23، وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)[136].

وفي هذه الفتوى ترخص واضح، وتخير جلي بين أقوال الفقهاء : فالأخذ برأي الجمهور قبل العقد أولى وأبرأ، وذلك من باب الاحتياط في الدين، والأخذ برأي الشافعية والحنابلة في الأصح من مذهبهم بعد العقد أوفق، لما فيه من الحفاظ على الأسرة بما يتوافق مع رأي معتبر.

المسألة الرابعة: الترخص برأي أبي حنيفة في هدم زواج الرجل الثاني ما سبق من طلقات الزوج الأول.

رقم الفتوى: 825

التاريخ: 14/7/2010م

التصنيف: الطلاق / فقه الأسرة.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " والذي تعتمده المحاكم الشرعية في كثير من بلدان المسلمين هو قول أبي حنيفة رحمه الله، أن الزواج الثاني يهدم الطلقات السابقة من الزوج الأول ".

وصورة المسألة: رجل طلق زوجته مرتين، فاعتدّت وانقضت عدتها، ثم تزوجت رجلا آخر، فمات، فاعتدّت لموته، ثم عادت وتزوجت زوجها الأول الذي طلقها مرتين، فهل يملك هذا الزوج الآن ثلاث تطليقات أم طلاقا واحدا فحسب.

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنها تعود إليه بما بقي من طلقات، واختار هذا القول محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية ووافقه عليه جماعة من فقهاء المذهب[137].

واحتج الشافعي لهذه المسألة بما روي عن عمر بن الخطاب أن رجلا سأله عمن طلق امرأته اثنتين فانقضت عدتها فتزوجت غيره، فطلقها أو مات عنها، وتزوجها الأول، قال عمر: هي عنده على ما بقي من الطلاق[138].

القول الثاني: ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنها تعود إليه بثلاث طلقات جديدة، بمعنى أن الزواج الثاني يهدم الطلقات السابقة من الزوج الأول [139]، وهذا القول رواية عن الإمام أحمد [140].

واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) البقرة/229، فاقتضى ظاهر الآية جواز الرجعة إذا طلقها في النكاح الثاني، واحدة بعد اثنتين في النكاح الأول، ولأنها إصابة زوج ثان، فوجب أن تهدم ما تقدم من طلاق الأول[141].

فالفتوى ذكرت القولين، ثم رجحت ما تعتمده المحاكم الشرعية في كثير من بلدان المسلمين، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله : أن الزوج الثاني يهدم الطلقات السابقة من الزوج الأول، وهذا القول أيسر على المسلمين، وأرفق بهم، وذلك من باب الترخص في الفتوى، بالأخذ بالأيسر من أقوال الفقهاء عند الحاجة إلى ذلك.

المسألة الخامسة: الترخص برأي المالكية في توريث القاتل خطأ من تركة المقتول.

رقم الفتوى: 1984

التاريخ: 12/1/2012م

التصنيف: الوصايا والفرائض / معاملات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " واختلفوا في توريث القاتل من المقتول : فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القاتل لا يرث من المقتول شيئا ولو كان القتل بطريق الخطأ... أما المالكية فإنهم يورثون القاتل خطأ من التركة... وعليه فإن من أخذ برأي الجمهور فهو أولى وأبرأ للذمة، ومن أخذ برأي المالكية فلا حرج عليه ".

فالمسألة اجتهادية اختلف فيها الفقهاء على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم توريث القاتل ولو خطأ[142].

واستشهد أصحاب هذا القول بحديث: ( ليس للقاتل شيء)[143]، فهو عام في المخطيء والعامد فكل منهما يسمى قاتلاً [144].

القول الثاني: ذهب المالكية إلى توريث القاتل خطأ من تركة المقتول[145]، حيث قالوا بأن القاعدة " من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه "، وفي الخطأ لم يوجد منه القصد إلى قتل مورثه، واستعجال الميراث ينبني على ذلك [146].

