أضيف بتاريخ : 02-09-2021


­ مَشروعيةُ الخُلعِ وصاحبُ الحقِ فيه بينَ النَّصِ والفِقهِ والقَضاءِ (*)

الدكتور ناصر الدين محمد الشاعر/ كلية الشريعة، جامعة النجاح الوطنية، نابلس- فلسطين.

ملخص

يُناقش هذا البحث الخُلع من حيث مشروعيته وصاحب الحق النهائي في إيقاعه، إن كان الزوج أو الزوجة أو القضاء، بالإضافة إلى فحص الحكمة من تشريع الخُلع حقاً للمرأة في إنهاء رباط الزوجية في مقابل حق الزوج في إنهاء رباط الزوجية عبر الطلاق. وهو ما تطلب تتبع النصوص الشرعية ذات الصلة بالخُلع، ومعرفة أقوال العلماء بخصوصها، وفحص الترجيحات السابقة، في ضوء الحكمة العامة للتشريع، وفي ضوء فساد ذمم فريق من الناس وجرأتهم على أكل أموال غيرهم بالباطل، بل وفي ضوء تفشي ظاهرة التعسف في استعمال الحق مما يلحق الضرر بالمرأة، وهو ما قاد إلى تأكيد حق المرأة في الخُلع، خلافاً للآراء التي تقيد صلاحيات المرأة والمحكمة على حد سواء.

مقدمة

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد،

فقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الخلع، وكثرت التساؤلات حوله، وتعددت الاجتهادات بخصوصه، وحصلت تعديلات على عدد من قوانين الأحوال الشخصية تعكس التوجهات الجديدة، رغم معارضة شريحة من العلماء.

يتلخص مجمل حديث المهتمين حول أمرين. إحداهما: صاحب الحق في إيقاع الخلع ومدى حق الزوجة فيه ومدى حق المحكمة في إيقاع الخلع حـال إصرار الزوجة على الخلع ورفض الزوج طلبها. وثانيهما: مقدار البدل في الخلع وحكم الزيادة فيه عن المهر الذي كان أصدقها إياه، ودور المحكمة في إيقاع الخلع بمقابل إعادة المهر للزوج في حال عدم توافق الزوجين على مقدار البدل.

وقد خصصت هذه الدراسة للبحث في الأمر الأول دون الثاني، ذلك أني قد عالجت الأمر الثاني المتعلق بمقدار البدل في بحث خاص. أما هذا البحث فيناقش مشروعية الخُلع، وحِكمة تشريعه، وكيف أن الشارع الحكيم شرع الخُلع للزوجة الكارهة لزوجها في مقابل تشريعه الطلاق للزوج الكاره لزوجته. وهي مقدمة حيوية في تحديد صاحب الحق في إيقاع الخلع، وتُعين في حسم الجدل الحاصل حول الأمر وفق مقاصد الشريعة وحِكمة التشريع. وهو ما يستلزم الرجوع إلى النصوص الدينية ذات الصلة، وإلى أقوال المفسرين بخصوصها، وإلى أقوال الفقهاء والمختصين، فضلاً عن متابعة النصوص القانونية ذات الصلة في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية ذات الاختصاص في البلد.

وقد عمد الباحث إلى تتبع أقوال المفسرين من أمات كتب التفسير لمعرفة تأويلهم للآيات ذات العلاقة بموضوع الخلع ولتتبع روايات الخلع كما حصل زمن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، مع فحص أحاديث الخلع للتمييز بين الصحيح والضعيف. كما تتبع الباحث أقوال الفقهاء وأئمة المذاهب والمجتهدين في المسألة من خلال أمات كتب الفقه لمعرفة وحصر التوجهات الفقهية في المسألة محل البحث. كما عمد الباحث إلى دراسة المواد القانونية التي عالجت الموضوع في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في الأراضي الفلسطينية، والتعديلات المقترحة عليها، في ضوء المعمول به في الدول العربية وبضمنها مصر والأردن على وجه الخصوص نظراً للتعديلات التي أجراها البَلدان على مواد الخلع. كل ذلك بهدف تشكيل صورة صحيحة ومتكاملة عن الموضوع محل البحث.

وقد تم تقسيم الدراسة إلى مباحث. الأول لمفهوم الخلع والحِكمة من تشريعه. والثاني في آيات الخلع وأحاديثه. والثالث في حُكم الخلع. والرابع للبحث في صاحب الحق في إيقاع الخلع، حيث ناقش حق المرأة في طلب الخلع، وحكم إجابة الزوج طلبها، ودور السلطان في الخلع حسب أقوال الفقهاء، ثم الخلع في قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية.

المبحث الأول

مفهومُ الخُلعِ، والحِكمةُ من تَشريعِه

أولاً: معنى الخُلع

الخُلع بضم الخاء يعني افتداء الزوجة نفسها بمال تدفعه لزوجها مقابل فراقه لها. فهو نوع من فُرَق الزواج لما يقع من شقاق من جهة الزوجة على أن تفتدي نفسها بمال تؤديه إلى زوجها الذي كرهت البقاء معه وخشيت بسبب تلك الكراهية ألا تؤدي حقه الذي فرضه الله عليها، فيطلقها زوجها بناء على طلبها بذلك العوض الذي تدفعه إليه. والخُلع والخَلع بمعنى النزع والإرسال والإطلاق من القيد، ومنه خَلَع الثوب أي نزعه. ووجه الشبه أن كلا من الزوجين كاللباس للآخر بنص قول الله تعالى:] هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ[ [187: البقرة]. فكان التخلص من الزوج كنزع الثوب بالمعنى مجازاً. ثم جُعِل النزعُ بالمعنى خُلعا بضم الخاء للدلالة على إنهاء الزوجية بالافتداء، بينما بقي النزع الحسي للثوب ونحوه خَلعا بفتح الخاء، للتفريق بينهما([1]).

وللفقهاء تعريفاتٌ متقاربة للخُلع([2]). فقد عرفه الحنفية بأنه إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبولها بلفظ الخُلع أو ما في معناه. وعرفه الشافعية بأنه فُرقة بعوض مقصود راجع لجهة الزوج بلفظ طلاق أو خُلع. وعرفه المالكية بأنه طلاق بعوض. وعرفه الحنابلة بأنه فِراق الزوج امرأته بعوض بألفاظ مخصوصة. لكن، ورغم وجود فروق بين تلك التعريفات تعكس اختلافات الفقهاء في بعض مسائل الخُلع، إلا أنها في الجملة تدور حول كون الخُلْعِ فُرقةً بين الزوجين، ببدل من مال أو منفعة، أو إزالة لملك النكاح بعوض من طرف الزوجة لجهة الزوج، تفتدي الزوجة به نفسها من زوجها، لكرهها له وخشيتها أن لا توفيه حقه.

وهنالك ألفاظ ذات صلة بالخُلع، كالمفاداة والمبارأة والطلاق على مال والفسخ. وألفاظ الخلع منها الصريح الذي لا يتوقف على النية ومنها ألفاظ الكناية التي تحتاج إلى نيةٍ على اختلاف في ذلك بين الفقهاء. بل ومِن العلماء مَن لم يفرق بين الألفاظ، وأن الاعتبار عندَهم بذل المرأة العوض وطلبها الفرقة، فالعبرة في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها. لذا فالتفريق بين لفظ ولفظ في الخُلْع هو قول محدَث لم يعرفه السلف من الصحابة والتابعين، بل إن القرآن لم يستخدم كلمة الخُلع ولا كلمة الفسخ، إنما استخدم كلمة الفداء([3]).

ثانياً: أركانُ الخُلع

للخُلع أركانٌ([4])، حصرها الحنفية في الإيجاب والقبول، وهي عند غيرهم تشمل: طرفي الخُلع وهما الزوج والزوجة، وعوض الخُلع ويسمى البدل، والصيغة.

أما الزوج، فيجب أن يكون ممن يملك إيقاع الطلاق حتى يجوز خُلعه، وأن يكون عاقلاً مختاراً.

أما الزوجة، فيشترط فيها أن تكون مُطلَقة التصرف بالمال صحيحة الالتزام غير مكرهة. وأن تكون في عصمة زوجها حقيقة أو حكماً، وهي التي لم تفارق زوجها بطلاق بائن. ولا يشترط جمهور العلماء طُهر الزوجة من الحيض لوقوع الخُلع عليها.

أما البدل، فهو ما يأخذه الزوج من جهة زوجته لقاء خلعه لها سواءً كان البدل مالاً أو منفعة. وكل ما يصلح مهراً من مال أو منفعة يصلح بدلاً في الخُلع، علماً بأن اعتبار البدل ركناً في الخُلع ليس محل اتفاق بل وليس البدل شرطاً لصحة الخلع عند فريق.

أما الصيغة، فهي الإيجاب والقبول بين طرفي الخُلع، وهنالك ألفاظ عديدة تصلح للدلالة على المطلوب ويتحقق بها الإيجاب والقبول. حيث يرى الجمهور أنه لا بد في الخلع من أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه أو بلفظ يؤدي معناه مثل المبارأة والمفاداة. ورجح البعض عدم اشتراط لفظ معين ولا صيغة معينة لصحة إيقاع الخُلع. فكل فُرقة بعوض وتراض بين الزوجين وبطلب من الزوجة هي خُلع بغض النظر عن الصيغة المستعملة لذلك، لأن العبرة في العقود بمقاصدها ومعانيها لا بألفاظها ومبانيها.

ويتردد الخُلع بين كونه يميناً تُراعى فيه أحكام اليمين أو معاوضة تنطبق عليه أحكام المعاوضة، على خلاف في ذلك بين الفقهاء([5]). كما اختلف العلماء في الخُلع على قولين في كونه طلاقاً بائناً يُحتسَب من الثلاث طلقات أو فسخاً لا يُحتسَب من الطلقات الثلاث فلا يُنقِصها([6]). حيث ذهب الجمهور إلى أنه طلاق بائن يُحسب ضمن الطلقات الثلاث، بينما ذهب فريق آخر إلى القول بأنه فسخ لا يُحسَب ضمن الطلقات الثلاث. علماً بأن القول بالفسخ هو الذي صح عن ابن عباس. وهو قول ابن عمر، وهو المروي عن عثمان وعلي وابن الزبير وعكرمة وطاووس. وقد رجح القول بالفسخ ابن تيمية وابن القيم والصنعاني والشوكاني. بينما الخلع عند الظاهرية طلاق رجعي. ولكل فريق حجته.

أما عدة المختلعة، فقد انقسم العلماء بخصوصها على قولين([7])، بين أن تعتد كسائر المطلقات ثلاث حيضات أو قروء حسب الجمهور، وبين أن تعتد بحيضة واحدة يستبرأ بها رحمها، وهو الذي رجحه ابن تيمية وابن القيم، وهو الذي ذهب إليه أحمد في أصح الروايتين عنه، وذلك لحديث الربيع بنت معوذ التي اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُمِرَتْ أن تعتدَ بحيضة. وهو حديث صحيح.

ويلحق بهذا أيضا، الحديث في طلاق المختلعة، وهل هو بائن أم رجعي. والذي عليه جماهير أهل العلم باستثناء الظاهرية أنه ليس في الخلع رجعةٌ، سواءً قيل إن الخلع طلاقٌ أم فسخٌ([8]).

ثالثاً: مشروعية الخلع وحِكمةُ تشريعِه

من المعلوم أن الزواج في الإسلام إنما يقوم على المودة والرحمة وحُسن العشرة بين الزوجين، وإلا تحولت العشرة بينهما إلى كهف من الكراهية والعنف، ولم يستطع كل من الفريقين الوفاء بحق زوجه عليه وفق ما طلب الشارع الحكيم منهما. ومعلوم أيضاً أن الشارع الحكيم قد منح الزوج حق حل عقد النكاح للتخلص من زواج لا يرغب فيه عبر تشريع الطلاق، ولكن على أن لا يأخذ منها شيئاَ مما أعطاها؛ لأنه لا يجوز أن يجتمع عليها طلاق زوجها لها وأخذه لمالها الذي استحلها به. لكن الكراهية قد تكون من طرف الزوجة إلى الحد الذي لا تستطيع معه الوفاء بحق زوجها، مع أن الزوج قد يكون راغباً بزوجته ومتمسكاً برباط الزوجية ولا يتعمد إكراهها أو عضلها أو إجبارها على فراقه. لمثل هذه الحالة أجاز الشارع الحكيم للمرأة أن تفتدي من زوجها بالخُلع. ولكن، لا يمكن الجمع على الزوج بين خسارته لزوجته وماله معاً. لذا كان عليها أن تفتدي نفسها بإعادة المال الذي أعطاها إياه.

