أضيف بتاريخ : 08-05-2013


دور الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة في معالجة الأزَمات المالية

هناء محمد هلال الحنيطي: أستاذ مشارك / جامعة عمان العربية - الأردن

 

(*) بحث مقدم لمؤتمر (الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة من منظور إسلامي) الذي أقامه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع جامعة العلوم الإسلامية العالمية، في عمّان - الأردن، ذو الحجة (1431هـ) - كانون أول (2010م).

 

إن تزايد المؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة يجعلها دوماً بحاجة إلى تشكيلة متنوعة ومتوالفة من الأدوات والمنتجات الماليَّة الإسلاميَّة المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. لذلك تعد الهندسة الماليَّة ذو أهمية كبيرة في الاقتصاد، حيث تؤدي الهندسة الماليَّة دوراً بارزاً في توفير التمويل، وإدارة السيولة من خلال الأدوات الماليَّة التي تعمل على نقل الأموال من الأطراف التي يتوفر لديها فائض من الأموال إلى الأطراف التي تعاني من عجز في الأموال. لِمَا للهندسة الماليَّة من دور هام في توفير التمويل اللازم للاستثمار وتنشيطه، فإن الحاجة ماسة في الواقع العملي لوجود أسواق وأدوات ماليَّة مضبوطة بالشريعة الإسلامية، وذات كفاءة عالية وقادرة على مواجهة الأزمات وتفعيل النشاط الاقتصادي. 

تستمد هذه الدراسة أهميتها من الإسهامات التي يتوقع إضافتها على المستويين العلمي والتطبيقي، وذلك من خلال مراجعة مفهوم الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة، وأهمية تصميم أدوات مالية مشروعة، يمكن أن يتم تداولها بالأسواق الماليَّة الإسلاميَّة. فتتمثل مشكلة الدراسة في محاولة البحث في واحد من المواضيع المهمة في المعاملات المالية المعاصرة (دور الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة في معالجة الأزمات الماليَّة) والتطبيقات المعاصرة لها، حيث تلقي الضوء على بعض تجارب الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة، وتهدف إلى توفير بعض المعلومات عن هذه الأدوات ودورها في مواجهة الأزمات الماليَّة المستقبلية، وفتح أفاق جديدة للمزيد من الدراسة والأبحاث الهادفة في هذا الموضوع.

ويعد موضوع الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة من الموضوعات الحديثة الهامة التي تحـتاج إلـى الكثير من البحث والدراسة المستفيضة والمتعمقة التي تجمع بين الجانب النظري والتحليلي،  لذلك حاولت الباحثة جمع ما يمكن أن يكون له صلة بموضوع البحث وأبرزها:

1. دراسة حنيني (2008) بعنوان:" تحويل بورصة الأوراق الماليَّة للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية" - وإمكانية التطبيق في بورصة عمان.[1] تناولت الدراسة مدى قدرة الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة في إيجاد البدائل وابتكار الحلول لمشكلات السيولة وتكاليف الإنتاج وإدارة المخاطر التي تعالجها الهندسة الماليَّة التقليدية، واختبار واقع المتعاملين في بورصة عمان، وتوصلت الدراسة إلى إمكانية تحويل بورصة عمان للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية.  

2. دراسة قندوز (2007) بعنوان: "الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة".[2] تناولت الدراسة مفهوم الهندسة الماليَّة التقليدية، وتاريخها، وخصائصها، وأهميتها في الماليَّة الإسلاميَّة، وتميزها عن نظيرتها التقليدية، وتناولت الدراسة عرضاً لأهم منتجات صناعة الهندسة الماليَّة.

3. دراسة حطاب (2005) بعنوان:" نحو سوق مالية إسلامية".[3] تناولت الدراسة إمكانية إيجاد سوق مالية إسلامية للخيارات والمستقبليات والعقود الآجلة، وتوصلت الدراسة إلى أنه من الممكن قيام سوق مالية إسلامية للعقود الآجلة في ظل العمل بضوابط الشريعة الإسلامية.

4. دراسة آل سليمان (2005) بعنوان: "أحكام التعامل في الأسواق الماليَّة المعاصرة".[4] تناولت الدراسة مفهوم الأسواق الماليَّة المعاصرة. بتعريفها، ونشأتها، وأنواعها، وتناولت الأدوات الماليَّة المتداولة في الأسواق الماليَّة المعاصرة، وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج متعلقة بالأحكام الفقهية بهذه الأسواق.

5. دراسة سويلم (2004) بعنوان: "صناعة الهندسة الماليَّة نظرات في المنهج الإسلامي".[5] تناولت الدراسة معالم المنهج الإسلامي لهندسة الصناعة الماليَّة، وتحديد الخصائص العامة للمنتجات الماليَّة، وتوصلت الدراسة إلى أن المنتجات الإسلامية إذا أرادت أن تثبت وجودها ينبغي أن تستوفي صفتين: الأولى هي السلامة الشرعية. والثانية هي الكفاءة الاقتصادية.

أولاً

الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة وأهدافها

1. السوق الماليَّة لغة واصطلاحاً:  

السوق الماليَّة financial market مصطلح مركب من كلمتين، هما: السوق والمال. السوق لغة: السوق من ساق يسوق سوقاً، وهو حَدْوُ الشيء. سميت السوق بذلك لما يساق إليها من البضائع والأشياء، والجمع أسواق[6]. والسوق اصطلاحاً: اسم لكل مكان وقع فيه التبايع بين من يتعاطى البيع. فلا يختص الحكم المذكور بالمكان المعروف بالسوق بل يعم كل مكان يقع فيه التبايع[7].

المال لغة: كل ما يملكه الفرد أو تملكه الجماعة من متاع، أو عروض تجارة، أوعقار، أو نقود، أو حيوان، وجمعه أموال[8]. والمال اصطلاحاً: جاء في مجلة الأحكام العدلية تعريف المال اصطلاحاً: هو ما يميل إليه طبع الأنسان ويمكن إدخاره إلى وقت الحاجة، منقولاً كان أو غير منقول[9].