والقول الثاني هو ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (281) ونصها: " يُحرم من الإرث من قتل مورثه عمدا عدوانا "، فحصرت المادة الحرمان في حالة العمد، فالمخطيء يرث، والفتوى تخير المستفتي بين الأخذ برأي الجمهور وهو الأبرأ للذمة، وبين الأخذ برأي المالكية من باب الرخصة، وهذا من باب الترخص في الفتوى.

المسألة السادسة: الترخص برأي الحنفية والحنابلة في وجه عندهم بجواز وقف النقود.

رقم الفتوى: 2660

التاريخ: 26/8/2012م

التصنيف: الوقف / المعاملات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " أما وقف المال النقدي، فالأصل منعه عند الجمهور، وأجازه فقهاء الحنفية ورواية عند الحنابلة ".

ثم بينت الفتوى فضل الوقف، وما فيه من الأجر، مما يدل على جواز الأخذ برأي الحنفية ورواية الحنابلة، وهذا من باب الترخص في الفتوى موضوع البحث.

ووقف النقود من المسائل التي اختلف فيها الفقهاء على قولين :

القول الأول: عدم جواز وقف النقود، وهو رأي الحنفية في قول أبي يوسف، والمالكية في قول عندهم، والشافعية على الأصح، وهو مذهب الحنابلة [147].

واستدلوا على قولهم بعدم جواز وقف النقود من دراهم ودنانير، بأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة،وما لا ينتفع به إلا في الإتلاف لا يصح فيه ذلك[148].

القول الثاني: جواز وقف النقود، وهو الراجح عند الحنفية، والمالكية، وقال به بعض الشافعية والحنابلة [149].

ومن قال بصحة وقف الدراهم والدنانير ـ ويقاس عليها النقود ـ قال بذلك بناء على قوله بصحة إجارتها [150].

فلو نظرنا إلى تكافؤ الأدلة، واليسر والمرونة المترتبان على الأخذ بهذا الرأي، لأدركنا أن ذلك من باب الترخص في الفتوى.

المسألة السابعة: الترخص بمذهب الحنابلة في جواز اشتراط رهن المبيع لضمان ثمنه.

رقم الفتوى: 588

التاريخ: 8/4/2010م

التصنيف: الرهن / المعاملات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " وأما اشتراط رهن المبيع لضمان ثمنه : فالمعتمد عند فقهائنا الشافعية في هذه المسألة هو ما ذكره العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله بقوله: (لا يصح البيع بشرط رهن المبيع، سواء أشرط أن يرهنه إياه قبل قبضه أم بعده، فإن رهنه بعد قبضه بلا شرط أو مع شرط مطلق الرهن، صح البيع والرهن)، الفتاوى الفقهية الكبرى 2: 287، ولكن أجاز فقهاء الحنابلة في المعتمد من مذهبهم ذلك... وقد جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي على وفق المعتمد من مذهب الحنابلة ".

ورهن المبيع لا يجوز عند الحنفية والمالكية والشافعية [151].

والحنابلة وحدهم من أجازوا رهن المبيع لضمان ثمنه، يقول البهوتي: " يصح اشتراط رهن المبيع على ثمنه، فلو قال بعتك هذا على أن ترهننيه على ثمنه، فقال: اشتريت، ورهنتك، صح الشراء والرهن " [152].

فإذا نظرنا إلى أن الفتوى تجيز التعامل مع البنك العربي الإسلامي في عملية شراء شقة بنظام المرابحة، وهذه المعاملة تتضمن رهن المبيع لضمان الثمن، تبين لنا بصورة جلية بأن الفتوى لم تأخذ بالمعتمد عند الشافعية، وإنما ترخصت برأي الحنابلة في هذه المسألة، وهذا من باب الترخص في الفتوى موضوع البحث.

المسألة الثامنة: الترخص برأي البهوتي الحنبلي بجواز تقاضي أحد الشركاء راتبا مقطوعا معلوما مقابل عمله في الشركة.

