الفرق بين النكاح والرجعة

الكاتب : المفتي الدكتور موسى الزعاترة

أضيف بتاريخ : 28-08-2025


الفرق بين النكاح والرجعة في قانون الأحوال الشخصية الأردني

النكاح والرجعة مصطلحان شرعيان وردا في قانون الأحوال الشخصية الأردني، وهما يختلفان في الصورة والحكم، ولكل منهما شروطه وأحكامه.

والنكاح كما عرّفه قانون الأحوال الشخصية الأردني: "عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل"، ويشترط في عقد النكاح الإيجاب والقبول بين الطرفين، ويجب أن يكون هناك شهود؛ لأنه يتضمن حقوقًا وواجبات قانونية وشرعية تتعلق بالأسرة، مثل حقوق الزوجة والزوج، من ثبوت النسب وحرمة المصاهرة والميراث وغيرها.

بينما الرجعة هي إعادة الزوجة إلى عصمة زوجها بعد طلاق رجعي، دون الحاجة إلى عقد جديد.

فالرجعة تعطي فرصة للزوجين لإصلاح زواجهما والعودة إلى الحياة الزوجية، وهي تشتمل على فترة انتظار تسمى العدة (عدة الطلاق)، وفي خلال هذه الفترة، يكون الزوجان لا يزالان ملتزمين بعقد النكاح، وإذا قررا العودة إلى بعضهما البعض قبل انتهاء فترة الرجعة، يمكن استئناف الحياة الزوجية بعد أن تنقص عدد الطلاقات التي أعطاها الشرع للزوج.

أولاً: تعريف الرجعة

أ. في اللغة:

الرجعة مشتقة من أرجع أو يُرجع، إرجاعاً، فهو مرجع، والمفعول مرجع (للمتعدي)[1].

تراجع الزوجان: عادا إلى بيت الزوجية بعد الطلاق: قال تعالى: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ) [البقرة: 230][2].

ب. في الاصطلاح:

1. عرفها الحنفية: "الرجعة: هي أن يراجعها على قصد الإمساك"[3].

2. عرفها المالكية: "عود الزوجة المطلقة للعصمة من غير تجديد عقد"[4].

3. عرفها الشافعية: "ردُّ المرأَة إلى النِّكاح من طلاقٍ غيْر بائن في العدَّة على وجْهٍ مخصُوص"[5]

4. عرفها الحنابلة: "هي إعادة مطلقة غير بائن إلى ما كانت عليه بغير عقد"[6].

ج. التعريف في القانون:

عرّفها قانون الأحوال الشخصية الأردني في المادة (98): "للزوج حق ارجاع مطلقته رجعياً قولا أو فعلا، وهذا الحق لا يسقط بالإسقاط، ولا تتوقف الرجعة على رضا الزوجة، ولا يلزم بها مهر جديد".

وهناك فرق في الحكم بين المصطلحين كما جاء في قانون الأحوال الشخصية من حيث الولاية والشهود والرضا والصيغة.

ثانياً: أهمُّ الفروق بين النّكاح والرجعة:

أ. من حيث الولاية:

1. يُشترَط في الولي أن يكون عاقلاً راشداً، وأن يكون مسلماً إذا كانت المخطوبة مسلمة، كما نصَّت على ذلك المادة (15) من قانون الأحوال الشّخصيَّة([7])، ولا يُشترَط الولي في الرّجعة أصلًا.

2. في المادة (16): رضا أحد الأولياء بالخاطب يُسقط اعتراض الآخرين؛ إذا كانوا متساوين في الدّرجة، ورضا الولي الأبعد عند غياب الولي الأقرب يُسقط اعتراض الولي الغائب، ورضا الولي دلالةً كرضاه صراحةً.

ولا يُعتبَر رضا الولي في الرّجعة؛ لأنَّه حقٌّ ضمنه الشّرع. كما جاء في المادة (98): "للزوج حقُّ إرجاع مطلقته رجعيًّا أثناء العدَّة قولًا أو فعلًا، وهذا الحقُّ لا يسقط بالإسقاط، ولا تتوقَّف الرّجعة على رضا الزّوجة، ولا يلزم بها مهر جديد".

3. في المادة (17): "إذا غاب الولي الأقرب في النّكاح، وكان في انتظاره تفويت لمصلحة المخطوبة انتقل حقُّ الولاية إلى من يليه، فإذا تعذَّر أخذ رأي من يليه في الحال، أو لم يوجد انتقل حقُّ الولاية إلى القاضي"، وفي الرّجعة لا تؤثر غيبة الولي.

4. في المادة (18): "في حال عضل([8]) الولي في النّكاح، للقاضي أن يأذن عند الطّلب بزواج البكر التي بلغت السّادسة عشرة سنةً شمسيَّةً من عمرها؛ إذا كان عضله بلا سبب مشروع". وفي الرّجعة يحرم على الولي عضل الزّوج عن إرجاع زوجته ما دامت في العدَّة.

5. في المادة (19) من القانون فرَّق بين البكر والثيِّب في اشتراط موافقة الولي" "لا تُشترَط موافقة الولي في زواج المرأة الثّيِّب العاقلة المتجاوزة من العمر ثماني عشرةَ سنة". وفي الرّجعة لا تُشترَط موافقة الولي سواء البكر أم الثّيِّب.

