أضيف بتاريخ : 05-02-2018


أثر حرف الجر "إلى" في تفسير آيات الأحكام

دراسة تطبيقية على آيات: الوضوء والصيام وإنظار المعسر (*)

الدكتور يحيى ضاحي شطناوي، وسناء حسين الغزاوي

ملخص البحث

يهدف البحث إلى بيان أثر حروف الجر في تفسير الآيات الكريمة، حيث أخذت هذه  المسألة جانبا من اهتمام  العلماء قديماً وحديثاً، واحتلت مساحة لا بأس بها في إطار الدراسات البحثية  وتناثرت هذه الدرر بين كتب النحو والتفسير والفقه، ولما كانت الحروف كثيرة أختير أحدها وهو "إلى" وجرى تطبيق ذلك على نماذج من آيات الأحكام، لتكون نقطة بداية لدراسات قادمة، فجرى التعريف بحروف الجر وبيان أهميتها وسبب تسميتها والوقوف على معاني حرف الجر " إلى " وإبراز أثره في الاختلافات التفسيرية ثم تحرير مسألة  دخول ما بعد حرف الجر "إلى " في حكم ما قبله، من خلال التمثيل على ذلك بآيات قرآنية.

وأكدت الدراسة على أهمية اللغة العربية وعلم النحو خاصة، وعلاقته الوثيقة بالتفسير وتوجيه المعاني من خلال حرف الجر "إلى".

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير الهداة، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلما كان القرآن الكريم منبع النظر، ومنهل الفكر، منه يستقي الباحثون العبر، وتستشرف النفوس من ينبوعه الحكم، وقف على ضفافه الواردون، كل قد علم مراده، فأخذ منه بحظ ٍوافرٍ، ولم يزده ذلك إلا سخاءً وبهاءً.

ولا يخفى على أحد منا أهمية اللغة العربية في فهم مراد الله في كتابه الكريم، ولما كانت حروف الجر في اللغة العربية ذات شأن يلتفت إليها ويعتنى بها، أراد الباحث أن يتعرض لمسألة حروف الجر في القرآن الكريم وأثرها الكبير في توجيه المعاني والترجيح عند الخلاف، وبخاصة في المسائل التي تخص العبادات الشرعية، وما يتوقف عليها من صحة العبادة وقبولها عند الله تعالى.

وتزداد الحاجة إلى هذا الموضوع إذا عرفنا أن أحد أسباب الخلاف الذي وقع بين العلماء في تفسير الآيات وبيان الأحكام الفقهية فيها، ناجم عن العمل الدقيق الذي يؤديه حرف الجر، إلى جانب ما يحمله من أسرار بيانية وبلاغية، كان لها أكبر الأثر في إثراء العلوم الشرعية، وإبراز العلاقة الوطيدة ما بين العلوم الشرعية والعربية.

فجاء هذا البحث يجلي هذه المسألة من علم النحو ويربطها بآيات الذكر الحكيم، لعله يسهم في دفع عجلة الدراسات اللغوية القرآنية، ويكون لبنة متواضعة لدراسات قادمة في صرح شامخ في الدراسات القرآنية خدمة لكتاب الله تعالى.  

بيد أن حروف الجر كثيرةٌ، بلغت حدّ العشرين، لذا ارتأى الباحث أن يخصص حرف الجر " إلى " بالدراسة، ببيان معانيه، وتطبيق هذه المعاني على نموذج من آيات الأحكام؛ لبيان أثر حرف الجر في توجيه التفسير.

المنهج المتبع في البحث

 سلك الباحث في بحثه المنهج الاستقرائي، حيث تم استقراء معاني حرف الجر "إلى " في كتب النحو والبلاغة، ثم استقراء الأثر المترتب عليه في كتب التفسير والفقه، وتتبع ذلك كله لاستنتاج القاعدة التي نسير عليها في الأحكام المترتبة على دخول ما بعد حرف الجر " إلى " في حكم ما قبله، عن طريق دراسة تطبيقية تحليلية لنماذج من آيات الذكر الحكيم.

حدود الدراسة: تطبيق الجانب النظري على ثلاث آيات كريمة هي آية الوضوء في سورة المائدة وآيتي الصيام وإنظار المعسر في سورة البقرة.

الدراسات السابقة: من أهمها

- حروف المعاني وأثرها في اختلاف الفقهاء، رسالة دكتوراه من إعداد: حسين الترتوري وإشراف الأستاذ الدكتور محمد الخضراوي.

- أثر دلالات حروف المعاني الجارة في التفسير دراسة نظرية وتطبيقية على سورتي آل عمران والنساء، رسالة ماجستير من إعداد الطالب: علي الجهني، بإشراف الدكتور: عبد الله اللحياني.

- دلالة " الى والباء واللام " في القرآن الكريم بين المفسرين والنحويين والبلاغيين والأصوليين، رسالة ماجستير من إعداد: أمجد قورشة.

ويرى الباحث أن الدرسات السابقة واسعة شملت جملة من الحروف، بينما هذه الدراسة مقتصرة على جزئية محددة وهي أثر حرف الجر "إلى" وتم تطبيق ذلك على نماذج مختارة لها تعلق بالأحكام الشرعية.

أهداف الدراسة: يأمل الباحث أن تحقيق الأهداف الآتية:

1. التعريف بحروف الجر وبيان أهميتها وسبب تسميتها.

2. الوقوف على معاني حرف الجر " إلى "، وإبراز أثره في الاختلافات التفسيرية.

3. التأكيد على أهمية اللغة العربية وعلم النحو خاصة، وعلاقته الوثيقة بالتفسير وتوجيه المعاني من خلال حرف الجر " إلى ".

4. تحرير مسألة دخول ما بعد حرف الجر " إلى " في حكم ما قبله، من خلال التمثيل على ذلك بآيات قرآنية.

خطة البحث:

لهذا البحث خصوصية جعلت الباحث يتناوله في مقدمة وتمهيد ومطلبين وخاتمة.

المقدمة: احتوت على الهدف من الدراسة وأهميتها وخطة البحث.

