آداب المستفتي

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

أضيف بتاريخ : 13-07-2009


 

 

إن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين؛ لما فيها من الإخبار عن الله، وما يترتب عليها من آثار عظيمة على الفرد والمجتمع. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وذلك من مقتضى رسالته. قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) النحل/44.

ولما كان المستفتي أحد أركان الفتوى لذا أحببت بيان بعض الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها، لما لها من أثر في ضبط أخلاقيات عملية الفتوى، وبالتالي حسن الاستفادة منها. 

وقد أحببت عرضها على شكل أسئلة لتيسير الإفادة منها؛ فجاءت إضاءات تنير درب المستفتين.. وإشراقات ترسم طريق السائلين..

وهي مسائل مجموعة من مقدمة الإمام النووي لكتابه "المجموع" مع كثير من التهذيب والترتيب والاختصار.

 

أولاً: من هو المستفتي؟

هو كل من لم يبلغ درجة المفتي فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية.

 

ثانياً: ما هو حكم المستفتي؟

1.يجب عليه الاستفتاء إذا نزلت به حادثة، كما يجب عليه علم حكمها.

2. يجب عليه قطعاً البحث الذي يعرف به أهلية من يستفتيه للإفتاء إذا لم يكن عارفاً بأهليته؛ ‏فلا يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم،‏ وانتصب للتدريس والإقراء وغير ذلك من مناصب العلماء،‏ بمجرد انتسابه وانتصابه لذلك.‏

3. يجوز استفتاء من استفاض كونه أهلاً للفتوى.‏

 

ثالثاً: إذا اجتمع اثنان فأكثر من أهل الفتوى ممن يجوز استفتاؤهم، فهل يجب على المستفتي الاجتهاد في أعلمهم؟

لا يجب عليه الاجتهاد في أعلمهم، بل له استفتاء من شاء منهم؛ لأن الجميع أهل للفتوى.

 

رابعاً: إذا اجتمع اثنان من أهل الفتوى أحدهما أورع، والثاني أعلم، فأيهما يسأل؟

يسأل الأورع من العالمين، والأعلم من العالمين، فإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع، سأل الأعلم.

 

خامساً: هل يجوز تقليد الميت؟

يجوز تقليد الميت؛ لأن المذاهب لا تموت بموت أصحابها، ويقاس هذا الحكم على حكم الشهادة؛ فإن موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته.

 

سادساً: هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء؟

إن كان العامي منتسباً إلى مذهب -والأصح أن للعامي مذهب- فلا يجوز له مخالفته. وإن لم يكن منتسباً إلى مذهب فيلزمه أن يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين.

 

فائدة:

قال النووي في مقدمة "المجموع" ما نصه: "ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤلاء الأئمة في العصر،‏ ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم،‏ فسبرها وخبرها وانتقدها،‏ واختار أرجحها،‏ ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل،‏ فتفرغ للاختيار والترجيح،‏ والتكميل والتنقيح،‏ مع معرفته،‏ وبراعته في العلوم،‏ وترجحه في ذلك على من سبقه،‏ ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك؛‏ كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد،‏ وهذا -مع ما فيه من الإنصاف‏ والسلامة من القدح في أحد من الأئمة- جلي واضح،‏ إذا تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي،‏ والتمذهب به".

 

ومن أجل هذا كانت الفتوى في دائرة الإفتاء العام على مذهب الإمام الشافعي إلا ما ندر.

 

سابعاً: إذا اختلف على المستفتي فتوى مفتيين، فماذا يفعل؟

يتخير فيأخذ بقول أيهما شاء؛ لأن المطلوب منه أن يقلد عالماً أهلاً لذلك، وقد فعل ذلك بأخذه بقول من شاء منهما.

 

ثامناً: إذا لم يجد المستفتي ببلده من يفتيه، فماذا يفعل؟

إذا لم يجد المستفتي ببلده من يفتيه وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه، وإن بعدت داره.

 

تاسعاً: إن لم يكن في بلد المستفتي إلا مفت واحد فأفتاه، فهل تلزمه فتواه؟

الجواب على التفصيل:

إن أفتاه المفتي ولم يجد مفت آخر لزمه الأخذ بفتياه.

وإن وجد مفت آخر، فإن استبان أن الذي أفتاه هو الأعلم والأوثق لزمه ما أفتاه به.

وإن لم يستبن أن الذي أفتاه هو الأعلم والأوثق لم يلزمه ما أفتاه بمجرد إفتائه؛ إذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده، حيث لا يعلم اتفاقهما في الفتوى، فإن وجد الاتفاق أو حكم به حاكم لزمه حينئذ.

 

عاشراً: إذا استفتى فأُفتي، ثم تكررت للمستفتي الحادثة نفسها، فهل يلزمه تجديد السؤال؟

لا يلزمه تجديد السؤال؛ لأنه قد عرف الحكم أولاً، والأصل استمرار المفتى عليه.

 

الحادي عشر: هل يجوز أن يبعث صاحب السؤال من يستفتي له؟

كما يجوز للإنسان أن يستفتي بنفسه؛ يجوز أن يبعث ثقة يعتمد خبره ليستفتي له.

 

الثاني عشر: هل يجوز أن يعتمد على خط المفتي في اعتماد الفتوى؟

يجوز له الاعتماد على خط المفتي إذا أخبره من يثق بقوله أنه خطه، أو كان يعرف خطه، ولم يشك في كون ذلك الجواب خطه.

وفي هذه الأيام تصدر الفتوى مروّسة باسم دائرة الإفتاء العام، ومختومة بختمها الرسمي، ولا تعتمد أي ورقة ما لم تكن مختومة بذلك الختم.

 

الثالث عشر: ما هي صور تأدب المستفتي مع المفتي؟

ينبغي للمستفتي أن يتأدب مع المفتي، كما يتأدب مع الطبيب الذي يعالجه فيجله في خطابه وجوابه ونحو ذلك:

فلا يومئ بيده في وجهه.

ولا يقل له: ما تحفظ في كذا أو ما مذهبك أو مذهب إمامك.

ولا يقل إن أجابه: هكذا قلت لنا.

ولا يقل: أفتاني فلان أو غيره بكذا.

ولا يسأل المستفتي المفتي وهو قائم أو مستوفز أو على حالة ضجر.

ولا يدع الدعاء لمن يستفتيه، فيقول: ما تقول رحمك الله، أو رضي عنك، أو وفقك الله، أو سددك، أو رضي عن والديك.

 

الرابع عشر: هل ينبغي للعامي أن يطالب المفتي بالدليل على ما أفتاه؟

ينبغي للعامي أن لا يطالب المفتي بالدليل، ولا يقل: لم؟ لكن إن أحب أن تسكن نفسه لسماع الحجة طلبها في مجلس آخر، أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة.