أضيف بتاريخ : 24-09-2012


تحديد جنس الجنين(*)

فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالناصر أبوالبصل / رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية

مقدمة

الحمد لله الحكيم الرزاق، العليم الوهاب، الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل التناسل طريقا لبقاء جنس البشر إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإذا كان الناس في غابر العصور يعنون ويحفلون بجنس المولود المنتظر - لكل أسرة - وكان لهم اتجاهات متباينة تجاه الذكر والأنثى، ولم يغب عن بالنا تلك الموءودة الـتي دفنت([1]) وهي على قيد الحياة، وذلك الرجل الذي بشر بأن زوجته قد ولدت أنثى فـ(ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) النحل/58، ولم تغب عنا عاداتنا الاجتماعية وأعرافنا وقيمنا تجاه الحياة ومتطلباتها...، فإننا - اليوم - والحالة هذه أمام نوع جديد من العناية والاهتمام بجنس المولود - المنتظر - وأمام تقنيات لم تقف بالناس عند "الدعاء بالمولود مطلقاً أو الذكر على وجه الخصوص أو الأنثى" بل تعدى الأمر هذه المرحلة إلى مرحلة التدخل لزرع بذرة تنجب ذكرا - بإذن الله - أو تجنب أنثى وبنسبة نجاح عالية بإذن الله وتقديره.

ومن هنا برزت إلى الساحة نازلة "اختيار وتحديد جنس الجنين" حيث هرع الناس إلى مراكز الإخصاب الصناعي رغبة بالإنجاب وبجنس محدد حسب رغبة الوالدين.  

وقد تفضل المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي والممثل بصاحب الفضيلة أ. د. صالح المرزوقي بدعوتي إلى مناقشة هذا الأمر - تحديد جنس الجنين - في مجمع الفقه بمكة حرسها الله وحفظها وسائر بلاد المسلمين، فلهم جميعا كل الشكر والتقدير. والله ولي التوفيق.

المطلب الأول

جنس الجنين من الناحية العلمية

يقرر علماء الوراثة بأن عملية تحديد جنس الجنين من الناحية التكوينية، تعود إلى التقاء زوج من الصبغيات (الكروموسوم)، على وفق ترتيب معين، ينتج عنه المولود الذكر، وترتيب آخر ينتج عنه المولود الأنثى وذلك على النحو الآتي:

إذا كانت الخلية الملقحة تحتوي على صبغين يحملان الرمز (××) فالخلية أنثوية.

وإذا كانت الخلية تحتوي على صبغين مختلفين (YX) فالخلية ذكرية أي أن المولود ذكر.

ويجتمع الصبغان في الخلية الملقحة، من جراء التقاء خلية الرجل (حوين منوي) يحمل أحد هذين الصبغين (×) أو (Y) مع خلية المرأة (بويضة) تحمل الصبغ (×).

ومعلوم أن الخلية التناسلية تحمل 23 زوجا من الصبغيات (الكروموسومات) فالبويضة تحمل على سبيل الدوام صبغ (×) لأن الخلية المرأة تحمل على صبغين متشابهين (××) وعند انقسام الخلية إلى النصف تحمل كل خلية منقسمة، المورث (×).

أما الرجل فتحمل خليته الأساسية (X وY) وعند الانقسام، نصف الخلايا تحمل (×) ونصفها الآخر يحمل (Y).

فإذا حدث أن التقى حوين (خلية) تحمل مورث (×) مع خلية المرأة فالناتج أنثى (××) وإذا التقى الحوين الحامل لـ(Y) مع خلية المرأة، فالناتج (XY) أي أن الجنين سيكون ذكرا.

فإذا أمكن معرفة الخلية (الحوين) الذي يحمل الصبغي (Y)، أمكن حينئذ دمجه بخلية أنثى (بويضة) ليحصل الجنين على صبغين مختلفين (XY) ويكون ذكرا، وكذلك الحال إذا عرف أنه (X) أمكن الحصول على جنين (مولود) أنثى. (انظر تفصيلا لهذه المسألة، عبد المحسن صالح، ص/ 60-61). وتدخل الهندسة الوراثية في مثل هذه الحالات يكون بعدة صور أهمها:

1. الكشف عن الصبغيات التي تحتويها الخلية بعد التلقيح، ليعرف أن الجنين ذكر أم أنثى، ويفيد هذا الكشف، إذا كانت المرأة تلد المولود مشوها تشوها كبيرا أو مختلا إذا كان ذكرا، وتلده سليما إذا كان أنثى، فبالإمكان هنا القول بجواز الإجهاض المبكر إذا كان المولود ذكرا مع مراعاة الأحكام الخاصة بالإجهاض في الشريعة الإسلامية.

2. أن تكتشف الخلايا الأنثوية الملقحة من الحيوانات الذكرية، فما وجد منها محتويا على الجنس المطلوب أخذ وزرع في الرحم، والأخرى تتلف وتهمل، ففي هذه الحالة تكون المسألة عبارة عن انتقاء الذكور، أو انتقاء الإناث حسب الطلب.

3. أن يبحث في الخلايا الذكرية عن الخلية الحاملة للصبغي (Y) ليزرع أو يدمج مع خلية الأنثى (البويضة) لينتج ذكرا، أو يؤخذ الصبغ (X) لينتج أنثى.

وفي هاتين الحالتين تظهر عملية التحكم في جنس الجنين ظهورا تاما، مما أثار جدلا ومحاورة حول شرعية هذه العملية.

وأول ما أثير واعترض به على هذه العملية، مخالفتها لبعض قواعد العقيدة الإسلامية، وتتمثل هذه المخالفة في ناحيتين (القرضاوي، 1/ 575 - 576):

الأولى: معارضتها لمفهوم ومنطوق قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ...) لقمان/34، وقوله سبحانه: (اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) الرعد/8.

ففي هذه الأدلة إخبار أن علم ما في الأرحام مختص بالله سبحانه، وادعاء البشر ذلك مصادم لهذه الأخبار.

الثانية: إن التدخل في اختيار جنس الجنين، تطاول على مشيئة الله سبحانه، فقد اقتضت حكمة الله أن يتم التوزيع بين الجنسين دون تدخل من الإنسان، ليحفظ توازن المجتمع.

والبشرية منذ أن وجد الإنسان على الأرض إلى يومنا هذا، تسير بتوازن وعناية وتدبير، وهذا من أكبر الأدلة على العناية الربانية ببني البشر (انظر: القرضاوي، ص 576، شبير، مجلة الحكمة عدد 6/ 1416هـ، ص213).

وعلى وفق هذا الفهم اتجه فريق من العلماء إلى تكذيب الأخبار التي تقول بإمكان التحكم بتحديد جنس الجنين، وعدم تصديقها، وعلى رأس هذا الفريق اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية، حيث أجابت اللجنة على سؤال يتعلق بتحديد نوع الجنين وأن الرجل هو الذي يحدد النوع ما نصه:

