أضيف بتاريخ : 22-02-2022


مناهج المتكلمين في إثبات وجود ربّ العالمين ومقدماتها(*)

الدكتور الليث صالح عتوم، دكتوراه العقيدة والفلسفة الإسلامية- جامعة العلوم الإسلامية العالمية

المفتي محمد أمين غالية، دائرة الإفتاء العام

ملخص

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وبعد:

جاء هذا البحث ليناقش مبحث المعرفة المؤدية إلى البراهين الدالة على وجود الله سبحانه وتعالى واللوازم الثابتة بثبوت واجب الوجود، حيث ناقش البحث آراء المتكلمين من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية في أول الواجبات على المكلف، ومفهوم النظر، وحجيته إن كان نظراً صحيحاً، ثم الاستدلال على البراهين المُثبتة لوجود الله سبحانه وتعالى سواء كانت هذه البراهين عقلية كما ذهب إليه المعتزلة والماتريدية، أم عقلية وشرعية كما رجح ذلك السادة الأشاعرة، وقد أشار الباحث إلى بعض المذاهب الفلسفية العرفانية في ثنايا البحث وهي إن كانت بعيدة عن الاستدلال والنظر، فقد تم ذكرها لمعرفة مناهج بعض الفرق وما ذهبت إليه باعتبارها تنتسب إلى هذه الفرق الكلامية.

وخلص البحث إلى معرفة الأدلة والبراهين المثبتة لوجود الله تعالى عقلاً بالأدلة التي اعتمدها العلماء، وشرعاً من خلال النظر والاستدلال بآيات الكتاب الحكيم والسنة النبوية المتواترة، مع الإجماع على دلالات ألفاظهما، ومعرفة ما يلزم لهذا الثبوت هذا الوجود من الصفات التي تنزه واجب الوجود عن النقص، أو ما يتعارض مع ثبوت وجوبه في القِدم، وعدم احتياجه للمكنات والحوادث.

مشكلة الدراسة:

إن مبحث المعرفة عند المتكلمين هو الأصل الأول الذي بنى عليه المتكلمون البراهين المؤدية إلى العلم الضروري، وإذ وقع الاختلاف في بعض مسائل هذا المبحث، جاء هذا البحث ليكشف عن مكامن الاختلاف وأسبابه، والنتائج التي ترتبت عليه في إثبات البراهين والأدلة وحجيتها.

أهداف الدراسة:

 جاء هذا البحث لجيب على الأسئلة الآتية:

1. ما هي مسائل الاختلاف بين علماء الكلام في مباحث المعرفة التي يتوصل بها إلى إثبات البراهين الدالة على وجود الله تعالى.

2. ما هي طرق التوصل إلى معرفة البراهين الدالة على الوجود، وهل يتم التوصل إلى علم يقيني أم ظني؟

3. ما هو الاختلاف في تعريف الوجود عند المتكلمين وما أثره على اختلاف إثبات الصفات اللازمة لواجب الوجود؟

4. ما هي الأدلة التي اعتمدها المتكلمون في إثبات واجب الوجود؟ وما هي لوازم هذا الإثبات؟

الدراسات السابقة:

إن مسألة مناهج المتكلمين في معرفة وجود الله سبحانه وتعالى مسألة تتعلق بمسائل المعرفة التي بسطها العلماء مفرقة في كتب العقيدة وعلم الكلام وقد اختلفت مناهجهم ومذاهبهم في هذه المسألة، ولم يتعرض كثير من الباحثين إلى هذه المسألة في مباحث خاصة تجمع هذه الآراء والمذاهب وتقارن بينها وتستنبط الراجح منها، وإنما اقتصر ذكرها بشكل مقتضب في بعض الرسائل والبحوث نذكر منها رسالة ماجستير بعنوان، أول اجب على المكلف وطرق معرفة وجود الله دراسة مقارنة، للطالب، عبد الله طه محمد أبو شاور، إشراف الدكتور راجح عبد الحميد الكردي، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، آب، 2011، وقد اعتمدت هذه الرسالة على عرض آراء العلماء والمذاهب في مسألة معرفة وجود الله، غير أنها لم تنهج منهج المتكلمين في بسط هذه الآراء وإنما اعتمد كاتبها على الطريقة الأثرية السلفية في بسط الأقوال والترجيح بينها، كما جاء تخصص الرسالة في جزء واحد من أجزاء مناهج المتكلمين في معرفة وجود الله وهو تحقيق أول واجب على المكلف ومذاهب العلماء في ذلك.

منهج الدراسة:

تم الاعتماد في هذه الدراسة على المنهج التحليلي لآراء المتكلمين من أصحاب الفرق والمذاهب الكلامية للوصول إلى نتائج سليمة وصحيحة.

كما تم اعتماد المنهج النقدي في دراسة آراء المتكلمين وبيان حججهم ومقارنتها مع البراهين العقلية والنقلية، والترجيح بينها.

وقد جاء هذا البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو الآتي:

المبحث الأول: منهج المعرفة المؤدي إلى البحث في جود الله تعالى، وقد جاء في أربعة مطالب:

المطلب الأول: أول واجب على المكلف

المطلب الثاني: معرفة الله تعالى هل هو أمر ضروري أم نظري؟

المطلب الثالث: النظر في معرفة وجود الله تعالى هل تكون شرعاً أم عقلاً

المطلب الرابع: إفادة النظر للعلم

المبحث الثاني: منهج استدلال المتكلمين على إثبات وجود الله تعالى ولوازمه، وقد جاء في ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف الوجود عند المتكلمين

المطلب الثاني: البراهين على وجود الله تعالى

المطلب الثالث: لوازم إثبات وجود الله تعالى عند المتكلمين

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين، وبعد:

فإن علم الكلام من أجلّ العلوم وأشرفها، وقد حاز شرفه من عظم ما يتعلق به، فإن شرف العلم من شرف المعلوم، ولما كان علم الكلام مرتبط بمعرفة الله سبحانه وتعالى، فقد عكف العلماء من أعلام الإسلام على تعلمه ودراسته، وعلى الرغم من استفادة علماء الإسلام من علم المنطق باعتباره علم آلة يتوصل به إلى المعرفة الصحيحة، بضبط القوانين العقلية، إلا أنهم استطاعوا الاستفادة من هذا العلم الجليل وتطويعه في بيان المعارف المؤدية إلى الأدلة والبراهين المثبتة لوجود الله تعالى، حيث أن هذه الأدلة والبراهين تتوافق مع العقول السليمة، ولا تعارض النصوص الصحيحة، بل توافقها.

ومع تعمق البحث عند المتكلمين وقع الخلاف في بعض مسائل المعرفة الدقيقة التي هدف من خلالها المتكلمون إلى ضبط القواعد العقلية لتوجيه النظر والاستدلال توجيهاً صحيحاً ينسجم مع المسلمات الدينية، ومن هذه الاختلافات ما كان لفظياً شكلياً كأول الواجبات على المكلف، ومنها ما كان له تأثير في الأحكام الاعتقادية، كثبوت واجب الوجود عقلاً أم شرعاً وما يترتب عليه من نجاة أهل الفترة من عدمه.

وكذلك فإن مبحث الوجود وإثباته سار ضمن منهج علمي ومعرفي واضح ولم يأتِ اعتباطاً وإنما سار ضمن تسلسل عقلي منطقي دلنا عليه الشارع الحكيم من خلال آيات الكتاب الحكيم والسنة النبوية المطهرة، فمع إثبات واجب الوجود ثبتت له لوازم توصل إليها العلماء عن طريق النظر والاستدلال، كوجوب الوحدانية والقِدم، والوجود الأزلي، وتنزه الله تعالى عن الحلول في الحوادث أو حلول الحوادث فيه، وأنه تعالى ليس بجسم ولا عرض، ولا يحويه مكان أو يجري عليه زمان، وأنه تعالى غير متحيز أو في جهة، وأن وجوده على عرشه وجود مكانة، لا وجود مكان، وقد وقع بعض الاختلاف في اللوازم المتعلقة بهذا الوجود، كموضوع رؤية الله تعالى، بين المثبتين لها باعتبارها من متعلقات الوجود وقد دلت عليها النصوص الحكيمة، وبين نافٍ لها باعتبارها من النقائص التي لا تنسب إلى الله تعالى.

فجاء هذا البحث المتواضع ليسلط الضوء على هذه المسائل من خلال تلخيص جهود العلماء وآرائهم، واعتصار أهم النتائج من أدلتهم وبراهينهم، سائلين الله تعالى التوفيق والسداد.

المبحث الأول

منهج المعرفة المؤدي إلى البحث في جود الله تعالى

المطلب الأول: أول واجب على المكلف

تظهر أهمية هذا المبحث كمقدمة لبيان طرق المتكلمين في إثبات وجود الله تعالى، لاعتبار أن هذا المبحث مقدمة لوصول المتكلمين لمنهجهم في إثبات وجود الله تعالى والدافع والمحرك إلى معرفة وجود الله تعالى، حيث ذهب عموم المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة أن أول الواجبات هو النظر في معرفة الله سبحانه وتعالى، وقد عرّف القاضي عبد الجبار النظر بأنه "نظر القلب، وحقيقة ذلك هو الفكر، لأنه لا ناظر بقلبه إلا مفكراً، ولا مفكر إلا ناظراً بقلبه، وبهذا تُعلم الحقائق"([1]).

فذهب المعتزلة إلى أن أول الواجبات على المكلف هو النظر لمعرفة الله تعالى لأنه تعالى لا يُعرف ضرورة، ولا بالمشاهدة، فيجب أن يعرف بالتفكر والنظر، والنظر الذي يقصده القاضي عبد الجبار متعلق بما يقترن به من القرائن.

أو هو الفكر الذي يطلب به من قام به علماً أو غلبة ظن، كما ذكره الإمام الآمدي ونسبه للباقلاني، واختار هو أن النظر هو عبارة عن تصرف العقل في الأمور السابقة المناسبة للمطلوبات بتأليف وترتيب لتحصيل ما ليس حاصلاً في العقل([2]).

وعرفه الإمام الرازي بأنه: ترتيب تصديقات في الذهن ليتوصل بها إلى تصديقات أخر، والتصديق: هو إدراك النسبة بين مفردين فأكثر، وهذه النسبة إما موجبة وإما سالبة([3]).

يقول القاضي عبد الجبار: "إن النظر لفظة مشتركة بين معانٍ كثيرة: قد يذكر ويراد به تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي التماساً، وقد يذكر ويراد به الانتظار، وقد يذكر ويراد به العطف والرحمة، وقد يذكر ويراد به المقابلة، وإنما تتميز هذه الأنظار بعضها من بعض بما يقترن بها من القرائن وينضاف إليها من الشواهد"([4]).

ويقول الإمام الإيجي في بيان اتفاق الأشاعرة مع المعتزلة في أن أول الواجبات النظر، فقال: "النظر في معرفة الله تعالى، أي لأجل تحصيلها واجب إجماعاً منا ومن المعتزلة"([5]).

والحقيقة أن هذا الإجماع غير واقع في الحقيقة بين المتكلمين ظاهراً، وإن كان صحيح عند الجمع بين الأقوال والتوفيق بينها، حيث ذهب جماعة من المعتزلة كأبي علي الجبائي أن الشك هو أول الواجبات على المكلف لأن القصد إلى النظر سابقة شك يقتضي طلب تحصيل الحاصل أو وجود النظر مع ما يمنعه.