التمهيد: التوطئة وتوضيح عمل الباحث.

المطلب الأول: الجانب النظري للدراسة، وفيه أربع مسائل:

أولا: تعريف الحرف وأقسامه.

ثانيا: تسمية حروف الجر وأهميتها.

ثالثا: حرف الجر " إلى " ومعانيه.

رابعا: هل يدخل ما بعد حرف الجر " إلى " في حكم ما قبله؟

المطلب الثاني: وهو الجانب التطبيقي للدراسة، واحتوى على نماذج تبين أثر حرف الجر " إلى" في تفسير آيات الأحكام، وذلك من خلال عرض أقوال المفسرين والفقهاء.

الخاتمة: واحتوت على أهم النتائج والتوصيات.

التمهيد

لقد شغلت مسألة حروف الجر وأثرها في تفسير آيات الأحكام العلماء قديماً وحديثاً، واحتلت مساحة لا بأس بها في إطار الدراسات البحثية، وتناثرت هذه الدرر بين كتب النحو والتفسير والفقه؛ لذا استحسن الباحث جمع المتناثرات ومقابلة الآراء، للخروج بدراسة متكاملة حول أحد هذه الحروف، وهو حرف الجر " إلى "، وأثره على تفسير آيات الأحكام وتحديد مقاصدها.

بيد أن الحديث عن حرف الجر " إلى " يستلزم الوقوف على جانب نظري، نتعرف فيه على معنى الحرف وأهميته ومعانيه، فجاء المطلب الأول يحقق هذا الغرض، ثم وجه الباحث القصد نحو نماذج تطبيقية للتمثيل والتدليل على أثر حرف الجر " إلى " في تفسير آيات الأحكام، ووقع الاختيار على آية الوضوء في سورة المائدة، وآية الصوم في سورة البقرة، فجاء المطلب الثاني يحقق هذا الغرض.

وما أجمل قول القائل عن هذا الفن إنه بابٌ دقيق المسلك، لطيف المأخذ، كثير الفوائد، جم المحاسن، يجمع بين لطائف النحو ودقائق الفقه، تستودع فيع غرائب المعاني، وبدائع المباني  تستزيد به تبصرا في درك أسرار مستودعاته، وتستعذبه تبحراً في الوقوف على عجائب مستبدعاته بمشيئة الله تعالى([1]).

المطلب الأول

الجانب النظري

أولا: تعريف الحرف وأقسامه.

يتكون مصطلح "حرف الجر " من مركب إضافي هما: "حرف وجر"، سيقف الباحث على معنى كل منهما على حده، للخروج بتعريف واف لهذا المصطلح.

الحرف لغة: يطلق ويراد به معان عدة، منها:

الحرف من الهجاء، والحد من الشيء أي طرفه ([2])، ويطلق على الميل والانحراف([3]) وجاء الحرف ومشتقاته في التنزيل الكريم في عدة مواضع منها

قوله تعالى: ( ومن الناس من يعبد الله على حرف )الحج / 11.

قالوا: على وجه واحد، وهو أن يعبده على السراء دون الضراء.([4])

وجاء في السنة النبوية قوله عليه الصلاة والسلام: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) ([5])

أما في اصطلاح النحاة فيطلق الحرف على ما دل على معنى ًفي غيره، ومن ثم لم ينفك عن اسم أو فعل يصحبه إلا في مواضع مخصوصة. ([6])

أما عن الجزء الثاني من المركب " الجر " فيطلق لغة على مد الشيء وسحبه وجذبه. ([7])

ومن هنا يتبين أن مصطلح حروف الجر يطلق على: الحروف التي تصل ما قبلها بما بعدها  ولا تدخل إلا على الأسماء كقولك: الدار لعمرو، وتصل الفعل بالاسم كقولك: مررت بزيد. ويقدر عددها بعشرين حرفا كلها مشتركة في جر الاسم. ([8]) و قد ذكر ابن مالك في ألفيته ([9]) حروف الجر، فقال:

هاك حروف الجر، و هي من، إلى، حتى     خلا، حاشا، عدا، في، عن، على

مذ، منذ، رب، اللام، كي، واو، وتا            والكاف، و الباء و لعل، ومتى

 أقسام الحروف: تقسم الحروف إلى قسمين: 

1. حروف المباني: وهي حروف الهجاء الثمانية والعشرين، سميت بذلك لأنه يتركب منها هياكل ومباني الكلمات.

2. حروف المعاني: وهي حروف تدل على معان في غيرها، وتربط بين أجزاء الكلام، وتتكون من حرف أو أكثر من حروف المباني. ([10])

ثانيا: تسمية حروف الجر وأهميتها:

يطلق على حروف الجر عدة مسميات هي:

1. حروف الجر: وهو الاسم الأصلي والمشهور لها؛ ولعل السبب في تسميتها بذلك لخفضها أي جرها للأسماء بعدها.

2. حروف الإضافة: وسبب هذه التسمية؛ لأنها تضيف معاني الأفعال قبلها إلى الأسماء بعدها.([11])

3.حروف الصفات: أطلقه عليها الكوفيون؛ وذلك لأنها تقع صفات لما قبلها من النكرات.([12])

4. الظروف: وذلك لان الظروف تشمل شبه الجملة بنوعيه الظرف والجار والمجرور. ([13])

وأما أهميتها فتنبع من أن  لحرف الجر أثرا خطيرا وخطبا عظيما يسهم في تغيير مسار التركيب وذلك من خلال ما يحمله من معانٍ تقع مسؤولية إيصالها إلى ما بعدها على عاتقه، وذلك في ضوء التعدد الوظيفي لحرف الجر وتعدد معانيه، وما يلقيه هذا التعدد من أثر في الاختلافات الفقهية والتفسيرية.

ثالثا: حرف الجر " إلى " ومعانيه:

هو حرفٌ خافضٌ أصلي يجر الظاهر والمضمر، وله عدة معانٍ ([14]):

المعنى الأول: وهو أهمها وأشهرها، انتهاء الغاية في الزمان والمكان، أما في المكان كقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) الإسراء/ 1

وأما في الزمان كقوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة/ 187.

