عيد الأضحى .. ومعاني التضحية

الكاتب : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

أضيف بتاريخ : 24-10-2012


 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني المسلمين.. كل عام وأنتم بخير، وأسأل الله تعالى أن يعيد علينا أمثال هذا العيد بالفرج والنصر القريب..

أمتنا اليوم في حالة من الضيق والكرب لا يحلو معها عيد، ولا تستساغ فرحة، وكيف نُسَرُّ والأقصى أسير؟! وكيف نفرح والأمة ممزقة شر ممزق؟!

والأدهى من ذلك كله الإعراض عن الله عز وجل، والخروج عن صراطه المستقيم، فذلك رأس البلاء، وسبب كل مصيبة.

ولا يعني ذِكْرُنا لهذه المصائب أن نجلس مستكينين، نبكي حظنا العاثر، ومصابنا الجلل، ونكدر على الناس مسرات العيد، ولكننا نذكرها لنحاول تدارك أمرنا، مستلهمين العظة والعبرة من معاني هذا العيد الكبير..

فالأعياد ترمز إلى معان جليلة، هي منارات على الطريق، تهدي التائهين إلى سواء السبيل، ولن يهتدي بها من يرى العيد مجرد مناسبة للهو واللعب، لا سيما وبعضنا اليوم يفتعل الأفراح والمسرات ويتفنن في أسبابها ووسائلها، وكأنه ليست لنا قضايا لا تُحَلُّ إلا بالجِدِّ والعمل، أو كأنهم يتناسون هذه القضايا ليحلها الزمن لصالحنا وهيهات، فالزمن في صالح الجادين، لا العابثين اللاهين.

إن هذا العيد يرمز إلى التضحية طاعةً لله، ويُذكِّر بها. وطاعة الله جديرة بأن يُضَحَّى من أجلها، ولذا نهتف في أعيادنا: "الله أكبر".. أكبر من كل شيء، ويجب أن يُضَحَّى في سبيله بكل شيء، وطاعة الله والتضحية في سبيلها هما علاج كل قضايانا.

ألسنا نشكو من تفرُّق الكلمة؟! لقد قال الله لنا:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) آل عمران/103. وقالت المصالح الشخصية والعصبية الجاهلية: "لا تتحدوا"!!! لو أطعنا الله وضحينا بالمصالح والعصبية، وصحنا في وجهها: "الله أكبر".. انتهى الأمر.

ألسنا نبكي على الأقصى والأهلِ من حوله؟! لقد قال الله لنا:(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) البقرة/191. وقال لنا الشيطان: "احرصوا على أموالكم وأولادكم"!!! فلو تذكرنا أن الله أكبر؛ فأطعناه وضحينا المال والبنين؛ لفرحنا بالأقصى، وفرح الأقصى بنا.

أليس التخلف العلمي بعض مشاكلنا؟! لقد قال الله تعالى:(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) العلق/3-4. وقال لنا المجتمع: "إذا بلَّغتك الشهادةُ الوظيفةَ؛ فودِّع عهد الكتب، واجمع من حطام الدنيا ما وسعتْ يداك"!!! فلو أطعنا الله؛ لنافسْنا غيرَنا في كل مجالات العلوم، وأخذنا بيد الأفذاذ إلى ما يستحقون، وهيأنا لهم الظروف التي تُساعدهم على البحث والتجديد.

كل مشاكلنا تحل بالتضحية طاعةً لله.. وكل آية في كتاب الله تَحُلُّ مشكلة.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) آل عمران/118؛ تحل مشكلة.. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُم) الأنفال/60؛ تحل مشكلة.. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) النساء/58؛ تحل مشكلة..

لكن هذا يعرفه من قرأ كتاب الله وتدبَّره، أو من يعرف -على الأقل- أن هذا القرآن هو السبب الوحيد لكل أمجادنا الماضية.. أما من جهل كتاب الله، أو أعرض عن أحكامه، ولم يبق له من إسلامه إلا المشاركة في فرحة العيد دون صلاته؛ فهذا قد ابتعد كثيراً عن الإسلام، وبُعْدُه لن يضر أحدًا سواه.

أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد عرفت طريق الخلاص، وبدأت رحلة العودة إلى الله، والشواهد على ذلك كثيرة: تزايد عدد الحجاج عامًا بعد عام من الشواهد.. امتلاء المساجد بالشباب يصلون ويتعلمون دينهم من الشواهد.. جيشنا المصطفوي المصلي الصائم الحاج من الشواهد..

تعددت ويلات الأمة؛ فعادت إلى سبيل الله، وسوف تتكامل هذه العودة، وسوف يشتد التيار، وستغلب كلماتُ الله تعالى ضلالَ المُضلِّلين.. لقد وعدنا سبحانه فقال:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) الأنفال/36. والله تعالى لا يُخلف الميعاد.

لن تضيع دعوات المظلومين من هذه الأمة في مشارق الأرض ومغاربها؛ فالله ولي الذين آمنوا، وقد وعد بنُصرة المظلومين.

لن تضيع دعوات الحجاج على عرفات، وفي جوار البيت العتيق؛ فهم ضيوف الرحمن، وهو أكرم مسؤول.

لن تضيع جهود المخلصين لله في هذه الأمة؛ فقد كتب الله على نفسه أن العاقبة للمتقين.

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم: واكبوا مسيرة الخير وشدوا أزرها.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) الأنفال/24. ولتكن هذه الأعياد مواسم عظة وعبرة، لا مواسم لهو وغفلة.

وأنتم يا إخواننا جيران الأقصى: حيا الله مواقفكم، وأنتم تذودون عن الأقصى عزَّلاً من السلاح.. اصبروا وصابروا ولا تيأسوا من رَوح الله.. فالنصر آت لا ريب فيه. 

وإلى المرابطين على الحدود أطيب التحيات، الذين جعلوا التضحية حظهم من الدنيا.. سهروا لينام الناس، تعبوا لتأمين الأمة، فارقوا أطفالهم ليصل العيد إلى الأطفال.

وإلى المصلين والبنادق في أيديهم أعظم التقدير، الراكعين لله في ظلال المدافع، الساجدين لجلاله إلى جانب الدبابات.

حياكم الله وأنتم تحملون أسماء الصحابة والسلف الصالح.. لا يعلم جهدكم إلا من عاش معكم، ولا شرف رسالتكم إلا من شارككم فيها، ولا أجركم إلا الله.. فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

والله أكبر الله أكبر ولله الحمد