وقد نسب ابن حزم الأندلسي القول بالشك إلى الأشاعرة خطأً وأثخن بالكلام فيه فقال: "وأما الأشعرية فإنهم أتوا بما يملأ الفم وتقشعر منها جلود أهل الإسلام، وتصطك منها المسامع، ويقطع ما بين قائلها وبين الله عز وجل، وهو أنهم قالوا: لا يلزم طلب الأدلة إلا بعد البلوغ، ولم يقنعوا بهذه الجملة حتى كفونا المؤونة، وصرحوا بما كنا نريد أن نلزمهم، فقالوا غير مساترين: لا يصح إسلام أحد حتى يكون بعد بلوغه شاكاً غير مصدق، وما سمعنا قط في الكفر والانسلاخ من الإسلام بأشنع من قول هؤلاء القوم"([6]).

والحق بأن مذهب الشك هو قول مرجوح ردّه عامة المتكلمين([7])، ردّه الإمام الإيجي في كتابه المواقف باعتبار أن الشك ليس بمقدور باعتباره من الكيفيات كالعلم وإنما المقدور تحصيله أو استدامته بأن يحصل تصور الطرفين ويترك النظر في النسبة ولا شيء منهما بمقدمة، ولأن الشك يفضي إلى الوهم وعدم العلم وهو أمر ممتنع في المعرفة.

وردّه كذلك الإمام الآمدي بأن ابتداء حصول الشكل في الله ليس مقدوراً للمكلف وإنما هو واقع بدون اختياره فلا يقع الوجوب بالتكليف عليه، وإنما يكون التكليف بالمقدورات([8]).

وذهب الإمام الأشعري إلى أن أول الواجبات على المكلف هو معرفة الله سبحانه وتعالى، واستدل على ذلك بأن معرفة الله هي أصل المعارف والعقائد الدينية، وعليه يتفرع وجوب كل واجب من الواجبات الشرعية([9]).

وأما الإمام الباقلاني فيرى أن أول الواجبات هو القصد إلى النظر ومعرفة الأوائل والمقدمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله تعالى وتوحيده وما هو عليه من صفات إلا بامتلاكها([10]).

وبالنظر إلى ما ذهب إليه المتكلمون في أول الواجبات على المكلف يتضح أن الخلاف بينهم إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وأن ما ذكروه يدل على اتفاقهم إلى أن النظر هو الأصل في العمل المؤدي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، وأنه هو الوسيلة إلى ذلك، وإن كان المقصود الأسمى والمطلوب النهائي هو التوصل إلى معرفة الحق سبحانه وتعالى، ولذلك جمع الإيجي بين هذه الأقوال كلها ووفق بينها باعتبار أن الخلاف القائم إنما هو خلاف لفظي بالجمعة من باب أن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر.

فقال الإمام الإيجي: "والحق إنه إن أريد أول الواجبات المقصودة بالذات فهو المعرفة، وإن أريد الأعم فهو القصد إلى النظر، لكن مبناه على وجوب مقدمة الواجب المطلق"([11]).

وقد وافق الماتريدية الأشاعرة والمعتزلة في مذهبهم أن أول واجب على المكلف هو النظر، والمقصود عندهم النظر المطلق الذي يعني عموم التدبر والتفكر والتأمل، حيث يقول الإمام الماتريدي بإبطال التقليد في كتابه التوحيد، مستدلاً على ذلك بالحاجة إلى النظر والاضطرار إليه في علم الحس والخبر، فكان الماتريدي يرى أن النظر هو الحاكم والمرجع الذي لا بد من الرجوع إليه في علم الحس والخبر([12]).

ويرى الإمام الماتريدي أن النظر هو الوسيلة إلى معرفة ما في الخلق من الحكمة وما فيه من الدلالة على من أنشأه، كما تعرف به القديم وتميزه عن الحادث، وكل ما لا سبيل إلى العلم به إلا بالنظر، وقد جاء الأمر بالنظر والترغيب به والإشارة إليه في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى، كقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) الغاشية: 17، وقوله تعالى: (وفي أنفسكم فلا تبصرون) الذاريات: 21، وغيرها من الآيات الدالة على وجوب النظر([13]).

المطلب الثاني: معرفة الله تعالى هل هو أمر ضروري أم نظري؟

إن التوصل إلى معرفة وجود الله تعالى ومنهج المتكلمين في ذلك يحتاج إلى البحث في منهج معرفتهم وطرق توصلهم إلى معرفة هذا الوجود، وهل هي أمر ضروري يحدث في النفس الإنسانية، أم هو أمر نظري بحاجة إلى بحث ونظر وإقامة الدلائل والبراهين على ذلك.

فالمعرفة الضرورية أو البديهية هي المعرفة التي لا تحتاج إلى إعمال البراهين الحسية والعقلية لإدراكها، وإنما تحصل بالنفس اضطراراً ولا يمكن نفيه عن النفس.

واختلف المعتزلة في معرفة الله تعالى هل تكون ضرورة أم بالنظر، فذهب عموم المعتزلة كالنظّام([14]) والقاضي عبد الجبار وغيرهم إلى أن الله تعالى لا يعرف ضرورة في دار الدنيا مع بقاء التكليف([15])، وقيّده بالتكليف، لأن الإنسان يعرف الله تعالى ضرورة بعد الموت أو في حال الاحتضار، واستدل القاضي عبد الجبار المعتزلي على ذلك بأن ما قد يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة، فيجب أن يكون متولداً عن نظرنا، وإن كان كذلك فالنظر من فعلنا، فيجب أن تكون المعرفة كذلك، لأن فاعل السبب ينبغي أن يكون فاعل المسبب، ولأن المعرفة إنما تحصل وفق مقصود الناظر ودواعيه، وتنتفي بحسب كراهته وصوارفه مع سلامة الأحوال.

ومن الأدلة التي استدل بها المعتزلة كذلك، أنه لو كان وجود الله تعالى ضرورياً في النفس، لكان النافي له بشك أو شبهة معذوراً فيما ذهب إليه، ولا يترتب على فعله إثم ولا عقاب، إذ لو كانت معرفة الله تعالى ضرورية لوجب أن لا يختلف العقلاء فيه كما في سائر الضروريات([16]).

وذهب الجاحظ وأبو علي الإسواري وصالح بن صالح، إلى أن معرفة الله تكون ضرورة أو بالطبع في قلب الإنسان، أو أن المعارف كلها ضرورية، لكن لا يبتديها الله تعالى في قلب الإنسان إلا بعد النظر والاستدلال([17]).

يقول القاضي عبد الجبار المعتزلي: "وقد خالفنا في ذلك أصحاب المعارف كالجاحظ وأبي علي الأسواري، وقولنا في دار الدنيا مع بقاء التكليف هو لأن المحتضر وأهل الآخرة يعرفون الله تعالى ضرورة، وقد خالف فيه أبو القاسم البلخي، وقال: إنه تعالى كما يعرف دلالة في دار الدنيا فكذلك في دار الآخرة، لأن ما يعرف دلالة لا يعرف إلا دلالة، كما أن ما يعرف ضرورة لا يعرف إلا ضرورة"([18]).

والناظر في خلاف المعتزلة هذا يجد بأن خلافهم لا أثر له في الحقيقة على مقدمات المعرفة إذ اشترط الجميع وجوب النظر للاستدلال وإنما الخلاف بكون نتائج هذا النظر إن كان صحيحاً فذهب بعضهم إلى إفضائه للعلم الضروري وفق قاعدتهم بتجويز الوجوب على الله تعالى، وذهب آخرون إلى احتمال عدم إفضائه إلى معرفة وجود الله تعالى لاحتمال طروء صوارف عن ذلك.

ووافق الأشاعرة مذهب المعتزلة في أن معرفة الله تعالى تكون بالنظر والاستدلال، مستدلين على ذلك بأن العلم ينقسم إلى قسمين، إما اضطراري، وهو ما لزم أنفس الخلق لزوماً لا يمكنهم دفعه ويتوصل إليه بما تدركه الحواس الخمس، وما بثّه الله تعالى في النفس فلا تستطيع دفعه.

والقسم الثاني هو النظري: وهو ما احتيج في حصوله إلى الفكر والروية، وكان طريقه النظر والحجة، فلما كان وجود الله تعالى لا يقع ضمن إدراك الحواس، كون إدراكها بحاجة إلى جسم أو عرض تدركه، والله تعالى منزه عن ذلك، علمنا بأن طريق معرفة وجوده هو النظر والتفكر، لا علماً ضرورياً اضطرارياً([19]).

وهذا الاستدلال عند الأشاعرة يفضي من خلال البرهان إلى العلم الضروري اليقيني، موافقين بذلك جماعةً من المعتزلة.

يقول الإمام الغزالي: "اعلم أن البرهان الحقيقي ما يفيد اليقين الضروري الدائم الأبدي الذي يستحيل تغييره"([20]).

ورد الإمام النسفي على من يقول بأن هذه الحواس لا تفيد العلم اليقيني، باعتبار أن البديهيات قد تحتاج إلى إثباتها إلى نظر دقيق وربما طرأت عليها الشبهات فحطت من بداهتها، والحس قد يغلط كثيراً فلا وثوق بمعلومه، فيحصل الشك، بأن غلط الحس في بعض الجزئيات لأسباب جزئية لا ينافي الجزم بالبعض بانتفاء أسباب الغلط والاختلاف في البديهي لعدم الإلف أو لخفاء في التصور لا ينافي البداهة، وكثرة الاختلافات لفساد الأنظار لا تنافي حقيقة بعض النظريات([21]).

وذهب جماعة منهم الإمام الغزالي إلى أن هذا العلم اليقيني إنما استفاده الإنسان من النظر في الدليل والمدلول والوصول إلى النتيجة بطريق اللزوم، ووافق بعضهم المعتزلة والشيعة في قولهم إنما يحصل العلم الضروري في القلب على سبيل حصوله بقدرة لله تعالى عقيب حصول المقدمتين في الذهن، والتفطن لوجه تضمنه له بطريق إجراء الله العادة على وجهٍ يتصور خلقها، بألا يخُلق عقيب تمام النظر([22]).

وقسم الأشاعرة النظر بعد ذلك إلى قسمين:

نظر صحيح، ونظر فاسد([23]):

فالنظر الصحيح هو ما علم فيه وجه دلالة الدليل على المطلوب، بمعنى أن كل نظر يؤدي إلى العثور على الوجه الذي يدل عليه الدليل فهو نظر صحيح.

