خطاب لجميع المسلمين في أمر العدل بين الأبناء

الكاتب : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

أضيف بتاريخ : 09-08-2009


 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فهذه نصيحة نذكِّرُ بها أنفسنا وجميع إخواننا المسلمين، بوجوب تقوى الله تعالى في السر والعلن، ووجوب معاملة الخلق بالعدل والإحسان، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بذلك في كتابه الكريم فقال:( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) النحل/90

 

وأخبر سبحانه أنه يُحِبُّ كلَّ مَن يعامل الناس بالقسط فقال:( وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الحجرات/9

بل أخبر عز وجل أنه أرسل الرسل وأنزل الكتب ليتحقق العدل في الأرض بين الناس، فقال سبحانه: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد/25

ولا شك أنَّ أَوْلى ما ينبغي أن يُراعَى فيه العدل: العدلُ بين الأبناء، فلا يفرق بين ولد وآخر في النفقة ولا في الهبة ولا في المحبة، بل كان السلف رضوان الله عليهم يحثون الناس على العدل حتى في أقل الأمور، فالعدل في أمور الأموال والصِّلَاتِ أَوْلى وأوجب.

 

فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ -:

أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً، فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. متفق عليه. وفي رواية: ( لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ )

وإن مما ينبغي أن يُعلَمَ في هذا الباب أن العدل يقتضي مراعاة ظروف الأبناء وأحوالَهم، فالولد الفقير ليس كالولد الغني، والذي هو بحاجة إلى تغطية مصاريف الدراسة أو العلاج أو الزواج ليس كمن لا يحتاج لذلك، والابن الذي قدَّمَ لوالديه وإخوانه من جهده وعمله ليس كمن قصَّر، أو لم يدرك الفرصةَ لتقديم العون لأسرته، وكذلك الولد البارُّ الطائع الصالح، ليس كالولد العاق الفاسق، وقد نص الفقهاء على أن العدل في هذه الصور وفي غيرها لا يمنع الوالد من المفاضلة في هباته ونفقاته بين أبنائه، لا أن يتخذ ذلك ذريعةً للمفاضلة بينهم من غير سبب ولا حاجة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بما في نفسه، ومطلع على قلبه، وسيجزي كل نفس بما كسبت يوم القيامة.

وأما الأبناء فالواجب عليهم أن يتقوا الله تعالى في إخوانهم، وأن يؤدوا إليهم حقوقهم في البر والصلة والمحبة، فلا يرى الله تعالى منهم إلا كلَّ صدق ووفاءٍ ومحبة، بل ويخصوا أخواتهم بمزيد عناية، فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي وهو يخاطب الرحم: ( أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ . قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ . قَالَ : فَذَاكِ لَكِ ) متفق عليه.  

وإن من بر الأبناء بإخوانهم، والنصيحة لآبائهم، ألا يقبلوا أعطيات والدهم إذا لمسوا فيها ظلمًا وجَوْرًا، وأن ينصحوا لوالدهم كي لا يقع فيما نهى الله عنه، فإن أصر الوالد على تخصيص أحدهم بالهدية فيستحب له أن يقاسم إخوته بها، فقد قال ابن قدامة رحمه الله:" لا خلاف في أنه يستحب لمن أُعطِيَ أن يساويَ أخاه في عطيته, ولذلك أمر أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قيسَ بن سعد برد قسمة أبيه، ليساووا المولود الحادث بعد موت أبيه " "المُغْني" (5/394)

وبذلك ينال الجميع رضوان الله تعالى، ويحفظ الله سبحانه وتعالى الأسر والبيوت من النزاع والشقاق، ويلقى أحدنا ربه وما في قلبه حقد ولا ضغينة على أحد من الأرحام أو المسلمين.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحب ويرضى. والله تعالى أعلم.