ويراد بانتهاء الغاية: أن المعنى الذي قبلها ينقطع وينتهي بوصوله إلى المجرور بعدها ([15]) والغاية هي: مد الحكم إلى مسافة مكانية حينا، و مقدار زمني حينا آخر على حسب السياق بصيغة" إلى " أو " حتى ".([16])

قال سيبويه: " وأما "إلى " فمنتهى لابتداء الغاية، تقول: قمت إليه، فجعلته منتهاك من مكانك. " ([17])

ويقول المبرد: " وأما"  إلى " فإنما هي للمنتهى، وقد يتسع القول في هذه الحروف، وان كان ما بدأنا به الأصل. " ([18])

يشير المبرد بطريقةٍ لطيفةٍ إلى إمكانية تحمل " إلى " معانٍ جديدةٍ، لكنها ليست أصلية وإنما تستقى من غيره.

"فإلى " التي تدل على انتهاء الغاية، ينبه الزمخشري على أنها تعارض " من " التي تدل على ابتداء الغاية فهي نقيضتها ([19])

المعنى الثاني: المعية نحو قوله تعالى: (من أنصاري إلى الله) آل عمران / 52، عند من قال إن " إلى " هنا بمعنى " مع ".([20]).

المعنى الثالث: للتبيين نحو قوله تعالى: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) يوسف/ 33.

المعنى الرابع: قيل إن "إلى" قد تأتي مرادفة للام نحو قوله تعالى: (والأمر إليك) النمل/33.

المعنى الخامس: وقد تأتي ويراد منها موافقة الحرف " في " نحو قوله تعالى: (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) النساء / 87، وغيرها من المعاني التي يؤديها الحرف "إلى".([21])

ومما يلحظ على المعاني السابقة اتفاق العلماء على المعنى الأول وهو المعنى الأصيل لحرف الجر " إلى "، وما عداه من المعاني يأتي ملحقا حسب السياق، وجلّها من باب التناوب ([22])عند من قال بوقوع التناوب بين الحروف.

ومن القائلين بوقوع التناوب بين حروف الجر الفراء، لكنه اشترط أن يرجع المعنى الأصلي للحرفين إلى شيء واحد ([23])، بينما رد المحققون من أهل العربية حدوث التناوب بين حروف الجر ؛ وذلك لأنها إذا تعاقبت خرجت عن حقائقها ووقع كل واحد منها بمعنى الآخر، وفي القول بذلك إبطال لحقيقة اللغة وإفساد للحكمة منها([24])

بيد أن هناك من توسط بين فريقي المنع والجواز، ورائدهم ابن جني الذي قال: " إن ذلك يتبع الأحوال الداعية إليه، فأما في كل موضع فلا." ([25])

وهناك من أوّل المعاني الإضافية لحروف الجر بوقوع التضمين([26]) بين الأفعال فإذا كان الفعل بمعنى فعل آخر، وكان أحدهما يصل إلى معموله بحرف والآخر يصل بآخر فانه يقع مكانه كما في قوله تعالى: (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم) البقرة / 187، ولما كان الرفث بمعنى الإفضاء الذي يتعدى ب" إلى " جاء ب" إلى " هنا.

رابعا: هل يدخل ما بعد " إلى " في حكم ما قبله؟

إذا كان حرف الجر " إلى " يفيد انتهاء الغاية، فهل يأخذ ما بعده حكم ما قبله؟ تباينت أقوال العلماء في هذه المسألة على أربعة أقوال:

القول الأول: أنه لا يدخل مطلقا.

وهو ما رجحه ابن هشام في المغني، وعلل ترجيحه بأن الأكثر مع القرينة عدم الدخول فيجب الحمل عليه عند التردد ([27]).

ونقل السبكي أن " إلى " إذا اقترنت بمن لم تدخل وإلا فيحتمل ([28])، وهذا معنى كلام من يقول: سرت من البصرة إلى الكوفة، فالكوفة منقطع السير لما كانت البصرة مبتدأ.([29])

القول الثاني: يدخل مطلقا.

جاء في شرح المفصل " إلى " لانتهاء الغاية، ومنه قوله تعالى: ( انظروا إلى ثمره) الأنعام /99، وقوله تعالى: (فلما رجعوا إلى أبيهم) يوسف / 63، وقوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب) فاطر/ 10، فالثمر غاية للنظر، والأب غاية للرجوع، والله تعالى غاية لصعود الكلم ينتهي عنده.([30])

وقال السبكي:" إذا لم تكن قرينة تدل على دخول ما بعدها ولا على خروجه تدخل مطلقا ".([31])

القول الثالث: إذا دلت قرينة على دخول ما بعدها فيما قبلها أو خروجه صير إليها  قال الرضي: "والأكثر عدم دخول حدي الابتداء والانتهاء في المحدود، فإذا قلت: اشتريت من هذا الموضع إلى ذلك الموضع، فالموضعان لا يدخلان ظاهراً في الشراء، ويجوز دخولهما فيه مع القرينة ".([32])

وجاء في المغني: "وإذا دلت قرينة على دخول ما بعدها نحو: قرأت القرآن من أوله إلى آخره، أو خروجه نحو قوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة / 187، ونحو قوله تعالى: (فنظرة إلى ميسرة) البقرة / 280. ([33])

القول الرابع: إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها كان داخلا وإلا فلا ([34])، وذهب المرادي إلى هذا الرأي عند عدم القرينة ([35])، ومعنى قولهم السابق: أي إذا كانت جزءا من المغيا تدخل، وقد يعبر عن هذا بأنها إذا كانت بيانا لما قبلها دخل طرفاها، لذا يفرق بين اشتريت الفدان إلى الدار، فان الدار لا تدخل في المحدود، إذ ليست من جنسه فشرط تعالى تمام الصوم حتى يتبيّن الليل، وجّوز الأكل حتى يتبيّن النهار. ([36])

والأظهر من هذه الأقوال أن ما بعد "إلى " داخل فيما قبلها إذا دلت قرينة على ذلك  لان الدخول مطلقا مردود بقوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة/ 187، فالليل غير داخل في حكم ما قبله قطعا، وعدم الدخول مطلقا مردود كذلك بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) الإسراء / 1، فما بعد " إلى " داخل في حكم ما قبلها وهو الإسراء، أما القول الرابع فلا يخلو من الصواب؛ لقوة أدلته وصواب حجته، وله حظٌ من النظر الصحيح.

