الوثيقة الختامية لمؤتمرالإفتاء

أضيف بتاريخ : 18-05-2016


الوثيقة الختامية لمؤتمر دائرة الإفتاء العام الدولي بعنوان:

(نقض شبهات التطرف والتكفير)

عمان/ الأردن 10-11/شعبان/ 1437ه، الموافق 17-18 /5 /2016م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغرِّ الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

انطلاقاً من المسؤولية التاريخية للمملكة الأردنية الهاشمية في إبراز صورة الإسلام المشرقة ووقف التجني عليه ورد الشبهات التي تثار حوله مستندة إلى ما ورد في رسالة عمان "رسالة الإسلام السمحة" التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني أعزه الله بشرعية هاشمية موصولة بالنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، حيث أُطلقت رسالة عمان عشيّة السابع والعشرين من رمضان المبارك عام 1425هـ/ التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2004م، في عمّان، وغايتها إظهار مقاصد الإسلام والرد على من يحاول تشويه صورته من أعدائه ومن بعض الذين يدّعون الانتساب له ويقومون بأفعال غير مسؤولة باسمه.

واستكمالاً لهذا النهج عقدت دائرة الإفتاء العام هذا المؤتمر الدولي بمشاركة نخبة كريمة من المؤتمرين علماء الأمة الإسلامية لتجتمع كلمتهم على تبني النهج الذي يبين وسطية الإسلام وسماحته، والدفاع عن مبادئه وقيمه الداعية إلى الرحمة والعدل، ومواجهة الأفكار الشاذة والمنحرفة، التي أدت إلى تكفير المسلمين وإراقة دمائهم التزاماً بقول الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) آل عمران/104.

فالأمة الإسلامية أمة واحدة ربها واحد، ونبيها واحد، وتعاليمها واحدة، يقول الله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)الأنبياء/92، وتتحقق وحدة الأمة بترسيخ مبدأ الأخوة بين المسلمين على أساس الإيمان بالله تعالى اتباعاً للمنهج الإلهي الشامل في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) الحجرات/10، فالعقد بين المؤمنين عقد حقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام العبادات، وقد امتن الله في كتابه الكريم على عباده المؤمنين أن ألف بين قلوبهم بعد أن كانوا أعداءً فأصبحوا بنعمته إخواناً، وهذا يقتضي الابتعاد عن جميع مظاهر الخلاف التي تؤدي إلى الشقاق والنزاع، وشقّ الصف الإسلامي الواحد، بمجاهدة النفس واتساع الصدر والأفق للوصول إلى ما يحقق السعادة في الدنيا والآخرة.

ولا يجوز تكفير من أقر بالشهادتين إلا إن جاء بما ينقضها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا) متفق عليه.

والدولة في الإسلام هي التي تحفظ شؤون البلاد والعباد وتقوم بمقاصد الحكم المطلوبة لتحقيق الأمن والاستقرار وبما يحقق العدالة والمساواة، ولا يجوز لأي جماعة أن تنفرد بأحكام الولاية والخلافة وعقدها من دون الأمة.

إن شمولية رسالة الإسلام التي تقوم على إرساء مبادئ العدل والرحمة والتسامح والسلام بين الناس تؤهله لتنظيم علاقة المسلمين بغيرهم وفق مبادئ إسلامية رصينة تقوم على السلم والتعاون على البر والتقوى، أما الحرب فهي استثناء لها شروطها الشرعية وقواعدها وأخلاقياتها، ولا تكون إلا بإعلان من ولي الأمر الذي يقدر المصالح والمفاسد والمواثيق والأعراف الدولية.

ولا يقتصر الجهاد في المفهوم الإسلامي على القتال وحده، بل يشمل الدعوة إلى الحق والرشاد، بالحكمة والموعظة الحسنة، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125.

وأما ما تفعله التنظيمات المتطرفة، من تدمير وتخريب للعمران وحضٍّ للشباب على قتل أنفسهم وأهليهم وزعزعة أمن البلاد والعباد فهذا ليس جهاداً، وإنما هو بغي وعدوان، وإجرام وإفساد. لذلك فإنه يحرم الانتماء إلى هذه التنظيمات، والمقاتلة في صفها أو نصرتها؛ لأنها ترفع راية عمية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو إِلَى عَصَبِيَّةٍ، أَوْ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ، فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ).

وظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين (الإسلاموفوبيا) وإن كانت ترجع إلى بعض الممارسات الشاذة والمنحرفة التي يمارسها بعض المنتسبين لهذا الدين الحنيف، فإن جزءاً كبيراً منها يعود إلى العنصرية والعداء للإسلام والمسلمين، ولهذا فإننا نحذر من تنامي هذه الظاهرة التي تؤدي إلى تزايد فكر الإرهاب والتطرف.

كما يجب التأكيد على أن فلسطين هي قضية المسلمين الأولى وأن الاحتلال الغاشم لفلسطين، واغتصاب المسجد الأقصى المبارك، قبلة المسلمين الأولى، وإحدى أقدس مقدساتهم، أحد الأسباب الرئيسة لحدوث الاضطرابات في العالم.

والواجب على علماء الأمة الإسلامية الواحدة أن يقوموا بواجبهم الشرعي في رأب صدع الأمة، وتوحيد صفوفها، ومحاربة الأفكار الشاذة والمنحرفة، وبيان زيف شبه المتطرفين، كما يجب عليهم تبيين الفهم الصحيح للإسلام الذي ينبني على أسس سليمة، أولها: التمسك بالقرآن الكريم ونصوصه، والثانية: اتباع بالثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث: هو الفهم الصحيح السليم لهذه النصوص من القرآن والسنة في ضوء القواعد الكلية والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية بعيداً عن التحريف والتشويه وليّ أعناق النصوص لتأييد فكر أو انتصار لمذهب أو تبرير لعمل وإيجاد مسوغات له، وطرح الآراء التي انحرفت عن منهج الفهم السليم والإدراك القويم لطبيعة الدين وصلته بالحياة، وأن يعملوا على نشر ثقافة الحوار والاعتدال والتسامح وحسن الظن، وقبول الآخر.

(اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) الزمر/46.

والحمد لله رب العالمين