فضائل شهر رمضان

الكاتب : مقالات سماحة المفتي العام

أضيف بتاريخ : 09-08-2010


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 سماحة المفتي العام:الشيخ عبد الكريم الخصاونة

 

يبتهج المسلمون بقدوم شهر رمضان، ويعلنون فرحتهم وسرورهم عند حلوله؛ لأنه شهر حافل بالخيرات، مليء بالطاعات، تتضاعف فيه الحسنات، وترتفع فيه الدرجات، ويمتلئ القلب فيه تقوى، وتزكو في النفوس، فالصائم لا يرفث، ولا يصخب، ولا يقابل السيئة بالسيئة، ولكنه يعفو ويصفح، ويكف الصائم أيضاً لسانه عن الغيبة والكذب والخصومة، ويكف جوارحه عن المعاصي والآثام.

 قال البيضاوي:"ليس المقصود من شرعية الصوم نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات، وتطويع النفس الأمارة بالسوء، فإذا لم يحصل له ذلك؛ لا ينظر الله نظر قبول إليه، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لله حَاجَةٌ في أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) [رواه البخاري].

وحتى يتحقق ذلك لا بد من معرفة فضائل شهر رمضان:

أولاً:يعتبر شهر رمضان المبارك من أفضل شهور السنة؛ لأن الله تعالى أنزل فيه القرآن الكريم. قال الله عز وجل:(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]. فالله تعالى خص هذا الشهر بهذه العبادة، كما خصّه بأن أنزل فيه القرآن الكريم هداية للناس وإرشاداً لهم وبياناً.

ثانياً: فيه ليلة القدر؛ وهي ليلة مباركة فضلها الله تعالى على سائر الأيام والشهور، لما فيها من الأنوار والتجليات القدسية، والنفحات الربانية، التي يفيضها الباري جلَّ وعلا على عباده المؤمنين، تكريماً لنزول القرآن المبين، كما تتنزل الملائكةُ وجبريل إلى الأرض في تلك الليلة بأمر ربهم من أجل كل أمرٍ قدَّره الله وقضاه لتلك السنة إلى السنة القابلة، وهذا الوجه الثاني من فضلها، والوجه الثالث: قوله تعالى:(سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:5]، أي: هي سلام من أول يومها إلى طلوع الفجر.

ثالثاً:تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ) [متفق عليه]. قال القاضي عياض رحمه الله: "يَحْتَمِلُ أنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَأنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلامَة لِلْمَلائِكَةِ لِدُخُولِ الشَّهر وَتَعْظِيم حُرْمَتِهِ، وَلِمَنْعِ الشَّيَاطِين مِنْ أذَى المُؤْمِنِينَ، وَيَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ إشَارَةً إلى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالعَفْوِ، وَأنَّ الشَّيَاطِينَ يَقِلُّ إغْوَاؤُهُمْ؛ فَيَصِيرُونَ كَالمُصَفَّدِينَ".

رابعاً:الصوم عبادة بدنية، أضافها الله تعالى إليه؛ ولذلك خصَّ الله تعالى نفسه بالإثابة على هذه العبادة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) [متفق عليه]. قال النووي رحمه الله: "قيل: سبب إضافته إلى الله تعالى أنه لم يعبد أحد غير الله تعالى به؛ فلم يعظم الكفار في عصر من الأعصار معبوداً لهم بالصيام، وإن كانوا يعظمونه بصورة الصلاة والسجود والصدقة والذكر وغير ذلك". وقيل: لأن الصوم بعيد عن الرياء لخفائه، بخلاف الصلاة والحج والغزو والصدقة وغيرها من العبادات الظاهرة.

خامساً: تخصيص أحد أبواب الجنة للصائمين؛ فالجنة لها ثمانية أبواب، منها باب يسمى: (الريان)، لا يدخل منه إلا الصائمون لقوله صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ في الجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لاَ يَدْخُلُ مَعَهُمْ أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) [متفق عليه]. والريّان: مشتق من "الري" وهو مناسب لحال الصائمين. قال القرطبي: اكتفى بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه، أو لكونه أشقّ على الصائم من الجوع.

سادساً:في هذا الشهر المبارك تكثر الصلة، وتزداد الصدقات؛ اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان حين يلقاهُ جبريل، وكان يلقاهُ في كلِّ ليلةٍ مِنْ رمضان فيُدارِسه القرآن، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسلة" [متفق عليه]. في هذا الحديث فوائد، منها: استحباب إكثار الجود في رمضان، وزيادة الجود والخير عند ملاقاة الصالحين وعقب فراقهم للتأثر بلقائهم، وفيه استحباب مدارسة القرآن الكريم.

سابعاً:يُكثر الناس في هذا الشهر المبارك من قيام الليل؛ فيُصلُّون التراويح وهي سنة مؤكدة للرجال والنساء باتفاق الفقهاء. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ في قِيَامِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ، فَيَقُولُ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). فَتُوُفِّي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَالأمْرُ عَلَى ذَلِكَ" [رواه مسلم].

ومعنى (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ فِيهِ بِعَزِيمَةٍ) أي: لا يأمُرهُمْ أمْر إيجاب وَتَحْتيم، بَلْ أمْر نَدْب وَتَرْغيب. ومعنى (إيماناً): أي تصديقاً بوعد الله بالثواب عليه. ومعنى (احتساباً): أي طلباً للأجر لا لقصد آخر من رياء ونحوه [انظر: شرح النووي على مسلم].

والحمد لله رب العالمين.