الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
حثّ الإسلام على الصدقة والتبرع والمبادرة بأعمال الخير؛ قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ) رواه البخاري ومسلم.
والصدقة الجارية هي الوقف، وهي المقصودة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: "الصدقة الجارية هي الوقف" [شرح النووي على صحيح مسلم 11/ 85].
فالأصل أن يكون صرف التبرعات حسب قصد المتبرع وشرطه؛ لأنّ المتبرع هنا هو الواقف، والأصل التزام شرط الواقف؛ فلا يُصرف المال إلا حيث أراد، قال الإمام الجويني رحمه الله تعالى: "الرجوع إلى شرط الواقف في الصفات المرعية في الاستحقاق، وفي الأقدار المستحقَّة والترتيب والجمع؛ فإن الواقف هو المفيد، وله الخِيَرةُ في كيفية الإفادة وقدرها" [نهاية المطلب 8/ 362].
وعليه؛ فيجوز استقبال الصدقات من المتبرعين على أن تبين لهم أنّ هذه الصدقات تصرف على جوانب عدة، منها: المساعدات العينية للمحتاجين أو تمكينهم اقتصادياً من خلال التدريب وعلى نفقات إدامة عمل التكية، فكل هذه الجوانب ينال بها المتبرع ثواب الصدقة، لكن الصدقة الجارية تكون فيما يدوم نفعه لمدة زمنية، كالأجهزة والمعدات والأثاث ونحوه، أما ما ينقضي نفعه ولا يدوم لمدة من الزمن فهذا يعد من الصدقات التطوعية العادية، ونسأل الله تعالى أن يكون تعليم وتدريب الفقراء وإكسابهم المهارات للتمكن من العمل من باب الصدقة الجارية التي يدوم نفعها للأمة، كما جاء في قرار مجلس الإفتاء الأردني رقم: (142)، وتتحقق معاني التكافل الاجتماعي الذي حثّ عليه الإسلام في كلا النوعين من الصدقة، لكن إن رفض المتبرع الإنفاق على هذه الجوانب، فيجب على الجهة الخيرية الالتزام حينها بالجانب الذي تبرع لأجله؛ لأنّ شرط المتبرع معتبر شرعاً. والله تعالى أعلم.