أضيف بتاريخ : 30-09-2015


ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي (*)

د. قيس سالم المعايطة/كلية الشريعة، جامعة مؤتة.

الملخص

 تتناول هذه الدراسة موضوع ضوابط الحوار في الفكر الإسلامي، ونهدف من هذه الدراسة إلى إثبات أن الحوار أصيل في عقيدتنا وهو ممكن وواقع بخلاف ما يعتقد البعض، فالناظر إلى الواقع المعاصر يرى أن المواقف من الحوار متباينة ومختلفة، ففي حين ترى البعض لا يؤمن بالحوار أصلاً، وسيطرت فكرة الغلبة والهيمنة وصراع الحضارات على فكره، ويعتقد أن أي حوار هو ضرب من التنازل عن العقيدة والفكر، ترى آخرين يريدون الانفتاح الكامل على الآخر والتبعية المطلقة له تحت مسمى حوار الحضارات أو حوار الثقافات. وكذا بعض المشاهد المزرية من الحوارات التي تتم على مستوى الذات، في كثير من المحافل الثقافية ووسائل الإعلام بين اتجاهين متناقضين لا شك أنها تخالف المنهج التحاوري في الفكر الإسلامي، من هنا كانت هذه الدارسة وقد اشتملت على خمسة مطالب عالجت معظم الضوابط المتعلقة بالحوار، كالضوابط المتعلقة بأطراف الحوار من حيث أخلاق الشخص المحاور وعلمه وقدرته على الحوار والشرعية التي يملكها في تمثيل الجهة التي يحاور عنها، وكذا الضوابط المتعلقة بمادة الحوار وموقف بعض العلماء فيما يمكن أن نتحاور عليه سواء أكان الطرف الآخر مسلماً أم غير مسلم، وتناولت هذه الدراسة أيضاً منهج الحوار مع الآخر وفق الرؤية الإسلامية الأصيلة التي تقدمها العقيدة الإسلامية، وأخيرا كانت النتائج وأبرز التوصيات التي توصل إليها الباحث.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصبحه ومن سار على دربه إلى يوم الدين؛ وبعد

فالتواصل بين البشر أمر فطري لا يمكن للإنسانية أن تستغني عنه، ولقد كان الحوار مظهراً من مظاهر هذا التواصل حتى غدا أسلوباً من أساليب العلم والمعرفة ووسيلة من وسائل الدعوة والتبليغ ، فاعتمد عليه الأنبياء والرسل في دعوة الناس إلى الخير، واعتمدت عليه الشعوب في تواصلها وتفاعلها مع بعضها البعض، واختطه المفكرون والمربون طريقاً ومنهجاً في تعليمهم، ومن هنا نجد أن العقيدة الإسلامية هي أول من رسم للفكر الإسلامي أسس وقواعد الحوار ليصل المفكر المسلم إلى المقاصد والغايات النبيلة التي أرادها الدين الإسلامي.

والناظر إلى الواقع المعاصر يرى أن المواقف من الحوار متباينة ومختلفة، ففي حين ترى البعض لا يؤمن بالحوار أصلاً، وقد سيطرت فكرة الغلبة والهيمنة وصراع الحضارات على فكره، ويعتقد أن أي حوار هو ضرب من التنازل عن العقيدة والفكر، ترى آخرين يريدون الانفتاح الكامل على غيرهم والتبعية المطلقة لهم تحت مسمى حوار الحضارات أو حوار الثقافات. ولعل بعض المشاهد المزرية من الحوارات التي تتم على مستوى الذات، في كثير من المحافل الثقافية ووسائل الإعلام بين اتجاهين متناقضين، أو بين رأيين مختلفين وما يسودها من استخفاف بعقل المشاهد والسامع، والتي هي أشبه بصراع وملاكمة بالكلمات، ينتهي فيها الحوار إلى مزيد من الفرقة وإثارة الأحقاد وتعميق الخلاف واغتيال للعقل ومصادرته.

ففي ظل هذا الواقع نرى أنه لزاماً علينا أصحاب العقيدة السمحة، أن نبين ما هي ضوابط الحوار مع الآخر سواء أكان الآخر مسلماً أم غير مسلم، ولاسيما وأن العقيدة الإسلامية تضع الضوابط الكفيلة التي تجعل من الحوار أسلوباً حضارياً، وترتقي بالعملية التحاورية إلى مراتب إنسانية مثالية وبالتالي يؤتي الحوار ثماره المرجوة، ويحقق مقاصده وغاياته النبيلة.

في هذه الدراسة محاولة متواضعة لبيان ما هي الضوابط التي وضعتها العقيدة الإسلامية لتضبط عملية التحاور، سواء كان حوار المسلم مع أخيه المسلم أو حوار المسلم مع غيره من أبناء الأديان الأخرى، وقد كانت منهجية البحث تقوم على استقراء واستقصاء لكل ما تعلق بهذا الموضوع من مصادر متنوعة، كان في مقدمتها القرآن الكريم وبعض كتب التفسير، والسنة النبوية بالإضافة إلى العديد من الكتب الفكرية والثقافية التي تناولت الموضوع، وكذلك بعض الدوريات المتخصصة والشبكة المعلوماتية (الإنترنت)، ثم قام الباحث بعد ذلك بتحليل ما تم استقصاؤه بمنهجية علمية تقوم على الحيدة ومرونة الطرح بعيداً عن التعصب، مستشهداً بأقوال وآراء لعلماء من مختلف الأطياف سواء مذاهب إسلامية أو أديان أخرى، ليبنى هذا البحث على الموضوعية والإنصاف الفكري، وقد كانت خطة البحث على النحو التالي:

في المطلب الأول تناول الباحث تعريف الضوابط وبياناً لمفهوم الحوار في اللغة وبيان المضامين المعرفية والدلالات اللغوية لمفهوم الحوار لغة ومفهوم الحوار في ضوء القرآن ثم بعد ذلك بيان الألفاظ ذات الصلة.

في المطلب الثاني قام الباحث بتوضيح آليات الحوار التي يمكن أن توصل إلى حوار حقيقي يؤتي أكله، والمقومات التي تقوم عليها العملية التحاورية الصحيحة.

في المطلب الثالث تكلم الباحث عن الضوابط التي تتعلق بأطراف الحوار أو بالشخص المحاور متناولاً ثلاثة أقسام من هذه الضوابط: الأول يتعلق بأخلاق الشخص المحاور، والثاني يتعلق بالعلم والمعرفة والقدرة على الحوار، والثالث يتعلق بإرادة الحوار عند أطراف الحوار ومدى شرعيتها في تمثيل الجهة التي تحاور عنها.

أما المطلب الرابع فكان عن الضوابط التي تتعلق بمادة الحوار، ويندرج تحتها قسمان: الأول الضوابط التي تضبط مادة الحوار إذا كان المحاور مسلماً، والثاني إذا كان المحاور غير مسلم.

والمطلب الخامس كان عن الضوابط التي تتعلق بأسلوب الحوار ومنهجه وفيه عرض لأسلوب الحوار ومنهجيته في الفكر الإسلامي.

الخاتمة وفيها أبرز النتائج والتوصيات.

ولما كان العمل البشري عرضة للنقص والخطأ والخلل، فإني أضع هذه الدراسة بين يدي أساتذتي الأكارم من أهل العلم والمعرفة والفضل ليسددوا ما بها من خلل وما فيها من نقص، ولقد حاولت محاولة صادقة مخلصة بإذن الله تعالى قدر الطاقة والوسع فإن كان صواباً فهذا ما وفقني الله إليه، وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفر الله وحسبي أني لم أدخر جهداً في سبيل الوصول إلى الحق، وأسأل الله العلي القدير أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المطلب الأول

تعريف بالضوابط والحوار والآخر والألفاظ ذات الصلة

مفهوم الضوابط:

الضابط في اللغة: هو الاسم، والفعل ضبط، وضبط بمعنى أحكم وأتقن، وحفظ بالحزم([1])، وضبط الشيء: لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، ورجل ضابط أي حازم، والضابط القوي على عمله([2]).

والضابط في الاصطلاح: ما أنتظم صوراً متشابهة في موضع واحد غير ملتفت فيها إلى معنى جامع مؤثر، أو هو كل ما حصر جزئيات أمر معين، وأحكمها في إطار واحد([3]). ويمكن أن نعرفه فنقول إنه مجموع الأسس التي تُحكم وتنظم مسألة معينة.

مفهوم الحوار:

أولاً: الدلالة اللفظية للحوار في المعاجم اللغوية: ذكر علماء اللغة لـ "حَوَرَ " معاني متعددة تبعاً لتفعيلاتها الصرفية، فقد جاء أنه: الرجوع عن الشيء وإلى الشيء قال تعالى:(إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ) الانشقاق/ 14، والعرب تقول: "والباطل في حور" أي في رجوع ونقص، يقال حارَ إلى الشيء وعنه حَوْراَ ومحاراً ومحارةً رجع عنه وإليه([4]).

وكل شيء تغير من حال إلى حال، فقد حار يحور حوْراً، فقال لبيد:

وما المرء إلا كالشهاب وضـوئه

يحور رمـاداً بعد إذ هو ساطع([5])

والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب، تقول أحرت له جواباً وما أحارَ بكلمة. والحَوْر: الجواب، يقال كلّمته فما ردَّ إليَّ حوْراً أو حويراً([6]).

واستحاره أي استنطقه. يقال: كلمته ما ردَّ إليَّ حوراً أي جواباً، وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام، والمحاورة: مراجعة المنطق في المخاطبة([7]).

والحواريون في اللغة الذين أخلصوا ونقوا من كل عيب، وكل شيء خلص لونه فهو حَوَاري([8]).

ونلاحظ من خلال ما بينته لنا المعاجـم أن مـادة

الحوار تتوزع دلالاتها اللفظية في خمسة حقول:

الأول   : الرجوع إلى الشيء وعنه.

والثاني  : التحول من حال إلى حال.

والثالث : الإجابة والتجاوب والرد.

والرابع  : الاستنطاق وتداول المقولات بمراجعة الكلام ومراجعة النطق.

والخامس: النقاء والإخلاص والتخلص من العيوب.

ثانياً: المضامين المعرفية لمفهوم الحوار في اللغة:

ويتضح لنا مما تقدم أن مادة الحوار تدور في معان خمسة هي مضامين معرفية لمادة (ح.و.ر)([9])، وهي كما يلي:

  1. الرجوع إلى الشيء وعن الشيء يفيد الإقبال على الآخر وعدم التعصب لرأي، فالمتحاورون قد يرجع أحدهم إلى الرأي الآخر أو قوله أو فكره في سبيل الوصول إلى الصواب والحقيقة، ومنه قوله تعالى: (إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ) الانشقاق/ 14 أي لن يرجع مبعوثاً يوم القيامة.
  2. التحول من حال إلى حال تفيد مضموناً معرفياً، وهو أن المحاور ينتقل في حواره من حال إلى أخر، فمرة يكون مستفسراً، ومرة يكون مبرهناً، وأخرى يكون مفنداً، وهكذا.
  3. الإجابة والتجاوب والرد، وهذا أقربها إلى المعنى الاصطلاحي للحوار، فهو يفيد أن طرفي الحوار يلتقيان فيطرح كلا منهما رأيه بحرية وتجاوب -أي قبول للآخر- فيجيب الطرف الأخر، ويقدم مجموعة من الردود على أدلته وبراهينه.
  4. الاستنطاق وتداول المقولات بمراجعة الكلام ومراجعة النطق، فكل واحد من المتحاورين يستنطق صاحبه ويراجع الحديث معه لغرض الوصول إلى هدفه وقصده، وهو أيضاً إقرار بحق الآخر في عرض قضاياه ومعانيه من غير قهر ولا جبر.
  5. النقـاء والتخلص من العيوب ، وهذا يفيد النتيجة

الطبيعية للحوار، لأن الحوار البناء يؤدي في نهاية المطاف إلى التخلص من العيوب الفكرية، بعد أن قبل أحد أطراف الحوار بالصواب والحق، وإلا كان حوار الطرشان.

ثالثاً: مفهوم الحوار في ضوء القرآن الكريم:

بما أننا تحكمنا رؤية توحيدية تستمد مرجعيتها من الوحي المطلق، فلابد أن ننظر كيف تعامل علماء التفسير مع مادة الحوار في تفسيرهم للقرآن الكريم، وقد وردت لفظة الحوار في مواطن متعددة من القرآن الكريم، منها في قوله تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) الكهف/ 34، وقوله تعالى:(وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) المجادلة/ 1.

الإمام الطبري عرف الحوار بالمخاطبة والمكالمة، فقال في تفسير قوله تعالى: (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ) "أي يخاطبه ويكلمه"([10])، وعرفه الإمام البقاعي فقال:"الحوار هو المخاطبة بلين ورفق، وقال: يحاوره أي يراجعه في الكلام... وحار يحور إذا رجع افتخارا عليه وتقبيحاً لحاله بالنسبة إليه، والمسلم يحاوره بالوعظ والتقبيح، تقبيح الركون إلى الدنيا"([11])، وعرفه العلامة ابن عاشور فقال: "المحاورة هي المجاوبة والمحاورة مراجعة الكلام بين متكلمين، ودل فعل المحاورة على أن صاحبه قد وعظه في الإيمان والعمل الصالح فراجعه بالفخر عليه والتطاول"([12])، وذكر السيد محمد حسين فضل الله أن الحوار هو إدارة الفكرة بين طرفين مختلفين أو أطراف متنازعة([13]).

رابعاً: مفهوم الحوار في الاصطلاح:

وبعد هذا العرض للمدلول اللغوي للحوار يمكن أن نستعرض بعض التعريفات الاصطلاحية للحوار عند العلماء:

التعريف الأول: الحوار هو أسلوب يجري بين طرفين، يسوق كل منها من الحديث ما يراه ويقتنع به، ويراجـع الطرف الآخر في منطقه وفكره قاصداً بيـان

الحقائق وتقريرها من وجهة نظره([14]).

التعريف الثاني: الحوار آلية من أهم الآليات في التفاعل مع الوجود بأكمله أخذاً وعطاء من غير إكراه ولا قهر، ضمن سنتي التنوع والتدافع من أجل تحقيق التوازن الكوني([15]).

التعريف الثالث: الحوار هو الأسلوب الفطري اللازم لكل معرفة لبلوغ العقل استقراره بإدراكه الحقيقة، وهو ردة فعل النفس بالتي هي أحسن على ما تقابله من قضايا ومشاكل([16]).

التعريف الرابع: الحوار يمثل نوعاً من التفكير بصوت مسموع أو مقروء، وهو جوهر دعوة الأنبياء للناس، والتي تريد منهم أن يدخلوا في مناقشة جدية لما يطرحونه من أفكار([17]).

