الموضوع : من التنزيه نفي اتصاف رب العالمين بالمكان والزمان

رقم الفتوى : 3334

التاريخ : 09-11-2017

السؤال :

ما مدى صحة القول المنسوب لأبي بكر رضي الله عنه، ونصه: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله الذي في السماء فإنه لم يمت"، وإن كان صحيحاً فكيف نفهم قوله: "الذي في السماء"؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

بعد البحث في كتب السنة النبوية تبين أن الأثر المذكور أخرجه البخاري في [صحيحه] من حديث عائشة بلفظ "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ"، ورواه ابن ماجه وأحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي وابن راهويه بعدة طرق عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما دون زيادة لفظة "في السماء".

وأخرجه البخاري في [التاريخ الكبير] عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت". وفي إسناده محمد بن فضيل بن غزوان وهو – وإن وثقه بعض المحدثين – إلا أن الذهبي نقل عن أبي حاتم قوله عنه: كثير الخطأ. وقال ابن سعد: بعضهم لا يحتج به. ينظر [من تكلم فيه وهو موثق، ص167]، وهذا التضعيف ينزل بمرتبته، فلا تقبل زيادته في حديث ابن عمر خلافا لحديث عائشة في "صحيح البخاري"، فقد أثبت زيادة لم يروها أصحاب الطرق الأخرى، ولا اعتمدها أئمة الحديث الشريف في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، وإنما ذكرت في كتاب لتراجم الرواة وهو كتاب [التاريخ الكبير للإمام البخاري]، ومن المعلوم أنه لا يقصد به الاحتجاج ولا الاستشهاد.

هذا وقد اتفق العلماء جميعا على أن الآيات والأحاديث التي يمكن أن يدل ظاهرها على أن الله (في السماء) لا يجوز أن تفهم بالمعنى الظاهر أن السماء تحيط به جل وعلا، فعقيدة أهل السنة والجماعة تقوم على التنزيه، ومن التنزيه نفي اتصاف رب العالمين بالمكان والزمان؛ لأنهما مخلوقان، ولا يصح شرعاً ولا عقلاً أن يكون المخلوق مكاناً للخالق؛ قال الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: "فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات" انتهى. 

وبالنظر في متن الرواية باللفظة الزائدة (في السماء) – على فرض ثبوتها -، فسياق الواقعة يدل على أن المراد من السماء المعنى المجازي، وهو علو المكانة والقهر، فسيدنا أبو بكر أراد أن يثبّت الناس ويوحد صفوفهم ويستوعب الموقف الشديد، فذكر الناس بطبيعة البشر القابلة للحياة والموت، وبعظمة الله تعالى وقهريته وعلو مكانته وديمومته. والله تعالى أعلم.