رقم الفتوى: 330

التاريخ: 24/8/2009

التصنيف: الشركة / المعاملات.

نص الفتوى المتعلق بالترخص: " أما تقاضي أحد الشركاء راتبا مقطوعا معلوما مقابل عمله في الشركة، فهذا لم نقف على ما يشبه جوازه سوى ما عند البهوتي الحنبلي رحمه الله في " شرح منتهى الإرادات " 2:324، حيث يقول : (وما جرت عادة بأن يستنيب فيه : فله أن يستأجر من مال الشركة إنسانا - حتى شريكه - لفعله إذا كان فعله مما لا يستحق أجرته إلا بعمل)، ولا نرى حرجا في تقليد هذه الأقوال من مذاهب الفقهاء تيسيرا على الناس في المسائل الاجتهادية...".

فنلاحظ كيف أن الفتوى بحثت في كتب الفقهاء عن قول ينطبق عليه سؤال المستفتي ليحكموا له بالجواز، فلم تجد إلا قولا عند الحنابلة، فأخذت به تيسيرا على الناس، وهل الترخص في الفتوى إلا هذا.

 

النتائج والتوصيات

توصّل الباحث في نهاية هذا البحث إلى النتائج والتوصيات التالية :

أولاً : النتائج

مفهوم الترخص في الفتوى: " إتباع ما هو أخف من أقوال الفقهاء في بعض المسائل الفقهية وفق ضوابط محددة ".
مسألة التصويب والتخطئة كان لها أثر واضح في ظهور فكرة الترخص في الفتوى.
الأخذ بالقول المرجوح عند الضرورة تأصيل دقيق لفكرة الترخص في الفتوى.
الترخص في الفتوى عند الحاجة أو الضرورة بالأخذ بالأقوال المعتبرة جائز لا حرج فيه، بخلاف تتبع الرخص لمجرد الهوى والغرض.
الترخص في الفتوى منهج واضح في فتاوى دائرة الإفتاء العام الأردنية، فأكثر من ثلاثين فتوى ترخصت فيها دائرة الإفتاء بأقوال العلماء المعتبرة وفق الضوابط الشرعية للترخص في الفتوى.

ثانيا ً: التوصيات

التوسّع في دراسة مسألة الترخّص في الفتوى من الناحية التطبيقيّة في فتاوى مجامع الفقه الإسلاميّة المختلفة.
تثقيف الناس بالوسائل المختلفة في موضوع البحث , من أجل البعد عن التعصّب  للمذهب أو الفكر , ولأجل تضييق فوّهة الاختلاف بين الجماعات الإسلاميّة.
دراسة قاعدة ( كلّ مجتهد مصيب ) من الناحية الأصولية والتطبيقية , لما يترتّب عليها من آثار.
حثّ طلّاب العلم الشرعي على مراعاة هذا المفهوم للتفرقة بين الاختلاف من جهة , وبين تعدد وجهات النظر في المسألة الواحدة من جهة الاختلاف.
توضيح أنَّ مفهوم الاختلاف إنما هو في المسائل الفرعية , وليس في القواعد العامة , والأصوليّة , والعقديّة.

 

(*) بحث مقدم لمؤتمر الفتوى واستشراف المستقبل، جامعة القصيم، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 30/1/2013م.

 

الهوامش:

 

([1])  انظر ؛ تاج العروس، باب الصاد، فصل الراء مع الصاد، ج17، ص596،.

([2])  انظر ؛ الجوهري، الصحاح، باب الصاد، فصل الراء، ج4، ص178، والزبيدي، تاج العروس، باب الصاد، فصل الراء مع الصاد، ج17، ص 594، وابن منظور، لسان العرب، حرف الصاد، باب رخص، ج7، ص40، وابن فارس، معجم مقاييس اللغة، كتاب الراء، باب الراء والخاء وما يثلثهما، ج2، ص500.

([3]) انظر ؛ الجوهري، الصحاح، مادة: رخص، ج4، ص178.

([4]) انظر ؛ تاج العروس، نفس المكان.

