الموضوع : الذنوب وأسباب مغفرتها

رقم الفتوى : 3484

التاريخ : 31-03-2019

السؤال :

إذا وقع المسلم في معصية فما عاقبته في الآخرة، وكيف يفعل ليتجنب العقوبة، وهل هناك ذنوب لا يغفرها الله تعالى؛ لأنّ بعض الناس يشعر بالقنوط إذا أصاب ذنباً من الذنوب؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

المسلم يحرص على رضا الله تعالى في كلّ أموره بفعل ما أمره الله به، واجتناب ما نهاه الله عنه، وقد يقع من المسلم شيء من الزّلل أو الغفلة تجعله يقع في المعصية ومخالفة الشرع، وإذا حصل من الإنسان شيء من ذلك فعليه المبادرة بالاستغفار والتوبة عما وقع فيه، وقد بيّن القرآن الكريم حال المسلم إذا وقعت منه الذنوب والمعاصي، قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر/ 53.

وإنّ المعصية في الأصل سبب من أسباب غضب الله تعالى، وموجبة للعقوبة في الآخرة، بل قد تؤثر على حياة الإنسان في الدنيا، فتجعله مضطرباً في سلوكه وعلاقته بالآخرين، ولا يصاحبه التوفيق في أعماله وأوقاته، سواء لاحظ ذلك بالفعل أو لم يلاحظه، ولذلك فإنّ الله تعالى شرع لنا في الإسلام طرقاً كثيرة للتوبة من المعاصي واستدراك ما فات.

فإذا كانت المعصية التي وقع فيها العبد كبيرة من الكبائر، كالرّدة والزّنا والرّبا وشرب الخمر وعقوق الوالدين وقذف المحصنات وقتل النّفس وأكل مال اليتيم، فإنه يجب عليه وجوباً عينياً أنْ يتوب منها، والتوبة تتحقق بأمور ثلاثة: أن يقلع عن المعصية فوراً، ويعزم على عدم العودة إليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يجد في قلبه ندماً على ما قصر فيه فيستغفر الله على ما كان، فإذا فعل ذلك غفر الله تعالى له كما وعد، قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} الشورى/25، وإذا كانت المعصية متعلقة بحقّ من حقوق الناس كأن يأخذ مال أحدٍ، فيجب عليه أيضاً أن يعيد الحقّ لصاحبه.

وأمّا إذا كانت المعصية دون الكبائر؛ فإن الله تعالى جعل لها أسباباً كثيرة للمغفرة رحمةً منه وفضلاً، ولو شاء لما عفا عن شيء، قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشورى/30، ومن هذه الأسباب: التوبة بحسب الشروط المذكورة آنفاً، وإسباغ الوضوء، والمشي إلى المساجد، والسجود، وصوم رمضان، وقيام الليل، واجتناب الكبائر، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} النساء/31، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟( قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ) رواه مسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ) رواه مسلم.

وقد ذكر علماء الشّريعة أنّ الإصرار على الصغائر كبيرة من الكبائر؛ لأنّ الإصرار على المعصية فيه استهانة وقلّة مبالاة، فينبغي للمسلم أن يحرص على التوبة الدائمة من كل ذنب، وأن لا يكرر المعاصي، وأن لا يسأم من التوبة مهما وقع في المعصية، وأن لا يقنط من رحمة الله تعالى، فإن القنوط أحد المعاصي؛ لأن القانط كأنه يستقل رحمة الله وفضله.

ومهما كان الذنب الذي يقع فيه المسلم من صغيرة أو كبيرة، فإن الله يغفره بتوبة صاحبه عنه، ولا يجوز تكفير المسلمين بذنوبهم مهما كانت، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتكفير المسلمين بارتكاب الذنوب هو مذهب الخوارج، وهو مذهب باطل لا يصح شرعاً، جاء في [تحفة المحتاج 3/  92]: "... وإلا فكل مسلم ولو فاسقاً يدخلها أي الجنة، ولو بعد عذاب وإن طال، خلافاً لكثير من فرق الضلال كالمعتزلة والخوارج".

وعليه؛ فإنّ المسلم الذي يقارف ذنباً من الذنوب مؤمن ليس بكافر، ويجب عليه شرعاً أن يتوب من ذنبه ويعزم على عدم الوقوع فيه ويرد الحقّ لصاحبه، ولو وقع مرة أخرى في المعصية عاد إلى التوبة، وأعاد تجديد عهد العبودية لله تعالى، ولا يقنط من معصية أبداً، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. 

ومن مات ولم يتب من ذنبه، فهو في مشيئة الله تعالى، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، قال اللقاني رحمه الله في [جوهرة التوحيد]:

ومن يمتْ ولم يتب من ذنبه     فأمرُه مفوضٌ لربه. والله تعالى أعلم.