المولد يعلّمنا

الكاتب : المفتي الدكتور حسان أبو عرقوب

أضيف بتاريخ : 18-11-2018


المولد يعلّمنا

 

المولد النبي الشريف ذكرى عزيزة على قلوب المسلمين، حيث يحيون ذكرى مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وما أحلاه من مولد سعيد، وعيد مجيد، نتذاكر فيه سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع مدحه شعراً ونثراً، والإكثار من الصلاة والسلام عليه، وإطعام المسلمين فرحاً بهذا اليوم الأغرّ العظيم.

نتعلم من المولد الشريف أنّ الدعوة إلى الله صبر واحتساب، وليست أمراً سهلاً ومريحاً، فالإنسان عندما يلبس ثوب الدعوة إلى الله تعالى سيتعرض له السفهاء، ويهزأ به عوام الناس، وربما عاداه أقرب الناس إليه، هكذا كان حال الأنبياء مع أقوامهم، وهكذا عانى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من قومه، فهذا ميراث النبوة سيناله كل من سار على طريق الأنبياء.

ونتعلم من المولد الشريف أنّ الأخلاق الحسنة لها أثر كبير على قبول الناس للدعوة، ولذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان أحسن الناس خلقاً، يتصف بالرحمة واللين، واللطف والعطف، والبِرّ والصلة، والكرم والسخاء، لا يردّ سائلاً، ويعين كل محتاج، صادق أمين، أحبّه الناس لهذه الشمائل الطيبة، فدخلوا في دين الله أفواجاً، وهذا درس يلزمنا أن نتعلمه ونحن في ظلال المولد الشريف، أن الأخلاق هي رأس مال الداعية إلى الله تعالى، ومتى فقده كانت تجارته كاسدة.

ونتعلم من المولد الشريف أنّ الداعية إلى الله له وجه واحد يعيش فيه في بيته وبين الناس؛ لأننا نلحظ في عصرنا من له وجهان، واحد يقدمه للناس، وهو مثال اللطف والعطف، والآخر لزوجته وأولاده، وهو وجه الشدة والغلظة. إن هذا التلون العجيب ليس من أخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا يليق بدعاة ينتسبون إليه، فعلى الداعية  أن يتعلم كيف يعيش بوجه واحد جميل في البيت وخارجه.

ونتعلّم من المولد الشريف أن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج إلى بذل وعطاء، بذل في الأوقات والأموال والجهد والفكر، فلا ينفع البخل مع الدعوة، فالداعية يسخّر نفسه ووقته وفكره وماله في سبيل الهدف الذي يسعى إليه، وهذا جهاد من أعظم أنواع الجهاد، حيث تصير الدعوة إلى  الله وهداية الناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح هي هدف الإنسان وشغله الشاغل، وينفق في سبيل ذلك محتسباً الأجر على الله تعالى، وفي هذه الحال يتخلص الإنسان من أنانيّته وأثرته وحبه لذاته، ليتسع قلبه للخلق جميعاً؛ لأنه يريد هدايتهم، ويسعى لمصلحتهم، ويبذل في سبيل ذلك كل ما يملك.

ونتعلم من المولد الشريف أن الصحبة في غاية الأهمية؛ لأن الصاحب ساحب، فمن صاحب الأخيار تعلم الخير منهم، ومن صاحب الأشرار تعلم الشر منهم، فعلى الإنسان أن يختار صحبته بعناية فائقة؛ لأنهم البيئة التي سيعيش فيها، ويمضي غالب أوقاته معها، ولا شك أن للبيئة أثرها الواضح على حياة الأفراد والمجتمع، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بناء أمة، كان أصحابه من الذين يصلحون لهذه المهمة، وقاموا بها خير قيام.

ليس المولد الشريف مجرّد ذكرى، إنها دروس وعبر، من سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم، نذكّر أنفسنا بها في ذكرى مولده، كي تظلّ حاضرة أمامنا، ننهل منها، ونقتدي بها، ونسير على هديها، ونستضيء بنورها، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوة المؤمنين، وسراج المحبين، وقمر الدعاة المخلصين. 

إن احتفالنا بالمولد يشير إلى الارتباط الوثيق بين الأمة وقائدها، وإننا نجدد العهد والولاء والوفاء في كل عام لهذا النبي الكريم، طالبين من الله أن يحشرنا في زمرته يوم القيامة. آمين.