يمكن تعريف الأسواق المالية باعتبار أنها مصطلح له دلالته الخاصة، ومفهومه المحدد، بأنها: "كل مكان أو حيز أو حتى إطار تنظيمي، تلتقي فيه رؤوس الأموال، من فئة وحدات الفائض، إلى فئة وحدات العجز، عن طريق إصدار أدوات مالية معينة لهذا الغرض، وتداول هذه الأدوات."[10]

2. مفهوم الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة ونشأتها:

تعرف الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة بأنها: "مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، وكل ذلك ضمن أحكام الشريعة الإسلامية."[11] وهذا التعريف مطابق لتعريف الهندسة المالية التقليدية إلا أنه يختلف عنها بخضوع الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة لأحكام الشريعة الإسلامية.

من حيث الواقع فإن الصناعة الماليَّة الإسلامية وجدت منذ أن جاءت الشريعة الإسلامية. وربما كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لبلال المازني، حين أراد أن يبادل التمر الجيد بالتمر الرديء، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً."[12] والناظر في الفقه الإسلامي يجد العديد من المحاولات القديمة للابتكار، بغض النظر عن مشروعيتها أو ملائمتها لمقاصد التشريع وقواعد المعاملات. فالتورق والعينة، وبيع الوفاء، وغيرها، تمثل محاولات لسد بعض الاحتياجات التمويلية التي واجهها الناس في السابق، ولا يزالون اليوم [13].

3. ضوابط الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة:                          

الإسلام دين شامل لكل مناحي الحياة ومنها الناحية الاقتصادية، وفي إطار الجانب الاقتصادي يهتم الإسلام بالنظام المالي والنقدي. وقد جاء الإسلام بنظام مالي ونقدي متكامل في نطاقه وأهدافه ومؤسساته، وقواعد العمل فيه وأسلوب تطوره. وتحتل الأسواق في الإسلام مكانة لا تقف عند حدودها كمؤسسة، بل ذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك، فقد وضع قواعد السّلوك في هذا السوق[14]، لذلك كان لا بد لهذه الهندسة ان يكون لها ضوابط خاصة بها تتمثل بما يأتي:

أ‌. تحريم الربا أخذاً وعطاءً بأنواعه الثلاثة: ربا الفضل والنسيئة وربا الديون.

ب‌. تحريم الميسر والقمار وأكل أموال الناس بالباطل.

ج‌.  التيسير ورفع الحرج: أي: بدون مشقة، وفي مجال المعاملات نجد القاعدة مطردة، حيث جعل الله سبحانه باب التعاقد مفتوحًا أمام العباد وجعل الأصل فيها الإباحة، ولم يضع من القيود إلا تلك التي تمنع الظلم أو تحرم أكل أموال الناس بالباطل[15].

د‌. القيم الأخلاقية في المعاملات الماليَّة الإسلاميَّة[16]: يقوم الاقتصاد في الإسلام على العقود الشرعية الحاكمة، وهذه العقود الحاكمة تحكمها مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية ومنها: التراضي وطيب النفس، وحسن النية، وبيوع الأمانة.  مما يثبت ذاتية هذا الاقتصاد واستقلاله ويؤكد صلاحيته لكل زمان ومكان، ومن أهم المباديء الأخلاقية في المعاملات الماليَّة الإسلاميَّة حسن المطالبة وحسن القضاء والتيسير على المعسر، يقول تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (البقرة:280).

ه‌. تحريم الغرر بما في ذلك الجهالة والغبن والتدليس.

و‌. العمل على تحقيق الاستثمار الحقيقي وتحريم الاستثمار الوهمي حيث تقوم العقود الإسلامية على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة.

ز‌. تحريم بيع ما لا يملك.

ح‌. التوازن فيتطلب وجود العدالة في تحمل كل من طرفي العقد لالتزاماته مقابل الحصول على حقوقه، ويجب كذلك مراعاة الالتزام بالشروط فالمسلمون عند شروطهم، وموجب ذلك كله الى حكمة الشريعة ورغبتها في قطع الطريق على النزاع والخصومة[17].

إن هذه الضوابط تؤكد على تطبيق المصداقية الشرعية؛ وهي أن تكون المنتجات والتصاميم المالية الإسلامية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مما يؤدي إلى ثقة وقناعة العملاء بالمنتجات الماليَّة الإسلاميَّة، وأن تحظى بالقبول العام.

4. أهداف الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة:  

تسعى الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، ومنها:

أ‌. توفير منتجات مالية إسلامية ذات جودة عالية تعتبر كبديل شرعي للمنتجات المالية التقليدية تمتاز بالمصداقية الشرعية.

ب‌. تحقيق الكفاءة الاقتصادية، يُمكِن لمنتجات الهندسة الماليَّة زيادةُ الكفاءة الاقتصاديَّة عن طريق توسيع الفُرَص الاستثماريَّة في مشاركة المَخاطِر، وتخفيض تكاليف المعاملات[18].

ج‌. تحقيق عوائد مجزية للمستثمرين وتنويع مصادر الربحية.

د‌. الإسهام في إنعاش الاقتصاد وذلك بالاستفادة من رؤوس الأموال التي تعزف عن المشاركة في المشاريع التي تمول ربوياً.

هـ. المساعدة في إدارة وتحقيق المواءَمة بين العوائد والمخاطرة والسيولة لدى الشركات والمؤسسات المالية.

و.المساعدة في تطوير أسواق المال المحلية والعالمية من خلال ايجاد أوراق مالية إسلامية.

ز‌. توفير تمويل مستقر وحقيقي ومن موارد موجودة أصلاً في الدورة الاقتصادية مما يقلل من الآثار التضخمية.

ح‌. توفير حلول شرعية مبتكرة لإشكالات التمويل.

ط‌. تقليل مخاطر الاستثمار بتنويع صيغه. 