المطلب الثاني

الجانب التطبيقي

بعد التأصيل النظري للدراسة كان من المناسب التطبيق عمليا على نماذج مختارة من آيات الكتاب العزيز لها تعلق بالأحكام ويظهر فيها أثر حرف الجر

المثال الأول  قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن) المائدة / 6.

لقد اتفقت آراء المفسرين والفقهاء على أن غسل اليدين والرجلين في الوضوء ركن من أركان الوضوء وعمل واجب، فمن لم يغسلهما كان وضوؤه باطلا وغير صحيح، واستدل على ذلك من القرآن الكريم بالآية السالفة الذكر، ومن السنة المشرفة بالحديث الذي يرويه البخاري عن عثمان رضي الله عنه: "انه دعا بوضوء، فافرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات، ثم ادخل يمينه في الوضوء، ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه إلى المرفقين ثلاثا  ثم مسح برأسه، ثم غسل كل رجل ثلاثا، ثم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا..."([37])

 لكن الخلاف الذي حصل بينهم في حكم المرفقين ([38]) والكعبين ([39])هل يدخلان في الغسل أو لا يدخلان؟ ولعل السبب في وقوع هذا الخلاف هو مجيء حرف الجر"إلى" والذي أحال المسألة إلى خلافية، لاختلاف وجهات النظر وتعدد الآراء حول المعنى الذي يفيده حرف الجر " إلى " ودخول ما بعده في حكم ما قبله.

تعرض الباحث في المطلب الأول إلى آراء علماء اللغة والنحويين وأقوالهم في المسألة  وسيتعرض في هذا المطلب إلى أقوال المفسرين والفقهاء وآرائهم.

أولا: أقوال المفسرين في المسألة.

القول الأول: ذهب جمع من المفسرين إلى أن المرفقين والكعبين يدخلان في الغسل والذي جعلهم يرجحون الدخول مجيء حرف الجر" إلى "، و" إلى " حد فإذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه وإلا فلا، ومثلوا على ذلك بقوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة / 187، فلما كان الليل ليس من جنس الصيام لم يأخذ حكم ما قبله، إذ لو دخل الليل لوجب الوصال.([40])

فقالوا: إن المرفقين والكعبين جزء من الأيدي ([41]) والأرجل؛ لذلك يترجح دخولهما في الغسل.

وذهب فريق آخر من المفسرين إلى دخول المرفقين والكعبين في الغسل ولكن باستدلال آخر، أن " إلى " هنا بمعنى " مع "، ومثلوا على ذلك بقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) النساء / 2، أي مع أموالكم، فيكون غسل اليدين مع المرفقين والرجلين مع الكعبين. ([42])

لكن هذا القول لم يرق لابن العربي وتابعه القرطبي على ذلك، فابن العربي يرفض القول بوقوع التناوب بين الحروف، فلكل حرف معنى خاص به، فيكون التأويل في معنى الأفعال لا الحروف.([43])

وقيل إن هذا التأويل غير جيد ولا يحتاج إليه، فالمرفق داخل تحت اسم اليد، فلما قال:" إلى" اقتطع من حد المرافق عن الغسل وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر. ([44])

القول الثاني: وقالت طائفة من المفسرين بدخول المرفقين والكعبين في الغسل من باب الاحتياط، فاسم اليد يتناولها إلى المنكب، فقال: (إلى المرافق) لنفي الزيادة على المرفق  فيبقى المرفق داخلا في مسمى اليد المطلقة، وأسقط ما بين المنكب والمرفق، فالمرفقين وكذلك الكعبين حد للساقط لا حد للمفروض.

وحجة هذا الفريق أن " إلى " تبقى على بابها من إفادتها لانتهاء الغاية، فما بعدها لا يدخل فيما قبلها.([45])

ثانيا: أقوال الفقهاء في المسألة.

اختلفت أقوال الفقهاء في هذه المسألة بناء على اختلافهم في معنى حرف الجر " إلى " على قولين:

- أنهما داخلان: وهو مذهب الجمهور من الفقهاء، نقل ابن قدامة هذا القول عن أكثر العلماء منهم: عطاء ومالك والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي([46]).

قال الشافعي:" فلم أعلم مخالفا في أن المرافق مما يغسل، كأنهم ذهبوا إلى أن معناها فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى إن تغسل المرافق"([47])

 ورجح ابن رشد دخول ما بعد "إلى " في حكم ما قبلها بدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه ([48]) حيث قال ابن رشد: "هو حجة في ذلك ؛ لأنه إذا تردد اللفظ بين معنيين على السواء وجب أن لا يصار إلى احد المعنيين إلا بدليل، وان كانت " إلى " في كلام العرب اظهر في معنى الغاية منها في معنى "مع "([49])

- أنهما لا يدخلان، ولا يجب غسلهما:

وهو مذهب مالك في رواية عنه وزفر وأبي بكر بن داوود وابن حزم، حيث يقول ابن حزم: " إن " إلى " في لغة العرب تقع على معنيين، تكون بمعنى الغاية، وتكون بمعنى " مع"، فلا يجوز تخصيصها وقصرها على احدهما دون الآخر بلا برهان، فوجب أن يجزأ غسل الذراعين إلى أول المرفقين، فان غسل المرافق فلا بأس أيضا. " ([50])

ونقل ابن حجر عن الشافعي رده لرأي زفر وكل من قال بقوله من أهل الظاهر بالإجماع وعدم ثبوت ذلك عن مالك صريحا، وإنما حكا عنه أشهب كلاما محتملا([51])

