الجوهرة الثمينة *الأمانة*

الكاتب : المفتي الدكتور لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 29-07-2019


الجوهرة الثمينة *الأمانة* التي أضعناها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد؛

فإن عالمنا اليوم شأنه غريب وحاله عجيب؛ يعج بالمتناقضات وتنقلب فيه المصطلحات وتضيع فيه المفاهيم والدلالات ويتاجر فيه بالألفاظ والعبارات، وهذا علامة على قرب قيام الساعة..

سماؤنا ملبدة بغيوم لا تحمل في بطونها قطرات رحمة، ولكن قنابل شريرة يقودها أهل السوء والشر والنفاق حتى تنزل على رؤوسنا لتفجر أفكارنا وتغير ثقافتنا وتدمر مستقبلنا.

مصطلحات كثيرة في حياتنا جردت من مضمونها ودلالتها ومفهومها الحقيقي أو صغرت بحيث اقتصر فيها على معنى بسيط لا يكاد يليق بعظمتها ومكانتها في الإسلام، ومن هذه المصطلحات "الأمانة" هذا اللفظ الذي كثيراً يطرق مسامعنا في أيامنا هذه بسبب افتقادنا له وحاجتنا الماسة إليه.

إذا استودع الله تعالى شيئاً حفظه، حيث يقول: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64]، وهي خلق عظيم من أخلاق الأنبياء والمرسلين حيث اتصف به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لقبه قومه بـالصادق الأمين، وكان كل رسول يقول لقومه: {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107،  125، 143، 162،  178]، وهي خلق من أخلاق المسلمين، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [المؤمنون: 8]، وهي دليل على إيمان العبد، كما أن الخيانة دليل على نفاقه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائْتُمِنَ خان) متفق عليه. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له) مسند أحمد.

وللأمانة آثار عظيمة تظهر على الفرد والمجتمع، فالله تعالى يحب الأمين فيعينه ويحفظه، وبالأمين يثق الناس فتشيع الثقة والطمأنينة بينهم، وبهذا يعيش الناس سعداء مسرورين بفضل الله تعالى.

الأمانة مصطلح عظيم القيمة والأهمية في الحياة النبيلة والمستقيمة للإنسان، وقد اعتدينا عليه اعتداءً صارخاً بحيث جردناه من كثير من معانيه الكبيرة، وجعلناه مقتصراً على شيء وحيد -مع عدم التقليل من أهميته- هو الوديعة فقط. بينما الأمانة -بمفهومها الحقيقي- جوهرة ثمينة وصفة جميلة جليلة، وهي تعني: وضع كل شيء في موضعه الذي يستحقه ويليق به، وهي تعني أيضاً أداء الحقوق إلى أهلها، والمحافظة عليها من أي اعتداء يمكن أن يضر بها.

إذن الأمانة: "تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال" [تفسير القرطبي، ج/14 ص/253]. وبناء عليه فإن مجالات الأمانة كثيرة، أذكر بعضاً منها لأهميتها في حياتنا.

أولاً: أمانة الدين

لا شك أن حاجة الناس إلى الدين أشد من حاجتهم إلى الماء والهواء؛ لأن الدين يتعلق به أمر الآخرة تلك الحياة الأبدية، وأما الماء والهواء فيتعلقان بالحياة الدنيا وهي فانية، ولذلك فإن العاقل من يقبل على أمر آخرته الخالدة ويحافظ عليها ويؤدي ما عليه من تكاليف تجعله يدركها ويحصل عليها.

الدين عقيدة وشريعة أمانة في عنق العبد بل هو أعظم الأمانات وأثقلها لما سبق ذكره ولما ورد في كتاب الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب: 72]، والأمانة هنا: "هي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد" [تفسير القرطبي]، ولذلك وجب على المسلم أن يؤديها بالصورة التي تنجيه عند الله تعالى، ومن الأمثلة عليه؛ دعوة الناس إلى الله تعالى والى الدخول في دينه وما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وترك وطنه وأحب البقاع إلى الله تعالى وإليه إلا من أجل تبليغ هذا الدين، فقد حمله ربه عز وجل أمانة التبليغ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67]، وحمَّل أمته هذا الواجب؛ لكمالها ولأنها خاتم الرسالات، وقد ألقى هذا العبء العظيم، على أمته - كل بحسب قدرته واستطاعته، بقوله: (بلغوا عني ولو آية) [صحيح البخاري]، والرسالات من أكبر الأمانات، لأنها تبليغ عن الله تعالى، ولإنقاذ البشر من المهالك، فقد حمل الله سبحانه، آخر رسالة {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ومنها أيضاً؛ الصلاة حيث فرضها الله تعالى علينا بكيفية خاصة بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي) صحيح البخاري، فالمسلم بهذا عبد لله تعالى وداعية إليه والعبادة كما الدعوة أمانة في أعناقنا وهي جوهرة ثمينة أضاعها اليوم كثير من المسلمين بسبب تركهم للدعوة إلى الله تعالى وتركهم للعبادة.