"أولاً إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يصور الحمل في الأرحام كيف يشاء، فيجعله ذَكَرا أو أنثى، كاملا أو ناقصا، إلى غير ذلك من أحوال الجنين، وليس ذلك إلى أحد سوى الله سبحانه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آل عمران/6. وقال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير} الشورى/ 49-50. فأخبر سبحانه أنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض، وأنه الذي يخلق ما يشاء، فيصور الحمل في الأرحام كيف يشاء من ذكورة وأنوثة، وعلى أي حال شاء من نقصان أو تمام ومن حسن وجمال أو قبح ودمامة إلى غير ذلك من أحوال الجنين، ليس ذلك إلى غيره ولا إلى شريك معه. ودعوى أن زوجا أو دكتورا أو فيلسوفا يقوى على أن يحدد نوع الجنين دعوى كاذبة، وليس إلى الزوج ومن في حكمه أكثر من أن يتحرى بجماعه زمن الإخصاب، رجاء الحمل، وقد يتم له ما أراد بتقدير الله، وقد يتخلف ما أراد، إما لنقص في السبب، أو لوجود مانع من صديد أو عقم أو ابتلاء من الله لعبده. وذلك أن الأسباب لا تؤثر بنفسها، وإنما تؤثر بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها. والتلقيح أمر كوني ليس إلى المكلف أكثر من فعله بإذن الله. وأما تصريفه وتكييفه وتسخيره وتدبيره بترتيب المسببات عليه، فهو إلى الله وحده لا شريك له. ومن تدبر أحوال الناس وأقوالهم وأعمالهم، تبين له منهم المبالغة في الدعاوى والكذب والافتراء في الأقوال والأفعال، جهلا منهم وغلوا في اعتبار العلوم الحديثة، وتجاوزا للحد في الاعتداد بالأسباب، ومن قدر الأمور قدرها، ميز بين ما هو من اختصاص الله منها، وما جعله الله إلى المخلوق بتقدير منه لذلك سبحانه" (انظر فتاوى إسلامية، جمع محمد المسند 1/40-41).

وقد حاول بعض العلماء الإجابة على هذه الإشكالات الواردة على هذه المسألة، ليتمكنوا من إجازة عملية الاختيار والتحكم.

فبالنسبة للاعتراض الأولى وهو التعارض بين هذه العملية وبين إقرارنا وإيماننا بأن الله عنده علم الساعة ويعلم ما في الأرحام، فالجواب عنها يكون بحمل علم ما في الأرحام على العلم التفصيلي، فالله سبحانه وتعالى يعلم كل ما يتعلق بالجنين الموجود في الرحم، ومن ذلك عمره وحياته، قدرته سيرته وأعماله شقاؤه وسعادته في الجنة أم في النار؟ (القرضاوي ص 576).

وأؤيد هذا التفسير بوجه عام بدليل ما ورد في كتب السنة الصحيحة عن تكوين الإنسان ونفخ الروح فيه كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد" (صحيح مسلم، كتاب القدر، حديث رقم 4781).

إذن نستنتج من منطوق الحديث، أن الذي يكتبه الملك بأمر الله هو:

(1) رزق المولود.

(2) عمله.

(3) أجله.

(4) شقي أو سعيد.

وهذه أمور غيبية فعلا، ولا يمكن لأحد مهما أوتي من قوة وعلم أن يصل إلى واحدة منها، ونلحظ أن مسألة كون الجنين ذكرا أو أنثى غير مذكورة في النص، وذلك لكون الذكورة والأنوثة مسألة تنمو مع الجنين منذ التلقيح، وليس عند نفخ الروح كما يوحي بذلك الحديث.

ومن هنا نستطيع القول، بأن معرفة جنس الجنين مبكرا، ليس مناقضا للآيات والأحاديث، لأنها غيب من وجه دون وجه، ولا تعد من الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وذلك لأن الطبيب لا يعدو عمله إجراء كشف لما بداخل تجويف جسم المرأة (الرحم أو البطن) وليس في هذا إطلاع على الغيب.

وأما أن يختار الإنسان الخلية التي أنتجت ذكرا ويترك الخلية التي أصبحت أنثى أو العكس، فهذا مبني على الأول، فبعد جواز العلم، يجوز الاختيار عند من يجيز إجهاض الخلية الملقحة (النطفة) دون سبب، وإن كنا نرجح عدم جواز إجهاض أو إتلاف الخلية الملقحة دون سبب موجب، وكونها ذكرا أو أنثى وحاجة الأبوين لأحدهما سبب غير موجب للإتلاف في نظري والله أعلم.

ويبقى حينئذ الاعتراض الثاني، وهو ما يتعلق بالتطاول على المشيئة والحكمة الربانية التي نظم الكون على وفقها، فالإجابة عن هذا تتلخص بأن هذا الكون بما فيه إنما يسير بمشيئة الله وإرادته، ولا يكون فيه إلا ما أراده سبحانه، فالذي يختار جنسا معينا (في طور الخلية) يكون تحت المشيئة وتحت الإرادة (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (انظر: القرضاوي، ص576، شبير، ص213 - 214).

وقد قال أحد الأساتذة المتخصصين بما يعرف بأطفال الأنابيب: إننا أحيانا نحضر خلية أنثوية (بويضة) سليمة تماما وجاهزة للإخصاب، ونحضر أيضا (حوينا) منويا من الرجل (خلية ذكرية) ونقوم بدمجهما ليتم التلقيح فلا يتم، وتكرر المحاولة وتأبى الخليتان ثم يقول: نقوم حينئذ بإدخال الحوين إلى البويضة بواسطة إبرة دقيقة مجهرية ولكن البويضة لا تتقبل ذلك الحوين، مع العلم أن الخليتين سليمتان تماما. ولكن لا ندرى لماذا لا يتم هذا التلقيح، وهنا نعلم أن هذه البويضة لم يكتب لها التلقيح، وأن الله سبحانه قد قدر أمرا لابد وأن يتم ولو قدر لها التلقيح لتم ذلك بمجرد الالتقاء.

المطلب الثاني

طرق اختيار جنس الجنين وحكمها الشرعي

عرضت عدة وسائل وطرق للوصول إلى تحديد أو "اختيار" لجنس الجنين، بعض هذه الطرق ظنية النتائج بمعنى أن نجاح الاختيار حسب الطلب ليس حتميا ولا جازما ولكنه احتمالي بدرجة كبيرة.

وهناك طرق مخبرية علمية تتبع إجراءات توصل إلى نتائج دقيقة لا مجال للشك في حصول النتيجة فيما إذا تم التلقيح ونجحت العملية دون أخطاء.

ومن خلال استقراء الطرق التي تستخدم ومراحل استخدامها يمكن تقسيم أنواع وطرق اختيار الجنس إلى ثلاثة:

أولاً: وسائل طبيعية مساعدة قبل الحمل.

ثانياً: وسائل مخبرية أثناء عملية التلقيح الاصطناعي.

ثالثاً: وسائل إجرائية بعد الحمل.

الفرع الأول: الطرق الطبيعية (غير المخبرية) لاختيار جنس الجنين:

أولاً: اتباع برنامج غذائي معين([2]):

(أ) خلاصة الطريقة:

لقد أجريت دراسات علمية تبحث في أثر نوعية الغذاء على جنس الجنين حيث ظهرت النتائج على النحو الآتي:

1- الغذاء المحتوي على تركيز عال من أملاح البوتاسيوم والصوديوم يساعد كثيرا في جذب الحوين الحامل لصبغي (صفة) الذكورة لتلقيح البويضة وإنتاج مولود ذكر.

2- الغذاء المحتوي على تركيز عال من أملاح المغنيسيوم والكالسيوم يساعد في الوصول إلى جنين يحمل الصفة الأنثوية.

وقد ذكر الباحثون في هذا المجال لائحة بالأطعمة المحتوية على كل نوع من أنواع الأملاح كما يمكن أخذ حبوب خاصة محتوية على تلك المواد.

وهذه الطريقة لا تؤدي إلى حصول النتائج 100% وإنما توصل للنتائج بنسبة كبيرة.

(ب) الحكم الشرعي:

الأصل في تناول المباحات الإباحة والجواز، واختيار برنامج غذائي من الأغذية المباحة شرعا ولو بقصد الحصول على جنين ذكر أو أنثى لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يمنعه وبالتالي تكون الوسيلة هذه جائزة شرعا وكذلك النتائج المترتبة عليها من حصول حمل (ذكر) أو (أنثى). وهنا تظهر حكمة الله سبحانه في سنة الاختلاف في الأمزجة، والرغبات، في الطعام والشراب، وغير ذلك.

