الموضوع : مكانة العلوم العقلية في الحضارة الإسلامية

رقم الفتوى : 3021

التاريخ : 08-12-2014

السؤال :

هل كان لحضارة الإسلام علوم عقلية خاصة، وما حكم تعلم الكلام والفلسفة والمقولات العشر وغيرها من العلوم التي لها أصل في حضارات أخرى؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

حضارة الإسلام حضارة فاعلة ورائدة شاركت الحضارات الأخرى في العلوم المختلفة، وتميزت عنها بعلوم عقلية هذبتها عقول علماء الإسلام، فمن العلوم العقلية علم الكلام، وعلم المنطق، والمقولات العشر، وغيرها من العلوم التي يدخل فيها النقل أيضاً كعلم أصول الفقه، وليس كل علم وجد في حضارات أخرى يكون باطلاً، بل الباطل هو ما يخالف الحق، والحكمة ضالة المؤمن وهو أولى بها، وقد جعل الله لكل شيء ميزاناً قسطاً وأمرنا باتباعه، قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) الإسراء/35.

جاء في "مغني المحتاج": "ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج العلمية". قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة/122.

بل قد يكون فرض عين إن تحققت القابلية في عالم معين لإقامة الحجج العلمية وردّ الشبهات عن الإسلام.

جاء في "منح الجليل": "من كان فيه موضع للإمامة والاجتهاد فطلب العلم واجب عليه، يعني أنه فرض عين على من ظهرت فيه القابلية"، ويدخل في هذه العلوم: علم الكلام وعلم المنطق ومباحث المقولات العشر.

أما علم الكلام فهو من أعلى العلوم الدينية وأجلها مكانة، كما قال العلامة السعد التفتازاني: "الأحكام الجزئية بأدلتها التفصيلية موقوفة على معرفة أحوال الأدلة الكلية من حيث توصل إلى الأحكام الشرعية، وهي موقوفة على معرفة الباري وصفاته وصدق المبلغ ودلالة معجزاته ونحو ذلك مما يشتمل عليه علم الكلام الباحث عن أحوال الصانع والنبوة والإمامة والمعاد وما يتصل بذلك على قانون الإسلام" "التلويح على التوضيح".

وأما علم المنطق ومباحث المقولات العشر، فهي علوم آلية يستعان بها على تحصيل المعارف عن الأشياء للحكم عليها بالأحكام العلمية، وتمييز الفكر الصحيح من الفاسد، ومعرفة أجناس الموجودات من جواهر وأعراض وأحكامها.

ويعدّ علم المنطق ومباحث المقولات من العلوم الخادمة لعلوم الدين والممهدة لإثبات المسائل الشرعية، والنافعة في إقامة الحجج ودفع الشبه، وقد درج العلماء على ذكر المقولات في كتب علم الكلام وأصول الفقه، مثل كتاب "أبكار الأفكار" للإمام الآمدي، و"غاية الوصول" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري. 

بل إن عدداً من علماء الأصول افتتحوا كتبهم الأصولية بمباحث عقلية من علم المنطق وعلم الكلام من مثل "المستصفى" للإمام الغزالي، و"مختصر ابن الحاجب" الأصولي.

كما أن هذه العلوم العقلية تمكن العالم من المجادلة بالحكمة والحسنى، وهو أمر مطلوب؛ لقول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125. والله تعالى أعلم.