وأقول أن الحوار هو أسلوب نقاشي يجري بين طرفين، تتم فيه مقايسة ومحاكمة للآراء والأفكار بطريقة علمية منهجية نقدية متبادلة، بهدف الوصول للقيمة الحقيقة من الحوار وهو الحق بكل ما يعنيه.

خامساً: الألفاظ ذات الصلة بمفهوم الحوار:

بما أننا وقفنا على مفهوم الحوار، فهذا يتطلب منا الوقوف على المفاهيم والمصطلحات التي لها علاقة وثيقة بمفهوم الحوار، لنرى أوجه الاختلاف والاتفاق فيما بينها:

مفهوم الجدل:

ورد في معاجم اللغة أن الجَدْل: شدة الفتل، والجَدَل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، ورجل جَدِل إذا كان أقوى في الخصومة([18])، والجَدَل: مقابلة الحجة بالحجة، والمجادلة: المناظرة والمخاصمة([19])، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل" (الترمذي، الجامع الصحيح "سنن الترمذي"، كتاب التفسير، باب ما ضل قوم، وقال فيه: وهذا حديث حسن صحيح) ([20]).

أما في الاصطلاح: فقد عرفه الجرجاني فقال: "القياس المؤلف من المشهورات والمسلمات، يكون الغرض منه إلزام الخصم، وإفحام من هو قاصر عن إدراك مقدمات البرهان، ودفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة." انتهى كلامه([21]).

وقد قسم العلماء الجدل إلى جدل محمود وجدل مذموم، أما المحمود فهو: ما كان من أجل تقرير الحق وهو مهنة الأنبياء في الدفاع عن العقيدة: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) النحل/ 125، وهذا النوع من الجدل هو أول خطوات الحوار([22])، فقد وردت لفظتا الجدل والحوار في آية واحدة في سورة المجادلة: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) المجادلة/ 1، فالمرأة هنا تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم وتراجعه وتشتكي إلى الله([23]).

أما النوع الثاني فهو الجدل المذموم، وهذا يتعلق بالباطل وطلب المغالبة فيه([24])، وقد أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى:(مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) غافر/ 4، وقوله تعالى:(وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ) الكهف/ 56.

مفهوم المناظرة:

المناظرة في اللغة من النظير، أو من النظر بالبصيرة، فهي من النظر تفيد الانتظار والتفكير في الشيء تقيسه وتقدره، ومن التناظر تفيد التقابل، ومن النظير تفيد التماثل([25]). والتناظر أيضاً التراوض في الأمر، ونظيرك: الذي يراوضك وتناظره، وناظره من المناظرة([26]).

وفي الاصطلاح: عرفها الجرجاني فقال: هي النظر بالبصيرة من الجانبين في النسبة بين الشيئين إظهاراً للصواب([27]). وقال الزبيدي في تاج العروس: المناظرة المباحثة والمباراة في النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته([28]).

وهي بهذا المعنى تفيد المحاورة بين شخصين أو فريقين حول موضوع معين، لكل منها وجهة نظر تخالف وجهة نظر الفريق الآخر، بحيث يريد إثبات وجهة نظره وإبطال وجهة نظر خصمه، مع توفر الرغبة الصادقة بظهور الحق والاعتراف به عند ظهور([29]).

ومنهم من عرفه فقال هو تردد الكلام بين شخصين، يقصد كل منهما تصحيح قوله وإبطال قول صاحبه مع رغبة كل منهما في ظهور الحق([30]).

مفهوم حوار الأديان:

هو أن يتبادل المتحاورون من أهل ديانتين الأفكار والحقائق والمعلومات والخبرات التي تزيد من معرفة كل فريق بالآخر بطريقة موضوعية ما قد يكون بينهما تلاق أو اختلاف، مع احتفاظ كل طرف بمعتقداته في جو من الاحترام المتبادل والمعاملة بالتي هي أحسن بعيداً عن نوازع التشكيك ومقاصد التجريح، وغاية الحوار هي إشاعة المودة وروح المسالمة والتفاهم والوئام والتعاون فيما يقع التوافق فيه من إعمال النفع العام للبشرية([31]).

المطلب الثاني

آليات الحوار ومقوماته

بسبب تعدد أوجه استعمال مصطلح الحوار، وكذلك بسبب سوء التوظيف في حقول النزاعات السياسية والثقافية والاجتماعية والعقائدية، لحق بالمفهوم التباسات شتى، وذلك بعد أن جرى تحويره وتحويل المراد منه، وفقاً لأغراض ومصالح الجهات والقوى المختلفة. فالآليات العامة التي تجعل الحوار يمضي بالمتحاورين إلى غاياتهم المنشودة، ينبغي لها أن تلحظ مبدأ التكافؤ والرضا والتوازن فيما بينهم. ذلك أن الحوار في أحواله ومبانيه وغاياته قائم على الاعتراف المتبادل، وحق كل فريق، سواء كان فرداً أو جماعة، في المشاركة المتساوية المتكافئة في تقرير الصياغة النهائية لشكل ومضمون المسألة التي يجري الحوار بشأنها.‏

إن الانطلاق من هذا المبدأ سوف ينجز نصف المسافة المؤدية إلى الصيغة المثلى من الاتفاق والحل المفترض، وبالتالي فمن منطق الأمور أنَ الحوار لا يكون حقيقياً وسوياً في حال وجود الغلبة وعدم التكافؤ، وإلا صارت كل صيغة تنتجها عملية التحاور، مجرد استلاب يفرضه الأقوى على الأضعف؛ مما يفضي في النهاية إلى خلل في نظام القوة يفضي بدوره إلى توليد النزاع، ويطلق رحلة متجددة من الأزمات ودورات العنف.‏

على هذا الأساس فإنَّ استقامة الحوار على مبدأ التوازن والاعتراف والاحترام يفرض مراعاة جملة من الشروط والقواعد والآليات، يمكن إجمالها على النحو التالي:‏

أولاً: وجود أطراف للحوار يجمع بينها مكان مادي (مساحة ما يلتقي فيها أطراف التحاور وجهاً لوجه) أو معنوي (التحاور عبر وسائل اتصال مباشرة كالهاتف والإنترنت)([32]).

وهذا يعني أن الحوار يجب أن يكون مباشراً بين المتحاورين، فلا يكون هناك طرف ثالث أو رابع يشكِّل حلقة وصل بين الأطراف، فوجود أطراف أخرى تلعب دوراً يصل الأطراف المتحاورة مع بعض، يجعلنا ندخل في ما يسمى "الوساطة" وليس "الحوار"([33]). وعلى هذا فإنَّ العلاقة الأفقية المباشرة بين المتحاورين هي التي ينبغي توفيرها أولاً لكي يجري حوارهما على نحو سويّ، إلى ذلك فإنَّ على أطراف الحوار، أن يكون لديها رغبة بالحوار، فالحوار ليس قراراً يُفرض على أطرافٍ عليهم التجاوب معه بدافع واجب ما أو إرادة خارجة عنهم، بل إن الحافز إليه يُفترض أن يكون نابعاً من الذات، أي من رغبة ذاتية ناتجة عن قناعة داخلية مؤدّاها أن التحاور باب أساسي يجعلنا نخرج من ذاتنا لنلتقي بالآخر، وكذا على الطرفين

المتحاورين التخلي عن التعصب لفكرة معينة حول موضوع معين، وإذا أردنا للحوار أن ينتهي إلى نتيجة منطقية يسلّم بها الطرفان، فلا بد أن يملك كل منهما حرية الحركة الفكرية التي تحقق له الثقة بشخصيته المستقلة، بحيث لا يكون واقعاً تحت هيمنة الإرهاب الفكري والنفسي الذي يشعر معه بالانسحاق أمام شخصية الطرف الآخر([34]).

ثانياً: (إن أحد المقومات الأساسية التي ينبغي التوافر عليها في أي حوار، هو الموضوع المشترك أو المواضيع المشتركة التي يتم التداول بها)([35]). فلا يكون كلام أحد الأطراف عن قسم من الصورة، وكلام الآخر عن قسم آخر من الصورة. غير أن ذلك يحتّم أن يكون هناك لغة مشتركة معتمدة، بل لغة واضحة لسائر أطراف الحوار؛ بمعنى أن تكون اللغة التي يستخدمها كل طرف، مفهومة وواضحة بالنسبة لسائر الأطراف، (فتقنيات التواصل التي نستخدمها من شأنها أن تساهم في فهم خاطئ للمقاصد والنوايا، قبل أن تساهم في فهم خاطئ للمعاني، في حال لم تكن مفهومة وواضحة لدى الطرف الذي نحاوره، والعكس صحيح)([36]).‏

ثالثاً: النظر إلى الآخر ككيان، له وجوده، وشخصيته، له ميزاته السالبة والموجبة. (ينبغي أن يكون لديّ القناعة الكاملة، بأنَّ الآخر هو كيان كامل منفصل عني)([37]). إن لم أستطع النظر إلى ذلك الآخر من هذه الزاوية، فإني أكون كمن يحاور ذاته، أو كمن يحاور كائناً أبتكره وفق ما أريد. (هذا الآخر، من غير الجائز أن يحول بيني وبينه مستوى ثقافي متعارض، طالما أن الرغبة في الحوار تولدت لديه مثلما تولدت لدي)([38]). هذا الآخر، لا يقف حائلاً أمامي دون الوصول إليه، موقع في هرمية ما، سواء كان هذا الموقع أعلى أو أدنى من موقعي. (فأين تكن المستويات الثقافية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية التي يقف عندها المتحاورون، فإن ذلك لا يشكّل أي فارق في تكوين الأطراف الروحي، سواء وعوا ذلك أو لا)([39]). من هنا، نستطيع أن نفهم معنى كلمة "المساواة" التي نضعها كشرط أساسي في منطق الحوار.‏

رابعاً: من أهم مقومات الحوار وجود منهجية للتحاور، (فأي حوار يجري بين طرفين يجب أن تحكمه منهجية)([40])، وبالتالي هذه المنهجية تنأى به عن أن يكون ارتجالاً واعتباطاً، فلا بد من إعداد خطة علمية منهجية تقوم على أربع خطوات هي: (تحديد الموضوع بشكل دقيق، وتحديد المفاهيم التي سوف تستخدم في الحوار حتى لا يحصل لبس في تداول المصطلحات والمفاهيم، وتحديد الهدف من الحوار، وتحديد الآليات المتبعة في الحوار، والتي تقوم على المناهج العلمية والمنطقية أثناء الحوار، من خلال التفكير والتحليل والاستنباط، ليكون الحوار عقلانياً ورشيدا)([41]).

خامساً: يعتبر الاحترام الذي يبديه كل من المتحاورَين للآخر، أياً كانت الآراء مختلفة، يجري أساساً بالتوازي قبل الحوار وخلاله وبعده. والمقصود هنا، ليس فقط الاحترام الذي ننظر من خلاله إلى الأطراف، بل كذلك الحرص المتبادل كي يتم النظر إلينا باحترام. ونقطة البداية هنا، تكمن في أن أقبل من أراه أمامي انطلاقاً من حيث هو لا من حيث أريد له أن يكون.

(ويتم احترام شخصية الآخر من خلال مراعاة ما يلي:

أ-  اهتمام المحاور بالطرف الآخر اهتماماً ودياً بالانتباه إلى كلامه، وعدم اللجوء إلى تجاهله أو الشرود أو الانشغال بشخص آخر.

ب- تحاشي تحقير الطرف الآخر، أو اللجوء إلى النقد الشخصي فيما يخص سيرته الفردية أو العائلية.

ج فسح المجال أمام الطرف الآخر للدفاع عن وجهة نظره كاملة، والتعامل مع طروحاته بصدر رحب)([42]).

ولذلك فإن معنى أن أحترم الآخر، هو أن أراه حيث هو، خارجاً عن أي اتهام معلن أو كامن في داخلي، وبالتالي أن أنظر إليه خارجاً عن أي نيّة بتغييره فأحرره بذلك من أية نظرة عنيفة كانت أو سلسلة يمكن أن أسجنه مسبقاً فيها. إن ذلك يتطلب استعداداً لضبط النفس، يبدأ به كل طرف على حدة، يتم من خلاله التدرّب على الإنصات كلٌ للآخر، بغية أن يعرف كل طرف أين يقف الآخر. (لا أستطيع أن أرى ما يراه هذا الواقف أمامي، إلا إذا حاولت أن أرى من زاويته، ومن ثم، لا يستطيع هذا الذي أتحاور معه أن يرى ما أراه، إلا إذا ساعدته كي يرى ما أراه من الزاوية التي أقف عليها. وهذا ما لا تستطيع الأطراف الوصول إليه، إلا انطلاقاً من نظرة احترام لكينونة الآخر أياً يكن وحيث يكون)([43]).‏

سادساً: وأخيراً، لا نستطيع القول بأننا نتحاور كطرفين، دون الاستعداد النفسي للاقتناع بالنتائج، (فلا بد لمن يدخل في عملية الحوار أن يعد نفسه إعدادا تاماً لتقبل النتائج التي يؤول إليها الحوار ويهيئ عقله للاقتناع بها، لأن رفض النتائج وعدم تقبلها يقلب الحوار إلى جدل عقيم لا يراد منه سوى عرض القدرات الكلامية وتقديم مزايدات جدلية مقيتة تعود بالحوار إلى ما يناقض هدفه وغايته)([44]).

المطلب الثالث

الضوابط الـــتي تتعلق بأطراف الحوار

قد يسأل سائل فيقول من هم أطراف الحوار؟ ومن المؤهل للحوار وما وصفه؟ ومن هنا كان لزاماً علينا أن نعرف ما هي الضوابط التي تضبط الأشخاص المتحاورين؟

ويقصد بأطراف الحوار الأشخاص أو الهيئات التي تلتقي للتحاور، وهؤلاء لابد أن يتصفوا بصفات تخص عملية التحاور، ولا بد أن تضبطهم ضوابط حتى يكونوا أهلا للتحاور ويملكوا شرعية التحاور، وبالتالي يمثلون الجهة التي يحاورون عنها خير تمثيل.

فكان لابد أن تملك الأطراف المتحاورة روحية الحوار وثقافة التحاور ومصداقيته وحريته، وهي التي تشكل بمجموعها الضوابط التي تضبط شخصية المتحاور، والتي تجعله مؤهلاً للحوار، ولقد أطرت لنا العقيدة الإسلامية إطاراً شاملاً وعاماً للضوابط التي تحكم المحاور المسلم، وفيما يأتي مجموعة من هذه الضوابط وتقسم إلى:

أ- ضوابط تتعلق بأخلاق الشخص المحاور وأسلوب الحوار.