وذكر ابن قدامة حجة أصحاب هذا القول، بان الله عز وجل أمر بالغسل إليهما، وجعلهما غايته بحرف " إلى "، وهو لانتهاء الغاية، فلا يدخل المذكور بعده. ([52])

الترجيح: يظهر أن قول الجمهور أرجح من جهة الدليل، سواءً كان لغوياً أم شرعياً لعدة وجوه:

أولا: إن لفظ " وأيديكم " يقتضي بمطلقه من الظفر إلى المنكب، فلما قال " إلى المرافق " اسقط ما بين المنكب والمرفق، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر، وهذا كلام صحيح يجري على الأصول لغة ومعنى. ([53])

وجاء في شرح الزركشي على مختصر الخرقي أن اليد تطلق حقيقة إلى المنكب، و" إلى " أخرجت ما عدا المرفقين ([54])، وقال ابن رشد: "اليد في كلام العرب تطلق على ثلاثة معانٍ: على الكف فقط، وعلى الكف والذراع، وعلى الكف والذراع والعضد.([55])

وقيل أيضا: "اليد عند العرب تقع على أطراف الأصابع إلى الكتف، وكذلك الرجل تقع على الأصابع إلى أصل الفخذ." ([56])

ثانيا: إن " إلى " تكون بمعنى " مع " بدليل قوله تعالى: ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) النساء/ 2، وهو المراد هنا.([57])، وحتى مع إنكار التناوب واللجوء إلى التأويل فان معنى " إلى المرافق " فاغسلوا أيديكم مضافة إلى المرافق، و " إلى أموالكم " ومضافة إلى أموالكم. ([58])

ثالثا: إن " إلى " إذا كان ما بعدها من جنس ما قبلها فانه يكون داخلا في الغاية، جاء في المغني: " وقولهم إن " إلى " للغاية قلنا وقد تكون بمعنى "مع"، قال المبرد:" إذا كان الحد من جنس المحدود دخل فيه. " ([59])

وقال النووي: " إلى " للغاية وهذا هو الأصح  والأشهر، وان كانت للغاية فالحد يدخل إذا كان التحديد شاملا للحد والمحدود كقولك: بعتك هذه الأشجار من هذه إلى هذه، فالشجرتان داخلتان في البيع بلا شك لشمول اللفظ، ويكون المراد بالتحديد في مثل هذا إخراج ما وراء الحد مع بقاء الحد داخلا، فكذا هنا اسم اليد شامل من أطراف الأصابع إلى الإبط، ففائدة التحديد بالمرفق إخراج ما فوق المرفق مع بقاء المرفق. " ([60])

رابعا: وهو الأهم إن الذي يفسر ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه والذي أخرجه مسلم، توضأ أبو هريرة رضي الله عنه وضوء النبي صلى الله عليه وسلم حيث غسل يده ثم شرع في العضد، وغسل رجله حتى اشرع في الساق ([61])، وحديث جابر قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه. " ([62])

المثال الثاني: قوله تعالى: (وكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة / 187.

أولا: أقوال المفسرين: تكاد تجتمع أقوال المفسرين على أن المراد من الآية تحديد وقت الصوم ([63])، والذي حدا بالمفسرين إلى هذا القول مجيء حرف الجر "إلى"، فذهب جمهور المفسرين إلى أن الشيء إذا حد إلى جنسه دخل في الغاية وإلا فلا، وبما أن الليل ليس من جنس النهار  فانه لا يأخذ حكم ما قبله([64])، ويترتب على هذا القول أحكام عديدة منها:

- إباحة الأكل والشرب وسائر المفطرات بدخول أول الليل إلى طلوع أول النهار. ([65])

- حرمة الصوم بالليل، كما يحرم الفطر بالنهار من غير عذر في أيام الصوم.

- حرمة الوصال في الصوم، فمن واصل الإمساك عن المفطرات في الليل فلا ثواب له لأنه لم يقع في الوقت الذي رسمه الشارع لعبادة الصوم، وفي هذا مخالفة لظاهر القرآن والتشبه بأهل الكتاب.([66])، في حين رد أبو حيان الاستدلال بهذه الآية على نفي صوم الوصال فقال: " وأما الدلالة على نفي صوم الوصال فليس بظاهر، لأنه غيا وجوب إتمام الصوم بدخول الليل فقط ولا منافاة بين هذا وبين الوصال. "([67])، لكن هذا الاعتراض لا يسلم من النقد فإذا لم يكن في النص نهي عن الوصال في الصوم، فما الغاية من تحديد وقته بأول الليل وهذا سر مجيء حرف "إلى " وعدم دخول ما بعده في حكم ما قبله، ومما يزيد هذا الرأي قوة ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: واصل، فواصل الناس، فشق عليهم فنهاهم، قالوا: انك تواصل، قال: لست كهيئتكم إني أظل اطعم وأسقى"([68])

- ضرورة التحقق من انقضاء النهار بدخول جزء ما من الليل.([69])

- وقت الإفطار عند غروب الشمس حكما وشرعا، فعند إقبال الليل من المشرق وإدبار النهار من المغرب يفطر الصائم،([70]) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الليل اقبل من هاهنا، فقد افطر الصائم ". ([71])

- تحديد وقت ابتداء الليل بغروب قرص الشمس وما يلازمه من شعاعها عن جدران البيوت والمآذن.([72])

- الأفضل المبادرة إلى الفطر لقوله تعالى: (إلى الليل)([73]) ولما جاء في الحديث الشريف: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". ([74])

- الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ([75])، فقد جاء تطبيق ذلك في السنة النبوية، قال عبد الله بن أبي أوفى: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرة وهو صائم، فلما غربت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لي، فقال الرجل: يا رسول الله الشمس؟ قال: انزل فاجدح لي، قال: يا رسول الله الشمس؟،قال: انزل فاجدح لي، فنزل فجدح له فشرب، ثم رمى بيده هاهنا ثم قال: " إذا رأيتم الليل اقبل من هاهنا، فقد افطر الصائم". ([76])