ومن مظاهر عدل الله تعالى أنه لَمّا جعل الطلاق للرجل أي بيده لقاء ما يدفعه من الصَداق إذا كره زوجته، ليتخلص من الضرر الناجم عن استمرار هكذا زواجٍ لا يرغب فيه، فقد شرع الفداء للزوجة إذا كرهت زوجها، فكان الخلع بيد المرأة في مقابل ما بيد الرجل من الطلاق؛ لأنه إذا كانت المرأة هي المتضررة من استمرار الزواج، وهي الراغبة في المفارقة، فليس الطلاق منقذاً لها لأن أمر الطلاق ليس بيدها، لذا أجاز لها الشارع الحكيم أن تفتدي منه بالمال الذي يمكّن الزوج من نكاح غيرها به إن شاء([9]).

وتشريع الخُلْع إنما هو للتوقي من تعدي حدود الله تعالى فيما يتعلق بحقوق كل من الزوجين تجاه الآخر، وأنه شُرِع لإزالة الضرر الذي يلحق بالمرأة من خلال المقام مع من تكرهه وتبغضه. وهذا الغرض هو المنظور إليه بالمقام الأول من حِكمة تشريع الخُلع. أما رفع الضرر عن الزوج فهو في المقام الثاني؛ لأن الزوج يستطيع التخلص من ذلك بالطلاق بإرادة منفردة منه. وهكذا يراعي الإسلام جميع الحالات الواقعية ويواجه الفطرة مواجهة صريحة عملية ويراعي مشاعر القلوب الجادة حيث لا مجال لقيام الزوجية مع النفور المستحكم بينهما([10]).

لكن من الملاحظ أن المذاهب عامة أعطت الحق للرجل بالطلاق دون أية قيود، بينما جعلت الخلع للزوجة متوقفاً على موافقة الزوج فأعادت الأمر إليه، مما جعل الخلع والطلاق كليهما بيد الرجل، وغاية ما تملكه الزوجة في هذه الصورة من الخلع أن تتوسل للرجل كي يخلعها، ولا يملك أحد إجباره على ذلك إن رفض، وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر والفحص في ضوء نصوص القرآن والسنة وروح الشريعة، سواءً لجهة الاعتراف بحق المرأة في الخلع، أو لجهة منح القضاء صلاحية نافذة في مجال حمل الرجل على الخلع إذا تعسف بالرفض أو تعسف في مقدار البدل الذي يطلبه من الزوجة، وبخاصّة في ضوء ضعف الإيمان وتدني المستوى الأخلاقي والجرأة على أكل أموال الناس بالباطل مقارنة مع ما كان عليه الناس في أجيال المسلمين الأولى في مناقضةٍ لقوله تعالى:]تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا[[229: البقرة].

وقد أجمع العلماء على مشروعية الخلع، وثبتت مشروعيته بكل من الكتاب والسنة، فضلاً عن الإجماع والمعقول. فمن الكتاب قوله تعالى:] الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[[229: البقرة]. ومن السنة، ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة ثابت ابن قيس([11]) أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم. فقال [له] رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة"([12]). وأما الإجماع على جواز الخُلع([13])، فقد ذكره غير واحدٍ، منهم ابن المنذر وابن حجر، وذلك للنصوص الصريحة الصحيحة في الباب. وأما المعقول([14])، فإن المرأة قد تكره زوجها مع قيامه بحقها، فجاز أن تبذل له عوضاً على ذلك، فتنال حريتها وانفكاكها من زواج لا ترغب فيه وينال هو ماله الذي دفعه، وفي ذلك دفع للضرر عن المرأة وحفظ لمال الرجل من غير ظلم لأحدهما، وذلك عبر تشريع يراعي مشاعر القلوب التي لا حيلة للإنسان فيها ، وذلكم هو الحكم العدل والقول

المعقول، وكل حكمٍ لله تعالى هو قولٌ عدلٌ ومعقول.

المبحث الثاني

الآيات والأحاديث ذات الصلة بموضوع الخُلع

هنالك العديد من الآيات التي تناولت العلاقة بين الزوجين وفرق الزواج في حال تعثره. كما أن هنالك العديد من الآيات التي تناولت الحق المالي وحرمة التعدي عليه وبضمن ذلك المهر الذي هو حق خالص للمرأة لا يحل للزوج أن يأخذ منه شيئاً إلا بحقه أو عن طيب نفس منها. بيد أننا يمكن أن نكتفي هنا بالآيات ذات الصلة المباشرة بموضوعنا.

ففي سورة البقرة، ورد قول الله تعالى: ]الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ [229: البقرة].

وفي سورة النساء، ورد قول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً* وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً* وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً[[19-21: النساء].

أما الأحاديث ذات الصلة بالخلع، فثمة أحاديث دعت للحفاظ على الرابطة الزوجية ونهت المرأة عن سؤال الطلاق من غير سبب، إذ الأصل استقرار الحياة الزوجية وليس انهيارها. فقد ورد في الحديث الصحيح: ينصب الشيطان عرشه ثم يرسل سراياه، فيكون أعظمهم فتنة أقربهم منه منزلة. يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا، فيقول ما صنعتَ شيئاً. حتى يجيء من يقولُ ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين امرأته، فيُدنيه منه ويقول نَعم أنت([15]). وروى الترمذي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة سألت [زوجها] طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة". وقال الترمذي هو حسن([16]). وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المختلعات هن المنافقات" ثم قال هو غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي، بينما صححه الألباني.

لكن، وإلى جانب تلك الروايات، فقد وردت روايات أخرى تدل على جواز الخُلع إن كان لسبب. فقد روى البخاري([17]) عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت ابن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة". وعن عكرمة بخصوص أخت عبد الله ابن أُبي: "فردتها"، "وأمره يطلقها"، وقال النبي: "وَطَلِّقْها". وعن عكرمة عن ابن عباس أنها قالت: "إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني لا أطيقه". وعن عكرمة عن ابن عباس "فردت عليه وأمره ففارقها". هذا الحديث حديثٌ صحيحٌ، ورد في البخاري، وكذا أسانيد الطبراني والنسائي بخصوصه صحيحة. ولكن هنالك أحاديث أخرى ضعيفة مرسلة، وبخاصةٍ تلك التي ذكرت الزيادة عن المهر قبولاً أو رفضاً، مثل "أما الزيادة فلا" أو "ولا يزداد". ففي كتب التفسير للآية 229 من سورة البقرة، وفي كتب الفقه والحديث في باب الخلع، وردت جملة أحاديث وآثار في حادثة الخلع وفي سبب نزول الآية. وهي وإن كانت تضمنت إلى جانب الصحيح جملة أحاديث ضعيفة بسندها أو بالزيادات التي تضمنتها، إلا أنها تعطي مجتمعة، وبعد تحقيقها، صورة مفصلة عن الخلع لدى الفقهاء والمفسرين، وندع لمن يرغب في الاستزادة العودة إلى كتب التفسير والفقه والحديث، وبخاصّة مع الجدل حول النصوص المتعلقة بمنع الزيادة على الصَداق بين تضعيفها لكونها مرسلة وبين القول بتوثيق رواتها، وإن كان الإرسال هو الأرجح([18]).

المبحث الثالث

حُكم الخُلعِ وأقوالُ العلماء في تفسير النصوص ذات الصلة بالخُلع

بالاطلاع على أقوال الفقهاء والمفسرين، يتضح، وبصورةٍ جليةٍ، أنه لا يحل للرجل إذا أراد طلاق زوجته أن يأخذ منها شيئاً مما أعطاها من الصداق؛ لأنه يكون متعدياً عليها وآكلاً لمالِها بالباطل ما دام هو الراغب في فراق زوجته. أما إذا تشاقَّ الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها ولا حرج عليهما في ذلك؛ لأنه يُخاف عليهما ترك طاعة الله فيما لزم لكل منهما من الحق على الآخر. ولا يحل للزوج أخذ شيء من المهر ولو كان قليلاً دون وجود هذا الخوف الذي لم يكن لسبب متعمد منه. وعن ابن عباس: لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يكون النشوز وسوء الخلق من قِبَلِها، وعن عروة وعن جابر بن زيد مثل ذلك([19]).

وقد يكون البغض والخوف من كلا الزوجين، كما قد يكون من جانب الزوجة وحدها، وفي الحالتين يجوز الخلع عند جماهير العلماء كما نقلت كتب الفقه والتفاسير. أما إذا كان الكره من جانب الزوج، أو كانت الحال مستقرة بين الزوجين، فالأصل حظر الخلع؛ لأن الخلع إنما ربطته الآية بسبب فلا ينبغي تجاوز ذلك الفهم والشرط الذي دلت عليه الآية صراحة، لكن فريقاً من العلماء أجاز الخلع أو أمضاه حال الوفاق واستقرار الحال بين الزوجين، ومنهم من أمضاه حتى لو كان قد حصل بطريق العضل والإكراه من جانب الزوج رغم قولهم بحرمة العضل، في حين قال الفريق الأول برد المال الذي يأخذه الزوج من زوجته بطريق العضل. فقد جاء في تفسير الطبري عن الزهري: "لا يحل للرجل أن يخلع امرأته إلا أن تؤتي ذلك منها فأما أن يكون يضارها حتى تختلع فإن ذلك لا يصلح". وجاء في تفسير ابن كثير: "لا يحل لكم أن تضاروهن وتضيقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه". وورد في تفسير فتح القدير: "لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئاً على وجه المضارة لهن، وتنكير {شيئاً} للتحقير: أي شيئاً نزراً فضلاً عن الكثير([20]). ومستند ذلك كله قوله تعالى:]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ..[[19: النساء]. وإذا كان شأن الجاهلية الأولى، كما يُفهم من هذه الآية، عضل الزوجة لأخذ بعض المهر منها، فإن شأن بعض الأزواج اليوم العضل للذهاب بكل المهر، بل وربما طلبوا فوق ما أعطوهن. فأي الفريقين أكثر تجاوزاً لحدود الله تعالى، وأي العضلين أشد حرمة!

والأصل ألا يُجاب إلى طلب الخلع إلا بعد محاولة الإصلاح بين الزوجين إما مباشرة أو عن طريق الحكمين، وبعد سعي الزوج لإقناعها للعدول عن طلبها بالوعظ وسبل التأديب ثم الفشل في ذلك. فإن تأكد له (أو للقاضي) إصرارها على الخلع تم لها ذلك؛ لأن هذا يدل على بغضها له واحتمال الوقوع في تعدي حدود الله بخصوص الحقوق الزوجية إن استمرت الزوجية مع هذه الكراهية، كما ورد في تفسير الطبري عن سعيد بن جبير والضحاك([21]). وهذا لا يعني اشتراط السلطان للخلع، فقد نص العلماء على جوازه عند السلطان ومن غير السلطان. جاء في تفسير القرطبي([22]) عن الطحاوي قوله: "صح عن عمر وعثمان وابن عمر جواز الخلع دون السلطان كما جاز الطلاق والنكاح دون السلطان وهو قول الجمهور من العلماء". وهي القضية التي يناقشها البحث لاحقاً، فقد أصبح اليوم كلٌ من الزواج والطلاق عند السلطان لضمان الحقوق، وكذا الحال بخصوص الخلع، فضلاً عن أن الزوج قد يتعسف برفض الاستجابة لطلب الزوجة بالخلع، وهو ما يستدعي تدخل القضاء لإنصاف المرأة وحمايتها من تعسف الزوج وحتى من عضله لها أحياناً لتختلع منه بمهرها مع أنه هو الراغب بتركها من غير تقصير منها ولا سبب يبرر ذلك الفداء.

أما قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً * وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[[19-20: النساء]، فقد أوردت كتب التفسير([23]) بما يتعلّق بوراثة وراثة النساء كَرهاً تفسيرات وروايات، موجزها: أن بعض العرب في الجاهلية كانوا إذا مات الرجل عندهم عن زوجته حبسها أهل الميت لأحدهم وربما لأصغرهم كي يتزوجها خوفاً على ذهاب المهر الذي كان الميت قد أصدقها إياه، وقد لا يزوجوها أحداً حتى تموت أو تتنازل عن مالها لهم. فهم إما حجزوا الأرملة ميراثاً لهم مع كل ما تملك، وإما منعوها من الزواج من أي شخص غريب طمعاً في مالها، ولا ينجيها من ذلك إلا أن تتنازل عن مالها لهم بالإكراه، فحرم الله تعالى جميع ذلك. وفي فتح القدير: فإن كانت جميلة تزوجها قريب زوجها وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت فيرثها.