ب– ضوابط تتعلق بالعلم والمعرفة والقدرة على الحوار.

ج- ضوابط تتعلق بإرادة الحوار عند الشخص المحاور، ومدى شرعيته في تمثيل الجهة التي يحاور عنها.

أما بالنسبة للضوابط التي تتعلق بأخلاق المحاور فيمكن أن نجملها فيما يلي:

أولاً: الإيمان بقيم مشتركة عند كل الديانات كالصدق والأمانة والوفاء والصراحة في الجرأة، بعيداً عن الكذب والسفسطة والأوهام، (وقد ساق القرآن الكريم ألواناً من المحاورات التي دارت بين الرسل وأقوامهم، وبين المصلحين والمفسدين، وعندما نتدبرها نرى الأخيار فيها لا ينطقون إلا بالصدق الذي يدمغ الأكاذيب، وبالحق الذي يزهق الباطل)([45]).

فعلى سبيل المثال لننظر إلى تلك المحاورة التي دارت بين سيدنا موسى عليه السلام وبين فرعون، فقد أمر الله تعالى سيدنا موسى وأخاه هارون عليهما السلام أن يذهبا إلى فرعون، ليبلغاه دعوة الحق، وأرشدهما سبحانه وتعالى إلى الأسلوب الحكيم الذي ينبغي أن يتبعاه مع فرعون، فقال تعالى: (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) طه/ 42، أي اذهب أنت وأخوك حيث أمركما، وأنتما متسلحان بمعجزاتي الدالة على صدقكما، ولا تقصرا في تسبيحي وتقديسي وطاعتي، (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) طه/43-44، إذاً أسلوب الخطاب والتحاور معه يجب أن يكون بالرفق واللين مع أن الله تعالى يعلم مدى تجبر فرعون وأن هذا الأسلوب لا ينفع معه ثم يقول تبارك وتعالى: (لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44، لأن هذا الأسلوب الحكيم أدعى بالعقلاء لأن يؤمنوا ويستجيبوا، (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى) طه/ 45، فقال تعالى:(قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) طه/ 46- 47، ثم وصل موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون وبدأ بينهما وبينه الحوار ولنستمع إلى ما قاله فرعون لهما، وإلى رد موسى عليه السلام لنعلم كيف يكون الصدق في القول والمنطق السليم والشجاعة الأدبية الفائقة والصراحة والجرأة في قول الحق والحجة الناصعة والتنزه عن الكذب والنفاق، (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى) طه/ 49 بهذا بدأ فرعون حواره منكراً على موسى كل ما جاء به ولا يريد أن يعترف برب موسى وهارون أنه هو ربه وخالقه، فيجيبه موسى بقول الحق والصدق بلا مراوغة ولا كذب( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) طه/50 وكان هذا الرد من موسى عليه السلام كافياً لئن يخرس فرعون فهذا دليل عقلي منطقي ذكره الفلاسفة وهو دليل الاختراع والعناية، لكن فرعون تمادى في جداله ومكابرته فقال لموسى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) طه/ 51 أي ما حال القرون الأولى كقوم نوح وعاد وثمود، الذين كذبوا أنبياءهم ولماذا عبدوا غير الله الذي تدعوني لعبادته، وهذا يدل على مدى مكر فرعون وخبثه، لأنه سمع من موسى جواباً مفحماً فتحول في الحوار إلى منحى آخر يتعلق بأمور غير الموضوع الذي يتحاوران فيه وهو توحيد الربوبية، لكن موسى الذي وعده الله بالمعية يرد عليه أيضاً رداً مفحماً ويرجع به إلى صلب موضوع الحوار: (قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى* كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى*) طه / 52- 54([46]).

فلو تأملنا هذا النموذج من الحوارات القرآنية، لرأينا فيها من جانب موسى عليه السلام كل مستلزمات المحاور الذي تريده العقيدة الإسلامية من الصدق في القول، والأدب في الخطاب، والحجة القوية الدامغة التي تزهق الباطل والابتعاد عن اللجاجة والخصومة.

ثانياً: التزام الثقة والاحترام المتبادل بين طرفي الحوار وسيادة روح المحبة والمودة والأخوة الإنسانية، (وهذا يستلزم تناسي ماض من التعارض وسوء الفهم، وإيقاف حالة العداء وحملات التشـويه والتشكيك ضد الآخر)([47]).

فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى الحوار الإسلامي– المسيحي أو الحوار الإسلامي- الغربي، لوجدنا أن هناك دعوات كثيرة من الجانب الآخر دعت إلى ضرورة الحوار بين الإسلام والمسيحية كالمبادرة الصادرة عن الكنيسة الكاثوليكية ومجلس الكنائس العالمي في آب/1964:"... إلا انه وبعد حدوث خلافات وعداوات على مر العصور الماضية بين المسيحيين والمسلمين فإن المجمع المقدس يهيب بالجميع ترك الماضي جانباً. ويحثهم على بذل المزيد من التفاهم والعمل المشترك من أجل حماية التقدم والعدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية. وأخيراً العمل من أجل السلام والحرية لكل بني البشر"([48])، ثم بعد ذلك ما صدر عن المجموعة الأوروبية سنة 1973 بما يسمى بتصريح بروكسل الذي دعا فيه الدول العربية للحوار، وفي منتصف التسعينيات تداعت دول أوروبية ومتوسطية لعقد مؤتمرات رسمية، وأخرى أهلية موسعة بهدف تعزيز حوار سياسي واقتصادي وثقافي وإنساني بين أوروبا من جهة وبين العرب والمسلمين من جهة أخرى، وشمل هذا الحوار موضوعات وقضايا الحوار بين الأديان ومسائل الهجرة والتنمية الاجتماعية وصور الآخر في الثقافات وأنظمة التربية الأوروبية والعربية، لكن ماذا كانت حصيلة الحوار حتى الآن؟! لقد أثبت كثير من الباحثين أن نتائج الحوار لم تكن بالمستوى المأمول والسبب في ذلك يرجع إلى فقدان الثقة بين أطراف الحوار وأن هناك خوفاً متبادلاً من الطرفين نشأ نتيجة لوجود رواسب وذكريات دفينة استقرت في وعي المتحاورين، (فمن الرواسب المستقرة في ثقافات ووعي قطاعات غير قليلة من الأوروبيين، ما يرجع إلى القرن الثامن الميلادي وما كتب بعده من أعمال أدبية وشعرية في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وغيرها من البلاد الأوروبية تشوه الإسلام كديانة وتحط من قدر محمد صلى الله عليه وسلم كنبي ورسول) ([49]).

وقد استمر هذا التشويه والتجريح حتى القرن التاسع عشر، (حينما أخذ الاستعمار الغربي في العالم الإسلامي يشعر المسلمين بالخوف والفزع من العالم الغربي وبالأخص بعد حملات التبشير التي شككت في الإسلام وشوهت صورته، ولم تنته هذه الحالة بين الإسلام والغرب عند هذه الحدود ففي ظل الدعوات التي تنادي للحوار نجد بعض الغربيين لا يزال لا يؤمن بالحوار لانعدام الثقة)([50])، فهذا صموئيل هنتجتون([51]) يضع نظرية استند إليها العالم الغربي في علاقته مع المسلمين وهي نظرية "صدام الحضارات"، وقد أكد الأمير الحسن بن طلال في ندوة الحوار العربي الأوروبي الخامس المنعقدة في عمان/ سنة 1993م على مثل هذه المعاني فقال سموه: "أن أوروبا تنظر إلى الشمال الأفريقي المسلم على انه تهديد ديموغرافي والى دول الخليج العربي كتهديد اقتصادي والى بلاد الشام على أنها بعد إسرائيلي صرف" انتهى كلامه([52]).

ونجد أن الإسلام في المرحلة الراهنة هو موضع حملة ضارية في الإعلام الغربي، فقد دأبت وسائل الإعلام الغربية على خلط الأوراق بين الإرهاب من ناحية والإيمان والدين من ناحية أخرى، (ومن الواضح أن الإعلام الغربي، لا يستعمل ميزاناً وحداً حينما يتحدث عن الإرهاب، فعندما يفجر الجيش الإيرلندي قنابله في لندن لا يقال عن ذلك إنه عمل إرهابي بروتستانتي، أو عندما ينفذ الجيش الأحمر الياباني عملية إرهابية لا يقال عنها إرهاب بوذي، أو إرهاب الصرب ومجازرهم على انه إرهاب أرثذوكسي، فمن الملاحظ أيضاً أن الخطاب الغربي، لا يفصل بين المرجعية الإسلامية في منطلقاتها العقائدية وكلياتها الجامعة، وبين اضطراب الممارسة أو الفكرة المستندة إليها والتي هي في عمومها تأويلات للنص وتوظيف لشرعيته في سياقات متباينة)([53]).

إذن بعد هذا الاستعراض لحال الحوار الإسلامي الغربي، فهل يمكن أن يكون هناك حوار ناجع يرتقي بالإنسان، في ظل انعدام الثقة بين أطراف الحوار وفي ظل التشكيك والتشويه المتبادل، فلا بد قبل كل شيء من حوار لوقف خطاب الخوف من الإسلام ووقف الأوصاف التحقيرية التي تدين الآخر ولا ترى فيه إلا النفي إما بالاستتباع وإما بالتصفية كونه مصدراً للشر والعنف والآثام.

ثالثاً: التعاون للدفاع عن كرامة الإنسان وإحقاق الحق وكفالة الحقوق- حقوق الناس كافة – واحترام ما كفلته الشرائع السماوية للإنسان. (فالحوار لابد أن ينطلق من استعداد كل طرف لفهم الطرف الآخر، وتجنب إصدار الأحكام المسبقة، والاتفاق على إعادة صياغة صور للآخر في إطار التفهم والتسامح، والرغبة في بلورة قيم إنسانية مشتركة لإحداث التفاعل الحضاري، وعلى أساس إنكار نزعات التفوق والسيطرة، والدعوة الصادقة لحماية كرامة الإنسان، وإحقاق الحق)([54]).

رابعاً: من الضوابط التي جاءت به العقيدة الإسلامية والتي تضبط أخلاق المتحاورين أو المتناظرين، (أنه لابد أن يكون المحاور واسع الصدر حليماً ذا أناة غير متسرع في النقاش هادئاً في عرض الرأي فهذا أدعى لإقناع الطرف الآخر وأسرع في الاستجابة لرأيه، كذلك عليه أن يكون متواضعاً مجتنباً للغرور)([55])، وخير مثل يضربه لنا القرآن الكريم في المحاورات التي دارت بين شعيب عليه السلام وقومه، فتراها تمتاز من جانب شعيب عليه السلام بالتواضع والأدب والحكمة والشجاعة، فهاهو يخاطب قومه فيقول لهم بكل لطف ورقة: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)88: هود.

فالحوار الذي يقوم على التواضع والاحترام المتبادل بين الأطراف تكون نتائجه طيبة وآثاره حميدة، وفي الأغلب يوصل إلى الحقيقة المرجوة والى الاتفاق على معظم المسائل التي دار من أجلها الحوار، (أما الحوار الذي يكون مبعثه الغرور والتعالي والتفاخر والتباهي بالأقوال فمن المستبعد أن يوصل إلى حق أو حقيقة أو اتفاق على ما ينفع ويفيد)([56]).

خامساً: كذلك من الضوابط التي تضبط أخلاق المتحاورين هي أن عليهم أن يحترموا رأي العقلاء المخلصين الذين ينطقون بالكلمة الطيبة حتى لو خالفوهم في رأيه، لأن هؤلاء العقلاء المخلصين لا تصدر المخالفة منهم عن سوء نية أو خبث طوية أو منفعة شخصية، وإنما صدرت منهم من أجل الوصول إلى الحقيقة([57]).

وخير مثال على ذلك إذا ما اتجهنا صوب سيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، والذين تأسوا برسولهم صلى الله عليه وسلم في مكارم الأخلاق وفي أدب الحوار والجدال، وفي كل شأن من شؤونه صلى الله عليه وسلم رأينا منهم ما يشهد أن الواحد منهم، كان يحترم رأي غيره وينزل عليه متى اطمأن إلى صوابه، (مثلما حدث بين الصحابة رضي الله عنهم في حوارهم في قتال المرتدين وجمع القرآن وحوارهم في مسألة الجد والأخوة وشرب الخمر ووجوب الغرم على الإمام إذا أخطأ كما نقل من إجهاض المرأة جنينها خوفاً من عمر  رضي الله عنه)([58]).

الضوابط المتعلقة بأسلوب الحوار مع الآخر:

من أهم الأسس التي يقوم عليها الحوار الأسلوب المتبع في الحوار، ونحن أمام أسلوبين متضادين متنافرين للحوار الفكري هما:

"أ- أسلوب العنف الذي ينطلق من مواجهة الخصم بأشد الكلمات وأقساها، بحيث يتركز جهد المحاور على كل ما يسهم في أيلام الأخر وإهانته وإهدار كرامته، فيكون أطراف الحوار قد خاضوا معركة لا للبحث عن الحقيقة، بل تحركوا في خضم معركة الغلبة للموقف أياً كان المضمون في صدقه وكذبه، في حقه وباطله، مما يجعل الأمر لا حواراً بالفكر أو جدالاً بالحق ، بل هو قتال بالكلمة يؤدي إلى مزيد من العبث والضياع.

ب- الأسلوب السلمي الذي يعتمد اللين والمحبة أساساً في الصراع، انطلاقاً من القاعدة الإسلامية الكبرى التي تعتبر سنن التدافع وموضوع الصراع بمختلف مستوياته ومجالاته وسيلة من وسائل الحركة المنفتحة للوصول إلى الهدف، الهدف الذي تختصره كلمات القرآن الكريم بالحق والوقوف معه، وعمل المحاور هو العمل على حشد أكبر عدد ممكن من الناس للارتباط به والانسجام معه"([59]).

فعلمنا مما سبق أن من أسس الحوار أن يكون هناك أسلوب للحوار، ومن هنا كان لزاماً علينا أن نبين الضوابط المتعلقة بأسلوب الحوار:

1- يجب أن يتقيد كل من الفريقين المتحاورين بالقول المهذب، البعيد عن كل طعن أو تجريح أو لغط أو احتقار لوجهة النظر التي يعيها أو يدافع عنها([60])، ويشير القرآن الكريم إلى هذه القاعدة الذهبية في حوار الآخرين ومناقشتهم في آيات كثيرة منها قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل /125، ففي هذه الآية الكريمة دعوة إلى الجدال بالتي هي أحسن وهذا يتطلب اتباع أفضل الأساليب وأحسنها في إقناع الخصم بالفكرة التي يدور حولها الحوار، بحيث يبقى المحاور في ملاحقة جادة واعية لمختلف الأساليب المطروحة ليختار الأفضل سواء في الكلمات التي يستخدمها، أو المعاني التي يعبر عنها.

