سماحة المفتي العام يشارك في مؤتمر الأزهر حول مواجهة التطرف والإرهاب


سماحة المفتي العام يشارك في مؤتمر الأزهر حول مواجهة التطرف والإرهاب

شارك سماحة المفتي العام الشيخ عبدالكريم الخصاونة بالمؤتمر الذي نظمه الأزهر بالقاهرة خلال يومي الرابع والخامس من ديسمبر الجاري، بهدف لمواجهة التطرف والإرهاب، وقد حضرته وفودٌ من 120 دولة، تنتمي للمؤسسات الدينية .

وكان لسماحته المساهمة التالية في هذا المؤتمر:

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد:

فبداية نشكر مشيخة الأزهر الشريف على هذه الدعوة الكريمة وعقد هذا المؤتمر واللقاء التاريخي بين علماء العالم الإسلامي تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د / أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف حفظه الله، حيث جاء هذا اللقاء المبارك والأمة أحوج ما تكون إليه للوقوف صفاً واحداً في وجه أخطر الآفات التي تواجه عالمناً الإسلامي في عصرنا الحاضر.. وهي مشكلة التطرف والإرهاب باسم الدين لتشويه صورته وتعكير صفوه ،،،

السادة العلماء الأجلاء،،،

يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) قريش:3-4.

هؤلاء المتطرفون حرموا الناس من نعمة الأمن، وأنتم تعلمون أن الأمن هو من أجلّ وأعظم نعم الله تعالى على الإنسان بعد نعمة التوحيد،  والأمن يعني السلامة والاستقرار والاطمئنان النفسي وانتفاء الخوف بما يشمل أمن الفرد والمجتمع، قال الله تعالى: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) آل عمران:97، وقال تعالى: (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) يوسف:99، وقال تعالى: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) النور:55، وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً) النحل:112، والأمن أيضاً هو الركيزة الأساسية لحياة الإنسان وتقدم المجتمع وازدهاره، فإذا لم يأمن الإنسان على دينه وماله وعرضه ونفسه، فلن ينعم بحياة طيبة، تدعو إلى الرحمة والتسامح واحترام حق الآخر في الحياة الكريمة، واحترام حقه في الاعتقاد والتدين، وحفظ كرامته الإنسانية بغض النظر عن دينه أو عرقه، وتدعو إلى  القضاء على كافة أشكال العنف والتطرف والتنازع داخل جسد المجتمع الإسلامي وتحث على التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والسير على نهجه، وقال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/107، كما حرم الإسلام ترويع المسلم وإخافته ونشر الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد، فقال عليه الصلاة والسلام: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) رواه البخاري.

أيها العلماء الأجلاء:

دعا الإسلام إلى تكريم الإنسان دون النظر إلى دينه أو عقيدته أو لونه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)  الإسراء/70 كما نادى بالمساواة بين الناس، وأمر بالتآلف والتعارف بين بني البشر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات/13.

كما أمر الإسلام كذلك بمكارم الأخلاق والعدل بين الناس والإحسان إلى جميع الخلائق، ونهى عن كل قبيح من قول أو فعل أو عمل، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) النحل/90، قال أبو السعود: هذه أجمع آية في القرآن لخير يمتثل، ولشر يجتنب.

وإننا نواجه أقواماً نشروا الرعب والخوف بين المسلمين الآمنين إنهم المتطرفون دعاة الطائفية، يقاتلون تحت راية عمية بعيدة عن الإسلام يستبيحون الدماء والأموال والأعراض يقول الله تعالى : (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الفرقان/ 68، وأن الله تعالى أمر بالرفق واللين في تطبيق أحكام الإسلام لأنه السبيل القويم لوجود الشخصية الإسلامية التي تحبب الناس في دين الله، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وقد قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ) آل عمران: 159، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تنزع الرحمة إلى من شقي)، وكذلك سلكوا الغلظة والعنف في الدعوة والتوجيه، والله تعالى يقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/125، ودعا الإسلام إلى التسامح والعفو مع الآخرين لأن ذلك يدل سمو النفس (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فصلت/ 34.