ثانياً: استعمال الغسل المهبلي([3]):

(أ) خلاصة الطريقة:

تهدف هذه الطريقة إلى تغيير الوسط الكيميائي للمهبل للمساعدة على وصول الحوين المنوي المطلوب للبويضة وهذه الطريقة لها تعلق بالطريقة السابقة وذلك:

1- أن الوسط الحامضي يكون أكثر مناسبة للحوين المنوي الحامل للصبغي المؤنث (X) وبذلك يزداد نشاط تلك الحوينات فتصل إلى البويضة وتكون النتيجة غالبا أنثى - بإذن الله -. وللوصول إلى وسط حامضي يصار إلى إجراء غسل مهبلي باستخدام (مادة الخل مذابة بالماء). ووفق الطريقة السابقة لا نحتاج إلى غسل المهبل واكتفاء بنوعية الطعام.

2- إن الوسط القلوي أكثر مناسبة للحوين المنوي الحامل للصبغي المذكر (Y) وفي ذلك الوسط يزداد نشاط الحوينات المذكرة فتصل إلى البويضة قبل المؤنثة فتلقحها ويكون الحمل ذكرا - بإذن الله -.

وللوصول إلى وسط قلوي يغسل المهبل قبل المعاشرة مباشرة بواسطة كربونات الصوديوم (ملح الطعام) مذابة بالماء.

(ب) الحكم الشرعي:

هذه الطريقة ليست حتمية النتائج، وإنما تساعد على الوصول إلى اختيار للجنس غالبا. وهذه الطريقة بذاتها جائزة شريطة عدم إلحاق الضرر بالمرأة، أو الرجل تطبيقا للحديث: "لا ضرر ولا ضرار"([4]) فقد ذكرت بعض الدراسات أن لهذه الطريقة بعض الآثار الجانبية الضارة بالمرأة تحديدا([5])، والحكم في حصول الضرر أو عدمه لأهل الاختصاص (الطبيبة أو الطبيب المختص).

وإذا قلنا بحدوث ضرر وأمكن تجاوز الضرر وتفاديه فتصبح الطريقة مقبولة شرعا لانتفاء الضرر وعدم وجود ما يمنع السعي للحصول على جنين ذكر أو أنثى بمثل هذه الطرق.

ثالثاً: توقيت المعاشرة الزوجية (الجماع)([6]):

(أ) خلاصة الطريقة:

تعتمد هذه الطريقة على الموازنة بين عدة متغيرات للحصول على نتائج معينة ذكر أو أنثى وذلك بالاستفادة من: سرعة الحوينات، ونوعية الوسط، ووقت الإباضة لدى المرأة حيث ترى الدراسات أن الحوين الحامل للصفة المذكرة (Y) خفيف الوزن ويعيش فترة أقصر من الحوين الحامل للصفة المؤنثة (X) الذي يتميز بالثقل والقدرة على العيش فترة أطول من الحوين المذكر، ومن خلال معرفة وقت الإباضة وجد أن المعاشرة (الجماع) التي تتم في نفس يوم الإباضة تؤدي إلى الحصول على مولود ذكر وإذا تم ذلك قبل بيوم أو يومين من الإباضة أو بعدها بفترة يكون المولود أنثى.

(ب) الحكم الشرعي:

وهذه الطريقة كسابقاتها احتمالية وليست حتمية النتائج وليس هناك مانع شرعي يمنع منها فحكمها الجواز، وتعد لدى بعض الباحثين تفسيرا علميا للحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه (1/ 211)، وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ماء الرجل أبيض، وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا، فعلا مني الرجل مني المرأة، أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل، آنثا بإذن الله). فإذا جاء مني المرأة بعد وجود مني الرجل فالعلو لماء المرأة، وهذا ترجيح لصفة الأنوثة، والعكس صحيح، والمسألة ظنية غير مقطوع بها، والله سبحانه أعلم.

رابعاً: استخدام عقاقير هرمونية([7]):

(أ) خلاصة الطريقة:

يذكر الأطباء أن استخدام هرمون التستسرون مثلا يؤدي إلى احتمال إنجاب ذكر، واستخدام هرمون منشط للإباضة يؤدي إلى احتمال إنجاب أنثى.

(ب) الحكم الشرعي:

إذا لم يكن لهذه الطريقة آثار جانبية ضارة فالحكم الشرعي لها جواز استعمالها كما لو تناولت المرأة أطعمة من نوع معين.

الفرع الثاني: الوسائل الحديثة المستخدمة لاختيار جنس الجنين:

في الوسائل السابق ذكرها لا يعدو الأمر محاولة تهيئة بيئة معينة مساعدة للحصول على جنين ذكر أو أنثى ولكن المسألة لم تتوقف عند هذا الحد رغبة من الناس في الحصول على نتائج مؤكدة أكثر من تلك الطرق الاحتمالية، وهذا المطلب استدعى التدخل المباشر في عملية التلقيح والإخصاب.

ويمكن تقسيم هذه الوسائل بحسب مرحلة استخدامها إلى قسمين:

(أ) الاختيار قبل التلقيح:

ويتم اختيار جنس الجنين بالبحث عن الحوين المنوي الحامل للصبغي (chromosome) المطلوب (ذكري أو أنثوي) ثم تلقيح البويضة به لنحصل على خلية تناسلية كاملة ملقحة بالجنس المرغوب به.

وقد يتم هذا الأمر بأن تلقح البويضة بالحوين المطلوب (المختار) أثناء عملية أطفال الأنابيب (IVF) ([8) معمليا كما تتم عن طريق حقن المرأة بالحوين المطلوب (حقن الرحم بالحوينات) (IUI)، وهو التلقيح داخل الرحم.

وفي كلتا الطريقتين لا بد من إجراء عملية اختيار للحوين واكتشاف أنه يحمل (الجنس المذكر) أو (الجنس المؤنث).

وتتم عملية الكشف عن الصبغي (الكروموسوم) المؤنث أو المذكر بعدة طرق أهمها:

1- غربلة الحوينات وفصلها بواسطة مواد خاصة، إلا أن هذه الطريقة لا تؤدي إلى نتائج مؤكدة 100% بل الاحتمال وارد باختيار حوينات تحمل الصبغي (الكروموسوم) الآخر غير المطلوب.

2- دراسة الخصائص الكيميائية والوظيفية للحوينات (Flow cytometer) بالاعتماد على مكونات المادة الوراثية بحيث يتم فصل العينة إلى قسمين: قسم يحتوي على الحوينات الذكرية والآخر على الأنثوية، ويتم التأكد من عملية الفصل باستخدام الأشعة وغيرها. وهذه الطريقة تصل نسبة نجاحها إلى 90% تقريبا([9]).

وهناك طرق أخرى للكشف عن الصبغي الموجود في الحوين لا مجال لذكرها الآن.

الحكم الشرعي للوسيلة المستخدمة:

سنرجئ بحث حكم اختيار جنس الجنين إلى نهاية المطلب ولكننا سنبحث الآن في مدى مشروعية هذه الوسيلة، والسؤال المطروح هو ما مدى جواز استعمال تقنية أطفال الأنابيب أو التلقيح الداخلي (IUI) لغير حالة العقم أو امتناع الإنجاب بالطريقة الطبيعية؟

لقد بحث مجلس مجمع الفقه الإسلامي (التابع لرابطة العالم الإسلامي) في دورته الثامنة موضوع التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب وخلص إلى نتائج أهمها:

* إن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيح لهذا الانكشاف.

* إن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضا مشروعا بيع معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي.