ويخاطب رب العزة والجلال المؤمنين: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)العنكبوت/ 46، ومعنى الآيات أنه لا ينبغي للمسلم أن يحاور أهل الكتاب إلا بأسلوب مهذب راق، حتى لو سلك أهل الكتاب في مجادلتكم مسالك غير مهذبة، وقوله:(بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) تشمل لعمومها كل الأساليب الفكرية والقولية التي هي أحسن وأفضل من الحالة التي يكون عليها الطرف الآخر.

ويقول تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) الأنعام/ 108، أي على المسلم أن لا يسلك مع خصوم دينه ومخالفي عقيدته، مسالك السب والشتم، والطعن واللعن، والفحش والبذاءة وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في قوله: "ليس المسلم بالطعان، ولا باللعان، ولا الفاحش البذيء"([61]) (الترمذي، سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ماجاء في اللعنة، وقال فيه: حديث حسن غريب، حديث رقم 1977).

وقد نهى تبارك وتعالى عن كافة أساليب الهمز واللمز والتنابز بالألقاب والإيذاء والسخرية في قوله تعالى: (لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) الحجرات/11، وقال تعالى: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) الهمزة/ 1([62]).

ومن هنا لا بد أن يكون الضابط في الأسلوب الذي يتبعه المسلم في حواره مع الآخر في ضوء العقيدة الإسلامية هو "التي هي أحسن" بكل ما تعنيه من الأساليب التي تلتقي فيها الكلمات الطيبة مع الطرق المرنة لتفتح القلوب وتهدي إلى الحق([63])، وصدق تبارك وتعالى حين قال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ* وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت/ 33-35.

2- الرفق مع المخاطبين، واللين في القول ضرورة من ضرورات أساليب الحوار، فالكلمة الرقيقة تعني أن ينطق المحاور بالكلام اللطيف في غير جفوة أو غلظة أو تفاصح، وقد أمر الله موسى عليه السلام بالرفق والكلام اللين مع أشد الناس غلظة وجفوة، فرعون الطاغية العنيد: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)44/ طه، فقال ابن كثير في تفسيره "وهذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهي أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين، وعن الحسن البصري قال في قوله تعالى: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً) أعذرا إليه، قولا له: إن لك رباً ولك معاد، وأن بين يديك جنة وناراً، والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع"([64]). وقال ابن عباس معناها "لا تعنفا في قولكما"([65]). فالعنف لا يأتي بخير، والغلظة في القول لا تنفع في الحوار، بل القول القاسي يجعل ردة الفعل عند المتحاور الآخر عناداً وإصراراً على رأيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران/ 159.

3- طرح اللغو في الحوار، ويقصد باللغو: فضول الكلام وما لا طائل تحته وهو آفة من آفات اللسان يخوض فيما لا يعني، والأصل في الحوار المحمود أن لا يكون فيه لغو ولا سقط في الكلام، فقد قال الله في وصف المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) المؤمنون/ 3، وقال تعالى:(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ) القصص/ 55، ولذلك من ضوابط أسلوب الحوار أن يخوض المحاور فيما يفيد ويترك ما لا يفيد، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه" (الزبيدي، إتحاف السادة المتقين، ج7، ص465)([66]).

قال عطاء بن أبي رباح: ([67])"إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمرا بمعروف أو نهياً عن منكر، وأن تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد منها، أتنكرون أن عليكم حافظين كراماً كاتبين"([68]).

4- أن لا يكون الحوار بأسلوب التلاعب بالعواطف والهاب المشاعر، والتحدث عن عبقرية المحاور وذكائه وعلمه، فهذا أسلوب مجاف لأدب الحوار، (وإنما من أدب الحوار أن يكون نقاشاً هادئا بعيدا عن الصخب واللجاجة، وأن تعرض فيه البراهين ولا تثار فيه العواطف، وأن يكون بقصد الحصول على المعرفة لا غير، فلو جاء بغير هذا القصد وكان قاصداً لإظهار نفسه كبراً وعجباً أو تشهيرا، أو جاء بقصد التسقيط والمغالطة لإثبات القدرة العلمية، أو بقصد التضليل أو الانتقاص من الآخرين، أو أي قصد الحقيقة ولا غير، فإنه يلغي الحسن فيه ويكون قبحاً)([69]).

وقد ذكر الأصفهاني شروطاً للحوار والمناظرة نسبها لبعض المتكلمين -لم يذكرهم- فقال: "اجتمع متكلمان فقال أحدهما للأخر هل لك في المناظرة، فقال على شرائط: أن لا تعجب ولا تغضب ولا تشغب، ولا تقبل على غيري وأنا أكلمك، ولا تجعل الدعوى دليلاً، ولا تجوز لنفسك تأويل آية على مذهبك إلا جوزت لي تأويل مثلها على مذهبي، وعلى أن تؤثر التصادق وتنقاد للتعارف، وعلى أن كلاً منا تبنى مناظرته على أن الحق ضالته والرشد غايته" انتهى كلامه([70]).

5- أيضا من الضوابط التي تضبط أسلوب المتحاورين، أن يبتعد المحاور عن الخصومة، والخصومة لجاج في الكلام للابتزاز والخصومة انتصار للنفس لا للحق، وهي دفاع عن الرأي الباطل والإصرار عليه مع أن الحجة قامت من الطرف الآخر على بطلانه، وتظهر الخصومة غالباً من الشخص الذي يرى نفسه فوق الآخرين علماً أو منصباً أو جاهاً فإذا نوقش وتبين له خطأ رأيه لجّ في الحوار ولدد به([71])، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصام" (البخاري، صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب قول الله تعالى وهو ألد الخصام، حديث رقم: 2457).

يقول محمد حسين فضل الله تحت عنوان الانفعال ليس من الإسلام: "لابد من تذكير بعض الإسلاميين الذين يتخذون الانفعال أساساً في حوارهم، أن الأساليب الانفعالية ليست من الإسلام في شيء وعليه أن يعلم أن الإسلام ليس ديناً يتحرك في الأجواء البعيدة عن حركة العقل وروحيّة العلم. فالعنف ليس هو سبيل الإسلام ومن يلتزمونه، ولكن الموضوعية والعقلانية والجدال بالتي هي أحسن، والأسلوب الأفضل والجو الأهدأ" انتهى كلامه([72]).

الضوابط الــتي تتعلق بالعلم والمعرفة والقدرة على الحوار؛ فلا بد للمحاور من صفات تؤهله للحوار، فليس كل من تصدى للحوار يحسنه، ولا كل من ناقش عنده القدرة على الحوار، فالله سبحانه وتعالى يقول: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) الزمر/ 9، ولهذا كانت هناك مجموعة من الضوابط تجعل الشخص أهلاً للحوار وقادراً عليه منها:

أولاُ: أن يكون عالماً بما يحاور، متبصراً في مسائله، ومحيطاً بجزئياته وملابساته، فمن شروط الحوار، العلم والمعرفة لأن المحاورة عملية عقلية مشتركة ترتقي بالإنسان إذا بنيت على المعلومات الصادقة، وبالحوار تنشد الحقيقة وتطرح الخرافات والأباطيل ويتم تبصير الناس بالطرق المنطقية السليمة التي تهدي إلى الرشد، أما إذا ناقش في موضوع لا يعرفه جيداً أو دافع عن فكرة غير مقتنع بها لأنه لا يدركها فإنه يعرض نفسه للإحراج ويسيء للفكرة التي يحملها ويدافع عنها، فأغلب الناس يميلون إلى تجسيد الفكرة في شخص حاملها، ويعتبرون انتصاره لها دليلاً على أنها حق، كما انهم يعتبرون انهزامه في الدفاع عنها انهزاماً لها ودليلاً على أنها خطأ وباطل مع أنها قد تكون عين الحق([73])، وصدق تعالى في قوله:)وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الإسراء/36.

لذلك على المحاور أن يعد مادته إعدادا جيداً، فالإتقان من صفة المؤمن والله يحب إذا عمل أحد عملاً أن يتقنه.

ثانياً: ينبغي للمحاور أن لا يلغي عقله أو يحاور في شيء لا يستسيغه عقله، فالحوار نشاط عقلي ولا يتم الحوار إلا بالعقل، لأنه بالعقل تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات، والحوار والعقل شقيقان لا ينازع أحدهما الآخر فالقضايا المراد التحاور فيها تبدأ في مرحلتها الفكرية ثم مرحلة الحوارية وتنتهي بحكم عقلي([74])، وما أكثر الآيات التي كانت تحاور المنكرين وتنوه بضرورة استعمال العقل للوصول للحقيقة، فلا بد أن يكون المحاور ذكياً لماحاً، سريع البديهة والخاطر، وقد قال الزمخشري بعد أن ذكر الشروط الواجب توفرها في المحاور والمفسر: "وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، درّاكا للمحة، وإن لطف شأنها، منتبهاً على الرمزة، وإن خفي مكانها، لا كزاً جاسياً، ولا غليظاً جافياً، متصرفاً ذا دراية بأساليب النظم والنثر مرتاضاً بتلقيح بنات الفكر قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلفه" انتهى كلامه([75]).

ثالثاً: لابد أن يكون قادراً على استعمال اللغة ومفرداتها، عالماً ببلاغتها ومصطلحاتها وبالأخص في اللغة التي يحاور بها حتى يستطيع التعبير عن نفسه، وتوضيح أفكاره، وإدراك التعابير ومعرفة النصوص حتى يستطيع الاستدلال والاستشهاد بها في موضعها، وهذا ليس معناه التشدق في الكلام، وتكلف السجع والفصاحة، والتصنع في الحديث، والتكلف الممقوت عند العلماء، فالمحاور مدافع عن الحقيقة والحقيقة لا تظهر بالتصنع والتكلف، بل لا تظهر إلا بإخلاص القول والعمل([76])، فقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)78: آل عمران؛ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أبغضكم إلى وأبعدكم عني مجلساً الثرثارون المتفيقهون المتشدقون في الكلام" (الترمذي، سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معالي الأخلاق، وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، حديث رقم 2018).

رابعاً: يحتاج من يحاور أن يكون لديه حظ من علم المنطق والجدل لكي يحاور خصمه بحجة قوية، وعليه أن يدع الاستدلال بالأدلة المحتملة وليعتمد في حواره على الأدلة المحكمة، كما يجب أن يكون قادراً على ضرب الأمثلة والشواهد، والرجوع بالنظر إلى الظواهر الكونية المادية والمعنوية باعتبارها من آيات الله الظاهرة المجاورة وأن يعود بالطرف الآخر إلى التاريخ وما فيه من دروس وعبر وربطها بصور الواقع المعاصر([77]).

وخير مثال نضربه على ذلك ما كان من سيدنا إبراهيم عليه السلام لما قال له الملك([78]):(أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) البقرة/ 258، لم يشأ إبراهيم عليه السلام أن يدخل معه في حوار لإثبات بطلان دليله، لأن ذلك قد يطيل النقاش ويفتح ثغرات للخصم يشوش بها، وإنما ذهب مباشرة إلى الدليل القطعي المحكم، وقال:(فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) البقرة/ 258 ، فترك إبراهيم الدليل الذي فيه شيء من الضعف المنطقي والجدل الطويل وذهب إلى الدليل المسكت([79]).

والضوابط الأخرى المتعلقة بأطراف الحوار أو المتحاورين؛ هي ضوابط تتعلق بإرادة الحوار وبشرعية، هؤلاء المتحاورين في تمثيل الجهة الــتي يحاورون عنها.

بمعنى هل الأطراف التي التقت للتحاور تتوفر لديها نية الحوار، وبالتالي الوصول إلى مقاصده وأهدافه، وقد حذرت مجموعة من العلماء من مسألة عدم توفر إرادة الحوار عند الأطراف المتحاورة، فهذا السيد محمد حسين فضل الله يذكر تحت عنوان "لا للحوار الاستهلاكي" ما من شأنه أن يؤكد هذه الحقيقة فيقول: "إن مشكلة الحوار أنه انطلق في أسواق استهلاكية تتحرك على سطح الفكر في حياتنا الفكرية، وعلى هامش السياسية في حياتنا السياسية يطرح الحوار، لا من أجل أن يصل إلى الحقيقة في العمق، ولكن من أجل أن يثير نوعاً من الجدة في أجواء الفكر، ويحرك شيئاً من اللعبة في أجواء السياسة، ويتحرك بمعانيه المحببة والمنفتحة ليخطو بعض الخطوات ثم لينغلق على نفسه، بعد أن تكون الساحات التي تحرك فيها والخلفيات التي انطلق منها، لا تسمح بالانفتاح على الواقع كله.

لهذا لا نريد لكلمة الحوار أن تستهلك في الواقع السياسي، بأن تتحرك في جو عقلاني يكون حيادياً مع

الفكر الذي يلتزمه المحاور. انتهى كلامه([80]).

ويقول فرانسوا باسيلي أيضاً تحت عنون "حوار الأديان أم حوار الطرشان"، "ويحق لنا أن نتساءل إن كانت هناك جدوى من حوار الأديان، وهل هو حوار ممكن أصلاً، أم كان حواراً للأديان سيصبح بالضرورة حواراً للطرشان، بحيث يتكلم الجميع ولكن لا يسمع أحد للأخر!"([81]).

ويقول يوسف الحسن: "كما أن الحوار الذي نقصد، ليس مجرد دعوة روحية للتفاهم والمحبة، دون تحديد لأركانها، ونفي لما قد يشوبها من نوايا خفية، لا تلبث أن تنكشف فتثير الظنون وتفرغ الحوار من عناصره الأساسية"([82]).

فمن خلال كلام هؤلاء نجد أن من الضوابط التي يجب أن تضبط أطراف الحوار، هي أن يكون لدى الطرفين إرادة الحوار بنية صادقة مخلصة، دون أن تخفي الدعوات إلى الحوار في طياتها أهدافاً غير معلنة تكون سياسية أو تنصيرية أو حتى استعمارية، أيضا دون النظر إلى الطرف الأخر نظرة دونية أو تحقيرية، ودون أن يفرض الطرف القوي شروطه وإملاءاته على الطرف الضعيف، كما يقول يوسف الحسن:"إن العلاقات الدولية، ما زالت تفتقر إلى التوازن، الذي يتيح للحوار أن يكون منزها عن المصالح والاستغلال، أو السيطرة الغربية"([83]).

