الموضوع : الأصل في الصحابة ثبوت الصحبة والعدالة

رقم الفتوى : 4006

التاريخ : 22-09-2025

السؤال :

هل يوجد أحد من الصحابة ثبتت صحبته أنه كان منافقاً؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

الصحابيُّ: هو مَن اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته مسلماً ومات على إسلامه، قال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "والأصح ما قيل في تعريف الصحابيّ أنه مَن لقي النبي صلى الله عليه وسلم في حياته مسلماً ومات على إسلامه" [الإصابة في تمييز الصحابة 1/ 8].

والصحابة كلهم عدول لتعديل الله عز وجل، وتعديل النبي صلى الله عليه وسلم لهم، يقول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك، قال الإمام النووي رحمه الله: "الصحابة كلهم عدول، مَن لابس الفتنة وغيرهم، بإجماع مَن يُعتدُّ به" [التقريب والتيسير/ ص92]، وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "فهم خير القرون، وخير أمة أُخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منها" [الاستيعاب في معرفة الأصحاب 1/ 3].

واشترط العلماء لثبوت شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم أن يلتقي هذا الشخص بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ويموت على الإيمان ولو تخللتْ ردّة بين ذلك، ومَن لم يثبت له هذا الشرط كمن مات على النفاق، أو ارتدَّ، ولم يرجع للإسلام فهو خارج عن معنى الصحبة الشرعية؛ لأن المنافق إذا مات على النفاق لا يعدُّ مؤمناً، وينزع منه شرف الصحبة والخيرية التي كتبها الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "قوله: "لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم" أي ابتلوا به؛ لأنهم كانوا من طبقة الصحابة، فهم خير من طبقة التابعين، لكنَّ الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية منهم، ومنهم من تاب فعادت له الخيرية؛ فكأن حذيفة حذَّر الذين خاطبهم وأشار لهم أن لا يغتروا، فإن القلوب تتقلب فحذرهم من الخروج من الإيمان؛ لأن الأعمال بالخاتمة" [فتح الباري 8/ 266].

هذا؛ ووجود بعض المنافقين حول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدح في عدالة الصحابة رضي الله عنهم، فالمنافقون كانوا قلة ذليلة معروفة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد منافق واحد منهم عدّه أهل العلم في الصحابة، ولم يرو منافق قطّ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام المرداوي الحنبلي رحمه الله: "قال الحافظ المزي: من الفوائد أنه لم يوجد قط رِواية عمَّن لمز بالنفاق من الصحابة رضي الله عنهم " [التحبير شرح التحرير 4 /1995]، وقد أطلع الله نبيه على المنافقين، وقد أخبر صاحبه حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما بشيء من ذلك، فقد روى الإمام مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا، فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)، فمسألة النفاق وثبوتها لا تكون إلا بنص صحيح صريح، فمَن لم يثبت نفاقه بنص؛ فالأصل فيه ثبوت الصحبة والعدالة.

وعليه؛ فمَن ثبت نفاقه بنص -كابن سلول- لا يعدُّ صحابياً؛ لأن من شرط ثبوت الصحبة وجود الإيمان، وهذا غير متحقق فيه، ومَن لم يثبت نفاقه؛ فالأصل فيه ثبوت الصحبة والعدالة، وهذا هو حال غالب الصحابة. والله تعالى أعلم.