وأما قوله تعالى ]ولا تعضلوهن[، فقيل إنها تعني([24]): ولا تحبسوا يا معشر ورثة من مات من الرجال أزواجهم عن نكاح من أردن نكاحه من الرجال كيما يمتن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، فتأخذوا من أموالهن إذا متن ما كان موتاكم الذين ورثتموهم ساقوا إليهن من صدقاتهن. وقال آخرون: بل معنى ذلك ولا تعضلوا نساءكم فتحبسوهن ضراراً ولا حاجة لكم إليهن فتضروا بهن لتفتدين منكم بما آتيتموهن من صدقاتهن. وعن ابن عباس قال: لا تقهروهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، هو الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضر بها لتفتدي. وعن قتادة: لا يحل لك أن تحبس امرأتك ضراراً حتى تفتدي منك. وعن السدي: ولا تعضلوهن أي ولا تضاروهن ليفتدين منكم. وعن الضحاك: العضل أن يكره الرجل امرأته فيضر بها حتى تفتدي منه. وقيل: نزلت هاتان الآيتان: إحداهما في أمر الجاهلية والأخرى في أمر الإسلام، ]لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء[ في الجاهلية و]لاَ تَعْضُلُوهُنَّ[ في الإسلام. قاله ابن المبارك وعبد الرزاق. وعند ابن كثير، قال عكرمة والحسن البصري: السياق كله كان في أمر الجاهلية ولكن نُهي المسلمون عن فعله في الإسلام. وفي فتح القدير: الأَولى أن يقال: إن الخطاب في قوله "لا يحل لكم" هو للمسلمين، أي لا يحل لكم معشر المسلمين أن ترثوا النساء كَرهاً أو أن تعضلوا أزواجكم كما تفعله الجاهلية.

أما قوله تعالى: ]إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[، فقد اختلف أهل التأويل في معنى الفاحشة الواردة هنا ما بين القول بأنها تعني الزنا أو أنها تعني مطلق البغض والنشوز، أو أنها تعني ذلك جميعه. فقد قال بعض العلماء: معناها الزنا، فإذا زنت المرأة حل لزوجها عضلها لتفتدي منه بما آتاها. وقال آخرون: الفاحشة المبينة في هذا الموضع النشوز. قال الطبري([25]): وأَولى ما قيل أنه مَعنيٌ به كل فاحشةٍ من بذاءٍ باللسان على زوجها وأذىً له وزناً بفرجها. ذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله ]إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ[ كل فاحشةٍ متبينةٍ ظاهرة.

إلا أن أخذ مهر المرأة، من غير سبب موجب ومبيح، إنما هو ظلمٌ وتعدٍ وتجاوزٌ لحدود الله تعالى. ذلك أنهم استحلوهن بذلك المهر فكيف يأخذونه منهن بعد ذلك وقد أفضى بعضهم إلى بعض أي صاروا مكشوفين لبعضهم كالفضاء في كناية عن النكاح! ذلك فضلاً عن الميثاق الغليظ الذي قطعوه لهن بعهد الله من خلال عقد الزواج. فكيف إذا قام بعض ميتي الضمائر ضعاف الإيمان باتهام المرأة بما ليس فيها من نشوز وفاحشة ليبرر أخذ مالها الذي كان أصدقها إياه! لذلك قال كل من البيضاوي، وأبي السعود([26])، في قوله تعالى: ]أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً[، بأنه استفهام إنكار وتوبيخ، أي كيف تأخذونه باهتين وآثمين! فقد كان الرجل منهم إذا رأى امرأة فأعجبته بهت التي تحته بفاحشة حتى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها ليصرفه في تزوج الجديدة فنهوا عن ذلك. والبهتان الكذب الذي يبهَت المكذوب عليه لقذفه بالأمر القبيح وهو برئ منه، ولذلك فُسِر هنا بالظلم.

وأما قوله تعالى:]تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا[، أي إنَّ أحكام النكاح والفراق المذكورة هنا هي حدود الله التي أُمِرتم بامتثالها، فلا تعتدوا فيها بالمخالفة والرفض، ومن يتعد هذه الحدود فأولئك هم المتعدون الظالمون.

ثم إن الأصل في البدل أن يتمثل برد المهر أو جزءٍ منه، خاصة وأن المفسرين فهموا الفداء الذي في الآية على أنه المهر أو بعضه، حتى وإن أجازوا أو نقلوا جواز الزيادة بالتراضي([27]). ومما قاله البيضاوي: "اعلم أن ظاهر الآية يدل على أن الخلع لا يجوز بجميع ما ساق الزوج إليها فضلاً عن الزائد... والجمهور استكرهوه ولكن نفذوه فإن المنع عن العقد لا يدل على فساده".

ويبقى الحديث في حكم زيادة بدل الخلع عن مقدار المهر بحاجة إلى بحث خاص للتفصيل فيه([28])، وبخاصَّة على ضوء إجازة الجمهور للزيادة بالتراضي استناداً إلى العموم الذي فهموه من قوله تعالى: ]فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[، أي إن "ما" نكرة تفيد العموم فيجوز الفداء بأي مبلغ من عامة مالها حتى لو زاد عن مقدار المهر. ذلك بالإضافة إلى اعتبارهم الخلع كسائر العقود التي تقوم على التراضي فيصح بأي مبلغ يتفق عليه الزوجان. بينما قال فريق آخر بمنع أو كراهة الزيادة، لاعتبار "ما" محمولة على المهر الوارد في أول الآية، أي فيما افتدت به من مهرها الذي كان أعطاها إياه. فضلاً عن أنهم يرون ما زاد على المهر من باب أكل أموال الناس بالباطل وأن الزوج يأخذه دون مقابل ومن غير وجه حق مشروع. وبخاصّة أنّ روايات حديث الخلع الصحيحة تحدثت عن إعادة المهر الذي كانت أخذته لا عن أي شيء آخر، وسُنة الرسول صلى الله عليه وسلم مقدمةٌ على قول سواه. بل لقد ذهب الإمام مالك وغيره من العلماء إلى أن أخذ كل المهر ليس من مكارم الأخلاق، فكيف بما زاد عليه! ولعل هذا ما دعا بعض الدول لمنح القضاء صلاحية إلزام الزوج بالخلع مع رد المهر له في حال عدم اتفاق الطرفين على الحل، وإصرار المرأة على الخلع، وتعسف الزوج في رفض الخلع رغم بغض الزوجة له، كما هو الحال في القانونين المعدلين في كلٍ من مصر والأردن.

وقد تبين سالفاً وجود اختلاف في روايات الخلع حول الزيادة على الصداق. وهو ما كان له الأثر باختلاف الفقهاء حول حكم الزيادة. فقد سكتت بعض الروايات عن الأمر ولم تتطرق إليه بالذكر، وهي أصح الروايات، كما هو الحال في رواية البخاري التي اكتفت بذكر إعادة حديقته إليه وهي الصداق. وذهبت روايات ثانية عند غيره إلى القول بالزيادة وهي روايات ضعيفة لا تصح. بينما ذهبت روايات ثالثة بمنع الزيادة مطلقاً وهي في الغالب روايات مرسلة بيد أن روات بعضها ثقات. ومن المحققين من قال بأن هذه الإضافات على النص حول الزيادة لا تثبت لا في الطلب ولا في المنع.

وإذا كان جمهور الفقهاء أجازوا للمرأة أن تدفع أكثر مما أخذت إن كان ذلك بمحض رضاها واختيارها، فإنه يجاب على ذلك بأن تحقق الرضى في هذا الأمر لا يستقيم في الذهن ولا يصدقه الواقع. وإلا فكيف ستدفع المرأة فوق ما أخذت ثم تكون راضية! هذا في القياس محال. وهو ما يجعل الفريق الآخر يرجح منع الزيادة على كل حال، لمنع تعسف الأزواج في الخلع ومقدار البدل فيه، وبخاصّة أنّ عدم الزيادة هي صورة الخلع في عهد الوحي.

وقد قال ابن القيم([29]) بخصوص الصحابة والتابعين، بأن الآثار عنهم مختلفة، فمنهم من رُوي عنه تحريم الزيادة، ومنهم من رُوي عنه إباحتها، ومنهم من روي عنه كراهتها. أما أصحاب المذاهب، فقد أجازت جماهيرهم الخُلع بالصَداق كلِه وبأقلَ منه وأكثرَ منه، وإن كانت الزيادة غير مستحبة عند أكثر العلماء، وذهب الحنابلة إلى كراهة الزيادة على المهر أو أنه لا يستحب، وذهب الحنفية إلى كراهة الزيادة على المهر، ولكنهم أجازوه قضاءً رغم الكراهة ديانة([30]).

إلا أن هذا الأمر لا يجيب إجابة شافية على المسألة في حال عدم تراضيهما أو توافقهما على مقدارٍ محدد للبدل، حيث يطلب الزوج فوق المهر أو فوقه بكثير، بينما تصر الزوجة على أن لا تدفع فوق المهر، بل وقد لا تملك تلك الزيادة التي يتعسف بطلبها منها.

ولعل هذا ما جعل القانونيين المعاصرين في عدد من بلادنا يعتمدون قول الفريق الذي قال بإيقاع الخلع بالمهر من غير زيادة، حال عدم توافق الزوجين على مقدار البدل، كما هو الحال في القانون المصري والقانون الأردني. ولمناقشة هذه المسألة بشكل مفصل، لا بد من تتبع أقوال المفسرين في الآيات محل البحث، وتتبع أقوال العلماء وأدلتهم من مصادرهم الفقهية، وذلك لرسم صورة متكاملة عما تضمنته تلك الآيات بخصوص البدل، ثم لعرض أقوال العلماء ومناقشتها والترجيح بينها ما أمكن. وهي مسألة تحتاج إلى بحث خاص، لمعرفة تفاصيلها والترجيح بين أقوال العلماء بخصوصها.

ولإجمال الحديث في حكم الخلع، يتبين أن الحكم التكليفي للخلع يختلف بحسب سببه الداعي إليه، وحسب الحالة التي تكون عليها علاقة الزوجين؛ فحكم الخلع لسبب من شقاق وكره ونشوز، ليس كحكم الخلع من غير سبب والحال مستقرة بين الزوجين. وحكم الخلع الحاصل بطلب من المرأة وبسببها كبغضها لزوجها وخوفها ألا تؤديه حقه الذي افترضه الله عليها، ليس كحكم الخلع الناشئ عن عضل الرجل لزوجته ومضايقته لها لتفتدي منه. وحكم الخلع مع المرأة العفيفة ليس كحكم الخلع مع امرأة ارتكبت فاحشة الزنا. لذا، قيل بأن الخلع تعتريه الأحكام الخمسة من الوجوب والإباحة والكراهة والتحريم والندب بحسب السبب الداعي للخلع، فمن جهة الزوجة يكون مباحاً إذا قام سبب الخلع ويحرم عليها إن كان لغير سبب مطلقاً، ومن جهة الزوج يحرم عليه إذا عضلها لتختلع ويباح إجابته لها إذا كان البغض والنشوز من طرفها بل ويجب عليه ذلك حال تعذر إقامة حدود الله إلى درجة الخوف من الكفر أو الوقوع في الحرام وإصرارها على الفراق، ويكره لهما الخلع والأحوال ملتئمة وبإمكانهما تسوية الأمر بينهما، ويحل للمرأة طلب الخلع إذا ظهر في الرجل عيب يمنعها من الميل إليه والانسجام معه سواءً كان ذلك العيب خَلقياً أو خُلقياً أو أنها لم تحتمل سوء عشرته لها وطباعه معها رغم محاولتها ذلك أو أنها في النهاية خشيت الوقوع في إثم عدم الوفاء لحق الله تعالى في زوجها، كما يحل للزوج أخذ الفدية منها إذا كان النشوز منها من غير عضل متعمد منه أو إذا أتت بفاحشة مبينة([31]).

