اسم المفتي : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله (المتوفى سنة 1432هـ)

الموضوع : حكم إجهاض الجنين قبل وبعد المئة وعشرين يوماً

رقم الفتوى : 2455

التاريخ : 26-07-2012

السؤال :

أفتى بعض العلماء المعروفين بجواز إجهاض الحامل قبل (120) يومًا، ما رأيكم، وهل صحيح أن الحياة لا تدب بالجنين إلا بعد (120) يومًا، بينما بعض الأطباء يرون أن الحياة بدأت من اللحظة الأولى لالتقاء ماء الرجل وماء المرأة، وبعض العلماء يرون أنه إذا لم تدب الحركة بالجنين فلا يوجد حياة؟

الجواب :

يجب أن نفرّق في هذا الموضوع بين الحياة وبين الروح؛ لأن الحياة لها مظاهر متعددة فقد تكون حياة نباتية، ومن مظاهرها النمو والتكاثر، وقد تكون حياة حيوانية، ومن مظاهرها الحركة والانتقال، أما حياة الإنسان فتزيد على الحياة النباتية والحيوانية بوجود خاصية للإنسان ليست في غيره، ومن مظاهرها القدرة على التحليل والتركيب والاستنتاج والاختيار والإرادة وتحسين ظروف المعيشة، وهذه الخاصية تسمى الروح، وتسمى النفس، والعقل، والقلب.

وكل هذه الألفاظ وردت في الشرع، ويقصد بها تلك الخاصية التي ميز الله بها الإنسان عن سائر المخلوقات، وتنفخ في الإنسان وهو ما زال في رحم أمه، إذن فالحياة التي يعنيها الأطباء غير الروح التي يتكلم عنها علماء الشرع، ولا شكّ أن الجنين له حرمة منذ علوقه بالرحم، ولكن تعظم حرمته عندما تنفخ فيه الروح، ويرى بعض العلماء أن الروح تنفخ في الجنين بعد أربعين يوماً من علوقه، وبنوا على ذلك أنه لا يجوز الإجهاض بعد الأربعين مهما كانت الأسباب إلا أن يخشى على حياة الأم بحيث تكون معرضة للموت المحقق ولا سبيل لإنقاذها إلا بالإجهاض، ويرجع في تقدير هذا للأطباء.

 أما قبل الأربعين، فلا يجوز الإجهاض أيضاً إلا باتفاق الأبوين، ومن أجل تجنب خطر على الأم، وإن لم يكن ذلك الخطر مؤدياً إلى الموت، وهذا الرأي جدير بالتقدير؛ لأنه متفق مع الأحاديث الصحيحة ومعطيات الطب الحديث.

لكن حديث ابن مسعود رضي الله عنه المشهور فيه: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ في ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ... الحديث) رواه البخاري ومسلم، فالحديث واضح في أن نفخ الروح يكون بعد مئة وعشرين يوماً، ونظراً لهذا الحديث وغيره من الأحاديث والأحكام الشرعية فإن الجنين إذا علق في الرحم لا يجوز إجهاضه مهما كان عمره، لأنه بداية خلق إنسان محترم، ولو تسبب إنسان في إجهاضه فعليه دية قيمتها خمسة من الإبل، وكفارة صيام شهرين متتابعين، وهذا دليل الإثم في إسقاطه، لكن إذا خشي على أمه ضررًا مؤكدًّا جاز إجهاضه قبل مائة وعشرين يومًا من علوقه، وبعد المئة عشرين لا يجوز إسقاطه إلا إذا قرر الأطباء الثقات لأن بقاءه يؤدي إلى موت أمه حتمًا، وبهذا أخذ مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة، والله تعالى أعلم.

"فتاوى الشيخ نوح علي سلمان" (فتاوى الأحوال الشخصية/ فتوى رقم/64)