6. في المادة (20) الإذن الممنوح من القاضي بالزواج بموجب المادة (18) من هذا القانون مشروط بألا يقلَّ المهر عن مهر المثل. وفي الرّجعة لا يوجد مهر.  

ب. من حيث الإشهاد:

لا يُشترَط الإشهاد على الرّجعة قولاً أو فعلاً، إلا أنَّ جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية في الجديد، وأحمد في رواية قرَّروا استحباب الإشهاد عليها بشاهدين عدلين، وأن تعلم الزّوجة بها؛ لئلا يحصل نزاع، وليتأتَّى له إثباتها عند إنكار الزّوجة، وأجمعوا على تعدُّد الشّهود في النّكاح([9]).

ج. من حيث الرّضا:

الفرق الجوهري بينهما من حيث الرّضا، اعتباره في النّكاح([10])، وعدم اعتباره في الرّجعة([11])، فإذا رفضت الزّوجة، أو وليُّها رجوعها إلى زوجها ولم يبديا الرّضا، فلا أثر لهذا الرّفض في إرجاعها، بخلاف عدم الرّضا في النّكاح، فإنَّ له أثراً في إبطال العقد.

د. من حيث الصّيغة:

1. النكاح لا يكون إلا بلفظ، كالنكاح أو التزويج، والرجعة تكون باللفظ، أو الفعل([12]).

2. النكاح لابدَّ من موافقة الزّوجة ووليِّها إن كانت بكراً، وموافقتها فقط إن كانت ثيباً، وفي الرّجعة من طلاق رجعي لا تُشترَط موافقتهما ([13]).

3. في عقد النّكاح يجب الشّهود، أما في الرّجعة لم يشترط القانون الشّهود، بل سكت عنه([14]).

فهذه الفروق تبرز الاختلافات الجوهرية بين النكاح والرجعة في قانون الأحوال الشخصية الأردني، حيث إن النكاح عقد بين رجل وامرأة، يتطلب وليًا وشهودًا وصيغة ورضا الطرفين، بينما الرجعة هي إعادة الزوجة إلى عصمة زوجها بعد طلاق رجعي بإرادته المنفردة، ولا تتطلب وليًا أو شهودًا أو رضا الزوجة ما دامت في العدة.

 


[1] عبد الحميد، أحمد مختار، وآخرون، (1429ه) معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، 2/860، الناشر: عالم الكتب

[2]   عبد الحميد، أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، 2 /860.

[3] الكاساني، أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، 2 /330.

[4]  الدسوقي، محمد بن أحمد، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 2 /415.

[5] مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، 5 /3.

[6] أبو النجا، موسى بن أحمد، الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، بدون تاريخ وبدون طبعة، المحقق: عبد اللطيف محمد موسى السبكي، 4 /560، الناشر: دار المعرفة بيروت – لبنان.

[7] المادة (15): "يشترط في الولي أن يكون عاقلاً راشداً، وأن يكون مسلماً إذا كانت المخطوبة مسلمة".

[8] العضل: هو منع المرأة من التزويج من الكفء وبمهر المثل إذا طلبت ذلك ورغب كل واحد منهما في صاحبه.

والعضل حرام، قال تعالى: (فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) [البقرة: 232]. السّرطاوي، شرح قانون الأحوال الشّخصية، ص77. فقد روي في مناسبة نزول هذه الآية أن معقل بن يسار زوج أختا له من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقال له معقل: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود لك أبدًا، وكان رجلاً لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله سبحانه وتعالى الآية، قال معقل: الآن أفعل يا رسول الله، فزوجها إياه. الجرجاني، عبد القاهر بن عبد الرّحمن، (1430هـ)، دَرْجُ الدّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر، تحقيق: طلعت صلاح الفرحان وآخرون، ط1، 1 /327، النّاشر: دار الفكر- عمان، الأردن. والحديث رواه البخاري (5130).

[9]) الكاساني، بدائع الصّنائع في ترتيب الشّرائع، 3 /181، مرجع سابق. والنّمري، الكافي في فقه أهل المدينة، 2/ 574، والعاصمي، حاشية الرّوض المربع شرح زاد المستقنع، 6 /406.

[10] المادة (16): "رضا أحد الأولياء بالخاطب يسقط اعتراض الآخرين إذا كانوا متساوين في الدّرجة، ورضا الولي الأبعد عند غياب الولي الأقرب يُسقط اعتراض الولي الغائب، ورضاء الولي دلالةً كرضاه صراحة".

[11] المادة (98): "للزوج حق إرجاع مطلقته رجعياً أثناء العدة قولاً أو فعلاً، وهذا الحق لا يسقط بالإسـقاط، ولا تتوقف الرّجعة على رضا الزّوجة، ولا يلزم بها مهر جديد".

[12] المادة (7): "يكون كل من الإيجاب والقبول بالألفاظ الصّريحة (كالإنكاح والتزويج)، وللعاجز عنهما بكتابته أو بإشارته المعلومة".

[13] المادة (98): "للزوج حق إرجاع مطلقته رجعياً أثناء العدة قولاً أو فعلاً، وهذا الحق لا يسقط بالإسـقاط، ولا تتوقف الرّجعة على رضا الزّوجة، ولا يلزم بها مهر جديد".

[14] المادة (8): "أ. يشترط في صحة عقد الزّواج حضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين من المسلمين (إذا كان الزّوجان مسلمين)، عاقلين بالغين، سامعين الإيجاب والقبول، فاهمين المقصود بهما".