الموضوع : ماذا تفعل وقد دهمها الحيض في رحلة الحج

رقم الفتوى : 3182

التاريخ : 16-03-2016

السؤال :

هل يجوز للمرأة إتمام مناسك الحج إذا حاضت خلال فترة الحج ؟

الجواب :

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله 

لا يشترط في مناسك الحج الطهارة إلا في الطواف؛ فمن شروط صحة الطواف الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، ويشترط للمكث في المسجد الحرام وغيره من المساجد الطهارة من الحدث الأكبر فقط، وتختلف الفتوى في هذه المسألة باختلاف الظرف المكاني والزماني، واختلاف الاعتبارات الفقهية لدى فقهاء المسلمين، ولذلك فإننا ننصح ابتداء المرأة التي يعرض لها الحيض بعد الإحرام وقبل الطواف أن تتوجه بنفسها بسؤال أحد العلماء، كي يستفصل عن متعلقات السؤال التي تؤثر في الفتوى، لكل حالة على حدة.

ذلك أن الحائض إذا أمكنها المكث في مكة والانقطاع عن الرفقة حتى تطهر، أو تيسر لها السفر والبقاء على إحرامها ثم العودة في أقرب فرصة لاستكمال مناسكها، فذلك هو الواجب عليها، حرصاً على أداء نسكها على أكمل وجه، بعيدا عن رخص الفقهاء التي نلجأ إليها عند المشقة البالغة، أما إذا تيسرت العزيمة للحائض، من جهة المال والأمان والمحرم ونحو ذلك، فالأصل أن تلتزم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة: (افْعَلِي كَمَا يَفْعَلُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي) متفق عليه.

أما إذا وقعت في حرج شديد ومشقة بالغة، ولم تتمكن من امتثال الأصل الواجب، فقد اختلف الفقهاء في الرخصة المتاحة لهذه الحالة على مذاهب:

أولا: مذهب الشافعية

قالوا: إن خشيت التخلف عن رفقتها لنحو فقد نفقة، أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، فإذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة - وقد قال بعض العلماء إنه مسافة القصر- تحللت تحلل المحصر بالذبح والتقصير مع نية التحلل، ويبقى الطواف في ذمتها، فإن عادت إلى مكة ولو بعد زمن طويل طافت، وهو معتمد المذهب. ثم قالوا: الأحوط لها أن تقلد مذهب أبي حنيفة في المسألة. لأنها على مذهبهم لم يتم حجها أو عمرتها، ولم تؤد فريضتها.

جاء في كتاب [تحفة المحتاج 4 / 74]: "ولو طرأ حيضها قبل طواف الركن، ولم يمكنها التخلف، لنحو فقد نفقة، أو خوف على نفسها، رحلت إن شاءت، ثم إذا وصلت لمحل يتعذر عليها الرجوع منه إلى مكة تتحلل كالمحصر، ويبقى الطواف في ذمتها، والأحوط لها أن تقلد من يرى براءة ذمتها بطوافها قبل رحيلها".

وجاء في كتاب [حاشية البجيرمي على الخطيب 1 / 362]: "فالمرأة الحائض تصبر حتى ينقطع حيضها، ثم تتطهر وتطوف، فإن خافت التخلف عن الرفقة خرجت معهم إلى محل لا يمكن عودها له، ثم تتحلل كالحصر أي بذبح فحلق مع النية، وإذا عادت إلى مكة ولو بعد مدة مديدة طافت بلا إحرام".

ثانيا: مذهب الحنفية

قالوا بأن الحائض إذا شدت نفسها وتحفظت، وطافت بالبيت، كان طوافها حراماً وفيه معصية، ولكنها تتحلل به من إحرامها، وعليها ذبح بدنة.

جاء في كتاب [البحر الرائق شرح كنز الدقائق 1 / 207]: "يمنع الحيض الطواف بالبيت، وكذا الجنابة؛ لما في الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة رضي الله عنها لما حاضت بسرف: (اقْضِي مَا يَقْضِي الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) فكان طوافها حراماً، ولو فعلته كانت عاصية معاقبة، وتتحلل به من إحرامها بطواف الزيارة، وعليها بدنة، كطواف الجنب. وعلل للمنع صاحب الهداية بأن الطواف في المسجد، وكان الأولى عدم الاقتصار على هذا التعليل فإن حرمة الطواف جنباً ليس منظورا فيه إلى دخول المسجد بالذات، بل لأن الطهارة واجبة في الطواف، فلو لم يكن ثمة مسجد حرم عليها الطواف، كذا في فتح القدير وغيره.

وقد يقال: إن حرمة الطواف عليها إنما هي لأجل كونه في المسجد، وأما إذا لم يكن الطواف في المسجد بل خارجه فإنه مكروه كراهة تحريم؛ لما عرف من أن الطهارة له واجبة على الصحيح، فتركها يوجب كراهة التحريم، ولا يوجب التحريم، إلا ترك الفرض. ولو حاضت بعدما دخلت وجب عليها أن لا تطوف وحرم مكثها كما صرحوا به".