([5]) انظر ؛ ابن منظور، لسان العرب، حرف الصاد، باب رخص، ج7، ص 40.

([6])  عرّف السبكي  الرّخصة الشرعية بقوله: " الرخصة: ما تغيّر من الحكم الشرعي لعذر ٍ إلى سهولة ويسر، مع قيام السبب للحكم الأصلي، كأكل الميتة للمضطر "، السبكي،، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، ج2، ص 26.

([7])  قرار رقم 70 ( 1/8 )، بشأن الأخذ بالرخصة وحكمه، الدورة الثامنة المنعقدة في بندر سيري بيجوان، بروناي، دار السلام، من 21 ــ 27 حزيران ( يونيو )، 1993م، مجمع الفقه الإسلامي الدولي / جدة، قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي، ص 241 ــ 243، الدوحة، 2003م.

([8])  انظر؛ ابن منظور،لسان العرب،ج15،ص145ـ 147.

([9])  انظر؛ ابن سيدة،المحكم والمحيط الأعظم،ج9،ص524.

[10]

([11])  ابن القيم،إعلام الموقعين،ج1،ص81.

([12])  خطاب،مواهب الجليل،ج6،ص86.

([13])  البهوتي، شرح منتهى الإرادات،ج3،ص483.

([14])  السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج3، ص 19.

([15])  الشاطبي، الموافقات، ج4، ص138.

([16])  النووي، كتاب المجموع،ج1، ص120.

([17])  المقصود بحكم الاجتهاد من حيث النتيجة التي يصل إليها المجتهد ؛ هل هي صواب أم خطأ، وهو ما يعرف بالتصويب والتخطئة، لا من حيث كون الاجتهاد واجب، أم فرض على الكفاية.

([18])  السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج3، ص257.

([19])انظر؛ العروسي ,الترخص بمسائل الخلاف :ضوابطه وأقوال العلماء فيه ,ص9ــ10.

([20])  انظر؛ الغزالي، المستصفى في علم الأصول،ص352، و البزدوي البخاري، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، ج4، ص24-25، والقرافي، شرح تنقيح الفصول،ص 439 – 440،، والسبكي، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، ج4، ص 545 – 546.

([21])  انظر؛ الغزالي، المستصفى، ص352، والبزدوي، كشف الأسرار، ج4، ص24-25، والقرافي، شرح تنقيح الفصول، ص439-440.

([22])  هو ابن المنيِّر كما في البحر المحيط للزركشي، ج4، ص601.

([23])  الزركشي، البحر المحيط، ج4، ص601.

([24])  انظر؛ الغزالي، المستصفى، ص364.

([25])  البزدوي، كشف الأسرار، ج4، ص34.

([26])  انظر ؛ السيوطي، جزيل المواهب في اختلاف المذاهب  في 48 صفحة.

([27])  الشعراني، كتاب الميزان، ج1، ص 62 ـ 63.

([28])  ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الكبرى الفقهيّة، ج4، ص319.

([29])  البزدوي، كشف الأسرار، ج4، ص34.

([30])  الشاطبي، الموافقات، ج5، ص72ـ73.

([31])  ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج1, ص10.

([32])  ابن عابدين، رسائل ابن عابدين،  ج1 , ص26.

([33])  ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج1 , ص13ـ14.

([34]) ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج1 , ص49.

([35]) ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج1 , ص49ـ50.

([36])  ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج 1 , ص50، وانظر ابن عابدين،حاشية رد المحتار، ج7، ص78.

([37])  باعلوي،  بغية المسترشدين، ص583.

([38])  القرافي، الفروق أو أنوار البروق في أنواع الفروق،ج2، ص48.

([39])  الرحيباني، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، ج6، ص447.

([40])  انظر؛ ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، ج1، ص314.

([41])  انظر ؛ السبكي، الأشباه وانظائر، ص88.

([42])  النووي، روضة الطالبين، ج11، ص117.

