في وداع رمضان

الكاتب : المفتي الدكتور أحمد الحسنات

أضيف بتاريخ : 25-08-2010


 

 

ها نحن نودع ما استقبلناه بالأمس، وها هو شهر رمضان يعد عدَّته للرحيل.. لقد حلَّ علينا رمضان ضيفاً كريماً ويغادرنا كما جاءنا، وهذه سنة الله في الكون.. شهر يجيء، وشهر يذهب.. وهكذا الدنيا دواليك..

ونقف لحظة ونحن نودع رمضان، لنسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لرمضان، ماذا فعلنا في رمضان، هل صمناه حق الصيام، وهل قمناه حق القيام، هل تحققت فينا الحكمة من الصيام (لعلكم تتقون)البقرة/١٨٣، هل زادت طاعاتنا في رمضان، أم أنه مر علينا ونحن لاعبون لاهون؟!

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) [رواه الترمذي وأحمد]، فهل نحن من الذين رغمت أنوفهم أم من الذين سعدت أيامهم برحمة الله، أم نحن من الذي غرّهم طول الأمل، وقضينا رمضان لاعبين لاهين مغرورين بطول الأمل؟!

يا من بدنياه اشتغل      وغره طول الأمل

الموت يأتي بغتة        والقبر صندوق العمل

أيها الأحبة:لقد أكرمنا الله بشهر رمضان بأن ضاعف فيه الأجور، وأعطانا فرصة لتدارك ما فاتنا من الأعمال الصالحة، فهل كنا على قدر عطاء الله، وهل كنا على قدر كرم الله؟!

طوبى للتائبين في رمضان، وطوبى للعابدين في رمضان، وهنيئاً لمن أقبل على الله في رمضان، والخسارة كل الخسارة، والثبور كل الثبور لمن لم يستثمر هذا الشهر؛ فقد لا يدركه مرة أخرى. فمن لم يتب في رمضان متى يتوب، ومن لم يرجع إلى ربه في رمضان متى يؤوب، ومن لم يأخذ بحظ وافر من هذه الليالي متى يحصل على المطلوب؟!

أيها الأحبة:وماذا بعد رمضان؟! هل نعود إلى ما كنا عليه من معاصٍ وتركٍ للفرائض، كثيرون هم الذين يقبلون على الطاعات في رمضان من صلاة وصدقة وقراءة للقرآن، ولكننا نجدهم ما إن ينقضي رمضان حتى يضيعوا الصلاة ويحبسوا الأموال ويهجروا القرآن، ويعود الإنسان إلى ما كان عليه.

المولى عز وجل يريد منا أن نبقى بعد رمضان كما كنا في رمضان، فما شرع لنا رمضان إلا لتحقيق التقوى، ولتمرين النفس على طاعة الله.

ولكن.. كيف نودع رمضان، هل نودعه بالبكاء والنحيب؟! كلا بل نودعه بالطاعة كما استقبلناه، نودعه بالشكر لله على أن بلغنا إياه، نودعه بالعزم على أن يبقى معنى الصيام في نفوسنا، نودعه بزيادة الطاعات.. ألا ترون النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا يكثرون من الطاعات في أواخر رمضان.. كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أيقظ أهله وشد المئزر وأحيا الليل.

ونحن نودع رمضان ندعو الله أن يتقبل منا ومنكم الطاعات، ونستعد لنيل الجائزة الأولى والفرحة الأولى التي وعدنا بها ربنا: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ)رواه مسلم.

هنيئاً لكم نيل الفرحة الأولى؛ فرحة العيد، ونذكر أن العيد عندنا عبادة، فأعيادنا تأتي بعد العبادات: عيد الفطر يأتي بعد الصيام، وعيد الأضحى يأتي بعد الحج. وأيضاً بداية أعيادنا عبادة وهي صلاة العيد؛ فيبدأ نهارنا بالعبادة، ومن ثم قالوا: "ليس العيد بلبس الجديد، وإنما العيد لمن طاعاته تزيد".

ونحذر من أن الشياطين تطلق من أصفادها ليلة العيد، فنحذر أنفسنا وأهلينا من أن نختم عملنا الصالح بمحرمات نرتكبها في الأعياد من اختلاطٍ محرم، ولهوٍ محرم، فنكون كأمثال التي نقضت غزلها وأبطلت عملها، أعاذنا الله من ذلك.

السلام عليك يا شهر رمضان، السلام عليك يا شهر الصيام، السلام عليك يا شهر القرآن، السلام عليك يا شهر التجاوز والغفران، السلام عليك يا شهر البركة والإحسان، السلام عليك يا شهر الأنوار،  السلام عليك يا متجر الرابحين، اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وبلغنا رمضان القابل واختم بالصالحات أعمالنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.