ثانياً

الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة وتجنب الأزمات المالية ومعالجتها

1. الأزمة المالية العالمية:

أ‌.  تعريف الأزمة المالية:

الأزمة لغة: الشِّدَّةُ والقَحْطُ، وأَزَمَ عن الشيء: أمسك عنه، والمَأْزِمُ: المَضِيقُ وكلُّ طريق ضيِّق بين جبلين: مَأْزِمُ[19]. أما اصطلاحاً: فبالرغم من تعدد تعريفات الأزمة، إّلا أن هناك تشابهاً كبيراً بين هذه التعريفات ومدلول الأزمة وما تعنيه هذه الكلمة. ولغاية هذا البحث فإن تعريف الأزمة من المنظور المالي فهو: "التدهور الحاد في الأسواق المالية لدولة ما أو مجموعة من الدول؛ والتي من أبرز سماتها فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسة."[20]

ب‌.  أسباب الأزمات المالية العالمية:

استرشاداً بمختلف التقييمات التي أجريت حول الأزمات المالية والاقتصادية التي ضربت عالمنا منذ القرن الماضي، ومن أشهرها تقييمات كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة التقييم المستقلة التي أنشأتها. والتي أشتملت على دراسة الأزمات في (17) دولة وذلك خلال فترات مختلفة، فقد أشار بسيسو إلى أن أهم أسباب هذه الأزمات هي كما يلي[21]:

- الممارسات الاقتصادية الخاطئة، وتدخل غير رشيد في السوق لاعتبارات سياسية متعلقة بتوجيه الدعم.

- الفساد الإداري، وشيوع الكسب غير المشروع، وتزايد التذمر الاجتماعي.

- المضاربة التقليدية،  وفزع المستثمرين، وتصاعد الضغوط على أسعار العملات والبورصات.

- انتشار استخدام المشتقات في العمليات المصرفية، حيث ساهمت عقود المشتقات في زيادة حدة تقلّبات الأسواق.

- غياب المسؤولية الاجتماعية، وتعود الأفراد على الاقتراض.

- غياب المرتكزات الأخلاقية، وانتشار الفساد والاستغلال والجَّشَع، والتحايل على الأسواق. 

2. الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة والأزمات المالية: 

 يمكن للهندسة الماليَّة الإسلاميَّة المتمثلة في صيغ التمويل الإسلامية تلافي الوقوع في الأزمات المالية من خلال:  الصكوك الإسلامية، و قبل الخوض في الصكوك الإسلامية كان لا بد من بيان أمرمهم، وهو المبدأ الذي تقوم عليه الصكوك الإسلامية وهو مبدأ التوريق.

أ‌. التوريق في الصناعة الماليَّة الإسلاميَّة[22]:

يقصد بالتوريق في المفهوم الإسلامي: "تحويل أموال منقولة أو غير منقولة محددة إلى أداة مالية محددة مفصولة الذمة ومحددة المدة ذات عائد معين ولها وصف محدد. وقد كان المسلمون يسمون هذا النوع بـ(الموارقة) وهي استعمال الصكوك تقابل الدراهم الفضية."[23] وبالنسبة للمصارف الإسلامية فإنها لا تلجأ إلى توريق الديون وإنما إلى توريق الأصول[24]. يعتبر التوريق من منتجات صناعة الهندسة المالية وهو عملية تمويلية متطورة، وهو ما يتم في السوق المالية الإسلامية في صورة صكوك الإجارة والمشاركة والمضاربة، أما الديون فيمكن توريقها عند الإنشاء ولا يتم  تداولها، وهذا ما يتم في السوق المالية الإسلامية بصكوك المرابحة و السَّلَم والاستصناع. وتمثل عمليات التوريق للأصول التي تقوم بها المؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة إحدى الأدوات المالية قصيرة الأجل الهامة التي يمكن الاستفادة منها في سوق النقد لتوفير متطلبات السيولة إلى جانب إدارة المخاطر بالصورة التي تحقق أهداف هذه المؤسسة. إن عملية التوريق الإسلامي من الحلول العملية لتفعيل الأسواق المالية وأداة إحترازية كذلك، ويمكن الاستفادة من هذه الأداة التمويلية المستحدثة في تطوير الأسواق المالية العربية الإسلامية وحمايتها من الأزمات المالية، وعلى الهيئات الشرعية للمصارف والمؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة أن تقوم بدراسة هذه الصيغة وتطويرها.

ب‌. الصكوك الإسلامية[25]:

تعتبر صكوك الاستثمار الشرعية بديلاً للسندات المحرّمة التي تمثل التزاماً برد المبلغ مع فائدة مضافة إليه باعتبارها قروضاً ربوية. عرف مجمع الفقه الاسلامي صكوك المقارضة بأنها: "أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة، وما يتحول اليه بنسبة ملكية كل منهم فيه."[26]

وتعتمد هذه السندات أو الصكوك في أساسها الفقهي على المضاربة، لأنها تمثل حصصاً شائعة في رأسمال المضاربة وتكون متساوية القيمة، وتتوافر فيها شروط عقد المضاربة من الإيجاب والقبول، ومعلومية رأس المال ونسبة الربح. ومن مزايا هذه السندات أنها لا تدر أية فوائد, ولكن مالك السند له الحق في الحصول على نسبة محددة من الأرباح الصافية للمشروع في نهاية كل سنة مالية, وذلك بعد فترة السماح اللازمة لتنفيذ المشروع. وجاء في قرارات المؤتمر بأنه يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن التزمت بالضوابط الشرعية، وذلك وفقا للعرض والطلب ويخضع  لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه الى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء  هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. 

ومن أنواع الصكوك الإسلامية:

- الصكوك المتمثلة في موجودات الأعيان. مثل صكوك المضاربة، والمشاركة.

- الصكوك المتمثلة في المنافع. مثل صكوك الإجارة.

- الصكوك المتمثلة في موجودات الديون. مثل صكوك المرابحة، واسلم، والاستصناع.

صكوك المُضَاربة:

عبارة عن تقسيم راس المال إلى حصص متساوية، وقد يتم تقديمه بواسطة طرف واحد أو أن يتعدد مقدموه. وهي صكوك ذات عائد مالي غير محدد ولكنه متوقع وذلك بقراءة نشاط الشركة المصدرة لها من خلال ميزانياتها المعروضة عبر السنوات الماضية وكذلك مؤشرات السوق. ومن أهم خصائص صكوك المُضَاربة[27]:

- قابليتها للتداول في أسواق رأس المال.