والذي يظهر للباحث أن الأصل في الخُلْع أنه إنما يجوز لحاجةٍ أي لسببٍ يدعو إليه، كما تشير الأحاديث وأقوال الفقهاء، لأنه طلاق، والطلاق إنما أُبيح لحاجة. والحاجة في الخُلع المباح إنما تتمثل في مخافة أن لا يقيما أو أحدهما ما أُمرا به([32]). فالذي تدل عليه النصوص هو مشروعية طلب المرأة الخلع إذا كرهت زوجها وخشيت ألا تقيم حدود الله معه بسبب تلك الكراهية. بينما يحرم سؤال المرأة الخلع من غير سبب، وذلك للحديث الصحيح "أيما امرأة سألت [زوجها] طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة"." لذا لا يمكن أن يكون الخلع من غير سبب على الإباحة ما دام يقوض عرى الزوجية المطلوبة شرعاً، وما دامت طالبتُه لا تجد ريح الجنة. ومع ذلك، فقد اختلف العلماء في إمضاء الخلع حال الوفاق واستقرار الزوجية ما بين قائل بمنعه، وقائل بجوازه مع الكراهة، وقائل بجوازه حتى من غير كراهة، ولكل فريق مستنده وحجته، والذي ذهب إليه الجمهور عدم توقف الخلع على وجود الشقاق، فإن الكراهة التي ذهب إليها فريق لا تعني المنع([33]).

وبالمجمل، فإن طلب الزوجة الخلع حال الوفاق بين الزوجين مكروه، لكنها لو فعلت صح الخُلع عند جمهور المذاهب الأربعة خلافاً للظاهرية وابن المنذر ورواية عن أحمد الذين قالوا بعدم جواز أخذ المال إلا بوجود الكراهية والشقاق، وهو ما روي معناه عن ابن عباس([34]). ثم إن الواقع ينفي سعي المرأة للخلع بمالها من غير بغض أو شقاق. إذ لا يعقل أن تسعى المرأة عن طيب خاطر إلى حل عرى الزوجية بمالها من غير سبب ملجئ. وقد يكون ثمة سبب لدى المرأة كي تخالع زوجها ولكن المرأة تفضل كتمان السبب. لذا قال ابن تيمية([35]) إذا كان كل من الزوجين مريداً لصاحبه فهذا الخلع مُحدَث. وقال ابن حزم([36]) ببطلان الخُلْع إذا حصل من غير وجود الخوف الوارد في الآية، فالخُلْع حال الوفاق بين الزوجين باطل وقول بلا برهان. وفي المغني([37]): قال ابن قدامة بأن كلام أحمد يَحتمل تحريم الخلع حال عدم الخصومة، وهو قول ابن المنذر وداود، ونَسب ابن المنذر معنى ذلك إلى ابن عباس. والذي رجحه الزيباري اشتراط وجود الكراهية منها لإباحة أخذ العوض([38]). لكن، وبالرغم من ذلك، فقد جاء في المغني([39]): لو خالعته والحال عامرة فيكره لها ذلك، فإن فعلت صح الخلع عند أكثر أهل العلم. وقال أيضاً: ذهب أكثر أهل العلم ومنهم أبو حنيفة والشافعي ومالك والثوري والأوزاعي إلى صحة الخلع مع التراضي بين الزوجين وإن كانت الحالة مستقيمة بينهما.

ومن العجيب أن يتمسك الجمهور بعموم عبارة "فيما افتدت به" للدلالة على جواز الخلع بما زاد عن المهر رغم الآثار والتفسيرات المعارضة، بينما لم يتمسكوا بالشرط الصريح في قوله تعالى: ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ[[229: البقرة]، فسمحوا بالخلع حتى حال الوفاق وعدم الشقاق. لذا رجح زيدان قول الحنابلة بكراهة الخلع حال الوفاق؛ لأن الآية ذكرت سبب الخُلْع فلا يمكن تجاوزه وأقل مراتب اعتباره إثبات الكراهة بفواته. وهنالك قول بتحريم الخُلْع لغير شقاق الزوجة وكراهتها لزوجها والخوف من عدم إقامة حدود الله تعالى، وذلك للتغليظ الوارد في الآية من تعدي حدود الله؛ ولأن الخُلْع من غير سبب يتضمن إضراراً بالزوجين والأولاد([40]). والذي يبدو للباحث هنا، استبعاد تصور طلب الخلع من غير سبب. فلا يُعقل أن تسعى المرأة إلى حَل عُرى الزوجية بمالٍ تدفعه من غير سبب ملجئ. فلا بد من وجود سبب، إنما قد تفضل المرأة إخفاءه وعدم ذكره للقضاء لأكثر من سبب. وأحسب أن هذا ما يمكن أن يوفق بين الحديث وأقوال الفقهاء. وإلا فلا يُعقل أن ينص الحديث صراحة على حرمة طلب الخلع من غير سبب، ثم يقول بعض الفقهاء الأكابر بجواز ذلك حتى من غير كراهة مطلقاً.

والأصل كذلك أن يكون الكره من غير عضلٍ يمارسه الزوج لإرغامها على طلب الخلع. وهو ما أكدته كتب التفسير وأقوال الفقهاء([41]). وفي المفصل: كراهة الزوج لزوجته ورغبته في مفارقتها والزواج من غيرها تظهر في تصرفاته معها، كأن لا يوفيها حقها في الوطء أو لا يحسن معاشرتها، وهو ما يحملها على طلب الخُلع على مال تبذله له وهو ما يريده الزوج. فالآية تحذره من ذلك وتحرم عليه أخذ شيء من مالها بهذا الأسلوب، وحتى وإن كان سلوكه هذا أدنى من درجة العضل، فهو سلوك يؤذي الزوجة وقد يدفعها للافتداء منه بمالها، فيكون البذل بحقها جائزاً لكن الأخذ يبقى بحقه محظوراً كما في حالة العضل. وقد ورد النهي عن العضل في قوله تعالى: ]وَلاَ تَعْضُـلُوهُنَّ لِتَذْهَبُـواْ بِبَعْـضِ مَـا آتَيْتُمُوهُنَّ[ [19: النساء]. والعضل هو الحبس والتضييق والمنع والتشديد والإضرار، وقد يكون ذلك لحمل المرأة كرهاً على ترك صداقها أو بعضه لزوجها لقاء طلاقه لها مع أنه هو الكاره لعشرتها كما قالت التفاسير.

ولكن هل يحرم البذل والأخذ في حالة العضل؟ يستفاد من الآية أنه يحرم على الزوج العضل لأجل الفداء، وإذا حرم العضل فقد حرم عليه أخذ ما تبذله المرأة بسببه. أما الزوجة، فالذي يظهر عدم الحرمة عليها؛ لأنها مُكْرَهة وفي حكم المحتاج أو المضطر للخلاص، ومعلوم أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة. وبالرجوع إلى كتب المذاهب الفقهية، نجد التوافق على حرمة العضل لإرغام الزوجة على الخلع، رغم وجود تباين فيما يترتب على هذا العضل من آثار. فإذا أُكرهت الزوجة على الخلع لم يلزمها دفع مالٍ قولاً واحداً؛ لأن الالتزام بالمال مع الإكراه غير صحيح بالاتفاق. أما ترتيب الطلاق على ذلك فمحل اختلاف بين الفقهاء. حيث ذهب الجمهور إلى أن الخلع باطل وأن العوض مردود وأن الذي يقع به هو طلاقٌ وليس خُلعاً، في حين قال الحنفية بأن العضل حرامٌ والبدل لا يطيب للزوج العاضل إنما الأخذ مكروهٌ كراهةً تحريميةً تستوجب العقاب، إلا أن ذلك لا يُفسد الخُلع ذاته فيجوز قضاءً رغم أنه تَملك البدلَ بسببٍ خبيثٍ محرم، وذلك على مذهبهم في التفريق بين الحكم ديانةً وقضاءً([42]).

المبحث الرابع

 صاحب الحق في الخُلع

أولاً: الزوجة صاحبة الحق بطلب الخُلع.

يتضح بشكل جلي من خلال النصوص ذات الصلة بالخلع، أن المرأة هي التي تبادر بطلب الخلع؛ ذلك أنها هي التي كرهت زوجها وتخشى أن لا تقيم حدود الله تعالى معه، فتسعى للافتداء منه بما تبذله له من مهرها. ففي الآية الكريمة: ]فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[ [229: البقرة]، هي التي تفتدي، وهي صاحبة الإيجاب. وفي الحديث الشريف أن امرأة ثابت بن قيس هي التي أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي زوجها وتطلب فراقه. وكما أوردت سابقاً في البحث، فإن الخلع فرقة بيد الزوجة إذا كرهت زوجها، في مقابل الطلاق الذي هو فرقة بيد الزوج إذا كره زوجته. لكن قوانين الأحوال الشخصية التي اعتبرت الطلاق فرقة بإرادة واحدة من الزوج، قد اعتبرت الخلع فرقة بإرادة مشتركة من الزوجين تتوقف على الإيجاب والقبول كأي عقد معاوضة، وهذا يُعلق الخلع على موافقة الزوج، مما يجعل الخلع والطلاق وجهين لعملة واحدة، وهو ما يحرم المرأة هذا الحق قانونياً ويجعلها معلقة بإرادة الزوج وموافقته، إلا في القوانين التي جعلت للقاضي صلاحية إيقاع الخلع إن تعذر الصلح حتى لو رفض الزوج ذلك.

ثانياً: حُكم إجابة الزوج طلب الزوجة الخُلع([43])

على ضوء ذلك، ولما كانت المرأة هي التي تطلب الخلع، ولما كان الطلب وحده لا يفي بالغرض لتوقف القرار النهائي على كلمة الزوج، فقد لزم البحث في حكم إجابة الزوج طلب زوجته الخلع، وهل يجب عليه الموافقة على طلبها أم أنه يملك كامل الحق لرفض طلبها مهما كانت المبررات لكلٍ منهما؟

من خلال البحث والتقصي، يتبين للباحث أن الفقهاء اختلفوا في حكم إجابة الزوج لطلب الزوجة على مذهبين: الأول وهو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم، كما في مجمل كتب أئمة الفقه والمذاهب، من أنه لا يجب على الزوج إجابة طلبها إنما يندب له ذلك، والثاني وهو الذي ذهب إليه الشوكاني وآخرون من وجوب إجابة الزوج لطلب الزوجة؛ لأنه لا يوجد ما يصرف أمر النبي عليه السلام عن الوجوب إلى الندب وسواه، في حين قال ابن حجر بأنه أمر إرشاد وإصلاح لا أمر إيجاب. فقد قال ابن تيمية: إذا كان الزوج محسناً لعشرتها وطلبت منه الفرقة، فالأمر إليه، فإن فعل، وإلا أُمرت بالصبر، ولا مجال لإكراهه على الخلع. وقال الزحيلي: يُسن للرجل إجابة المرأة للخُلع إن طلبته، إلا أن يكون للزوج ميل ومحبة لها فيُستحب صبرها وعدم افتدائها. وقال زيدان: يُستحب للزوج موافقة الزوجة على طلبها إذا رأى منها صدق الطلب وعزمها على الخلع؛ لأن ذلك يدل على كراهيتها له. لكنه إذا تعلق بها يُستحب لها الصبر على المقام معه، لكن ذلك غير واجب عليها بل يبقى من المباح لها طلب الخُلْع ولا تتحول الإباحة إلى الكراهة. بيد أن الزيباري، رجح وجوب إجابتها إذا أصرت على الخلع وتعذر التوفيق بينهما، فأمر النبي لثابت بن قيس كان للوجوب لأن من القواعد الأصولية أن الأمر للوجوب ما لم يكن هناك صارف يصرفه عن حقيقته. ومعلوم أن ثابتاً كان يحب زوجته فلو كان أمر النبي له ليس للوجوب لراجع الرسول في الأمر. فهذا العبد مغيث زوج بريرة كان يطوف خلف بريرة ودموعه تسيل على لحيته، فقال لها النبي يا بريرة لو راجعتيه؟ فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ فقال إنما أنا أشفع، فقالت: فلا حاجة لي فيه. وبهذا يتضح أن الصحابة كانوا يفرقون بين الأمر للوجوب أو للإرشاد. فهنا قال لها النبي لو راجعتيه، بينما في حكايتنا قال النبي لثابت طلقها بصيغة الأمر الواضحة التي لم تترك له مجالاً للتردد.

