بيان دائرة الإفتاء العام : الدين النصيحة

الكاتب : دائرة الإفتاء العام

أضيف بتاريخ : 09-03-2011


 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وبعد:

جعل الله تعالى النصيحة أصلاً مهماً من أصول الدين، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عين الدين؛ لأن منفعته تسري في جميع العالم ابتداءً من الناصح الذي يستبرئ لدينه ويطلب معالي الأمور، وانتهاء بالمنصوح الذي ينتفع بتلك النصيحة باندفاع الضرر عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(الدِّينُ النَّصِيحَة). قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ:(لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) متفق عليه.

فالنصح: هو الإرشاد لما فيه الصلاح. والنصيحة: هي إرشاد إلى الصواب وتوجيه إلى العمل الصالح الذي يعود على المنصوح بالسعادة والخير.

وهي تبصير بالمضار حتى لا يقع فيها من لا يعرفها، وهي من مهام الأنبياء وصفاتهم التي تميزوا بها، قال تعالى:(وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ)الأعراف/79.

وقد أمرنا الله تعالى بالتأسي بأخلاق هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، والسير على طريق دعوتهم في تقديم النصيحة والإرشاد، وهي سنة الله تعالى في عباده الصالحين، قال الحسن البصري: "ما زال لله ناس ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله عليهم، ويعملون له في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض" لطائف المعارف لابن رجب.

فالنصيحة من الأمور المهمات التي أوجبها الله تعالى على المسلمين؛ حتى تستقيم حياتهم ولا يشذُّ منهم أحد، فعن جرير بن عبد الله قال: "بايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ" متفق عليه.

ولأن (المسلم مرآة أخيه) -كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم- (رواه ابن خزيمة)؛ فكان من حق المسلم على المسلم أن يكون ناصحاً له في أمور حياته كلها، وأن يريد الخير له في دينه ودنياه وأمور معيشته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(حق المسلم على المسلم ست). قيل:ما هن يا رسول الله؟ قال:(إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) رواه مسلم. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر).

فالمسلم من نَصَحَ إخوانه وأراد لهم الخير وسلموا من لسانه ويده، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) متفق عليه. سلموا من لسانه: بأن لا يلمزهم ولا يسخر منهم ولا يملي عليهم ما يوقعهم في الحرج والمشقة.

كما أن الواجب على الإنسان أن يبتدئ النصيحة لنفسه التزاماً وتطبيقاً حتى لا يكون ممن قال الله تعالى فيهم:(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)البقرة/44، قال أبو بكر الآجري: "ولا يكون ناصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه واجتهد في العلم والفقه، ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس حتى يخالفها بعلم".

وينبغي في النصيحة أن تكون خالصة لله تعالى حتى يتحصل المسلم على أجرها وثوابها، وأن تكون بكلام ليّن مقبول، وبأسلوب المصلح المشفق على إخوانه، كما يجب أن تكون في السرِّ وحسب المقام حتى لا تكون فضيحة على رؤوس الأشهاد تؤدي إلى تعنت المنصوح فيزداد في خطئه وإثمه، قال الإمام الشافعي:

تعمَّدْني بنُصْحك في انفرادي      وجَنِّبني النصيحة في الجماعةْ

فإن النُّصْح بَيْنَ الناس نوعٌ        من التَّوبيخ لا أرضى اسْتَمَاعَهْ

 والحمد لله رب العالمين