أسبوع الوئام بين الأديان

الكاتب : سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة

أضيف بتاريخ : 07-02-2022


كلمة سماحة المفتي العام في احتفالية الأسبوع العالمي للوئام بين الأديان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي والأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإننا في هذا اليوم المبارك نحتفل "بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان" الذي أطلقه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في الأسبوع الأول من شهر شباط من كل عام، ليكون موسماً سنوياً نجني به ثماراً طيبة مباركة زرع بذرتها جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله تعالى واستظل العالم بظلالها الوارفة، واحتمى بفيء سلامها وأمنها، واجتمع على سقيها ونمائها أصحاب المُعتقدات والأفكار والأديان، وما كان لشجرة الوئام والمحبة إلا أن تُثمر خيراً وأمناً وسلماً على العالم أجمع، لتعم المحبة، وينزي البُغض والكراهية والحقد بين الناس، خاصة وأنها زُرعت بأيدٍ هاشمية نقيةٍ تستمد بركتها وقوتها من اتصالها بسيد المرسلين الذي بعثه الله تعالى ليكون رحمة للعالمين فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

أيها الحفل الكريم:

إن المسلمين والمسيحين في هذا البلد المبارك كانوا على مرّ التاريخ ولا يزالون يشكلون أنموذجاً فريداً من الأخوة الإنسانية والوئام التام، والعيش المشترك، يسعى جميعهم بانتمائهم الوطني وعقيدتهم الدينية للمحافظة عن الأوطان والدفاع عنها، وزرع قيم المواطنة الصالحة بينهم، وقد جمعهم في سعيهم لنهضة بلادهم ورفعتها راية واحدة هي راية الهاشميين الخفّاقة التي بياعها الناس بمحبة وموالاة، فالتفت حولها القلوب قبل العهود، وحمتها الأرواح قبل السلاح، لأنها راية مباركة نشرت العدالة والخير بين الناس، وسعت إلى حفظ كرامة أبناء الوطن ودافعت عنها باعتبار كرامتها الإنسانية وانتمائها الوطني الأصيل مستنيرة بقول الله تعالى: (ولقد كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وهي كذلك أقامت العلاقة بين الناس على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، فكل مواطن على هذه الأرض له حقوقه كاملة غير منقوصة وهي بذلك تسترشد مبدأ أصيل من مبادئ الشريعة الإسلامية الوارد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

فجاء هذا الأسبوع المبارك، ليقدم للعالم أجمع حقيقة الرسالة الإسلامية العالمية، التي تدعو إلى نشر المحبة والوئام بين الناس وهذه الحقيقة هي الدستور الإلهي الخالد في المعاملة بين المسلمين وغيرهم بغض النظر عن الزمان والمكان وتغيّر الأحوال، حقيقة وقانون يكتب بأحرف من نور، وسطور من ذهب، سيبقى حاضراً في وجدان الأمة وعقيدتها إلى يوم القيامة وهو قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)، فالآية الكريمة واضحة تماماً في تقرير العلاقة بين المسلمين وغيرها أنها علاقة قائمة على أمرٍ عظيم بدأه الله تعالى بالبر قبل العدل، وببذل المحبة للآخرين حتى نرى جزاءه محبة من الله تعالى، وانظروا أيها الحفل الكريم كيف خاطب القرآن الكريم غير المسلمين بألطف العبارات التي تؤلف القلوب ولا تُنفرها، وتجمع الكلمة ولا تفرقها، فخاطبهم الله تعالى بقوله: (يا أهل لكتاب) وقوله تعالى: (أوتوا الكتاب) في نحو ستين موضعاً في القرآن الكريم، وهذا الخطاب فيه الاحترام والتقدير للمخاطبين لأن نسبة الكتاب إلى أمةٍ من الأمم تعني نسبة العلم والمعرفة لهذه الأمة.

وبتالي فإن مسؤولية الأمة الإسلامية بما تملكه من مؤهل الخيرية الذي وصفها الله تعالى به، وميزة الوسطية التي اختصها الله تعالى بها، لتكون مكملة لمسيرة الأنبياء والمرسلين واللبنة الأخيرة نم لبنات البناء الحضاري للإنسانية، تقتضي بأن تتحمل مسؤوليتها الشريعة في نشر الخير والمحبة والوئام بين الناس وإقامة العلاقات بينهم على أساس التعارف والوئام، ضمن القواعد الإلهية المستمدة من القرآن الكريم وهدي نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي تحملها الهاشميون الكرام انطلاقاً من مسؤوليتهم الدينية والوطنية في بيان الصورة الصحيح والمشرقة للإسلام في وجه المدّ الظلامي الذي حاول اختطاف هذه القيم وإشاعة الذعر والتطرف والتكفير  بين الناس، والامتطاء على قواعد الدين الصحيح بالتنطع والتشدد، فكانت النتيجة المأساوية التي شهدها العالم أجمع من التطرف والإرهاب الدولي والأعمال الجبانة وزعزعة الأمن في المجتمعات وتفتيت الأوطان وانتصار الأعداء.

ونحن في الأردن بفضل الله تعالى وبعلاقة أبناء وطنه القائمة على المحبة والإخاء والمودة، بقينا في وجه الأمواج الجارفة من الشبهات، والتيارات التكفيرية قلعة حصينة وسداً متيناً، وجسداً منيعاً، فلم يكتب للآراء والأفكار الدخيلة الدوام والبقاء بسبب تعايشنا السليم وتعاوننا الأخوي وتمسكنا بديننا الحنيف والتفافنا حول رايتنا الهاشمية الخفاقة المباركة.

سائلين الله تعالى أن يحفظ على أوطاننا أمنها وأمانها في ظلّ صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، وأن يحفظ العالم أجمع في كنف المحبة والوئام والسلام الدائم بين الناس كما يحبه الله تعالى ويرضاه.

والحمد لله ربّ العالمين