وجوب محبة النبي

الكاتب : المفتي لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 14-02-2011


 

في كل عام تتجدد فرحتنا بذكرى مولد الهادي البشير صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى ليكون (رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)الأنبياء:107، وليكون (شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)الأحزاب/45-46.

ولد الهدى فالكائنات ضيـاء             وفم الزمان تبسم وثناء

يوم يتيه على الزمان صباحه             ومساؤه بمحمدٍ وضاء

إنها ذكرى مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)التوبة:128.

وواجبنا في ذكرى مولد النبي الهادي صلى الله عليه وسلم أن نذكِّر أنفسنا وأمتنا بوجوب محبته صلى الله عليه وسلم واتباع سنته صلى الله عليه وسلم، ولا شك بأن كل مسلم على وجه الأرض يحب محمداً صلى الله عليه وسلم؛ لأن حبه صلى الله عليه وسلم ركن من أركان هذا الدين القويم، والدليل على هذا من القرآن الكريم:

أولاً:قول الله تعالى:(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)التوبة/24. قال القاضي عياض في تفسير هذه الآية: "فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع الله من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وتوعدهم بقوله تعالى:(فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ)، ثم فسقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله تعالى" (الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج2/ 18).

ثانياً: قول الله تعالى:(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)الأحزاب/6. يقول الإمام ابن القيم في شرحها: "هو دليل على أن من لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به من نفسه، ليس من المؤمنين، وهذه الأولوية تتضمن أموراً منها: الأول: أن يكون أحب إلى العبد من نفسه؛ لأن الأولوية أصلها الحب، ونَفْسُ العبد أحب إليه من غيره، ومع هذا يجب أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أولى به منها، أي أولى به من نفسه وأحب إليه من نفسه، فبذلك يحصل له اسم الإيمان، ويلزم من هذه الأولوية والمحبة كمال الانقياد والطاعة والرضا والتسليم، وسائر لوازم المحبة من الرضا بحكمه، والتسليم لأمره، وإيثاره على ما سواه.

وأما الجانب الثاني:ألا يكون للعبد حكم على نفسه أصلاً، بل الحكم على نفسه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يحكم عليه أعظم من حكم السيد على عبده، أو الوالد على ولده، فليس له في نفسه تصرف إلا ما تصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أولى به من نفسه، أي بما جاء به عن الله عز وجل، وبلغهم من آياته، وأقامه ونشره من سنته صلى الله عليه وسلم" (الرسالة التبوكية، لابن القيم، ج1/ 29).

ثالثاً: وقول الله سبحانه:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله)آل عمران/31.

يقول الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي في تفسير هذه الآية: "وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله) أي:ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة، فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن" (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، لعبدالرحمن السعدي، ج1/ 128).

ومن الأدلة الواردة في الأحاديث النبوية الشريفة:

أولاً:قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)متفق عليه.

ثانياً:قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فقد كان مع النبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يا رَسُولَ الله، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(لا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ). فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: َإِنَّهُ الآنَ، وَالله لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:(الآنَ يَا عُمَرُ)رواه البخاري.

كل القلوب إلى الحبيب تميل            ومعي بهذا شاهد ودليل

أما الدليل:

1.فعن عُرْوَة بن الزُّبَيْرِ، قَالَ:قُلْتُ لِعَبْدِالله بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَ المُشْرِكُونَ بِرَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"بَيْنَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ:(أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ الله وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)غافر/28"(صحيح البخاري).

2.لما أسر المشركون زيد بن الدثنة -وكان خارجاً في سرية- أخرجوه من الحرم ليقتلوه، واجتمع رهط من قريش منهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان لما قدم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنك في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي! يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً!" (السيرة النبوية، لابن كثير، ج3/ 128).

3.جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَوَلَدِي وَأَهْلِي وَمَالِي، وَلَوْلَا أَنِّي آتِيَكَ فَأَرَاكَ لظننت أَنِّي سَأَمُوتُ. وَبَكَى الْأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَا أَبْكَاكَ؟!) قَالَ: ذَكَرْتُ أَنَّكَ سَتَمُوتُ وَنَمُوتُ، فَتُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَنَحْنُ إِنْ دَخَلْنَا الْجَنَّةَ كُنَّا دُونَكَ. فَلَمْ يُخْبِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ، فَأَنْزَلَ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ)النساء/69، إِلَى قَوْلِهِ:(عَلِيمًا)، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(أَبْشِرْ)رواه البيهقي في شعب الإيمان، ج2/ 504.

4.يروى أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ يُعَدِّلُ بِهِ الْقَوْمَ، فَمَرَّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيَّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ قَالَ:وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنَ الصَّفِّ، فَطَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَدَحِ فِي بَطْنِهِ، وَقَالَ:(اسْتَوِ يَا سَوَادُ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْجَعَتْنِي وَقَدْ بَعَثَكَ الله بِالْعَدْلِ، فَأَقِدْنِي. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اسْتَقِدْ). قَالَ: يَا رَسُولَ الله إِنَّكَ طَعَنْتَنِي وَلَيْسَ عَلَيَّ قَمِيصٌ. قَالَ: فَكَشَفَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: (اسْتَقِدْ). قَالَ: فَاعْتَنَقَهُ، وَقَبَّلَ بَطْنَهُ، وَقَالَ: (مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟!) قَالَ: يَا رَسُولَ الله، حَضَرَنِي مَا تَرَى، وَلَمْ آمَنِ الْقَتْلَ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِكَ أَنْ يَمَسَّ جِلْدِي جِلْدَكَ، فَدَعَا رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِخَيْرٍ (رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة").

نعم:

كل القلوب إلى الحبيب تميل           ومعي بهذا شاهـد ودليــل

أما الدليل إذا ذكرت محمـداً          صارت  دموع العاشقين تسيل

هذا رسول الله هذا المصطفى          هذا لرب العالمين رســول

يا رسول الله يا علم الهـدى           أنا المتيم في حماك نزيــل

لذا يجدر بنا ونحن نحتفل بذكرى مولد الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن نسأل أنفسنا عن طبيعة علاقتنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ورسالته، أهي علاقة مواسم ومناسبات فقط؟ أم هي علاقة حب وثيق للنبي صلى الله عليه وسلم، تظهر آثارها في سلوكنا وأخلاقنا وأعمالنا، كما كان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم معه.

وفي الختام:

صلوا على المبعوث بالنور الذي          شرفت به العلياء والغبراء

إن الصلاة على النبي فريضـة           وتقرُّبٌ من ربنا ورضاء