الإسلام يحفظنا ونحفظه بإذن الله

الكاتب : مقالات سماحة المفتي العام

أضيف بتاريخ : 28-06-2009


الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله  وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:   في سورة الحجر يقول الله تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )الحجر/9. وهذه الآية تبعث الأمل في مستقبل الأمة الإسلامية، لأنها وعد رباني بأن يظل الدين قائما ، وتظل الأمة الإسلامية باقيةً إلى قيام الساعة، فالذكر هو القرءان والسنة والإسلام كله، ولن يُحفظ الإسلام إلا بحفظ الأمة التي تحمله، وحوادث التاريخ تدل على هذا.

ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم أطبق المشركون وحلفاؤهم من يهود على المدينة المنورة وبلغت القلوب الحناجر وظن المنافقون بالله الظنون ثم انكشفت الغُمة وخرج المسلمون من الأزمة يطاردون الكفار ويغزونهم في عقر دارهم حتى عمّ الإسلام الجزيرة العربية وما حولها، ووصل نوره إلى المشارق والمغارب وسعد بعدله ورحمته كل من انضوى تحت رايته.

وبعدها بقرون تفرق المسلمون لمآرب شخصية فطمع فيهم العدو لأن العدو كالمرض لا يطمع إلا بالجسم الضعيف، أما الجسم القوي فلا يستطيع اقتحامه، وهذا ما وقع للمسلمين أطبق عليهم التتار من الشرق والصليبيون من الغرب وكانت أياما صعبة، دُمرت فيها عاصمة الخلافة الإسلامية بغداد، وأتلفت آلاف الكتب بالأيدي الهمجية ثم بعث الله من عامة المسلمين من رد المعتدين على أعقابهم فغُلبوا أمام المجاهدين، وغلب فكرهم أمام نور الحق فعلى يد رجل صوفي آمن بعض قادة التتار وتبعه شعبه وجنده وقاموا يقاتلون في سبيل الإسلام وما تزال آثارهم باقية يعرفها أهل العلم بالتاريخ.

أما الصليبيون فقد مكثوا في بلادنا مائتي عام واحتل خلالها المسجد الأقصى تسعين عاما بل طمع أحد قادتهم في هدم قبر النبي عليه الصلاة والسلام فرده الله وجعل كيده في نحره.

وقام من عامة المسلمين أيضا رجل صالح فكتب الله على يديه جلاء الصليبين وعادت الأمة الإسلامية من جديد تجاهد في سبيل الله وتفتح الأمصار لتعلى كلمة الله التي تعني التوحيد والعدل والمساواة بين العباد.

وفي القرن الماضي وقعنا في أزمة جديدة وما زلنا نعاني من آثارها فقد بدأت تنقشع أمام الصحوة الإسلامية التي عمت المشارق والمغارب والتي يعرفها ويستبشر بها المهتم بشأن المسلمين متطلعاً إلى مستقبل زاهر لهذه الأمة، ويرصدها ليحبطها أعداء الإسلام من داخل الأمة وخارجها وهيهات فهي أقوى وأعم مما يظنون.

هذا التناوب بين الخير والشر على هذه الأمة هو مما وعدنا به ربنا عز وجل فقال:( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) آل عمران/179، فخير الأمة لا يدوم والشر عليها لا يدوم وصدق الله العظيم:(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ )آل عمران/140.

 

والحق أن فترات الخير أطول بكثير من فترات المحن فقد بنوا وعمَّروا وتعلَّموا وعلَّموا وأقاموا حضارة لا تقوم إلا في عصور استقرار وعز وغلبة

أما الحكمة في هذا التناوب أن يظهر كل إنسان على حقيقته، فيعرف المؤمن من المنافق والقوي من الضعيف، والعدو من الصديق.

ولذلك قال رسول الله عليه الصلاة والسلام:وهو يحدثنا عن ظروف عصيبة تمر بالأمة ( يا عباد الله اثبتوا ) رواه الترمذي (رقم/2406)، ونرجو أن يثبتنا الله عز وجل.