ثالثا: مذهب المالكية

قالوا بأن للمرأة الحائض أن تطوف أثناء الطهر المتخلل للحيض؛ لأن الطهر المتخلل للحيض يعد طهراً عندهم، وهو معتمد مذهب المالكية، وقال به بعض الشافعية على غير معتمد المذهب عندهم.

جاء في كتاب [شرح مختصر خليل للخرشي 2 / 343] - نقلا عن القاضي عياض-: "إنها في مثل هذا الزمن الذي لا يمكنها السير إلا مع الركب تصير كالمحصر بالعدو، أي: فلها التحلل بنحر هدي، أو ذبح يجزئ ضحية.

وهذا كله حيث لم ينقطع عنها الدم أصلاً، أو انقطع بعض يوم، وعلمت أنه يأتيها قبل انقضاء وقت الصلاة؛ لأن حكمها حكم الحائض، إذ هو يوم حيض، فلا يصح طوافها بل تتحلل.

وأما إن انقطع عنها يوماً، وعلمت أنه لا يعود قبل انقضاء وقت الصلاة، أو لم تعلم بعوده، ولا بعدمه، فيصح طوافها؛ لأن المذهب أن النقاء أيام التقطع طهر فيصح طوافها في هاتين الحالتين". وللتوسع في حكم "الملفقة" ينظر: "مدونة الفقه المالكي" للصادق الغرياني (1/206)

رابعا: مذهب الحنابلة 

ورد عن الإمام أحمد رواية في طواف الحائض أنه يصح، وأنها تجبره بدم. جاء في كتاب [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي 1/ 348]: " في الصحيح من المذهب: أن الحائض تمنع من الطواف مطلقا. ولا يصح منها. وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم. 

وعنه: يصح، وتجبره بدم، وهو ظاهر كلام القاضي. 

واختار الشيخ تقي الدين جوازه لها عند الضرورة. ولا دم عليها".

وتوسع ابن تيمية من الحنابلة فأجاز للمرأة المضطرة التي تخشى فوات رفقتها أن تطوف على حالها ولا شيء عليها.

جاء في كتاب [الفتاوى الكبرى لابن تيمية1 / 465]: "جواب أحمد يبين أن النزاع عنده في طواف الحائض وغيره، وذكر عن عمر وعطاء وغيرهما التسهيل في هذا.

ومما نقل عن عطاء في ذلك: أن المرأة إذا حاضت في أثناء الطواف، فإنها تتم طوافها. وهذا صريح من عطاء: أن الطهارة من الحيض ليست شرطاً، وقوله مما اعتد به أحمد، وقد ذكر حديث عائشة، وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) متفق عليه، يبين أنه أمر بليت به نزل عليها ليس مِن قِبَلها، فهي معذورة في ذلك؛ ولهذا تعذر إذا حاضت وهي معتكفة، فلا يبطل اعتكافها، بل تقيم في رحبة المسجد، وإن اضطرت إلى المقام في المسجد أقامت به.

وكذلك إذا حاضت في صوم الشهرين لم ينقطع التتابع باتفاق العلماء. وهذا يقتضي أنها تشهد المناسك بلا كراهة، وتشهد العيد مع المسلمين بلا كراهة، وتدعو وتذكر الله، والجنب يكره له ذلك لأنه قادر على الطهارة. وهذه عاجزة عنها، فهي معذورة.

كما عذرها من جوز لها القراءة، بخلاف الجنب الذي يمكنه الطهارة، فالحائض أحق بأن تعذر من الجنب الذي طاف مع الجنابة، فإن ذلك يمكنه الطهارة، وهذه تعجز عن الطهارة، وعذرها بالعجز، والضرورة أولى من عذر الجنب بالنسيان، فإن الناسي لما أمر بها في الصلاة يؤمر بها إذا ذكرها، وكذلك من نسي الطهارة للصلاة، فعليه أن يتطهر ويصلي إذا ذكر، بخلاف العاجز عن الشرط، مثل: من يعجز عن الطهارة بالماء فإنها تسقط عنه، وكذلك العاجز عن سائر أركان الصلاة، كالعاجز عن القراءة، والقيام، وعن تكميل الركوع والسجود، وعن استقبال القبلة، فإن هذا يسقط عنه كل ما عجز عنه، ولم يوجب الله على أحد ما يعجز عنه، ولا سقط عنها الطواف الذي تعذر عليه بعجزها عما هو ركن فيه، أو واجب كما في الصلاة وغيرها، وقد قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ 16، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم) رواه البخاري.

وهذه لا تستطيع إلا هذا، وقد اتقت الله ما استطاعت، فليس عليها غير ذلك، ومعلوم أن الذي طاف على غير طهارة متعمداً آثم، وقد ذكر أحمد القولين: هل عليه دم، أم يرجع فيطوف، وذكر النزاع في ذلك، وكلامه يبين في أن توقفه في الطائف على غير طهارة يتناول الحائض والجنب، مع التعمد، ويبين أن الناسي أهون بكثير، والعاجز عن الطهارة أعذر من الناسي". انتهى كلام ابن تيمية.

وأخيرا نذكر بأن من تأتيها حيضتها وهي محرمة، لا بد لها من الاستفتاء بخصوص حالتها، كي ينظر الفقيه فيما يمكن اعتباره من الظروف والأقوال والأعذار الشرعية. والله تعالى أعلم.