والنظر الفاسد ما لا يؤدي إلى العثور على الوجه الذي يدل عليه الدليل، وعليه فلا بد أن تكون المعلومات التي هي مادة النظر الصحيح تامة في بابها صحيحة من حيث مادتها، صحيحة من حيث تصورها، ويلزم كون النظر منه ما هو فاسد أن نعرف متى يكون النظر الصحيح ومتى لا يكون كذلك، أما شروط النظر مطلقاً فهي العقل وانتفاء أضداد النظر، أي ما ينافيه ويمن حصوله، وذهب الجويني إلى أن ما يضاد النظر ثلاثة أمور: العلم بالمنظور فيه، أي: أن لا يكون الناظر أو المستدل على علم بالشيء الذي سينظر فيه، إذ كيف ينظر فيه وهو على علم به إذ غاية النظر الوصول إلى العلم، والثاني هو الجهل، وقد قرر الإيجي أنه الجهل المركب ، لأن صفة الجهل تنطبق على الناظر قبل أن ينظر، فهو ينظر قبل النظر والوصول إلى العلم كان جاهلاً، أما الجهل المركب فقد اعتبر مضاداً للعلم لأن صاحبه جازم بأنه عالم فكان هذا سبب اعتباره مضاداً للعلم، والثالث: الشك، ووجه اعتباره مضاداً للنظر، أن الشك تردد بين معتقدين، والنظر يطلب به الحق والصواب من غير تردد.

أما شروط النظر الصحيح أمران([24]):

أحدهما: أن يكون النظر في الدليل دون شبهة.

والثاني: أن يكون النظر في الدليل من جهة دلالته على المدلول، أي في الوجه الذي منه يدل الدليل دون غيره، مثل أن ينظر من أراد أن يستدل على وجود الخالق بحدوث العالم وإمكانه لا باعتبار صغره وكبره.

وقد طرح علماء الأشاعرة إشكالاً بالنسبة لجعل العلم ضداً من أضداد النظر ، إذ إنه : إذا كان العلم بالمطلوب مضاداً للنظر منافياً له ، فماذا يقال فيمن يعلم شيئاً بالدليل ثم ينظر فيه ثانياً ويطلب دليلاً أخر؛ إذ يلزم أن ينظر فيما يعلم وهذا مضادٌ للنظر ، وفي الوقت ذاته هو أمر واقع ، فقد ينظر إنسان في وجود الله، ويستدل على وجوده تبارك وتعالى بدليل الحدوث، ويجزم بوجود الله ومعرفته من خلال هذا الدليل ، ثم يرغب أن يستدل على وجود الله بأدلة أخرى ؛ كدليل الاختراع، أو دليل العناية ، فهذا الناظر في الأدلة الأخرى لا يعد ناظراً بناءً أنه ينظر فيما يعلم ، وهو ما سماه الجويني الاستدلال بفكرين([25]) ، وقد اختلفت إجابات المتكلمين عن هذا الإشكال ؛ فذهب بعضهم إلى أنه إنما يصح النظر في الدليل الثاني لذهوله عن العلم بموجب الدليل الأول ؛ فإنه لا يقدم على النظر الثاني إلا في حال ذهوله عن العلم.

ووافق الماتريدية مذهب الأشاعرة في وجوب النظر للاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى حيث توافقت أصول الماتريدية مع أصول الأشاعرة من حيث الاستدلال بالمصنوعات على وجود الصانع تعالى، فإن أول الواجبات عندهم النظر والاستدلال المؤدي إلى جواز إرسال الرسل وتكليف العباد، ثم الاستدلال المؤدي إلى ثبوت الإرسال بدلالة المعجزات وثبوت الأحكام والواجبات، ثم الاستدلال المؤدي إلى تفصيل أركان الشريعة لأهله، ثم العمل بما يلزمه على شرطهم، كل أحد بحسب ما تيسر له من الدليل([26]).

لذلك ذهب الماتريدية إلى أن المقلد آثم عاصٍ بتركه النظر في الدليل مع صحة إسلامه، يقول ابو المعين من علماء الماتريدية: "وهذا المذهب أن المقلد الذي لا دليل معه مؤمن، وحكم الإسلام له لازم، وهو مطيق لله تعالى باعتقاده وسائر طاعاته، وإن كان عاصياً بترك النظر والاستدلال، وحكمه حكم غيره من فساق أهل الملة من جواز مغفرته أو تعذيبه بقدر ذنبه وعاقبة أمره الجنة لا محالة"([27]).

وبهذا يتضح أن من آمن ومن لم يكن عنده شيء من النظر والاستدلال يكون الإيمان عنده صحيحاً مع الإثم الذي عليه من ترك النظر.

المطلب الثالث: النظر في معرفة وجود الله تعالى هل تكون شرعاً أم عقلاً

بعد أن تبين لنا واتفاق المتكلمين على أن مسألة معرفة وجود الله تعالى تكون بالنظر والاستدلال، لا بالضرورة والاضطرار، بحث المتكلمون مسألة هل يكون هذا النظر عن طريق الشرع أم العقل:

فذهب المعتزلة والماتريدية إلى أن النظر والاستدلال للوصول إلى معرفة الله تعالى تكون عقلاً فالماتريدية يوافقون المعتزلة حيث يجعلون معرفة الله تنال بالعقل لا بالشرع، فيقول الإمام أبو  منصور الماتريدي في تفسير تعالى(لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ " ( سورة النساء ١٦٥ ، فيقول: " إن حقيقة الحجة إنما هي في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها الرسل ، أما معرفة الله فإن سبيل لزومها العقل، فلا يكون لهم في أحد ذلك على الله حجة لأن الله خلق في كل احد من الدلائل ما لو تأمل وتفكر فيها لدلته على وجود الله ووحدانيته وربوبيته، والله قد بعث الرسل ليقطع عليهم الاحتجاج وإن لم تكن لهم حجة"([28]).

وذهب المعتزلة إلى أن معرفة الله تعالى لا تنال إلا بالعقل، فقسم القاضي عبد الجبار الدلالة إلى أربعة أقسام: هي العقل والكتاب، والسنة، والإجماع، ثم قال بأن معرفة الله تعالى طريقها العقل لا غير.

واستدل على ذلك بأن ما عداها فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله، ولا يصح الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع عليه لأنه من باب الاستدلال على الأصل بفرعه، فالكتاب لا تثبت حجته إلا بعد ثبوت مصدره وهو الله تعالى وأنه حكيم عدل لا يكذب، وهو فرع عن معرفة الله تعالى، وكذلك السنة لا تكون حجة إلا بعد ثبوت أنها من رسول عدل حكيم، وكذلك الحال في الإجماع، فوجب بذلك ثبوت معرفة الله تعالى حتى تثبت حجية الكتاب والسنة والإجماع، فبقي الإثبات عن طريق العقل وحده([29]).

وقالت المعتزلة بأن السمع قد دلّ على وجوب معرفة الله تعالى في قوله سبحانه (فاعلم أنه لا إله إلا الله) سورة محمد: 19، لكن هذه المعرفة لا تتم إلا بطريق العقل، لأنّ شكر النعمة واجب بالضرورة، وآثار النعمة علينا ظاهرة، فيجب علينا أنْ نشكر فاعلها، وإنّما يحصل بمعرفته، ولأنّ معرفة الله دافعةٌ للخوف الحاصل من الاختلاف، ودفعُ الخوف واجبٌ بالضرورة.

ومن خلال النظر في قول الماتريدية والمعتزلة نجد أن الماتريدية توسطت في مذهبا بين المعتزلة والأشاعرة حيث أن العقل لا يستقل بنفسه في معرفة وجود الله سبحانه تعالى وإنما هو أداة وآلة لمعرفة هذا الوجود، ولكن بواسطة العقل لا بواسطة السمع والخبر"، فالماتريدي في هذه المسألة لم يذهب مذهب المعتزلة في استقلال العقل بإيجاب معرفة الله ولا ذهب مذهب الاشاعرة في أن المعرفة واجبة بالسمع دون العقل كما هو ظاهر المذهب، ولكنه يرى أن الموجب الحقيقي هو الله والعقل يدرك هذا الوجوب([30]).

ويترتَّب على قول المعتزلة وجوب الإيمان بالله، تعالى، وشُكره حتَّى في حقِّ من لم تبلغه رسالة رسول، وبذلك يكون الإنسان محاسب على أفعاله بناءً على قاعدة التحسين والتقبيح العقلي التي قالوا بها وجعلوها أصلاً من أصولهم.

كما استدل الماتريدية على ذلك بقول الله تعالى: (أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم) سورة نوح: 1، ووجه الدلالة بها أن إنذار الرسل إياهم قبل مجيء النكال دال على وجوب الإيمان عليهم قبل الرسل لأن الإنذار يدل على أنهم ليسوا في مأمن ولو كانوا غير محاسبين بسبب فقدان علل التعذيب لما أمر الرسل بالإنذار([31]).

وذهب الأشاعرة إلى معرفة الله تعالى تكون بالشرع والنص والإجماع إذ أن حكم العقل معزول عن معرفة الله تعالى بالاستقلال، وقد جعل الأشاعرة النص والإجماع شرطاً للنظر الصحيح شرعاً إذ أن النص إن كان آحاداً فإنه لا يفيد يقيناً باتفاق العلماء، وإن كان متواتراً كالقرآن الكريم والسنة النبوة، فإنه قد يتطرق إليه التأويل، فوجب الإجماع على دلالات المعاني التي وضعت لها([32]).

يقول الإمام الجويني: " وإنما لم نعتصم في إثبات وجوب النظر بظواهر الكتاب والسنة؛ لأن المقصد إثبات علم مقطوع به، والظواهر التي هي عرضة التأويلات لا يسوغ الاستدلال بها في القطعيات ولكن لو استدللت بها وقرنت استدلالك بها بإجماع الأمة على أنها غير مؤولة، بل هي محمولة على ظاهرها فيحسن الاستدلال على هذا الوجه بظواهر الكتاب"([33]).

وقد استدل الأشاعرة بالشرع في معرفة الله تعالى بطريقين:

الأول: الاستدلال بظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) سورة يونس:101، وقوله تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) سورة الروم: آية50، فهاتان الآيتان تضمنتا أمر الله تعالى لنا بالنظر في المصنوعات وما اشتملت عليه لأجل معرفته، والأمر للوجوب فيكون النظر واجباً.

والثاني: عن طريق القياس، بأن النظر مقدور أي أنه من الأفعال الاختيارية التي تتعلق بها القدرة ولذلك تعلق بها حكم الوجوب، ولا تحصل المعرفة الواجبة مطلقاً إلا به، وكل مقدور لا يحصل الواجب المطلب إلا به واجب، فتكون النتيجة أن النظر واجب لتحصيل المعرفة([34]).

ويترتب على قول الأشاعرة هذا عدم ترتب ثواب أو عقاب إلاَّ في حقِّ من بلغته دعوة الرَّسول المؤيَّد بالمعجزة، وعمدتهم في ذلك قول الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)، ومن انقطع عليهم الوحي، ولم تبلغهم دعوة نبيٍّ فهم من يُصطلح عليهم بـ: "أهل الفترة". الذين قررّ السادة الأشاعرة بأنهم ناجون من العذاب عند الله سبحانه وتعالى لعدم اكتمال شروط تكليفهم وأهمها عدم إرسال رسول إليهم يعلمهم أصول الإيمان.

قال الشَّيخ الدُّسوقي في حاشيته على شرح أمِّ البراهين: "وحاصل ما في المسألة أنَّه وقع خلاف هل يكفي في التَّكليف بالعقائد بلوغ دعوة أي نبيٍّ كان، أو لا بُدَّ من بلوغ دعوة نبيِّ زمانه؟ قولان: فقيل بالأوَّل؛ نظراً إلى أنَّه لا "فترة" في العقائد، بخلاف الفُروع. وقيل بالثَّاني؛ نظراً إلى أن فيها "الفترة" كالفُروع"([35]).