والذي يراه الباحث أن القول الأول لا يعالج المشكلة في حال كانت المرأة مصرة على الخُلع لبغض ونحوه بينما الزوج مصر على رفض طلبها، وربما كان رفض الزوج ليس عن محبة تدفعه للتمسك بزوجته، إنما هو نوع عضل وتعسف لحمل المرأة على دفع بدل كبير يزيد عن مقدار الصداق، أو أنه نوع انتقام منها أو من أهلها، فلا هو أمسكها وعاشرها بمعروف، ولا هو سرحها بإحسان، ولا هو حفظ الفضل الذي أمر الله الأزواج بحفظه. وبخاصة، أنّ عامة الفقهاء ربطوا الخلع بموافقة الزوج، وحتى من غير صلاحية خاصة للقاضي والمحكمة مهما تعسف الزوج في استعمال هذا الحق المفترض، مما جعل الخلع والطلاق وجهين لعملة واحدة، وفق المعمول به في أغلب القوانين المطبقة في المحاكم الشرعية، كما سيأتي. وهو الذي يوفر الغطاء لكثير من التجاوزات والتعديات، في معارضة صريحة لقول الله تعالى: ]تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا[[229: البقرة]، ولقوله تعالى: ]وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ[[237: البقرة]، وفي صرفٍ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، خُذ الحديقة وطلقها، إلى مجرد الإرشاد دون مستندٍ شرعيٍ صريحٍ يُبرر هذا الصرف الذي أفقدَ أمرَ النبيِ عليه السلام قوةَ فعلهِ وسُلطانِه. وحتى لو كان الزوج يحب زوجته ولدَيْهِ رغبةٌ بالتمسك بها، فإن هذا لا يبرر رفض طلبها ما دامت كارهةً لزوجها ومصرةً على فراقه رغم محاولات الإصلاح بينهما. ففي حديث الخلع الصحيح أمر النبيُ صلى الله عليه وسلم ثابتَ بن قيس بتطليق زوجته حتى دون أن يسأله إن كان يحبها ويرغب بالتمسك بها. كما يُمكن الاستئناس هنا بحديث فراق بريرة لزوجها وقد أُعتقت وبقي زوجها عبداً وكان يحبها ويمشي خلفها باكياً، ومع ذلك أصرت على حقها بالفراق رغم محبته لها ورغم العديد من الشفاعات كي تعود إليه، وقول الرسول لها "إنما أنا شافع" أي إنه لم يأمرها بخلاف رغبتها إنما ترك الأمر لها.

ثالثاً: دَوْرُ السلطانِ في الخُلع عند الفقهاء

اختلف العلماء حول دور السلطان في الخلع، فأجاز جمهورهم الخلع دون إذن السلطان، بينما اشترط فريق منهم إذن السلطان في الخلع. ففي صحيح البخاري: أجاز عمر الخُلْع دون السلطان. وفي فتح الباري: أي بغير إذنه([44]). وبذلك قال جمهور الفقهاء. وفي المدونة الكبرى لمالك([45]): يجوز الخلع عند غير السلطان. وفي الشرح الكبير للدردير: جاز الخُلْع حال كونه بحاكم أو بلا حاكم. وفي تكملة المجموع([46]): ذهب مجموعة من السلف منهم علي وعمر وابن عمر وشريح وطاوس والزهري إلى عدم افتقاره إلى الحاكم ووافقهم فقهاء الأمصار من الخلف. وفي الحاوي الكبير للماوردي([47]): الخلع جائز عند السلطان ودون السلطان إذا تراضى الزوجان به، وقد نص الشافعي على ذلك في الأم([48])، فليس حضور السلطان ولا إذنه شرطاً فيه، وفي المغني([49]): لا يفتقر الخُلْع إلى حاكم، نص عليه أحمد فقال يجوز الخلع دون السلطان. وبه قال شريح والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وفي البدائع([50]): حضرة السلطان ليست شرطاً لصحة الخلع عند عامة العلماء فيجوز عند غير السلطان، وروي أن عمر وعثمان وابن عمر جوزوا الخلع دون السلطان، وفي المبسوط([51]): الخلع جائز عند السلطان وغيره ولا معنى لاشتراط حضرة السلطان.

ولكن حُكي عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين أن الخلع لا يصح إلا بالسلطان، أي إن إذن السلطان شرط لصحة الخلع، ولا يكون الخلع إلا عند السلطان. وفي تفسير الطبري: عن الضحاك: ما معناه أنه إن لم يُفلح الصلح فللسلطان أن يأمر بالخلع. وفي أحكام القرآن للجصاص: عن سعيد بن جبير مثل ذلك. وفي تكملة المجموع: ذهب الحسن وابن سيرين وابن جبير إلى افتقاره إلى الحاكم. وفي تفسير القرطبي: أن الحسن أخذ القول بالخُلع إلى السلطان عن زياد وكان والياً لعمر وعلي([52]).

وحجة الجمهور في عدم اشتراط إذن السلطان([53]): أن المخالعة إنهاءُ عقدٍ بالتراضي بين الزوجين فلا يشترط له إذن السلطان كما هو الحال في سائر العقود. ثم إن الله تعالى أجاز النكاح والطلاق من دون إذن الولاة وكذلك الخُلْع يجوز من غير توقف على إذنهم، فهو عقد معاوضة يتعلق بطرفي العقد ولا يفتقر إلى الحاكم. وكذا لعموم قوله تعالى:] فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[[229: البقرة] والذي لم يرد ما يقيده بالسلطان، فالله تعالى أباح للزوجين الخُلْع بتراضيهما بهذا النص دون إذن السلطان فكيف نقيده بإذن السلطان! لذا جاء في الأم: تجوز الفدية عند السلطان ودونه كما يجوز الطلاق عند السلطان ودونه.

أما المشترطون لإذن السلطان، فحجتهم([54]) أن الآية ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ[[229: البقرة] قد جعلت الخوف لغير الزوجين، فالخطاب في الآية موجه للسلطان ولم تقل "فإن خافا". وفي هذا حجة لمن جعل الخُلْع إلى السلطان. فالخطاب للحكام وإسناد الأخذ والإيتاء إليهم لأنهم الآمرون بذلك عند الترافع إليهم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم هو من تولى خلع حبيبة حين أمر ثابتاً بتطليقها، ومثل ذلك حادثة الخلع مع عمر ومع عثمان.

إلا أن الجمهور([55])، قد عدوا اشتراط السلطان في الخلع قولاً شاذاً مخالفاً لما عليه الجمع الغفير، وقالوا بأن الخوف الوارد في الآية أصلاً إنما جاء من باب الغالب وليس بشرطٍ، سواءً قيل هو خطاب للزوجين أو للولاة، وأما قول النبي عليه الصلاة والسلام: "اقبل الحديقة وطلقها" فعده الجمهور أمر إرشاد وإصلاح لا أمر إيجاب، أي إن ذلك وقع على سبيل الإرشاد رفقاً بها. ثم إن قوله تعالى "فإن خفتم" إنما هو لتمكين الزوجين من الخُلْع وليس لاشتراط إذن الحكام. وقد رد الطحاوي اشتراط إذن السلطان واعتبره شاذاً مخالفاً لما عليه الجمع الغفير. فحسب الجمهور: لا معنى لاشتراط إذن الحكام، لأن الرجل إذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيان به ولا يجبره السلطان عليه، ولأن ذلك لا يوجبه الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، وبخاصّة مع قراءة "يخافا" بفتح الياء للدلالة على الزوجين اللذيْن يخافا "أن لا يُقيما حدود الله". وحتى لو توجه الخطاب للحكام في الآية، فإن ذلك لا ينفي جواز الخلع من غير الحكام. وكما قال ابن حزم([56]) فإن الخلع يقع بتراضي الزوجين ولا مجال لأحد كي يجبر الزوج أو الزوجة عليه. وفي المفصل([57])، رجح زيدان جواز الخُلْع بتراضي الزوجين دون حاجة إلى إذن السلطان أو القاضي لضعف حجة المشترطين لإذنه. وفي زاد المعاد([58]): أورد ابن القيم الموضوع تحت عنوان "حكم الرسول بين الزوجين يقع الشقاق بينهما، وحكم الرسول في الخلع"، مورداً ما قاله الرسول: خذ الذي لك وخل سبيلها، وأمره لها أن تتربص بحيضة وتلحق بأهلها، وكذلك مورداً تعقيب ثابت بن قيس: "قد قبلت قضاء رسول الله". فتضمن ذلك عدة أحكام منها جواز الخلع بالسلطان وغيره وهو الذي عليه الأئمة الأربعة والجمهور، خلافاً لطائفة منعته دون إذن السلطان. وفي الفقه الإسلامي وأدلته([59]): أمرها النبي أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب برد بستانه الذي أمهرها إياه. فالخلع لا يفتقر إلى حاكمٍ أو قاضٍ، لأنه قطع عقد بالتراضي فأشبه الإقالة.

بيد أن فريقاً من العلماء لم يقبل هذا التأويل الصارف للنصوص عن ظاهرها. ففي سبل السلام: قيل بأن أمر النبي لثابت بتطليق زوجته هو أمر إرشاد لا إيجاب. والظاهر بقاؤه على أصله من الإيجاب. ويدل لذلك قوله تعالى: ]فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ[[229: لبقرة] حيث يجب عليه أحد الأمرين وهنا قد تعذر عليه الإمساك بمعروف لطلبها الفراق فيتعين عليه التسريح بإحسان. وفي نيل الأوطار: أن صاحب الفتح قال في "اقبل الحديقة وطلقها" هذا أمر إرشاد وإصلاح لا إيجاب، ولم يذكر صاحب الفتح ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته. وقد سعى الزيباري للتوفيق بين الرأيين، بجعله الخلع الناتج عن تراض منهما من غير سلطان، بينما اشترط السلطان للخلع الناتج عن حالة خصام وشقاق وذلك لقطع الخصومة بينهما ولإنصاف المظلوم.

والذي يراه الباحث أن إذن السلطان، وإن لم يكن شرطاً لصحة الخُلع عند الجمهور بوصفه عقداً يقع عندهم بتراضي الطرفين كسائر العقود من غير توقفٍ على موافقة السلطان وعلمه، إلا أن دور السلطان تزداد أهميته في أيامنا هذه وعند خلاف الزوجين حوله بصورة خاصة، وهو ما يستدعي إعادة النظر في الترجيحات المعمول بها، وذلك لجملة أمور منها:

- ضرورة سعي القضاة للصلح قبل اللجوء للخلع وهو ما يحتاج إلى إشراك المحكمة في أمر الخلع، وبخاصّة أنّ الصلح وإرسال الحكمين لذلك ليس بدعاً بل هو مما نصت عليه آيات الكتاب المبين والسنة المطهرة وفعل الصحابة الكرام.

- ضرورة تدوين الخلع للحيلولة دون الخلاف لاحقاً بين الزوجين وما قد يرافقه من ضياع للحقوق، في ظل ازدياد جرأة الناس على أكل الحرام وتعدي حدود الله تعالى في أمر الأموال والحقوق. بل إن الخلاف في الخلع بين الزوجين أمر معهود حتى في القرون السابقة مما دفع العلماء للتصنيف في هذا الشأن ضمن أبواب الخلع سواء في الخلاف حول إيقاعه ابتداءً، أو حول مقدار العوض وجنسه وسائر متعلقاته ([60]). ومعلوم أن التدوين إنما يكون عند السلطان.

- استدل النافون لدور السلطان لرأيهم بالقياس على سائر العقود التي لا دور للسلطان فيها وبضمن ذلك الزواج والطلاق. لكن المعلوم اليوم أن هذه العقود لا تكون إلا عند السلطان أو من ينيبه لحفظ الحقوق وقطع الخصومة، إلى درجة معاقبة من يخالف ذلك كما في الزواج، وإلى درجة عدم الاعتداد ببعض التعاقدات إذا لم تسجل لدى السلطان حسب الأصول، وهو الذي يمكن سحبه على الخلع للأسباب ذاتها.

- إذا كان جمهور العلماء قد قال بعدم اشتراط إذن السلطان لصحة الخلع، فإن هذا يعني عدم توقف الخلع على موافقة السلطان، ولا يعني نفي كل دور للسلطان.