فإذا كان الزوجان يستطيعان الإنجاب وفق الطريق الطبيعي للإنجاب فلا يجوز والحالة هذه اللجوء إلى أسلوب أو تقنية طفل الأنبوب (IVF) أو التلقيح الداخلي (IUI) لمجرد الحصول على "ذكر" أو "أنثى" تحديدا لأن حالة الضرورة التي ذكرت في قرار المجمع والتي تتمثل بالحصول على "نسل" "إنجاب" دون تحديد ذكورة أو أنوثة غير واردة في حالة إمكان التوالد بالطرق الطبيعية.

ولكن إذا وصلنا إلى حالة تعد أو (تشكل حاجة) أو ضرورة أو تقترب منها فللقول بالجواز وجه ظاهر حينئذ ولا بد من إعادة النظر في الفتوى.

(ب) الاختيار بعد التلقيح:

ولهذه الطريقة عدة صور منها:

1- حالة الجوء إلى الإخصاب بواسطة طفل الأنبوب؛ يتم تلقيح عدد من البويضات بالحوينات ومن ثم تنمو هذه البويضات الملقحة (بالانقسام 2،4،8،...) فتؤخذ خلية من مجموعة الخلايا التي انقسمت ونمت قبل غرسها في الرحم فإذا وجد أنها تحتوي على التركيب (XY) فهذا يعني أن الجنين سيولد ذكرا - بإذن الله - وإذا وجد أن التركيب (XX) فهذا يعني أنه أنثى.

ومعلوم أن معرفة جنس البويضة الملقحة سيعني بالتأكيد اتخاذ قرار بغرس إحدى هذه المجموعات - حسب الرغبة - في الرحم وبهذا نكون قد حددنا أو قمنا باختيار جنس الجنين.

وقد اطلعت على فتوى للعلامة الشيخ القرضاوي يرى فيها أن "تدخل الأطباء لاختيار جنس الجنين ذكرا جائز شرعا وقال أن إجراء عمليات أطفال الأنابيب استجابة لطلب الزوجين في إنجاب مولود ذكر لا حرمة فيه واشترط فضيلته أن تتم العمليات تلبية لحاجة معتبرة عند الزوجين كان يشتاقان إلى ذكر وألا يكون اختيار جنس الذكر بسبب كراهية جنس الإناث وأوضح أن تحديد جنس المولود لا يتعارض مع قدر الله ومشيئته.

جاء ذلك في إجابة فضيلته عن سؤال تلقاه من أحد أطباء مستشفى النساء والولادة في دولة قطر استفسر فيه عن الحكم الشرعي في تدخل الطبيب لاختيار جنس الجنين في مرحلة ما قبل الإخصاب من خلال إجراء عمليات أطفال الأنابيب.

وقال صاحب السؤال إنه يقوم بتحضير عينة السائل المنوي للرجل قبل استخدامها في عمليات أطفال الأنابيب بطريقة فصل الحيوان المنوي الحامل لصفة الذكورة عن الحامل لصفة الأنوثة.

وذكر السائل أن نتائج عمليات الفصل التي يقوم بها نجحت حتى الآن بنسبة 65% ومازال يعمل على زيادة النسبة وأوضح أنه يقوم بتلك العمليات استجابة لطلب الزوجين واستفسر عن الحكم الشرعي في تلك العمليات هل هي حلال أم حرام.

وأجاب د. القرضاوي عن تساؤل الطبيب قائلا: إنه لا حرج على الطبيب المسلم أن يقوم بهذه العملية استجابة لطلب الزوجين واختيارهما أن يكون جنس الجنين ذكرا إذا كان ذلك ملبيا لحاجة معتبرة عند الزوجين كأن يكون لديهما إناث ويشتاقان إلى ذكر أو لم يكن الإنجاب متاحا بسهولة للزوجين وهما - أو أحدهما - في اشتياق إلى ذكر أو نحو ذلك من الاعتبارات، المهم ألا يكون اختيار الذكر بسبب كراهية جنس الإناث فإن هذا من تفكير أهل الجاهلية وعملهم الذي أنكره عليهم القرآن في مثل قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} النحل/58.

والغالب أن الذين يلجأون إلى طريقة أطفال الأنابيب في الإنجاب يخافون ألا تنجح التجربة مرة أخرى فيودون أن يكون طفلهم الأول ذكرا ولا حرج في ذلك فقد زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين"([10]).

الجديد في الفتوى أن الشيخ القرضاوي أجاز استخدام تقنية طفل الأنبوب في حالة إمكان الإخصاب الطبيعي، الأمر الذي منعته المجامع الفقهية لإمكان الإخصاب الطبيعي.

ومعلوم أيضا أن الأطباء حين يجرون عملية أطفال الأنابيب يحضرون عددا من البويضات وكذلك الحوينات لضمان نجاح العملية فمسألة وجود بييضات زائدة أمر مقرر في مختبرات ومراكز الإخصاب المساعد وذلك لتجنب التكاليف والآلام التي يتكبدهما الزوجان أثناء التحضير لعملية الإخصاب.

وبناء على عملية الاختيار ستتم الإفادة من مجموعة واحدة ويتلف الباقي.

ومسألة إتلاف البييضات الزائدة (أو تركها دون عناية) أمر تم بحثه في مجمع الفقه الإسلامي بجدة في قرار رقم (55/ 6/ 6) والذي جاء فيه:

"أولاً: في ضوء ما تحقق علميا من إمكان حفظ البييضات غير الملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البييضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة تفاديا لوجود فائض من البييضات الملقحة.

ثانياً: إذا حصل فائض من البييضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي".

إن عملية الاختيار في حالة طفل الأنبوب سواء تمت العملية قبل الإلقاح في الزجاج أو بعد الإلقاح وانتخاب البويضة الملقحة بجنس معين وترك الباقي أمر جائز في هذه الحالة وإن كان الأولى ترك الأمر دون تدخل وذلك لكون المسألة لا تعدو الأزواج الذين لا يمكنهم إجراء الإخصاب الطبيعي وبهذا تكون المسائل قليلة ولا تشكل بذاتها ظاهرة بشرط أمن طريقة الاختيار من حصول ضرر بالجنين من جراء الاختيار وإجراءاته.

2- الاختيار بعد الغرس في الرحم، ووفق هذه الطريقة يتم أخذ عينة من الخلايا التناسلية الملقحة المتكونة في الرحم وهي في مراحلها الأولى وبعد فحصها وتبين جنس الجنين يتم التصرف مع هذا الجنين وجودا أو عدما حسب الجنس المرغوب فإذا أظهر أنه أنثى وهم يريدون ذكرا تتم عملية إجهاض مبكر أو غير مبكر وكذلك العكس، المهم أنه سيتم الإبقاء على الجنين أو إجهاضه حسب جنس ذلك الجنين.

الحكم الشرعي:

إن سلوك طريقة الإجهاض لتحديد جنس الجنين أمر محرم ومحظور ابتداء لحرمة الوسيلة ومهما كان عمر الجنين في الرحم ويشتد التحريم كلما كانت مرحلة الجنين متقدمة.

وقد رأينا في بعض الدول([11]) كيف يتم الاعتداء على الجنين "بإجهاضه وقتله" لكونه أنثى خاصة في الدول التي تلتزم بقوانين تحديد النسل (مولود واحد لكل أسرة) ولسنا بحاجة لحشد الأدلة والحجج على حرمة الإجهاض وخاصة في مثل هذا السبب (رغبة في الحصول على جنين ذكر أو أنثى....). فإذا حرمت الوسيلة حرمت العملية بالكلية، فالوسيلة هنا بذاتها جريمة محرمة تجب محاربتها.

المطلب الثالث

الحكم العام في مسألة "التحكم في جنس الجنين"

يمكن صياغة هذا المطلب على شكل سؤال هو: هل يجوز التدخل في عملية التلقيح واختيار أحد الجنسين وتفضيله على الآخر؟

وللجواب على هذا السؤال يقتضينا الأمر البحث في المقاصد والغايات أو الأسباب التي تدفع بالناس إلى سلوك طريق اختيار جنس الجنين.