ثانيا: أقوال الفقهاء: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن ما بعد "إلى " إذا كان من جنس ما قبلها فانه يدخل فيه وإلا فلا، فالغاية إن كانت متميزة عن ذي الغاية بمفصل حسي كما في الليل والنهار وجب خروجها، وان لم تكن متميزة عنها بمفصل حسي كما في اليد والمرفق وجب دخولهما  واستدلوا على هذا بقوله تعالى: (ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة /187، فلما كان الليل خارجا عن جنس النهار وجب عدم دخوله في حكمه.([77])

واستدل صاحب شرح مختصر الروضة على عدم وجوب الصوم بعد مجيء الليل بان "إلى " و "حتى " موضوعتان للغاية في اللغة، وغاية الشيء منتهاه، فإذا انتهى لم يكن بعده إلا ضده  وإلا لم يكن منقطعا، وضد وجوب الصوم عدم وجوبه. ([78])

ومن هنا أجمع فقهاء المذاهب على أن الوقت الذي يحرم فيه الطعام والشراب على الصائم حين يتبين الفجر إلى أول جزء من أجزاء الليل أخذا بقوله تعالى: ( ثم أتموا الصيام إلى الليل )، ([79]) "فإلى " للغاية وما بعد الغاية يخالف ما قبله، والقاعدة في الأصول: أن ما بعد الغاية مخالف لما قبلها في الحكم، فالغاية في الآية هي الليل، وهي ليست من جنس المغيا، وهو النهار المأمور بصومه، فلم يدخل الليل الذي هو الغاية في المغيا لأنها ليست من جنسه([80])

وهكذا يظهر أثر حرف الجر "إلى " في تحديده لوقت انتهاء عبادة الصوم، وعدم التباسه بغيره من الأوقات؛ وذلك أخذا من المعنى الأساسي والمشهور للحرف "إلى" وهو انتهاء الغاية، ومن خلال تطبيق القاعدة النحوية في حكم ما بعد " إلى".

المثال الثالث: قوله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون) البقرة / 280.

أولا: أقوال المفسرين: يرى المفسرون أن مراد الله عز وجل في الآية أن هذا المدين اذا كان معسرا، فعليكم أن تنظروه حتى يوسر، فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْيُسْرِ بِهِ، بل ذهب أبو حيان إلى أن الواجب عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ أن ينظر الْمَدِينِ إِلَى مَيْسَرَةٍ مِنْهُ. ([81])

والراجح عند المفسرين أن " إلى "  تفيد معنى الغاية مطلقاً. فأما دخول ما بعدها  في الحكم وخروجه، فأمر يدور مع الدليل، فمما فيه دليل على الخروج هذه الآية: (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) لأن الإعسار علة الإنذار. وبوجود الميسرة تزول العلة، ولو دخلت الميسرة فيه لكان مُنظراً في كلتا الحالتين معسراً وموسراً.([82])

وقال البيضاوي: وقيل يستفاد خروجه من حيث إن "إلى" تفيد الغاية فتقتضي خروجها وإلا لم تكن غاية.([83])

ثانيا: أقوال الفقهاء: من خلال تتبع أقوال الفقهاء في مسألة إنظار المعسر، تبين أنهم يرجحون في مختلف حالات الإعسار في أداء الدين والنفقات الإنظار كحالة يصعب معها أداء الحقوق  ويقفون عند هذا الحد ولا يتجاوزونه إلى حالة الايسار، مثل ذلك في حالة النفقة الزوجية، قال تعالى: ( لينفق ذو سعة من سعته) الطلاق/7، ويجعلون هذه الآية قاعدة فقهية يرجعون إليها في مثل هذه الحالات، وعلى سبيل المثال لا الحصر انظر كيف وظف الفقهاء هذه الآية الكريمة كقاعدة يستنبطون منها الأحكام ويردون إليها المسائل الفقهية، بحيث تكون القول الفصل عند الاختلاف.( [84])

وقد بنى الفقهاء أحكاما كثيرة لمسائل بحق المفلس والمدين، استقوها من المعنى الذي أداه الحرف "إلى" فكانت هذه الآية بمثابة القاعدة التي قيست عليها كثير من المسائل الفقهية.([85])

 

الخاتمة: أهم النتائج والتوصيات

أولا: النتائج

- الحرف له معنىً في نفسه، ولكن له معنى في غيره، يعود إلى السياق ووظيفة الحرف فلكل حرفٍ معنىً أصيلا، تعود إليه المعاني الأخرى ويفسر بناءً عليه.

- لحروف الجر اثرٌ كبيرٌ في تغيير معنى الجملة من خلال سياقها، ولكل حرف معنى خاص به لا يؤديه غيره.

- حرف الجر " إلى " معناه الأصلي انتهاء الغاية، ودخول ما بعده في حكم ما قبله أمر راجعٌ إلى القرينة، واتحاد ما بعده مع ما قبله في الجنس.

- العلاقة بين اللغة العربية وعلوم الشريعة علاقة تلازم واتصال وتأثر وتأثير وتفاعل متبادل بين العلمين، وبرز ذلك في تأثير علم النحو عامة وحروف الجر خاصة على الاختلافات الفقهية والتفسيرية كما في مسألة غسل المرفقين والكعبين في الوضوء وتحديد وقت الصيام.

ثانيا: التوصيات

- لا بد من الرجوع إلى اللغة العربية والاحتكام إليها عند الاختلاف في معاني الألفاظ ودلالاتها، فهي لغة القرآن الكريم وبها نزل، وهذا أصل من أصول الشريعة ومصدر من مصادر الفقه الإسلامي.

- ضرورة الاقتداء بمنهج العلماء الأفذاذ في الاستدلال اللغوي.

- يجب الربط والتنسيق بين مصادر التشريع للوصول إلى الحكم الصحيح، ففي مسألة غسل المرفقين والكعبين في الوضوء الواردة في سورة المائدة، استدل على الحكم الشرعي بالرجوع إلى المعنى اللغوي لحرف "إلى"، ثم للمصدر الثاني من مصادر التشريع السنة النبوية، حيث تم الاستشهاد بالحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة رضي الله عنه في إدخالهما في الغسل، فثبت غسله عليه الصلاة والسلام للمرفقين والكعبين ولم ينقل عنه تركهما، كما تم الاستشهاد بالسنة الشريفة على صحة المذهب اللغوي في قضية تحديد وقت الصوم وعدم دخول الليل فيه.

