أضيف بتاريخ : 29-03-2022


أثر النصوص الشرعية في الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه (*)

المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب، دكتوراه في الفقه وأصوله، مدير العلاقات العامة والتعاون الدولي في دائرة الإفتاء

ملخّص

يعتبر الاجتهاد فيما لا نصّ فيه الهواء الذي يتنفسه الفقه الإسلامي، حيث يضمن له الاستمرارية والبقاء، فالنصوص كما نعلم محدودة، والوقائع لا حصر لها ولا حدّ، والمجتهد يجد حكمها معتمدًا على الاجتهاد. ومن غير المقبول أن يكون هذا الاجتهاد مناقضاً للنصوص الشرعية، وإلا عاد الاجتهاد على نفسه بالبطلان، فلا يجوز أن نستنبط حكماً نصفه بالشرعي وهو يناقض نصوص الشريعة نفسها، فلا بدّ للحكم المستنبط عن طريق الاجتهاد أن يسير تحت مظلّة النصوص، ويكون قريباً منها، ويحقق مقاصدها، لئلا يكون غريباً عنها. ولو نظرنا إلى القياس مثلاً سنجده يُستعمل حيث لا نصّ في الواقعة بخصوصها، لكننا بعملية القياس نحتاج إلى أصل نقيس عليه، وهذا الأصل قد أخذ حكمه من النص غالباً، فنُعدّي حكم النصّ في المسألة المنصوص على حكمها إلى الواقعة المستجدة إذا اشتركا في نفس العلة، وهكذا يكون للنصّ الشرعيّ أثره في الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، فالبحث يهدف لبيان العلاقة الدقيقة بين النصّ والاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، وأثر النصّ فيه، من خلال المنهج التحليلي.

ومن أهم النتائج التي توصل إليها الباحث أنّ الاجتهاد في الوقائع التي لا نصّ فيها لا بدّ أن يكون له صلة بالنصّ الشرعيّ، وألا يناقضه، فالقياس أو الاستصلاح أو العرف أو الاستصحاب هي أدوات الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، واستعمال هذه الأدوات لا يعني بحال من الأحوال البعد عن النصوص الشرعية ومناقضتها، ومخالفة مقاصدها.

الكلمات المفتاحية: الاجتهاد. الأدلة التبعية. مصادر التشريع. استنباط. النص.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وبعد:

فإنّ الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، وقد نال هذه الصلاحية من خلال مرونة تشريعاته التي تناسب كل عصر ومصر، ومواكبته لكل حادثة أو نازلة من خلال فتحه لنافذة الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، فيظلّ الفقه الإسلامي ينبض بالحياة مهما تطاول عليه العمر.

لكن قد يتوهّم البعض أنّ الاجتهاد فيما لا نصّ فيه وهو فرع عن الاجتهاد بالرأي، يترك للمجتهد الحرية المطلقة في استصدار الأحكام ونسبتها للشّرع دون شروط أو ضوابط، فيقول من شاء ما شاء. نعم للعقل مكانته ومجاله في ساحة الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، إلا أن هذه الحريّة لا بد أن تسير تحت مظلة الشّرع ونصوصه وأحكامه، وإلا وقع التناقض، ولا يجوز أن يكون حكم الاجتهاد فيما لا نصّ فيه مناقضًا لحكم نصوص الشريعة، فإن وقع ذلك، كان هذا الاجتهاد باطلاً، إذ الشّريعة تعرف بنصوصها المقدسة، التي تهدي المجتهد إلى الطريق الصحيح. وإذا أردنا أن نعرف مقصد المشرع في واقعة ما، نظرنا إلى ما شابهها من نصّ شرعي حيث يتضمن مراد الشارع ومقصده، فنلحقها به، لضمان تحقق المراد والمقصد فيما لا نصّ فيه من خلال ما فيه نصّ شرعي.

وهكذا نلحظ أن الاجتهاد فيما لا نصّ فيه لا يعني البعد عن نصوص الشريعة ومقاصدها، بل يعني السّير على خطاها، واتّباع هديها، وهذا ما سأبيّنه تفصيلا في هذا البحث إن شاء الله تعالى.

مشكلة البحث

تتمثل مشكلة البحث في بيان أثر النّصوص الشّرعية في الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، من الناحية النظرية التأصيلية، والتطبيقية الفرعية، من خلال استعراض أهم أدوات الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، وبيان أثر النصّ عليها من الناحيتين: النظرية، ثم توضيح ذلك من خلال أمثلة تطبيقية.

حدود البحث

ينحصر البحث في أثر النّصوص الشرعية في عملية الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، ولن يتطرق للاجتهاد المآلي فيما لا نصّ فيه، ولا للاجتهاد في فهم النصّ أو تطبيقه.

أهداف البحث

يهدف هذا البحث إلى بيان العلاقة بين النصوص الشرعية والاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه تفصيلاً من خلال النظر إلى أهمّ أدوات هذا الاجتهاد واحدة تلو الأخرى، وبيان علاقتها بالنصوص الشرعية، وضرب الأمثلة التطبيقية على عملها.

أهمية البحث

يكتسب الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه أهمية بالغة في حياة المجتمع المسلم؛ لأنّه الأساس الذي تبنى عليه السياسة الشّرعيّة، والنوازل والمستجدات العلمية والطبية والاقتصادية وغيرها. ومن خلال البحث يتبيّن لنا سلطان النّص على الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، مما يقف عقبةً أمام تجاوز النّصوص ومناقضتها فيه، بحجة أنه يستند إلى القياس أو الاستصلاح أو العرف أو المقاصد الشرعية.

منهج البحث

يقوم منهج البحث على استقراء وتتبع آثار النصّ الشرعي في عمل أدوات الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نص فيه من قياس واستصلاح وعرف واستصحاب، وذلك بعد بيان العلاقة بين تعليل النصوص والاجتهاد فيما لا نص فيه، فالمنهج المتبع هو الاستقرائي التحليلي.

الدّراسات السابقة

تنوعت الدراسات حول الاجتهاد فيما لا نص فيه، إلا أنها لم تشر إلى علاقة هذا الاجتهاد بالنصوص الشرعية إلا من طرف خفي، ومن أهم هذه الدراسات المعاصرة:

1. مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، للشيخ عبد الوهاب خلاف، وهو كتاب في مجلد واحد، تطرق فيه المؤلف لبيان الأدلة التبعية من قياس واستصلاح وعرف واستحسان وسدّ للذرائع، مبيناً شروط الأخذ بها، وموقف الفقهاء منها. ولم يبين الفرق بين الاجتهاد الاستنباطي والاجتهاد المآلي فيما لا نصّ فيه، معتبراً كل ما ذكر مصدراً للتشريع. بينما في هذا البحث نفرق بين ما كان أداة للاستنباط وما كان خطة تشريعية وقائية، تبنى على المآلات.

2. المدخل الفقهي العامّ للأستاذ مصطفى الزرقا، وهو كتاب في مجلدين، تميز في بدايته بذكر أوجه الوفق والفرق بين الأدلة التبعيّة، وبيان الصلات بينها، مما يزيد من فهمها بشكل أكثر عمقاً.

3. المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، للأستاذ الدكتور محمد فتحي الدّريني، وهو مجلد واحد، بين في بدايته أهمية الاجتهاد بالرأي، ومناهج الفقهاء فيه، مركزاً على العلل والمقاصد وروح التشريع.

خطة البحث

جاءت هذه الدراسة في مبحثين:

المبحث الأول: الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، وتعليل النصوص، وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه.

المطلب الثاني: حكم الاجتهاد فيما لا نصّ فيه.

المطلب الثالث: تعليل النصوص أساس الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه.

المبحث الثاني: استناد أدوات الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه إلى النّصوص الشّرعية، وفيه أربعة مطالب:

المطلب الأول: القياس.

المطلب الثاني: الاستصلاح.

المطلب الثالث: العرف.

المطلب الرابع: الاستصحاب.

الخاتمة: واشتملت على أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

قائمة بالمصادر والمراجع.

وقد بذلت جهدي في أن أكون موضوعيًّا في البحث والتحليل، فإن وفّقت في ذلك، فللّه الحمد والمنّة، وإنْ أخطأت فمن نفسي والشيطان، وأسأل الله العفو والغفران، والحمد لله رب العالمين.

المبحث الأول

الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه، وتعليل النّصوص

المطلب الأول: تعريف الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه

أولاً: تعريف الاجتهاد لغة:

الاجتهادُ في اللغة مشتقٌ مِنْ مادة (جَهَـدَ) وهو أصلٌ يدلُّ على المشقة([1])، والجهْد (بفتح الجيم وضمها) الطاقة([2]). والجَهد: المشقة([3])، والجُهد: الوسع والطاقة([4])، والاجتهاد: بذل الوسع([5]).

ثانياً: تعريف الاجتهاد اصطلاحًا:

ذكر الأصوليّون تعريفاتٍ كثيرةً للاجتهاد، وهي في مجملها لا تختلفُ عنْ بعضها إلا في العبارة، أما المضمونُ فواحد([6])، وأختار تعريفاً مختصراً جامعاً مانعاً وهو:

"بذلُ الفقيه الوُسْعَ في نيل حكم شرعيّ عمليّ بطريق الاستنباط"([7]).

ثالثاً: تعريف الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نص فيه:

إن الواقعة التي يُحتاج إلى معرفة حكم الشرع فيها:

إمّا أنْ يدلّ عليها نصّ شرعي -من الكتاب أو السنة- صريحٌ قطعيّ الثبوت والدّلالة، أو إجماع، فهذه يَحرُمُ الاجتهادُ فيها([8]).

وإمّا أنْ يدلَّ عليها نصّ ظنيّ الدلالة أو الثبوت، فتكونُ مجالاً للاجتهاد في فهم النصّ أو تطبيقه([9]).

وإمّا أنْ لا يكون فيها نصٌّ بخصوصها يدلّ على حكمها من الكتاب أو السنة، ولا إجماع عليها، فهذه الوقائع تعرف بالنوازل، أو ما لا نصّ فيه. وتحمل على ما فيه نصّ يشبهها، يقول أبو بكر الجصاص: "إن الحوادث التي لا نصّ فيها لا يخلو من أن يكون لها أُصول من النّصوص، وأشباه ونظائر، وإِن لم يرد بحكمها خبر، فمتى خلت الحوادث من أن يوجد فيها أخبار الآحاد، حمل على نظائرها من الأُصول"([10]).

وبناءً على ما تقدم؛ يكون تعريف الاجتهاد فيما لا نصّ فيه هو: بذل الفقيه الوسع في نيل حكم شرعيّ عمليّ بطريق الاستنباط في واقعة لم يردْ فيها نصٌّ، ولا إجماع عليها.