ويتفق الماتريدية مع الأشاعرة في عدم مؤاخذة الصبي، إلا أنهم يخالفونهم في العلة، لأن العلة في ذلك عند الأشاعرة هو ما روي في ذلك من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، ولكن العلة عند الماتريدية هو كون عقل الصبي لم يبلغ درجة الكمال والنضج، وإن كان له تمييز بخلاف البالغ العاقل الذي لا يكون معذوراً، وإن لم تبلغه الدعوة([36]).

وقد أورد المعتزلة عدداً من الاعتراضات على طريقة الأشاعرة في النظر منها:

أولاً: أنه لو لم تجب المعرفة بالعقل ووجبت بالشَّرع للزم إفحام الأنبياء؛ بأن يقول المكلَّف بالإيمان لمدَّعي النُّبوَّة: لا يجب علي شيء حتَّى يثبت الشَّرع، ولا يثبت علي حتَّى أنظر، ولا أنظر، فيكون هذا حقَّاً ولا سبيل للرَّسول إلى دفعه، وهو حُجَّة عليه، وهو معنى إفحام الأنبياء([37]).

ورَدَّ عليه الأشاعرة بـ: "النَّقض والحل"، وهو كالآتي:

أمَّا النَّقض؛ فبقلب اللاَّزم عليهم أيضاً، وذلك من خلال إثبات نفس اللاَّزم على قولهم؛ بأن يقول المكلَّف أيضاً: لا يجب علي الإيمان عقلاً حتَّى أنظر، وأنا لا أنظر، فيلزم هُنا عين ما لزم على القول بالوجوب من خلال الشَّرع.

وأمَّا الحلُّ؛ فهو أنَّ قول المكلَّف لا أنظر حتَّى يجب علي النَّظر غير صحيح؛ لأنَّ النَّظر لا يتوقَّف على وجوب النَّظر. ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ الوجوب "عندنا" ثابتٌ بالشَّرع، نظر أو لم ينظر، ثبت الشَّرع أو لم يثبت؛ لأنَّ تحقُّق الوجوب لا يتوقَّف على العِلم به. وليس ذلك من تكليف الغافل في شيء؛ فإنَّه يفهم التَّكليف وإن لم يصدِّق به.

الثاني: قال المعتزلة بعدم تسليمهم بدليل قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) لأنه ليس بقطعي الدلالة، إذ الأمر قد يكون لا للوجوب، وأما الإجماع فلأنه ليس بسند قطعي إذ لم ينقل بطريق التواتر، بل غايته الآحاد.

وأجاب عنه الإيجي: أن الظن كافٍ في الوجوب الشرعي، على أن الإجماع عليه متواتر إذا بلغ ناقلوه الكثرة حداً يمتنع تواطؤهم به على الكذب فيفيد القطع، وإنما المقصود هو الاكتفاء بالمعرفة على سبيل الإجمال.

الثالث: عدم تسليمهم أن المعرفة الكاملة لا تحصل إلا بالنظر، بل قد تحصل بالتعليم على ما يراه الملاحدة، أو بالإلهام على ما يراه البراهمية، أو بالأئمة المعصومون على ما يراه الشيعة.

ويُجاب عنه: أن التعليم هو إعانة للغافل بالإرشاد إلى مقدمات الحسية، وكما لا الإبصار إلى بالعين والضوء، فكذلك لا تتم المعرفة إلا بالنظر والتعليم، وكذا القول في المعصوم، إذ لا يكفي في صدقه إخباره أو إخبار معصوم آخر ما لم ينته إلى نظر العقل، والإلهام لا يثق به صاحبه ما لم يعلم أنه من الله تعالى ولا يتم ذلك إلا بالنظر([38]).

الرابع: عدم التسليم بأن المعرفة واجب مطلق، فإن وجوب المعرفة مقيد بحال الشك وتردد النسبة في الذهن، فينتج من ذلك عدم المعرفة للقطع في حال حصول المعرفة بالفعل لامتناع تحصيل الحاصل.

وأجاب عنه الإيجي: أنه ليس معنى الوجوب على كل تقدير عموم التقادير والأحوال، وإلا لما كان شيء من الواجبات واجب مطلقاً إذ لا يجب على تقدير الإتيان به، بل معناه الوجوب على تقدير وجود المقدمة وعدمها، ووجوب المعرفة ليس مقيداً بالنظر بمعنى أنه لو نظر تجب المعرفة، وإلا فلا يكون مطلقاً.

ومثاله: أن وجوب الصوم مطلق بالقياس إلى النية لكنه مقيد بكون المكلف مقيماً غير مسافر، وكذا وجوب الحج مطلق بالقياس إلى الإحرام، لكنه مقيد بالاستطاعة([39]).

النتيجة:

بأن النصّ الصريح الصحيح ورد بنفي العذاب عن الفترة بقول الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وفي هذا النص نقطع دابر الخلاف في المسألة، خصوصاً وأن تقديم ظاهر النُّصوص وتفعيلها هو الأصل، وأنَّ التَّأويل لا يُصار إليه إلاَّ عند الحاجة الَّتي تقدَّر بقدرها، ولا يصح حمل الرسول الواردة في الآية على العقل، وقد ثبت في نصوص الشارع الحكيم توجيه إلى وجوب النظر لمعرفة وجود الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك مثلاً : أوَّلاً، قول الله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)، وقوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، وغير ذلك من النُّصوص الَّتي جاء الحض فيها على النَّظر بصيغة الأمر المفيد للوجوب، وإن كانت هذه المعرفة تتم بالنظر عقلاً غير أنه لا يترتب عليها إثم إلا بالشرع من خلال إرسال الرسل والإنبياء، فالعقول متفاوتة ولا تستطيع جميعها استقلالا التوصل إلى معرفة وجود الله تعالى، خاصة وأن هذه المعرفة لا بد أن تكون بتصديق حقيقي موافق لما يليق بصفات الله تعالى.

المطلب الرابع: إفادة النظر للعلم

اتفق جمهور المتكلمين على أن النظر الصحيح المستوفي لشرائطه الذي لم يقترن بمناف يفيد العلم المطلوب مطلقاً، سواء كان في التصورات أو في التصديقات الإلهية وغيرها، ثم اختلف المتكلمون في كيفية إفادة النظر الصحيح للعلم:

فذهب المعتزلة إلى أن حصول العلم بالمطلوب عقب النظر الصحيح لازم بطريق التولد، وهو أن يوجب فعل لفاعله فعلاً آخر، كحركة اليد لحركة المفتاح، والمراد بالفعل الواجب النظر على أي تفسير فسرته، والمراد بالفعل الآخر العلم بالمطلوب، فهم يقولون أن العبد أوجد بقدرته الحادثة النظر بلا واسطة، والنظر أوجب للناظر علماً بالنتيجة([40]).

وذهب الأشاعرة إلى حصول العلم يكون عقب النظر الصحيح على طريق جري العادة من الله تعالى، بمعنى أنه متى تحقق النظر الصحيح خلق الله تعالى للناظر علماً بالمطلوب بمقتضى عادته التي لم تتخلف، لا وجوباً عليه، ولو تخلفت العادة ولم يخلق الله علماً بالمطلوب لم يحصل علم عقب النظر، فحصول العلم لازم عادي.

فيكون العلم الحاصل مع كونه مخلوقاً لله تعالى إلا أنه مكسوب للعبد، فقدرة العبد مقارنة لخلق الله تعالى، وذهب بعضهم إلى أن لا كسب للعبد فيه به بل حصوله بمحض قدرة الفاعل المختار([41]).

وهذا التقرير إنما هو بناء على ربط الأسباب بمسبباتها وأن ذلك يجري مجرى العادة فيجوز أن يخلق الأسباب دون المسببات، والمسببات دون الأسباب تبعاً لعقيدة أن الله تعلى فاعل مختار.

يقول الإيجي مقرراً مذهب الأشعري : "فله أن يوجد المماسة بدون الإحراق وأن يوجد الإحراق بدون المماسة، وكذا الحال في سائر الأفعال، وإذا أنكر صدور فعل منه وكان دائماً أو أكثرياً يقال إنه فعله بإجراء العادة وإذا لم يتكرر أو تكرر قليلاً فهو خارق للعادة أو نادر ولا شك أن العلم، بعد النظر ممكن حادث محتاج إلى المؤثر ولا مؤثر إلا الله تعالى"([42]).

وذهب الإمام الغزالي والجويني والرازي إلى أن حصول العلم عقب النظر لازم عقلاً من غير أن يكون النظر علة فيه، والتلازم بينه وبين النظر مثل التلازم بين الجواهر والأعراض، فكما أنه لا يمكن خلق الجواهر بدون الأعراض، لا يمكن خلق النظر التام الصحيح بدون خلق العلم، فمن علم بأن العالم متغير، وأن كل متغير حادث واستحضر معنى المقدمتين استحضاراً يقتضي العلم بدخول أفراد العالم الذي هو الأصغر تحت مفهوم الأوسط الذي هو المتغير، ودخول أفراد الأوسط تحت مفهوم الأكبر، استحال أن لا يعلم بالنتيجة، التي هي كون العالم حادثاً وذلك أمر ضروري([43]).

ويرى الباحثان أن الخلاف بين الأشاعرة في هذه المسألة خلاف لفظي لاتفاقهم على أن كل مقدور إنما هو بقدرة الله سبحانه وتعالى، لا بطريق التولد، وأنه لا شيء واجب على الله تعالى، ولزوم العلم عقب النظر لا يعني وجوبه إنما هو لازم على جري العادة التي قد تتخلف لمانع كالغفلة أو صعوبة التوصل الإدراك، وأما قول المعتزلة بتولد المعرفة بعد النظر الصحيح يقتضي القول بحوادث لا خالق لها، وإنما هي على سبيل الفيض من الله تعالى دون إرادة منه سبحانه وتعالى، ودون فعل اختياري من العبد، وهو محال، لما دلت الأدلة النقلية والعقلية على خلافه.

يقول الإمام الجويني: "فإذا قالوا : إذا كان النظر لا يولد العلم ولا يوجبه إيجاب العلة معلولها ، فما معنى تضمنه له ؟ قلنا: المراد بذلك أن النظر الصحيح إذا استبق وانتفت الآفات بعده فيتيقن عقلاً ثبوت العلم بالمنظور فيه، فثبوتهما كذلك حتم من غير أن يوجب إحداهما الثاني، أو يوجده أو يولده فسبيلهما كسبيل الإرادة بشيء مع العلم به، إذ لا تتحقق إرادة الشيء من غير علم به ثم تلازمهما لا يقضي بكون أحدهما موجودا أو موجبا أو مولدا"([44]).

وقد وقف الماتريدية موقفاً متوسطاً بين الأشاعرة والمعتزلة في هذه المسألة فالعقل عند الماتريدية لا يدرك ماهية الشيء كاملة بل هو يدرك ظواهر الشيء، فهم يحاولون أن يتوسطوا بين العقل و النقل، وهذا الذي دفعهم إلى تقسيم العقائد إلى الإلهيات ونبوات يستقل العقل بإثباتها وإلى سمعيات لا يستقل العقل بإثباتها ولا تدرك إلا بالسمع([45]).

يقول أبو منصور الماتريدي: " والأصل فيه أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع"([46]).