أولاً: الاختيار لأسباب طبية:

وذلك بأن يكون حمل المرأة "حاملا" لمرض أو "مصابا" بمرض ما إذا كان جنسه ذكرا، وغير حامل أو مصاب إذا كان أنثى أو العكس فقد أثبتت بعض الدراسات وجود "أمراض مرتبطة بالجنس" أي أن انتقالها مرتبط بجنس الجنين، فهناك أمراض يكون الذكور مصابين بالمرض دون الإناث حيث تكون الإناث حاملات فقط ولسن مصابات فإذا كان الصبغي (الكروموسوم) (X) مثلا هو الذي يحتوي على خلل في بعض المورثات عليه فإن هذا الخلل لا يؤثر في المرأة التي تحمل (كروموسوم) XX أما الذكر فلا يحمل إلى واحــدا (YX) ([12) فإذا تلفت بعض المورثات على (X) فهناك كروموسوم آخر سليم يسد مكانه عند الأنثى، أما الذكر فليس لديه إلا واحد فقط فإذا تلف مورث محمول على هذا الصبغي فإن هذا التلف سيؤدي إلى خلل في الوظائف وبالنتيجة حصول مرض ما([13]).

في مثل هذه الحالة يظهر بوضوح أن اختيار جنس الجنين لم يكن تشهيا أو تفضيلا لجنس على آخر، ولكن لسبب معقول ووجيه ولضرورة أو حاجة ملحة([14]) ويمكن التثبت منه، غير أن هذا السبب ليس مطلقا من التحديد والقيود، حيث إن الأمراض المرتبطة بالجنس ليست في مرتبة واحدة وفتح الباب فيها سيجعل للرغبات الشخصية مدخلا يمكن من خلاله التحكم والاختيار في حالات كثيرة بهذه الدعوى.

والذي أراه أن وجود (جنس ما) مصاب بمرض خطير أو من الأمراض التي أصبحت تشكل عبئا على الأفراد والمجتمعات والدولة، وتشكل مشكلة اجتماعية ونفسية تقدرها الجهات المتخصصة (صحية أو غيرها..) ففي هذه الحالة يجوز التحكم واختيار جنس الجنين شريطة مشروعية الوسيلة وبهذا يحرم مطلقا اختيار الجنس عن طريق الإجهاض مثلا أما الوسائل الأخرى التي لا تشكل اعتداء فلا مانع منها.

وبهذا الاختيار نكون قد حققنا عدة مصالح ودفعنا (درأنا) عدة مفاسد منها:

1- الحصول على النسل (مصلحة معتبرة).

2- المحافظة عليه بالسعي لوجوده سليما معافى (مصلحة معتبرة).

3- توفير الأموال التي ستنفق على المعوقين والمرضى.

4- تجنيب المجتمع مشكلات اجتماعية ونفسية (للمريض نفسه ولأسرته وأقاربه وجيرانه والمجتمع بأسره) (درء مفسدة).

ولا شك أن هذا كله مندرج في مقاصد الشريعة ومندرج تحت قاعدة نفي الضرر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا ضرر ولا ضرار"([15]).

ثانياً: اختيار جنس الجنين للرغبة بالحصول على جنس دون آخر:

وذلك كأن يرغب الأبوان (أو أحدهما) بالحصول على جنين ذكر أو أنثى، والغالب السعي للحصول على جنين "ذكر" لما للذكر من مميزات في مجتمعنا بل في عالمنا اليوم([16]).

فالرجل الذي رزق بالبنات يبتغي الحصول على مولود ذكر ليحمل اسمه (بزعمهم) أو ليساعده في العمل أو... إلخ.

ولهذه الحالة صور وأشكال وصيغ تصاغ فيها الرغبات منها:

- أن ترزق الأسرة عدة "بنات" ويرون أن مجيء ذكر يساعدهن أو يساعد الأسرة وقد يأتي بعض هؤلاء فيحتج بالقرآن ويقول لك ها هو القرآن يقول " وليس الذكر كالأنثى"([17]).

ومن المتوقع - أيضا - أن يأتي من يريد إنجاب الإناث رغبة بالإناث، وإن كان هذا الاختيار قليلا، وذلك كمن رزق بعدة أولاًد ذكور ويريد إجراء عملية اختيار جنس جنين ليختار الأنثى، فهذه الحالة مقابلة لحالة من ولد له عدة إناث ويريد ذكرا.

الحكم في مثل هذه المسألة:

معظم العلماء المعاصرين أجازوا التحكم أو اختيار جنس المولود كقاعدة عامة من حيث حكم العملية بوجه عام ومنهم([18]):

* الشيخ القرضاوي:

وقد نقلنا الفتوى التي نقلت عنه ورأينا أن الشيخ أجاز أيضا إجراء الاختيار بوسيلة طفل الأنابيب (IVF) ولو كان الزوجان قادرين على الإنجاب.

* أ. د. محمد رأفت عثمان - جامعة الأزهر:

حيث يقول: "كثير من الناس ممن رزقهم الله أولاًدا ذكورا يتمنون أن يرزقهم الله بأنثى، وكثير منهم أيضا ممن رزقهم أولاًدا إناثا يتمنون أن يرزقهم الله بمولود ذكر، وكان الناس يتخذون من الوسائل في القديم ما يعتقدون أنه يوصلهم إلى مبتغاهم، وهي وسائل بدائية لم يثبت العلم جدواها في هذا الشأن، والآن بعد أن استطاع العلماء - بإرادة من الله عز وجل - أن يذللوا العقبات التي تقف في طريق الاستجابة لرغبة الوالدين في أن يكون الحمل أنثى أو ذكرا، ومن المعلوم أن للشريعة حكما في كل تصرف من تصرفات الناس، إما بدليل تفصيلي، وإما بدليل إجمالي يأخذ شكل القاعدة العامة، فما هو حكم هذا العمل الجديد في مجال الاستفادة مما أعطاه الله للناس في علم الوراثة؟ أرى: أن هذا العمل يدخل في باب المباحات، فلا أرى دليلا يحرمه، ويمكن الاستناد في هذا الحكم إلى الأمور الآتية:

الأمر الأول: القاعدة الأصولية القاضية بأن الأصل في الأشياء النافعة الإباحة ما لم يرد حظر من الشرع، ولم يوجد حظر في هذه القضية حتى يغير حكم الأصل من الحلال إلى الحرام.

الأمر الثاني: أن الإجماع قام على جواز الدعاء بالطلب من الله عز وجل أن يرزق الإنسان بذكر أو أنثى، ومن المعلوم أن كل ما جاز الدعاء به جاز فعله، وكل ما لا يجوز فعله لا يجوز الدعاء به، فمن شروط الدعاء أن يسأل الإنسان ربه أمرا غير محرم"([19]).

ثم استدل بحديث العزل وقال: "العزل معناه: إلقاء النطفة من الرجل في نهاية الجماع خارج جسم المرأة، وهذا - كما هو واضح - منع للإنجاب من الأصل، فإذا كان يجوز منع الإنجاب من أصله فإن اختيار نوع من الحمل ومنع النوع الآخر عند بداية التلقيح يكون هو الآخر مباحا"([20]).

ورأى بعض العلماء المؤيدين للاختيار استنادا لحديث العزل بأنه إذا جاز الأعلى وهو العزل جاز الأدنى وهو الاختيار..([21]) في نوع من نوعي الأولاًد، والسعي في اتخاذ السبب الموصل إلى تحقيق هذه الرغبة بواسطة النظام الوراثي الذي وضعه الله في خلقه، وكشفه العلم، واستفاد به، هو من قدر الله عز وجل، لو شاء حقق رغبة الراغبين في نوع من نوعي الأولاًد، وإن شاء لم يحققها، فكل شيء من قدره تبارك وتعالى.