أسأل الله العلي القدير التوفيق والسداد، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

(*) كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة اليرموك.

 

الهوامش


[1]. البخاري: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، 2/109.

[2]. الخليل: معجم العين، 3/210( باب الحاء والراء والفاء معهما ).

[3]. الجوهري: جمهرة اللغة، 1/517، ( ح، ف ).

[4]. الجوهري: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،  4/ 1342، مادة ( حرف ).

[5] البخاري: 4/113 ح 3219 كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة. ورواه أيضا في كتاب فضائل القرآن، باب انزل القرآن على سبعة أحرف، 6/184، ح 4991. مسلم: 1/ 561 ح 819، كتاب صلاة المسافر وقصرها، باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف. 

[6]. الزبيدي: تاج العروس، 23/ 128، مادة ( ح، ف )، .

[7]. الأزدي جمهرة اللغة، 1/87 ، مادة ( ج، ر)،. ابن فارس: معجم مقاييس اللغة،  1/410، مادة (جر ). الرازي: مختار الصحاح  1/56، مادة ( ج، ر)،.

[8]. ابن السراج: الأصول في النحو، 1/411. الاشموني: شرح الاشموني لألفية ابن مالك، 2/59.

9. ابن هشام : أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، 3/3.

[10]. انظر:علاء الدين البخاري: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، 2/109. مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( مجموعة مؤلفين ): المعجم الوسيط، 1/167،( مادة حرف ).

[11]. علاء الدين البخاري: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، 2/167.

[12]. ابن يعيش شرح المفصل للزمخشري، 4/454.

[13]. حسن: النحو الوافي، 2/431.

[14]. ابن هشام:: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر، 1/102.

[15]. ابن هشام: مغني اللبيب، 1/96. 

[16]. انظر:ابن قدامة:  روضة الناظر وجنة المناظر، 2/130.  ابن مالك:: شرح التسهيل، 3/141. الطوفي:شرح مختصر الروضة،2/756.القمي: غرائب القرآن ورغائب الفرقان، 2/556.  حسن: النحو الوافي، 2/431. 

[17] سيبويه: الكتاب، 4/231.

[18]. المبرد: المقتضب، 4/139.

[19] انظر: ابن يعيش: شرح المفصل للزمخشري، 4/463.

[20]. انظر المرادي: الجنى الداني، 1/385. ابن هشام: مغني اللبيب، 1/96.

[21]. انظر المرادي: الجنى الداني، 1/385. ابن هشام: مغني اللبيب، 1/96.

[22]. التناوب: هو استعمال الأداة في موضع ليس من مواضعها المطردة؛ وذلك طمعا في التلوين في التعبير أو لتحقيق داعٍ من دواعي البلاغة والتأثير. انظر:الصغير: الأدوات النحوية، ص( 700 ). 

[23] الفراء: معاني القرآن، 2/395.

[24] العسكري: الفروق اللغوية، 1/24.

[25]. ابن جني: الخصائص، 2/308.

[26]. التضمين: هو أن يقع احد الحرفين موقع صاحبه إيذانا بان هذا الفعل في معنى ذلك الآخر. انظر: الاخفش: معاني القرآن، 1/139.

[27]. انظر: ابن السراج: الأصول في النحو، 1/411. المرادي: الجنى الداني، 1/385. ابن هشام: مغني اللبيب ، 1/96. الاشموني: شرح الاشموني لألفية ابن مالك، 2/59.

[28]. السبكي: الأشباه والنظائر، 2/204.

[29]. علاء الدين البخاري: كشف الأسرار شرح أصول البزدوي، 2/177.

[30]. ابن يعيش: شرح المفصل للزمخشري، 4/ 454.

[31]. السبكي: الأشباه والنظائر، 2/204.

[32]. انظر: شرح الرضى للكافية، 6/14.

[33]. ابن قدامة: المغني، 1/96. ابن يعيش: شرح مفصل الزمخشري، 4/463. السبكي: الأشباه والنظائر، 2/204. الاشموني: شرح ألفية ابن مالك، 2/59. انظر: حسن: النحو الوافي، 2/431.

[34]. سيبويه: الكتاب، 4/231.

[35]. انظر: المرادي: الجنى الداني، 1/385.

[36]. انظر:  القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 2/327. السبكي: الأشباه والنظائر، 2/204. الزركشي: البحر المحيط في أصول الفقه، 4/463.

[37]. البخاري: 1/44 ح 164، كتاب الوضوء، باب المضمضة في الوضوء. انظر:1/204 ح 226، كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء وكماله.

[38].المرفق: أصله من الرفق، وهو لين الجانب، والمرفق من الإنسان والدابة: موصل الذراع في العضد، والمرفق للإنسان لأنه يستريح في الاتكاء عليه. انظر: الخليل: العين، 5/149. الكعب: جمهرة اللغة، 2/784. ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، 2/418.

[39]. الكعب: عظم طرف الساق، وهو ما اشرف فوق الساق عند القدم، ويقال: رجل عالي الكعب: يوصف بالشرف والظفر. انظر الخليل: العين، 1/207، باب العين والكاف والباء. ابن فارس: مقاييس اللغة، باب الكاف والباء وما يثلثهما، 5/186. ابن منظور: لسان العرب، 1/718، فصل الكاف.

[40].انظر الزمخشري: الكشاف، 1/610. ابن عطية: المحرر الوجيز، 2/161. ابن العربي: أحكام القرآن، 2/58. ابن عاشور: التحرير والتنوير، 6/130.

[41] "اليد: عبارة عما بين المنكب والظفر، وهي ذات أجزاء وأسماء، منها المنكب والكف والأصابع، وهي محل البطش والتصرف العام في المنافع. " انظر: ابن العربي: أحكام القرآن، 2/57.