ثانياً: أمانة النفس

أنفسنا ليست ملكاً لنا بل هي مملوكة لخالقها وما هي إلا أمانة ينبغي علينا أن نستعملها في طاعة الله تعالى، فالروح والجسد بما فيه من رأس وعقل يفكر وقلب ينبض وعين تبصر وأذن تسمع ويد ورجل تتحرك .. كلها أمانات يسأل عنها العبد يوم القيامة. فاليد مثلا هي أمانة نستعملها فيما يرضي الله تعالى لا فيما حرم الله تعالى كالسرقة مثلاً فإنها ثمينة إن لم تسرق فإذا سرقت هانت وقطعت، يقول ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]: "وقد ذكر أن أبا العلاء المعري، لما قدم بغداد، اشتهر عنه أنه أورد إشكالاً على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعراً دل على جهله، وقلة عقله فقال:

يد بخمس مئين عسجد وديت ... ما بالها قطعت في ربع دينار

تناقض ما لنا إلا السكوت له ... وأن نعوذ بمولانا من النار

ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم. وقد أجابه الناس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي، أنه قال: "لما كانت أمينة كانت ثمينة، فلما خانت هانت"" [تفسير ابن كثير].

ويلحق بنفس الإنسان زوجته وأولاده فهم أمانة سيسأل عنهم يوم القيامة يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل على أهل بيته) [السنن الكبرى للنسائي].

ثالثاً: أمانة العلم

عندما نتحدث عن العلم إنما نتحدث عن روح الحضارة ورقي الأمم ورفعة شأنها وسؤددها، لذلك جعله الإسلام فريضة على المسلمين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) [سنن ابن ماجه] ليكون المسلمون شامة بين الناس، والحديث عن العلم يكون من جهتين؛ المعلم والمتعلم، فالمعلم ينبغي أن يكون أهلاً لتعليم الآخرين بأن يكون متمكناً من علمه، وأما طالب العلم فينبغي عليه أن يكون ملتزما بالأدب في طلب العلم النافع من المعلم الثقة.

رابعاً: أمانة القيادة والمسؤولية

القيادة من أعظم الأمانات عند الله تعالى؛ لأن القائد مسئول عمن هم تحت إمرته لذا ينبغي أن تتوفر في القائد صفات كثيرة ليستطيع القيام بوظيفته، ومن أهم هذه الصفات القوة والأمانة، يقول الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: 26] ومن هنا لا يصلح أن يكون القائد ضعيفاً ولا خائناً فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: (يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها) صحيح مسلم، وعن ابن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من استعمل رجلاً من عصابة وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين) [المستدرك على الصحيحين]. فالأمانة في القيادة تستلزم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب له، فعن أبي هريرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: (أين -أراه- السائل عن الساعة) قال: ها أنا يا رسول الله، قال: (فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، قال: كيف إضاعتها؟ قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) [صحيح البخاري].

وكم من منصب تولاه من لا يستحقه، وكم من مسئول تولى مناصب ليس لها أهلاً فأدى إلى ضياع مقدرات الأمة، ووقوع الكوارث في النواحي الدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للناس، وكم من أموال نهبت أو تُصرِّف فيها بغير وجه حق أي بالباطل والناس يتضورون جوعاً وفقراً فهؤلاء لهم النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [صحيح البخاري].

خامساً: أمانة العمل

ما خلق الله تعالى الدنيا إلا لعمارتها بالعمل فيها بما يصلحها لا بما يفسدها، والعبد مطلوب منه أن يتقن عمله (وهو يشمل العمل الوظيفي والحر كالتجارة والصناعة والبناء وغيرها)؛ لأنه محاسب عليه يوم القيامة، لذا فهو رأس ماله وسبب نجاته عند الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) [شعب الإيمان]؛ لأنه أمانة وهي مؤداة، والإتقان أن يلتزم العامل بواجبات العمل وآدابه كأن يلتزم بوقت الدوام ابتداء وانتهاء، وأن يقوم به كما طلب منه على أحسن وأتم صورة، ولا يخون صاحب العمل في عمله ولا يأخذ عليه رشوة..

