الحج المبرور "معناه وفضائله"

الكاتب : مقالات سماحة المفتي العام

أضيف بتاريخ : 12-10-2011


بسم الله الرحمن الرحيم

 

سماحة المفتي العام الشيخ عبد الكريم الخصاونة

عن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! قال:(لا، لكنَّ أفضل الجهاد: حج مبرور) رواه البخاري.

الحج المبرور هو أفضل الأعمال في الإسلام بعد الجهاد في سبيل الله؛ لأنه دعامة من دعائم الدين، وركن من أركان الإسلام الخمسة التي لا يستقيم الإسلام إذا قصر المرء في واحد منها، وهو عبادة العمر، وفيها أبلغ امتحان لصدق الإيمان وقوة اليقين، وهو واجب على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع واجد للزاد والراحلة.

والحج المبرور هو ما سلم من الإثم والرياء، أو ما كان فيه جود وحسن أخلاق؛ للحديث المروي في "مسند أحمد":(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). قالوا:يا نبي الله، ما الحج المبرور؟ قال:(إطعام الطعام، وإفشاء السلام).

وقيل أيضاً في المراد بالحج المبرور:هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم. وقد رجحه النووي.

وقال القرطبي:إن الأقوال في تفسيره متقاربة المعنى، وحاصلها: أنه الحج الذي وفيت أحكامه، ووقع موقعاً كما طلب من المكلف على الوجه الأكمل.

وعلى كلٍّ، فإن مغفرة الذنوب بالحج وترتب الجزاء بالجنة عليه، منوطان بكون الحج مبروراً، وحتى يكون كذلك لا بد أن يلتزم الحاج بما يلي:

أولاً:أن يبادر بتوبة خالصة من جميع المعاصي والمكروهات، ويسترشد بالحديث الشريف:(التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه.

ثانياً:أن يكون حجه -وجميع ما يتزود به- من المال الحلال الخالص من أية شبهة.

ثالثاً:أن يخلص حجه لله تبارك وتعالى، والتقرب به إليه سبحانه، ثم يقضي ما عليه من دين حال، ويرد الودائع إلى أصحابها، ويتحلل كل من كان بينه وبينه معاملة في شيء، ولا ينسى أن يكتب وصيته بحقوق المولى عز وجل، وبحقوق الآدميين والإشهاد عليها.

رابعاً:أن يجتهد في إرضاء أصوله ومشايخه وأرحامه، وأن يعد المؤنة الواجبة عليه لمن لهم النفقة حتى يعود.

خامساً:أن يترك الرفث والفسوق والجدال في الحج، وعليه أن يترك المعاكسة والمشاغبة فيما يشتريه. قيل: "المروءة في السفر: بذل الزاد، وقلة الخلاف بين الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله، والصبر على الأذى".

سادساً:أن يودع أهله وجيرانه وقرابته ومعارفه، ويتحلل منهم، ويطيب قلوبهم، ويلتمس منهم الدعاء، وأن يتصدق عند خروجه.

سابعاً:كثرة ذِكْرِ الله تبارك وتعالى في الحج؛ لأن الله تعالى أمر بكثرة الذكر في إقامة المناسك مرة بعد أخرى، وخصوصاً أثناء الإحرام، ويكون بالتلبية والتكبير والتهليل. سئل صلى الله عليه وسلم: أي الحاج أفضل؟ قال:(أكثرهم لله ذِكْراً) رواه أحمد. وقال صلى الله عليه وسلم:(أفضل الحج: العج والثج) رواه الترمذي. والعج: رفع الصوت بالتلبية. والثج: نحر البدن.

 

وللحج المبرور فضائل كثيرة منها:

أولاً:غفران الذنوب والآثام، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "لما جعل الله الإسلام في قلبي، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك. فبسط، فقبضت يدي، فقال:(مالك يا عمرو؟) قلت:أشترط، قال: (تشترط ماذا؟) قلت:أن يغفر لي، قال:(أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم.

وروى الطبراني في "المعجم الأوسط " أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(حجوا؛ فإن الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماء الدرن).

ثانياً:النفقة في الحج تضاعف بسبعمئة ضعف، فعن بريدة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمئة ضعف) رواه أحمد والطبراني في "المعجم الأوسط ".

ثالثاً:الحُجّاج والعُمّار وفد الله تعالى، فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الحجاج والعمار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم) رواه ابن ماجه. وعن أبي هريرة أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر) رواه النسائي.

رابعاً:ضَمِنَ الله تعالى للحجاج والعمار الجنة عند لقاء ربهم، فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن هذا البيت دعامة من دعائم الإسلام؛ فمن حج أو اعتمر فهو ضامن على الله؛ فإن مات أدخله الجنة، وإن رده إلى أهله رده بأجر وغنيمة) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط ".

نسأل الله تعالى إيماناً كاملاً ويقيناً صادقاً وقلباً خاشعاً ولساناً ذاكراً وعملاً متقبلاً وحجاً مبروراً... آمين.