ثالثاً: مما يقال أيضا أن التحكم في نوع الجنين يؤدي إلى الإخلال بالتوازن بين أعداد الذكور والإناث، والجواب عن هذا أن الغالبية من الأسر تميل إلى التنويع في الأولاًد، أي الجمع بين النوعين الذكور والإناث، والقليل هو الذي يرغب في الذكور فقط، أو الإناث فقط، وهذا مشاهد في الواقع، فكثير ما نجد أسرة أنجبت ذكورا فقط كانت تتطلع إلى أن يكون من أولاًدها إناث أيضا، أو أنجبت إناثا فقط كانت تتطلع إلى أن يرزقها الله بذكر أيضا، فننتهي من هذا إلى أن التحكم في نوع الجنين مباح"([22])، وأيد آخرون هذا الحكم ويرون أن الاختيار إنما هو اختيار أو ترجيح أحد الجائزين([23]). فإذا كان التلقيح العادي سيؤدي إلى احتمالية ذكر أو أنثى فالاختيار يعني ترجيح أحد الاحتمالين وهو جائز. انتهى.

تعقيب:

لا شك أن هذه الآراء والحجج التي سيقت في معرض الاستدلال لها على وجاهتها لا تسلم من النقد، مع التقدير والاحترام للسادة العلماء القائلين بتلك الآراء، وبإيجاز شديد أقول:

(أ) الاستدلال بالقاعدة "الأصل في الأشياء النافعة الإباحة" استدلال في غير موضعه لسببين:

أحدهما: أن مورد النزاع إنما هو في مسألة "النسل" "والإنجاب" بما يتضمنه هذا الأمر من كشف للعورات وتدخل مباشر في عملية "الإنجاب" التي تبنى على الستر ومراعاة الطريق الفطري الذي فطر الله الناس عليه، ثم من قال بأنها نافعة؟ وهل النفع يحدد بمجرد حصول شخص ما على مراده ورغبته؟ أليس من الواجب هنا دراسة المصالح والمفاسد المتوقعة؟ ولا يمكن هذا إلا بإجراء دراسة عملية في ضوء ما تحقق علميا وعمليا وليس بمجرد تلبية رغبة الأفراد.

وثانيهما: أننا بناء على مفهوم المجيزين لتحديد جنس الجنين؛ يكون كل شيء من الأفعال والأقوال والأشياء مباحا ما لم يرد دليل المنع وهذا الأمر فيه مفاسد، ولهذا كان تعبير القاعدة "الأصل أن الأشياء على الإباحة حتى يثبت النهي"[24] وورد أيضا "الأصل في الأشياء الحل إلا أن يكون فيه مضرة"[25] وفرق بين قولنا الأشياء وقولنا الأفعال وإجراء العمليات المتعلقة بالإنجاب ذلك الأمر المرتبط بأصول وقواعد محددة.

(ب) القول بأن "كل ما جاز الدعاء به جاز فعله والعكس كذلك" مسلم من حيث المبدأ العام ولكن لا بد من شروط وضوابط وليس الأمر مطلقا، وإذا  بقي الأمر عند الدعاء لهان الأمر ولكن لكل هدف وسائل وطرق بواسطتها يتوصل إلى الغاية المبتغاة فالدعاء بالولد والنسل طريقه الزواج المشروع، والدعاء بالمال طريقه العمل المشروع، ومن هنا لا يمكن بحال استنباط مشروعية إجراء عملية اختيار وتحديد جنس الجنين من مجرد جواز الدعاء بالحصول على ولد (ذكر) أو (أنثى).

(ج) القياس على العزل قياس مع الفارق؛ حيث إن العزل طريق مشروع بالنص ووفق ضوابط وشروط محددة، ومعلوم أنه ليس في العزل خطورة ما، وكل ما في الأمر أن الرجل يترك "المادة الحيوية" تتلف وتراق دون أن توضع في الرحم، ولا ضرر من هذا إلا إذا مورس بشكل يؤدي إلى إنقاص النسل، وإحداث الضرر بالأمة؛ وفي مثل هذه الحالة يكون للمسألة حكم آخر بمقتضى السياسة الشرعية.

أما في اختيار جنس الجنين فهناك "مخاطر"، وهناك تدخل مباشر في عملية التلقيح، الأمر الذي يوجب الحذر من الأخطاء المحتملة؛ "فالأصل في الأبضاع الحرمة ويحتاط فيها ما لا يحتاط في الأموال"[26].

(د) القول بأن "الذين سيختارون جنس الجنين نوعان: واحد يريد "الذكر" والآخر يريد "الأنثى" وبهذا يتم التوازن" قول تعوزه الدقة إذا نظر إليه من واقع عمليات الاختيار ومراجعة المستشفيات ومراكز التلقيح الاصطناعي، حيث يلجأ "الأكثرون" إلى طلب واختيار الذكر، ومن يطلب "الأنثى" يطلبون واحدة لا أكثر في مقابل عدد من الذكور فالنسبة قد اختلت منذ بدء عمليات الاختيار وفي المقابل من يريد اختيار جنس الذكر لا يكتفي بواحد بل يطلب عدداً منهم، ومن هنا لا يمكن القول بأن التوازن سيحصل إلا بإحصاء فعلي لعدد المواليد الذكور والإناث نتيجة استخدام هذه التقنية.

(هـ) القول بأن الاختيار هو اختيار لأحد الجائزين قول نظري فقط وينطبق على الجائز بمعنى الممكن أكثر من انطباقه على الجائز بمعنى المشروع، وهناك ملحظ (خفي) مفاده أن اختيار جنس على آخر دون ضرر أو كراهية للجنس الآخر ألا يعني من باب آخر تفضيل جنس على أخر؛ وهو من عمل الجاهلية.

الاختيار للحاجة أو الضرورة:

إن مسألة اختيار جنس الجنين تورد تساؤلا حول حالة اختلال نسبة الذكور للإناث أو الإناث للذكور في المجتمع.

كانت الأسرة التي رزقت بعدة "بنات" تبحث وتحتج بأن من حقها أن ترزق بذكر، أو لنقل فرضا أن الأسرة التي رزقت بذكور من حقها أن ترزق بأنثى، فما بالنا حينئذ بالمجتمع الذي زادت فيه نسبه الإناث مثلا ألا يجوز إجراء عملية اختيار الجنس لنعيد التوازن إلى حالته الأولى المتوازنة تقريبا. بل أكثر من ذلك ألا يحق لولي الأمر أن يزيد من إنجاب الذكور للحاجة إليهم في الحروب التي تفني الرجال، أو زيادة إنجاب الإناث ليحصل النسل بالزواج لسد النقص في العنصر البشري.

هذه المسألة جديرة بالدراسة وجديرة بالاجتهاد، وهي على المستوى النظري ممكنة التطبيق وكذلك الأمر على المستوى العملي والذي أراه في هذه المسألة -والله أعلم- أن تطبق قاعدة الضرورة وقاعدة المصلحة أيضا.

وبناء عليهما نجد أن مصلحة الأمة مقدمة على مصلحة الأفراد والضرورات تبيح المحظورات، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة، فاختلال التوازن لدرجة توصل إلى شيوع الجريمة والفساد أو ضعف واضمحلال المجتمع تشكل ضرورة أو حاجة عامة لا يصح إنكارها، ولا يصح ترك الناس ورغباتهم ليصل المجتمع إلى مثل تلك الحالة.