والذي يرجحه الباحث ما ذهب إليه الأشاعرة من إفادة النظر الصحيح للعلم الضروري بطريق العادة، لأنه لا يجب على الله تعالى شيء.

المبحث الثاني

منهج استدلال المتكلمين على إثبات وجود الله تعالى ولوازمه

المطلب الأول: تعريف الوجود عند المتكلمين:

ذهب طائفة من المتكلمين كالإمام التفتازاني([47]) إلى أن تصور الوجود أمر بديهي لا يحتاج إلى تعريف يستطيع معرفته كل واحد وإن لم يمتلك طرق الاكتساب، وذهب الفلاسفة إلى أنه لا شيء أعرف من الوجود، وعولوا على الاستقراء إذ هو كاف في إثبات المطلوب، فمهما كان من تعريف الوجود فإن لفظ الوجود أعرف منه، فإن عرف بتعريف كان أكثر غموضاً من المُعرَف لزم تعريفه، وفي ذلك وقوع في مغالطة من المغالطات المنطقية، حيث يشترط للتعريف أن يكون أعرف من المُعَرف.

وعرفها الإمام الرازي والإمام السنوسي بأنها: "هي حال واجبة للذات ما دامت الذات غير معللة بعلة، وعلى ذلك فالوجود صفة نفسية مغايرة مفهوما لصفات المعاني والسلبية"([48]).

وعرفه الإمام الأشعري إلى أن الوجود هو عين الموجود بناءً منه على نفي الأحوال، فلا واسطة بين الوجود والعدم عند الإمام الأشعري([49]).

فأثبت أبو الحسن الأشعري بأنّ الوجود كلّه هو عين الماهية، ولذلك فعنده الوجود إنّما يُقَاُل على مصدوقاته بالاشتراك اللّفظي، كما تقال العين على مصدوقاتها، وأنّه ليس وراء لفظة الوجود من معنى آخر غير الماهية نفسها، ولا يمكن أن يكون هناك حقيقة أخرى غير الماهية المتحقّقة في الأعيان توصف بها الماهية بالوجود.

فمن يرى أن الخلاف حقيقي بين الإمام الرازي والإمام الأشعري حمل قول الأشعري على أنه اعتباري وقول غيره محمول على انه حال.

ومن يرى أن الخلاف لفظي فحمل كلام الأشعري على أن الوجود ليس زائداً في الخارج فلا ينافي أنه حال وهو مراد الرازي وهو الارجح ويؤيده كلام التفتازاني صاحب كتاب المقاصد حيث قال: "لا خلاف في أن الوجود زائد هنا –أي لا خارجياً- بمعنى أن للعقل أن يلحظ الماهية دون الوجود. وبالعكس يعني يلحظ الوجود دون الماهية وتتعقل الماهية ونشك في وجودها"([50]).

تعريف الوجود عند الفلاسفة:

اختلفت الفلاسفة والمتكلّمون المسلمون في تعريف الوجود وبيان حقيقته، وبيان نوع علاقته بالماهية. أمّا الفلاسفة فقد اتّفقت بأنّ الوجود هو لفظ يدلّ على معنى غير المعنى الّذي يُدَلُّ به على الماهية، وأنّ معناه نفس الحصول والتّحقّق في الأعيان. ولذلك فإنّ الوجود لا يُقَالُ على مصدوقاته بالاشتراك كما تُقَالُ لفظة العين مثلا بالاشتراك على العين الباصرة، وعين الماء، وعين القوم إلى غير ذلك، إذ هذه كلّها معان مختلفة، ويُشار إليها باسم واحد، أي العين. بل إنّ الوجود ذو معنى ما مشترك بين الأشياء الّتي يقال عليها موجودة، وراء لفظه. لكنّ الوجود لا يقال كذلك بالتّواطئ هي هي، ولا كما تقال الطّبيعة النّوعيّة كطبيعة الانسان على أفرادها([51]).

 لأجل ذلك قالت الفلاسفة، ووافقهم بعض المتكلّمين بأنّ الوجود إنّما يُقَالُ بالتّشكيك على الحقائق الموجودة، مثلما يقال النّور على نور الشّمس، ونور الشّمعة، إلى غير ذلك. والفلاسفة بعد أن قرّروا بأنّ الوجود هو معنى مُشَكَّكٌ، وليس بالمشترك، وأنّه غير الماهية، فإنّهم قد أثبتوا أيضا أنّه ليس في كلّ الماهيات الوجود غير الماهية، بل إنّ الله، الّذي هو واجب الموجود، فإنّ وجوده هو عين حقيقته، أي أنّ وجود الواجب ليس بمعنى زائد على نفس حقيقته، بل إنّ حقيقته هي عين وجوده؛ أمّا في سائر الأشياء الّتي هي ممكنة الوجود، والّتي بما هي هي، لا موجودة ولا معدومة، فالوجود زائد على معناها، لذلك اُحْتِيجَ فيها حتّى يترجّح وجودها عن عدمها إلى حيثيّة أخرى غير حقيقتها، وهذه الحيثيّة هي فعل واجب الوجود نفسه. 

تعريف الفلسفة عن أصحاب الفلسفة الإشراقية:

ذهب أصحاب الفلسفة الإشراقية والعرفانية إلى أن الوجود أمر بديهي لا يحتاج إلى تعريف ،  فيرى الشيرازي بأن أن علم الوجود لفرط علوه وشموله باحث عن أحوال الموجود بما هو موجود وأقسامه الأولية، فيجب أن يكون الموجود المطلق بينا بنفسه، مستقيما عن الترعيف والإثبات، وإن لم يكن موضوعا للعلم العام، وأيضاً التعريف إما أن يكون بالحد أو بالرسم، وكلا القسمين باطل في الموجود، أما الأول فلأنه إما أن يكون بالجنس والفصل، والوجود لكونه أعم الأشياء لا جنس له ولا فصل له فلا حد له، وأما الثاني فلأنه تعريف بالأعرف، ولا أعرف من الوجود فمن رام بيان الوجود بأشياء على أنها أظهر منه فقد أخطأ خطأً فاحشا، بمعنى أنه إذا كانت كل الموجودات تندرج تحت الوجود فهي إذن كلها إما هي أقل بياناً منه ولذلك كان الوجود أظهر منها جميعاً([52]).

الذي يراه الباحث: أن تعريف الوجود وإن كان ظاهراً بديهياً كما ذهب إليه طائفة المتكلمين والحكماء وإن كان المعرف لها أقل وضوحاً لما يطرأ في بديهيات العقول، إلا إنه ضروري في مقام التفريق بينه وبين الصفات فيما يتعلق بمقام الله سبحانه وتعالى، إذ أن قياس وجود الممكن على الواجب هو قياس الشاهد على الغائب، وإنما صفة الوجود لله تعالى إنما هي من قبيل المشترك اللفظي بين الموجودات مع اختلاف الحقيقة، كما إن الصفة لا يتوقف وجود الموجود على وجودها، بل هي حال واجبة لها لا تقوم الذات إلا بها كما ذهب إلى ذلك الإمام الرازي والسنوسي، لذلك جعلها العلماء صفة نفسية لله سبحانه وتعالى، وبالجمع بين التعاريف يمكن القول بأن الوجود هو: حال واجبة للذات تدل على عين الذات إن كانت الذات غير معللة بعلة.

المطلب الثاني: البراهين على وجود الله تعالى

ذهب المتكلمون إلى أن المعرفة الضرورية تحدث بأربعة أوجه، عن طريق الحس، والتجربة، والأخبار المتواترة، والعقل، وأن طريق الحس والتجربة لا تصلح كآلة لمعرفة وجود الله سبحانه وتعالى، لقصورها عن إدراك ذاته العلية، واتفق المتكلمون من المعتزلة والأشاعرة على طرق الاستدلال العقلي على وجود الله تعالى، وجعل الأشاعرة طريق الشرع بالنص والإجماع هو الدلالة الأصيلة في هذا الباب كما مرّ سابقاً، ويمكن حصر المناهج العقلية عند المتكلمين بما يلي:

أولاً: دليل الإمكان والحدوث: ويكون ذلك من خلال حصر الأمر في قسمين ثم يبطل أحدهما فيلزم ثبوت الثاني، كالقول: أن العالم إما حادث وإما قديم، ومحال أن يكون قديماً فيلزم منه لا محالة أن يكون حادثاً، وهذا المنهج يعتمد على تصورين للوصول إلى التصديق، فالمقدمة الأولى هي أن العالم إما قديم أو حادث، فإن علمنا أنه حادث لاستحالة قدمه لقيام الحوادث به، وكل ما قام به حادث فهو حادث، ثبت أن العالم لا بد له من محدث وهو الله سبحانه وتعالى([53]).

والمقصود منه إنّ الموجود  بحسب الافتراض العقليّ  إمّا واجب الوجود، وإمّا ممكن الوجود، ولا يخرج أيّ موجود عقلاً عن أحد هذين الفرضين، ولا يصح أن تكون كل الموجودات ممكنة، لافتقارها إلى علة وجودها، ولا يصح فيها التسلسل لانعدام وجودها بالنتيجة ولا بد أن تنتهي سلسلة العلل إلى واجب الوجود، كما ليصح الدور لأن مجموع المتوقفين اللذين توقف كل منهما على الآخر بأن يكون كل منهما أوجد الآخر ، ممكن، فلا بد له من علة، وهي لا تخلو: فإما أن تكون نفسه أو جزأه، وهما باطلان، أو خارجاً عنه، وذلك الخارج لا بد أن يكون علة لبعضه، فينقطع التوقف عنده، فلا دور، لعدم توقف ذلك البعض على الآخر حينئذٍ.

فواجب الوجود: عباره عن الموجود الذي هو موجود بذاته، ولا يحتاج إلى موجود آخر، وبالطبع يكون هذا الموجود أزليّاً أبديّاً.

وممكن الوجود: عباره عن الموجود الذي لا يوجد بذاته، وإنّما تحقّقه منوط بموجود آخر.

فمع ملاحظه أنّ ممكن الوجود لا يوجد بذاته، فلابد أن يكون وجوده منوطاً بتحقّق موجود غيره، لأنّ هذه القضيّة التالية بديهيّه: إنّ كلّ محمول نسب لموضوع مّا، فإمّا أن يثبت للموضوع بالذات، أو أنّ ثبوته له بسبب أمر آخر (بالغير).

إذن فثبوت «الوجود» لموضوع مّا، إمّا بالذات، وأمّا بالغير، فإذا لم يكن ثبوت «الوجود» للموضوع بالذات فلابدّ أن يكون بالغير، وعلى ضوء ذلك فكلّ ممكن الوجود الذي لا يتّصف بالوجود بذاته لابدّ أن يوجد بموجود آخر، ويكون معلولاً له. هذه هي القاعدة العقليّة المسلّمة "كلّ ممكن الوجود محتاج إلى علة".

كما إن سلسله العلل للموجودات الممكنة لابدّ أن تنتهي إلى موجود لا يكون في نفسه معلولاً، وكما يصطلحون عليه، بأنّ تسلسل العلل إلى ما لا نهاية، محال وبذلك يثبت وجود واجب الموجود، وأنه العلّه الاولى الموجودة بذاتها، ولا يحتاج في وجوده إلى موجود آخر.