رابعاً: بيان معنى الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه:

يمرّ الاجتهاد فيما لا نصّ فيه بمرحلتين:

الأولى: مرحلة استنباط الحكم، والتي تعتمد على تعليل النّصوص الشرعية، من خلال بيان العلل الشّرعية القياسية، والحكمة، والمصلحة، والمقصد الشرعيّ، ويستخدم فيها المجتهد القياس والاستصلاح والعرف والاستصحاب.

والثانية: مرحلة مراعاة المآل، التي من خلالها يقيس المجتهد أثر تطبيق الحكم الذي وصل إليه استنباطاً؛ ليرى مدى توافقه مع أصول الشريعة ومقاصدها، ويعمل على معالجة أيّ انحراف في الحكم المستنبط ليتوافق مع كليات الشريعة، معتمداً على سدّ الذرائع والاستحسان([11]).

فالاجتهاد فيما لا نصّ فيه يمرّ بمرحلتين، مرحلة الاستنباط وتعرف بالاجتهاد الاستنباطي، ومرحلة مراعاة المآل، وتعرف بالاجتهاد المآلي. والاجتهاد الاستنباطي فيما لا نص فيه هو موضوع بحثنا.

المطلب الثاني: حكم الاجتهاد فيما لا نصّ فيه

المقصودُ بالحكم هنا الوصف الذي يعطى للاجتهاد من الأحكام التكليفية، كالوجوب والندب والحرمة وغيرها([12]).

ويمكننا أنْ ننظرَ إلى حكم الاجتهاد باعتبارين: الأول باعتبار تحقّقه ووجوده كصفة وملكة، والثاني باعتبار ممارسته ووقوعه من المجتهد.

أولاً: حكمُ الاجتهاد باعتبار تحقّقه ووجوده:

الاجتهادُ باعتبار تحقّقه ووجوده كصفة ومَلكة وقدرة مِنْ فروض الكفايات، بحيث إنْ تركه أهلُ عصر، فلمْ يوجدْ فيهم مَنْ يجتهد لهم أثموا جميعًا، فإنْ وُجد مَنْ تقوم به الكفاية نال المجتهدون الأجر، ورُفع الإثم عن الباقين؛ وذلك لأنّ الأحكام الشرعية الاجتهادية إنّما تكون بطريق الاجتهاد، فإنْ لمْ تجد الأمة مَنْ يجتهد لها فيما نزل بها مِنْ نوازل وأحداث، وما استجدّ مِنْ مسائل، انتشرتْ الفوضى وضاعتْ مصالح الناس، وتعطلت الأحكام الشرعية الاجتهادية، وفي هذا مِن الفساد ما لا يعلمه إلا الله تعالى([13]).

ثانياً: حكمُ الاجتهاد باعتبار ممارسته ووقوعه:

ويكون هذا الحكم مختصًا بالمجتهد بعد وجوده وتحققه بصفات الاجتهاد، فإمّا أنْ يكون اجتهاده فرضَ عين، أو فرض كفاية، أو مندوبًا، أو محرمًا([14]).

أوّلاً: يكون الاجتهادُ فرضَ عين:

إذا نزلت الواقعة بالمجتهد، فاجتهاده في حقّ نفسه فرض عين؛ لأنّ المجتهدَ لا يجوز له أنْ يقلّد غيره في حقّ نفسه([15])، أمّا إذا نزلتْ الواقعة بغير المجتهد، وتعيّن الجواب عليه، لعدم وجود غيره([16])، فإنْ ضاق وقتُ الحادثة، وخشي فواتَ الوقت دون معرفة الحكم الشرعيّ، كان الاجتهاد فرضَ عينٍ على الفور، وإلا فعلى التراخي([17]).

ثانيًا: يكون الاجتهادُ فرضَ كفاية:

إذا نزلت الواقعةُ بالمستفتي فسأل أحد المجتهدين عن حكمها الشرعيّ، ولم يخشَ فوات وقت الحادثة دون الحكم الشرعيّ، توجّه الفرض على جميع المجتهدين، وأخصّهم بالوجوب مَنْ خُصّ بالسؤال عن الواقعة([18]).

فإنْ أجاب أحدهم سقط الإثم عن الجميع، فإنْ لمْ يُجيبوا مع معرفتهم بالجواب، أثموا جميعًا، فإنْ لمْ يجيبوا لالتباس المسألة عليهم عُذروا، ولا يسقط عنهم فرض الاجتهاد، ويظلّ واجبًا على الكفاية عليهم أنْ يجتهدوا حتى يجدوا جوابًا للواقعة([19]).

وإذا تردّد الحكم بين قاضيين مجتهدين مشتركين في النّظر في الواقعة، فيكون الاجتهاد فرضَ كفاية عليهما، فإنْ حكم أحدهما بعد اجتهاده سقط الإثم عنهما، وإنْ تركا الاجتهاد بلا عذر أثما([20]).

ثالثاً: يكون الاجتهاد مندوبًا إليه:

إذا اجتهد في مسألة قبل وقوعها احتياطًا؛ لمعرفة حكمها الشرعي إذا وقعت مستقبلًا([21]).

وإذا استفتي في مسألة لم تقع، فاجتهد في استنباط حكمها الشرعي كان مأجورًا، فإنْ أرجأها حتى وقوعها لم يكن آثمًا([22]).

رابعًا: يكون الاجتهاد محرمًا:

إذا اجتهد في مقابلة دليل قطعي، كالنّص قطعيّ الدّلالة والثبوت، أو الإجماع([23])، وعليه يحمل كلام الإمام السرخسي: "لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالِاجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ"([24]).

المطلب الثالث: تعليل النصوص أساس الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه

الأصل في الأحكام الشرعية التعليل([25])، أي إنّ الأحكام مبنية على علل ومعانٍ وأسباب تحقق غايات ومصالح يقصدها المشرّع([26])، ولا يمكننا الإقرار بوجود المقاصد والغايات من تشريع الأحكام الشرعية إلا إن سلّمنا بكون هذه الأحكام معلّلة، أي إننا نثبت وجود المصالح والمقاصد من خلال تعليل النصوص والأحكام، يقول الإمام الزيلعي: "وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُولَةً فَجَازَ تَعْدِيَتُهَا إلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ"([27]).

وقد عرفنا أنّ معنى الاجتهاد فيما لا نصّ فيه هو: بذل الفقيه الوسع في نيل حكم شرعيٍّ عمليٍّ بطريق الاستنباط في واقعة لم يردْ فيها نصٌّ ولا إجماع.

ومعنى الاستنباط: استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة([28]).

يقول الإمام السَّرخسيّ: "وما لا نصّ فيه يُردّ إلى المنصوص عليه باعتبار المعنى فيه"([29])، والمعاني هي العلل، واستخراجها يكون بطريق مسالك التعليل.

والمقصودُ بمسالك التعليل: "الطُّرق الدّالة على العلّة"([30])، حيث تُعتبر هذه الطرق دليلاً يشهد للأوصاف بالاعتبار من قبل المشرِّع([31])، فتُبيّن هذه الطرق أنّ هذا الوصف هو السبب في الحكم، أو أنه علَّته([32])، وأنّ وجود هذا الوصف مظنّة تحقق حِكمة الحُكم، وهي المصلحة المقصودة من تشريع الحكم([33]).

ومِن أهمّ مسالك العلَّة التي ذكرها الأصوليون: النصّ، والسبر والتقسيم، والمناسبة([34]).

فنلحظ ممّا تقدّم:

أوّلاً: أنّ الاجتهاد يكون بطريق الاستنباط الذي هو استخراج المعاني (العلل) من النصوص، فلا بدَّ إذن عند عملية الاجتهاد فيما لا نصّ فيه من وجود نصّ يُعلِّل؛ كي نستفيد من علته فيما لا نص فيه، ويتم تعدية العلة من النص إلى غير المنصوص عليه، لنعطي غير المنصوص عليه حكم المنصوص، يقول الإمام السّرخسي: "وَالشَّرْع مَا جعل التَّعْلِيل بِالرَّأْيِ إِلَّا بعد النَّص وَإِلَّا لإِثْبَات الحكم فِيمَا لَا نَص فِيهِ"([35]).

ثانياً: طرق الكشف عن العلل إما بالنصّ صراحة، أو إيماءً([36])، أو السبر والتقسيم للأوصاف المنصوص عليها([37])، أو ملاحظة المناسب المعتبر شرعا([38])، أو المرسل([39])، فالبحث في النصوص ومعانيها وعللها، هو السبيل الموصل لحكم المسائل التي لا نصّ فيها.

والحاصل أنّ عملية الاستنباط لإيجاد حكم المسائل التي لا نصّ فيها بنيت على تعليل النّصوص، واستخراج معانيها، وذلك لأنّ العلماء أرادوا بناء الأحكام على ذات المنهاج التشريعي، ليصلوا إلى تلك المعاني والغايات والمقاصد والأهداف والمصالح التي تحققها النصوص التشريعية، فرسموا منهجًا علميًا في استنباط الأحكام التي لا نص فيها ولا إجماع، ينسجم مع منهاج الشريعة في التّشريع وطبيعته، من حيث غائيّة الأحكام وتعليلها ومعقولية معانيها، فلجئوا أوّلا إلى مسالك التعّليل للتعرف على علل النّصوص التّشريعيّة، أي أنّهم بحثوا عن العلة والحِكمة والمقصد من النّص التشريعي -الذي يُفصح عن إرادة المشرع التي يُعبِّر عنها حكمُه في مسألة ما- ثم استخدموا الأدوات الاجتهادية التي تتناسب مع منهاج الشريعة في التّشريع وطبيعته من حيث غائية الأحكام ومعقوليتها وتعليلها، كالقياس والاستصلاح، واستنبطوا بناءً على ما سبق الأحكام الشرعية لمسائل لا نَصّ فيها ولا إجماع([40]).

فقد بحث العلماء في ظواهر النّصوص ومعانيها، وقاموا بتعليل الأحكام الشرعية تعليلًا عامًا([41]) بحثوا فيه عن المصالح والمقاصد بنظرة كليّة للشريعة وأحكامها، وتعليلًا خاصًا([42]) بحثوا فيه عن العلة القياسيّة للأحكام الجزئيّة، "والهدف من هذا التّعليل تحقيق المصلحة التي أراد الشارع أن يحققها من خلال أحكامه، أي إنّ المصلحة هي القطب الذي تدور حوله مرحلة الاستنباط في الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، ولا يتحقق وجود هذا القطب الجاذب دون التعليل للنصوص والأحكام"([43]).

ثالثا: عند تعليل النّص الشرعي للوصول إلى حكم شرعيّ ينبغي ألا تتعارض هذه العمليّة مع النّصوص الشرعيّة الأخرى، فلا تكون عمليّة التّعليل للنص، ومن ثَمَّ الوصول إلى حكم يتعارض مع باقي النصوص ويخالفها؛ لأننا سنستدلّ بهذا التعارض على عدم صحّة هذا التعليل وما ترتّب عليه، يقول الإمام الزَّيلعيّ: "وَالتَّعْلِيلِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ"([44])، فالأصل أن تُردَّ المسائل التي لا نصّ فيها إلى نظائرها وأشباهها من النّصوص بالاجتهاد([45]).

