تذكر أخي الحاج

الكاتب : المفتي الدكتور لؤي الصميعات

أضيف بتاريخ : 26-10-2010


* (أصل هذا المقال خطبة للدكتور يوسف القرضاوي ألقيت بمسجد عمر بن الخطاب في الدوحة بتاريخ (31/ يوليو/2001م) بتصرف يسير نقلاً عن الموقع الإلكتروني).

الحج إلى بيت الله الحرام رحلة بدنية وروحية عظيمة, فضائلها وآثارها على النفس كثيرة, وحتى تؤتي هذه الرحلة ثمارها المرجوة فلا بدَّ للحاج أن يتذكر ما يلي:

أولاً:عند نية الحج إلى بيت الله الحرام‏؟‏

1.أن تستقبل ذلك بتوبة صادقة مما سبق من ذنوبك وسيئاتك؛ لتؤدي هذا النسك وأنت على أحسن حال, يقول الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/8‏.

2.أن تخلص النية لله سبحانه وتعالى في أداء حجك؛ لقول الله تعالى‏:‏(‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)‏ البقرة/196‏, ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏(‏إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئٍ ما نوى‏)‏ رواه البخاري.

3.أن تختار النفقة الطيبة لحجك؛ لأن المسلم مطلوب منه أن يتجنب المحرمات من الأطعمة والأشربة والمكاسب الخبيثة؛ لقول الله تعالى‏: (‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)‏ البقرة/172‏. ‏وهذا في كل سفر، لا سيما سفر الحج والعمرة؛ فهو أحرى بأن يكون خالياً من النفقة الحرام والمأكل الحرام، والحاج إذا أدى حجه وعمرته بمكسب حرام لا يستجاب له دعاء، ولا يصح منه حج ولا عمرة, وقد روي في بعض الأحاديث وإن لم تصح وإنما معناها صحيح: (إذا خرج الرجل حاجّاً بنفقة طيبة ووضع رجله في الغرز [أو ركب سيارته أو ركب طائرته] فنادى: لبيك اللهم لبيك. ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور غير مأزور. وإذا خرج بالنفقة الخبيثة فوضع رجله في الغرز فنادى: لبيك. ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك, زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مبرور) الترغيب والترهيب‏ للمنذري (2/175‏)‏.

4.أن تكتب وصيتك وخاصة إذا كان عليك ديون؛ فلابد أن تكون قد تركت لهذه الديون سداداً, فلا يجوز أن تحج وعليك ديون ليس عندك وفاء لها, فقضاء الديون أوجب عليك من أداء الحج والعمرة، ما لم تستأذن صاحب الدين فيأذن لك.

5.أن تؤمن نفقة من تلزمك نفقتهم، وهذه النفقة أيضًا مقدمة على الحج.

6.أن تختار الرفقة الصالحة المحافظة على الطاعة؛ حتى تنتفع بهم وتتأسى بهم، وتتجنب الرفقة السيئة الذين يؤثرون عليك في سفرك, فالمرء على دين خليله, وكل قرين بالمقارن يقتدي‏.

7.أن تهيئ نفسك للصبر على المشاق, وأن تعلم أنها رحلة تحمل للمشاق, وأن أجرك على قدر تعبك.‏

ثانياً:عند الانطلاق:

1.تودع الأهل والأصدقاء قائلاً: أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم.

2.تدعو دعاء الركوب والسفر: فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله. فلما استوى على ظهرها قال: الحمد لله. ثم قال:(سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، ثم قال: الحمد لله -ثلاث مرات-، ثم قال: الله أكبر -ثلاث مرات-، ثم قال: سبحانك اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. ثم ضحك! فقيل: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكت؟! قال: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك، فقلت: يا رسول الله، من أي شيء ضحكت؟! قال: (إن ربك سبحانه وتعالى يعجب من عبده إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري) رواه أبو داود وسكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة: كل ما سكت عنه فهو صالح] وصححه الألباني في "الكلم الطيب" ص/173.

ثم تدعو فتقول:(اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضي‏.‏ اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده‏.‏ اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل‏.‏ اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد)‏.‏

وإذا رجعت قلهن وزد فيهن‏:‏ (‏آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)‏ رواه مسلم.

3.تعرف على إخوانك رفقاء دربك, وتعامل معهم بروح الأخوة الإسلامية, وعاملهم بخلق حسن؛ تكن أحسن الناس.

ثالثاً:أثناء المسير على الطريق:

1.تُكبِّر الله عند كل مرتفع، وتسبح الله عند كل منخفض.

2.وإذا نزلت في مكان أو استراحة أو قرية فقل ما روته خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏(من نزل منزلاً ثم قال‏:‏ أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق؛ لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك‏) رواه مسلم.

3.تحافظ على أذكار الصباح والمساء, ومنها: قراءة المعوذات ثلاث مرات, ومنها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مئة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه) رواه مسلم.

4.تتحمل إساءة الآخرين لك فإن (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم؛ أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم) رواه أحمد، وحسن إسناده ابن حجر في "فتح الباري" (10/528).

5.تنصح إخوانك بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم فإن (الدين النصيحة) -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- فسألوه: لمن؟ قال:(لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) رواه مسلم.

6.تحرص على إكرام المسلمين, ولو بأقل القليل.

رابعاً:أثناء وجودك في المدينة المنورة وفي مكة المكرمة وفي المناسك الأخرى وفي جميع الأوقات احرص على أن:

1.تحافظ على كثرة العبادة من ذكر ودعاء وتضرع -خاصة يوم عرفة- وقراءة قرآن وأداء للمناسك على أكمل وجه, كما أمر الله وبين لنا رسوله صلى الله عليه وسلم.

2.تحرص على البعد عن كل ما فيه معصية لله تعالى؛ حتى يكون حجك مبروراً متقبلاً عند الله تعالى إن شاء الله تعالى.

3.لا تنس الأدب مع الله تعالى ومع عباده وخاصة في الحرمين المكي والمدني.

4.لا تشغل نفسك كثيراً بأمور الدنيا من بيع وشراء وغيره.

خامساً:مسك الختام:

"فريضة الحج رحلة سلام المسلم؛ فهذه الرحلة هي رحلة سلام، إلى أرض السلام، في زمن السلام، رحلة سلام بالإحرام، امتنع المسلم عن أي شيء فيه إيذاء لغيره حتى الجدال، وحتى الصيد لا يصيد لا لنفسه ولا لغيره.. حتى قطع الحشائش في تلك الأرض لا يجوز, إنه سلم لكل ما حوله ومن حوله، حتى لا يحلق شعره ولا يقلِّم أظفاره، هذه الآلات لا يستخدمها..

الناس في عصرنا ينادون بالسلام، والإسلام يعلِّم المسلم هذا السلام، في أرض السلام، مكان من دخله كان آمناً حتى قال عمر: "لو رأيت فيه قاتل أبي ما مسَّته يدي". أمن وسلام.. فهذه هي الفريضة العظيمة هي هذا المؤتمر العظيم الذي دعا إليه الله تبارك وتعالى ولبَّاه الناس من كل صوب ومن كل فجٍّ عميق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه والطبراني في "المعجم الكبير" و"الأوسط". هم وفود الله عز وجل إلى بيت الله إلى أرض الله"