[42]. انظر: ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير، 1/521. السمين الحلبي: الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، 4/208. ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 3/49.

[43]. انظر: ابن العربي: أحكام القرآن، 2/59.

[44]. الزجاج: معاني القرآن وإعرابه، 2/153. النحاس: معاني القرآن، 2/270. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ( 5/10، 6/86)

[45]. انظر: ابن تيمية: شرح عمدة الفقه، 1/186. ابن العربي: أحكام القرآن، 2/58. ابن يعيش: شرح المفصل للزمخشري، 4/454. البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 2/116. الجصاص: أحكام القرآن، 3/343. الشوكاني: فتح القدير، 2/21. الشعراوي: تفسير الشعراوي، 5/2950. انظر:الكيا الهراسي: أحكام القرآن، 3/38.

[46]. انظر:ابن قدامة: المغني، 1/90. انظر: النووي: المجموع، 1/385. الزركشي: شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/188.

[47]. الشافعي: الأم، 1/40.

[48]. انظر: 1/216 ح 246، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل، عن نعيم بن عبد الله قال: " رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى ثم شرع في العضد، ثم يده اليسرى ثم اشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى اشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ..............."

[49]. انظر: ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، 1/18. الكاساني: بدائع الصنائع، 1/4. الشوكاني: نيل الاوطار، 194.

[50]. ابن حزم: المحلى، 1/297. انظر:السغدي: النتف في الفتاوى، 1/18.

[51]. انظر: ابن حجر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، 1/292.

[52]. انظر: ابن قدامة: المغني، 1/90.

[53]. ابن العربي: أحكام القرآن، 2/59.

[54]. الزركشي: شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 1/188.

[55]. ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، 1/18.

[56]. القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 6/86.

[57]. الرافعي: العزيز شرح الوجيز، 1/111.

[58].ابن العربي: أحكام القرآن، 2/59.

[59]. ابن قدامة: المغني، 1/91.

[60]. النووي:المجموع شرح المهذب، 1/386.

[61]. انظر: مسلم: 1/216، ح 246، كتاب الطهارة، باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل.

[62]. الدارقطني: السنن، 1/ 142 ح 272، كتاب الطهارة، باب وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. البيهقي: السنن الكبرى، 1/93 ح 256، باب التكرار في غسل اليدين، يرويه ابن عقل: ليس بقوي، قال ابن كثير في تفسيره، 3/49: " يرويه القاسم بن عقيل عن جده عن جابر والقاسم متروك الحديث وجده ضعيف."

[63] انظر: الطبري: جامع البيان، 3/263. الثعلبي: الكشف والبيان عن تفسير القرآن، 2/81.

[64]. انظر:السمعاني: تفسير القرآن، 1/189. البغوي معالم التنزيل في تفسير القرآن، 2/22. ابن عطية: المحرر الوجيز، 1/259. الخازن: أحكام القرآن، 2/327. أبو حيان: البحر المحيط، 2/218. الثعالبي: الجواهر الحسان في تفسير القرآن، 1/395.

[65].القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، 2/327. الخازن: لباب التأويل في معاني التنزيل، 1/118.

[66]. البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 1/126. أبو حيان: البحر المحيط، 2/218. الشعراوي: تفسير الشعراوي، 5/2951. طنطاوي: التفسير الوسيط، 1/397. الزحيلي: التفسير المنير، 2/159.

[67] أبو حيان: البحر المحيط، 2/218.

[68].مسلم: 3/29 ح 1922 كتاب الصوم، باب بركة السحور من غير إيجاب. مسلم: 2/774 ح 1102 كتاب الصوم، باب النهي عن الوصال في الصوم.

[69]. أبو حيان: البحر المحيط، 2/218.

[70]. انظر: الأصفهاني: تفسير الراغب الأصفهاني، 1/399.  ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 1/517. اشوكاني: فتح القدير، 1/214.

[71]. البخاري: 3/33 ح 1941، كتاب الصوم، باب الصوم في السفر والإفطار، ورواه في مواضع أخرى في باب متى يحل فطر الصائم 3/36 ح 1955، وباب يفطر بما تيسر من الماء، 3/36 ح 1956، وباب تعجيل الإفطار ح 1958، ورواه في كتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، 7/51، ح 5297. مسلم: 2/773المنار، كتاب الصوم، باب بيان وقت انقضاء الصوم.

[72]. رضا: تفسير المنار، 2/143. المراغي: تفسير المراغي، 2/79.

[73]. العثيمين: تفسير العثيمين الفاتحة والبقرة، 2/357.

[74]. البخاري: 3/36 ح 1957، كتاب الصوم، باب تعجيل الإفطار. مسلم:2/771 ح 1098 كتاب الصيام، باب فضل السحور وتأكيد استحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر.

[75]. العثيمين: تفسير العثيمين، 2/357. 

[76]. انظر: الهامش رقم (72).

[77]. انظر السغدي: النتف في الفتاوى، 1/17. ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، 1/23. الرازي: المحصول، 1/378. القرافي: الذخيرة، 1/256. الكاساني: بدائع الصنائع، 3/160. ابن قدامة: المغني، 5/127.

[78]. الطوفي: شرح مختصر الروضة، 2/759.

[79]. الشافعي: الأم، 2/105. الماوردي:: الحاوي الكبير، 15/373.

[80]. الشنقيطي: شرح زاد المستقنع، 1/162.

[81] أبو حيان: البحر المحيط، 2/719.

[82]  الزمخشري: الكشاف، 1/610.

[83]  البيضاوي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 1/ 116.

[84]  انظر: الكاساني:  بدائع الصنائع، 4/88- 95،  فصل في صفة الإعتاق. وانظر القرافي: الذخيرة،6/80،  كتاب القراض أحكام رأس المال وشروطه .

   [85] انظر ابن قدامة: المغني،  4/337، فَصْلٌ: وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ،. وانظر: الشافعي: الأم، 3/206. الماوردي، الحاوي الكبير، 11/454،  كتاب النفقات في مسألة الرجل لا يجد نفقة،.