ومثال ما سبق: قول من ذهب إلى تساوي الابن والبنت في الميراث؛ معلّلا ذلك بتساويهما في البنوة للمتوفى (درجة القرابة)، زاعمًا أنّ تساويهما في القرابة وصف مناسبٌ لتساويهما في الإرث، لكن هذا التعليل معارض للنصّ الشرعيّ، إذ الوصف المدَّعى ثبت إلغاؤه شرعًا؛ ونُصّ على عدم اعتباره، بل ورتّب الحكم على خلافه، وذلك في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) ]النساء:11[، حيث نصّ على أنّ للابن ضعف حصة البنت، دون مراعاة لتساويهما في القرابة للميّت.

المبحث الثاني

استناد أدوات الاجتهاد الاستنباطيّ فيما لا نصّ فيه إلى النصوص الشرعية

لما كان التعليل عند الأصوليين على قسمين: عامّ وخاصّ، تعامل الفقهاء مع كلّ قسم بما يناسبه من أدوات اجتهادية، حيث تعاملوا مع التعليل الخاصّ (التعليل القياسيّ) عن طريق القياس، وتعاملوا مع التعليل العامّ (التعليل المصلحيّ والمقاصديّ) عن طريق الاستصلاح، والعرف، وسأبيّن وجه استناد كلّ منها إلى النّصّ.

المطلب الأول: القياس

القياس لغة: التقدير([46]).

واصطلاحًا: هو "تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع بعلّة متّحدة لا تُدرك بمجرّد معرفة اللغة"([47]).

ومعلوم أنّ المجتهدين إنما يتوجّهون للقياس عند فقدهم النصّ أو الإجماع، لذلك صرّح الإمامان الشافعيّ وأحمد أنّ اللجوء للقياس إنمّا يكون للضّرورة([48]).

لكن هذا القياس لا يمكن أنْ يكون مقبولاً إلا إن استظلَّ بنصّ؛ "لأنّ الأصل في القياس لا بدّ وأن يكون نصّا"([49]).

الفرع الأول: بيان أثر النصّ على القياس من الناحية النظرية:

يمكننا بيان أثر النصّ على القياس من الناحية النظرية عند الاجتهاد فيما لا نصّ فيه بالآتي:

أوّلاً: إنّ القياس بحاجة إلى أصل ينبني عليه، والأصل هو المسألة التي ثبت حكمها بالنصّ أو الإجماع. والفرع هو المسألة التي لا نصّ فيها، والفرع يُبنى على الأصل، فالمسألة التي لا نصّ فيها ستبنى على مسألة منصوص على حكمها، وهكذا فإنّ المسألة غير المنصوص على حكمها ستدور في فلك النصّ من خلال عملية القياس على المسألة المنصوص على حكمها.

ثانياً: إنّ مبنى القياس على العلة التي لا تدرك إلا بالاجتهاد من أهله، والسّير على مسالك التعليل كما مَرّ([50])، والتعليل مبناه على النصّ الشرعيّ، فعلة الأحكام المنصوصة تعرف من النصّ، ويتمّ البحث عن هذه العلل في المسائل غير المنصوصة ليتمّ إلحاق غير المنصوص به، فمنبع العلل هو النصّ.

وبما أنّ علل القياس شرعية، فلا بدّ أن يوجد دليل شرعيّ على صحتها واعتبارها، والنصّ هو أعظم الأدلة الشاهدة لتلك العلل بالصلاح أو الفساد([51])، ولذلك كان من شروط العلة ألا يعارضَها ما هو أقوى منها كالنصّ أو الإجماع([52])، فإنْ عارضت العلّةُ النصَّ تبيّن لنا أنها علة فاسدة، جاء الدليل الشرعي بخلافها.

ثالثاً: إنّ عمليّة القياس ليست عملا عقليًّا محضا، بل تستند إلى النص وتتكئ عليه، يقول الإمام الشّاطبي: "فليس القياس من تصرفات العقول محضًا، وإنما تصرفت فيه من تحت نظر الأدلة، وعلى حسب ما أعطته من إطلاق أو تقييد...، فإنا إذا دلّنا الشّرع على أنّ إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه مُعتبر، وأنّه من الأمور التي قصدها الشّارع، وأمر بها، ونبّه النبي -صلى الله عليه وسلم- على العمل بها؛ فأين استقلال العقل بذلك؟ بل هو مهتد فيه بالأدلة الشّرعية، يجري بمقدار ما أجرته، ويقف حيث وقفته"([53]).

ومن تأمّل في التراث الفقهيّ يجد أنّ القياس في مقدمة المصادر الفقهية في إثبات الأحكام الشرعية للحوادث، حيث يعسُر على الباحث حصر الوقائع التي اعتمد المجتهدون فيها على القياس؛ لأنّه قد شكل الجانب الأعظم من التراث الفقهي([54])، حتى وصف الإمام السّرخسي القياس بأنه: "مدرك من مدارك أَحْكَام الشَّرْع، ومفصل من مفاصله"([55]).

ومن هنا نعلم أنّ الوقائع التي لا حصر لها والتي بنيت على الاجتهاد فيما لا نص فيه، وعلى القياس خصوصًا، كان للنصّ الشرعي أثر عليها، من حيث إنّ الفرع الذي لا نص فيه قد بُني على أصل منصوص أو مجمع عليه، والإجماع لا بد له من مستند، فيعود للنصّ، ثم إنّ علة القياس منبعُها النصّ، فالمسائل القياسية التي لا نصّ فيها قد ألحقت بما نُصّ عليه من أمثالها ونظائرها، وفي هذا يقول الإمام الشافعي: "كلّ حكم لله أو لرسوله وُجِدت عليه دلالة فيه أو في غيره من أحكام الله أو رسوله بأنه حُكِم به لمعنى من المعاني، فنزلت نازلة ليس فيها نصّ حكم: حُكم فيها حكمَ النازلة المحكومِ فيها، إذا كانت في معناها"([56]).

وعن طريق القياس يستفيد المجتهد من طاقات النص المعلَّل إلى أوسع مدى؛ لأنه يستفيد من العلة في إيجاد أحكام لمسائل لا نصّ فيها([57])؛ فكلما وجدنا العلة لزم عقلا من ذلك أن نجدَ الحكم الذي بُني عليها، وهو ما يُعرف باطّراد العلة([58])، يقول الإمام الشافعي: "... أن يكون الله أو رسوله حرَّم الشيء منصوصاً، أو أحلَّه لمعنى، فإذا وجدنا ما في مثل ذلك المعنى فيما لم يَنُصَّ فيه بعينه كتابٌ ولا سنة: أحللناه أو حرّمناه؛ لأنّه في معنى الحلال أو الحرام"([59]).

ويتبين مما سبق أنّ القياس ليس مَسلكًا عقليًّا محضًا، بل يسير تحت مظلة النصّ الشرعي.

رابعاً: يشترط لصحة القياس ألاّ يخالف نصًّا من كتاب أو سنة أو إجماع، فإن أدّى القياس إلى حكم يخالف نصًّا أو إجماعا عرفنا بطلانه؛ لأنهما مقدَّمان عليه، وكان فاسد الاعتبار([60]). فمخالفة القياس للنص آية على بطلانه وعدم صحته، فصار النصّ كأنه الاختبار الحقيقي لصحة القياس، مما يضبط العملية القياسية في الاجتهاد فيما لا نص فيه.

فمن خلال ما سبق يتبيّن لنا أثر النصّ على القياس من الناحية النظرية عند الاجتهاد فيما لا نصّ فيه.

الفرع الثاني: بيان أثر النصّ على القياس من الناحية التطبيقية:

انعكس الأثر النظري للنصّ على القياس في الاجتهاد فيما لا نصّ فيه على الناحية العملية، حيث سنجد المجتهد يحرص في اجتهاده على ذكر حكم الأصل ودليله الذي استند عليه قبل أن يقوم بعملية القياس فيما لا نصّ فيه، ليشير إلى صحة اجتهاده وقوته، وليفتح المجال أمام غيره ليفهم مأخذه في الاجتهاد، فيقيس كما قاس.

المسألة الأولى: قياس إزالة النجاسات المتوسطة على إزالة دم الحيض، قال الشافعي: "قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: (إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بماء، ثم لتصل فيه)([61])، فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بغسل دم الحيضة، ولم يُوقّت فيه شيئا([62])، وكان اسم الغسل يقع على غسله مرة وأكثر، كما قال الله تبارك وتعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) [المائدة: 6] فأجزأت مرة؛ لأنّ كلّ هذا يقع عليه اسم الغسل (قال): فكانت الأنجاس كلها قياسا على دم الحيضة لموافقته معاني الغسل والوضوء في الكتاب والمعقول ولم نقسه على الكلب؛ لأنه تعبد، ألا ترى أن اسم الغسل يقع على واحدة وأكثر من سَبْع، وأن الإناء ينقى بواحدة وبما دون السَّبْع، ويكون بعد السَّبْع في مماسة الماء مثل قبل السَّبْع"([63]).

ويظهر لنا كيف أن الإمام الشافعي قد قاس حكم إزالة النجاسات المتوسطة على حكم إزالة دم الحيض، بجامع أنها نجاسات متساوية فليست مغلظة كنجاسة الكلب، ولا مخففة كبول الصبي الذي لم يأكل الطعام، ويظهر لنا كيف أتى بالنص الذي يشير إلى حكم الأصل أثناء عملية القياس.

المسألة الثانية: قياس حجّ المغلوب على عقله على صلاة السكران، قال الشافعيّ: "ولو حجّ المغلوب على عقله لم يجزِ عنه؛ لا يجزي عمل على البدن لا يعقل عامله، قياسًا على قول الله عزَّ وجلّ (لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى) [النساء: 43]"([64])، فكما أنّ صلاة السكران لا تصحّ، فكذلك حجّ المغلوب على عقله لا يصحّ قياسًا على السكران، بجامع فقدان العقل، وهكذا نلاحظ كيف أنّ النصّ يحكم العملية القياسية، وكأنه شاهد العدل الذي يحسم القضية.

المسألة الثالثة: جواز استعمال اللَّولب لتنظيم النسل قياسًا على العزل الذي كان زمن الصحابة وأقرّه النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني([65]): "إنّ اللَّولب أداة رحمية من أجل منع الحمل أثناء فترة استعماله، يجوز استعماله لهدف مشروع، وبرضى الزوجين، قياسًا على العزل، فعن جابر رضي الله عنه قال: (كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، ولَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ)، ولمسلم عن جابر أيضا: (فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا)([66])".