أيضاً من الضوابط التي يجب أن تضبط الأطراف المتحاورة، أن يكون لدى الأشخاص أو الهيئات أو المؤسسات - التي تلتقي لتتحاور- الشرعية من قبل الجهات التي تمثلها لتحاور عنها، فكم سمعنا عن أشخاص أو هيئات حاورت باسم الإسلام لكن لا نعلم من الذي كلفها لتذهب وتحاور! ولا نعلم كيف اكتسبت الشرعية المطلقة لتحاور باسم الإسلام وتصدر أحكاماً عن المسلمين!، ولهذا نقول يجب أن تكون لدى أطراف الحوار، الشرعية الحقيقة من قبل من يمثلونهم، لأنه باكتسابهم للشرعية الحقيقة فسوف يكون حوارهم حواراً حقيقيا ذا جدوى ونفع، ويحقق غاياته ومقاصده، كذلك بالنسبة للمحاور نفسه سيحظى بفوائد لا ينالها إذا لم يكن محاوراً شرعياً؛ (منها انه سيحظى بأمن فكري ومعنى ذلك سيكون له الحق في أن يفكر تفكيراً مستقلاً في جميع شئون الحياة، وما يقع تحت إدراكه من ظواهر أي يتمتع باستقلالية الرأي)([84])، وهو أمر مهم في الحوار حتى لا يكون هناك إكراه وحتى يأخذ الإنسان بما يهديه إليه فهمه، وهذا تكفله له العقيدة الإسلامية فقد أقرت هذا الحق في أوسع نطاق فمنحت كل فرد الحق في النظر والتفكير وإبداء رأيه وما يقتنع بصحته، والتعبير عن ذلك بمختلف وسائل التعبير كالحوار وغيره، بل إن أجل قضايا العقيدة وهي الإيمان بوجود الله، الإنسان مدعو إلى النظر والتأمل للوصول إلى معرفة الله وعبادته.

كذلك المحاور الشرعي سيحظى بالكفالة الاجتماعية، ونقصد بالتكافل الاجتماعي أن يكون آحاد المجتمع في كفالة جماعتهم، وأن يكون كل قادر أو ذي سلطان كفيلاً في مجتمعه يمده بالخير، (وأن تكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح كل فرد يحاور بصدق وإخلاص، ودفع الضرر عنه، ليتم بذلك دفع الضرر عن البناء الاجتماعي)([85])، كل هذا لأن لحوار بين البشر يحتاج إلى أمن اجتماعي وتكافل، عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" (البخاري، صحيح البخاري، كتاب المظالم والغصب، باب نصر المظلوم، حديث رقم 2446).

وكذلك من الضوابط التي تضبط الأشخاص المتحاورين أنهم يجب أن يكونوا من أهل التخصص، فلأن الحوار على أنواع؛ منه الحوار السياسي ومنه الاجتماعي ومنه الاقتصادي ومنه الحوار الديني، فلا يعقل أن يحاور رجال السياسة في محل علماء الدين، فينبغي احترام أهل التخصص وأن توكل إليهم أعمالهم.

لذا ينبغي أن يختار المحاور من المواضيع التي هو فيها على قدر كبير من الإطلاع والسعة والإحاطة وأن يتجنب المواضيع التي لا اختصاص له فيها([86])، لأنه إذا كان من أهل التخصص فإنه يكون مدركاً للقضية المطروحة للنقاش إدراكا يجعله متمكناً مما يقول، ومقدراً أبعاد موقف الطرف الأخر، عالما بما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز، بصيراً بالظرف والمناسبة التي يتم فيها التحاور، ولاسيما إذا كان الحوار في المسائل السياسية والعلمية والفقهية، والجهل بذلك كان من أسباب توسع الخلافات بين الناس، وجنوح كثير من المناظرات إلى السباب والشتائم([87]).

وروي عن عمر  رضي الله عنه، خطب الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن أراد أن يسأل فليأتني فإني له خازن([88]).

المطلب الرابع

ضوابط تتعلق بمادة الحوار

نرى أن هناك موقفين بين العلماء حول المادة التي يمكن أن يدور حولها الحوار فبينما نجد أن السيد محمد حسين فضل الله يقول إنه لا محرمات في الحوار وكل شيء قابل للحوار فلا مقدسات ولا محرمات في الحوار حتى يمكن أن تكون مادة الحوار في مسألة وجود الله وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم([89])، في الوقت نفسه نرى موقفاً يقابله تماماً للدكتور عدنان رضا النحوي يقول رافضاً لمبدأ حوار الأديان في ظل الواقع الذي يحياه المسلمون اليوم، فيقول "أين هو الحوار وأهل الكتاب يعملون كل وسائل التدمير والفتك بأرواح مئات الألوف من المسلمين في جميع أنحاء الأرض أين هو الحوار والمسلمون مستضعفون بين هزائم وفتن وهوان؟ ثم يستطرد قائلاً الحوار يحتاج إلى نفسية وقضية حق وبلاغ فاصل حاسم إنه ليس باب مجاملات ومساومات وتنازلات؟([90]).

لكن وبعد تحليل كلا القولين نجد أن كليهما لم يكن دقيقاً في إصدار مثل هذه الأحكام حول عملية الحوار، لأن فتح باب الحور في كل شيء بلا محرمات ليس صحيحاً وتحريم الحوار مطلقاً ليس صحيحًا، بل هناك ما يمكن أن نتحاور عليه مع الآخر ضمن ضوابط تضبط موضوعات الحوار أو مادته نقتبسها من طبيعة العقيدة الإسلامية، ومن هنا كان مبدأ تناولنا للضوابط التي تضبط مادة الحوار وهي تختلف باختلاف الآخر المراد محاورته:

1- الضوابط التي تضبط مادة الحوار إذا كان الأخر مسلماً.

2- الضوابط التي تضبط مادة الحوار إذا كان الآخر غير مسلم.

الضوابط الــتي تضبط مادة الحوار إذا كان الآخر مسلماً:

بالنسبة لمادة الحوار التي يتعرض لها المسلم، فهي أولاً مادة تتعلق بمسائل دنيوية، وهذه لا قيد ولا شرط فيها لأن الشريعة الإسلامية لا تحجر على العقل فيما هو من مجال تفكيره، ولا تلزم المسلمين باتباع نمط واحد في الفكر الدنيوي، لكنها توجه عقل المسلم دائما إلى الأفكار النافعة المفيدة التي ترتقي بالبشر بحرية فكرية مطلقة: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) الرعد/ 17، وهنا لا بأس من تحاور المسلمين فيما بينهم وذلك بعقد المناقشات أو الندوات أو المؤتمرات التي يعرض فيها كل مسلم ما عنده من روئ وأفكار من شأنها الارتقاء بواقع المسلمين الدنيوي، وليس من الضروري أن يتفق المسلمون في هذا النوع من الفكر، ولا يلام أحد على الخلاف في هذا الباب، ولا يوجد مستند شرعي يمنع اختلاف الآراء في المسائل الشرعية، بل الإسلام يقرر حقيقة اختلاف العقول وتفاوتها([91]).

أما النوع الثاني من مادة الحوار فهي المواد أو الموضوعات المتعلقة بمسائل دينية وهي أنواع: الأول مواد أو موضوعات تتعلق بالأصول (العقيدة) فهل مواضيع العقيدة تقبل أن يكون فيها آراء وأفكار متنوعة وبالتالي يلتقي طرفان من المسلمين ليتحاورا عليها؟

الحقيقة أن العقيدة نزلت علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بيضاء نقية لا تقبل الزيادة ولا النقصان وبالتالي لا مجال لأن تكون محل خلاف، ولذلك يعرّف الإيمان في العقيدة بأنه التصديق الإرادي بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويجب على المسلم اعتقاده يقيناً من غير شك أو ارتياب مما ورد إلينا بطريق قطعي يقيني([92])، وكل ما خالف الطريق القطعي اليقيني وهما القرآن الكريم والسنة الثابتة فهي البدعة، وقد ظهر فعلاً عبر التاريخ الإسلامي الطويل الكثير من الفرق التي خالفت النص القرآني أو أخرجته عن مدلولاته بتأويلات فاسدة وأهواء وضلالات وبدع، فما هو الموقف من القول المبتدع في العقيدة، هل نحاوره، أو نهاجمه أو نسمح له بنشر بدعته تحت مسميات مختلفة من "حرية فكر" و"إطلاق روح الإبداع" و"ثقافة التعدد"؟!.

النوع الثاني من الموضوعات التي يتحاور فيها المسلم مع المسلم الخلاف في مسائل الفروع (الخلاف الفقهي) وهي نوعان: خلاف تنوع وخلاف تضاد، والمراد بخلاف التنوع هو خلاف في أمور متعددة كلها مشروعة فيختار هذا نوعاً ويختار هذا نوعاً، ولا حرج في ذلك. وهذا النوع لا يحظر فيه الحوار ولا النقاش ولا نشره ودعوة الناس إليه.

أما خلاف التضاد هو التناقض بين الأقوال وهو أيضاً نوعان: الأول خلاف تضاد ضعف فيه أحد القولين ضعفاً كبيراً لمخالفته النص أو الإجماع أو نحوه، هذا النوع الأسلم فيه عدم الحوار فيه والدعوة إليه ونشره، يقول ابن تيميه: "فإن الأئمة الأربعة متفقون على أنه ينقض حكم الحاكم إذا خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو معنى ذلك"([93]).

والثاني خلاف تضاد لم يضعف فيه قول من الأقوال بحيث يردّ، ومسائل هذا النوع من الخلاف يعبر عنها أهل العلم بمسائل الاجتهاد، فهذا النوع من الخلاف لا يمنع الحوار فيه ولا يمنع نشره والدعوة إليه، وعلى هذا الحال استمرت شريعة الإسلام منذ أيام الصحابة –رضوان الله عليهم– إلى يومنا هذا، يختلفون في كثير من هذا النوع من المسائل ولا يحجر بعضهم على بعض أو يبّدع بعضهم بعضاً أو يفسق بعضهم بعضاً مع الحفاظ على رابط الأخوة والمحبة والألفة([94])، وهكذا يتضح لنا أن شريعة الإسلام هي أول من قعد القواعد وقنن القوانين الشرعية في حرية الفكر وحق التعبير وثقافة التعدد لكن ضمن ضوابط العقيدة.

الضوابط الــتي تضبط موضوعات الحوار إذا كان الآخر غير مسلم:

غير المسلم هو كل إنسان لم يؤمن بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولم يدن بدين الإسلام سواء من أصحاب الديانات التي أصلها سماوية أو الديانات الوضعية. ما يكون من موضوعات يدار فيها الحوار بين المسلم وغير المسلم، إما أن تكون موضوعات دنيوية بحتة، أو مسائل دينية أو لها متعلقات دينية.

فالمسائل الدنيوية كالمسائل المتعلقة بالخبرة المكتسبة في الزراعة مثلاً أو الصناعة أو تخطيط المدن أو ما شابه، فليس هناك في الشريعة الإسلامية ما يمنع أن نلتقي مع غير المسلم في حوارات ولقاءات من شأنها أن ترتقي بواقع البشرية، بل على العكس من أجل مقاصد الشريعة تحقيق مفهوم الاستخلاف وعمارة الأرض سبب الارتقاء بالإنسان، ويرتبط هذا النوع غالباً بالسياسة الشرعية والمصلحة المتحققة في كل عصر([95]).

أما الحوار في المسائل الدينية وهو ما يسمى حوار الأديان فنرى أن مواقف العلماء متباينة من مسألة حوار الأديان، وقد تردد المسلمون والمسيحيون في الحوار الإسلامي المسيحي في اقتحام الحوار، وكان التردد مبرراً في بعض الأحيان، فمنهم من اعتقد بأن الحوار شكل من أشكال التوفيق الديني بين الديانتين، ويترتب عليه تنازل أحد الأطراف عن جزء من عقيدته، وهذا يتضح في كلام عدنان رضا النحوي حيث يقول: "أما بالنسبة لحوار الأديان فأرى الواقع يختلف، فما هي القضية وما هو الهدف؟ حتى أصبح مصطلح الحوار وهماً غير محدد. إلا أن الهدف - كما يبدو - ليس التنازل الكلي عن معتقد أو دين، وإنما محاولة الوصول إلى حل وسط أو نقطة لإزالة الخلاف، كما يقال. وهذا وإن صح، قد يفرض التنازل الجزئي، وأنى يستقيم الدين مع تنازل مهما كان جزئياً؟! وأنى للنازل أن يرفع الخلاف؟!."([96]).

ومنهم من اعتبره وسيلة للدعوة أو التبشير "التنصير" كما يقرر سعود المولى فيقول: "لماذا التركيز على التبشير وحوار اللاهوت؟ ولماذا التركيز على نيجيريا وماليزيا والفلبين وإندونيسيا في مؤتمرات الحوار وجعل عناوين هذا الحوار لاهوتية... نقول هذا الكلام لأننا من خبرتنا ومراقبتنا لمؤتمرات ولقاءات الحوار المنظمة على أيدي مجلس الكنائس العالمي... نلمح دائماً المسعى الواضح إلى تحويل هذه المؤتمرات واللقاءات حواراً لاهوتياً عقدياً ودعاية للتبشير. وكل ذلك لم ينتج سوى العداوة واللامبالاة في أحسن الأحوال"([97]). وبعضهم رأى فيه نفاقاً أو زينة مجردة تختفي تحتها نوايا سياسية في أغلب الأحيان، كما يذكر يوسف الحسن([98]).

ورغم هذا التباين في المواقف من مسألة المادة التي تطرح في حوار الأديان إلا أن كثيراً من العلماء أدرك أهمية حوار الأديان، فدروس التاريخ وسنن الحياة والوضع الراهن ومصلحة الإسلام، ومصلحة الإنسان والحضارة، تقتضي أن يلتقي الإسلام والمسيحية لإنقاذ البشرية وإنقاذ الإنسان في عالم اليوم الذي سيطرت عليه المادية والعلمانية، وذلك لا يتم إلا من خلال الحوار، والتعاون البنّاء لاستنباط أشكال وصيغ جديدة في الإدارة والتنظيم السياسي والمجتمعي، ووسائل جديدة في الثقافة والاقتصاد والإنتاج، تجعل الإنسان يحتفظ برقيه المادي ويستعيد في الآن نفسه ذاته وإنسانيته الضائعة.

فبدل أن يكون الدين موضوعاً للحوار، يكون الدين في نطاق الأصول الإيمانية الكبرى منطلقاً للحوار نحو فتح روحي للحضارة وبعث جديد للإنسان([99]).