 وأما المتطرفون دعاة الطائفية والعنصرية يقاتلون تحت راية عمية بعيدة عن الإسلام ويستبيحون الدماء والأموال والأعراض ولا يرون لمسلم ولا لغيره حرمة ولا ذمة، فقتلوا الأبرياء الذين وقد قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الأنعام/151، وقتلوا الأسرى الذين أمر الله تعالى باحترامهم وإكرامهم لقوله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) الإنسان/ 8 ، وعاملو المسلمين بالغلظة والشدة والقسوة، كأنما قدّت قلوبهم من صخر، على خلاف ما دعا إليه الكتاب والسنة من انتهاج الرفق واللين والرحمة.

 وقد بلغ التطرف ذروته عند هؤلاء عندما خاضوا في لجة التكفير، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، غير أن هؤلاء لم يسيروا على النهج القويم بل اتبعوا السبل فتفرقت بهم حتى وصل الأمر بهم إلى اتهام المسلمين بالردة، وهذا يمثل قمة التطرف، والفساد في الفكر، حيث زين لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا، وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد كشف القرآن الكريم زيفهم، وفضحت السنة النبوية شخصيتهم ومسالكهم، ووصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".

والأمل معقود على علماء أمتنا أن ينيروا بحقيقة الإسلام وقيمه العظيمة عقول أجيالنا الشابة، زينة حاضرنا وعدة مستقبلنا، بحيث تجنبهم مخاطر الانزلاق في مسالك الجهل والفساد والانغلاق والتبعية، وتنير دروبهم بالسماحة والاعتدال والوسطية والخير، وتبعدهم عن مهاوي التطرّف والتشنج المدمرة للروح والجسد.

ونحن في المملكة الأردنية الهاشمية لسنا بمعزل عما يجري حولنا في دول العالم العربي والإسلامي.. والفتن المظلمة التي تعصف به، والتحديات التي تواجهه... ولقد أدركنا منذ سنوات طويلة فداحة الثمن الذي تدفعه أمتنا وشعوبنا بسبب هذا التطرف والعنف الذي تسلل إلينا من نواح عديدة، فانطلقنا لمصارحة الأمة والعالم بخطر هذه الانحرافات والجرائم التي ترتكب باسم الدين، ودعونا إلى الحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، وإلى الحوار بين أتباع الأديان، لتوضيح صورة الإسلام والتعريف بمقاصد الدين القائمة على الاعتدال والسماحة، وقد تجسد ذلك في رسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين عام 2004م، وفي مبادرة كلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، الذي أقرته الأمم المتحدة، كما شارك صاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد المستشار الديني والثقافي لجلالة الملك عبد الله الثاني مع 126 عالماً من مختلف أنحاء العالم بتوقيع رسالة موجهة إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية حيث فنّدوا الشبهات التي يستندون إليها في أفعالهم وبينوا زيفها وبطلانها. كما شكلت دائرة الإفتاء العام في المملكة الأردنية الهاشمية صمام أمان رئيسي في وجه دعوات التطرف والعنف والإرهاب وكان لها الأثر الكبير في التواصل مع الأفراد والمؤسسات عبر جميع الوسائل المتاحة، لترسيخ مفهوم المرجعية الفقهية الدينية المعتدلة وبيان الأحكام الشرعية، والدعوة إلى العمل بها. وقد تمكنت الدائرة نيل ثقة المسلمين واطمئنانهم للفتاوى الصادرة عن الدائرة كونها فتوى صادرة عن جهة مستقلة  تهتم بنشر العلم النافع الذي  تحتاج إليه الأمة، يهديها من الضلالة، وينقذها من الغواية.