([43])  الرحيباني، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، ج6، ص617.

([44])  أنظر؛ السيوطي،جزيل المواهب في اختلاف المذاهب،ص7ـ8.

([45])  ابن تيمية، الفتاوى الكبرى، ج5، ص94-95.

([46])  انظر؛ المليباري، فتح المعين، ج4، ص218، والنفراوي، الفواكه الدواني، ج1، ص164.

([47])  انظر؛ فتح المعين، نفس المكان، والفواكه الدواني، نفس المكان، والشوكاني، إرشاد الفحول، ج2، ص253.

([48])  انظر؛ ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص 83.

([49])  انظر؛ ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الحديثية، ص 83.

([50])  انظر؛ ابن الصلاح، فتاوى ابن الصلاح، ص60.

([51])  انظر؛ المليباري، فتح المعين، ج4، ص218.

([52])  الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، ص243.

([53]) الإسنوي، نهاية السول شرح منهاج الوصول، ج2، ص331.

([54]) ابن حجر الهيتمي، الفتاوى الفقهية الكبرى، ج4، ص315.

([55]) الخطيب البغدادي، الفقيه والمتفقه، ج2، ص432.

([56])  انظر؛ ابن أمير الحاج، التقرير والتحرير، ج3، ص465.

([57])  الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، ج4، ص243.

([58])  انظر؛ الزركشي، البحر المحيط، ج4، 593.

([59])  عليش، فتح العلي المالك، ج1، ص60.

([60])  ابن الفراء، العدة، ج 4، ص1227.

([61])  آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت: 652هـ)، وأضاف إليها الأب، : عبد الحليم بن تيمية (ت: 682هـ)، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية (728هـ) ]، المسودة في أصول الفقه، ص463.

([62])  البكري، إعانة الطالين على حلّ ألفاظ فتح المعين، ج4، ص249.

([63])  الرحيباني، مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى، ج1، ص391.

([64])  قرار رقم 70 ( 1/8)، بشأن الأخذ بالرخصة وحكمه في دورته المنعقدة في بروناي,دار السلام، قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي/جدة، ص243.

([65]) ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، ج2، ص 92.

([66]) ابن حزم، مراتب الإجماع، ص  51.

([67]) تم ترتيب أسماء العلماء في هذا المبحث بحسب أهمية كلامهم ومدى ارتباطه بموضوع البحث.

([68]) ابن الهمام،، فتح القدير لابن الهمام، ج7، ص 258،  وانظر؛ ابن نجيم، البحر الرائق، ج6، ص290.

([69]) أمير بادشاه، تيسير التحرير ج4، ص 370 – 371.

([70]) انظر؛ أمير بادشاه، تيسير التحرير نفس المكان.

([71]) العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج2، ص135.

([72]) العطار، حاشية العطار،ج 2، ص 442.

([73]) العطار، حاشية العطار،نفس المكان.

([74]) ابن حجر الهيتمي،  تحفة المحتاج في شرح المنهاج، ج10، ص112.

([75]) الزركشي، البحر المحيط، ج4، ص 601.

([76]) الزركشي، البحر المحيط، نفس المكان.

([77]) الزركشي، البحر المحيط، نفس المكان.

([78]) انظر ؛ ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، ص 376.

([79])  ابن قدامة، روضة الناظر، نفس المكان.

([80]) تم ترتيب أسماء العلماء بحسب أهمية كلامهم ومدى ارتباطه بموضوع البحث.

([81]) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص 76-77،

([82]) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص78.

([83]) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص82.

([84]) انظر؛ الشاطبي، الموافقات، ج5، ص92 ـ 93.

([85]) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص99 ـ 100.

([86]) الشاطبي، الموافقات، ج5، ص100 ـ 101.

([87])  انظر؛ الشاطبي، الموافقات، ج5، ص 102 ـ 103.

([88])  ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج4، ص211.

([89])  عليش، فتح العلي المالك ( فتاوى عليش )، ج1، ص60.