ولهذا لابد أن يكون هناك جملة من الضوابط التي تضبط مادة أو موضوعات حوار الأديان، نذكر منها:

أولاً: هناك تحفظ إسلامي عقدي إيماني في مسألة حوار اللاهوت وعلم الكلام، وليس معنى ذلك أننا نرفضه بل نقول إن هذا الموضوع من الحوار ليس مجاله المؤتمرات التي تعقد في أواسط إسلامية فقيرة بقصد التنصير إنما مجاله مجالس العلماء والمحافل العلمية، والحاجة ماسة اليوم إلى حوار تكون مادته الحياة والعيش المشترك، حوار قضايا المجتمع والإنسان لاستنطاق قيم الأديان واستنباط صيغ مجتمعية ومواجهة ظروف وتعقيدات عالم اليوم، فمن الوهم الظن أن الإسلام يسعى إلى أسلمة العالم: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يوسف/ 103 ومن الوهم أيضاً الاعتقاد أن الكنيسة تستطيع تنصير المسلمين([100]).

ولهذا يقول يوسف الحسن: وفي إطار المنطلق الإسلامي لهذا لحوار نجد من الضروري توضيح مدى ما توفره العقيدة الإسلامية من أساس قوي لحوار الأديان، حيث تعتبر أن الاختلاف بين الناس هو أحد سنن الله في خلقه وهو واقع بمشيئته سبحانه، كما تقر العقيدة الإسلامية حقوق المعتقد، والتفكير والتعبير وهي قاعدة كبرى من قواعد حقوق الإنسان في الإسلام:(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) البقرة/ 256 حيث لا تجيز أن يكره أهله على الخروج منه (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف/ 29. ويقول أيضاً إن الرؤية الإسلامية للحوار تنادي بضرورة الجهر بالحق في المسائل التي تهم الناس، والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وتحرص على ألا ينشغل الحوار بمسائل الاعتقاد، بل ينطلق من احترام كل طرف لعقيدة الآخر، والتسليم بمبدأ الاختلاف ومبدأ الاختيار(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون/ 6 وأن المحاسب على الأعمال على السواء هو الله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الحج/ 17([101]).

حتى إن بعض رجال الدين المسيحي يرى نفس هذا المنطق فيقول المطران كيرلس سليم بترس: "الجدل اللاهوتي بين المسلمين والمسيحيين لا فائدة منه إلا ضمن فرق صغيرة لتوضيح النقاط المشتركة والنقاط المختلف عليها بين الديانتين، ولكن هناك حقلاً يمكن للحوار فيه أن يكون له بعض الثمار، وهو الحوار حول دور الإنسان في العالم" انتهى كلامه([102]).

ثانياً: من خلال ما سبق من حوارات بين المسلمين والمسيحيين فقد تراكمت لدى الطرفين خبرات ومواقف في مواضيع معينة، مما يجعل الحوار الإسلامي- المسيحي على سبيل المثال قادراً على تحديد موضوعات حيوية وحشد الطاقات الدينية في مواجهة النظام العالمي الجديد القائم على القوة المادية المتسلطة العمياء، فلا بد أن تكون موضوعات الحوار مضبوطة بضابط البر والتقوى ومقاومة الفساد والطغيان والظلم الاجتماعي وفي مواجهة الفقر والجوع والتخلف والانهيارات الكبرى المادية والمعنوية لحياة البشر، فلا بد من قيام جبهة إيمانية مشتركة تضم المؤمنين بالله، على قواعد وأصول التوحيد الإبراهيمي وفي سعي مشترك لبناء عالم أفضل تسوده قيم الحق والعدل والكرامة([103]).

ثالثاً: لا بد أن تكون موضوعات الحوار تشمل القضايا الإيمانية والفكر الديني- لدى الطرفين- التي تشكل مدخلاً لبناء نظرة جديدة لمبدأ قبول الآخر وعدم رفضه([104])، ونجد أن أول من أسس لمثل هذا المبدأ هي العقيدة الإسلامية في الكلمة السواء التي أرادها رب العزة في منطوق قول تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) آل عمران/ 64.

فطرح القرآن الكريم عنوانا وموضوعا فريداً لكي تلتقي عليه الأديان وهي الكلمة السواء، وأوضح القرآن الكريم أن هذا العنوان يقوم على قاعدتين يجب أن تلتقي عليهما كافة الأديان، القاعدة الأولى التوحيد في مواجهة الإلحاد والمادية: (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) آل عمران/ 64 فالتوحيد قاعدة ينبغي أن تحكم حركة الأديان في مواجهة المادية الملحدة التي تجعل الإنسان سلعة مادية تتحرك على أساس الغريزة بعيدا عن العقل، وعلى أساس الدنيا بعيدا عن الآخرة، ومن خلال هذه القاعدة يجب أن تطرح كل قضايا الإنسان في أي لقاء تحاوري بين الأديان([105]).

والقاعدة الثانية العبودية فقط لله في مواجهة الاستكبار والتجبر: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ) آل عمران/ 64 وهذه أيضاً قاعدة أخرى يجب أن تحكم العملية التحاورية بين الأديان، فالأديان لها دور كبير في حماية الإنسان من أن يتحكم في مصيره كل أشكال الاستكبار سواء كان الاستكبار السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، حتى لو كان بلباس الدين نفسه([106]).

رابعاً: يجب أن تركز موضوعات حوار الأديان على القيم الدينية الروحية والأخلاقية، لأن القيم الأخلاقية هي قاعدة البناء الحضاري، والأديان هي الجذور والمنشأ لها- لأن مصدرها هو الله-، لذلك نجد أن مسؤولية حوار الأديان هي التخطيط لحماية القيم من أن يتم تشويهها في حركة البناء الحضاري، لأن ابتعاد الحضارة الحديثة عن القيم الدينية هو جريمة كبرى في حق الإنسانية([107]).

 ولابد من التركيز على أهمية دخول القيم الدينية إلى عالم المكتشفات العلمية، فكما أن الدين يشجع على تعاطي العلم، وتعاطي العلم دون الاحتكام إلى القيم والأخلاق من شأنه أن يحول منجزات الحضارة المادية إلى آلة للتدمير والخراب. فلا بد من إدارة الحوار حول القيم الدينية الروحية والأخلاقية في الأديان، في طبيعتها من حيث المفهوم، وفي حدودها العملية الواقعية، بهدف الوصول إلى نظام أخلاقي مستمد من الأديان يحكم حضارة هذا الزمان([108]).

خامساَ: لا بد أن تكون موضوعات أي لقاء بين الأديان للتحاور تهدف إلى تحقيق العدالة الإنسانية، فتحقيق العدل بمفهومه العام هدفاً مشتركاً لكل الأديان، ويتمثل إقامة العدل الهدف الكبير للأديان في إرسال الرسل وإنزال الكتب، وهذا ما نجده في القرآن الكريم: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد/ 25، فمن اللازم العمل على إدارة الحوار حول تجليات الظلم في الواقع، من خلال عناوين الاحتلال والإرهاب والإجرام، وضرورة استجلاء النظرة الدينية المشتركة تجاه هذه المفاهيم وتسخير المفهوم الديني للعدل والظلم في بيان منشأ ما يسمى بالتطرف والإرهاب والبيئة الظالمة والظروف المحيطة التي ألقت بظلالها على المتدينين كما في قوله تعالى:(قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ) القصص/ 17، وفي القرآن يتضح مفهوم العدل في قوله تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة/ 8([109]).

المطلب الخامس

الضوابط الــتي تتعلق بمنهج الحوار

الحوار أساسه وجود قضية محددة بين فريقين أو أكثر، فيعرض كل طرف رأيه، ويرد الأخر، ومن يدخل الحوار وليس له قضية فإنه خاسر في نهاية المطاف. ومن كان له قضية ويريد أن ينافح عنها بالحوار، فعليه أن يضع منهجا وخطة ليحاور على أساسها، وعليه أن يحسب كل خطوة يخطوها وكل جولة يثب إليها وكل كلمة يحاور بها، ومن لم يكن له منهج ولا خطة فإنه خاسر أيضاً وإن كانت قضيته حق.

 وقد عاب القرآن الكريم على أولئك المجادلين الذين يجادلون بلا قضية ولا منهج فقال تعالى: (وَمِنَ

النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ) لقمان/ 20، وقال تعالى: (هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ) آل عمران/ 66.

وبما أن الحوار ينبغي أن يقوم على منهج فلابد أن تكون هناك ضوابط تضبط المنهج التحاوري، فكان من أبرزها ما يلي:

  1. ينبغي أن يكون الضابط الأساس في المنهج العلمي للحوار هو منهج القرآن الكريم في بيانه لأصول الحوار، فالله تبارك وتعالى يبين لنا هذا المنهج في الآية الكريمة:(قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ* قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) سبأ/ 24-26 فالأصل في المنهج التحاوري أن لا يطرح المحاور صوابية فكره وخطأ الفكر الآخر، بل لا بد أن يطرح فكره مع تساوي احتمال الخطأ والصواب لديه([110]).

وفي هذا الصدد يقول محمد حسين فضل الله: "إن قيمة المنهج الإسلامي للحوار، أنه يبتعد ابتعاداً كلياً عن الذاتية في المضمون الفكري، على خلاف القاعدة المتبعة في المنهج العلمي للحوار، هذا المنهج الذي يؤكد على الجانب الذاتي في الالتزام بالفكرة، مع إعطاء موضوع احتمالي للانفتاح على الفكر الآخر. ولتوضيح ذلك نقول: أن المنهج الحواري المعروف في العالم يختصر في هذه الكلمة: (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)"([111]).

وقيمة هذا الضابط أن الخصم يشعر بالنزاهة التامة في طلب الحقيقة والبحث عنها، ويلزم بمبدأ الحق ومناصرته.

2- يجب على المتحاورين التزام الطرق المنطقية السليمة عند الحوار، والتزام الطرق المنطقية السليمـة

في الحوار لا يكون إلا بما يلي:

أ - تقديم الأدلة المثبتة والمرجحة للأمور المدعاة.

ب- إثبات صحة النقل للأمور المنقولة المروية.

ومن هذين الأمرين أخذ علماء فن أدب البحث والمناظرة، قاعدتهم المشهورة التي يقولون فيها " إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل"([112]).

وقد أرشد الله تبارك وتعالى إلى هذا المنهج في كتابه الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) البقرة/ 111، في هذه الآية يأمر الله تعالى رسوله بأن يطالب الذين ادعوا أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى بأن يقدموا برهانهم على ما يدعون، والبرهان هو الدليل العقلي الذي لا يقبل النقض.

ويقول تعالى في موضع آخر: (أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) النمل/64.

وقال تعالى مطالباً اليهود بالنقل الصحيح: (كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) آل عمران/ 93. فقد اعترض اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلم في أكله لحوم الإبل وشربه ألبانها زاعمين أنها محرمة في ملة إبراهيم ونوح عليهما السلام، فنزل قول الله يأمر رسوله بأن يطالبهم بتقديم الدليل على ما يدعون من نقل صحيح، وذلك في قوله: (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)([113]).

3- كذلك من ضوابط منهج الحوار، إبراز الدليل الناصع، والبرهان الساطع، والمنطق السليم، الذي يلقم المكابر أو المعاند حجراً ويجعله لا يمضي في جداله([114])، وخير مثال على ذلك الحوار الذي جرى بين إبراهيم عليه السلام وبين الملك الكافر الظالم- قيل إنه النمرود بن كنعان– فيقول سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة/ 258. فلقد قال إبراهيم عليه السلام لهذا الملك الكافر وهو يحاوره ويدعوه إلى إخلاص العبادة لله تعالى وحده: ربي وربك هو الله الذي ينشئ الحياة ويوجدها، ويميت الأرواح ويفقدها الحياة ولا يوجد من يملك هذا الفعل سواه، فما كان من ذلك الملك المتجبر إلا أن قال لإبراهيم على سبيل البطر والغرور (أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) أي قال له: أنا أملك صفة الإحياء والإماتة بأن أعفو عمن يستحق القتل، واقتل من أشاء، كان في استطاعة إبراهيم عليه السلام أن يثبت بطلان قوله في حواره معه بأن يقول له أن هذا الذي تدعيه ليس فيه من الإماتة والإحياء شيء، ولكنه في الحقيقة عين الظلم والعدوان على النفس التي حرم الله، لكن إبراهيم عليه السلام لم يفعل، بل آثر ترك الحوار والمجادلة في هذا الشأن، وأتاه بالحجة التي تلقمه حجراً ولا مجال معها للمكابرة، فقال له: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)، فماذا كانت نتيجة هذه الحجة الدامغة والبرهان الساطع؟!

كانت نتيجتها أن ( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ)([115]).

ويقول محمد سيد طنطاوي في هذا الصدد: "والعقلاء دائماً عندما تتضح لهم الحجة، ويظهر لهم البرهان، ويرون الدليل الساطع على صحة المسالة، يقتنعون بذلك، ويعترفون بالحق، أما السفهاء والجهلاء والمغرورن، فإنهم يصرون على باطلهم، ويجحدون الحق عن علم به، لسوء نواياهم، وضعف عقولهم، وانطماس بصائرهم"([116]).

4- ومن ضوابط منهج الحوار التزام الموضوعية في الحوار، ويقصد بها عدم خروج المتحاورين عن الموضوع الذي هو محل النزاع أو الخلاف، فعلى المتحاورين الالتزام بالموضوع الذي طرح للحوار وإلا يشتت الحوار وتذهب الفائدة المرجوة منه.

وهذا يعمد إليه بعض المجادلين حين يرى أنه ملزم بالحجة ليتخلص من إلزام الطرف الأخر، أو يتهرب من الاستمرار في الحوار، فإن آفة كثير من المحاورين إذا ناقشوا في موضوع معين، تعمدوا أن يسلكوا مسلك ما يسمى خلط الأوراق، بحيث لا يدري المتحاورون في أي شيء هم مختلفون مع غيرهم، فتضيع الحقيقة في خضم الكثير من المجادلات والمحاورات([117]).

ولقد نوه القرآن الكريم إلى هذا الأسلوب من أساليب الكافرين عندما كانت تأتيهم رسل ربهم، فها هو يحكي عن قوم نوح في مجابهتهم لنوح عليه السلام وكيف أنهم لم يناقشوه فيما جاءهم من أجله فقال تعالى:(قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الأعراف/ 60، فيرد عليهم نوح عليه السلام: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ* أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الأعراف/ 61-62.