- إذا كان بالإمكان الاستغناء عن السلطان حال توافق الزوجين على الخلع وبدله، فمن سيفصل بين الزوجين حال اختلافهما؟ وبخاصّة أنّ الخلاف قد لا يكون على البدل فحسب، إنما على حصول المخالعة ذاتها. فقد تطلب المرأة الخلع وتبدي استعدادها لدفع البدل لتفتدي نفسها من زواج لا ترغب فيه وتتضرر من استمراره، إلا أن زوجها يصر على رفض طلبها، بل وربما يتعسف في قيمة البدل الذي يريده حتى يلبي لها طلبها بالخلع. فلا هي تملك ذلك البدل، ولا هو يتوقف عن ابتزازه لها، ولا هي راغبة في العيش معه، وهو ما يحول حياتها إلى معاناة لا تطاق. لمثل هذه الحالة ألا يصح منح السلطان حق التدخل لإمضاء الخلع؟ أعني أنه لا كبير أثر للخلاف حول دور السلطان حال توافق الزوجين على الخلع، إنما يبرز دور السلطان حال خلافهما في إيقاع الخلع أو خلافهما في مقدار البدل. بهذا الخصوص، قال الخشت([61]): يتم الخلع بين الزوجين برضاهما ولا يستلزم ذلك حكماً قضائياً، أما في حالة عدم موافقة الزوج على الخلع فللزوجة ان تلجأ إلى القضاء الذي من واجبه إعطاء الزوجة حقها في الخلع حتى تحفظ حدود الله تعالى ولا تتعداها. وقال سيد سابق([62]): الخلع يكون بتراضي الزوجين عليه، فإذا لم يتم التراضي فللقاضي إلزام الزوج بالخلع، ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ألزم ثابتاً بأن يقبل الحديقة ويطلق. وهو يشير في ذلك إلى حديث الباب: "خذ الحديقة وطلقها".

- هنالك أمور إذا سويت فإن من شأنها معالجة الكثير من الحالات العالقة في المحاكم بين الأزواج: منها مقدار البدل وسقفه الأعلى بما يمنع ابتزاز الرجال لزوجاتهم وهذا يحصل في حال ترجيح القول بمنع زيادة البدل عن المهر أو في حال إعطاء الحق للمحكمة للتدخل في منع الزوج من التعسف في مطالبه. ومنها ترجيح أن صاحب الحق في الخلع هو الزوجة وليس الزوج كونها هي المتضررة المفتدية وكون الخلع من حقها في مقابل حق الزوج في الطلاق. ذلك أن جعل الخلع بيد الرجل يحرم المرأة حقاً منحها إياه الشارع ويجعل الأمرين بيد الرجل وهما الخلع والطلاق، وهو ما يتعارض مع سبب وحكمة تشريع الخلع المختلفة عن سبب وحكمة تشريع الطلاق، فلا يصح بالتالي التسوية بينهما.

- لا مجال لتجاهل أحاديث صريحة في الباب نصت حرفياً على حق المرأة والسلطان من خلال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لثابت بتطليق زوجته وأخذ حديقته منها، عندما جاءت زوجته تشكوه إلى الرسول. ففي الحديث لم يفاوض الرسول زوجها لا حول إيقاع الخلع ولا حول البدل، إنما أمره أن يأخذ حديقته التي كان أعطاها لها مهراً وأمره بتطليقها. وهو ما التزم الصحابي به من غير اعتراض. ونحن لسنا بحاجة إلى التأويلات التي حملت أمر الرسول هذا على النصح والإرشاد لعدم الحاجة إلى التأويل، بل وربما كان تفسير الأمر على أن النبي تصرف من باب كونه سلطاناً وقاضياً هو الأقرب لفهم الواقعة، وهو الأليق بدور رسول الله بدلاً من صرفها عن حقيقتها إلى مجرد الإرشاد وما يعنيه ذلك من تفريغ أمر النبي وخطابه من سلطته وسلطانه. وبالتالي، فإنه لا مجال لقبول وترجيح القول: "إذا كان الزوج محسناً لعشرتها وطلبت منه الفرقة، فالأمر إليه، فإن فعل، وإلا أُمرت بالصبر، ولا مجال لإكراهه على الخلع"([63]). لأن هكذا رأي يلغي حق المرأة من جهة أولى، ويعطل دور السلطان من جهة ثانية، ويتيح الفرصة لتعسف الزوج من جهة ثالثة، فضلاً عن معارضته لسبب وحكمة تشريع الخلع من جهة رابعة، بل ويعطل أية إمكانية لتطبيق الخلع وفق صورته التي وردت في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة، والله تعالى أجل وأعلى وأعلم.

- لا يحل لأحد تجاوز حدود الله، لقوله تعالى: ]تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[[229: البقرة]. أي إن هذه الشرائع التي شرعها الله لكم هي حدوده فلا تتجاوزوها، وفي التأويلات الصارفة للنصوص عن حقيقتها قد يقع تجاوز لتلك الحدود وتعطيل لها([64]).

رابعاً: الخُلع في قانون الأحوال الشخصية

من المعلوم أن الأراضي الفلسطينية لم تستقل بوضع قانون خاص بها للأحوال الشخصية حتى كتابة هذا البحث. إنما هي تعتمد قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 61 لسنة 1976، وهو ما يستلزم الاطلاع عليه لمعرفة المعمول به في المحاكم الفلسطينية. فقد عالج هذا القانون المسألة في الفصل الحادي عشر بعنوان "الخلع" من المادة 102 وحتى المادة 112. فالمادة 102 تشترط لصحة الخلع أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق وأن تكون الزوجة محلاً لذلك. وإذا بطل البدل وقع الطلاق رجعياً ولا يجب البدل. والمادة 103 جعلت الحق لكلٍ من الطرفين بالرجوع عن إيجابه قبل قبول الآخر. والمادة 104 تنص على أن كل ما يصح التزامه شرعاً يصلح أن يكون بدلاً في الخلع. والمادة 105 تنص على أنه إذا كانت المخالعة على مال غير المهر لزم أداؤه وبرئت ذمة المتخالعين من كل حق يتعلق بالمهر ونفقة الزوجية. والمادة 106 تنص على أنه في حال عدم تسمية المتخالعين للبدل وقت الخلع برئ كل منهما من حقوق الآخر المتعلقة بالمهر والنفقة الزوجية. والمادة 107 نصت على أن تصريح المتخالعين بنفي البدل يجعل ذلك طلاقاً رجعياً. وفي المادة 108 لا تسقط نفقة العدة إلا إذا نُص على ذلك صراحةً في عقد الخلع. وأما المواد 109–112 فهي في الحضانة وأجرة الرضاع في الخلع. أما التفريق للنزاع والشقاق، فتعالجها فقرات المادة 132، والتي منها: "إذا عجز الحكمان عن الإصلاح وظهر لهما أن الإساءة جميعها من الزوجة، قررا التفريق بينهما على العوض الذي يريانه على أن لا يقل عن المهر وتوابعه، وإذا كانت الإساءة كلها من الزوج قررا التفريق بينهما بطلقة بائنة على أن للزوجة أن تطالبه بسائر حقوقها الزوجية كما لو طلقها بنفسه".

ومن خلال الفحص يتبين عدم فاعلية هذه المواد في معالجة الخلع حال الخصومة وعدم اتفاق الزوجين على حلٍ معينٍ وإصرار الزوج على رفض طلب المرأة الخلع. لذا يتم تناول المسألة ومعالجتها في المحاكم الشرعية بطرق أخرى. من ذلك معالجتها من خلال مواد "الشقاق والنزاع" أو من خلال الطلاق مقابل إبراء الذمة. ذلك أن مواد الخلع لم تتحدث عن حق المرأة ولا المحكمة في إيقاع الخلع، واكتفت بالقول بأنه يُشترط لصحة الخلع أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق وأن تكون المرأة محلاً لذلك. أي إن الحديث هنا عن (طلاقٍ) صادرٍ عن رجلٍ يملك إيقاع الطلاق. فإذا ما رفض الرجل إيقاع (الطلاق)، فإن أحداً لا يملك إجباره على ذلك، وتبقى المرأة معلقة بزوج لا تريده. والحل في هذه الحالة أن تخضع الزوجة وأهلها لمطالب الزوج وشروطه المالية الصعبة التي قد تفوق ما دفعه من مهر ونفقات، مع إعلان تنازلها عن أي حق مالي لها عليه فيما يُعرف بالطلاق مقابل إبراء الذمة. أي إن هذه المواد القانونية تعمل إذا جاء الزوجان إلى المحكمة متفقين على الخلع ويكون دور المحكمة توثيق اتفاقهما لا غير، فإذا تعسف الزوج صاحب حق النقض في المسألة، فإن القضية تبقى عالقة من غير حل بانتظار تنازل آخر من الزوجة وأهلها يُرضي الزوج ويقنعه بإيقاع الطلاق.

لكن، ومنذ فترة يجري الحديث عن مشروع قانون جديد للأحوال الشخصية الفلسطيني. وإنما أعاق مناقشته وإقراره ما تمر به الأراضي الفلسطينية في ظل اعتقال الاحتلال للعشرات من نواب المجلس التشريعي صاحب الصلاحية بسن التشريعات، وحالة الانقسام السياسي الفلسطيني التي تحول دون التوافق على انعقاد المجلس فضلاً عن التوافق على مناقشة وإقرار تشريعات أول ما تتطلبه توفر حالة الانسجام والتوافق الداخلي. ولا مانع من الاطلاع على هذا المشروع المقترح للاستئناس بما ورد فيه من توجهات، ما دام لم يُعتمد من جهات الاختصاص حتى كتابة هذا البحث وربما يجري عليه تعديل في القراءات القانونية. فقد جاءت في هذا المشروع المواد من 182 وحتى 189 مخصصة للخلع وأحكامه. حيث تنص المادة 184: "إذا لم يتراض الزوجان على الخلع، ورفض الزوج الاستجابة لطلب زوجته بالخلع، فللقاضي أن يحكم لها بذلك إذا اقتنع بوجود خلاف بينهما أو سبب تستحيل معه الحياة الزوجية". وهذا هو التوجه الجديد الصريح في تفعيل أحكام الخلع بوصفه حقاً للمرأة لا ينبغي توقفه على موافقة الزوج. وفي المادة 186: "بدل الخلع مال يتم الاتفاق عليه بين الزوجين، فإن لم يتفقا على شيء، يحكم القاضي بقيمة ما بذله الزوج لها وقت العقد...". وهذا توجه جلي آخر في اعتبار البدل في الخلع إنما هو ما كان أصدقها إياه، وذلك حال عدم اتفاقهما على مقدارٍ للبدل، أما إن اتفقا بالتراضي على أي مقدارٍ للبدل فيصح ذلك منهما لأن الاتفاق سيد الأحكام.

ولعل واضعي هذا المشروع وجدوا حافزاً للقيام بهذه التعديلات من خلال الحاجة الملحة التي لمسوها في المحاكم، ومن خلال التعديلات التي أُدخلت على قوانين الأحوال الشخصية في كل من مصر والأردن. فقد تم القيام بتعديلات في البلدين تقنن الخلع بشكلٍ عمليٍ يعطي للقضاء صلاحياتٍ للبت في الموضوع في حال تعذر التوفيق بين الزوجين على أي حل بالتراضي. لذا كان لا بد من استعراض تلك التعديلات في كلٍ من مصرَ والأردن.

حيث يتضح من خلال القانون الأردني المعدل([65])، وجود توجه جديد يُفعل دور القضاء (أي السلطان) من خلال منح القضاء صلاحية إيقاع الخلع في حال استحالة الصلح بين الزوجين وإصرار الزوج على رفض الاستجابة لطلب المرأة بالخلع. كما يتضح توجه القانون الجديد لجعل البدل إنما يتمثل فيما كان الزوج قد دفعه لزوجته من صداق، وذلك في حال كان الحُكم للقضاء ولم ينجح الزوجان في الاتفاق على مقدار محدد للخلع. يتضح ذلك جلياً من خلال الفقرة (ب) والفقرة (ج) من المادة (6) في القانون. ففي الفقرة (ب): "للزوجة قبل الدخول أو الخلوة أن تطلب إلى القاضي التفريق بينها وبين زوجها إذا استعدت لإعادة ما استلمته من مهرها وما تكلف به الزوج من نفقات الزواج، وللزوج الخيار بين أخذها عيناً أو نقداً، وإذا امتنع الزوج عن تطليقها يحكم القاضي بفسخ العقد بعد ضمان إعادة المهر والنفقات." وفي الفقرة (ج): "للزوجين بعد الدخول أو الخلوة أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلب الخلع مبينة بإقرار صريح منها أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى أن لا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض وافتدت نفسها بالتنازل عن جميع حقوقها الزوجية وخالعت زوجها وردت عليه الصداق الذي استلمته منه، حاولت المحكمة الصلح بين الزوجين، فإن لم تستطع أرسلت حكمين لموالاة مساعي الصلح بينهما خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً فإن لم يتم الصلح حكمت المحكمة بتطليقها عليه بائناً."