- يمكن إصدار هذه الصكوك لتشمل كافة القطاعات الزراعية والصناعية والخدمية والعقارية.

- سهولة الرقابة عليها من الجهات المستفيدة من التمويل لإرتباطها بموجودات عينية.

صكوك المُشاركة:

"صكوك استثمارية تمثل ملكية رأسمال المُشَاركة، ولا تختلف عن صكوك المقارضة إلا في تنظيم العلاقة بين جهة الإصدار الراعية للصكوك وحملة الصكوك، وقد تشكل الجهة المنوط بها الإدارة لجنة للمشاركين يُرجع إليهم في اتخاذ القرارات الاستثمارية."[28] ومن تطبيقات صكوك المُشَاركة، أن تشترك فيها الدولة أو شركة مساهمة من طرف ومالكي الصكوك من طرف آخر لتمويل شراء عقارات مثلا تديرها جهة متخصصة وذلك بهدف تحقيق عائد يتم توزيعه على المالكين بنسبة ما يملكه كل منهم. ومن أهم خصائص صكوك المُشَاركة ما يلي:

- ذات مخاطر استثمارية متدنية لأنها مسنودة بأصول اقتصادية تتميز بربحية عالية وإدارة كفؤة وتتنوع في قطاعات اقتصادية مختلفة.

- يمكن تسييلها في أي لحظة في السوق المالي.

- يمكن استخدامها في تسوية المعاملات المالية كوسيلة دفع مضمونة السداد.

صكوك الإجارة:

تقوم صكوك الإجارة على مبدأ التصكيك (أو التسنيد أو التوريق) الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على مشروع استثماري يدرّ دخلاً. والغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية (صكوك) يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية. وعلى ذلك عُرّفت بأنها "سندات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصاً شائعةً في ملكية أعيان أو منافع ذات دخل."[29]  ومن أنواعها: صكوك الأعيان المؤجرة، وصكوك الخدمات، وصكوك المنافع. ومن أهم مميزات صكوك الإجارة ما يلي:

- متوسطة وطويلة الأجل وقليلة المخاطر.

-  قابلة للتداول في أسواق المال.

-  تستخدم في تمويل المشروعات الكبرى.

-  توفر ميزة تملك المشروع في نهاية العقد.

-  يمكن استخدامها من قبل البنوك المركزية في عمليات السوق المفتوحة مثلها مثل سندات الدين.

صكوك المرابحة:    

إن استصدار صكوك مرابحة ممكنا فقط في حالة السوق الأولي وبالذات في حالة كبر قيمة الأصل أو المشروع محل المرابحة (طائرة مثلا أو مشروع تنموي كبير). بينما تداولها في السوق الثانوي يعتبر مخالفا للشريعة لأن بيع المرابحة قد يكون مؤجلا، وبالتالي فأنه يعتبر دينا، وبيع الدين لا يجيزه الفقهاء. ولكن توجد بعض الآراء الفقهية التي تجيز تداول صكوك المرابحة ولكن ضمن وعاء غالبيته من الأصول الأخرى، كتعاقدات الإجارة أو المشاركة أو المقارضة مثلاً[30].

ومن أهم مميزات صكوك المرابحة ما يلي:

1. إشباع حاجات الأفراد من السلع وغيرها من الحاجيات.

2. فتح أبواب ملائمة للاستثمار، وتحقيق عوائد مجزية للمستثمرين.

3. تنشيط التجارة الداخلية على أساس شرعي.

4. دعم الصناعة الوطنية والقطاعات الاقتصادية المختلفة من زراعة وخدمات...الخ.

صكوك السَّلَم:                          

"صكوك تمثل بيع سلعة مؤجلة التسليم بثمن معجّل، والسلعة المؤجلة التسليم هي من قبيل الديون العينية، لأنها موصوفة تثبت في الذمة، ولا يزال في ذمة البائع، لذلك تعتبر هذه الصكوك غير قابلة للبيع أو للتداول في حالة إصدار الصك من قبل أحد الطرفين: البائع أو المشتري، فهي من قبيل الاستثمارات المحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق."

تتميز صكوك السَّلَم بما يلي:

1.تشغيل أموال المستثمرين بربح جيد.

2.توفير التمويل اللازم للمنتجين و رجال الأعمال حسب الأحكام الشرعية.

3.ضمان الحصول على السلعة وقت احتياجاتها بسعر مناسب.

صكوك الاستصناع:

صكوك الاستصناع في حقيقتها كصكوك السَلَم، إذ تمثل بيع سلعة مؤجلة التسليم بثمن معجّل، والسلعة هي من قبيل الديون العينية، لأنها موصوفة تثبت في الذمة، إلا أنه يجوز تأجيل ثمنها، والمبيع في الحالتين لا يزال في ذمة الصانع أو البائع بالسلم، لذلك تعتبر هذه الصكوك غير قابلة للبيع أو التداول في حالة إصدار الصك من قبل أحد الطرفين: البائع أو المشتري.

تتميز صكوك الإستصناع بما يلي:

1. توفر هذه الصيغة تمويلا متوسط الأجل لتلبية الإحتياجات التمويلية لتصنيع سلع محددة.

2. يمكن استعمال هذه الصيغة لتمويل رأس المال العامل للمشروعات الإستثمارية ذات الجدوى، وهي بذلك تختلف عن صيغتي الإجارة أو البيع لأجل.

3. تسمح هذه الصيغة بتمويل مشروعات البنية التحتية مثل الطرق و المجاري وما شابهها.

4. تشجع هذه الصيغة و تساعد في الإستغلال الأمثل للمواهب والقدرات التكنولوجية.

3.بعض  النماذج  التطبيقية لإصدارات أدوات الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة[31]:

سعت بعض الدول الإسلامية إلى إصدار أدوات ماليَّة إسلاميَّة، وقد أثبتت التجربة العملية نجاحاً هائلاً في كثير من الدول الإسلامية، ونستعرض هنا وبشكل مختصر تجارب هذه الدول مرتبة حسب التسلسل الزمني للإصدار وهي كما يلي:

أ‌.  المملكة الأردنية الهاشمية: تعد المملكة الأردنية الهاشمية الأولى تأصيلاً لسندات المقارضة وتطبيقاً لها، فقد كانت البداية عند بدء العمل لوضع مشروع قانون البنك الإسلامي الأردني، بناء على تقديم فكرة سندات المقارضة أسلوباً تمويلياً بديلاً شرعياً لسندات القروض الربوية، والجهة المصدرة لهذه السندات هي وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن[32].