5- من الضوابط أيضاً، توضيح المضمون في الحوار، فمن مستلزماته الهادفة أن يصاغ بالتعابير المحكمة وباللغة السليمة حتى يتمكن السامع من تصور الموضوع تصوراً واضحاً، فلا يصح أن يلجأ أحد طرفي الحوار إلى الكلمات الضبابية والتعابير المطاطية، والكلمات الواسعة الفضفاضة التي لا تعطي فكرة واضحة عن الموضوع، ولا تساعد على بيان وجهات النظر ولا تكوّن عقلية جدلية تحليلة، وهي تدل على الفوضى الفكرية عند من يستعملها.

فيجب أن تكون الكلمات والاصطلاحات معروفة عند الطرفين، فمن ضوابط الحوار أن لا يأتي بمصطلحات وتعابير غامضة عند الطرف الآخر. ولا بد أيضاً من تحديد المفاهيم، وضبط الأحكام، لأن فهم الأمور فهماً سليماً، يؤدي إلى الحكم الصحيح عليها إذ معظم الأحكام الخاطئة، مرجعها إلى الفهم السقيم، أو الخلط بين الألفاظ والمعاني، خلطاً يلتـبس فيه الحـق بالباطل، والصحيح بغيره([118]).

 وذكر محمد سيد طنطاوي أن: "تحرير محل النزاع، يؤدي إلى حسن الاقتناع، فالألفاظ متى تحددت معانيها والقضايا متى وضحت معالمها، سهل الوصول إلى الاتفاق بين المختلفين، وظهر الرأي الذي تؤيده الحجة القويمة، وتطمئن إلى صحته العقول السليمة"([119]).

6- التدرج في الحجة، فإن التدرج في الحوار متناولاَ نقطة نقطة منه، أو جزءاً جزءاً من الموضوع، وإقامة الحجة على كل جزء، يؤدي إلى وضوح الرؤية، وأن يكون للحوار ثمرة نافعة، وإيراد الحجج والبراهين دفعة واحدة قد يؤدي إلى إملال الطرف الآخر وإرهاقه، فلا يكون قادراً على الاستيعاب، ولا يكون قادراً على المناقشة وهذا مناف للمنهج العلمي في الحوار([120]).

ولنا في منهج القرآن الكريم القدوة في هذا التدرج، فالله سبحانه وتعالى أراد أن يتدرج في إثبات ألوهيته وقدرته، وسرد الأدلة على ذلك جزءاً جزءاً وإقامة الحجة على كل جزء، فقال في سورة الواقعة: (وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ* وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ* أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ* قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ* ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ* فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ* فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ* فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ* هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ* نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ* أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ* نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ* وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ* أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ* أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ) الواقعة/ 46-73.

فهذه الآيات جاءت متدرجة في حوار الله عز وجل مع الناس، بدأ بالحديث عن قدرة الله عز وجل على الإحياء بعد الإماتة وجمع الناس ليوم القيامة وذكّرهم في براهين بمنهج التدرج في الحجة، ذكرهم في خلقهم من نطفة، فهل خلقوا ذواتهم؟ ثم ذكّرهم بالموت فهل منعوه عن أنفسهم؟ ثم بين لهم أنه هو الخالق والمحيي والمميت، فهل هم قادرون على الاستبدال أم القدرة لله وحده؟

ثم ذكر حججاً أخرى من عناصر الحياة، الأول في الغذاء، من أين يأتي؟ فهم حرثوا الأرض، وأكفروا الحب، لكن هل هم الذين ينبتونه؟ أم الله القادر؟! فلو شاء الله لجعل ما يزرعون حطاماً يابساً لا حياة فيه، عند ذلك تظهر الطبيعة الإنسانية في الندم والحزن والأسى على التفريط.

ثم يتدرج في الحجة ويذكر تبارك وتعالى عنصراً آخر من عناصر الحياة وهو الماء الذي جعل منه كل شيء حي، فيقول هذا الماء الذي تشربونه، من الذي أنزله من السحاب، هل أنتم قادرون على ذلك أم الله وحده القادر؟! فيقول تبارك وتعالى من الذي أنزله عذباً فراتاً ألا تشكرون الله على ذلك، لو شاء لجعله ماء مالحاً أجاجاً عندئذ سنرى ماذا تفعلون؟. ويتدرج القرآن الكريم في الحجج، ويوجه أنظارهم إلى عنصر آخر مهم في الحياة وهي النار التي يستدفئون بها، وهكذا يتضح لنا منهج القرآن في حوار المعاندين ليقيم عليهم الحجة ويخرس ألسنتهم([121]).

والأمثلة على هذا المنهج في القرآن الكريم كثيرة، منها ما فعله إبراهيم عليه السلام من التدرج في الحجة ليثبت لقومه بطلان ما يعبدونه من النجوم والأفلاك: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ* فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ* فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) الأنعام/ 76-78.

وفي هذا الجانب يقول محمد محسن العيد تحـت عنوان "ضوابط حسن الحوار": "فعلى المحاور أن يرتب تساؤلاته في موضوع الحوار بما يؤدي إلى ما يريد إثباته خطوة فخطوة، وبشكل مبين ولا يعود لموضوع حسم فيه الحوار من تلك الخطوات، لأن ذلك يؤدي إلى التقليل من جاذبية الحوار وحسنه"([122]).

7- كذلك من ضوابط منهج الحوار عدم التعميم في الأحكام، والاحتراس في الأقوال، وتحديد المسائل والقضايا تحديداً دقيقاً، فنرى هذا المنهج واضحاً في آيات القرآن الكريم، فالقرآن ابتعد في توجيهاته عن التعميم في الأحكام وإنما وضع كل لفظ في المعنى الذي يليق به، وأعطى كل مسالة الحكم الذي يناسبها بكل دقة وموضوعية، ولعل في ذلك درسا حكيما للذين يلقون القول على عواهنه، ويطلقون الأحكام في محاوراتهم ومجادلاتهم بلا دليل ولا برهان يستندون إليه([123]).

ومن الأمثلة على ذلك لفظ "إلا" الذي يدل على الاستثناء والتحديد والتقييد، وقد تكرر في الكثير من الآيات التي تنص على أحكام، نراه تارة في العقائد، وتارة في المعاملات وتارة في العبادات، فمثلاً في العقائد بيّن الله عز وجل أنه لا يجوز النطق بكلمة الكفر بعد الأيمان ولكنه يستثني من كان مكرهاً: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) النحل/ 106 ([124]).

8- ومن الضوابط التي تضبط منهج الحوار، لكي يكون الحوار مفيداً ونافعاً، وترجى من ورائه النتائج الطيبة، والعواقب الحميدة، أن يقوم على الحقائق الثابتة، لا على الإشاعات الكاذبة، وأن يبنى على المعلومات الصحيحة، لا على الأخبار المضطربة.

ذلك لأن الأحكام التي مصدرها الأراجيف التي لا أساس لها من الصحة، تكون أحكاماً فاسدة لا سند لها من العقل الصحيح، أو النقل السليم، ومن المعروف عند العلماء أن ما بني على فاسد فهو فاسد وما بني على الصحيح فهو صحيح، وقد مدح القرآن الكريم، أولئك الأصفياء الأنقياء، الذين ينطقون بالكلام الطيب وبالقول الصادق: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) الحج/ 24([125]).

ومن التوجيهات الحكيمة، والآداب السديدة، التي ربى القرآن الكريم المسلمين عليها أنه أمرهم بأن يتثبتوا من صحة ما يقولونه وما يسمعونه، ولا يبنوا أحكامهم إلا على حقائق ثابتة، وصدق الله تعالى حين قال:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات/ 6.

يقول محمد سيد طنطاوي: "إن الحوار الذي يقوم على الحقائق الثابتة، والمعلومات الصادقة، والأخبار الصحيحة، يباركه الله تعالى، ويثيب أصحابه ببركة تعاونه على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان. أما الحوار الذي يبنى على الإشاعات الكاذبة، والأراجيف الباطلة، وسوء الظن المتعمد، فإن نتيجته الخيبة والخسران، لأن سنة الله في خلقه قد اقتضت أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح، ولن تجد لسنة الله تبديلا"([126]).

9- ومن الضوابط التي تضبط منهج التحاور ألا يكون المحاور ملتزماً في أمر من أموره بضد الدعوى التي يحاول أن يثبتها، فإذا كان ملتزماً بشيء من ذلك كان حاكماً على نفسه بان دعواه مرفوضة من وجهة نظره([127]).

ومن الأمثلة على سقوط دعوى المحاور بسبب التزامه بنقيض دعواه وقبوله، استدلال بعض من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه بشر فقال الله تعالى على لسانهم: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ) الفرقان/ 7، مع أنهم يعتقدون برسالة كثير من الرسل السابقين كإبراهيم وموسى وعيسى، وهؤلاء في نظرهم بشر وليسوا ملائكة، فكانت دعواهم ضد اعتقادهم، ولذلك أسقط الله دعواهم بقوله: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) الفرقان/ 20 ([128]).

10- كذلك يجب ألا يكون في الدعوى أو في الدليـل الذي يقدمه المحاور تعارض، أي ألا يكون بعض كلامه ينقض بعضه الآخر فإذا كان كذلك كان كلامه سقط بداهة.

ومن أمثلة ذلك قول الكافرين حينما كانوا يرون الآيات الباهرات تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم "سحر مستمر" وقد حكى الله لنا ذلك بقوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ) القمر/ 1-2، فقولهم ظاهر التهافت والتناقض وذلك لأن من شأن السحر كما يعلمون أن لا يكون مستمراً، ومن شأن الأمور المستمرة أن لا تكون سحراً، أما أن يكون الشيء الواحد سحراً ومستمراً معاً، فذلك جمع لنقيضين في شيء واحد([129]).

11- كذلك من أهم الضوابط التي تضبط منهج الحوار، التسليم بالمسلمات وقبول النتائج التي توصلت إليها الأدلة القاطعة، وإعلان الفريقين المتحاورين على التسليم بالأمور المتفق عليها، أما الإصرار على إنكار المسلمات فهو مكابرة قبيحة، وانحراف عن منهج المناظرة والمحاورة الجدلية السليمة وليس من شأن طالبي الحق، فالأصل في أطراف الحوار قبول النتائج التي توصل إليها الأدلة القاطعة أو الأدلة المرجحة([130]).

ولقد عاب القرآن على أولئك الذين يحاورون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنهم ليسوا مستعدين لتقبل نتيجة المحاورة، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) آل عمران/ 111.

12- ومن ضوابط منهج الحوار أن يكون مقصد وغاية كل طرف من أطراف الحوار إظهار الحق والصواب في الموضوع الذي هو موضع الحوار، حتى لو كان هذا الإظهار على حساب الطرف الآخر([131]).

وقد ساق الإمام الغزالي جملة من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المتناظران أو المحاور فقال: "أن يكون–أي المحاور– في طلب الحق كناشد الضالة، لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً ويشكره إذا عرّفه الحق وأظهر له الحق فهكذا كانت مشاورات الصحابة ومحاوراتهم، حتى أن امرأة ردت على عمر  رضي الله عنه ونبهته إلى الحق وهو في خطبته على الملأ من الناس فقال: (أصابت المرأة وأخطأ عمر)"([132]).

الخاتمــة وفيها أبرز النتائج والتوصيات

وفي ختام هذه الدراسة التي تناولت ضوابط الحوار مع الأخر في ضوء العقيدة الإسلامية، أمكننا أن نتوصل إلى النتائج والتوصيات الآتية:

أولاً: أن هناك جملة من المضامين المعرفية لمفهوم الحوار من بينها القرآن الكريم، ويتضح من خلالها أن الحوار الذي هو أسلوب يجري بين طرفين يجب أن تضبطه ضوابط حتى يكون ذا قيمة وفائدة.

ثانياً: استقامة الحوار على مبدأ التوازن والاعتراف والاحترام، يفرض مراعاة جملة من الشروط والقواعد والآليات، وإلا صارت العملية التحاورية مجرد استلاب يفرضه الأقوى على الأضعف.

ثالثاً: من أهم مقومات الحوار وجود قضية يجري الحوار بشأنها، ووجود أطراف للحوار عندهم القدرة والرغبة في الحوار، وكذلك أن يكون للحوار منهج وأسلوب بحيث يوصل المتحاورين إلى المقصد والغاية من الحوار.

رابعاً: المقصود بأطراف الحوار الأشخاص أو الهيئات التي تلتقي للتحاور، وهؤلاء لابد أن تضبطهم ضوابط حتى يكونوا أهلاً للتحاور وحتى يملكوا شرعية التحاور في تمثيل من يحاورون عنه، من هذه الضوابط ما يتعلق بأخلاق الشخص المحاور لكي يملك روحية الحوار وثقافة التحاور ومصداقيته وحريته، وهناك ضوابط تتعلق بدرجة العلم والمعرفة عند الشخص المحاور والقدرة على الحوار، أيضاً هناك ضوابط تتعلق بإرادة الحوار عند الشخص المحاور ومدى شرعيته في تمثيل الجهة التي يحاور عنها، ونجد أن العقيدة الإسلامية جعلت المحاور المسلم منضبطاً بكل هذه الضوابط.

خامساً: الحوار أساسه وجود قضية محددة بين فريقين أو أكثر ومن يدخل الحوار وليس له قضية فإنه خاسر، ومن كان له قضية ويريد أن يدافع عنها، فعليه أن يضع منهجاً وخطة ليحاور على أساسها، يحسب من خلالها كل خطواته وإلا كان خاسراً وإن كانت قضيته حقاً.

سادساً: أن أسلوب العنف ومواجهة الخصم بأقسى العبارات وأشدها كالذي نشاهده ونسمعه في وسائل الإعلام، ليس هو من أصول الحوار في العقيدة الإسلامية، فهو ليس حواراً بالفكر وجدالاً بالحق، بل قتال بالكلمة يؤدي إلى مزيد من العبث والضياع.

سابعاً: ينبغي أن تكون منهجية الحوار عند المسلم منطلقة من منهج القرآن الكريم في الحوار، القائم على ضوابط غاية في الدقة والإحكام، لأن منهج القرآن التحاوري قائم على مبدأ النزاهة التامة في طلب الحقيقة والبحث عنها، ويلزم المحاور بمبدأ الحق ومناصرته.

ثامناً: إن المسلمين وعبر تاريخهم الحضاري القديم والحديث أثبتوا أنهم دعاة حوار وتفاهم وتعاون مع بني الإنسان، وهذا يصدر عنهم من منطلقات عقدية إيمانية، ذلك أن التسامح والحوار والتعايش الحضاري والسلمي مع مختلف الأديان والثقافات من مقومات الفكر الإسلامي المنبثق من العقيدة الإسلامية السمحة، التي أقرت بالتعدد والاختلاف ضمن سنتي التنوع والتدافع.