وهكذا يظهر جليًّا أنَّ القياس وإن كان يستعمل في المسائل التي لا نصّ فيها، إلا أنه يعتمد على النصّ لصحّة إجرائه.

المطلب الثاني: الاستصلاح

يستعمل علماء أصول الفقه في باب الاستصلاح ثلاثة مصطلحات: المصلحة، والمصالح المرسلة، والاستصلاح، وسأعرّف كل واحد منها.

المصلحة لغة: هي ضدّ المفسدة ([67]).

واصطلاحًا: هي "جلب المنفعة أو دفع المضرّة"([68]).

ويمكننا فهم التعريف السابق في إطار ما ذكره الإمام الغزالي، حيث يقول: "نعني بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشّرع. ومقصود الشّرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكلّ ما يتضمّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة"([69]).

والمصالح المرسلة: هي كلّ منفعة داخلة في مقاصد الشارع، ولم يردْ في الشَّرع نصّ على اعتبارها أو إلغائها([70]).

والاستصلاح: هو "بناء الأحكام الفقهية على مقتضى المصالح المرسلة"([71]).

قد تحصُل واقعة لم يَنصّ المشرِّع على حكمها، ولم تتحقّق في الواقعة علّة يعتبرها المشرِّع لحكم من أحكامه، لكنْ وُجد في الواقعة وصف مناسب لتشريع الحكم يحقّق مصلحة بجلب نفع أو دفع ضرّ، فهذا الوصف المناسب([72]) في الواقعة يسمى المصلحة المرسلة، وكونها مرسلة أي مُطلقة عن دليل اعتبار أو إلغاء([73])، فإذا وجد مصلحة من جنس المصالح المعتبرة شرعًا، لكنْ لمْ يشهدْ لها أصل معيّن (خاص) بالاعتبار أو الإلغاء حتى يقاس عليه، أُخذ بهذه لمصلحة المرسلة في المسألة؛ لأنها تحقق مقاصد المشرِّع([74])، فعند فَقْدِ النصّ الخاصّ الذي يُقاس على حكمه، يكون الاستصلاح بديلًا جيدًا في الاجتهاد فيما لا نصّ فيه.

ولا يُعدّ المناسب المرسل من باب العلّة عند جمهور الفقهاء حتى يؤخذ به في باب القياس([75])، لكنه يعتبر دليلا قائمًا بذاته عُرف بالمصلحة المرسلة، التي يمكن اعتبارها علة معنى لترتّب الحكم عليه.

والحاصل أنّ الاستصلاح أداة من أدوات الاجتهاد، يتمّ من خلالها إيجاد أحكام فقهية لمسائل لا نصّ فيها بخصوصها، بناءً لهذه الأحكام على المصالح المرسلة.

الفرع الأول: بيان أثر النصّ على الاستصلاح من الناحية النظرية:

أولاً: لا تكون المنفعة مصلحة، إلا إنْ كانت داخلة في عموم الشّرع وأحكامه ومقاصده([76])، وهذه لا تعرف إلا عن طريق النصوص الشرعية التي تحتضن مقاصد الشريعة، وأحكامه التي تتضمن المصالح التي يريد المشرع تحقيقها، فلا بدَّ من وجود ملاءمة بين المنفعة ومقاصد الشريعة([77])، بحيث تكون المنفعة متَّفقة مع المصالح التي يقصد المشرِّع إلى تحقيقها، وذلك بأنْ تكون من جنسها، وليست غريبة عنها([78]). ومن ثمّ لا تُنافي هذه المنفعة أصلًا من أصول الشَّرع، ولا تُعارض دليلًا من أدلّته القطعية([79])؛ لأنها إن عارضت النصّ ستكون عندها مصلحة ملغاة لا مرسلة، والاستصلاح إنّما يبنى على المصلحة المرسلة، وكلّ معارضة للنصّ مناقضة له ولمقصده، ومناقضة النصّ الشرعيّ ومقصده باطلة، لذلك يُشترط في المصلحة ألا تكون مناقضة للنصّ أو لقصد الشارع([80])، كمن يدعو إلى تساوي الابن والبنت في الميراث؛ لتساويهما في البنوّة للمتوفى (درجة القرابة)، زاعمًا أنّ تساويهما في القرابة وصف مناسب لتساويهما في الإرث، لكن هذا الوصف ثبت إلغاؤه شرعًا؛ لأنّ النصّ جاء بعدم اعتباره، بل ورتّب الحكم على خلافه، وذلك في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) [النساء:11[.

ثانياً: كون المنفعة مصلحة مقصودة بالحكم، والمفسدة مفسدة كذلك، أمرٌ يُعرف بنصّ الشرع لا بمجرّد العقل، يقول الإمام الشاطبي: "فالمصالح من حيث هي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبّديات، وما انبنى على التعبّدي لا يكون إلا تعبديًّا"([81])، وليس المراد -هنا- أن ننفي صفة التعقّل عن هذه المنفعة أو المصلحة بل المقصود أنها من وضع المشرِّع([82])، وهكذا يتّضح كلام الإمام عزّ الدّين بن عبد السلام: "أمّا مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدها فلا تعرف إلا بالشّرع"([83])، والمشرِّع يعرِّفنا مراده ومقصده من خلال النّصوص، فصار النصّ حاكمًا على المصلحة، إن عارضته المصلحة ألغيت، وإن دلّ عليها اعتبرت، وإن دخلت في جنس ما اعتبره كانت مرسلة، وجاز الأخذ بها، فلا تصحّ دعوى من يفتي الناس على أساس المصلحة، إذا كانت المصلحة التي يدّعيها تخالف النصوص الشرعية.

وجدير بالذكر أنّ المصلحة المرسلة وإنْ لم يشهد لها أصل معيّن (خاص)، إلا أنها يشهد لها أصل كلّي([84])، والأصل الكلّي([85]) إذا اتّصف بالقطعية قد يساوي الأصل المعيّن وقد يزيد عليه([86])، ويعرف الأصل الكليّ من خلال تضافر مجموعة من النصوص على معناه([87]).

يقول الإمام الشاطبي: "فلم يعتمد الناس في إثبات قصد الشارع في هذه القواعد على دليل مخصوص، ولا على وجه مخصوص، بل حصل لهم ذلك من الظواهر والعمومات، والمطلقات والمقيدات، والجزئيات الخاصة، في أعيان مختلفة، ووقائع مختلفة، في كل باب من أبواب الفقه، وكل نوع من أنواعه، حتى ألفوا أدلة الشّريعة كلّها دائرة على الحفظ على تلك القواعد، هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من قرائن أحوال منقولة وغير منقولة"([88]).

وهنا تظهر أهمية النصّ في المقاصد والمصالح المعتبرة شرعاً التي يقيس المجتهد ما لا نصّ فيه من الوقائع عليها، أيْ قياس المسائل التي لا نصّ فيها على المسائل المنصوص عليها، بجامع الشبه القريب بين المصلحتين في المسألتين، وأن المصلحة فيما لا نص فيه، من جنس المصلحة المعتبرة.

من أجل ذلك اعتُبرت المصلحة المرسلة من باب القياس([89])، وقد سمّى ابن رشد الاستصلاح بالقياس المرسل فقال: "ومثل هذا هو الذي يعرفونه بالقياس المرسل، وهو الذي لا يستند إلى أصل منصوص عليه في الشرع إلا ما يعقل من المصلحة الشرعية فيه، ومالك -رحمه الله- يعتبر المصالح، وإن لم يستند إلى أصول منصوص عليها"([90]).

ومعلوم أننا نستند إلى المناسب المعتبر في عملية القياس الأصولي، بينما نستند إلى المناسب المرسل في عملية الاستصلاح، الذي هو في حقيقته قياس فُقِد فيه أحد أركانه وهو الأصل المقيس عليه([91])، إذ لا يستند الاستصلاح إلى نصّ خاصّ يقاس عليه، لكنّ المعنى الذي يستند إليه الاستصلاح يستفاد من المعاني العامة للشريعة المفهومة من مجموع نصوصها ومقاصدها.

ثالثاً: من خلال التعليل العامّ للنصوص يتعرف المجتهد على المقاصد والمصالح المعتبرة شرعا، والمصالح الملغاة التي لم يعتبرها الشارع، ويمكنه عندها أن يميز المصالح المرسلة التي تكون من جنس المصالح المعتبرة وقريبة منها.

يقول الإمام عزّ الدّين بن عبد السلام: "ومن تتبع مقاصد الشرع في جلب المصالح ودرء المفاسد، حصل له من مجموع ذلك اعتقاد أو عرفان بأنّ هذه المصلحة لا يجوز إهمالها، وأنّ هذه المفسدة لا يجوز قربانها، وإنْ لم يكن فيها إجماع ولا نصّ ولا قياس خاصّ، فإنّ فهم نفس الشرع يوجب ذلك"([92]).

لذلك تمّ إلحاق المصالح المرسلة بما يقاربها من المصالح المعتبرة شرعًا؛ لنزيل غربتها عن التشريع، حيث لم يشهد لها نصّ خاصّ بالاعتبار، ولكنها تستند إلى أصل كلّيّ عامّ، فليست المصلحة المرسلة وليدة التعليل العقليّ المحض؛ لأنها لو كانت كذلك لم تكن مقبولة قطعًا؛ لأنّ المصالح لا تعرف إلا بالشرع، والعقل لا يكون مصدرًا مستقلا للتشريع([93]).

وما سبق ذكره لا يتعارض مع إمكانية العقل على التعرف على تلك المصالح، لكنها لن تكتسب صفة الشرعية دون اعتبار المشرع لها([94]).

فالعمل بالاستصلاح عمل بالأصل الكليّ -الذي اعتبره المشرع من خلال النصوص الكثيرة-ليستنبط المجتهد اعتمادًا عليه حكمًا جزئيًا خاصًا بالواقعة التي لا نصّ فيها، ممّا يحقق المصلحة المرجوّة من تشريع الحكم، بحيث تتوافق مع مقاصد المشرّع([95]).

الفرع الثاني: بيان أثر النصّ على الاستصلاح من الناحية التطبيقية:

لا شكّ أنّ الأثر النظريّ للنصّ على الاستصلاح سينعكس على الجانب العمليّ، وسيظهر ذلك من خلال الإتيان ببعض الأمثلة من الفروع التي استند الفقهاء في بيان أحكامها على المصلحة المرسلة.

المسألة الأولى: أجاز المالكية([96]) أن يُشترطَ الخيار لأجنبي عن عقد البيع، مع أنّ النصّ النبويّ يشير لحقّ طرفي العقد بالخيار فقط، أمّا أن يَجعلَ أحدهما الخيارَ لثالث إنْ أجاز جاز العقد وإلا فلا، فجوازه عند المالكية من باب الاستصلاح؛ لأنه ليس فيه نص معيّنٌ، وأجازه الحنفية من باب الاستحسان بالمصلحة([97]).