وقد قامت دائرة الإفتاء العام بمساهمة كبيرة وفاعلة في نشر الوعي المجتمعي وحث الناس على الابتعاد عن الغلو والتطرف بالدعوة إلى الإسلام بصورته المشرقة، الإسلام الذي يدعو إلى حقن الدماء وحب الأوطان، وتضافر الجهود للمساهمة في بناء مجتمع إنساني متميز؛ يقوم على مراعاة حقوق الإنسان بصفته الإنسانية، وبيان حقيقة المقاصد الشرعية، مما يساهم في تنمية شاملة وحقيقة؛ وقد تم التأكيد في الأردن على أهمية التنمية الشاملة في بناء الحضارات الإنسانية، وضرورة التلاؤم مع متطلبات الفكر، وتحقيق التقارب بين الاتجاهات الفكرية والمذهبية؛ للارتقاء بالإنسان الأردني إلى المستوى اللائق بين الأمم والشعوب؛ والدعوة عن طريق إصدار البيانات إلى الإصلاح الشامل، والعمل المؤسسي لكافة مرافق هذا الوطن الغالي، دون إفراط أو تفريط، بوسطية وعقلانية وحكمة مدروسة مؤداها الخير والنفع، وتحقيق الأمن والاستقرار الشامل.

1.     وتحرص دائرة الإفتاء كذلك على المحافظة على الوحدة الوطنية، من خلال إصدار الفتاوى والبيانات التي تحافظ على وحدة الأمة وتماسكها، وبيان أن الأمة واحدة في دينها ولغتها وحضارتها وتاريخها، واجتماع كلمة أفراده على الحق، وإن اختلفت المشارب العلمية، والتمسك بحرية مذهبية تجمع ولا تفرق، وقد سعى الهاشميون يؤازرهم الأردنيون على ترسيخ مفهوم الحوار المسؤول، وقبول الرأي والرأي الآخر، والدعوة إلى استحداث خطاب معاصر يواكب المتطلبات العلمية، ويحل إشكالات العوام، والإشاعات المغرضة، الموجهة ضد الوطن، وذلك لمحاربتها، والتآزر على قمعها، وإزالة آثارها ما أمكن.

2.     حرص دائرة الإفتاء العام على إصدار الفتاوى المتصفة بالعدالة الاجتماعية، بحيث يستشعر المواطن وجود من يدافع عن حقوقه ويحافظ عليها، مما يشكل صمام أمان رئيسي ضد بيئات التطرف والعنف والإرهاب التي قد يكون أحد أسبابها الشعور بالإحباط والظلم المجتمعي، وقد أصدرت الدائرة العديد من الفتاوى والبيانات التي تدعو إلى محاربة الفساد في القطاعات العامة والخاصة، وحرمة التعدي على المال العام، بالإضافة إلى التذكير بنعمة الأمن والأمان؛ المتمثلة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم آمناً في سربه معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».

3.      تعزيز روابط الثقة والأخوة بين الدائرة ومؤسسات المجتمع الرسمية والخاصة، بالإضافة إلى التواصل مع مختلف المؤسسات الإسلامية حول العالم، وخاصة في القضايا التي تتعلق بتحقيق السلم المجتمعي وتأكيد مكانة الأردن كمتبنية للثقافة الإسلامية المعتدلة داخليا وخارجياً من خلال تبنيها لمبادرة جلالة الملك في (رسالة عمان، رسالة الإسلام السمحة)، ومبادرة (كلمة سواء)، وتعميمها في مختلف النوادي.

4.     تقوم الدائرة بالتصدي للفتاوى الشاذة والأقوال المضطربة التي تسبب خللاً في الحياة الفكرية والعملية والتركيز على محاربة هذه الأفكار في المحافل العامة و الندوات والمحاضرات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والدعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والابتعاد عن الأسباب التي تؤدي إلى العنف والتطرف والإرهاب.

وها نحن ذا نقدم اليوم تجربتنا في العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد باختلاف أديانهم وأعراقهم وتجربتنا في الحوار والانفتاح مع العالم، وتجربتنا في استقبال الآلاف من إخواننا المهجرين واللاجئين بسبب العنف والصراع، وأتمنى أن تكون هذه التجربة نبراساً وكوة من الضوء تنير طريق الظلام الذي يهيمن على واقعنا اليوم.

حفظ الله العالم العربي والإسلامي من كل سوء، ونجدد شكرنا لمشيخة الأزهر الشريف على حسن ضيافتهم، سائلاً الله تعالى أن يحفظ مصر وأهلها،، وأن يقيهم شر الفتن إنه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.