ثانياً: دليل حدوث الجواهر والأعراض:

حدوث الجواهر (الجوهر الفرد): الجواهر الفردة أجزاء صغار متحيزة لا تقبل الانقسام؛ لأن انقسامها يؤذن بتكوينها من أجزاء أخرى غير متناهية، والجسم ليس مركباً من أجزاء لا نهاية لها بالفعل، فالأجسام تتناهى في تجزئتها حتى تصير أفراداً، وكل جزء لا يتجزأ فليس له طرف واحد شائع لا يتميز([54]).

وأشهر أدلة المتكلمين كما يقول السعد التفتازاني ما يلي:

1- أنه لو وضع كرة حقيقية على سطح حقيقي لم تماسّه إلا بجزء غير منقسم إذ لو ماسّته بجزأين لكان فيها خط بالفعل فلم تكن كرة حقيقية على سطح حقيقي.

2- لو كان كل عين منقسماً لا إلى نهاية لم تكن الخردلة أصغر من الجبل؛ لأن كلاً منهما غير متناهي الأجزاء، والعظم والصغر إنما هو بكثرة الأجزاء وقلتها، وذلك إنما يتصور في المتناهي.

3- أن اجتماع أجزاء الجسم ليس لذاته وإلا لما قبل الاختراق، فالله تعالى قادر على أن يخلق فيه الاختراق إلى الجزء الذي لا يتجزأ لأن الجزء الذي تنازعنا فيه إن أمكن افتراقه لزم قدرة الله تعالى عليه دفعاً للعجز، وإن لم يكن ثبت المدّعي([55]).

يذهب جمهور المتكلمين القائلين بالجوهر الفرد إلى أن الجواهر متجانسة ومتماثلة وهكذا الأجسام المكونة من الجواهر فحكمها حكم أصلها وهو أنها متجانسة ومتماثلة، فالجوهر الفرد عنصر مشترك لجميع الأجسام في العالم الطبيعي وطبيعته واحدة، وإنما يرجع التباين والاختلاف الملحوظ في الأشياء إلى ثبوت الأعراض، فاختلاف الجواهر أو اتفاقها إنما هو لما فيها من الأعراض، فما دامت الجواهر جنس واحد وهي التي تتكون باجتماعها الأجسام فكذلك الأجسام هي متجانسة أيضاً في أصلها وإنما تختلف صورها وأحكامها تبعاً لما يقوم بها من الأعراض([56]).

ومثل تجانس الجواهر وتماثلها ما يتعلق بكونها متحيزة وهو أخص صفاتها عند المتكلمين كما تقدم واستخدم هذا الأصل أيضاً لنفي وتأويل كثير من الصفات والأفعال الثابتة لله تبارك وتعالى لأن إثباتها يقتضي التحيز الذي هو من صفات المحدثات عند المتكلمين فينزه الله تعالى عنه وعموماً.

وقد اعترض النظّام من المعتزلة وابن حزم الظاهري على هذه النظرية باعتبار أن لا حقيقة لها في الواقع ولا ينتظم اعتبارها عقلاً، فيقول ابن حزم: "ثم قال لهم: أخبرونا عن الجزء الذي ذكرتم أنه لا يتجزأ وهو قولكم في مكان لأنه بعض من أبعاض الجسم، هل الملاقي منه للمشرق هو الملاقي للمغرب أم غيره؟ وهل المحاذي منه للسماء هو المحاذي منه للأرض أم غيره.

فإن قالوا: كل ذلك واحد والملاقي منه للمشرق هو الملاقي منه للمغرب والمحاذي منه للسماء هو المحاذ منه للأرض أتوا بإحدى العظائم وجعلوا جهة المشرق منا هي جهة المغرب وجعلوا السماء والأرض منه في جهة واحدة، وهذا حمق لا يبلغه إلى الموسوس ومكابرة للعيان لا يرضاها لنفسه سالم البنية، وإن قالوا الملاقي منه للمشرق هو غير الملاقي منه للمغرب وأن السماء والأرض منه في جهتين متقابلتين فوق وأسفل صدقوا وهكذا جهة الجنوب والشمال فإذا ذلك كذلك بلا شك فقد صح أنه ذو جهات ست متغايرة وهذا إقرار منهم بأنه ذو أجزاء إذ قطعوا بأن الملاقي منه للمغرب غير الملاقي منه للمشرق ومن للتبعيض، وبطل قولهم من قرب والحمد لله رب العالمين"([57]).

فيرى ابن حزم أن وجود الجوهر الفرد ممتنع لأن كل جسم متحيز لا بد له من أوجه وجهات، فإن ثبت له عدة أوجه ثبت إمكان انقسامه لثبوت وجود عمق فيه وإن كانت كل أوجهه واحدة ثبت أنه ليس بجسم.

ووجه ابن حزم اعتراض آخر على الجوهر الفرد بأن الجوهر لا بد له من طول وعرض وعمق، وإن انتفت هذه الصفات عن الجوهر الفرد فإن اجتماع جوهرين فردين إلى بعضهما إما أن يحدث خطاً أو جسماً له طول وعرض وعمق فيبين أن الجوهر الفرد متصف بهذه الصفات، وإما أن لا يحدث له طول أو عرض أو عمق، فيتبين أنه أمر وهمي لا حقيقة له.

يقول ابن حزم: "وبرهان آخر: وهو أنهم يقولون إن الجزء الذي لا يتجزأ لا طول له ولا عرض ولا عمق، فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق: إذا أضفتم إلى الجزء الذي لا يتجزأ عندكم جزأً آخر مثله لا يتجزأ أليس قد حدث لهما طول؟ فلا بد من قولهم: نعم، لا يختلفون في ذلك، ولو أنهم قالوا: لا يحدث لهما طول للزمهم مثل ذلك في إضافة جزء ثالث ورابع وأكثر حتى يقولوا أن الأجسام العظام لا طول لها ويحصلوا في مكابرة العيان"([58]).

 وما يميل إليه الباحثان في هذه المسألة هو ترجيح قول ابن حزم الأندلسي إذ أن إثبات جوهر لا ينقسم لا ينتظم عقلاً، لأن افتراض جزء لا يتجزأ لا طول له إذا ضم إليه جزء آخر لا يتجزأ فإما أن يحدث لهما طول، فيثبت أن لكل واحد منهما طولاً، وما ثبت له ذلك ثبت له جواز التجزء والانقسام، وإما أن لا يحدث لهما طولاً بإضافة جواهر فردة أخرى، فيتبين أنه وهم وخيال لا حقيقة له، وهو إنكار للحس والواقع، فإن ما قيمته صفر إن انضاف إليه صفر آخر بقيت القيمة صفر.

* حدوث الأعراض: فالعالم ينقسم إلى أعيان وأعراض، فكل موجود ينقسم إلى جواهر وأعراض، فالأعراض تحتاج إلى ذات تقوم بها لا ينفصل عنها، وحيث أن الأعراض متغيرة، ينتج عن ذلك أنها حادثة، وكل ما قام به الحادث فهو حادث، فدل ذلك على حدوث العالم، وكل حادث لا بد له من محدث قديم لا تقوم به الأعراض، وهذا المُحدث هو الله سبحانه وتعالى([59]).

وقد نسبت هذه الطريقة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حين قال عن الكوكب: (لا أحب الآفلين) سورة الأنعام:76، أي عدم ثنائه على الذي تتعاقب عليه الأحوال، ويعتريه التغير والزوال باستحقاق الربوبية، فاستدل إبراهيم عليه السلام بتغير الأعراض على أنها غير صالحة لأن تكون صفات لله سبحانه وتعالى([60]).

وقد استدل الأشاعرة على هذا الحدوث بأكثر من آية من آيات القرآن الكريم، حيث نبه الله تعالى على هذه الفكرة بقوله: (أم خلقوا من خير شيء أم هم الخالقون) سورة الطور:35، وفسرها الإمام الإسفراييني بقوله: "معناه أم خلقوا من غير خالق، كأنه قال من غير شيء خلقهم، لما تقرر من استحالة ثبوت ما ثبت بوصف الخلق من غير خالق ولا صانع"([61]).

وقد استخدم المتكلمون في دليلهم قياس الغائب على الشاهد لإثبات أن كل فعل لا بد له من فاعل، وهذه تعد معرفة ضرورية أولية، حيث أن الثابت في الشاهد أن كل فعل له فاعل، كل حادث له محدث، وقد ذهب القاضي عبد الجبار من المعتزلة إلى أن إرجاع حدوث الأجسام إلى محدث مأخوذ من الشاهد المعاين، فيقول: "إن تصرفاتنا في الشاهد محتاجة إلينا، ومتعلقة بنا، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها، وكل ما شركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل، والأجسام قد شاركتها في الحدوث، فيجب احتياجها إلى محدث فاعل"([62]).

فهذا الدليل يستند إلى مبدأ السببية الفاعلة لأنه لا يتصور وجود صناعة بدون صانع، وكتابة بدون كاتب، فهو يعد منهجاً طبيعياً، تبدأ من التأمل في العالم ونظامه، باعتبار أنه فعل للخالق، ومن ثم فهو دليل يدل عليه بحيث يكون الابتداء من المخلوق، والانتهاء بالخالق([63]).

ثالثاً: ورود الأدلة بتصديق الشرع، بالنص والإجماع:

ذهب الأشاعرة إلى مخالفة المعتزلة في معرفة الله تعالى وقالوا بأنها تكون بالشرع والنص والإجماع إذ أن حكم العقل معزول عن معرفة الله تعالى بالاستقلال، كما أوردنا سابقاً، وملخص هذا البرهان أن وجود الله تعالى لا بدّ أن يثبت بالخبر الصادق عن الله سبحانه وتعالى والسنة النبوية المطهرة، المنقولان إلينا بالتواتر، المجمع على تواترهما، بوجوب النظر في المخلوقات للاستدلال عليها على وجود الخالق سبحانه وتعالى.

يقول الإمام الباجوري: "من أظهر الله المعجزة على يده كان صادقاً في خبره، وكل من كان كذلك كان خبره موجباً للعلم، فينتج: أن خبر الرسول يحصل منه العلم"([64]).

 وهي ما سماها الدكتور البوطي طريقة التدرج من الأدنى، فإذا قرأ الإنسان القرآن الكريم وما ورد فيه من أخبار عن وجود الله سبحانه وتعالى والحث على النظر لمعرفته سبحانه تبين لنا أن مصدره من الله تعالى، واستدل بذلك على صدق النبي صلى الله عليه وسلم سواء بالمعجزات أو بالعجز عن تحدي القرآن الكريم، فيؤول الأمر بدليل التلازم والقياس والاستقراء التام، إلى المعرفة الضرورية والإيمان بوجود الله تعالى، طبقاً لما يقوله القرآن الكريم عن نفسه، وطبقاً للمعجزات والخوارق المؤيدة والتي في مقدمتها القرآن الكريم([65]).

وهو مع اعتبار النص مصدراً يقينياً للعلم، ذهب الأشاعرة إلى أنه علم استدلالي يفيد القطع بالنظر كذلك، فإن خبر الآحاد عندهم لا يفيد العلم، وكذلك الخبر المتواتر لا يفيد العلم إلا بعد النظر والاستدلال إلى كونه متواتراً، واستحضار أنه خبر من ثبتت رسالته بالمعجزات، فيقتضي أن يكون العلم الحاصل عنه علم ضروري كالمحسوسات والبديهيات والمتواترات، فيكون العلم الضروري عندهم حاصلاً بشرطين، الأول إدراك المعاني وأنها على الوجه الذي قصده به الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم، وثبوت نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق التواتر.