تاسعاً: إن المتتبع لحاضر العالم الإسلامي، وما يمر به من أحداث عصيبة ومتنوعة، يدرك أهمية الحوار أولاً مع الذات، لتصحيح المواقف ومراجعة الأفكار لبناء الأمة الإسلامية الواحدة، وثانياً الحوار مع الآخر غير مسلم لتمهيد طريق التعاون بين بني البشر والمحافظة على القيم الإنسانية والأخلاقية دون أن يفرض طرف ثقافته ومعتقداته على الآخر، فهو بذلك يكون حواراً يحفظ للشعوب هويتها وخصوصيتها وذاتيتها، ويمنع الصدام والتناحر والعدوان.

وفي الختام أوصي الباحثين والدارسين في هذا المجال أن يعكفوا على مثل هذه الدارسة التي فيها تجلية لحقيقة العقيدة الإسلامية التي لا ترفض الآخر والتي تقدم للإنسانية المثل والقدوة في التعاون والبناء والتقاء البشر بعامة لأجل الارتقاء بواقعهم، والنهوض بمستقبلهم، ولأجل الحفاظ على القيم والأخلاق النبيلة التي دعت لها الأديان كافة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

(*) المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، المجلد الثالث، العدد(1)، 1428ه- 2007م.

 

 

الهوامش:

 


([1]) مجد الدين بن يعقوب الفيروزآبادي (ت 817ﻫ/ 1414م)، القاموس المحيط، دار الجيل: بيروت، ج2، ص384، مادة ضبط.

([2]) محمد بن مكرم بن علي ابن منظور (ت 711ﻫ/ 1311م)، لسان العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1993م، م8، ص16، مادة ضبط.

([3]) يعقوب بن عبد الوهاب البا حسين، القواعد الفقهية، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1998م، ص67.

([4]) أحمد بن فارس بن زكريا ابن فارس (ت 395ﻫ/ 1004م)، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون،، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، 1991م، المجلد الأول، ص115-117. ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص217، مادة "حور" ؛ الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج2، ص23، مادة "حور".

([5]) ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص217، مادة "حور"؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ج2، ص24، مادة "حور".

([6]) محمد مرتضى الحسيني الزبيدي (ت1205ﻫ/1790م)، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق عبد الكريم العزباوي، مطبعة حكومة الكويت، وزارة الإعلام، 1972م، م11، ص107، مادة "حور".

([7]) ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص218، مادة "حور".

([8]) المصدر نفسه، ج4، ص220، مادة "حور".

([9]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار الذات والآخر، منشورات وزارة الأوقاف، قطر، الطبعة الأولى، 2004م، ص39. مجموعة من باحثي المعهد العالمي للفكر الإسلامي، بناء المفاهيم، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا، الولايات المتحدة، الطبعة الأولى، 1998م، ج1، ص7.

([10]) محمد بن جرير الطبري (ت 310ﻫ/922م)، جامع البيان في تأويل القرآن، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1999م، م 8، ص224.

([11]) برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي (ت 885ﻫ/ 1480م)، نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1978م، ج15، ص58-59.

([12]) محمد الطاهر ابن عاشور، التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م، ج5، ص319-320.

([13]) محمد حسين فضل الله، الحوار في القرآن، دار المنصورة للنشر، الجزائر، ج1، ص22.

([14]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص40.

([15]) زهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكترونيwww.chihab.net ..

([16]) محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م.

([17]) محمد حسين فضل الله، في أسس الحوار بين الأديان، مقالة منشورة في جريدة النهار، العدد، الأحد 10 تموز 2005م.

([18]) ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص212.

([19]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج11، ص105.

([20]) محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 297ﻫ/ 909م)، الجامع الصحيح، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1987م، كتاب التفسير، وقال فيه: وهذا حديث حسن صحيح.

([21]) علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة

الأولى، 1995م، ص101.

([22]) عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص37.

([23]) محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م.

([24]) عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص37.

([25]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ج2، ص203، مادة نظر.

([26]) ابن منظور، لسان العرب، ج14، ص194، مادة نظر.

([27]) الجرجاني، التعريفات، ص 298.

([28]) الزبيدي، تاج العروس، مادة نظر، ج13، ص575.

([29]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص38.

([30]) عبد الملك عبد الرحمن السعدي، حسن المحاورة في آداب البحث والمناظرة، دار الأنبار للطباعة والنشر، بغداد، الطبعة الأولى، 1996م، ص4.

([31]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي: الفرص والتحديات، منشورات المجمع الثقافي، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 1997، ص13.

([32]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص49.

([33]) زهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكتروني www.chihab.net..

([34]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص50.

([35]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار في الإسلام، منشورات وزارة الشباب، عمان، 1995، ص 45.

([36]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص54-55. وزهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكترونيw ww.chihab.net.

([37]) زهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكترونيwww.chihab.net. .

([38]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي... الفرص والتحديات، ص28.

([39]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص60. وزهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكترونيwww.chihab.net ..

([40]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، دار الملاك للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الثانية، 1998م، ص16.

([41]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص47.

([42]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص87. وزهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكتروني www.chihab.net..

([43]) زهير بن أحمنه عبد السلام، آلية الحوار في ضوء سنتي التنوع والتدافع، مقالة منشورة على موقع الشهاب الإليكتروني www.chihab.net ..

([44]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص51.

([45]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص31. ومحمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، دار نهضة مصر، القاهرة، 1997م، ص16.

([46]) أنظر: محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص16-17.

([47]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص31. ويوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي... الفرص والتحديات، ص24.

([48]) لودفيغ هاغمان، الإسلام والمسيحية، مقالة منشورة في مجلة الاجتهاد، العدد 30، السنة الثامنة، 1996م، ص32.

([49]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي - المسيحي... الفرص والتحديات، ص20-24.

([50]) لودفيغ هاغمان، الإسلام والمسيحية، مقالة منشورة في مجلة الاجتهاد، العدد 30، السنة الثامنة، 1996م، ص33.

([51]) صموئيل هنتجتون، الأستاذ في جامعة هارفارد الأمريكية وضع نظرية أخذت شكل مقال في عام 1993 م، ونمت حتى صارت أطروحة كاملة ضمنها في كتاب في عام 1996م وقد عنون لهذه الأطروحة بعنوان "صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي "وتكمن أهمية هذا الطرح أنه يحدد مسار السياسات الغربية المستقبلية وبالذات مع العالم الإسلامي، وأن الغرب عليهم أن يخضعوا العالم الإسلامي لحضارة الغرب وثقافته، لأن الصراع مع الإسلام سيكون صراع بقاء، أنظر: مقالة منشورة تحت عنوان " الإسلام والغرب... صراع أم حوار" على الموقع الإليكتروني islamonline.net.

([52]) الأمير الحسن بن طلال، كلمة سمو الأمير في افتتاح ندوة الحوار العربي الأوروبي الخامس، مجلة المنتدى، تصدر عن منتدى الفكر العربي، عمان/ الأردن، تشرين أول 1993م، ص4-6.

([53]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي ... الفرص والتحديات، ص26.

([54]) كيرلس سليم بترس، أفكار وآراء في الحوار المسيحي الإسلامي والعيش المشترك، المكتبة البولسية، لبنان، 1999م، ص123. يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي ... الفرص والتحديات، ص55. عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص34.

([55]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص36.

([56]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص30-31.

([57]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص37.

([58]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص40.

([59]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص16-17.

([60]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص34.

([61]) محمد بن عيسى الترمذي، سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة

وقال حديث حسن غريب، حديث رقم 1977.

([62]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص 46. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص81.

([63]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص17-18.

([64]) أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774ﻫ/1372م)، مختصر تفسير ابن كثير، اختصار: محمد على الصابوني، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة السابعة، 1981 م، م2، ص482.

([65]) شهاب الدين محمود الألوسي (ت 1270ﻫ/1853م)، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 2001م، ج5، ص 253.

([66]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص41. وأنظر: عبدالستار الهيتي، الحوار ...الذات والآخر، ص94.

([67]) عطاء بن أبي رباح واسمه أسلم القرشي، أبو محمد المكي، ولد في خلافة عثمان بن عفان، وكان مولى لبني جمح، مات سنة 117ﻫ. أنظر: الحافظ المزي، جمال بن يوسف المزي، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م، م5، ص166.

([68]) محمد بن محمد الغزالي (ت 806ﻫ/1403م)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة، بيروت، ج3، ص98.

([69]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص34. وأنظر: عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص47. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار...الذات والآخر، ص77.

([70]) حسين بن محمد الراغب الأصفهاني (ت 502ﻫ/ 1108م)، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، تحقيق: عمر الطباع، دار الأرقم بيروت، الطبعة الأولى، 1999م، ج1، ص104.

([71]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص 47. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار ...الذات والآخر، ص94.

([72]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص20.

([73]) عبد العزيز الخياط، أدب الحـوار، ص 35. تيسيـر

محجوب الفتياني، الحوار في السنة وأثره في تكوين المجتمع، ص24.

([74]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص36. تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة وأثره في تكوين المجتمع، ص24. ومحمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص7.

([75]) محمود بن عمر الزمخشري (ت 537ﻫ/1142م)، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار أحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1997م، ج1، ص14.

([76]) عبدالعزيز الخياط، أدب الحوار، ص35. وعبدالستار الهيتي إبراهيم، الحوار... الذات والآخر، ص70.

([77]) عبد الستار إبراهيم الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص78. ومقالة منشورة على موقع (ملتقى أهل الحديث) الإليكتروني، تحت عنون " ضوابط الحوار أمل القراءة والتقويم.

([78]) ذكر ابن كثير أن الملك هو ملك بابل ويسمى "النمرود بن كنعان". أنظر: محمد علي الصابوني، مختصر ابن كثير، دار القرآن الكريم، بيروت، الطبعة السابعة، 1981م، ج1، ص234.

([79]) محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص7.

([80]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص22.

([81]) فرانسوا باسيلي، حوار الأديان أم حوار الطرشان، مقالة منشورة في مجلة القدس العربي، لندن، في 27/8/2004م، انظر في الموقع الإليكتروني www.alquds.uk.com..

([82]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي- المسيحي ... الفرص والتحديات، ص12.

([83]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي- المسيحي ... الفرص والتحديات، ص38.

([84]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص22.

([85]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص21.

([86]) أنظر: محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص7.

([87]) أنظر: عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص35. وأنظر، يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي ... الفرص والتحديات، ص62.

([88]) محمد بن عبد الله بن الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، دار المعرفة، بيروت، 1998م، ج4، ص308.

([89]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص11- 12.

([90]) عدنان علي رضا النحوي، حوار الأديان ... دعوة أم تقارب أم تنازل، دار النحوي للنشر، الطبعة الأولى، 2001م، ص21.

([91]) محمد بن شاكر الشريف، الموقف من الرأي الأخر، مقالة منشورة في مجلة البيان، تصدر عن المنتدى الإسلامي، لندن، العدد 206، شوال، 1425ﻫ/ 2004م، ص11.

([92]) عبدالرحمن حسن حبنكة، العقيدة الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق، الطبعة السادسة، 2000م، ص615.

([93]) ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، ج27، ص304.

([94]) أنظر: ابن تيمية، احمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، ج27، ص304.

([95]) محمد بن شاكر الشريف، الموقف من الرأي الأخر، مقالة منشورة في مجلة البيان، تصدر عن المنتدى الإسلامي، لندن، العدد 206، شوال، 1425ﻫ/ 2004م، ص12.

([96]) عدنان علي رضا النحوي، حوار الأديان ... دعوة أم تقارب أم تنازل، ص17.

([97]) سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي... ضرورة المغامرة، دار المنهل اللبناني، بيروت، ص39-40.

([98]) يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي ... الفرص والتحديات، ص41.

([99]) سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي... ضرورة المغامرة، ص40.

([100]) سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي... ضرورة المغامرة، ص41.

([101]) بالتصرف: يوسف الحسن، الحوار الإسلامي المسيحي... الفرص والتحديات، ص42-44.

([102]) كيرلس سليم بتـرس، أفـكار وآراء في الحـوار

المسيحي الإسلامي والعيش المشترك، المكتبة البولسية، لبنان، 1999م، ص126-127.

([103]) سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي... ضرورة المغامرة، ص42.

([104]) سعود المولى، الحوار الإسلامي المسيحي... ضرورة المغامرة، ص41.

([105]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص27. عدنان علي رضا النحوي، حوار الأديان ... دعوة أم تقارب أم تنازل، ص20.

([106]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص27-28.

([107]) محمد حسين فضل الله، في أسس الحوار بين الأديان، مقالة منشورة في جريدة النهار، الأحد، 10 تموز 2005م.

([108]) محمد حسين فضل الله، في أسس الحوار بين الأديان، مقالة منشورة في جريدة النهار، الأحد، 10تموز 2005م.

([109]) محمد حسين فضل الله، في أسس الحوار بين الأديان، مقالة منشورة في جريدة النهار، الأحد، 10 تموز 2005م

([110]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص29.

([111]) محمد حسين فضل الله، في آفاق الحوار الإسلامي المسيحي، ص19.

([112]) عبدالرحمن حسن حبنكة، ضوابط المعرفة، ص367.

([113]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص36-38.

([114]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص45. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص93. ومحمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص25.

([115]) محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص7. وأنظر: ومحمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص26.

([116]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص26.

([117]) محمد سيد طنـطاوي، أدب الحـوار في الإسـلام،

ص23. وعبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص44.

([118]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص44. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص67. وأنظر: محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص23.

([119]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص23.

([120]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص49.

([121]) عبد العزيز الخياط، أدب الحوار، ص49-50.

([122]) محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص8.

([123]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص42. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص67-69.

([124]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص42.

([125]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص42. وأنظر: محمد محسن العيد، الحوار والمعرفة، مقالة منشورة في مجلة النبأ، العدد 48، آب، 2000م، ص8.

([126]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص53.

([127]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص38.

([128]) تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص38.

([129]) عبد العزيز الخياط، الحوار في السنة، ص38.

([130]) عبد الستار الهيتي، الحوار... الذات والآخر، ص52. وأنظر: تيسير محجوب الفتياني، الحوار في السنة، ص41.

([131]) محمد سيد طنطاوي، أدب الحوار في الإسلام، ص28. وأنظر: عبد الستار الهيتي، الحوار ... الذات والآخر، ص74.

([132]) محمد بن محمد الغزالى، إحياء علوم الدين، ج1، ص44. وأنظر: الأصفهاني، محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء، ج1، ص101.