فمثلا حاجة المجتمع أو الأمة التي فقدت عددا من الرجال أدى إلى اختلال التوازن - المؤدي إلى الحرج وضعف المجتمع أو الدولة - يمكن تلبيتها بتشجيع - مؤقت - إلى إنجاب الذكور ويبدأ بالوسائل المباحة المشروعة شريطة أن لا تؤدي إلى الاعتداء على حق الإنسان في الحياة فالتزام برامج غذاء، أو استعمال وسيلة لتوقيت ما لا مانع منها فإذا لم تجد فيمكن اللجوء إلى وسيلة طفل الأنابيب وليكن النظر أولاً إلى أولئك الذين لا يمكنهم الإنجاب الطبيعي فإن لم يكن يمكن السماح للأصحاء باتباع الوسيلة، ولا يجوز بحال اللجوء إلى الإجهاض مطلقا لأنه جريمة بذاته وليس فيه اختيار للجنس وإنما فيه إبادة للجنس البشري.

وبهذا النظر نجد أن اختيار جنس الجنين أو تحديد جنس الجنين لا يجوز اللجوء إليه على المستوى الفردي وإنما على المستوى الجماعي أي على مستوى الأمة وفي نطاق السياسة الشرعية التي تحدد الشروط والضوابط والبرنامج العام الذي تسير عليه الأمة في استخدام هذه التقنية.

ومن هنا أرى - والله أعلم - أن الفتاوى التي ظهرت تبيح اختيار الجنس وتحديده على المستوى الفردي، وليس الجماعي كانت مجانبة للصواب وذلك للأسباب الآتية:

1- أن تحديد الحاجة سيكون متوقفا على رأي وقناعة كل أسرة بنفسها فالأسرة التي ولد لها بنت ستطلب ولدا، والأسرة التي ولد لها عدة أولاًد ستطلب أنثى واحدة، ومعلوم أن مسألة الرغبات لا يمكن ضبطها ولهذا سيتكرس الاختلال، فمعيار الفرد يختلف عن معيار الجماعة.

2- أن فتح باب المسألة على المستوى الفردي لا يمكن السيطرة عليه ولا ضبطه، فالأسرة تفكر لنفسها وليس للأمة بل لا تستطيع النظر للأمة لعدم استطاعتها على الأقل، فالمسألة تحتاج إلى إحصاء ودراسات، ولهذا سيكون مجموع قرارات الأفراد مشكلا لقرار الأمة وقرار الأفراد فردي غير مدروس.

3- أن الأمة (أو الدولة) لديها من الوسائل التي تمكنها من الوصول إلى التوازن أو تنظيم المسألة على الأقل ما ليس لدى الأفراد، فالزيادة في بلد قد يحلها ويكملها النقصان في بلد آخر.

وخلاصة الرأي أن المجتمع أو البلد الذي وجد أولياء الأمور فيه أن الاختلال سيؤدي إلى ضرر كبير ورفع الضرر سيكون بالسماح كمسألة الاختيار فلا مانع منها - كإجراء - وفق ضوابط وشروط استثناء من الأصل.

ولهذا السبب يجب أن لا تتخذ إجراءات فردية أو إقليمية بل لا بد أن يكون الإجراء على مستوى جماعي كبير ويكون اتخاذ القرار بطريق الشورى واستشارة أهل الاختصاص ودراسة المسألة بأبعادها وملابساتها وذلك لخطورة هذا القرار.

الحكم العام لاختيار جنس الجنين:

القاعدة العامة في مسألة اختيار جنس الجنين (تحديد الجنس) الحظر والمنع، والجواز استثنائي لحالات محددة وبشروط.

ويمكن الاستئناس بالحجج الآتية:

أولاً: أن هذا "الفعل" مخالف للطريق "الفطري" "الطبيعي" الذي خلق الله الناس عليه وسن قوانين توزيع الذكور والإناث على وفقه، "فالأصل" أن تحديد الجنس مسألة لها "قانون" "وسنة" ربانية منذ أن خلق الناس وجعل التناسل بينهم سببا لديمومة الحياة البشرية لأداء ما وجب على الإنسان من مهام وواجبات.

والسماح بالتدخل في هذه العملية تغيير لهذه الفطرة ولأصل قانون الخلق وتناسلهم.

ولهذا كان "طفل الأنابيب" مثلا خروجا عن الأصل، والأصل عدمه، ولكن ضرورة عدم الإنجاب أجازت إجراء عملية التلقيح الاصطناعي ولولاها لما جاز بحسب الأصل. ومن هنا نرى أن الأصل عدم اللجوء إلى هذه التقنية كأصل عام.

ثانياً: السماح بالاختيار سيؤدي إلى أحد أمرين لا محالة:

(أ) اختلال النسبة بين الذكور والإناث([27]):

حيث إن الناس يميلون لجنس الذكر عادة ولأسباب عملية وغيرها، وحتى لو مالوا لجنس الأنثى فالاختلال موجود وذلك لعدم وجود "جهة" أو "مقدرة عملية" بواسطتها يمكن ضبط مثل تلك العمليات على فرض جوازها.

فإذا كانت النسبة السنوية للمواليد - في الأردن مثلا([28])- 51% ذكور و 49% إناث وفي السنة التي قبلها العكس، وعلى حد تعبير بعض أهل الاختصاص، كلما ولد 106 (طفل ذكر) ولد مقابله 100 (طفل أنثى) وذلك في الظروف العادية"([29])، فالسماح للاختيار سيؤدي حتماً إلى تغيير النسبة الأمر الذي يودي إلى مشكلات متعددة.

والظاهر من خلال سؤال الأطباء الذي يمارسون عمليا إجراء عمليات أطفال الأنابيب عن آراء الناس الذين يلجأون إلى هذه التقنية فأجابوا بأن الناس بوجه عام يمثلون اتجاهين:

الأول: وهم الغالبية يميلون لاختيار الذكر.

الثاني: وهم قلة نسبة إلى الاتجاه الأول ويرون ترك الأمر لما يقدره الله دون فرق من الذكر والأنثى.

وبما أن الوعي الثقافي الإسلامي لم يبلغ لدى المجتمع الإسلامي المعاصر مبلغا يجعل النظرة إلى الذكر والأنثى كما أراد الله سبحانه بل نرى في هذه الأيام التمييز الواضح بين الذكر والأنثى تمييزا يدل على "بغض" الإناث و"محبة" الذكور، وكأن أخلاق الجاهلية([30]) الرافضة للإناث قد عادت من جديد.

والذي يزيد الأمر سوءا أن يأتي بعض الباحثين "في علوم الشريعة" وبفهم خاص لديهم للفروق بين الذكر والأنثى، ولأن الذكر يتولى رئاسة الدولة، ويقوم بالجهاد، والقضاء، وأن الأنبياء كانوا من الرجال وليس من النساء... إلخ ليخرجوا بفتوى جواز اختيار جنس الجنين واختيار الذكر تحديدا.

ولا يخفى ما في هذه الفتوى من مخالفة صريحة لنصوص القرآن والسنة، وفهم غير صحيح لعدد من النصوص والقضايا، كما أن لها نتائج سلبية على المجتمع، وما فيها من تعزيز لبعض "المفاهيم الخاطئة" والمخالفة للأصول والمبادئ الإسلامية([31]).

(ب) عدم الاختلال (فرضاً):

وهنا يأتي السؤال من هو صاحب الحق بتحديد الجنس، الأب (الزوج) أو الأم (الزوجة)، أم الأسرة جميعا، أم الجد، أم الجدة، أم القاضي؟

ومن الذي يقرر حسم حالة الاختلاف وتنازع الرأي؟ هل نلجأ إلى التصويت أم ترانا نترك للزوج الاستبداد برأيه لأنه يفضل جنسا على آخر. فتحديد صاحب الحق مشكلة بل نازلة متفرعة عن النازلة الأساسية.