وهذين الشرطين يثبتان عندهم بطريق الإجماع، نص الإمام الإيجي على ثبوت العلم الضروري بالخبر، بالشرع بالنص والإجماع.

يقول الإمام النسفي: "وقد يجاب بأنه لا يفيد بمجرده، بل بالنظر في الأدلة على كون الإجماع حجة"([66]).

وقد تقدم إثبات دليل الأشاعرة في اعتبار النظر الصحيح بالشرع والنص والإجماع.

المطلب الثالث: لوازم إثبات وجود الله تعالى عند المتكلمين

بعد أن ثبت عند المتكلمين أن وجود الله تعالى واجب من خلال النظر والاستدلال، والشرع بالنص والإجماع، بحث المتكلمون في لوازم إثبات واجب الوجود التي تثبت لواجب الوجود بثبوت وجوده، وقد لخصها الإمام الغزالي في عشر دعاوى([67]) اتفق على مجملها أكثر المتكلمون واختلفوا في واحدة هي رؤية الله تعالى، فأثبتها الأشاعرة والماتريدية باعتبارها من متعلقات الوجود، ونفاها المعتزلة باعتبارها من النقائص التي ينبغي نفيها عن الله تعالى، وبالنظر إلى هذه الدعاوى نجد بأنها تتلخص في:

أولاً: إثبات وجوده سبحانه وتعالى بما مرّ معنا في المباحث السابقة، بطرق الاستدلال النظري والشرعي.

ثانياً: أنه سبحانه وتعالى إن ثبت أن واجب الوجود، يثبت له أنه قديم غير مسبوق بعدم، بذاته وصفاته، واستدلوا على ذلك بامتناع تسلسل العلل في الإيجاد، وانتفاء حوادث لا أول لها، ولا بدّ أن تنتهي الحوادث إلى قديم خلقها بالضرورة.

ثالثاً: أن واجب الوجود إذا ثبت له القِدم استحال عليه العدم: وبين الأشاعرة بأن العدم ليس له ماهية وحقيقة فهو لا شيء عندهم، فلا يمكن أن يحل المعدوم بالموجود لعدم ذاتيته، وإنما بحث الأشاعرة بطروء العدم على الوجود، فقالوا بأن طروءه لا بد له من مرجح رجحه، وهذا المرجح:

* لا يصح أن يفعل العدم بقدرته: وهو محال لأن القدرة تتعلق بالممكنات لا بالواجبات، والقدرة تفعل الأشياء والعدم ليس بشيء.

* ولا يصح أن يعدمه موجود آخر، لأن ما سواه ممكن الوجود لا يمتلك ترجيح وجود ذاته من العدم، ولا يمتلك ترجيح إعدام ذاته بعد وجودها، فلا يمكنه ترجيح وجود أو إعدام ما هو واجب.

* ولا يصح افتراض قديم آخر كان موجداً معه في القدم لم يعدمه قديماً وأعدمه الآن، لثبوت دليل التمانع، بعدم اجتماع قدرتين من واجبين قديمين، لأن في ذلك اجتماع الضدين.

* ولا يصح أن يقال إن القديم فقد شرطاً من شروط وجوده، لأن هذا الشرط إما أن يكون ممكناً فلا تأثير له على القديم، ولا يصح أن يكون قديماً لتلازم العدم بتحقق الشرط.

فثبت بذلك استحالة العدم على ما ثبت له القِدم.

رابعاً: استحالة التحيز في ذات القديم: واتفق المتكلمون على استحالة أن يكون واجب الوجود متحيزاً في جهة، لأن المتحيز لا يخلو عن الحركة في حيزه أو السكون فيه، ومعلوم أن الحركة والسكون أمر حادث، وما قامت به الحوادث فهو حادث لتعاقب مرجحات الوجود والعدم، وقد ثبت نفيها في حق واجب الوجود، فيثبت بذلك انتفاء التحيز بحقه سبحانه وتعالى.

خامساً: أن واجب الوجود سبحانه وتعالى ليس بجسم: لأن كل جسم متألف من جواهر، ويستحيل في حق واجب الوجود أن يكون جوهراً للزوم التحيز في الجهات كما مر سابقاً، ول كان جسماً لكان مقدراً بمقدار مخصوص، ويجوز أن يكون أصغر من المكان أو أكبر منه، ويكون مفتقراً إلى مخصص ومكان يكون فيه، فيصبح محتاجاً لذلك المكان وهو محال في حق الله تعالى.

سادساً: أن واجب الوجود سبحانه وتعالى ليس بعرض ولا تقوم به الأعراض: لأن العرض لا وجود ذاتي له وإنما يقوم بالذوات، والله سبحانه وتعالى قائم بذاته العلية، مستغنٍ عن الذوات.

سابعا: أن الله سبحانه وتعالى ليس بجهة، إذ ما كان في جهة كان محتاجاً لها، والجهة أمر نسبي لا يعقل إلا إذا أضيف إلى متحيز، والله تعالى يتنزه على الاحتياج إلى المكان والجهة والتحيز([68]).

ثامناً: أنه سبحانه وتعالى غير مستقر على العرش استقرار مكان، لأن في ذلك نسبة التحيز والمكان لله سبحانه وتعالى، فهو إما أن يكون أكبر من العرش أو أصغر أو مساوياً له، وكل ذلك لا يجوز بحقه سبحانه وتعالى لأنه ليس بجسم، إذ لا يستقر على الجسم سوى الجسم، وقد وضح المتكلمون ومنهم الإمام الغزالي معنى قوله تعالى (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) بأنه علو مكانة لا علو مكان.

تاسعاً: أنه تعالى مرئي: بناء على قاعدة أن كل موجود يصح أن يُرى، والله موجود، إذن الله يصح أن يُرى، بل قال الإمام الغزالي بوجوب رؤية الله تعالى باعتباره واجب الوجود، وذات واجب الوجود مستعدة لأن تتعلق الرؤية بها، ولا مانع ولا محيل لذلك.

عاشراً: أن واجب الوجود واحد، وهو سبحانه واحد لا من حيث العدد، وإنما من جهة أنه لا شريك له، وهو سبحانه واحد في ذاته، فهي لا غير مركبة، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله، واستدل المتكلمون على ذلك بدليل التمانع، وهو المشار إليه في قول الله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) الأنبياء: 22، وهذا الدليل يقوم على مقدمات ونتائج، يمكن تلخيصها بما يلي:

أنه لو أمكن إلهان صانعان قادران على الكمال والاختيار، فأراد أحدهما أن يخلق أمراً فإما أن تجتمع إرادتهما وإما أن تختلف، فإن اجتمعتا على مقدور واحد، لزم أن يجتمع مقدور واحد تحت قدرتين فتكون إرادة وقدرة كل واحد منهما ناقصة في جزء من المقدور المخلوق، فيمتنع كونهما إلهان.

وإما أن تفترق إرادتهما، فيريد أحدهما الخلق ويعارضه الثاني، فإما أن تقع الإرادتان فيجتمع الضدان وإما أن تقع إرادة أحدهما فيدل على عجز الآخر وانتفاء كونه إلهاً([69]).

النتائج

* الخلاف بين المتكلمين في أول الواجبات على المكلف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، وأن ما ذكروه يدل على اتفاقهم إلى أن النظر هو الأصل في العمل المؤدي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، وأنه هو الوسيلة إلى ذلك، وإن كان المقصود بالأسمى والمطلوب النهائي هو التوصل إلى معرفة الحق سبحانه وتعالى باعتبار أن الخلاف القائم إنما هو خلاف لفظي بالجمعة من باب أن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر.

* ذهب المعتزلة والماتريدية إلى أن النظر والاستدلال للوصول إلى معرفة الله تعالى تكون عقلاً وذهب الأشاعرة إلى كونها بالشرع والنص والإجماع إذ أن حكم العقل معزول عن معرفة الله تعالى بالاستقلال، ووقف الماتريدية موقفاً متوسطاً في هذه المسألة بالقول بأن معرفة الله تعالى تكون عقلاً، ولكن العقل غير مستقل تمام الاستقلال.

* يترتب على مسألة معرفة وجود الله تعالى عقلاً أم شرعاً مسألة حكم أهل الفترة وهل هم ناجون عند الله تعالى أم لا، فذهب المعتزلة والماتريدية إلى وجوب الإيمان بالله تعالى لمن لم تصله دعوة نبي، وهو مؤاخذ محاسب على ذلك عند الله تعالى، وهو ما يخالف قول الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) وغير ذلك من النُّصوص الَّتي جاء الحض فيها على النَّظر بصيغة الأمر المفيد للوجوب لذلك جعل الأشاعرة النص والإجماع شرطاً للنظر الصحيح شرعاً إذ أن النص إن كان آحاداً فإنه لا يفيد يقيناً باتفاق العلماء، وإن كان متواتراً كالقرآن الكريم والسنة النبوة، فإنه قد يتطرق إليه التأويل، فوجب الإجماع على دلالات المعاني التي وضعت لها، ويترتب على ذلك نجاة أهل الفترة الذين لم يصلهم نبي من العذاب أو الحساب.

* ذهب المعتزلة إلى أن حصول العلم بالمطلوب عقب النظر الصحيح لازم بطريق التولد، وهو أن يوجب فعل لفاعله فعلاً آخر، وذهب الأشاعرة إلى حصول العلم يكون عقب النظر الصحيح على طريق جري العادة من الله تعالى، بمعنى أنه متى تحقق النظر الصحيح خلق الله تعالى للناظر علماً بالمطلوب بمقتضى عادته التي لم تتخلف، لا وجوباً عليه، ولو تخلفت العادة ولم يخلق الله علماً بالمطلوب لم يحصل علم عقب النظر، فحصول العلم لازم عادي.

* إن تعريف الوجود وإن كان ظاهراً بديهياً كما ذهب إليه طائفة المتكلمين والحكماء وإن كان المعرف لها أقل وضوحاً لما يطرأ في بديهيات العقول، إلا إنه ضروري في مقام التفريق بينه وبين الصفات فيما يتعلق بمقام الله سبحانه وتعالى، إذ أن قياس وجود الممكن على الواجب هو قياس الشاهد على الغائب، وإنما صفة الوجود لله تعالى إنما هي من قبيل المشترك اللفظي بين الموجودات مع اختلاف الحقيقة، كما إن الصفة لا يتوقف وجود الموجود على وجودها، بل هي حال واجبة لها لا تقوم الذات إلا بها كما ذهب إلى ذلك الإمام الرازي والسنوسي، لذلك جعلها العلماء صفة نفسية لله سبحانه وتعالى، وبالجمع بين التعاريف يمكن القول بأن الوجود هو: حال واجبة للذات تدل على عين الذات إن كانت الذات غير معللة بعلة.

* استدل المتكلمون على وجود الله تعالى بدليل الوجوب والإمكان ويكون ذلك من خلال حصر الأمر في قسمين ثم يبطل أحدهما فيلزم ثبوت الثاني، وهذا المنهج يعتمد على تصورين للوصول إلى التصديق، فالمقدمة الأولى هي أن العالم إما قديم أو حادث، فإن علمنا أنه حادث لاستحالة قدمه لقيام الحوادث به، وكل ما قام به حادث فهو حادث، ثبت أن العالم لا بد له من محدث وهو الله سبحانه وتعالى.