([90]) النووي، المجموع، ج1، ص120.

([91]) النووي، فتاوي الإمام النووي المسمى بالمسائل المنثورة،ج3، ص 128.

([92]) الغزالي، المستصفى، ص374.

([93]) ابن النجار هو : محمد بن أحمد بن داود، أبو عبد الله , شمس الدين , ابن النجار, (788هـ - 871 هـ) , قارئ دمشقي، من الشافعية ,  له : " غاية المراد في معرفة إخراج الضاد " و" الرد المستقيم " , انظر ؛ الزركلي , الأعلام،ج 2 , ص273.

([94]) ابن النجار، شرح الكوكب المنير، ج4، ص 577 ـ 578.

([95]) ابن النجار، شرح الكوكب المنير، ج4، ص 577 ـ 578.

([96]) المرداوي، الإنصاف، ج11، ص147.

([97]) السيوطي، الحاوي للفتاوي، ج1، ص349 ـ 350.

([98]) السيوطي، الحاوي للفتاوي، ج1، ص349 ـ 350.

([99]) انظر ؛ السيوطي، جزيل المواهب، ص1.

([100])انظر؛ السيوطي،جزيل المواهب، ص7.

([101])انظر ؛ السيوطي،جزيل المواهب، ص7ـ 8.

([102]) النفراوي، الفواكه الدواني، ج1، ص164.

([103]) النفراوي، الفواكه الدواني، ج1، ص164.

([104]) ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ج20، ص220.

([105]) ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ج20، ص220.

([106]) انظر ؛ ابن تيمية، مجموع الفتاوي، ج20، ص220.

([107]) انظر ؛ ابن عابدين، رسائل ابن عابدين، ج1 , ص 48.

([108]) انظر ؛ رسائل ابن عابدين، ج1 , ص 49.

([109])  انظر ؛ رسائل ابن عابدين، ج1 , ص26.

([110])  انظر ؛ رسائل ابن عابدين، ج1 , ص13 ـ 14، و ص49 ـ 50.

([111]) رسائل ابن عابدين، ج1 , ص 50.

([112])  يقصد بصاحب البحر: ابن نجيم صاحب البحر الرائق.

([113])  المعراج: كتاب معراج الدراية إلى شرح الهداية للسكاكي، انظر ؛ ابن نجيم، البحر الرائق، ج1، ص202.

([114]) رسائل ابن عابدين، ج1،ص50، وانظر ؛ ابن عابدين، حاشية رد المحتار، ج7، ص78.

([115])  الرحيباني، مطالب أولي النهى، ج1، ص391.

([116])  انظر ؛ مطالب أولي النهى، ج1،ص391.

([117])  انظر ؛ الشوكاني، إرشاد الفحول، ج2، ص252.

([118]) انظر ؛ الشاطبي، الموافقات، ج5، ص 190 –  192.

([119])قرار رقم 70 ( 1/8 )، بشأن الأخذ بالرخصة وحكمه في دورته المنعقدة في بروناي,دار السلام، مجمع الفقه الإسلامي الدولي/جدة، قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ص 241 ــ 243.

([120]) الدكتور حمد عبيد الكبيسي، في بحثه: الأخذ بالرخصة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي/جدة، العدد 8، ص208، بترقيم المكتبة الشاملة، الإصدار المكي.

[121] جميع هذه الفتاوى منقولة عن الموقع الإلكتروني لدائرة الإفتاء العام الأردنية : www.aliftaa.jo 

[122] انظر؛ الصنعاني، بدائع الصنائع،ج2،ص142،والنووي، المجموع، ج8،ص12، وابن قدامة، المغني، ج3،ص393.

[123] متفق عليه، رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحج، باب طواف الوداع، رقم الحديث 1755، ج2،ص179، ورواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحج،باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، رقم الحديث 380، ج 2، ص963.

[124] انظر؛ ابن عبد البر، الكافي في فقه أهل المدينة، ج1،ص406، والنووي، المجموع، ج8، ص12.