سادساً: أمانة العلاقة الزوجية

العلاقة الزوجية من أهم العلاقات الإنسانية بل هي أخطر وأشد العلاقات وأكثرها حساسية عند الناس، لذلك ينبغي على الزوجين أن يحافظا على أسرارهما ليحافظا على أسرتهما من وقوع أي خلل فيها قد يؤدي إلى تشتتها؛ لأن المحافظة على الأسرة في الإسلام أمر مقدس وأمانة يجب علينا أن نحافظ عليها فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن نشر أسرار هذه العلاقة، فعن أسماء بنت يزيد، أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: (لعل رجلا يقول: ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها) فأرم القوم، فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهن ليقلن وإنهم ليفعلون، قال: (فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون) [مسند أحمد].

سابعاً: أمانة الكلمة

لا أحد يستطيع أن ينكر ما للكلمة من أهمية بل إن الحياة كلها قائمة عليها؛ فبكلمة يدخل الإنسان الجنة أو النار، وبكلمة يسر الإنسان أو يحزن أو قد يموت! لذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم ما للكلمة من أهمية فقال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالا، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالا، يهوي بها في جهنم) [صحيح البخاري]،  وحذر من حصائد الألسنة أشد التحذير عندما قال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) [سنن الترمذي]، فالكلمة ملك للإنسان ما لم يتكلم بها فإذا خرجت ملكته هي ولا يستطيع أن يردها، يقول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وفي حديث الإسراء: (ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هَذَا يا جَبْرائِيلُ؟ قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها، فلا يستطيع أن يردّها) [تفسير الطبري].

إذن الكلمة لها أهمية عظمى تتعلق بحياة الإنسان ومصيره لذا فهي أمانة، ولكن صارت الكلمة أرخص شيء عندما نخوض بما يعنينا وما لا يعنينا غيبة ونميمة وطعناً بالأعراض وكذباً وزوراً، وخاصة فيما يرتبط بشأن الدين والفتوى والحلال والحرام فالكل يفتي من عند نفسه ولا يدري أنه أقحم نفسه في الهاوية.

ثامناً: أمانة الودائع

المال عصب الحياة وشريانها التاجي الذي تعيش عليه، ولشدة أهمية المال وخطورته فإن العبد يسأل عنه يوم القيامة سؤالين: من أين اكتسبه وفيم أنفقه. والإنسان يحتاج أحياناً أن يودع شيئاً من ماله عند من يثق به ليحفظه له والقابض لهذا المال أمين على هذه الوديعة يجب عليه أن يحافظ عليها ولا يخونها والويل له إن خانها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة، وإن قتل في سبيل الله فيقال: أد أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، ويمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها، وأعظم ذلك الودائع" فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا" قال، كذا قال، صدق أما سمعت يقول الله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58]" [شعب الإيمان للبيهقي].

تاسعاً: أمانة المجالس

الإنسان اجتماعي بطبعه يحب الاجتماع مع بني جنسه، وهذه هي المجالس التي تجمع الناس يتعارفون ويتسامرون فيما بينهم والتي لا بدّ لهم منها، وهذه المجالس لها آداب بينها لنا الإسلام ينبغي على المسلم أن يتأدب بها وبهذا فإنها أمانة إلا ما استثناه الشرع فعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق) [سنن أبي داود].

وإذا جالس مسلم أخاً له وحدثه بشيء ثم التفت يشير له بأن حديثه سرّ بينهما لا يريد أحدا أن يطلع عليه فإن الكلام هنا أمانة يجب عليه أن يستره، فعن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة) [سنن الترمذي].

واليوم إذا نظرنا الى مجالسنا فيا لهول ما نرى ونسمع! فمجالسنا في غالبها للدنيا لا للآخرة، يكثر فيها فعل الخطايا من غيبة ونميمة وكذب وخيانة وطعن في الأعراض ونشر للفساد وضياع للأمانة.

هذه بعض أهم مجالات الأمانة التي من حافظ عليها وصل إلى شاطئ السلامة، ومن أدّاها غنم، ومن ضيعها أضاع نفسه، وسقط في مستنقع الخيانة، جعلنا الله تعالى ممن حافظ عليها وأداها كما هي فنجا ولم يفرط بها فهلك.