والمسألة وإن لم يكن فيها نصّ خاص إلا أنها تندرج ضمن النصوص التي شكلت بمجموعها أصلًا عامًا يفيد صيانة طرفي عقد البيع عن الغش والخديعة، وحماية مصلحتهما، ويندرج هذا الأصل ضمن مقصد حفظ المال، يقول القرافي: "... لِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّ مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارِ إِنَّمَا كَانَتْ لِاسْتِدْرَاكِ الْمَصْلِحَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُشَرَّعَ مِنْهُ مَا يُحَصِّلُهَا كَيْفَ كَانَتْ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الشَّرْعِ"([98]).

وهكذا شكّلت النصوص التي تدعو إلى حماية مصلحة البائع والمشتري، وتبعد عنهما الخديعة قدر المستطاع أصلا عامًّا تُبنى عليه الأحكام من باب الاستصلاح الذي ينبع من مقصد حفظ المال، وينسجم معه.

المسألة الثانية: أطلق المالكية تضمين الأجير المشترك إذا تلف المال عنده، ودليلهم في ذلك المصلحة الحاجية المرسلة([99])، إذ لم يرد في المسألة نصّ بعينه، لكن وجد أصل عام، وهو تقديم المصلحة العامة على الخاصة، والمحافظة على أموال الناس من التلف والضياع، وهذا يواكب طبيعة تغير الزمان والمكان والأشخاص، إذ الأمانة قد ضعفت عند الناس، فلا بدّ من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحفظ الأموال، وهو أصل يندرج تحت مقصد حفظ المال، وهذا الأصل العام والمقصد الشرعي قد تضافرت عليها النصوص الشرعية الكثيرة([100]).

المسألة الثالثة: وجود المحاكم المختصَّة، فمثلا محكمة شرعية تنظر الأحوال الشخصية، ومحكمة مدنية، ومحكمة عسكرية، ومحكمة جنايات، ثم جعل التقاضي على درجات: حكم ابتدائي، واستئناف وتمييز. كلّ ذلك لم يرد فيه نصّ خاصّ، لكن ينسجم مع أصل عام في الشريعة وهو حفظ الحقوق، وإقامة العدل بين الناس، ونصوص الشريعة التي ترسم هذا الأصل كثيرة ووافرة، وهو ينسجم مع أكثر من مقصد كحفظ الأنفس والأموال والأعراض والأديان([101]).

المطلب الثالث: العرف

العُرف في اللغة:

هو كل ما تعرفه النفس من الخير، وتطمئن إليه، والعرف والمعروف مترادفان، وضدهما النكر والمنكر([102]).

العُرف في الاصطلاح:

"هو ما استقرّ في النفوس من جهة العقول، وتلقته الطباع السليمة بالقبول"([103]).

ويعتبر العرف من المصادر الفقهية، وبالتدقيق يتبين أنه ليس مصدرًا حقيقيًا تستمدّ منه الأحكام الشرعية، ولكن نظرًا إلى الاستدلال والاستشهاد به عند الفقهاء يقال: إنه مصدر من حيث الظاهر، أما من حيث الحقيقة فإنّ العرف يرجع إلى المصلحة، فليس العرف دليلًا مستقلًا بنفسه([104]).

وكثيرة هي الأفعال والأقوال التي تعارفها الناس واستُحدثت بعد انقطاع الوحي، وطرأت على المجتمع المسلم، لا نجد فيها نصًّا خاصًا يبيحها، ويكسوها ثوب الشرعية والقبول، ولا نجد -في الوقت نفسه- نصًّا خاصًّا يحرمها أو ينهى عنها، ففي مثل هذه الحال يستعمل المجتهدون العرف للاستدلال في المسائل التي لا نصّ فيها إذا أعوزهم الدليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس([105])، وهو معنى قول الإمام ابن العربي المالكي: "العرف والعادة أصل من أصول الشريعة يُقضى به في الأحكام"([106]).

الفرع الأول: بيان أثر النصّ على العرف من الناحية النظرية:

أوّلًا: قسّم العلماء العرف من حيث اعتبار المشرِّع له إلى ثلاثة أقسام: عرف أقرّه المشرع بالدليل الشرعي، وعرف نهى عنه المشرِّع، وعرف لا نصّ فيه([107]).

أمّا العرف الذي نُصّ على مشروعيته أو عدمها فأمره ظاهر، أمّا العرف الذي لا نصّ فيه، فلا يكفي تعارف الناس واعتيادهم دليلا على مشروعيته بداهة؛ لأنّ العرف بحدّ ذاته ليس دليلًا مستقلًا([108])، بل الدليل ما استند العرف إليه من مصلحة، والمصلحة هنا مرسلة، لا نصَّ عليها بخصوصها يعتبرها، ولا نصَّ يلغيها.

ولو صحّ العرف دليلًا مستقلًّا لتعارف الناس على أمور تناقض الشرع وأحكامه، وعندها ينبغي أن نحكم بمشروعيتها؛ لوجود دليل العرف عليها، فنكون قد اعتبرنا أحكامًا تناقض أحكام الشرع نفسه، وتصبح الشريعة محكومة بأعراف الناس الجارية على ما فيها من مناقضة للشرع، مما يؤدي إلى إلغاء الشريعة، واستبدال العرف بها، وهذا ما لا يقول به عاقل([109]).

لذلك إن لم يكن في العرف نصّ خاصّ بالقبول أو الرفض، يستند عندها إلى مبدأ الاستصلاح، أي المصلحة المرسلة، وتطبق على هذا العرف قواعد الاستصلاح من حيث القبول أو الردّ، ومن هنا كان العرف فرعًا عن مبدأ التعليل؛ لأننا نلاحظ فيه المصلحة، والتعليل يعتمد على النص، إذ هو اجتهاد في معرفة واستخراج العلة من النص، ويعتمد على المصلحة المرسلة التي يشهد لها نصوص جزئية كثيرة أو أصل كلي([110])، والأصل الكلي إذا اتصف بالقطعية قد يساوي الأصل المعين وقد يزيد عليه([111])، فالعرف الذي استند إلى أصل كلي من أصول الشريعة يشهد له بالاعتبار تصبح قوة حكمه الناشئة عنه بقوة النصّ التشريعيّ الملزم([112]).

وبناءً على ما سبق؛ نفهم قول الحنفية: "الثابت بالعرف كالثابت بالنصّ"([113])، وقولهم: "الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعيّ"([114]).

والحاصل: أنّ العرف إنْ وافق المصلحة التي نُصّ على اعتبارها شرعًا كان معتبرًا، والعكس صحيح. أمّا إن كان العرف لا نصّ فيه بخصوصه يؤيده أو يعارضه، فتكون المصلحة المنظورة في العرف لا نصّ فيها بخصوصها أي مرسلة، فننتقل حينها إلى الاستصلاح، وننظر في قواعده وشروطه، فإنْ تحققت الشروط أخذ بالعرف، وإلا فلا([115]).

يقول الإمام الشّاطبي: "لما قطعنا بأن الشّارع جاء باعتبار المصالح، ولزم القطع بأنه لا بدّ من اعتباره العوائد؛ لأنه إذا كان التشريع على وزان واحد، دلّ على جريان المصالح على ذلك؛ لأنّ أصل التشريع سبب المصالح، والتشريع دائم كما تقدم، فالمصالح كذلك، وهو معنى اعتباره للعادات في التشريع"([116]).

ثانيًا: لما دعت الحاجة النّاسَ إلى تعارف أمر ما، وكان لهذا العرف أصل عامّ في الشرع يمكن أن يحمل عليه، ولا يوجد دليل خاصّ على المنع من ذلك، صحّ اعتبار هذا العرف استصلاحًا؛ لأنّ في اعتباره رفعًا للحرج والمشقة التي جاء الشرع لرفعهما، وتضافرت النصوص الشرعية على ذلك، حتى قال الإمام الشاطبي: "إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع"([117]).

 ولا يخفى أن مراعاة أعراف الناس من خصائص التشريعات؛ كي لا ينفر الناس منها، وفي الأخذ بالعرف الذي لا نصّ فيه إذا حقق مصالح الناس -التي هي من جنس المصالح المعتبرة شرعًا- ووافق مقاصد التشريع؛ محوٌ لغربة هذا العرف عن الشريعة من جهة، وتيسير على المكلفين([118]) من جهة أخرى، مما يسهل لهم طريق التزام الأحكام، لينأى بهم عن الضيق والحرج؛ لأنه جاء بما ألفوه وعرفوه وابتعد عما هو غريب عنهم([119])، وفي ذلك من التّيسير ورفع الحرج ما هو ظاهر بيّن، يقول الإمام السرخسي: "... وفي النّزع عن العادة الظاهرة نوع حرج"([120]).

فمن خلال العرف نصل إلى التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، وبهذا يتحقق مقصد أصيل من مقاصد الشريعة الإسلامية، وفي هذا يقول الإمام الشاطبي: "رفع الحرج مقصودٌ للشارع في الكليات؛ فلا تجد كلية شرعية مكلّفًا بها، وفيها حرج كليّ أو أكثريّ ألبتة، وهو مقتضى قوله: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ]الحج: 78["([121]).

يقول الأستاذ الدكتور أبو سنّة: "والخلاصة أنّ المجتهدين ترسّموا خطى الوحي في اتّباع المصلحة ورفع الحرج"([122]).

فيتبين مما سبق كيف تأثر المجتهدون عند أخذهم بالعرف فيما لا نصّ فيه بخصوصه بالنصّ الشّرعيّ عموماً، حيث استضاءوا بنبراس النصّ عند الأخذ بالعرف.

من أجل ما تقدم؛ اشترط الفقهاء ألا يكون في العرف تعطيل لنصٍّ تشريعي ثابت، أو لأصل قطعي في الشريعة([123])؛ وذلك لأنّ النّص يعبّر عن إرادة المشرع ومقصده، ومصادمة النصّ أو تعطيله تعتبر مخالفة لمراد المشرع ومقصده، ومخالفة مراد المشرع ومقصده مبطل للعمل، ويجعله في حكم المعدوم؛ لأنه جاء على خلاف حكم الله، فصار حُكمًا بغير ما أنزل الله تعالى، بل صار حكمًا يناقض ما أنزل الله تعالى([124]).

ثم إنّ في معارضة النصّ بشكل كليّ إلغاءً له وإبطالاً لعمله، وهذا يعني نسخ النصّ التشريعيّ، ومعلوم أنه لا نسخ بعد انقطاع الوحي إجماعًا، فلا تصحّ هذه المعارضة([125])، ومن هنا نفهم معنى قول العلماء: "...التعامل -أي العرف- بخلاف النصّ لا يعتبر، وإنما يعتبر فيما لا نصّ فيه"([126]).