ثالثاً: إن القول بالجواز - كقاعدة - يؤدي إلى تحكم الأهواء والرغبات، والشريعة كما يقول الإمام الشاطبي جاءت لتخرج الناس عن دواعي أهوائهم([32])، حيث يقول رحمه الله: "ما علم بالتجارب والعادات من أن المصالح الدينية والدنيوية لا تحصل مع الاسترسال في اتباع الهوى، والمشي مع الأغراض؛ لما يلزم في ذلك من التهارج والتقاتل والهلاك، الذي هو مضاد لتلك المصالح، وهذا معروف عندهم بالتجارب والعادات المستمرة، ولذلك اتفقوا على ذم من اتبع شهواته، وسار حيث سارت به".

وكما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله: "لو استجبنا لأهواء الناس في إيثار الذكور وسخرنا الطب لبلوغ ما نشتهي ماذا سيقع؟ سيهلك العالم على عجل أو على مكث! إننا بدل أن نتقن الهندسة الوراثية يجب أن نتقن هندسة الأخلاق والتقاليد، وأن نفقه قول الله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) المؤمنون/71([33]).

رابعاً: إن مجرد إمكان القيام بعملية ما وانتشارها في بعض أجزاء من العالم لا يعني أنها جائزة التطبيق - في المجتمع الإسلامي على الأقل - وذلك أن أي عمل (أو إجراء) يحكم عليه من خلال المصالح والمفاسد التي تحققها وتترتب عليه.

وقد رأينا أن المصلحة الطبية المحققة حالة وجود أمراض مرتبطة بالجنس قد أجيزت ولم تمنع وبقيت مصالح تلبية "رغبات" الوالدين، وبعض المصالح الاجتماعية كتلبية رغبة أزواج يرون أن الزوجات اللاتي لا ينجبن "الذكور" مثلا طريقهن إلى الطلاق أو تعدد الزوجات... وهكذا فهناك مصالح غير معتبرة، لأن مآلها وأهدافها لا تصب في المصالح الشرعية بل فيها تطويع لأحكام الشرع لتوافق رغبات الناس.

والذي يبدو أن العلماء (الفقهاء) قد وقعوا بين فكين: يمثل أحدهما الراغبين بإجراء عمليات اختيار جنس الجنين ويمثل الثاني الأطباء وأصحاب المراكز الممارسة لهذه التقنية.

ولا شك أن تأثير "قوى الضغط" الاجتماعي و"المهني" يؤثر في استصدار بعض الفتاوى والآراء الاجتهادية بحسب الاتجاه السائد أحيانا وإن كان الأولى بل الواجب أن لا يتأثر المفتي بأي من هذه الموجهات للرأي وأن ينظر إلى حقائق الأمور ويصدر فتواه.

ومن باب الاستئناس بالرأي وجدنا أن عدة دول وهيئات في بلاد مختلفة من هذا العالم وفي مقدمتها بريطانيا وجهت وأصدرت قرارات تمنع وتحذر من استخدام تقنية اختيار جنس الجنين إلا لضرورة طبية "فقد قررت دائرة التخصيب والجنين البشري أنه ليس من حق الآباء والأمهات في بريطانيا تحديد جنس مواليدهم..."([34]). وكذلك الحال في تركيا وغيرها...

والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الهادي إلى الصواب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

(*) بحث مقدم لـ(الدورة الثامنة عشرة) للمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة - المملكة العربية السعودية.

 

الهوامش:


([1])  يقول الله سبحانه: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) التكوير/ 8-9.

([2])  راجع في هذا نجم عبد الواحد: العقم وعلاجه، ص/438، الموسوعة الطبية (7/ 1176)، عبد الرشيد بن محمد أمين، اختيار جنس المولود وحكمه الشرعي، على الإنترنت.

([3])  انظر: قضايا طبية معاصرة (2/ 283)، القباني، أطفال تحت الطلب، ص/134.

([4])  سنن ابن ماجه (2/284). وانظر شرح الحديث في جامع العلوم والحكم للإمام ابن رجب الحنبلي (2/ 207).

([5]) راجع ما قاله بعض أطباء الاختصاص في مناقشات جلسات جمعية العلوم الطبية الإسلامية حول هذا الموضوع في كتاب قضايا طبية معاصرة (2/ 290).

([6]) المراجع السابق ذكرها وانظر أيضا: الأحكام الشرعية المتعلقة باختيار جنس الجنين والمولود، لسامرة العمري، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة اليرموك، ص90.

([7])  راجع: الإنجاب والاستنساخ ص/285.

([8])  In Viro Fertilization.

([9])  انظر على صفحة الإنترنت: www.layyous.com ، مقال اختيار جنس المولود ص/6 (3-6/2004).

([10])  راجع الفتوى على صفحة الإنترنت بقلم: محمد صبرة.

([11])  كالصين مثلاً.

([12])  راجع www.werathah.com/genetic/x-link.html تاريخ (20/10/2004).

([13])  هناك دراسات تقول: يوجد حوالي خمسة آلاف من الأمراض ذات الصلة بالجنس، راجع على شبكة الإنترنت: هل يحدد غذاء الأم جنس المولود.

([14])  انظر: محمد رأفت عثمان: التحكم في نوع الجنين/ ضمن كتاب قضايا فقهية، ص/ 13.

([15]) رواه ابن ماجه في السنن (2/ 784) وأحمد في المسند وابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك وغيرهم، وهو حديث حسن وذكره.

([16])  لا شك أن بغض المولود إذا كان أنثى من عمل الجاهلية الذي حرمه الإسلام.

([17])  وردت في الآية (36) من سورة آل عمران على لسان امرأة عمران والمقصود بها السيدة مريم عليها السلام.

([18])  كنت ممن يرون هذا الرأي في بحثي عن الهندسة الوراثية (مجلة أبحاث اليرموك، عدد 2، مجلد 4، السنة 1998م) وقد تغير الرأي عندي اليوم ورجعت عن القول بعموم جواز الاختيار إلى ما استقر عليه الرأي في هذا البحث، والله سبحانه أعلم.

([19])  راجع كتاب قضايا فقهية معاصرة (1/ 123-124).

([20])  المرجع السابق، ص 125.

([21])  انظر: د. محمد محروس المدروس:  ص/109.

([22])  قضايا فقهية معاصرة (مجموعة من المؤلفين) ، ص/130.

([23]) الجائز الأول الحصول على مولود ذكر، الجائز الثاني الحصول على أنثى وكلاهما جائز.

[24] راجع: موسوعة القواعد للندوي (2/ 55) وأشار إلى التمهيد (17/ 114).

[25] المرجع السابق (2/ 60) وأشار إلى تحفة الأحوذي (4/ 331).

[26] القواعد والضوابط المستخلصة من التحرير للجمال الحصيري، استخراج علي الندوي، ص480 وأشار إلى ص 2/ 883.

([27])   حينما بدأ تطبيق أسلوب اختيار جنس الجنين في شمال الهند أدى ذلك إلى عدم استقرار التركيبة السكانية ووصل إلى نتيجة غير طبيعية وغير متوازنة.

([28])   وهذا ينطبق على معظم البلدان تقريبا.

([29])   قضايا طبية معاصرة 2/281.

([30])   من مناقشات جمعية العلوم الطبية، قضايا طبية معاصرة 2/300.

([31])   يستدل بعضهم بدعاء سيدنا زكريا: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) مريم/5-6. ونحن لا نحرم الدعاء بمثل دعاء سيدنا زكريا ولكن الدعاء شيء وأن نتخذ مراكز لغاية تحديد جنس المولود بما يتضمن ذلك من كشف للعورات والتعرض لإجراءات متعددة تكتنفها مخاطر... الخ شيء آخر والاستدلال بهذه الآية على جواز اختيار جنس الجنين تحميل للآية فوق ما تحتمل.

([32])   الموافقات (2/ 289، 292) طبعة دار ابن عفان 1997م.

([33])   الغزالي،  213 - 214.

([34])   sheaf- on line.