وكذا الحال بخصوص القانون المصري المعدل([66])، حيث تضمنت التعديلات وفق ما ورد في قانون رقم (1) لسنة 2000، توجهات صريحة نحو منح القضاء صلاحية إيقاع الخلع بعد فشل الصلح بين الزوجين، فضلاً عن جعل البدل محدداً بمقدار المهر في حال عدم التوافق بين الزوجين على بدل محدد.

ففي المادة (20): "للزوجين أن يتراضيا فيما بينهما على الخلع، فإن لم يتراضيا عليه وأقامت الزوجة دعواها بطلبه وافتدت نفسها وخالعت زوجها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية الشرعية وردت عليه الصداق الذي أعطاه لها، حكمت المحكمة بتطليقها عليه. ولا تحكم المحكمة بالتطليق للخلع إلا بعد محاولة الصلح بين الزوجين... وبعد أن تقرر الزوجة صراحة أنها تبغض الحياة مع زوجها وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله بسبب هذا البغض...".

وخلاصة الأمر في القانون الأردني، والقانون المصري، وفي مشروع القانون الفلسطيني، أنه تم منح القضاء صلاحية إيقاع الخلع حتى لو لم يكن ذلك بموافقة الزوج ما دامت المرأة مصرة عليه. كما أن بدل الخلع هنا إذا لم يكن بالتوافق بين الزوجين فإن القاضي يحدده بالمهر. ثم إن القاضي لا يحكم بالخلع إلا بعد محاولة الإصلاح بين الزوجين.

الخاتمة

ناقش هذا البحث مشروعية الخُلع وصاحب الحق فيه وفق ما ورد في الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء، ووفق المعمول به في القضاء.

فبخصوص مشروعية الخُلع وحِكمة تشريعه، تَبيَّن أن الشارع الحكيم إنما شرع الخُلع للزوجة الكارهة لزوجها في مقابل تشريعه الطلاقَ للزوج الكاره لزوجته. فمن مظاهر عدل الله تعالى أنه لما جعل الطلاق للرجل، فقد شرع الفداء للزوجة؛ لأنه إذا كانت المرأة هي المتضررة من استمرار الزواج، وهي الراغبة في المفارقة، فليس الطلاق منقذاً لها لأن أمر الطلاق ليس بيدها. وبخاصّة أن تشريع الخُلع إنما كان لإزالة الضرر الذي يلحق بالمرأة في المقام الأول.

وقد ثبتت مشروعية الخلع بكل من الكتاب والسنة، فضلاً عن الإجماع والمعقول. أما الحكم التكليفي التفصيلي للخلع فيختلف حسب سببه الداعي إليه، وحسب الحالة التي تكون عليها علاقة الزوجين. لذا، قيل بأن الخُلع تعتريه الأحكام الخمسة من الوجوب والإباحة والكراهة والتحريم والندب حسب السبب الداعي إليه. والذي يظهر أن الأصل هو الحفاظ على رابطة الزوجية وعدم فضّها بالخُلع أو الطلاق إلا لحاجةٍ تبرر ذلك كما تشير الآيات والأحاديث وأقوال العلماء. والأصل كذلك أن يكون الخُلع من غير عضلٍ يمارسه الزوج لإرغام الزوجة على طلب الخلع، وإلا كان متعدياً وآكلاً لمالِها بالباطل.

وبخصوص صاحب الحق في الخُلع فَمِنَ المُسَلَّم أن الزوجة هي التي تملك طلب الخلع، وأن الزوج يستجيب لطلبها بما يتفقان عليه من بدل. لكن الفقهاء اختلفوا في حكم إجابة الزوج لطلب الزوجة على مذهبين: الأول وهو الذي ذهب إليه الكثير من أهل العلم، من أنه لا يجب على الزوج إجابة طلبها إنما يُندَبُ له ذلك، والثاني وهو الذي ذهب إليه فريقٌ من العلماء كالشوكاني وآخرين من وجوب إجابة الزوج لطلب الزوجة إذا أصرت على الخُلع وتعذر التوفيق بينهما. كما اختلف العلماء حول دور السلطان في الخُلع، فأجاز الجمهور الخُلع عند السلطان ودون السلطان إذا تراضا الزوجان به، فليس حضور السلطان ولا إذنه شرطاً فيه، بينما اشترط فريقٌ إذن السلطان.

والذي يراه الباحث أن الرأي السائد وفق القول الأول لا يعالج المشكلة في حال كانت المرأة مصرة على الخُلع لبُغضٍ ونحوه بينما الزوج مصرٌ على رفض طلبها، وربما كان رفض الزوج ليس عن محبة تدفعه للتمسك بزوجته، إنما هو نوعُ عضٍْل وتعسفٍ لحمل المرأة على دفع ما يزيد عن مقدار الصَداق، أو أنه نوع انتقامٍ منها أو من أهلها، فلا هو أمسكها وعاشرها بمعروفٍ، ولا هو سرَّحها بإحسانٍ، ولا هو حفظ الفضل الذي أمر الله الأزواج بحفظه، في معارضةٍ صريحةٍ لقول الله تعالى: وتلك حدود الله فلا تعتدوها، ولقوله تعالى: ولا تنسَوا الفضلَ بينكم، وفي صرفٍ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، خُذ الحديقة وطلقها، من الإلزام إلى مجرد الإرشاد والاختيار.

ومن المُلاحَظ أن عامةَ الفقهاء في القول السائد، وأن أكثرَ القوانين في المعتمد لديها، قد أعطت الحق للرجل في إيقاع الطلاق بإرادة منفردةٍ منه دون أية قيود، بينما جعلت الخُلع فرقةً بإرادةٍ مُشترَكةٍ متوقفةٍ على موافقة الزوج، فأعادت الأمر إليه، مما جعل الخُلع والطلاق كليهما بيد الرجل، وغايةُ ما تملكه الزوجة أن تتوسل وأهلُها للرجل كي يخلعها، ولا يملك أحد إجباره على ذلك إن رفض الفكرة أو لم يعجبه مقدارُ البدل.

وقد دفع هذا الأمر الباحث إلى إعادة فحص الموضوع في ضوء نصوص القرآن والسنة وروح الشريعة، سواءً لجهة الاعتراف بحق المرأة في الخُلع، أو لجهة منح القضاء صلاحيّةً في إنفاذ الخُلع إذا تعذّر الإصلاحُ وتعسَّف الزوج بالرفض، خاصةً في ضوء ضعف الإيمان وزيادة الجرأة على أكل أموال الناس بالباطل في أيامنا، مقارنةً مع ما كان عليه الناس مِن وفاءٍ في أجيال المسلمين الأُولى.

وقد ترجح للباحث أهمية التوجهات الجديدة التي ظهرت في تعديلات بعض قوانين الأحوال الشخصية، والتي منحت القضاءَ صلاحيّةَ إنفاذ الخُلع إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين وأصرت المرأة على طلبها واستعدت لإعادة الصَداق لزوجها. ثم إن إذن السلطان وإن لم يكن شرطاً لصحة الخُلع حسبَ الجمهور، فإن التوقف على إذنه حال اتفاقهما شيءٌ، ودوره في إنفاذ الخُلع حال رفض الزوج شيءٌ آخر. وبهذا يمكن الجمع بين الأمرين بجعل الخُلع تبعاً لاتفاق الزوجين حال تراضيهما على الأمر، وبجعل الخُلع إلى القضاء للبتِّ فيه وفي متعلقاته حال عدم اتفاقهما على تسويةٍ مُرضيةٍ للطرفين، وهو ما يعني إعطاء القضاء صلاحيةَ إنفاذِ الخُلع في مقابل رد المهر حالَ إصرار الزوجة على الخُلع ورفض الزوج للخُلع أو للبدل وفشل سبل الإصلاح بين الزوجين.

وبالتأكيد، فإن هذا ينبغي أن يرافقه جملة تدابير تحول دون استغلال الخلع لأغراضٍ غير مشروعة. فليس من مقاصد الخلع تسهيل انحلال عرى الزوجية وتشتيت الأطفال وتشجيع الطلاق لأجل علاقات غير حميدة أو لأسباب هينة يمكن معالجتها.

 

(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، جامعة آل البيت، المجلد السادس، العدد (4)، 1432ه‍/2010م.

 

الهوامش


([1]) انظر: مادة خلع في: لسان العرب، والصحاح، والمصباح المنير، ومعجم مقاييس اللغة. وكذلك: ابن عابدين، محمد، حاشية ابن عابدين، ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1998م، ج5، ص68. والنووي، المجموع والتكملة، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت 2002م، ج20، ص273.

([2]) الاختيار، ج3، ص156، حاشية ابن عابدين، ج2، ص556، الفقه الحنفي في ثوبه الجديد، لعبد الحميد طهماز، دار القلم بدمشق2000م، ج2، ص226. الفقه المالكي في ثوبه الجديد، لمحمد بشير الشفقة، دار القلم بدمشق، 2003م، ج4، ص260. البيان في فقه الإمام الشافعي، للإمام يحيى العمراني، دار الكتب العلمية ببيروت، 2002م، ج10، ص3 في الهامش. الفقه الحنبلي الميسر، لوهبة الزحيلي، دار القلم بدمشق، 1997م، ج3، ص180. الموسوعة الكويتية، الجزء 19. وسائر أمات كتب الفقه الواردة في هذا البحث في أول باب الخلع.

([3]) ابن رشد، محمد. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ط4، دار المعرفة بيروت 1978م، ج2، ص66. العيني، محمود بن أحمد، البناية في شرح الهداية، ط1، دار الفكر، 1980م، ج4، ص681. الكاساني، علاء الدين. بدائع الصنائع، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت 1982م، ج3، ص151. زيدان، عبد الكريم، المفصل في أحكام الأسرة والمرأة، ط3، مؤسسة الرسالة، بيروت 1997م، ج8، ص133.

([4]) حاشية ابن عابدين، ج5، ص71. البناية، ج4، ص681. البدائع، ج3، ص151. بداية المجتهد، ج2، ص66. الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، (د.ت.)، ج7، ص482. ابن تيمية، أحمد، مجموع فتاوى ابن تيمية، مكتبة النهضة الحديثة، مكة، 1984م، ج32، ص294-310. ابن قدامة، ابو محمد المقدسي، المغني، مكتبة الرياض، 1981م، ج7، ص57، 67. الغرياني، صادق. مدونة الفقه المالكي وأدلته، ط1، مؤسسة الريان، بيروت، 2002م، ج2، ص704. المفصل، ج8، ص133، 141، 171. تكملة المجموع، ج20، ص290. الزيباري، عامر سعيد، أحكام الخلع، دار ابن حزم، بيروت، 1997م، ص93، 119، 143. البناية، ج4، ص669. سيد، فقه السنة، دار الكتاب العربي. بيروت، 1969م، ج2، ص295.

([5]) المفصل لزيدان، ج8، ص126. حاشية ابن عابدين، ج5، ص71.

([6]) انظر: الشقفة، محمد بشير، الفقه المالكي في ثوبه الجديد، دار القلم، دمشق، 2001م، ج4، ص280-284. العمراني، يحيى، البيان في فقه الإمام الشافعي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2002م، ج10، ص11. التهذيب في فقه الإمام الشافعي، ج5، ص554. الصنعاني، محمد (ت1182ﻫ)، سبل السلام، ج3، ص168. ابن حزم، المحلى، تحقيق أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة (د.ت.)، ج10، ص237. البناية ج4، ص658. المغني، ج7، ص52. البدائع، ج3، ص144. تكملة المجموع، ج20، ص295. فتح الباري، ج9، ص490. العك، خالد عبد الرحمن، موسوعة الفقه المالكي، ط1، دار الحكمة، دمشق، 1993م، ج1، ص531. بداية المجتهد، ج2، ص69. مغني المحتاج، ج3، ص354. السرخسي، شمس الدين، المبسوط، دار المعرفة، بيروت، 1978م، ج6، ص171. الفتاوى، ج22، ص291. ابن القيم، شمس الدين، زاد المعاد، دار الكتب العلمية، بيروت (د.ت.)، ج4، ص36. الشوكاني، محمد بن علي، نيل الأوطار، دار الفكر بيروت، 1982م، ج7، ص38. مدونة الفقه المالكي، ج2، ص704. وانظر: الرملي، شمس الدين، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، مطبعة البابي، مصر، 1967م. الشربيني، محمد، مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج، دار المعرفة، بيروت، 1997م.