الفرع الثاني: بيان أثر النصّ على العرف من الناحية التطبيقية:

لما كان العرف وسيلة للوصول إلى حكم شرعي فيما لا نص فيه، كان محكوما بالاستناد إلى أصول تقرها النصوص الشرعية، وبعدم معارضتها. ويظهر أثر هذا الكلام من خلال التطبيق العملي للفقهاء عند أخذهم بالعرف.

المسألة الأولى: لو تخاصم اثنان في سلعة، فادّعى المشتري أنها معيبة، ودفع البائع بأنّ ما وجده المشتري لا يُعد عيبًا، فالحلّ يكمن في العرف، حيث التعويل في اعتبار الشيء عيبًا أو عدمه هو على عرف التجار، عند الحنفية([127]) والمالكية([128]) والحنابلة([129]).

ففي الرجوع إلى عرف التجار فضٌّ للنزاع، وتيسيرٌ على الناس، ورفعٌ للحرج عنهم، وحفظٌ لأموالهم من الضياع، سواء البائع أو المشتري، لأنّ مَن وجد السلعة معيبة ثبت له حقّ الردّ بالعيب؛ لأنه إنما اشتراها على أساس سلامتها من العيوب، وكلّ ما سبق يندرج تحت نصوص شرعية معلومة، تنبع من مقصد حفظ الأموال، ومن مبدأ رفع الحرج، وهو مبدأ أصيل تضافرت عليه نصوص الشريعة الغراء.

المسألة الثانية: لا يشترط فيمن اشترى سَلمًا أن يذكر الجودة والرداءة فيما يُسلمُ فيه، بل يحمل الإطلاق على الجيّد للعرف عند الشافعية([130])، وذلك من باب العرف السائد عند الناس والتجار، حيث إنهم عادةً يبحثون عن البضاعة الجيدة، وإن لم يشترطوا ذلك، وفي هذا مراعاةٌ لمصالح الناس، ورفعٌ للحرج عنهم، وحفظٌ لأموالهم، وكلُّ ذلك من الأمور التي أكدتها نصوص الشريعة.

المسألة الثالثة: لا بدّ من التقابض في عملية بيع وشراء الذهب؛ لأنه من باب الصرف، ولما كان الناس يخافون من حمل أموالهم خشية السرقة أو الضياع، صاروا يتعاملون بـ (الشيكات)، فهل يعتبر استلام البائع للشيك من المشتري قبضًا؟ جاء في فتوى دائرة الإفتاء العام الأردنية رقم (3386) بتاريخ 15/5/2018م: (لا يجوز بيع الذهب أو الفضة بشيكات مؤجلة لعدم الحلول والتقابض، وأما إذا كانت الشيكات حالّة وكانت مصدقة، فيجوز شراء الذهب والفضة بها؛ لأن ذلك يعد قبضاً حكمياً يقوم مقام القبض الحقيقي، جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بخصوص "القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها" في دورة مؤتمره السادس في جدة (1410- 1990م): "إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً: تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه في المصرف".

ومعنى التصديق في الشيك: أن يحجز المبلغ، بحيث يذهب مثلاً صاحب الشيك ويطلب حجز هذا المبلغ للمستفيد، وبالتالي لا يستطيع غيرهُ أن يتصرف فيه، وهذا بمعنى القبض الحكمي. والله تعالى أعلم" ([131]).

وهكذا كان للعرف دورٌ في تسهيل معاملات الناس وتيسيرها، ورفع العنت والمشقة والحرج عنهم، وهذه مبادئ سامية أكدتها النصوص الشرعية.

المطلب الرابع: الاستصحاب

الاستصحاب في اللغة:

طلب المصاحبة، وكلّ ما لازم شيئًا فقد استصحبه، يقال: استصحبتُ الكتاب، أي لازمته ولم أفارقه([132]).

الاستصحاب في الاصطلاح:

"الحكم ظنًا ببقاء أمر تحقّق سابقًا ولم يُظنّ عدمُه بعد تحقّقه"([133])، فالأمر الثّابت في الزمن الماضي، الأصل بقاؤه في الزمن الحالي والمستقبل، وكلُّ أمر كان فيما مضى، ولم يظنَّ عدمه، فهو مظنون البقاء([134])، إذ لا دليل على التغيير.

فإذا دلّ دليل على ثبوت حكم شرعي في واقعة ما، ولم يفد هذا الدليل بقاء الحكم واستمراره، وليس هناك دليل آخر على بقائه واستمراره، وبذل المجتهد وسعه في البحث عن دليل يغير الحكم أو يزيله فلم يجده، فإنّ الحكم الثابت بالدليل السابق واستمراره إلى أن يظهر دليل آخر يكون ثابتًا بالاستصحاب([135]).

فالاستدلال بالاستصحاب يكون استدلالاً بغلبة الظنّ بعدم وجود الدّليل المغيّر، وليس من قبيل الاستدلال بعدم العلم بالدليل المغيّر، فالمجتهد يعتمد على الاستصحاب كقاعدة عند الحاجة إليها عند فَقْد الدليل المغيّر للحكم في المسألة، وهذا معنى قول الأصوليين: إنّ الاستصحاب يؤخذ به حيث لا دليل([136]).

الفرع الأول: بيان أثر النصّ على الاستصحاب من الناحية النظرية:

أولاً: الاستصحاب ليس دليلًا مستقلًا بنفسه، وعدّه من أدلة الأحكام فيه تجوّز، إذ الدليل في الواقع هو الدليل الذي ثبت به الحكم السابق، أمّا الاستصحاب فهو استبقاءٌ واستمرارٌ لدلالة هذا الدليل على حكمه([137]).

والأحكام الشرعية قد بُنيتْ على المصلحة، مصلحة العباد في العاجل والآجل، والمصالح تعرف بالنصوص الشرعية، فالاستصحاب للحكم الشرعي، هو في الحقيقة استصحاب للمصلحة التي بُني عليها الحكم الشرعي، وعرفت من النّص الشرعي.

أي إنّ المجتهد عند الاستصحاب، إنّما يقوم بنقل المصلحة التي ثبتت مع الحكم الشرعيّ في الزمن الماضي، إلى الزمن الحاضر والمستقبل، وينقل المصلحة التي تمّ اعتبارها عن طريق النصّ.

ومن خلال المحافظة على المصلحة يُحافظ على المقاصد الشرعية التي أراد الله تعالى حفظها على العباد من خلال تشريعاته؛ لأنّ المقصود بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع([138]).

فإذا كان الحكم قد ثبت نصًّا ثم اسْتصحبنا حكمه، لنحافظ على المصلحة المتضمنة في حكم النصّ الشّرعيّ، ومن ثَمَّ على مقصود الشارع من الحكم، فقد ظهر أثر النصّ في الاستصحاب، وهذا من معاني قول العلماء: إنّ الاستصحاب ليس دليلًا مستقلًا، وذلك لأنه يستبقي حكم دليل آخر ثبت بظاهر النَّصّ أو معناه.

ثانيًا: الاستصحاب قد قام العقل على اعتباره، والبداهة تؤيد ذلك وتدعمه؛ لأنّ البداهة تحكم بالاستصحاب([139])، إلا أن المشرِّع لما استعمل قاعدة الاستصحاب في بيان أحكامه مرّة بعد أخرى، أضفى الصبغة الشرعية على استعمال هذه الأداة العقلية في الاجتهاد، بل وأرشد المجتهدين إليها.

فليس اعتماد المجتهدين على الاستصحاب؛ لأنه مشتقٌّ من التفكير العقليّ فحسب، بل لأنه قد أرشدت إليه آيات الكتاب الكريم، وأحاديث السنة المطهّرة، وبهذا يتبيّن أنّ الاستصحاب ليس تصرّفًا عقليًّا محضًا، بل هو قاعدة اجتهادية تسير في ركب الأدوات الاجتهادية الشرعية المعتبرة؛ لأنه وإنْ لم يكن دليلًا فقهيًا مستقلًا، إلا أنه إعمال لدليل قائم، وإقرار لأحكام لم يحصل عليها تغيير([140])، وهذا يشير إلى أثر النصّ على قاعدة الاستصحاب نفسها، وكيف أنّ النصّ هو من أرشد إليها، ودلّ عليها.

الفرع الثاني: بيان أثر النص على الاستصحاب من الناحية التطبيقية:

المسألة الأولى: يرى المالكية([141]) أنّ جمع التقديم بين الظّهر والعصر في عرفة أول وقت الظهر يكون بأذانين وإقامتين؛ لأنّ النصّ الشرعيّ ورد بأنّ لكلّ صلاةِ فرضٍ أذانًا وإقامة، وهذا هو الأصل، فيستصحب ما لمْ يَثْبُتْ شيء ينسخه أو يخصصه، ولم يثبتْ ذلك، إذ لو ثبت الحديث عند الإمام مالك لما عدل عنه.

وذهب الحنفية([142]) والشافعية([143]) والحنابلة([144]) إلى أن هذا الجمع يكون بأذان واحد وإقامتين، لحديث جابر "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحّلت له. وأتى بطن الوادي، فخطب الناس، ثم أذّن بلال، ثمّ أقام فصلّى الظهر، ثم أقام فصلّى العصر، ولم يصلّ بينهما شيئاً، ثمّ راح إلى الموقف"([145])، فلم يستصحبوا الأصل السابق لوجود نصّ في المسألة يخالف حكم الأصل.

وهكذا كان النصّ مؤثرا، حيث يستصحب النص القديم إن لم يوجد ما ينسخه أو يخصصه، فإنْ ورد نصّ جديد في المسألة لم يصحّ استصحاب النصّ الأوّل.

المسألة الثانية: إذا عاش الإنسان في بلاد الكتابيين، وكان يجهل طريقة ذبحهم، فهل يجوز له الأكل من ذبائحهم؟ أجاب موقع (إسلام ويب) بفتوى رقم (1564) بتاريخ 27/6/2000م، بما نصه: "فإن كنت تعلم طريقة الذبح التي تتم بها وأنها طريقة شرعية فلك أن تأكل من ذبيحتهم، وإن كنت تجهل طريقة الذبح فلك أن تأكل منها أيضا استصحابا للأصل إذا كان الذبح الشرعي هو الغالب. وأما إن شككت في طريقة الذبح أو كان يغلب على أهل هذه البلدة أنهم يقتلون ولا يذبحون فلا يحل لك أن تأكل منها لأن الحكم للأغلب" ([146]).

فالأصل كما يبيّن النص القرآني حلّ طعام أهل الكتاب، وذلك بقول الله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة:5]، وهذا الحِلّ يُستصحب ما لم يشكّ الإنسان أو يغلب على ظنه خلافه، وهكذا كان النصّ مستندَ الاستصحاب، ومؤثراً في نتيجته.