* واستدل المتكلمون على جود الله بدليل حدوث الجواهر والأعراض، فحدوث بالجواهر دليله حدوث (الجوهر الفرد)، وحدوث الأعراض: دليله أن العالم ينقسم إلى أعيان وأعراض، والأعراض تحتاج إلى ذات تقوم بها لا ينفصل عنها، وحيث أن الأعراض متغيرة، ينتج عن ذلك أنها حادثة، وكل ما قام به الحادث فهو حادث، فدل ذلك على حدوث العالم، وكل حادث لا بد له من محدث قديم لا تقوم به الأعراض، وهذا المُحدث هو الله سبحانه وتعالى.

* اتفق المتكلمون على إثبات لوازم وجود الله تعالى في عدة أمور، وهي أنه تعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله، ليس بجسم ولا عرض، ولا تقوم به الأجسام ولا الأعراض، وأنه تعالى قديم لا بداية له، أزلي لا نهاية له، وأنه سبحانه غير متحيز ولا في جهة، وغير مستوٍ على عرشه استواء استقرار، وأنه سبحانه وتعالى يُرى، ونفى المُعتزلة رؤية الله سبحانه وتعالى باعتبارها من النقائص التي ينبغي نفيها عن الله تعالى.

 

(*) منشور في مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الإسلامية/ غزة، العدد الأول، المجلد (30)، يناير 2022م.

 

الهوامش

 

([1]) آبادي، القاضي عبد الجبار، المغني في أبواب العدل والتوحيد، تحقيق: محمود قاسم، 4/12.

([2]) الآمدي، علي بن أبي علي، أبكار الأفكار في أصول الدين، تحقيق: أحمد محمد مهدي، المكتبة القومية، مركز تحقيق التراث، 2004، ط2، 1/63.

([3]) الرازي، محمد بن عمر بن الحسين، المحصول في علم الأصول، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1/105.

([4]) آبادي، القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، تعليق: الإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم، حققه وقدم له: د. عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، 1996م، القاهرة، ط3، ص45.

([5]) الإيجي، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف في علم الكلام، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، 1/162.

([6]) ابن حزم، علي بن أحمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي، القاهرة، 4/33.

([7]) انظر: الإيجي، المواقف، مرجع سابق، 1/167.

([8]) الآمدي، أبكار الافكار، مرجع سابق، 1/108.

([9]) انظر: الإيجي، المواقف، مرجع سابق، 1/165.

([10]) الباقلاني، أبو بكر بن الطيب، الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، ط3، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1993م، ص13.

([11]) انظر: الإيجي، المواقف، مرجع سابق، 1/121.

([12]) أبو شاور، عبد الله طه محمد، أول اجب على المكلف وطرق معرفة وجود الله دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، إشراف الدكتور راجح عبد الحميد الكردي، الجامعة الأردنية، كلية الدراسات العليا، آب، 2011، ص164.

([13]) انظر: الماتريدي، أبو منصور محمد بن محمد، التوحيد، تحقيق: فتح الله خليف، دار المشرق، بيروت، 9/10/135-173.

([14]) انظر: الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم (1992)، الملل والنحل، تحقيق: أحمد فهمي محمد، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1/58.

([15]) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، مرجع سابق، ص52.

([16]) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، مرجع سابق، ص1-7.

([17]) البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، (2002)، أصول الدين، تحقيق: أحمد شمس الدين، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص48.

([18]) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، مرجع سابق، 52.

([19]) انظر: الباقلاني، أبو بكر بن الطيب، (2001)، الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق: محمد زاهد الكوثري، ط4، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ص15.

([20]) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، معيار العلم، تحقيق: أحمد شمس الدين، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص243.

([21]) الباجوري، إبراهيم بن محمد، (2020)، حاشية البجاوري على العقائد النسفية، تحقيق: أنس محمد الشرفاوي/حسام محمد يوسف، ط1، دار التقوى، دمشق، سورية، ص221-225.

([22]) انظر: الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، (2016)، محك النظر، ط1، دار المنهاج، بيروت، لبنان، ص141.

([23]) انظر: الآمدي، أبكار الأفكار، مرجع سابق، 1/65.

([24]) الإيجي، المواقف، مرجع سابق، 1/147.

([25]) انظر: الجويني، إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله، (1969)، الشامل في أصول الدين، مجموعة من المحققين، دار المعارف، الإسكندرية، ص97.

([26]) انظر: البياضي، كمال الدين أحمد بن حسين البسنوي، (2007)، إشارات المرام من عبارات أبي حنيفة النعمان، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص66-67.

([27]) النسفي، أبو المعين ميمون بن محمد، (1990)، تبصرة الأدلة في أصول الدين على طريق الإمام أبي منصور الماتريدي، تحقيق: كلود سلامة، دمشق، ص25.

([28]) الماتريدي، ابو منصور، (2004)، تأويلات أهل السنة، تحقيق: فاطمة يوسف، ط1، مؤسسة الرسالة، 1/582.

([29]) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، مرجع سابق، ص51.

([30]) انظر: النويهي، محمد خليل، الجانب النقدي في المسائل الكلامية عند الإمام أبي منصور الماتريدي، دراسة موضوعية تحليلية، رسالة دكتوراة، إشراف الدكتور: حبيب الله حسن أحمد، كلية الدعوة وأصول الدين، قسم العقيدة والفلسفة، جامعة العلوم الإسلامية العالمية، 2000م، ص48.

([31]) كونتاي، موسى، العلاقة بين الماتريدية والأشعرية من خلال كتاب الروضة البهية لأبي عذبة، رسالة مقدمة لنيل شهادة الدراسات المعمقة، إشراف الدكتور توفيق بن عامر، المعهد الأعلى لأصول الدين، جامعة الزيتونة، تونس، 2001-2002، ص95.

([32]) انظر: الإيجي، شرح المواقف، مرجع سابق، ص114 وما بعدها، وانظر: فودة، سعيد، (2014)، الشرح الكبير على العقيدة الطحاوية، دار الذخائر، بيروت، لبنان، (2/138).

([33]) الجويني، الشامل في أصول الدين، مرجع سابق، ص21.

([34]) أبو دقيقة، محمود، القول السديد في علم التوحيد، تحقيق: عوض الله جاد حجازي، الإدارة العامة لإحياء التراث، الأزهر الشريف، 1/60-61.

([35]) الدسوقي، محمد بن أحمد بن عرفة، حاشية الدسوقي على أم البراهين، وشرحها، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص70.

([36]) كونتاي، موسى، مرجع سابق، ص95.

([37]) انظر: الآمدي، أبكار الأفكار، 1/93.

([38]) الإيجي، شرح المواقف، مرجع سابق، 1/118، وانظر: أبو دقيقة، القول السديد في علم التوحيد، مرجع سابق، ص55.

([39]) الإيجي، شرح المواقف، مرجع سابق ص118.

([40]) انظر: أبو دقيقة، القول السديد في علم التوحيد، مرجع سابق، 1/58.

([41]) التفتازاني، شرح المقاصد، مرجع سابق، 1/94.

([42]) الإيجي، شرح المواقف، مرجع سابق، 1/143.

([43]) الغزالي، أبو حامد، محمد بن محمد، (2004)، الاقتصاد في الاعتقاد، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ص18-25.

([44]) الجويني، إمام الحرمين، عبد الملك بن عبد الله، (1950)، الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، تحقيق: محمد يوسف موسى، علي عبد المنعم، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص6.

([45]) الحربي، أحمد بن عوض، (1413هـ)، الماتريدية دراسة وتقويما، ط1، دار العاصمة، ص142.

([46]) الماتريدي، أبو منصور، التوحيد، مرجع سابق ص137.

([47]) انظر: التفتازاني: مسعود بن عمر بن عبد الله، شرح المقاصد، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، ط2ـ دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 2011، 1/141.

([48]) فودة، سعيد عبد اللطيف، تهذيب شرح السنوسية، ط2، دار الرازي، عمان، الأردن، 2004، ص29.

([49]) فودة، تهذيب شرح السنوسية، المرجع السابق، ص29.

([50]) التفتازاني، شرح المقاصد، مرجع سابق، 1/150.

([51]) خير الله، لطفي، تحرير حجّة الشّيخ أبي الحسن الأشعريّ في كون الوجود عين الماهية، 2004، ص3.

([52]) رابح، ورزقي، في مفهوم الوجود وتطبيقاته في فلسفة صدر الدين الشيرازي، مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد بن أحمد، وهران2، الجزائر، العدد 35/ سبتمبر 2018، ص313.

([53]) الغزالي، أبو حامد، الاقتصاد في الاعتقاد، مرجع سابق، ص18.

([54]) انظر: الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، الأربعين في أصول الدين، تحقيق: أحمد حجازي السقا، ط1، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 2/3.

([55]) التفتازاني، سعد الدين، شرح العقائد النسفية بحاشية الخيالي المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، ص46-47.

([56]) ابن متويه، الحسن، التذكرة في أحكام الجواهر الأعراض، تحقيق: سامي نصر، فيصل بديرعون، دار الثقافة، القاهرة، ص49.

([57]) ابن حزم، علي بن محمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة السلام العالمية، 5/63.

([58]) ابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، مرجع سابق، 5/63.

([59]) انظر: التفتازاني، شرح المقاصد، مرجع سابق، ص434، وما بعدها.

([60]) انظر: البابرتي، (1989)، أكمد الدين محمد بن محمد، شرح عقيدة أهل السنة والجماعة العقيدة الطحاوية، تحقيق الدكتور عارف أيتكن، ط1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ص30.

([61]) الإسفراييني، شهفور بن طاهر أبو المظفر، (1983)، التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن فرق الهالكين، تحقيق: كمال الحوت، ط1، عالم الكتب، ص141.

([62]) القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، مرجع سابق، ص54.

([63]) بخيت، محمد حسن مهدي، (2000)، القول المبين في أهم قضايا علم أصول الدين، ط1، ص155.

([64]) الباجوري، إبراهيم بن محمد، حاشية الباجوري على شرح العقائد النسفية، مرجع سابق، ص312.

([65]) انظر: البوطي، محمد سعيد رمضان، (2005)، كبرى اليقينيات الكونية، ووجود الخالق ووظيفة المخلوق، ط25، دار الفكر المعاصر، دار الفكر، بيروت، دمشق، ص104 وما بعدها.

([66]) الباجوري، حاشية الباجوري على شرح العقائد النسفية، مرجع سابق، ص327.

([67]) الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، مرجع سابق، ص24-47.

([68]) انظر: الغرنوي، عمر بن إسحاق، (2009م)، شرح عقيدة الإمام الطحاوي، تحقيق حازم الكيلاني الحنفي، د. محمد عبد القادر نصار، دارة الكرز، بيروت، لبنان، القاهرة، مصر، ص88.

([69]) الباجوري، إبراهيم بن محمد، مرجع سابق، ص484-493، وانظر: القاضي عبد الجبار، الحسن آبادي، المغني في أبواب التوحيد والعدل، تحقيق: الدكتور توفيق الطوير، سعيد زيد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (8/109).