اسم المفتي : لجنة الإفتاء

الموضوع : حديث أن يهودياً قال للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: إنكم تشركون

رقم الفتوى : 2687

التاريخ : 17-09-2012

السؤال :

ورد في حديث أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون، وإنكم تشركون؛ تقولون: ما شاء الله وشئت. وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت. فقد يوهم هذا الحديث أن الشرك كان موجوداً بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف نُزيل هذا الإشكال؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
نص الحديث الوارد في السؤال يُروى عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن يسار، عَنْ قُتَيْلَةَ -امْرَأَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ-: أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ، وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ؛ تَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، وَتَقُولُونَ: وَالْكَعْبَةِ. فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَيَقُولُونَ: مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ) رواه النسائي في "السنن" (رقم/3773).
والإشكال في ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر الشرك في أصحابه حتى جاء اليهودي لينبه عليه.
والجواب عن هذا الإشكال من أوجه عدة:
الوجه الأول: أنه حديث ضعيف لا يثبت، وإسناد النسائي المذكور سابقاً خطأ وقع من معبد بن خالد، والصواب ما رواه منصور، عن عبد الله بن يسار، عن حذيفة بن اليمان، وليس عن قُتيلة، كما قال الإمام البخاري رحمه الله: "حديث منصور أشبه عندي وأصح"، ينظر "العلل الكبير" للترمذي (رقم/457)، يعني أن الحديث من رواية عبد الله بن يسار عن حذيفة، وهو لم يسمع منه، فيكون الحديث منقطعاً ضعيفاً.
يقول الدارمي رحمه الله: "وسألته عن عبد الله بن يسار الذي يروي عنه منصور عن حذيفة: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان) ألقي حذيفة؟ فقال: لا أعلمه" ينظر: "تاريخ ابن معين رواية الدارمي" (ص/160).
الوجه الثاني: وعلى فرض صحة حديث حذيفة بن اليمان فليس فيه كلام اليهودي، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، وَشَاءَ فُلَانٌ، قُولُوا مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ) رواه أحمد في "المسند" (38/ 300)، فالرواية الأصح ليس فيها اللفظ محل الإشكال.
الوجه الثالث: وعلى فرض صحة لفظ معبد بن خالد عن قتيلة، فلا يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر قول اليهودي في قوله: (إنكم تشركون)، وإنما الذي يفهم من الحديث أن قول المرء: (ما شاء الله وشئت)، وقوله: (والكعبة) مما كان مباحاً في أول الأمر، ثم نسخت الإباحة بالسنة حينما نهاهم عن ذلك، ثم إن مثل هذه الألفاظ ليست من الشرك المخرج من الإسلام، وإنما هي ألفاظ يقتضي الأدب مع الله اجتنابها والابتعاد عنها.
الوجه الرابع: أو يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع أحداً من الصحابة يأتي بهذه الألفاظ المخالفة، وإنما سمعها اليهودي عن بعض الصحابة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنهى عنها، ويكون الشرك هنا هو الشرك الأصغر غير المخرج من الملة. والله أعلم.