[125] انظر؛ الشافعي، الأم، ج2، ص197، وابن قدامة، المغني، ج3، ص404.

[126] انظر؛ الصنعاني،بدائع الصنائع،ج1،ص10، وابن نجيم، البحر الرائق، ج1، ص192.

[127] انظر ؛ عليش، منح الجليل شرح مختصر خليل، ج1، ص134 ــ 135.

[128] انظر؛ الرافعي،فتح العزيز بشرح الوجيز، ج2، ص373.

[129] انظر؛ النووي، روضة الطالبين، ج1، ص126.

[130] انظر؛ ابن قدامة، المغني، ج1، ص215، والمقدسي، العدة شرح العمدة، ص37.

[131] رواه الترمذي، انظر ؛ الترمذي، سنن الترمذي، كتاب الطهارة، باب في المسح على الجوربين والنعلين، رقم الحديث 99، ج1،ص167.

[132] انظر؛ ابن قدامة، المغني، ج1، ص215.

[133] رواه البخاري، انظر؛ البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب وارضاع، رقم الحديث 2645، ج3،ص170.

[134] انظر؛ الشافعي، الأم، ج5، ص28، وابن قدامة، المغني، ج8، ص171.

[135] رواه الترمذي، انظر؛ الترمذي،سنن الترمذي، باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان، رقم الحديث1150، ج3،ص448.

[136] رواه البخاري، وسبق تخريجه ص 36.

[137] انظر؛ شيخي زادة،مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر،ج1،ص440، وابن الجزي،القوانين الفقهية،ص151،والماوردي،الحاوي الكبير،ج10،ص287، والزركشي،شرح الزركشي على مختصر الخرقي،ج5،ص438.

[138] انظر؛الماوردي،الحاوي الكبير،ج10،ص286.

[139] انظر؛ملا خسرو؛درر الحكام شرح غرر الأحكام،ج1،ص387.

[140] انظر؛الزركشي،شرح الزركشي،ج5،ص438.

[141] انظر،الزيلعي،تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق،ج2،ص197.

[142] انظر؛السرخسي،المبسوط،ج30،ص46ـ47،الشربيني،مغني المحتاج،ج4،ص45ـ46، والبهوتي،كشاف القناع،ج4،ص492.

[143] رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما، انظر؛ أبو داود، سنن أبو داود،كتاب الديات،باب ديات الأعضاء،رقم الحديث4564،ج4،ص189،والبيهقي،سنن البيهقي الكبرى،كتاب الفرائض،باب لا يرث القاتل،رقم الحديث12239،ج6،ص360،ثم قال البيهقي: هذه مراسيل جيدة،يقوى بعضها ببعض،وقد روي موصولا من أوجه.

[144] انظر؛الشربيني،مغني المحتاج،ج4،ص45ـ46.

[145] انظر،الدردير،الشرح الكبير،ج4،ص486.

[146] انظر،الدردير،الشرح الكبير،نفس المكان.

[147] انظر؛ ابن عابدين، حاشية رد المحتار،ج4،ص363، والحطاب،مواهب الجليل،ج6،ص22،والشربيني،مغني المحتاج،ج3،ص524،والرحيباني،مطالب أولي النهى،ج4،ص280.

[148] انظر؛الرحيباني،مطالب أولي النهى،ج4،ص280.

[149] انظر؛ابن عابدين،حاشية رد المحتار،ج4،ص363،والحطاب،مواهب الجليل،ج6،ص22،والنووي،روضة الطالبين،ج5،ص315،وابن تيمية،مجموع الفتاوى،ج31،ص235.

[150] انظر؛ابن قدامة،المغني،ج6،ص262.

[151] الموصلي،الاختيار في تعليل المختار،ج2،ص63، وابن رشد القرطبي،البيان والتحصيل،ج11،ص72،والماوردي، الحاوي الكبير،ج6،ص189.

[152] انظر،البهوتي،كشاف القناع،ج3،ص189.