ب. ماليزيا: أصدرت الحكومة الماليزية صكوك حكومية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية تدعى شهادات الاستثمار الحكومي Government Investment Certificates-GIC وذلك في عام 1983م، وهناك الصكوك الإسلامية الصادرة عن الشركات الخاصة، حيث أصدرت شركة باوستهد القابضة في ماليزيا صكوكاً لإنشاء محطة طاقة، وتعد هذه الصكوك أحد أشكال التعاملات البارزة في السوق، حيث طرحت فكرة هذه الصكوك في ماليزيا عام 1990م،  فقد قامت بتنظيم التعامل بالإصدارات الإسلامية عن طريق جهة رسمية، أطلق عليها سوق المال الإسلامية الماليزية[33].

ج. تركيا: صدرت في تركيا عام 1984م صكوك مشاركة بمبلغ 200 مليون دولار ومخصصة لتمويل بناء جسر معلق على مضيق البوسفور (جسر محمد الفاتح) ولاقى هذا الإصدار قبولاً واسعاُ من المواطنين، ودر دخلاً جيداً لأصحاب الصكوك، وتعد هذه الصكوك من الأدوات المالية المتداولة في بورصة استانبول[34].

د. السودان: قام المصرف المركزي السوداني في عام 1999م،  بإصدار شهادات مشاركة المصرف المركزي (شمم)، وهي وثيقة إسلامية قابلة للتداول، والهدف من إصدار هذه الشهادة هو تنظيم السيولة النقدية في الاقتصاد السوداني مع بداية كل ميزانية عامة للدولة. وشهادات المشاركة الحكومية (شهامة)، وتعد هذه الشهادة أداة مالية إسلامية شرعية تقوم على أساس المشاركة بين الحكومة والمستثمرين، ويتحمل المشارك فيها الربح والخسارة[35].

 هـ. الباكستان: أصدرت المصارف والمؤسسات التمويلية شهادات تسمى المشاركة لأجل محدد، وهي قابلة للتحويل، ووظيفتها تعبئة موارد تمويلية متوسطة وطويلة الأجل بالعملة المحلية للصناعة وغيرها[36].

و. البحرين: بدأت مؤسسة نقد البحرين بإصدار عشرة إصدارات صكوك إجارة بلغ مجموعها 750 مليون دولار في عام 2001م، هذا إلى جانب إصدار صكوك سلم بمبلغ 25 مليون دولار، وتعد مملكة البحرين مركزاً مالياً إسلامياً عالمياً، إضافة إلى كونها مقراً للسوق الماليَّة الإسلاميَّة الدولية[37].

ز. البنك الإسلامي للتنمية: البنك الإسلامي للتنمية مؤسسة مالية دولية أنشئت ببيان صادر عن مؤتمر وزراء مالية الدول الإسلامية الذي عقد في مدينة جدة في شهر ذي القعدة من عام 1393/ الموافق لشهر ديسمبر/   1973م[38]. وفي هذا السياق، أطلق البنك أحدث مبادراته في يوليو/ من عام 2003م وهي إصدار صكوك البنك الإسلامي للتنمية (السندات). ونجح البنك في توسعة نوع المستثمرين لهذه الأصول، وكانت العملية أصلاً إصداراً إسلامياً، إلا أنها اجتذبت مستثمرين تقليديين، فقد جاء نحو 70% من الطلبات من السوق التقليدية. وحقق البنك أهدافه في إشراك المصارف المركزية التي تمثل نحو 40% تقريباً من طلبات الشراء[39].

ح. الإمارات العربية المتحدة وقطر:  قامت حكومة دبي ممثلة بدائرة الطيران المدني بتوقيع اتفاقية مع ستة بنوك إسلامية بإدارة بنك دبي الإسلامي، تم بموجبها إصدار صكوك إجارة بقيمة بليون دولار أمريكي، تم تغطيتها بالكامل، وفي قطر فقد  أدار كل من بنك HSBC، وبنك قطر الإسلامي الدولي عملية إصدار صكوك قطر العالمية Global Qatar Sukuk     وهي صكوك إجارة إسلامية تراوح حجم الإصدار فيها ما بين 500-1000 مليون دولار أمريكي، لإنشاء مدينة حمد الطبية في الدوحة[40].

ثالثاً: كيف يمكن الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة أن تكون صمام أمان للأزمات المالية:

إن التمويل الإسلامي للاستثمار بالتجارة والانتاج، القائم على اقتسام الأرباح والخسائر سيساعد على إدخال انضباط سوقي أكبر في النظام المالي والسعي قدماً لتخفيض الإقراض الجامح، غير الحذر وغير المراقب، وجعل النظام المالي أكثر صحة وقدرة على تقسيم أوسع وأشمل للمخاطر[41]. فطريقة هندسة التمويل الإسلامية تجعل النظام المالي في مجمله أكثر تنوعاً، كما ان حالات الاندفاع المعلومات Informational:Run ضئيلة الحدوث في منتجات الصناعة الماليَّة الإسلاميَّة. وقد تبين للباحثين أن الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة لديها العديد من المميزات والإيجابيات  لتجنب ومعالجة الأزمات المالية، متمثلة بأسواقها وأدواتها المالية. وحتى تتمكن الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة من ان تكون صمام أمان للأزمات في المستقبل تقترح الباحثة وجود جهات متخصصة تعمل دراسة إحتياجات السوق بشكل مستمر، وإعداد الكوادر البشرية التي تجمع بين المعرفة الشرعية والمعرفة بالمؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة، وتهيئة البيئة المناسبة التي تحفز الإبداع والتطوير، ويمكن أن تكون هذه الجهة هي السوق الماليَّة الإسلاميَّة الدولية. 