الخاتمة

بعد استعراض الاجتهاد الاستنباطيّ فيما لا نصّ فيه، ومعرفة أدواته، وطريقة عملها، وكيف أنها تدور في فلك النصوص الشرعية، ولا تبغي عنها حولا، وصل الباحث إلى النتائج الآتية:

أوّلاً: الاجتهاد فيما لا نصَّ فيه يشكل روحًا يظلّ بسببها الفقه الإسلامي باقيا ومتجددا، ولا يزداد عبر العصور إلا شبابًا وتألّقًا.

ثانياً: بما أنَّ القياس إعطاءُ الفرع (ما لا نصّ فيه) حكمَ الأصل (المنصوص عليه)؛ فإننا نرجع للنصّ فيما لا نصّ فيه.

ثالثاً: الاستصلاح، هو عملية قياس لما لا نصّ فيه على الأصول العامة والمقاصد والكليات الشرعية، فالمصلحة المرسلة وإن لم ينصّ عليها صراحة، لكنها من جنس المصالح المعتبرة وقريبة منها، وتقاس عليها. وبهذا نحمل ما لا نصّ فيه على ما نصّ عليه.

وما تقدم يقال في العرف كذلك؛ لابتنائه على المصالح المعتبرة والمرسلة.

رابعاً: الاستصحاب، هو استبقاء لحكم النصّ، لعدم وجود نصّ مغير.

خامساً: يشترط عند الاجتهاد الاستنباطي فيما لا نصّ فيه ألا يعارض الحكم المستنبط نصًّا؛ لأن العبرة للنصّ حينها ويعتبر الاجتهاد خطأ؛ لأن ما لا نصّ فيه يردّ إلى المنصوص، فلا يصحّ أن يعارضه.

سادساً: لا يمكن للاجتهاد فيما لا نصّ فيه أن يحلّق بعيدًا عن فضاء النصوص الشرعية، وإلا اعتبر غريبًا عن التشريع، فلا بد له أن يسير ضمن مدارها، وتتقيدَ حركته بجاذبيتها، ليكون جزءا من منظومتها، فتزول عنه كل غربة.

ومن أهم التوصيات التي يقدمها الباحث في ختام هذه الدراسة:

أوّلاً: زيادة الاهتمام بمصادر الفقه فيما لا نصّ فيه، حيث تشكل العامود الفقري للاجتهاد المعاصر.

ثانياً: تناول هذه المصادر بشكل إبداعي يكشف عن حقيقة وآلية عمل كل أداة من أدوات الاجتهاد وكل مصدر من مصادر الفقه، وبشكل يختلف عن التناول القديم الذي يستهلك الوقت والجهد في معرفة التعاريف، والخلاف في المصدر وأدلة كل فريق.

 

(*) مجلة الفتوى والدراسات الإسلامية، دائرة الإفتاء العام، المجلد الأول، العدد الثاني، 1440هـ/ 2019م.

الهوامش


([1]) ابن فارس، أحمد بن فارس (ت395ه)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، دمشق، دار الفكر، 1979م، د.ط، 1/486.

([2]) ابن منظور، محمد بن مكرم (ت711ه)، لسان العرب، بيروت، دار صادر، 1968م، (ط1)، 3/133.

([3]) المصدر السابق، 3/133.

([4]) المصدر السابق، 3/133.

([5]) الرازي، محمد بن أبي بكر (ت666ه)، مختار الصحاح، ضبط وتعليق، أ.د. مصطفى البغا، دمشق، دار العلوم، 1989م، د.ط، ص82.

([6]) العمري، نادية شريف، الاجتهاد في الإسلام، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1986م، (ط3)، ص19.

([7]) الزركشي، محمد بن بهادر (ت794هـ)، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق د.محمد محمد تامر، بيروت، دار الكتب العلمية، 2000م، د.ط، 8/227.

([8]) الدريني، محمد فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997م، (ط3)، ص41.

([9]) المصدر السابق نفسه.

([10]) الجصاص، أحمد بن علي (ت370هـ)، الفصول في الأصول، وزارة الأوقاف الكويتية، الكويت،1994م، (ط2)، 3/168.

([11]) أبوعرقوب، حسان عوض، سنن التشريع وأثره في توجيه الاجتهاد فيما لا نص فيه، رسالة دكتوراه، الأردن، كلية الدراسات العليا/قسم الفقه وأصوله، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، 2014م، ص50.

([12]) قد يقصد بحكم الاجتهادِ أثره الثّابت به، من حيث الصّواب والخطأ. العمري، الاجتهاد في الإسلام، ص121.

([13]) النووي، يحيى بن شرف (ت676ه)، المجموع، دمشق، دار الفكر، د.ت، د.ط، 1/44، الشوكاني، محمد بن علي (ت1250ه)، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، تحقيق أحمد عناية، بيروت، دار الكتاب العربي، 1999م، (ط1)، 2/211.

([14]) البخاري، عبد العزيز بن أحمد البخاري (ت730ه)، كشف الأسرار (الكبير)، بيروت، دار الكتاب العربي، 1997م، (ط3)، 4/26، الزركشي، البحر المحيط، 8/239، ابن أمير حاج: محمد بن محمد (ت879ه)، التقرير والتحبير، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983م، (ط2)، 3/292.

([15]) البخاري، كشف الأسرار، 4/26.

([16]) ابن أمير حاج، التقرير والتحبير، 3/292.

([17]) الزركشي، البحر المحيط، 8/239.

([18]) البخاري، كشف الأسرار، 4/26، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، 3/292.

([19]) ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، 3/292.

([20]) المصدر السابق نفسه.

([21]) البخاري، كشف الأسرار، 4/26.

([22]) المصدر السابق نفسه.

([23]) ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير، 3/292.

([24]) السرخسي، محمد بن أحمد (ت483ه)، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1993م، 16/69.

([25]) البخاري، كشف الأسرار، 3/ 532، صدر الشريعة، عبيد الله بن مسعود المحبوبي (ت747ه)، التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، القاهرة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، د.ت، مطبوع على هامش التلويح، د.ط، (1/44).

([26]) صدر الشريعة، التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، 2/63.

([27]) الزيلعي (فخر الدين)، عثمان بن علي (ت743هـ)، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، القاهرة، 1313ه، نسخة مصورة، (ط1)، 5/285.

([28]) الجرجاني، علي بن محمد الشريف(ت816هـ)، التعريفات، بيروت، دار الكتب العلمية، 1983م، (ط1)، ص32، هذا إنْ كان الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، أما إنْ كان اجتهاداً في فهم النصّ فالاستنباط يعني استخراج الحكم منه.

([29]) السرخسي، المبسوط، 26/74.

([30]) الزركشي، البحر المحيط، 7/234.                 

([31]) المصدر السابق نفسه.

([32]) فرق بعض الأصوليين بين سبب الحكم وعلته، وبعضهم لم يفرق، والأخير ما اختاره الباحث. انظر لبيان الفرق بينهما: خلاف، عبد الوهاب، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه، الكويت، دار القلم، 1993م، (ط6)، ص50.

([33]) خلاف، مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نصّ فيه، ص49.

([34]) وسيأتي تعريفها وبيانها لاحقًا، انظر: ابن قدامة (الموفق)، عبدالله بن أحمد (ت620ه)، روضة الناظر وجنة المناظر، بيروت، مؤسسة الريان للطباعة والنشر، 2002م، (ط2)، 2/191، الآمدي، علي بن أبي علي (ت631ه)، الإحكام في أصول الأحكام، القاهرة، مؤسسة الحلبي، 1967م، د.ط، 3/223، صدر الشريعة، التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، 2/68، الزركشي، البحر المحيط، 7/234.

([35]) السرخسي، محمد بن أحمد (ت483هـ)، أصول السرخسي، بيروت، دار المعرفة، د.ت، د.ط، 2/181.

([36]) فتفهم العليّة فيه من المعنى لا من اللَّفظ، فهو يدلّ على العليّة عن طريق الالتزام، وذلك بأنْ يربط المشرع الحكم بوصف لا فائدة منه سوى كونه علة. الغزالي، محمد بن محمد (ت505هـ)، المستصفى من علم الأصول، بيروت، دار الأرقم، د.ت، د.ط، 2/375.

([37]) السبر والتقسيم في الاصطلاح بمعنى واحد، وهو: "أن يبحث الناظر عن المعاني في الأصل (المقيس عليه) ويتتبعها واحدًا واحدًا، ويُبيّن خروج آحادها عن الصّلاح للتعليل به إلا واحدًا يرضاه". السمعاني، منصور بن محمد (ت489هـ)، قواطع الأدلة في الأصول، تحقيق محمد حسن الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، 1999م، (ط1)، 2/ 159، الجرجاني، التعريفات، ص116.

([38]) وهو الوصف الذي شهد المشرع باعتباره بأن رتب الحكم على وفقه، دون التنصيص عليه أو الإيماء إليه؛ لأن العلة هنا مستنبطة من المناسبة. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، 7/262، الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، 2/132.

ويراد بالمناسبة: تعيين الوصف للعليّة بمجرد إبداء الملاءمة بين الوصف والحكم مع السلامة من القوادح لا بنص ولا غيره. التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر(ت793هـ)، شرح التلويح على التوضيح، القاهرة، مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، 1957م، د.ط، 2/69.

ومعنى ملاءمة الوصف للحكم: أن تصحّ إضافة الحكم إلى الوصف، بحيث يترتب على هذه الإضافة تحقيق مصلحة مقصودة للمشرع، من جلب نفع، أو دفع ضرر معتبر في الشرع. الزركشي، البحر المحيط، 7/262، الشوكاني، إرشاد الفحول، 2/127.

([39]) هو الوصف الذي لم يشهد له أصل معيّن بالاعتبار أو الإلغاء، فالوصف متى شهد له أصل معين بالاعتبار دخل في عموم القياس، ومتى شهد له أصل معين بالإلغاء كان باطلًا. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، 7/263، صحيحٌ أن المناسب المرسل لم يشهد له أصل معين بالاعتبار، لكنه يشهد له أصل كلي بذلك، يوضح الإمام الشاطبي المناسب المرسل بقوله: "أن يلائم تصرفات الشرع، وهو أن يوجد لذلك المعنى جنس، اعتبره الشارع في الجملة، بغير دليل معين". الشاطبي، إبراهيم بن موسى (ت790ه)، الاعتصام، تحقيق سليم الهلالي، السعودية، دار ابن عفان، 1992م، (ط1)، 2/612.

([40]) أبو عرقوب، سَنَن التشريع وأثره في توجيه الاجتهاد فيما لا نص فيه، ص62.

([41]) هو بيان ما يصلح أن يكون مقصودًا للمشرع من مصالح تُبنى عليها الأحكام الشرعية. جغيم، نعمان، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، عمان، دار النفائس، 2002م، (ط1)، ص160.

([42]) هو بيانٌ لعلة الحكم المنصوص عليه، والتي تتخذ أساسًا للقياس. الجغيم، طرق الكشف عن مقاصد الشارع، ص160.