([7]) الشافعي، محمد ابن إدريس، الأم، ط2، دار الفكر، بيروت، 1983م، ج5، ص213. الفتاوى، ج22، ص291، ج32، ص33، 290، 323-348. زاد المعاد، ج4، ص36. ابن القيم، شمس الدين، إعلام الموقعين، دار الجيل، بيروت، 1973م، ج2، ص88، ج4، ص351. المحلى، ج10، ص237-239. الدليل الفقهي، ص265، فقه السنة، ج2، ص306.

([8]) الفتاوى، ج33، ص152. نيل الأوطار، ج7، ص39. المغني، ج7، ص59. المبسوط، ج6، ص171. الصنعاني، محمد ابن اسماعيل، سبل السلام، مكتبة الرسالة الحديثة، (د.ت.)، ج3، ص168. زاد المعاد، ج4، ص35. البدائع، ج3، ص145. البناية، ج4، ص658. المحلى، ج10، ص235، 239. البيان، ج10، ص32. تكملة المجموع، ج20، ص324. الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص285. الأم، ج5، ص213. التهذيب، ج5، ص557.

([9]) الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص272. بداية المجتهد، ج2، ص68. وانظر أحكام الخلع، ص63.

([10]) المفصل، ج8، ص125. قطب، سيد، في ظلال القرآن، ط9، دار الشروق، بيروت، 1980م، ج1، ص249.

([11]) اختلفت الروايات حول اسم المختلعة، زوجة ثابت. انظر: العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري،دار المعرفة، بيروت (د.ت.) ج9، ص494. البناية، ج4، ص657. نيل الأوطار، ج7، ص36. سبل السلام، ج3، ص166. وثابت بن قيس من أعيان الصحابة وهو خطيب الأنصار.

([12]) انظر: البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، باب الخُلع، الأحاديث رقم 5273-5277، ط1، مكتبة الصفا، القاهرة، 2003م.

([13]) فتح الباري، ج9، ص490. الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص269. المفصل، ج8، ص116.

([14]) الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص269. في ظلال القرآن، ج1، ص247.

([15]) مسلم، ابن الحجاج، (ت261ﻫ)، صحيح مسلم، رئاسة البحوث العلمية في السعودية، 1980م، كتاب صفات المنافقين باب تحريش الشيطان حديث 2813. سبل السلام، ج3، ص168. الفتاوى، ج32، ص89.

([16]) صححه الألباني في إرواء الغليل، ج7، ص100، حديث رقم (2035)، وقال الذهبي هو على شرط البخاري ومسلم، وقال الترمذي هو حسن، وقال الحاكم هو صحيح على شرط الشيخين.

([17]) البخاري، صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب الخُلْع، الأحاديث 5273-5277. وأخرجه النسائي، ج6، ص169، رقم 3462. وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج24، ص223، رقم565-567. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج7، ص313، رقم 14614، وهي بأسانيد صحيحة. كما وردت روايات أخرى بأسانيد ضعيفة كما في ابن ماجة، ج1، ص663، رقم 2056، وفيها "ولا يزداد"، والبيهقي، ج7، ص313، رقم 14618، وفيها "أنها قالت نعم وزيادة فقال النبي أما الزيادة فلا"، وأحمد وله إسنادان ضعيفان بسبب الحجاج بن أرطأة لضعفه كما في المسند حديث رقم (27444)، ج45، ص432، وقال الأرنؤوط هو حسن لغيره، والدارقطني، ج3، ص254-255، رقم 37-39، وفيها "أما الزيادة فلا". وسبب ضعف أسانيد ابن ماجة أن فيها الحجاج بن أرطأة وأبو خالد الأحمر وهما ضعيفان. وسبب ضعف أسانيد البيهقي إلا روايته عن حبيبة أن رواية عطاء عنده مرسلة وأن رواية ابن عباس عنده فيها قتادة وهو مدلس ولم يصرح بالسماع. وسبب ضعف أسانيد الدارقطني أن روايته عن أبي الزبير مرسلة وأن روايته عن أبي سعيد فيها عطية وعمر بن زرارة وكلاهما ضعيف. وسبب ضعف أسانيد البزار أن فيها ابن لهيعة وهو ضعيف. وأسانيد أحمد ضعيفة لأن فيها الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومدلس. (تخريج أحاديث الخلع لثائر سميح عليان، بحث جامعي مخطوط، جامعة النجاح، فلسطين، 2007م).

([18]) انظر لذلك: سبل السلام، ج3، ص167. زاد المعاد، ج4، ص35. فتح الباري، ج9، ص495. نيل الأوطار، ج7، ص34.

([19]) انظر: ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، دار إحياء التراث، بيروت، 1969م، ج1، ص365. الطبري، أبو جعفر، جامع البيان في تفسير القرآن، ط3، دار المعرفة، بيروت، 1978م، ج2، ص469. الصابوني، محمد علي، صفوة التفاسير، ط4، دار القرآن، بيروت، 1981م، ج1، ص145. قطب، سيد، في ظلال القرآن، ج1، ص247.

([20]) تفسير الطبري، ج2، ص469. القرطبي، ج3، ص120. تفسير ابن كثير، ج1، ص365. الشوكاني، محمد بن علي، تفسير فتح القدير، دار الفكر (د.ت)، ج1، ص362.

([21]) تفسير الطبري، ج2، ص469.

([22]) القرطبي، أبو عبدالله، الجامع لأحكام القرآن، ط3، دار الكتاب العربي، مصر، 1967م، ج3، ص120.

([23]) تفسير الطبري، ج3، ص646. تفسير ابن كثير، ج1، ص617. تفسير القرطبي، ج5، ص91. تفسير فتح القدير، ج1، ص663. البيضاوي، أبو سعيد عبد الله، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، دار الجيل (د.ت)، ج1، ص162. أبو السعود، محمد (ت982ﻫ)، تفسير أبي السعود، دار الكتب العلمي، بيروت (د.ت)، ج2، ص157. النسفي، عبد الله بن أحمد، تفسير النسفي المسمى مدارك التنزيل وحقائق التأويل، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995م، ج1، ص212.

([24]) انظر مثلاً: تفسير الطبري، ج3، ص646. تفسير ابن كثير، ج1، ص617. تفسير فتح القدير، ج1، ص663.

([25]) تفسير الطبري، ج3، ص646.

([26]) تفسير أبي السعود، ج1، ص157. تفسير البيضاوي، ج1، ص162.

([27]) تفسير الطبري، ج2، ص469. تفسير القرطبي، ج3، ص120. تفسير ابن كثير، ج1، ص365. تفسير فتح القدير، ج1، ص362. تفسير أبي السعود، ج1، ص226. تفسير البيضاوي، ج1، ص517. تفسير الوجيز، ج1، ص170. تفسير النسفي، ج1، ص110.

([28]) وهو ما ناقشه الباحث مفصلاً في بحث: "البدل في الخلع وحكم زيادته عن المهر".

([29]) زاد المعاد، ج4، ص35.

([30]) فتح الباري، ج9، ص498. طهماز، عبد الحميد، الفقه الحنفي في ثوبه الجديد،ط1، دار القلم، دمشق، 2000م، ج2، ص227. مدونة الفقه المالكي، ج2، ص705. بداية المجتهد، ج2، ص56. الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص292. تكملة المجموع، ج20، ص308. المغني، ج7، ص52-53. البيان ج10، ص6، 35. التهذيب، ج5، ص551. المحلى، ج10، ص235، 240.

([31]) أحكام الخلع، ص66-83.

([32]) انظر: المفصل، ج8، ص119. فتح الباري، ج9، ص490. المحلى، ج10، ص235.

([33]) المغني، ج7، ص51. الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص274. مدونة الفقه المالكي، ج2، ص704. المفصل، ج8، ص119. أحكام الخلع، ص151.

([34]) المفصل، ج8، ص181-185. المغني، ج7، ص54. أحكام الخلع، ص151.

([35]) الفتاوى، ج33، ص152.

([36]) المحلى، ج10، ص235، 243.

([37]) المغني، ج7، ص54. المفصل، ج8، ص187.

([38]) أحكام الخلع، ص156.

([39]) المغني، ج7، ص51-54. ومثله في: سبل السلام، ج3، ص16.

([40]) أحكام الخلع، ص151، وقد رجح اشتراط وجود الكراهية لجواز أخذ العوض.

([41]) ابن كثير، ج1، ص365. الطبري، ج2، ص469. فتح القدير، ج1، ص362. المفصل، ج8، ص174-179.

([42]) انظر: الفقه المالكي في ثوبه الجديد، ج4، ص277. مالك ابن أنس، المدونة الكبرى للإمام مالك، دار صادر، بيروت (د.ت.)، ج2، ص335. مدونة الفقه المالكي، ج2، ص705. المحلى، ج10، ص243. الأم، ج5، ص210. التهذيب، ج5، ص552. تكملة المجموع، ج20، ص270. المغني، ج7، ص54. الفقه الحنفي في ثوبه الجديد، ج2، ص229. حاشية ابن عابدين، ج5، ص74. البناية، ج4، ص661. المفصل، ج8، ص177. شلتوت، محمود، الاسلام عقيدة وشريعة، ط4، دار الشروق، القاهرة، 1968م، ص189. أحكام الخلع، ص123.

([43]) انظر تلك الأقوال في: الفتاوى، ج32، ص283. الفقه الإسلامي وأدلته، ج7، ص483. المفصل، ج8، ص124. أحكام الخلع، ص77. وانظر: سنن أبي داود، ج2، ص670. وفتح الباري، ج9، ص408.

([44]) صحيح البخاري، كتاب الطلاق، باب الخُلْع. فتح الباري، ج9، ص491، 496.

([45]) المدونة الكبرى لمالك، ج2، ص343.

([46]) تكملة المجموع، ج20، ص292.

([47]) الماوردي، أبو الحسن علي، الحاوي الكبير، تحقيق محمود مطرجي وآخرين، دار الفكر، ج12، ص264.

([48]) الشافعي، الأم، ج5، ص211.

([49]) المغني، ج7، ص52.

([50]) البدائع، ج3، ص145.

([51]) المبسوط، ج6، ص173.

([52]) فتح الباري، ج9، ص491، 496. الحاوي الكبير، ج12، ص264. المغني، ج7، ص52. المحلى، ج10، ص237، البدائع، ج3، ص145. الطبري، ج2، ص469. أحكام القرآن للجصاص، ج1، ص395. تكملة المجموع، ج20، ص292. القرطبي، ج3، ص120.

([53]) المغني، ج7، ص52. تكملة المجموع، ج20، ص292. البدائع، ج3، ص145. الأم، ج5، ص211. الحاوي الكبير، ج12، ص264. القرطبي، ج3، ص120. البيضاوي، ج1، ص517. النسفي، ج1، ص110. أبو السعود، ج1، ص226. أحكام القرآن للجصاص، ج1، ص395. فتح القدير، ج3، ص202، 362. فتح الباري، ج9، ص491-498. المحلى، ج10، ص235. المفصل، ج8، ص214. زاد المعاد، ج4، ص34. الفقه الإسلامي وأدلته، ج7، ص482. سبل السلام، ج3، ص167. نيل الأوطار، ج7، ص37.

([54]) المراجع السابقة في الحاشيتين السابقتين 51، 52.

([55]) المراجع السابقة في الحاشيتين السابقتين 51، 52.

([56]) المحلى، ج10، ص235.

([57]) المفصل، ج8، ص214. زاد المعاد، ج4، ص34. الفقه الإسلامي وأدلته، ج7، ص482.

([58]) زاد المعاد، ج4، ص34.

([59]) الفقه الإسلامي وأدلته، ج7، ص482.

([60]) من ذلك ما ورد في: حاشية ابن عابدين، ج5، ص80.

([61]) الخشت، محمد عثمان، الدليل الفقهي للمرأة المسلمة، مكتبة القرآن، القاهرة، 1987م، ص264.

([62]) فقه السنة، ج2، ص299.

([63]) هذه لابن تيمية في: الفتاوى، ج32، ص283.

([64]) كما في: ابن كثير، ج1، ص365. وفتح القدير، ج1، ص362. وأبو السعود، ج1، ص226.

([65]) قانون مؤقت رقم 82 السنة 2001، المعدل لقانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976المادة (6) من القانون الجديد، تعديل المادة (126) من القانون الأصلي بإضافة الفقرتين (ب) و(ج) إليها.

([66]) قانون رقم (1) لسنة 2000، قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية الصادر عن رئاسة الجمهورية بقرار من مجلس الشعب. الجريدة الرسمية، العدد4، 29 يناير 2000م.