1. مميزات وإيجابيات السوق الماليَّة الإسلاميَّة[42]:

 بناء"على ما تم ذكره من أدوات التمويل الإسلامي وتداولها في السوق الماليَّة الإسلاميَّة يتبين لنا الإيجابيات التي حظى بها السوق الماليَّة الإسلاميَّة والتي تعمل على تفادي الأزمات من خلال:

1. أنها سوق لا تتعامل بأدوات الدين، وإنما تشجع على تداول أدوات الملكية بشكل واسع.

2. سوق خالية من الاحتكارات، والتي تؤثر سلبا على أسعار الأوراق المالية المتداولة فيها.

3. يتم الاهتمام بالسوقين الأولية والثانوية بشكل متكافىء، وتعتبر أن معيار كفاءة الأسواق المالية هو مدى تمويلها للمشروعات المنتجة الجديدة.

4. سوق تنعدم فيها المضاربة في الأوراق المالية، والإشاعات الكاذبة، وذلك بسبب المنع الشرعي لكثير من المعاملات التي تعد مجالاً لعمليات المضاربة.

5. المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد، وذلك عن طريق مشاركة المواطنين مع الدولة في مشروعاتها الإنمائية.

6. الحد من التضخم، وذلك عن طريق مساهمة هذه السوق في إتاحة السيولة والتمويل طويل الأجل اللازمين لإيجاد فرص إستثمارية جديدة.

2. مميزات وإيجابيات الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة:

بناء على ما تم ذكره من أنواع الصكوك الإسلامية ومفهومها، فقد تبين للباحثة الإيجابيات التي حظيت بها أدوات التمويل الإسلامية، والتي تؤدي إلى تفادي ومعالجة الأزمات المالية، نذكر منها:

1. الصكوك تمثل ملكية حصص شائعة في الموجودات، بعكس السندات الربوية التي يملك حاملها حقوق الورقة المالية فقط دون استحقاق ثابت في أصل الموجودات.

2. قابلية الصك الإسلامي للتدوال، ويمكن تداولها بكل الوسائل المشروعة.

3. تصدر الصكوك الخاصة بمشروع معين بفئات متساوية؛ لأنها تمثل حصص متساوية في ملكية المشروع.

4. ضبط الأصدار والتداول بضوابط شرعية، شأنها شأن كافة المعاملات المالية التي يجب أن تتم وفق القواعد الماليَّة الإسلاميَّة[43].    

5. تعمل الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة على زيادة التدفقات في الاستثمارات الإسلامية، الأمر الذي يؤدي إلى انفتاح سوق المال الإسلامية عالمياً[44].

6. الاعتماد على مبدأ المُشَاركة المتنوعة وتوزيع المخاطر.

7. تعمل على ضبط عملية التوريق لتكون لأصول عينية وليس للديون، حيث أن الديون يمكن توريقها عند الإنشاء ولا تتداول[45].

8. إنها تقدم أسلوباً جيداً لإدارة السيولة تستطيع به المصارف والمؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة أن تدير به سيولتها.

3. الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة: حلول واقتراحات:

إن الشريعة الإسلامية كفيلة بتحصين القطاع المالي والمصرفي بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام من التعرض للأزمات، إذا ما تم الالتزام بالشريعة بما تمثله من أسس ومفاهيم أخلاقية والتي تمثل القاعدة الفعالة لمنع الأزمات[46]، لذلك يمكن للهندسة الماليَّة الإسلاميَّة أن تكون صمام أمان للأزمات المالية المستقبلية وذلك من خلال ما يلي:

- تشجيع قيام مؤسسات مالية ومصارف متخصصة بالتمويل المتوسط وطويل الأجل ملتزمة بتطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية[47].

- العمل على إبتكار وتطوير منتجات مالية إسلامية بديلة للمنتجات المالية التقليدية.

- إمكانية رد الأوراق المالية المعيبة أو غير الصالحة عندما تقترن أساليب الاستثمار بشروط مخالفة للشريعة، ومن أهمها اشتراط خيار- الشرط، وخيار الرؤية، وخيار المجلس[48].

- العمل على تسويق الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة وذلك من خلال دراسة احتياجات السوق  وتوجيه موارد المدخرين إلى الاستثمارات السليمة، وهذا قد يؤدي إلى تداول الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة في الأسواق المالية العالمية مما يساعد على انتشارها[49].

- العمل على تنويع الاستثمار في الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة وعدم التركيز على أداة معينة. وإصدار التشريعات والقوانين من قبل الدول الإسلامية والعربية للتعامل مع الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة المستحدثة[50].

- العمل على وضع حد أعلى للعقود التي يمكن ان يشتريها المتعامل من سلعة معينة، أي عدم السماح لأي متعامل بمفرده أن يستحوذ على أكثر من عدد معين من العقود في هذه السلعة، لأن هذا يحد من تأثير المتعامل الواحد على السوق[51].

- التأكد من أن صناع السوق يقومون بدورهم في تحقيق استقرار السوق ولا يستغلون مراكزهم وإمكاناتهم في خلق عدم الاستقرار وزيادة تقلبات السوق واستغلال صغار المتعاملين.

- تحريم التدوال المرتب مسبقاً، حيث يتشاور مشتركان مسبقاً ويتفقان على تداول معين بسعر محدد، ذلك لأن التداول المرتب مسبقاً غير تنافسي ويمكن ان يكون خياراً مخالفاً لقاعدة "المزاد العلني" في المبادلة.

- إنشاء وكالات التصنيف الائتماني الإسلامية مثل المؤسسة الموجودة في البحرين وماليزيا. وتطوير وبناء مؤشرات مالية إسلامية، وضرورة الاستفادة من أخطاء مؤسسات التصنيف الائتماني التقليدي.

تشير حقائق التطور المصرفي الإسلامي المعاصر في ظل العولمة المالية إلى توفر بذور ثبت صلاحياتها لحوار مصرفي حضاري عالمي يعيد القطاع المالي والمصرفي لجذوره الأخلاقية التي نادى بها الإسلام ضمن إطار إقتصادي مؤسسي وتشريعي متكامل. وتبشر عملية الإنطلاق لزراعة ورعاية هذه البذور الإسلامية بتخليص النظام الاقتصادي والمالي والتجاري العالمي من كافة مظاهر الفساد والظلم والمعاناة التي استفلحت في حياة البشرية[52].