([43]) أبو عرقوب، سنن التشريع وأثره في توجيه الاجتهاد فيما لا نصّ فيه، ص62.

([44]) الزيلعي، تبيين الحقائق، 4/46.

([45]) الجصاص، الفصول في الأصول، 3/239.

([46]) ابن منظور، لسان العرب، ج6، ص187.

([47]) صدر الشريعة، التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، ج2، ص52.

([48]) الشافعي، محمد بن إدريس (ت204هـ)، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، دمشق، دار الفكر، د.ت، د.ط، ص599، ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت751ه)، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، بيروت، دار الجيل، 1973م، د.ط، 1/32.

([49]) السبكي، عبد الوهاب بن علي (ت771هـ)، الإبهاج، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995م، 2/178.

([50]) المصدر السابق نفسه.

([51]) الشيرازي، إبراهيم بن علي (ت476ه)، اللمع في أصول الفقه، تحقيق محيي الدين مستو، يوسف بديوي، دار الكلم الطيب، دمشق، 1995م، (ط1)، ص113.

([52]) المصدر السابق نفسه ص117.

([53]) الشاطبي، إبراهيم بن موسى (ت790ه)، الموافقات في أصول الشريعة، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2001م، (ط1)، ج1، ص68.

([54]) الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام، دمشق، دار القلم، 1998م، (ط1)، ج1، ص82.

([55]) السرخسي، أصول السرخسي، ج2، ص144.

([56]) الشافعي، الرسالة، ص512.

([57]) البخاري، كشف الأسرار، 3/527.

([58]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، 2/271.

([59]) الشافعي، الرسالة، ص40.

([60]) الزركشي، البحر المحيط، 7/398.

([61]) رواه أبو داود: سليمان بن الأشعث (ت275هـ)، سنن أبي داود، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت، المكتبة العصرية، د.ت، د.ط، كتاب الطهارة، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها، حديث رقم (361)، وهو حديث صحيح.

([62]) أي لم يجعل له عدداً معيناً، كما جعل في غسل نجاسة الكلب سبع مرات إحداهن بالتراب.

([63]) الشافعي، محمد بن إدريس (ت204ه)، الأم، دار المعرفة، بيروت، 1990م، 1/19.

([64]) الشافعي، الأم، 2/131.

([65]) قرارات مجلس الإفتاء الأردني، قرار رقم (35) بتاريخ 13/6/1993م، على الإنترنت موقع دائرة الإفتاء العام: http://aliftaa.jo/Decision.aspx?DecisionId=36#.XVlbtN7XLIU

([66]) رواه البخاري، محمد بن إسماعيل (ت256هـ)، صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير بن ناصر، بيروت، دار طوق النجاة، 2001م، (ط1)، كتاب النكاح، باب العزل، حديث رقم (5207)، ورواه مسلم بن الحجاج (ت261هـ)، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، كتاب النكاح، باب حكم العزل، حديث رقم (1440).

([67]) ابن منظور، لسان العرب، 2/516.

([68]) ابن قدامة، روضة الناظر وجنة المناظر، 1/478.

([69]) الغزالي، المستصفى من علم الأصول، 1/636.

([70]) الزرقا، المدخل الفقهي العام، 1/100، البوطي، "محمد سعيد" رمضان، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1992م، (ط6)، ص288، وقد مزجت بين تعريفيهما.

([71]) الزرقا، المدخل الفقهي العام، 1/100.

([72]) تمّ تعريفه سابقًا.

([73]) خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، القاهرة، دار الحديث، 2003م، د.ط، ص94.

([74]) الشاطبي، الاعتصام، 2/612، أبو زهرة، محمد مصطفى، أصول الفقه، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت، د.ط، ص279.

([75]) أبو زهرة، أصول الفقه، ص241.

([76]) المصدر السابق، ص279.

([77]) ملاءمة الوصف للحكم: أنْ تصحّ إضافة الحكم إلى الوصف، بحيث يترتب على هذه الإضافة تحقيق مصلحة مقصودة للمشرع، من جلب نفع، أو دفع ضرر معتبر في الشرع. الزركشي، البحر المحيط، 7/262. الشوكاني، إرشاد الفحول، 2/127.

([78]) الشاطبي، الاعتصام، 2/612. الزركشي، البحر المحيط في أصول الفقه، 8/85.

([79]) الشاطبي، الاعتصام، 2/627.

([80]) المصدر السابق، 1/339.

([81]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، 2/255.

([82]) الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، ص199.

([83]) عز الدين بن عبد السلام (ت660ه)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، تحقيق عبد الغني الدقر، دمشق، دار الطباع، 1992م، (ط1)، ص29.

([84]) كرفع الحرج، ونفي مشروعية الضرر، وحفظ الضروريات الخمس على سبيل المثال.

([85]) هو ما كان معناه "مبثوثًا في أبواب الشريعة وأدلتها، غير مختصة بمحل دون محل، ولا باب دون باب، ولا بقاعدة دون قاعدة" انظر: الشاطبي، الموافقات، 3/172.

([86]) الشاطبي، الموافقات، 1/31.

([87]) المصدر السابق، 1/28.

([88]) المصدر السابق، 2/ 82.

([89]) بلتاجي، محمد بلتاجي حسن، التشريع الإسلامي في القرن الثاني الهجري، القاهرة، دار السلام، 2007م، (ط2)، 2/608، الخن، مصطفى سعيد، الأدلة التشريعية وموقف الفقهاء من الاحتجاج بها، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1997م، (ط1)، ص360، وأبو زهرة، محمد مصطفى، ابن حنبل، القاهرة، دار الفكر العربي، 1997م، د.ط، ص231.

([90]) ابن رشد (الحفيد)، محمد بن أحمد (ت:595هـ)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، بيروت، دار ابن حزم، 1999م، (ط1)، ص225.

([91]) البوطي، ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، ص236.

([92]) عز الدين بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ص641.

([93]) المصدر السابق، ص29.

([94]) المصدر السابق، ص30.

([95]) الدريني، المناهج الأصولية، ص22.

([96]) مالك، مالك بن أنس (ت179ه)، المدونة، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994م، (ط1)، 3/213.

([97]) الكاساني، أبو بكر بن مسعود (ت587ه)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986م، (ط2)، 5/271.

([98]) القرافي، أحمد بن إدريس (ت684ه)، الذخيرة، دار الغرب الإسلامي، بيروت،1994م، 5/25.

([99]) الشاطبي، الاعتصام، 2/616.

([100]) المصدر السابق نفسه.

([101]) الزرقا، المدخل الفقهي العام، 1/114.

([102]) ابن منظور، لسان العرب، 9/239.

([103]) النسفي (أبو البركات)، عبد الله بن أحمد (ت710ه)، كشف الأسرار (الصغير)، بيروت، دار الكتب العلمية، 1986م، (ط1)، 2/593.

([104]) أبو سنة، أحمد فهمي، العرف والعادة في رأي الفقهاء، القاهرة، مطبعة الأزهر، 1947م، د.ط، ص82.

([105]) أبو زهرة، أصول الفقه، ص273.

([106]) ابن العربي، محمد بن عبد الله أبو بكر (ت543ه)، أحكام القرآن، تحقيق علي البجاوي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت، (ط1)، 4/262.

([107]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، 2/230.

([108]) أبو سنة، العرف والعادة في رأي الفقهاء، ص82.

([109]) الدريني، المناهج الأصولية، ص456.

([110]) كرفع الحرج، ونفي مشروعية الضرر، على سبيل المثال.

([111]) الشاطبي، الموافقات، 1/31.

([112]) الرديني، المناهج الأصولية، ص454.

([113]) ابن الهمام، محمد بن عبد الواحد (ت:861ه)، فتح القدير للعاجز الفقير، دار الفكر دمشق، د.ت، 8/32.

([114]) السرخسي، المبسوط، 13/14.

([115]) خلاف، علم أصول الفقه، ص101، الخفيف، علي، أسباب اختلاف الفقهاء، القاهرة، دار الفكر العربي، 1996م، (ط2)، ص244.

([116]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، 2/234.

([117]) المصدر السابق، 1/31.

([118]) أبو سنة، العرف والعادة في رأي الفقهاء، ص193.

([119]) الزرقا، المدخل الفقهي العام، 2/879.

([120]) السرخسي، المبسوط، 10/146.

([121]) الشاطبي، الموافقات، 1/273.

([122]) أبو سنة، العرف والعادة في رأي الفقهاء، ص80.

([123]) الزرقا، المدخل الفقهي العام، 2/902.

([124]) الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، 2/258.

([125]) شلبي، محمد مصطفى، أصول الفقه، بيروت، الدار الجامعية، د.ت، د.ط، ص336.

([126]) ابن نجيم المصري، زين الدين بن إبراهيم (ت970ه)، الأشباه والنظائر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999م، (ط1)، ص80.

([127]) المرغيناني، علي بن أبي بكر (ت593ه)، الهداية شرح البداية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت، 3/37.

([128]) الحطاب، محمد بن محمد (ت954هـ)، مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، دار الفكر، دمشق، 1992م، (ط3)، 4/472.

([129]) ابن قدامة (الموفق)، عبد الله بن أحمد (ت620ه)، المغني، مكتبة القاهرة، القاهرة، 1968م، 4/115.

([130]) ابن حجر الهيتمي، أحمد بن محمد (ت974هـ)، تحفة المحتاج في شرح المنهاج، المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، 1983م، 5/30.

([131]) موقع دائرة الإفتاء العام الإلكتروني:

https://www.aliftaa.jo/Question.aspx?QuestionId=3386#.XVusmt7XLIU

([132]) ابن منظور، لسان العرب، 1/520.

([133]) ابن أمير حاج، التقرير والتحبير، 3/290.

([134]) الزركشي، البحر المحيط، 8/13.

([135]) بدران، بدران أبو العينين، أصول الفقه الإسلامي، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، د.ت، د.ط، ص217.

([136]) أبو زهرة، أصول الفقه، ص304.

([137]) الخفيف، أسباب اختلاف الفقهاء، ص241.

([138]) الغزالي، المستصفى، 1/636.

([139]) أبو زهرة، أصول الفقه، ص297.

([140]) المصدر السابق، ص303.

([141]) مالك بن أنس، المدونة، 1/249، ابن رشد، بداية المجتهد، 2/113.

([142]) المرغيناني، الهداية شرح بداية المبتدي، 1/141.

([143]) الشافعي، الأم، 2/233.

([144]) ابن قدامة، المغني، 3/365.

([145]) رواه النسائي، أحمد بن شعيب (ت303هـ)، سنن النسائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001م، (ط1)، كتاب المواقيت، باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، حديث رقم (604)، وهو حديث صحيح.

([146])https://fatwa.islamweb.net/ar/fatwa/1564/