الموضوع : التلفظ بالنية في العبادات مستحب

رقم الفتوى : 3636

التاريخ : 23-08-2021

السؤال :

ما الحكم الشرعي للجهر بالنية في العبادات؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

النيةُ محلُّها القلب، فيلزم من أراد عبادةً من وضوءٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ ونحوها أن يستحضر النية بقلبه؛ لتصحَّ عبادتُه، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي: العبادة، ومنه قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات، فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره" [تفسير القرطبي 20/ 144].

وأخرج الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).

وأمّا التلفظ بالنية؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنّ التلفظ بالنية مستحبّ؛ وذلك لتذكير اللسان القلب فتكون النية عن استحضار حقيقي، جاء في [نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 1/ 457] من كتب الشافعية: "والنية بالقلب إجماعاً، فلا يكفي نطق بها مع غفلة قلبه عنها، وهذا جار في سائر الأبواب، ولا يضره لو نطق بخلاف ما في القلب، كأن نوى الظهر وسبق لسانه إلى العصر، ويندب النطق بالمنوي قبيل التكبير؛ ليساعد اللسان القلب ولأنه أبعد عن الوسواس".

وقد ثبت استحباب التلفظ بالنية بالحج بالتلبية من حديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم (يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا)، قَالَ بَكْرٌ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: «لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» فَلَقِيتُ أَنَسًا فَحَدَّثْتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ أَنَسٌ: مَا تَعُدُّونَنَا إِلَّا صِبْيَانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) أخرجه البخاري.

ولذلك قاس بعض العلماء استحباب التلفظ بالنية في الوضوء والصلاة على الحجّ، قال ابن حجر الهيتمي عند قول الإمام النووي (ويندب النطق قبيل التكبير): "ليساعد اللسان القلب وخروجاً من خلاف من أوجبه وإن شذّ، وقياساً على ما يأتي في الحج المندفع به التشنيع بأنه لم ينقل" [تحفة المحتاج في شرح المنهاج 2/ 12].

جاء في [الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/ 127] من كتب الحنفية: "والجمع بين نية القلب وفعل اللسان هذه رتبة وسطى بين من سنّ التلفظ بالنية ومن كرهه لعدم نقله عن السلف والتسمية كما مرّ عند غسل كل عضو، وكذا الممسوح والدعاء بالوارد عنده أي عند كل عضو".

وجاء في [كشاف القناع عن متن الإقناع 1/ 87] من كتب الحنابلة: "يستحب التلفظ بها سراً وهو المذهب قدمه في الفروع، وجزم به ابن عبيدان، والتلخيص وابن تميم وابن رزين، قال الزركشي هو أولى عند كثير من المتأخرين".

أما دعوى أنّ التلفظ بالنية بدعة ضلالة بدليل أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة الكرام أنه تلفظ بالنية قبل الصلاة أو الوضوء، فهذا الكلام فيه مجازفة كبيرة واتهام لعلماء المسلمين، وتضليل لعموم المسلمين، ولا يجوز الحكم بالتضليل في مسألة فقهية فرعية، خاصة أن جمهور العلماء قالوا بجواز التلفظ بالنية.

قال ملا علي القاري رحمه الله: "وقيل: لا يجوز التلفظ بالنية فإنه بدعة، والمتابعة كما تكون في الفعل تكون في الترك أيضاً، فمن واظب على فعل لم يفعله الشارع، فهو مبتدع. وقد يقال: نسلم أنها بدعة لكنها مستحسنة استحبها المشايخ للاستعانة على استحضار النية لمن احتاج إليها، وهو عليه الصلاة والسلام وأصحابه لما كانوا في مقام الجمع والحضور لم يكونوا محتاجين إلى الاستحضار المذكور" [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1/42]. والله تعالى أعلم.