وأخطر ما في الأزمة الحالية أمور ثلاثة:الأول أن بعض من يعادي الإسلام يحمل اسما إسلاميا، لقد فتن في دينه وهلك مع الهالكين.

والثاني أن الإسلام يتجرأ عليه من ليس  من أهله وينطق باسمه من لا يؤمن به، فقد رأينا كافرا وجاهلا يفتي باسم الدين والدين منه براء ، ولكن هذا شأن الضعفاء يستبسلون إذا رأوا ثغرة في صف المسلمين.

وثالثة الأثافي تفرق المسلمين، حتى أنهم ينظرون اليوم إلى القدس يحتلها عدوهم ولا يتحركون حركة تتناسب مع مكانة القدس في قلوبهم ، وهي ثالث الحرمين وأولى القبلتين وأرض كان إليها الإسراء ومنها المعراج ، وفيها تضاعف الحسنات، اللهم إلا ما نراه من حركات ما زالت في بدايتها تبشر بخير قادم، بدأت ثقافية ثم كان من أمرها ما شاء الله.

هذا الاستعراض السريع لتاريخ امتنا نريد به أن نقرر في الأذهان أن الإسلام يحمينا ويجمعنا ، ويؤلف بين صفوفنا ، وأن القرآن يحفظنا ونحفظه، وهذا يعني أن نُقبل على الإسلام بكل علومه، وعلى القرآن ومعلميه والدور المفتوحة لتعليمه، والله تبارك وتعالى جعل القرآن شرفا ً لنا ويجب أن نحرص على هذا الشرف، قال الله عز وجل:( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )الزخرف/44، أي شرف للنبي عليه الصلاة والسلام ولقومه من العرب وسوف يسألنا الله تبارك وتعالى عما قدمناه في سبيل القرآن.

ويشعر القلب بالخوف وهو يقرأ آية أخرى في هذا المضمار ألا وهي قول الله تعالى:(وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) محمد/38، ونرجو الله أن لا يستبدل بنا قوما آخرين، وندعوه أن يعيننا ويثبتنا على الإسلام فيحفظنا به ويحفظه بنا.

إن الجهود التي تبذل لهدم الإسلام وتشويهه وتحريفه محتوم عليها بالفشل فقد قال الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) الأنفال/36، وقال تعالى:( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )الصف/8-9، وإني لأذكر هذه الآية وأنا أرى جاهلا يتطاول على الإسلام، ومغرضا يحرف أحكام الشريعة، إنهم يريدون إطفاء نور الله بما يقولون وهيهات، فإن الله وعد بحفظ دينه وهو لا يخلف الميعاد.

والأمة الإسلامية ما زالت موعودة بالكثير فقد قال الله تعالى:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) الأنبياء/105، وصدق المفسرون:إنها أرض الدنيا وأرض الجنة، والصالحون هم الذين لا يفرقون بين أحد من رسل الله، إنهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين إذا حكموا عدلوا، وإذا قدروا عفو، وإذا ابتسمت لهم الدنيا أعرضوا عن زخرفها زاهدين ، فهم يعمرونها على أحسن وجه استطاعوا وقلوبهم معلقة بالآخرة .

والذي ينظر إلى ما وعدنا به الرسول عليه الصلاة والسلام في الأحاديث الصحيحة يرى الكثير، لقد وعدنا أن يبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار.

وليس معنى هذا أن نجلس متفرجين بل لا بد من مساهمة في صحوة الأمة الإسلامية ونهضتها نبدأ بأنفسنا وأهل بيوتنا فننقذهم بالإسلام من نار وقودها الناس والحجارة عملا بقول الله عز وجل:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم/6، ونساهم في وحدة الأمة الإسلامية بالكلمة الطيبة، وعفة اللسان، عما يفرق الصف، ونعمل بجد لما يسعد أمتنا ويقربنا إلى الله.

إن الإسلام أمانة الله في أعناقنا نحفظه ويحفظنا ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يوسف/21. صدق الله العظيم.