اسم المفتي : لجنة الإفتاء

الموضوع : ليس بين الكتاب والسنة تعارض في شأن حد الردة

رقم الفتوى : 901

التاريخ : 02-08-2010

السؤال :

ما حكم المرتد عن الدين، أرجو أن يتم الرجوع إلى الآية (217) من سورة البقرة، والآية (54) من سورة المائدة، والآية (138) من سورة النساء عند الإجابة، حيث إن القرآن الكريم يقيني الثبوت والأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم ظنية الثبوت؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
من المتفق عليه عند الأصوليين أن القرآن الكريم قطعي الثبوت، أما من حيث الدلالة، فقد يكون قطعي الدلالة أو ظنيها. والسنة النبوية الشريفة: بعضها قطعي الثبوت والدلالة، ومنها ظني الثبوت والدلالة.
ومن المعلوم أيضا في علم أصول الفقه أن السنة مفسرة للقرآن وشارحة له، كما قال الله عز وجل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) النحل/44، وقال سبحانه: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) النحل/64. وقال صلى الله عليه وسلم: ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه.
ولذلك فالمنهج العلمي السليم هو الجمع بين الآيات والأحاديث في ضوء قواعد علم أصول الفقه، واستنباط الأحكام الشرعية بالنظر إليها جملة واحدة، لأنها صادرة من مشكاة واحدة، وكل المناهج التي تحاول إقصاء السنة النبوية - تحت أي ذريعة - إنما تهدم ولا تبني، وتخالف صريح العقل وصحيح النقل.
وأما الآيات المذكورة في السؤال وهي قول الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة/217. وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) المائدة/54. وقوله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) النساء/137-138.
فليس في أي منها نفي حد الردة، وليس فيها ذكر عقوبة دنيوية أخرى، وإنما تشتمل على الوعيد الشديد في الآخرة لمن مات على الكفر، وهذا لا ينافي بوجه من الوجوه ما ثبت في السنة من إثبات حد الردة، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رواه البخاري.
لذلك نرجو من القارئ إعادة التأمل في الآيات الكريمات، وعدم التمحل في إحداث المعارضة بينها وبين السنة النبوية، فالكتاب والسنة الصحيحة يتفقان ولا يتعارضان. والله أعلم.