الخاتمة

خلصت الدراسة إلى عدد من الاستنتاجات والتوصيات يمكن تلخيصها فيما يلي:

1. إن مفهوم الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة قديم قدم التعاملات المالية، ويعني: مجموعة الأنشطة التي تتضمن عمليات التصميم والتطوير والتنفيذ لكل من الأدوات والعمليات المالية المبتكرة، بالإضافة إلى صياغة حلول إبداعية لمشاكل التمويل، وكل ذلك ضمن أحكام الشريعة الإسلامية.

2. عملية التوريق الإسلامي من الإبتكارات التي أدت لحلول عملية لتفعيل الأسواق المالية وأداة إحترازية كذلك، ويمكن الاستفادة من هذه الأداة التمويلية المستحدثة في تطوير الأسواق الماليَّة الإسلاميَّة وحمايتها من الأزمات المالية.

3. أن الهندسة الماليَّة الإسلاميَّة، تحتوي على تشكيلة متنوعة من الأدوات والمنتجات المالية التي تختص بالكثير من المميزات والإيجابيات  لمعالجة وتجنب الأزمات المالية.

4. يطرح النظام المالي الإسلامي العديد من المقترحات الفعالة لمعالجة الأزمة المالية من خلال صيغ شرعية تتناسب مع حاجات المجتمعات المتنوعة وعلى رأسها الصكوك الإسلامية؛ كصكوك المضاربة، وصكوك الاجاره، وصكوك السلم، والاستصناع... إلخ.

5. إن الشريعة الإسلامية كفيلة بتحصين القطاع المالي والمصرفي بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام من التعرض للأزمات، إذا ما تم الإلتزام بالشريعة بما تمثله من أسس ومفاهيم أخلاقية.

وبناءً على ذلك توصي الدراسة بما يأتي:

1. إعداد الكوادر البشرية التي تجمع بين المعرفة الشرعية والمعرفة بالمؤسسات الماليَّة الإسلاميَّة.

2. العمل على تفعيل الأسواق الماليَّة الإسلاميَّة، من خلال الموائمة بين المصداقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية.  

3. العمل على نشر الوعي وتسويقه في استخدام الأدوات الماليَّة الإسلاميَّة.

 

الهوامش:


[1]  حنيني، محمد وجيه، تحويل بورصة الأوراق المالية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، أطروحة دكتوراه قدمت في الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 2008.

[2]  قندوز، عبد الكريم، أحمد، الهندسة المالية الإسلامية: دورها في إنشاء وتطوير السوق المالية الإسلامية وإمدادها بالأدوات المالية الشرعية،  مؤتمر أسواق الأوراق المالية والبورصات، كلية الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، 16-18 صفر 1428 هـ، 6-8- مارس 2006م.

[3]  حطاب، كمال توفيق، نحو سوق مالية إسلامية،  المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، 2005.

[4]  آل سليمان، مبارك بن سليمان بن محمد، أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، الرياض، المملكة العربية السعودية: كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع، 1426هـ، 2005.

[5] سويلم، سامي، صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الإسلامي، مركز البحوث، شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، 2004م.

[6] ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت، لبنان: دار الجيل، ط1، 1411، 1991م، ص 117.

[7] العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن عالي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: عبد العزيز بن باز ومحمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، لبنان: دار الكتب العلمية، 1410، 1989م، ص 431.

[8] مجمع اللغة العربية المصري: المعجم الوسيط، مجموعه من الأساتذة بإشراف مجمع اللغة   العربية،  ط2، طبعة المجمع،  دت، ص 892.

[9]  حيدر، علي، در الحكام شرح مجلة الأحكام، دار الجيل، بيروت، لبنان: دار الجيل، ط1، 1411، 1991م، ص 115.

[10]  حنيني، محمد وجيه، تحويل بورصة الأوراق المالية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، (رسالة دكتوراه، الأكاديمية العربية للعلوم المالية، 2008م)، ص 11.

[11]  صالح، فتح الرحمن علي، أدوات سوق النقد الإسلامية - مدخل للهندسة المالية الإسلامية، مجلة المصرفي، المجلد 26،  العدد16، بنك السودان، الخرطوم، موقع WWW.Kantakji.com. تاريخ 4 /2/ 2010م.

[12] صحيح البخاري، حديث (2089).

[13]  سويلم، سامي، صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الإسلامي، مركز البحوث، شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، 2004م، بتصرف.

[14] السعد، أحمد، الأسواق المالية المعاصرة، أربد، الأردن: دار الكتاب الثقافي، 1428هـ، 2008م، ص 9.

[15]  السويلم، صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الإسلامي، مرجع سابق، بتصرف.

[16] البعلي، عبدالحميد محمود، الأخلاق المهنية في المؤسسات المالية الإسلامية، اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال أحكام الشريعة الإسلامية، الكويت، ط1، 2006م، ص 29.

[17] جاسر، محمد عمر، نحو منتجات مالية إسلامية مبتكرة، مؤتمر المصارف الإسلامية اليمنية، الواقع وتحديات المستقبل، في الفترة 20-21 -2010م، ص 7.

[18] السويلم، صناعة الهندسة المالية نظرات في المنهج الإسلامي، مرجع سابق، بتصرف.

[19] الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، القاهرة، مصر: المطبعة الكلية، 1329، ط1، ص461.

[20] الحسن، عرفات تقي، التمويل الدولي، عمان، الأردن: دار مجدلاوي، 1999 م، ص. 200

[21] بسيسو، فؤاد حمدي، محددات إدارة الأزمات الإقتصادية والمالية والمصرفية- الدليل العلمي التطبيقي لإدارة الأزمات، إتحاد المصارف العربية، 2010م،  ص 517.

[22] قندوز، عبد الكريم، أحمد، الهندسة المالية الإسلامية: دورها في إنشاء وتطوير السوق المالية الإسلامية وإمدادها بالأدوات المالية الشرعية، ص 34.

