حكمة العيد

الكاتب : سماحة الدكتور نوح علي سلمان رحمه الله

أضيف بتاريخ : 07-09-2010


 

 

العيد تعبير عن شعور المجتمع بالفرح بمناسبة من المناسبات، وهذه الحادثة التي يفرح بذكرها الناس يجعلون لها يوماً يعبرون فيه عن فرحهم وسعادتهم. وفائدة هذا العيد أنه يقوي الصلات والروابط بين المجتمع، ويوحد شعورهم ونظرتهم فترة من الزمن، وما اللباس الجديد والزيارات إلا تعبير عن هذا الفرح.

وقد كان لأهل الجاهلية في جاهليتهم أعياد خاصة لمناسبات تهمهم؛ فمن ذلك ما رواه أصحاب السنن عن أنس رضي الله عنه قال: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا، فَقَالَ:(مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ)؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) رواه أبو داود.

والحديث يبين لنا أن العيد في الإسلام ليس لمناسبة دنيوية وإنما هو لمناسبة دينية؛ فعيد رمضان يكون بعد أداء فريضة الصيام شكراً لله على توفيقه وهدايته لنا إلى هذا الدين الكريم، وإلى الصوم وما فيه من فوائد، وعيد الأضحى يكون بعد انقضاء المؤتمر الإسلامي الكبير على جبل عرفات، وشكراً لله يُعَيِّدُ المسلمون في كل مكان، ويشاركون إخوانهم الحجاج بهذه الفرحة؛ فبعد أن يكون اللقاء على عرفات بالأجسام لقسم من المسلمين يكون اللقاء في العيد بالأرواح والمشاعر للمسلمين جميعاً.

وكذلك العيد في رمضان؛ فبعد أن كان المسلمون يفطرون في زمن واحد لكن قد يتقدم قطر على قطر في الإفطار حسب مغيب الشمس يأتي يوم العيد فيُعَيِّدُ المسلمون به في كل مكان.

ولم يربط الإسلام أعياده بحوادث أرضية؛ لأن الأرض وما عليها مصيرها الفناء، وإنما ربط أعياده بإنجاز الطاعات الإلهية التي لا تُفني ثوابها الأيام، ثم هي تتكرر كل عام بتكرر القيام بالطاعة.

ثم إن لربط العيد بالطاعة معنى سامياً؛ فهو يشير إلى أن الغاية الأولى للمسلم في الحياة إنما هي رضا الله وطاعته، وتقوية الصلة به، أما المكاسب الدنيوية فهي ثانوية، وتكون مقبولة ومن جملة الطاعات إن أدت إلى رضا الله.

ثم إن الإسلام جعل التعبير عن هذه الفرحة بالاجتماع الكبير لكل أهل بلد في بلدهم ثم يؤدون معاً الصلاة لله تعالى، وهم قبل الصلاة وبعدها يُكَبِّرون الله ويُوحِّدونه ويحمدونه على نعمه وتوفيقه، وما أجمل أصواتهم وهي ترتفع مرتلة: (الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد) هذا هو النشيد الخالد الذي ينطلق معترفاً بأن الله أكبر من كل شيء؛ فهو القديم الخالد وما عداه محدث فان، وهو الإله الحق، وما عداه من آلهة مزعومة فانية.

ثم يعود المسلم ليكبر ويكبر ثم ينهي نشيده بالثناء على الله وشكره على الهداية، وهكذا يحلق المسلم فوق الدنيا وحطامها والحياة ونزهاتها والشكليات وسخافاتها فيقرر صوته المرتفع إلى السماء أن الله وحده هو الكبير وما عداه مخلوق عاجز.

لقد طلب الإسلام منا أن نكبره في العيد أينما كنا: في الطريق والبيت والمسجد.. ثم نخرج جميعاً إلى المصلى، وهو مكان خارج البلد لتؤدى الصلاة، وهي صلاة خاصة نكبر في أول كل ركعة من ركعاتها أكثر مما نكبر في الصلاة، ثم يخطب الإمام مفتتحاً خطبته بالحقيقة الخالدة: الله أكبر.. الله أكبر..

لقد كان الصحابة يخرجون كلهم إلى الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى النساء والأطفال، قالت أم عطية رضي الله عنها: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ في الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاَةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لاَ يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ:(لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا) رواه البخاري ومسلم.

وآخر الحديث يشير إلى أن النساء كن يخرجن بلباس ساتر محتشم، أما مع التبرج فلا يجوز لهن الخروج، وما خروج النساء إلا للمشاركة في هذه الفرحة؛ لأنهن جزء من الأمة، ولتنالهن دعوة المسلمين.

وبعد الصلاة يذهب المسلمون يهنئون بعضهم بالعيد، ويَصِلون أرحامهم، ويعبرون عن فرحهم العميق بالمناسبة السعيدة.

ومما يلفت الانتباه في صلاة العيد أن خطبتها بعدها، ولعل ذلك مقصود منه لفت الانتباه إلى ما يقال في الخطبة، ومطلوب من الإمام في ذلك اليوم أن يستعرض أمور المسلمين المهمة، وتكون خطبته توعية للمستمعين إلى جانب الوعظ والتذكير بالله؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العيد سورة (ق) وسورة (القمر)؛ وذلك لاشتمالهما على العبر والمواعظ بذكر الأمم الماضية وإهلاك المكذبين منهم، ولتذكير الحاضرين بالبعث والقيامة.

وواجب المسلم في العيد: أن يصل أرحامه بالزيارة والهدية بقدر استطاعته، وأن يتفقد المحتاجين من جيرانه، ويعطف على الأطفال اليتامى الذين فقدوا من يُفَرِّحهم في يوم العيد، فيمسح دموعهم، ويُفرح قلوبهم ويواسيهم، وأن يذكر في غمرة الفرح الذين لم يفرحوا بالعيد لأمراضهم وأوجاعهم.. ليذكر الذين عيدوا في المستشفى، فيزورهم إن استطاع، ويجب على المسلم أن لا يشغله العيد عن طاعة الله تعالى فلا يضيع الفروض من صلاة وغيرها.

ومن جهة أخرى فإن العيد لا يُحِلُّ الحرام، بل إن الذي يعصي الله في العيد ذنبه أشد من ذنب الذي يعصي في غير أيام العيد، فلا يجوز اللهو المحرم والحفلات الفاجرة؛ إذ إنها إعلان للحرب على الله، ومن حارب الله غُلب ولا شك.

ويجب على المسلم أيضاً أن يشعر بأن له إخوة في الدنيا يشاركونه الفرح في هذا اليوم؛ فليلبس ثياباً حسنة، وينظف جسمه، ويتطيب؛ لأنه ذاهب إلى فرح لا إلى تعزية، ولا أقول لباساً فاخراً بل أحسن ما يجد.

وأخيراً أسأل الله أن يجعل هذا العيد عيد فرح وخير وبركة على سائر المسلمين، وأن يتقبل صيامنا وعباداتنا، وأن يعيد علينا شهر رمضان والأمة الإسلامية بأفضل حال.