[23] الخياط، عبد العزيز، نظرية العقد والخيارات في الفقه الإسلامي، عمان، الأردن: المعهد العربي للدراسات الإسلامية، 1998م، ص 243.

[24]  انظر: قرار لمجمع الفقه الإسلامى التابع لرابطة العالم الإسلامى فى دورته السادسة المنعقدة فى يناير 2003م

[25] جناحي، عبد اللطيف عبد الرحيم، البدائل الشرعية للسندات التقليدية، ص95. موقع الشبكة المعلوماتية   www.almoslim.com، بتاريخ 5 / 12 / 2009م، ص 9.  

[26]   انظر: مجمع الفقه الاسلامي في مؤتمره الرابع بجدة من 18-23/جمادي الاخر/ 1408هـ الموافق 6-11/2 /1988م

[27] عثمان، عبد القوي، الصكوك الإسلامية وإدارة السيولة، المؤتمر الرابع للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، دمشق، يونيو /2009م. 

[28] الشايجي، وليد خالد، الحجي، عبد الله يوسف، صكوك الاستثمار الشرعية، مؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية، كلية الشريعة والقانون، الإمارات العربية المتحدة، مارس /2005م، ص 9.

[29] مجمع الفقه الإسلامي الدولي: الدورة الخامسة عشرة: 2004م.

[30]  الحلاق، الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي، مرجع سابق، ص12.

[31] المسعودي، أحمد أسعد أحمد، متطلبات إنشاء سوق مالية إسلامية في ليبيا، (رسالة دكتوراه، جامعة عمان العربية للدراسات العليا، 2009م)، ص 102.

[32] العبادي، عبد السلام، سندات المقارضة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، العدد الرابع، الجزء الرابع، 1408هـ، 1987م، ص 19.

[33]  انظر: الماحي، عصام الزين، تقييم عمليات المصارف الإسلامية في أسواق الأوراق المالية المحلية والأجنبية وأسواق المعادن الثمينة، عمان، الأردن: الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 2004، م، ص 145، بن زكريا، محمد صبري، نافذة المعاملات الإسلامية في المصارف التجارية، دراسة حالة بنك بوميبترا الماليزي - رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، كلية الشريعة، 1999م، 107.

[34] حمود، سامي حسن، مستقبل النجاح لإقامة سوق رأس المال الإسلامي، منشور في كتاب أسواق المال الخليجية، البحرين، بنك الخليج الدولي، 1998م،  ص 53.

[35]  المرجع السابق، ص 33.

[36] محي الدين، أحمد، أسواق الأوراق المالية وآثارها الإنمائية في الاقتصاد الإسلامي، سلسلة صالح كامل للرسائل الجامعية في الاقتصاد الإسلامي، 1995م،  ص 13.

[37]  الماحي، تقييم عمليات المصارف الإسلامية في أسواق الأوراق المالية المحلية والأجنبية وأسواق المعادن الثمينة، مرجع سابق، ص 33.

[38] التقرير السنوي للبنك الإسلامي للتنمية: 1417هـ:34.

[39] فضل الله، بشير عمر محمد، تجربة البنك الإسلامي للتنمية في دعم التنمية في الدول الإسلامية، والتحديات المستقبلية التي تجابه الصناعة المصرفية الإسلامية، جدة، مجمع الفقه الإسلامي، 2006م، ص 9.        

[40] نشرة إصدار صكوك قطر العالمية: 2003م.

[41] عبد القادر، فضيل، النظام المالي الإسلامي: مستوعب أم معمق للصدمات، المؤتمر الدولي الرابع المعني بالصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي، بنك السودان المركزي، 2010م،  ص2، بتصرف.

[42]  انظر: سمور، نبيل خليل طه، سوق الأوراق المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق" دراسة حالة سوق رأس المال الإسلامي في ماليزيا"، رسالة ماجستير، كلية التجارة، الجامعة الإسلامية، غزة، 1428هـ، 2007. بسيسو، فؤاد حمدي، محددات إدارة الأزمات الإقتصادية والمالية والمصرفية- الدليل العلمي التطبيقي لإدارة الأزمات، إتحاد المصارف العربية، 2010، بتصرف.

[43]حامد، أحمد إسحاق الأمين، الصكوك الإسلامية الاستثمارية، (رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، 2005م)، ص 29، بتصرف.

[44]الهيتي، قيصر عبد الكريم، أساليب الاستثمار الإسلامي وأثرها على الأسواق المالية، دمشق، سوريا: دار رسلان، 2006م، ص6.

[45] عمر، محمد عبد الحليم، قراءة إسلامية في الأزمة المالية العالمية، ندوة  "الأزمة المالية العالمية من منظور إسلامي وتأثيرها على الاقتصادات العربية" جامعة  الأزهر، مركز صالح عبدالله كامل للاقتصاد، 11/شوال/ 1429هـ/ 11/أكتوبر/2008م، ص 19.  

[46] بسيسو، فؤاد حمدي، محددات إدارة الأزمات الإقتصادية والمالية والمصرفية- الدليل العلمي التطبيقي لإدارة الأزمات، إتحاد المصارف العربية، 2010م، ص 384.

[47]  هارون، محمد صبري، أحكام الأسواق المالية، عمان، الأردن: دار النفائس، 1429هـ، 2009م، ط2، ص 288-289.

[48]  المسعودي، متطلبات إنشاء سوق مالية إسلامية في ليبيا، مرجع سابق، ص 61.

[49] كامل صالح عبدالله، دور المصارف الإسلامية في دعم وتطوير أسواق رأس المال، مجلة اتحاد المصارف العربية، 2002م. ص 337-339.

[50] جبر، هشام، المؤسسات المالية، القدس، جامعة القدس المفتوحة، 2005م. ص 31.

[51] الساعاتي، عبد الرحيم عبد الحميد، عمليات السوق المالية وعوامل استقرارها في السوق المالية الإسلامية، الموقع الكتروني:   islamiccenter.kau.edu.sa/arabic تاريخ 8 /5/ 2009م.

[52]  بسيسو، محددات إدارة الأزمات الاقتصادية والمالية والمصرفية- الدليل العلمي التطبيقي لإدارة الأزمات، مرجع سابق، ص 383، بتصرف.